١٣
بيرل:
اليوم لم يحدث شيء جديد، صحيح أني تكيفت وجمعت الكثير من الذكريات الماضية والجديدة لكني أشعر ببعض الملل والنقصان هنا
أبي مَرِح وذو شخصية رائعة ومتّزنة، ماثيو غامض للغاية لكنه مرح أيضاً وناتالي مجنونة تماماً ولكن أحياناً حزينة وأنا مازلت أكتشف نفسي
تناولت الغداء مع أبي بشراهة وهو كان ينظر باِستغراب ويبتسم لأنها تبدو أول مرة أتناول فيها شيء رائع كهذا، أطلق ضحكة خافتة ليتحدث وعينيه على طبقه "مايزال هذا طعامكِ المفضل"
رمشت باستغراب لأتلفظ "وأنا مستغربة من نفسي وأقول لمَ لا يمكنني التوقف عن الإستمتاع بكل قضمة"
رفع كتفيه بغرور "أنا الأفضل في إعداده كنتِ دائماً تقولين هذا"
تناولت قضمة أخرى لأصرح "أنت الأفضل، حتى لو كنت فاقدة للذاكرة ولا أعرف ماهي شخصيتي ستبقى الأفضل"
"حسناً في الحديث عن شخصيتك… كنتِ مختلفة قليلاً… ثرثارة ولا تصمتين وكثيرة الحركة ومتمردة وكان الخوف يخاف منكِ" أطلق ضحكة متنهداً ليتابع "لكنكِ بكل حالاتك مازلتِ بيرل ابنتي، صغيرتي"
"لكني الآن لست على سجيتي وأخاف من أبسط الأشياء وليس لدي شيء لأقوله طوال الوقت"
"لا بأس بيرل هذا ليس مهم الآن… طالما أنكِ بخير لستِ خاسرة، ستعوضين كل شيء لا تقلقي"
أومأت بتبسم لأكمل طبقي، لا يمكنني أن أترك هذا الطعام اللذيذ وأحزن كالحمقاء، نهضت لأتفوه "شكراً على الطعام أبي! أتمنى أن تقوم بإعداده دائماً!"
رفع لي إبهامه كاتماً ضحكته لأتابع "أنا سأتنزه قليلاً… سأعود باكراً"
"استمتعي بوقتك"
خرجت مرتدية معطفي الرمادي المألوف الذي يعجبني، أعتقد أنه كان المفضل لدي، وحشرت السماعات بأذني لأستمع لبعض الأغاني الموجودة بهاتفي منذ السابق
حسناً لقد اكتشفت الكثير من الأشياء عن نفسي اليوم، كنت أتجول في الشوارع القريبة ولم يكن من الصعب علي تذكر طريق البيت لكن فجأة قطع الأغنية صوت رنين مكالمة من رقم جديد لا أعرفه
همهمت بتساؤل لأجيب جاذبة مكبر الصوت الذي في السماعة "مرحباً…" لم أسمع الكثير من الطرف الآخر، صوت سيارات وارتطام ملاعق وموسيقى خافتة للغاية
"كيف حالكِ بيرل؟" صوته زاد من سرعة نبضاتي وصدمني كأنه أسقط الثلج على رأسي، لم أتوقع أن أسمع صوته مجدداً، لم يكن في بالي أبداً ولكني سعيدة للتحدث إليه نوعاً ما لأستطرد "كارل!… أهلاً كيف حالك، كيف هي روزلي والطبيبة وهيوغو والجميع؟"
لم أستغرب وجود رقمي عنده لأن هاتفي كان معه وكان يعرف كلمة المرور لكن هذه تعتبر وقاحة
كان يأخذ وقتاً طويلاً حتى يحيب "أجل… جميعنا بخير، روزلي وهيوغو يفتقدانكِ بشدة… كيف حالكِ بيرل؟"
عقدت حاجبي فهاقد كرر سؤاله لكن بنبرة مختلفة، بدى لي كأنه هادئ ومسترخٍ رغماً عنه لأرتب شعري بعفوية مجيبة "أجل أنا بأفضل حال… أتمنى لو يمكنني التحدث إليهم لكن بالنهاية قد تكون آخر مرة أتحدث فيها إليك وأعرف منك أخبارهم"
حمحم ليتفوه "لا!… أعني أيمكن_ أتعلمين إنسي الأمر"
والآن عرفت ما خطب هذا الرجل، أنا لا أطلب منه السؤال عن حالي ولا أريد منه شيء، لا أعلم من أرغمه على الإتصال بي، فتحدثت بتردد "هل مازلت تكره… أعني لديك حساسية مني؟ إن كان كذلك فلا بأس أنا أتقبل ذلك، أنت لست مضطر لأن تدعي أنك تحبني أو مهتم لشأني"
تنهد طويلاً ثم أجابني بنفس هدوئه المعتاد "أجل أتعلمين لست مضطر لأتصنع… ألديكِ علم بأنني لم أنم سوى أربع ساعات منذ أن رحلتِ وكل ذلك بسببك؟…"
أغمضت عيني بلا حيلة فها هو يفرغ ما في قلبه ويتهمني بأشياء غير منطقية كالعادة لأتفوه "أتقبل كل ذلك، هل يمكنني مساعدتك بشكل ما لتنام دون وضع اللوم علي؟" قلت الأخيرة ببعض السخرية
كانت زفراته واضحة الصوت، ومجدداً أخذ وقت حتى أجاب "فقط أخرجي من رأسي… في أي وقت وأي مكان ومهما كنت منشغل أنتِ لا تخرجين من رأسي… سحقاً لكِ"
لم تكن لدي إجابة على كل ذلك بل ولدت كلماته الأسئلة فتابع بشيء من الغضب "لا يهم بعد الآن… فأنتِ في بيتك، أتعلمين ما الذي تغير بعدما رحلتِ؟ بالتأكيد لم تفكري يوماً بذلك، لم تفكري بأنني مُغرم بكِ وأني أفتقدكِ بشدة… سحقاً لكِ! أتمنى لو أني لم أعرفكِ في حياتي ولم أقع بحبك ولم أحترق مع قلبي بسببك… سحقاً لكِ!"
باح بغضبه كأنه دفعني لأسقط في هاوية لا أعرفها للمرة الثانية، أسقط وأغرق في صدمتي وأسئلتي وحيرتي، وأشياء أخرى ليتني أستطيع إعطاءها إسم يلائم فظاعتها
جميع من كانوا يسيرون بالجوار لم يحركوا أعينهم عني، رغم ذلك كنت أشعر أنني وحدي، ولا أحد حولي سوا الظلام، أغمضت عيني بقوة كأنني أهرب من الواقع، لكن لا… ليس هذه المرة، أنا أعرف من أكون الآن ولست خائفة من شيء
مشيت في طريقي بهدوء وأخفيت كل صدمتي ومشاعري السيئة قائلة "تقول هذا بعدما عشت المُرّ في قصرك يا… كارنيليوس، هل يتوجب علي تصديقك؟"
أجاب "أتقبّل كل ذلك ولا ألومك… ولا أعتقد أنه هناك فائدة من الإعتذار أو أي شيء… لن أكذب عليكِ وأقول أني لا أشعر بالذنب على كل لحظة فوّتها وأنا أزعجك… لكن لا… لا فائدة"
لم أفكر بالإنتقام من قبل، وهذا كان من قبل والأمور لا تبقى على حالها دائماً، فهمهمت لأتحدث بلا مبالاة "أصغي أيها المنقذ، أنت تستحق ذلك، إحترق أنت وقلبك حتى ينقضي وقت منطقي لشفاء جروحي"
أطلق ضحكة خافتة يتخللها الذنب ليتفوه "لست خائف من هذه الحقيقة أبداً… إنه أمر رائع وسيء في نفس الوقت… لن تفهمي مهما شرحت لكِ لذا… اهتمي بنفسك… وأنا سأهتم بقطيعي… رغم أني أعلم أنكِ لن تفارقي تفكيري، ولن يتسبب شيء في تسارع نبضاتي غيرك"
كان ينتظر إجابتي لكن الدراجة النارية السريعة التي مرت من جانبي لم تكن تسمح لصوتي بالوصول، لكن عندما انعطفت للشارع الآخر سمعت ضجتها في هاتفي من عند كارل لكنه أنهى المكالمة، اتسعت عيني لأسرع بخطواتي وأنعطف متتبعة الطريق الذي سلكته الدراجة
لأجد نفسي بعد بضعة خطوات أمام مقهى مكتظ بالناس، و واحدة من الطاولات الخارجية شاغرة، يرتكز فوقها كوب نصف ممتلئ من عصير الليمون، نظرت حولي فأنا متأكدة من أن كارل كان هنا، ولا يمكنني إيجاد السبب الذي دفعني للبحث عنه، لكن كما سعدت لسماع صوته سأسعد لرؤيته أيضاً رغم كل شيء ورغم كل الضعف والغباء الذي اقترفته بحق نفسي
كنت سعيدة بحقيقة أنه يتعذب دون أن أنتقم منه، لكن ليس لهذا، بل لأنه يحبني
اقتربت من الطاولة ولم يلاحظني أحد لأرفع الكوب وأتذوقه، فوضعته مكانه سريعاً لأتمتم "عصير ليمون حامض" ……
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro