(18)
بقلم :نهال عبد الواحد
ظل إياد ومربم يتحدثان، يمزحان، يضحكان حتى إنهما قد نسيا وجودهما في مشفى وأنها غرفة عناية مركزة.
حتى جاء صوت من خلفهما فجأة: مارأيكما في كوبان من عصير الليمون؟!
فانتفضا! نظرا خلفهما نحو مصدر الصوت فوجدا حسام ومن خلفه منى وهاني .
عقد حسام ذراعيه أمام صدره، تابع بجدية: ما هذا يا دكتور؟! كأن لا عملًا لديك!
فرك إياد يديه ببعضهما ومسح على شعره؛ يخفى ارتباكه، تلعثم قائلًا: لقد رفضوا دخولها لترى أمها وكانت تبكي فأدخلتها وظللت معها لتهدأ.
سلمت منى على مريم ثم اقترب هاني وسلم عليها هو الآخر وقال مازحًا: إذن أنتِ مريم!
أومأت مريم برأسها أجابته على استحياء: أجل! حمدًا لله على سلامتك.
ابتسمت منى قائلة: لا تنزعجي! إن عمك هاني كثير المزاح، أتذكريه؟
أومأت مريم برأسها مؤيدة: أجل أذكره.
ابتسم هاني وأهدر: أجل، إنني أحب المزاح خاصةً مع الفتيات الجميلات مثلك أيتها الأميرة الصغيرة.
ابتسمت مريم على استحياء مرة أخرى، ضحكوا جميعهم إلا إياد الذي نظر نحو أبيه باعتراض فزاد هاني ليكيد ابنه.
نظرت منى بين هاني وإياد ثم ابتسمت قائلة: كفاك يا هاني! لقد نسيت أننا في غرفة العناية المركزة؟!
وضع حسام يديه في جيبي بنطاله، تنهد قائلًا: والله! كأنكم قد تذكرتم فجأة! إني لأشعر أني بالملاهي!
التفتت مريم نحو حسام وتساءلت بلهفة: متى ستسترد أمي وعيها يا دكتور؟
ابتسم حسام وأردف برفق: اطمئني يا ابنتي! لقد تحسنت أوضاعها عن الأمس ويُنتظر استعادة وعيها ربما اليوم.
رفعت مريم عينيها لأعلى، همست بأمل: يا رب!
سألها حسام: أنتِ في الثانوية العامة أليس كذلك؟
أومأت مريم مؤيدة، تابعت: أجل، أتمنى أن ألتحق بكلية الطب.
اتسعت ابتسامة حسام قائلًا: عظيم! إذن فعليك بالمذاكرة الشديدة دون استخفاف، ومكانك محفوظ ينتظرك هنا.
قال إياد: لكنها يا خالي تريد العمل في الطب الشرعي.
ابتسم حسام ببعض المكر؛ يريد أن يكيد بإياد، تابع: ويا لحظ الجثث التي ستقوم بتشريحها بيديها الرائعتين تلك.
فزاد هاني يكمل ما بدأه حسام: كأن القتيل لو علم أنها من ستتولى تشريح جثته، سيذهب من تلقاء نفسه إلى القاتل وبقدميه بأسرع ما يكون!
فضحكوا، نظر إياد بينهما بغضبٍ شديد وغيرة ظاهرة فركله خاله في ساقه وفي نفس الوقت صفعه أبيه على مؤخرة رأسه فصاح فجأة: آه!
التفتت إليه مريم، رفعت حاجبيها بتعجب قائلة: ماذا بك؟ هل أنت بخير؟!
قالتها، ملتفتة بأسلوب النجمات حيث انسدل شعرها، التفت معها بشكلٍ مغرٍ للغاية جعل إياد سيقع أرضًا من فرط تأثيرها عليه، ناظرًا نحوها فارغًا فاهه ببلاهة، شعر كأنه في حلم، ود لو لمسها ليتأكد أنها حقيقة، تحولت نظرتها نحوه من دهشة إلى خجل قد ورّد خديها لتزداد جمالًا تاه فيه إياد أكثر وأكثر، بينما قد شعرت بخطبٍ ما يزداد داخلها يزيد من انجذابٍ غريبٍ نحوه.
ثم عاد إياد لرشده وقال موجهًا كلامه لمريم: هل ستظلي واقفةً هكذا هنا؟!
أومأت بعدم فهم وأهدرت: أجل، فماذا أفعل إذن؟!
نظر إليه حسام، تابع بجدية: كفاك مضيعةً لوقتك واذهب واستكمل عملك أفضل دكتور إياد.
هنا سُمع أنينًا قادمًا من ناحية ليلى، أسرعت مريم نحو أمها تحتضنها، فتحت ليلى عينيها قليلًا، ابتسمت ابتسامة متعَبة.
أهدرت مريم وسط دموعها المتساقطة تباعًا بلا توقف، تنهال بقبلاتها على يد أمها: أخيرًا يا أمي! أخيرًا قد استيقظتِ! لن أتركك أبدًا وسأظل جوارك دائمًا، سأحضر كتبي وأشياءي وأرافقك في المشفى هنا.
نظرت ليلى ناحية حسام كأنما تنتظر رأيه فابتسم وقال: حمدًا لله على سلامتك يا ليلى، هل تحبين مرافقتها لك هنا؟!
أغمضت ليلى جفنيها تومئ بأن نعم بسعادة، أكمل حسام: إذن فلديّ شروطٍ لا نقاش فيها.
أومأت بجفنيها موافقة، استطرد حسام: سنعيد كل الفحوص و الأشعات؛ فالتي معنا قديمة منذ أشهر وحتمًا قد اختلفت النتائج، ثانيًا سنكمل باقي فحوصك التي لم نجريها بعد، مع سحب عينة ثم نحدد عدد ومدة وكيفية العلاج .
تنهدت ليلى ثم أومأت بجفنيها موافقة، فقال حسام: إذن هيا يا مريم إذهبي وأعدي أشياءك وكتبك لترافقي أمك، وتجيئ في الغد لتكون قد نُقلت من غرفة العناية إلى غرفةٍ عادية، لكن ذلك قبل جلسات العلاج، فبمجرد بدءها ممنوع الزيارة والمرافقة.
هزت مريم رأسها موافقة بحماس، جاءت الممرضة بناءً على أمرٍ من حسام وأملى عليها كل التعليمات وما ستفعله وجعل إياد مشرفًا عليها.
اقتربت منى تعانق صديقتها عِشرة العمر فرحة باستعادة وعيها وفرحتها الأكبر بموافقتها والسماح بالعلاج فأهدرت: حمدًا لله على سلامتك عزيزتي أختي الغالية، كأنك تسعدي بقلقنا واحتراقنا خوفًا عليكِ.
قالت منى الأخيرة بمزاح، فتابع هاني مزاحًا هو الآخر: لا عليكِ يا ليلى! أنتِ تقلقيها وأنا عليّ الحنان والدلال.
وطوّق خصر زوجته بذراعه وغمز لها فقالت محذرة تلكزه بخفة: هاني!
نظر بينهما إياد، استطرد بتنهيدة: ماذا يا أبي؟! لقد تركت لكما البيت، أتتركاه وتجيئان إلى هنا؟! عودا وحدكما قبل عودتي.
فقال هاني وهو يركل ساق ابنه: كأني سمعت شيئًا ما؟!
صاح حسام فيهم بجدية: كفاكم! أكملوا عبثكم هذا في مكان آخر لقد سئمت منكم المريضة، هيا اخرجوا جميعًا.
خرج الجميع، استعدت منى لتصحب مريم معها لكنها وقفت تتحدث إلى حسام كطبيبٍ معالج، قائلة: لماذا يا دكتور لا يمكنني البقاء مع أمي في فترة العلاج؟ إنها ستتعب أكثر وستحتاجني حتمًا.
تنهد حسام مجيبًا: أولًا العزل من تعليمات العلاج، ثم إن هناك أشياء عليكِ فهمها وإدراكها جيدًا، إن شدة الوجع تغيّر من شخصية المريض لدرجة كبيرة خاصةً مع العلاج الكيميائي يغير شخصية المريض تمامًا، كأنك لا تعرفيه وتزداد حساسيته لأعلى درجة فلا يطيق ما كان يتقبله من قبل، لا يقوى على الصبر والاحتمال من تصرفات الآخرين الذين عليهم معرفة كيفية احتواء المريض بلا ملل ولا يأس ولا منّ أو شفقة؛ لأن الحالة النفسية شديدة الحساسية، تتأثر بأسرع ما يكون فتؤثر بالسلب على خطة العلاج، أكثر ما يؤثر على المريض هو سقوط شعره وتغيّر هيئته، بالإضافة إلى مناعة الجسد التي تختفي تمامًا فيُخشى على المريض حتى من الهواء الطلق، لذلك من يقترب من حياة المريض يجب خضوعه لشروط وتعليماتٍ محددة ويراعى كل تفصيلة والصغيرة قبل الكبيرة.
أومأت مريم قائلة: حسنًا سأفعل كل ما يُطلب مني، لكن ماذا لو أراد محمد أخي المجئ لزيارة أمي؟!
سكت حسام قليلًا ثم أجاب: حسنًا فليجئ، لكن يقابلني أولًا.
قال الأخيرة محذرًا، هزت مريم رأسها بتفهم، انصرفت ذاهبة مع منى وهاني، الذي لم ينتهي بعد من مزاحه معها ولا زال إياد غاضبًا، متابعهم بحنقٍ وضيقٍ كبير، انصرفت مريم معهم وقد سعدت كثيرًا بمزحاته معها فقد رأت فيه الأب الذي تفتقده، أما هو قد أُعجب بها كثيرًا وقد استراح لها لكن تتبقى مشكلة حداثة سنها، لكن على أية حال لن يسبق الأحداث.
أما إياد فقد كان شاردًا طوال عمله وقد انتبه إليه حسام فاستدعاه في مكتبه، ذهب إليه، طرق الباب ودخل.
فرك حسام أسفل ذقنه متسائلًا: وماذا بعد يا إياد؟!
-كل شيءٍ على ما يرام.
-أتمنى أن تنتبه لنفسك ولعملك أكثر من ذلك، ولا تنسى أنك تتطلع إلى طفلة صغيرة لا يصح ما تفعله تجاهها.
-أقسم لك يا خالي أني لم أريد بها سوءًا ولا تلاعبًا بمشاعرها أو على سبيل التسلية! فهذا ليس من طباعي ولا أخلاقي كما تعلم، لكن والله لا أدري ماذا حدث لي بسببها؟! لم أتعرض لمثل ذلك الموقف من قبل ولم أشعر بمثل هذا الإحساس الجارف من قبل.
-إذن لتحكّم عقلك وتنتبه لنفسك ومستقبلك، تلتفت إلى رسالتك التي على وشك مناقشتها قريبًا، وابدأ حياتك وأخطو فيها بخطواتٍ ثابتة، ثم بعد ذلك ربما تتقابلا في نقطةٍ ما، لكن بعد تفكير وفهم ونضج منكما، الأمر ليس فقط مجرد أحاسيس ومشاعر... أتمنى أن تكون الرسالة قد وصلت وبوضوح.
أومأ إياد برأسه مؤيدًا بتثاقل، انصرف حزينًا بائسًا، لكنه يعلم أن خاله محق، فهو مجرد شاب حديث التخرج لم يخطو أي خطوة في حياته بعد، عليه أولًا الوقوف على أرض صلبة والتأكد من كل شيء من مشاعره ومشاعرها أيضًا بلا تسرعٍ ولا تعجّل.
عادت مريم إلى بيت جدتها بعد أن أعدت حقيبة بأشياء أمها ثم بدأت تعد أخرى لأشياءها وكتبها لتمكث برفقة أمها بالمستشفي.
وفجأة جاء أخيها، قد دخل عليها، رأى ما تفعل وتفاجأ به، تسآل محمد بدهشة: ما هذا؟ ماالذي تفعليه؟!
التفتت مريم إلى أخيها مجيبة: لقد استعادت أمي وعيها، ستذهب في الغد إلى غرفة عادية ويمكنني المكوث معها أرافقها حتى بداية جلسات العلاج لأن بعدها ستُمنع الزيارة.
ثم قالت بهدوء ورجاء: ألم تجئ معي توصلني وتراها أيضًا؟
ترقرقت عيناه بالدمع، أومأ قائلًا: بالتأكيد سأجئ معك لأراها...
NoonaAbdElWahed
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro