(24)
بقلم : نهال عبد الواحد
في اليوم التالي استيقظت ليلى، وجدت حسام جوارها نائمًا على كرسي، رأسه مائلة فقد ذهب في سنةٍ من نوم من فرط تعبه، نظرت نحوه مبتسمة، حاولت أن تتحرك لكن جسدها يؤلمها، أصدرت صوت أنين قليلًا لكن كان كافيًا أن يوقظ حسام بانتفاضة، اقترب نحوها، أهدر بقلق: ليلى! هل أنتِ بخير؟!
أومأت برأسها وأجابت بتألم: الحمد لله، لكني أشعر بوجع في سائر جسدي.
ابتسم ثم أومأ متنهدًا بقلة حيلة، وقال: ذلك أقل واجب بعد تلك التشنجات.
سكتت وشردت قليلًا، فناداها: أين ذهبتِ؟
تنحنحت وقالت على استحياء: أنا آسفةٌ جدًا، منذ ذلك اليوم وأنا لم أسامح نفسي أبدًا.
-أنا من وجب عليه الأسف، فالأمر لم يكن يحتاج لكل هذا.
أردفت بتأنيب: كيف؟ لقد يقّظت جراحك القديمة مجملًا بغبائي الشديد.
أومأ مبتسمًا واستطرد: على العكس، قد تأكدت أن ذلك القديم مات واندفن... حتى إن كنت قد تألمت قليلًا، لكن أنا الغبي الذي تسببت لكِ فيما حدث.
-لا عليك، المهم أنك بخير.
أطال النظر إليها ثم قال مبتسمًا: كأني أهمك لهذا الحد يا ليلى!
نطق اسمها بلهجة لم تعتادها منه، لكن شعرت فجأة بانهيار لحصون قلبها، جعلتها كررت بتعجب: ليلى!
- ماذا؟ ألم يعجبك ذلك يا لوليتا؟
ضحكت محاولة الجلوس، ساعدها وأجلسها، جلس جوارها على السرير، كان قريبًا للغاية لأول مرة هكذا، نظرت إليه بدهشة، تكذّب صوت هذيان قلبها النابض بشدة، أمسك بيديها، صارت تنظر بينه وبين يديه التي تمسكها كأنما تثبت لنفسها أنه ليس بحلم.
اتسعت ابتسامة حسام، وهو يتابع حالتها وتعجبها، تساءل: ماذا بك؟
-كيف هو شكلي الآن؟
- أجمل من أي جميلة.
رفعت حاجبيها بعدم تصديق بل مكان حاجبيها، فقد اختفى الحاجبين والرموش أيضًا ثم قالت: أراك تمزح!
-بل إني أراكِ هكذا.
- كأنك تبالغ يا حسام.
-ما أجمل اسم حسام بصوتك ومنطقك! أول مرة أشعر بجمال اسمي هكذا.
أومأت بدهشة مع عدم تصديق، ثم تساءلت: ماذا بك اليوم؟ هل أنت بخير؟
-معجب، عاشق، ولهان.
اتسعت عيناها بفجأة فصاحت بشهقة: ماذا؟
احتضن وجهها بعينيه الملتمعتين، ثم همس من أعماق قلبه: أحبك ليلى.
وجمت قليلًا، حدقت فيه بعينيها ترتعشان، كأنما تبدلت ملامحها ليشرق وجهها الباهت، تسأل نفسها هل يمكن للأحلام أن تتحقق فجأة دون مقدمات؟ ولكن! بعدها استعادت تماسكها متساءلة: هل أنت واعٍ لنفسك ولحديثك هذا؟
-لأقصى درجة.
-لكني سأموت.
- ومن منا لن يموت؟ الموت لا يرتبط بالمرض فكم من أصحاء قد ماتوا وتوفوا، وكم من مرضى عاشوا بمرضهم لسنوات وكسروا كل حواجز الطب.
تلألأت عيناها، فتساءلت مشفقة: ماذا تريد مني؟
أحكم مسكته ليديها، نظر داخل عينيها، همس بعشق: أريدك، بقيت لك جلسة واحدة، بمجرد أن تنتهي منها نتزوج ونسافر لإجراء الجراحة.
تفاجأت ليلى من طلبه فارغة فاها ببلاهة، وبعد قليل استجمعت شتاتها وأهدرت: نتزوج! هل تفهم معنى طلبك؟ إنني امرأة منتهية الصلاحية، ليس لدي أي شيء لأعطيه لك وأسعدك به، لا صحة، لا شكل ولا حتى أبسط حقوقك!
-لكني أريد قلبك، ألست ساكنًا فيه؟ إذن أريد صك ملكية له باسمي، ملكًا لي وحدي، أكثيرٌ عليّ ليلتي؟
أومأت نافية بعينين تجمعت فيهما دموع الفرح، أجابت هامسة: بل قليلٌ للغاية، لكن مهلًا! ألم تفكر بمدة السكن؟
-كفاكِ تشاؤمًا، تفائلي بالخير تجديه عزيزتي، هل تحبي أن تعيشي خمسين عامًا أخرى فوق عمرك مثلما عِشتيه في السابق؟ أم تعيشي عامًا واحدًا بسعادة وحبٍ حقيقي؟
تنهدت قائلة: بل تكفيني ساعةٌ واحدة، لا، بل لحظةٌ واحدة.
ابتسم قائلًا: إذن قد أجبتي.
-لكن...
قاطعها مكملًا: سنعيش معًا سعداء، حتى لو كانت أيامًا قلائل، يكفيني أني سأسعدك وأسعد روحي جوارك.
-حسام! إنظر إليّ جيدًا، لقد صرت صلعاء ليس لدي ولا حتى شعرةٌ واحدة في رأسي.
فابتسم وتابع: إذن من الغد سأحلقه كاملًا بالموس حتى نصير أكثر اندماجًا وإنسجامًا، ما أجملنا قلقاستين على وسادةٍ واحدة!
ضحكت ليلى حتي مالت من شدة الضحك، لم تضحك هكذا من مدة ثم قالت: أنت أجمل رجل في الدنيا.
فتابع حسام بعشقٍ واضح: وأنتِ حبيبتي وروحي ومهجة قلبي، وستصيري زوجتي.
أبعدت عينيها من بين عينيه، نظرت إلى اللاشيء بشرود، ثم تنهدت قائلة: أتريد أن تسعدني قبل إجراء تلك الجراحة؟ لأنك متيقن أني لن أقوم بعدها أبدًا!
تأفف حسام بتزمر، قضم شفتيه متسائلًا بألم: لماذا ليلتي؟
أغمضت عينيها بشدة مانعة دموعها من الانهمار، همست بصوتٍ محتقن: أخشى تصديقك، تصديق الحلم بالسعادة وأنا في نهاية الطريق.
-لا يا حبيبتي، ليست هذه هي النهاية، بدلًا من هذا فكري لأين نذهب ونترفه.
- بالله عليك هل هذه هيئة يمكنها الخروج والترفيه؟! لقد مكثت هنا في المشفى منذ شهورٍ طويلة ولا زلت، لقد نسيت شكل الطريق.
ابتسم بمكر، وأهدر: لا، إن مكوثك هنا برغبتي، حتى تكوني جواري ومعي دائمًا وأستطيع رؤيتك كل يوم وكل ساعة.
استطردت بسعادة: إذن يمكنني الخروج!
- يمكنم الخروج لكن بصحبتي فقط، إلى بيتك يا عروسي، لكن إن أردتِ التنزه قليلًا ثم العودة فلا بأس في ذلك لكن قبل موعد الجلسة القادمة.
تابعت بحماسٍ وفرحة: فعلًا!
أومأ مجيبًا: أجل! لكن يمكننا أن نخرج إلى حديقة المشفى في البداية ثم أبعد من ذلك بالتدريج.
-ربي لا يحرمني منك يا غالي.
هنا دخل إياد ورآهما هكذا، تنحنح وقال: صباح الخير.
تنهد حسام وأهدر مشاكسًا: وقد جاء مفرّق الجماعات.
نظرت إليه ليلى بعتاب، ثم ابتسمت قائلة: لماذا؟ صباح الخير يا بني.
نظر إياد لأيديهما المتشابكة مبتسمًا وتابع: صباح الخير خالتي، على أية حال لن آخذ من وقتكما الكثير، لكن تلك التقارير تلزم مراجعتك والتوقيع عليها يا خالي، أقصد يا سيدي.
أخذ حسام الملف ليقرأ ما فيه بينما نظر إياد إلى ليلى وقال بنفس الابتسامة: كيف حالك اليوم يا خالة؟
-بخيرٍ ابني، نحمد الله.
ثم نادته بجدية: إياد!
-أمرك خالتي.
-الأمر لله بني، كيف حال مريم معك؟
رفع حسام عينيه من الملف ناظرًا بينهما، ارتبك إياد بشدة وتلعثم في الكلام: مريم، الحمد لله، لكن ما سر هذا السؤال يا ترى؟
-سأطمئن عليها معك أنت ومنى.
سكت إياد ونظر نحو خاله، فعقّب حسام: لماذا سكت هكذا؟ هيا انطق أيها الحبيب!
رمق إياد خاله بتحرج وصاح: خالي!
ابتسمت ليلى قائلة: أخبرني وطمئني يا إياد، هل هذا حقيقي؟
نظر إياد إلى حسام ثم إلى ليلى مرتبكًا، وأومأ برأسه موافقًا، اتسعت ابتسامتها قائلة: وأنا موافقة وأتمنى أن تنتهز الوقت.
اتسعت حدقتا إياد بتفاجؤ، وتساءل: ءأخطبها الآن؟ هكذا تقصدين!
أومأت: حاول أن تأخذ أي خطوة تضمن لك أن تكونا معًا، لكن لا زال طريقها طويلًا، يجب أن تكمل دراستها كاملة، إياك يا إياد!
قالت الأخيرة رافعة سبابتها محذر، أهدر إياد بسعادة: اطمئني تمامًا يا خالة! سأظل معها حتى تصل لما تريد... طبيبة في الطب الشرعي.
فضحكا، أعطى حسام الملف لإياد وقال: إن انتهيت فلتذهب لعملك!
غمز إياد لخاله ورفع يديه مسالمًا، وقال مشاكسًا: تمام يا سيدي.
انصرف إياد، أرسل حسام لإحدى الممرضات لتجئ، تساعد ليلى في تبديل ملابسها ليأخذها إلى حديقة المشفى للترفيه.
قد صار ذلك الترفيه في حديقة المشفى يوميًا، يأخذها حسام مرتدية كمامتها تغطي أنفها وفمها؛ فمناعتها ضعيفة للغاية، يُخشى عليها من أي عدوى عالقة حتى في الهواء، تجلس في الحديقة بعض الوقت حتى لا ترهق.
مرت الأيام وإياد يحاول الاتصال بمريم مرارًا، لكنها تخشى أن تجيبه، يرسل إليها الكثير من الرسائل، كانت تفتحها وتقرأها أيضًا دون رد.
وذات يوم اتصلت بها منى، تخبرها أنها ستخرج لشراء بعض الملابس، عرضت عليها مرافقتها لشراء ملابس جديدة لها لزوم الجامعة وأخرى لأمها، فقد صارت ملابسها غير ملائمة لها بعد فقدانها لوزنها.
أغلقت مع منى، اتصلت بأبيها تستأذنه في الخروج فأذن لها، وذهبت تبدل ملابسها، كانت عليّة جدتها تلاحظ تلك الاتصالات التي لا تجيب عليها مريم، أصوات الرسائل الكثيرة، شكت في الأمر، انتهزت فرصة دخول مريم حجرتها لتبدل ملابسها، أخذت هاتفها، فتحته لتفتش فيه، وقد وجدت بغيتها، رسائل إياد :
« من فضلك ، أجيبي عليّ، أريد أن أطمئن عليكِ»
« كفاكِ يا مريم هجرًا، لقد اشتقت إليكِ حبيبتي»
«مريم، مريم، أجيبي عليّ ولو بكلمة واحدة، أريد سماع صوتك، أكاد أُجن »
«صباح الخير يا أجمل وردة...»
«مساء الفل...هكذا لا إجابة لصباح ولا مساء، كدت أفقد عقلي وصوابي، قولي مرحبًا ثم أغلقي الخط، إرسلي حتى وجهًا باسمًا ذلك الوجه الأصفر »
وغيرها من الرسائل التي تملأ الهاتف، ورغم عدم إجابة مريم على أيها، إلا أن عليّة قامت بنسخها وإرسالها لهاتفها، ثم صعدت متجهة إلى شقة ابنها، معها الهاتف لتريه ما وجدت وتفضح أمرها له...
.......................................
NoonaAbdElWahed
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro