(14)
بقلم : نهال عبد الواحد
قضت منى مع ليلى طوال اليوم تخفف كلًا منهما عن الأخرى مصابها، تسترجعان معًا طفولتهما وصباهما، لكن منى تفتقد ليلى التي تعرفها فمن أمامها الآن هي حطامها وأطلالها، إن كانت تحاول إخفاء آلامها لكن لم تنجح فقد ظهر ذلك في قلة طعامها فلم تأكل سوى لقيماتٍ قليلة بعد إلحاحٍ شديدٍ من منى، لكنها تتناول كميات كبيرة من المسكنات حيث تنسحب من أمامها من حينٍ لآخر وتدخل حجرتها لتتناول منها.
تسللت منى، دخلت خلفها ذات مرة، وجدت لديها درجًا كبيرًا ممتلئًا بعلبٍ من الأدوية المسكنة التي لا فائدة لها من شدة الوجع.
صاحت منى بصدمة: ما كل هذا يا ليلى؟!
أجابتها ليلى بتعب: هي مسكنات، وليتها بفائدة! آه! وارأساه! ستنفجر آه!
صاحت ليلى ممسكة رأسها بيديها،كادت تسقط، لحقتها منى، أردفت بإشفاق: إذن ما رأيك عزيزتي أن نذهب معًا إلى الطبيب! في الأساس لديكِ أشعاتك وتحاليلك التي أُجريت لكِ وتركتيها، هيا نذهب وتأخذين علاجًا مناسبًا أفضل من هذا الكم من المسكنات، هيا عزيزتي! سأتصل بأخي لينتظرنا.
بالفعل تركتها منى، حدثت أخيها أنهما آتيتان لينتظرهما ثم عادت إليها تعاونها على ارتداء ملابسها.
وفي بيت أحمد دخل على زوجته وهو حزين ومهموم، قوست فمها وقالت بتأفف: ماذا بك؟
أجابها بحزن: إن مريم ابنتي حزينة ومتعبة للغاية من فراقها لأمها وأخشى عليها كثيرًا.
-إطمئن لن يحدث لها شيء، ليت أمها تهدأ أيضًا وتمكث في بيتها.
صاح أحمد بانفعال: ماذا هناك؟!
-لا زالت تدور وتتسكع خارج البيت وهي الآن غير موجودة ببيتها وربما تبات خارجًا مجددًا، فقد اعتادت على ذلك، خاصةً وقد شعرت أنها حرة بعد طلاقها.
هكذا تحدثت دينا وبخت سمها، فصاح أحمد بثورة عارمة وتوعد: ماذا؟! حسنًا يا ليلى سأُريكِ!
ذهبت منى وليلى إلى حسامٍ في المشفى، جلستا تنتظران، كانت ليلى تجاهد نفسها، تتحمل الوجع الشديد، تود لو تصرخ من شدة الوجع حتى جاء أخيرًا دورها لتدخل وكانت منى تسندها فقد شعرت بوهنها الشديد.
لكن ما أن دخلت حجرة الطبيب حتى سقطت أرضًا مغشيًا عليها فأسرع إليها حسام حملها، وضعها في سريرٍ في إحدى غرف المشفي، مكثت منى جوارها، لا زالت تحدّث زوجها من حين لآخر وتوافيه بآخر الأخبار، قد سمع حسام القليل عنها حيث كان يتابع حالها من حينٍ لآخر.
جاء اليوم التالي، بدأت تستعيد وعيها، أصرّت بشدة أن تذهب ومنى تمنعها بالكاد، ذهبت بها إلى مكتب حسام.
دلفتا إليه، جلستا أمامه، ابتسم حسام قائلًا برفق: حمدًا لله على سلامتك سيدتي، كيف حالك الآن؟
قضمت ليلى شفتيها بتعب قائلة: لقد صرت متعبة دائمًا، الوجع لا يذهب إطلاقًا، عليّ الذهاب والعودة إلى بيتي.
- هل هناك من يقلق عليكِ؟! إن هاتفك لم يصدع بأي رنين ولو رنة واحدة! كأن زوجك مسافرًا!
أجابت بضيقٍ واضح: لا.
-وأين هو إذن وأين أبناءك؟!
فهبت واقفة وصاحت بانفعال: ليس لديّ أبناء.
تفاجأ حسام بحدة جوابها وقال بهدوء: إهدئي رجاءً، هيا تفضلي وإجلسي!
فربتت مني عليها، أجلستها، ابتسمت في وجهها لتهدأ لكنها فجأة انهارت، بكت بحرقة وقالت بمرارة ناظرة نحو منى: أولادي! أولادي سيعودان! أليس كذلك؟
ربتت عليها منى مجددًا، ابتسمت بإشفاق، أهدرت: أجل حبيبتي، إن شاء الله! كل شيءٍ سيكون على ما يرام.
تحولت ليلى وصاحت فجأة: أنتِ تكذبين عليّ، لقد تبروا مني وإتهموني مثل أبيهم، تصوري عندما طرقت عليهما الباب قابلني محمد وقال لي ما الذي أتى بك إلى هنا؟ لقد ألحقتِ بنا العار، ءأنا سبب للعار يا منى؟!
نظر حسام بينهما ثم طرق بقبضة كفه على سطح المكتب وتابع: أستاذة ليلى! إهدئي رجاءً!
كانت ليلى تبكي بشدة مهما هدّءاها وفجأة وقفت، تركتهما مسرعة للخارج، فضرب حسام سطح المكتب بقبضته وصاح بتأفف : لن ننتهي بعد من لعبة القط والفأر؟! كل مرة تهرب هكذا قبل أن أتفوه بكلمة!
نهضت منى واقفة قائلة: معذرةً أخي، لكنها تمر بظروفٍ صعبة.
أومأ حسام بتفهّم قائلًا: حسنًا، إذهبي والحقي بها لا تتركيها وحدها، حدثيني ضروري بكل ما يحدث.
ذهبت منى مسرعة خلف ليلى، لحقت بها، أعادتها إلى البيت، ما أن وصلتا للمنزل، اقتربتا من شقتها حتى وجدتا أحمد يفتح باب شقته.
ثم صاح بغضبٍ شديد: لا زال الوقت باكرًا! كان الأولى لو مكثتِ يومين، شهرين! لقد صارت وكالة، إسمعي يا هذه! ليس لك مكان بيننا بعد اليوم ولترحلي وتعيشين في مكانٍ آخر، لا أحب أولادي أن يريا الساقطات أمثالك.
التفتت ليلى بتعب واضح وأهدرت بقهر: يا أخي اتقي الله!
تدخلت منى بانفعال وهي تأخذ من يدها مفتاح الشقة، تديره هي داخل الباب وصاحت: ألا زلتِ ستتحدثين وتناقشين؟! إنه أعمى البصر والبصيرة، هيا إدخلي ولا تأبهي له.
أدخلتها منى ولا زال واقفًا في قمة غضبه، ساعدتها منى حتى وصلت إلى داخل حجرتها، عاونتها لتبدل ملابسها ثم ارتمت في فراشها فلا تدري إن سقطت في سباتٍ عميق أم مغشيًا عليها.
ابتعدت منى، خرجت من الحجرة، اتصلت بأخيها: مرحبًا حسام! لقد عُدت بها إلى المنزل وقد نامت... ماذا أتركها؟! هل أنت متأكد؟!.. حسنًا سآخذ مفتاح الشقة... سأنتظرك على الغداء اليوم.
أخذت منى المفتاح، انصرفت متجهة إلى بيتها، بدأت تعد الغداء، جاء أخوها حسام، تناول الجميع الغداء ثم جلسوا يتحدثون في أمور مختلفة، كانت منى تتصل بليلى من حينٍ لآخر فلا تجد منها أي رد.
حتى فُتحت سيرة ليلى وما حدث لها، بدأت تحكي منى تفاصيل عنها وعن ما حدث لها، كان حسام وهاني مستاءَين للغاية لما قد حلَّ بها.
تنهد هاني باستياء قائلًا: كأن هذا الرجل قد جُنَّ على كبر!
أجابت منى بغضب: شيءٌ مقزز، والأكثر من ذلك يريدها أن تترك بيت أبيها وترحل.
أردف حسام بهدوء: صديقتك لا يمكن أن تعيش بطولها وحيدة.
تابعت منى براحة: لديّ إقتراح... ليتك توافق عليه يا حسام.
أومأ لها حسام قائلًا: قولي عزيزتي!
- حقيقةً وجودها هناك بينهم في حد ذاته سبب للإجهاد النفسي والعصبي المستمر، وقد رأيت بنفسك يا حسام، ما رأيك لو ذهبت تعيش في شقة أمي رحمها الله وأنت تعود إلى شقتك.
-أنا لا أمانع، لكني قُلت أنها لا يمكن أن تجلس بمفردها.
فأردف هاني: لديّ فكرة أفضل، أنا سأسافر فلتجئ وتجلس معكِ هنا أو تقسموها بينكما أيامٌ هنا وأيامٌ هناك، فأنتما في حاجة لأن تكون كلًا منكما جوار الأخرى.
أومأت منى برأسها موافقة وأهدرت براحة: فكرة جيدة، وأنت يا حسام يمكنك متابعة حالتها بأن تمر عليها هنا، لكن رجاءً اكتب روشتة علاجٍ لها فهي حقًا متعبة.
تبدلت ملامح حسام قائلًا: لكن الأمر ليس بتلك البساطة.
فتساءلت منى: لماذا؟ ألم تشخّص حالتها؟ هل تعاني من مشكلةٍ في القلب مثلًا؟
مسح حسام على وجهه وزفر بقلة حيلة ثم تابع: قلب! تصاب بصداع شديد ودوار فتشخّص بمرض قلبي، رحماك يا الله! زوجتك يا هاني عقلها قد فرَّ احكم ربط تروسه قبل سفرك أرجوك.
فضحك هاني وقال: حسنًا سأضبط كل شيءٍ بطريقتي.
ثم غمز لمنى فضحكت.
رن هاتف منى وكانت ليلى، أجابت عليها بلهفة: مرحبًا عزيزتي، كيف حالك؟! هل أنت بخير؟!
فأجابتها ليلى: الحمد لله!
استطردت منى: معذرةً، لقد اضطررت للانصراف؛ إن هاني مسافرًا في الغد وكان يحتاجني أُعد له أشياءه.
-لا عليكِ عزيزتي، بارك الله لك فيه! صحبته السلامة إن شاء الله!
- سنمكث معًا قرابة الشهر والنصف بل أكثر.
- اللهم لا يحرمني منكما! أبلغيه سلامي رجاءً يا منى.
-ولماذا؟ أبلّغيه أنتِ بنفسك.
ثم أعطت الهاتف لزوجها فقال: ليلى! كيف حالك؟
- بخيرٍ اطمئن! وأعتذر منك أني قد أخذت منك منى.
- لن أجيبك الآن لأن جوابي لن يعجبك إطلاقًا، هيا أخبريني ماذا تريدين أن أحضره لك من سفرتي!
أجابته ليلى بامتنان: أشكرك جدًا هاني...
بترت جملتها فجأة وأكملت: لكن انتظر...
فقال بمزاحٍ: ماذا؟ ءأحضر قلمًا وأوراق لتمليني طلباتك؟
فضحكت ليلى و ضحك هاني وهو يشير لمنى أنها تضحك.
قالت ليلى: أريد منك أن تحضر لي نوع قويّ من المسكنات، ومن الأفضل لو كانت كمية، إرسل إليّ رقم حسابك وسأرسل إليك بأي مبلغ من المال.
فاختفت ابتسامة هاني وحلّ محلها نوع من التألم حاول إخفاءه بمزحته: ماذا؟ سأسب بعد ذلك، إطلبي ولا يهمك عزيزتي، لكن ماذا عن الكمية؟ كأنك تضحين بي وتسعين للقبض عليّ!
ضحكت ليلى مجددًا وأكمل هاني مكالمته ببعض المزحات ليجعلها تتضحك مرارًا حتى انتهت المكالمة وتلاشت ابتسامته، التفت إلى حسام قائلًا: إنها تريدني أن أشتري لها أنواعًا قوية من المسكنات.
صاحت منى بفجأة: ماذا؟ لديها درجٌ مملوء بأنواعٍ من المسكنات التي تتناولها بشراهة وبدون فائدة.
فأخرج حسام دفتره، كتب فيه ثم قال وهو يعطي إليه: هذه الورقة فيها تشخيص لحالتها وبعض الأنواع المرشحة للمسكنات القوية بالفعل، وأيضًا أحضر الأدوية الأخرى المكتوبة بعدها.
تابعت منى: ولماذا لا نشتري من هنا؟! أعطني روشتة أخرى بالعلاج، هل ستظل هكذا حتى يعود هاني؟!
ابتلع حسام ريقه وأجاب بمرارة: لكن هذا ليس علاجها، هي طلبت مسكنات قوية وستأخذهم من ذلك المنطلق دون أن تبحث، لكن عليها أن تجئ إليّ في أقرب وأسرع وقت لنبدأ العلاج.
تنهدت منى وزمت شفتيها بعدم فهم قائلة: لقد قلت أنك كتبت التشخيص، والآن تقول أن هذا ليس بعلاج، إذن ما تلك المركبات والأسماء؟
أجابها حسام: هي مركبات تستخدم لتقليل التورم، حول السرطان.
فوجمت منى وهاني بصدمة!
NoonaAbdElWahed
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro