02: جوهرُ الحياةُ
.
" سكارلت، لستِ غاصبةً مِني.. صحيح؟ "
كانت تسندُ رأسها على صدره وَ تحيط عنقه بِيديها، تخفي وجهها عَن الكُل فيما يرتبُ خصلات شعرها الثلجي. سؤاله كان بِغيةِ التأكد بِأن الفتاةَ لا تكُن تجاهه إي بغض في حينِ علمه بِأن صفاء قلبها لَن يسمح لها بِالبقاءِ غاضبة مِنه طويلاً..
وَ ذلك تأكد عِندما همهمت نعسة بِالإيجاب، وَ سببت راحة باله أخيراً.
كان بِمقدورِه التمسيد على شعرها وَ ترتيب خصلاته المُتمردة دون الشعور بِالذنبِ،
فعينيه كانت تراها بِشكلٍ ما مادة شعرية مليئة بِالخفايا الغائمة.. تنفجرُ الكلمات في جوهرِها وَ تحملُ غبارها في مسام شخصيتها الأثيرة..
وَ هو كان على أتم أستعداد، أن يقضي عمره بِأكمله في أستكشافِها.
ربما لِأنه يرى ضوءاً مُنبعثاً مِنها حتى عِندما تخلدُ لِلنومِ..
لَيس لِانه يراها بِأعين مُحبة وَ لا حتى مشاعر تمتُ لِلأخوة بِصلةِ،
بَل لِأنه يدركُ أن لا مكان نهائي لِراحةِ البال..
وَ مَع ذلك هي تقدرُ على بعث ما تفقده بِروحه
كما لو أنها تثبت له بِأن فاقد الحُب هو أفضل مَن يعطيه!..
وَ هي تحديداً.. مِن بين الجميعِ، هي أكثر مَن يستحقُ نهاية سعيدة!
فلا طفل بِعُمر العاشرة يقاسي ما تمر مِن خلاله،
وَ لا طفل يتخلى عَن طفولته لِيساير أحداث الحياة مثلها.
" نواه، خُذ سكارلت إلى الداخل.. "
قاطعت لحظته الصافية وَ أزالت أبتسامته الهائمة، حدقتيه أرتفعا عَن الصغيرة بين يديه وَ إليها حيثُ تقفُ عِند باب النزل وَ تمسكُ به تسترُ أشقائها عَن الأعين الغريبة. على وجه الدقة، فهو جاعد مساحة حاجبيه مُستنكراً مجيئ الصيادين بِوقتِ باكر كهذا، فوضحت قائلةً:" هُم عائدون مِن الشمالِ بِسبب برودة الجو وَ إصابة أحدهم أثناء الصيد. "
" غريس، تعرفين أن والداي ليسا بِالمنزل.. كيف ستدبرين أمرهما وحدك؟ "
" لطالما فعلت. "
وَ كانت تِلك إشارته بِأن يسارعُ في تنفيذِ رغبتها وَ التواري عَن الأنظار.
أحاط سكارلت بِذراعيه وَ حملها بِوضعيتها إلى القسم الثاني مِن النزلِ، بِمخططه أن يبقى معها حتى تتجه الشمس لِمغربِها..
لَكن جانب مِنه يأمره بِأن يتركها نائمة وَ يراقبُ غريس وَ النزلاء حرصاً على سلامتها لا أكثر.
وَ لِطبيعته التي تتأرجح بين الأنصياعِ وَ الأعتراض، هو قرر وضع سكارلت لِتنام بِسلام وَ المُراقبة مِن خلفِ الستائر المُسدلة.
رؤيته المشوشة تدلي بِتواجد رجلان يقفان خلف غريس فيما ترتبُ الفراش لهما، أحدهم يربط يده بِقماشٍ مُلطخ بِدماءه وَ الأخر يدور حول نفسه مُتفحصاً المكان قبل أنفراج شفتيه بِأبتسامتةٍ ماكرةٍ:
"إذاً أنتِ مَن سيخدمنا لليلة؟"
أزاح الستار قليلاً إذ بنيتها تحركت مِن أمام السرير وَ إلى الرجل بِخطواتِ واثقة، وَ مِن موقعِه ذاك يستطيع رؤية الشرارة بِأعينه فيما يتطلعُ لِما فوق أكمامها مُحافظاً على أبتسامته الصفراء. وقفت على أطرافها لِتقارب قامته بعد أن قلصت المسافة بينهما، ثُم قالت بنبرة عميقة: وَ هل هُناك غيري هنا؟ "
نواه يستشيط غضباً الأن، وَ يرغبُ بِتهشيمِ رأس الرجل أمامه لِأفكاره السوداوية..
وَ ها هو يجد نفسه مُعلقاً بين الذهابِ وَ عدمه، تشوش أفكار عاناه عِندما سمع أمر ڤي بِالرجوعِ وَ أمر فضوله بِالتقدمِ،
لَكن الوضع مُختلف.. فغريس تملئ موضع ڤي بِشخصيتها الصارمة التي لا تنقاد إلا بِقرارته وحدها.
" إذاً ما رأيك بِمشروبِ تحت ضوء القمر؟ "
طفح الكيل، نواه أتخذ أول خطوة دون سابق إنذار حتى فاجئ ذاته وَ عقد نيته على كسر يد الرجل كصاحبِه الساكن!
وَ لكن يد أستقرت على كتفه جعلته يتراجعُ ليتفقد أعين الصبي الذابلة تشيرُ إليه بِـ "لا".
" ضوء القمر لا يسقط على الأرض إلا عِند غروب الشمس،
حينها ڤي سيكون بِالمنزلِ. "
هكذا طمأنه ذو الشعر الغرابي
رُغم خلو نبرته مِن أي عطف.
حاجبيه أنعقدا لِيزيح يد الأخر عَن كتفه،
ذكرى ڤي تجعله ينغمسُ في التفكيرِ دون أن يعي ذلك..
ذَلك اليوم لَم يكُن بعيداً.. لربما مُنذ يومان أو ثلاث؟
حينما عادوا لِلنزل بعد مُنتصف الليل، وَ أشار ڤي لِلبقيةِ بِالولوج لِلداخل عدا نواه..
تخميناً مِن ما أقترفه حديثاً وقتها، فمحور الكلام سيكون عَن ما شهد مِن ذكريات سكارلت وَ مقدار علمه بِالأسرارِ التي يتحفظُون عليها،
وَ لَم يكُن مُخطئاً حينما ظَن بِأن تمهيدَ الأخر سيتخذُ مسلكاً يحثه فيه على القدوم دون إجباره..
نواه يتذكرُ جيداً ذَلك اليوم.. لَيس لِقربِه! بَل لِأثره الدفين بِنفسه.
وَ ليس غرابي الشعر هو ما يمنعه مِن لَكم مَن يعبثُ مع غريس، بَل ما كُشف عَنه ڤي مُقابل ما يملك نواه.
.
" نحنُ تماماً مثلك.. "
أنبأ قاطعاً صمت حناجرهم، نواه دهش مِن أول ما خرج مِن فاهه وَ ينفيه بِقوةِ داخل فؤاده،
إلا أن ڤي أسترد قوله:" الخيط الرفيع الذي يفصل بيننا هو عدد خلايا الدماغ المُفعلة. "
" ما الذي تعنيه؟ "
شقت أبتسامة محياه فيما يستندُ على جذع الشجرة خلفه، ثُم قال:" الدماغ هو أعظم ما خُلق يوماً وَ شُهد على الكُرة الأرضية.. "
أحتاج برهة قَبل أن يستقيمَ مُجدداً ماحياً ما غزى تقاسيمه مِن ملامحِ، فيصبُ جل ما يعرف قائلاً:
" بدأت الحياة على الكوكب بِكائنات بدائية؟ ثُم تطورت تِلك الكائنات لِنصل لأخرى أكثر تفصيلاً حتى وُجد الإنسان بِمُقدمة اللائحة..
لَيس لِتقدمه عن بقية الكائنات، فهو يملكُ عقل مشابه لهم.. لَكن الخلايا الدماغية المُفعلة بِعقله هي التي تضعه في العليةِ وَ تجعله ذو شأن يفرضُ نفسه على بقية الكائنات. "
" إذاً؟ "
رفع نواه حاجباً، فكُل ما قيل لازل لا يعنيه رُغم تمهيده لِما عالق بِجوفِ الأخر,
فأدرك مِن صمتِه المطول أن عليه التنقيب عَن المعلومة المفقودة..
" أتعني أننا حيوانات؟.. "
رمقه الأخر بِتدنٍ، لَم ينفي أو يؤكد قوله إلا عِندما أفرج من بين شفتيه تنهيدة عميقةً والتها الإجابة المُنتظرة:
" لربما أجل؟ فجميعنا مكون مِن خلايا.. لَكن الأجناس تتوارث الخلايا المُفعلة فتأخذ الأجيال بعدها شكلاً مُقارباً مِنها
فيما الخلايا الغير مُفعلة هي التي تملكُ حق التغير وَ التطور، " هذا ما يسميه بني جنسكم السحر. "
" إذاً ما ترمي له الأن؟ أنك وَ أشقائك تمتلكون خلايا مُفعلة تفوقني وَ بني جنسي مِن البشرِ، وّ هذا ما يجعلكم ذوي القوى السحرية على أرضنا.. أهذا صحيح؟ "
تسائل نواه لِيومأ جامد الملامح بِغية الإضافة على كلامه.
" ما أملكه أنا وَ أشقائي هو علمُ جنسكم لَن يقدر على تقبله. "
.
بِشكلِ ما، كانت غريس تقفُ أمامه وَ تمعنه عَن رؤية غرابي الشعر..
على أثر ذكراه لَم يتمكن مِن تحديد مُنذ متى كانت تقف هُنا.
" لَكن هذا لا يفسر.. "
أنبأ عاقداً حاجبيه يحاول الوصل بين ما تفعله غريس وَ ما هُم عليه،
لَكن أستنتاجاته لَم تجد الإجابة المُنتظرة..
رفع حدقتيه ليقابل أعينها ترسلُ شرارات على أثرها أقشعر بدنه،
إن كانت سكارلت تعبرُ عَن نقاء الروح وَ الجمال الشعري، فغريس تعبرُ عَن نقيضتها.
لا لوم يقع عليها، فهي ليست بِلُقمةٍ سائغةٍ يلتقطها السائل..
بَل هي صعبة المنال التي لا يتجرأ أحد بِالنظرِ لِأعينها!
وَ لربما خلف ذلك تقبعُ مادة شعرية تنتظرُ مَن يرغب أكتشافها..
واحدة فريدة مِن نوعِها.
" ڤي أخبرني بِأن عليك الرحيل الأن. "
قالت بِجمودِ ملامحها، تراقبُ تطور ملامح نواه مِن المُرتبكة وَ إلى المُنصدمة.
فيدورُ حول المكان بِناظريِه فيما يبحثُ عَن أي أثر لِلمعني، وَ لكن بِلا جدوى.
فأمال رأسه بِأستنكارِ قائلاً:"لَكنه لَم يعد بعد.."
" هو دائماً موجود حَتى وَ إن غاب جسده عَن مرمى النظر. "
كان غرابي الشعر يقفُ خلفها يحدج نواه بِنظراتٍ تحثه على تصديقها،
فأنتقلت حدقتيه بينهما وَ أدلى بِفعله لِغريس.
" حسناً إذا.. "
هكذا أنصاع لِأمرها بعدما أستقرت عينيه عليها..
وَ توالت تحركاته بِالمنزلِ حتى خرج أخيراً مِن البابِ الخلفي
ليتوارى عَن أنظار النُزلاء بِالجانبِ الأخر حيثُ النزل.
أبداً لَن يفهم تسترهم على ما يملكون بِجُعبتِهم.
وَ إن طُلب مِنه الرحيل، فلَن يطلبوه عبثاً!
فهو يملكُ وجهة واحدة مُحددة عليه زيارتها بِالقليلِ مِن الحبوبِ..
وَ لربما هذا الشئ الوحيد الذي يدرك سببه مِن بين جميع الأسرار التي يتحفظون عليها.
فالغربان تمثلُ الموت.
.
.
- يُتبع -
----؛ ∞ ؛----
السلام عليكم 🌞💕
الحين، واضح ان الفصل القى بعض الضوء على غريس.. لكن كيف هي جوهر الحياة؟
و هل رأيتم ان كلام في يفسر اي شئ؟
و اين أتجه نواه..؟
الحين عرفنا اسامي الكل إلا الصبي 🌞💔
تتوقعوا يكون مين؟
و هل الفصل القادم بيتكلم عنه او عن في؟
🌞💕 و شكرا
مع السلامة و كذا 🐼🌹
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro