(11)
بقلم : نهال عبد الواحد
جلس أحمد شاردًا منذ أن رآها وقد انتابته حالة لم يعهدها من قبل، خاصةً وهو يبحث عنها بعينيه في كل أنحاء القاعة ولم يجدها.
كانت حالته واضحة للجميع خاصةً لتلك العروس الجالسة جواره والتي ينظر نحوها بطرف عينه، شعر أنه قد تسرع في هذه الزيجة، كيف توضع هذه في كفة ميزان أمام ليلى؟!
آه يا ليلى! ماذا فعلتِ بي؟! ولماذا الآن؟!
لماذا يتحرك هذا القلب، يدق ويشتاق بهذه الطريقة الآن وبعد كل هذه الأعوام؟!
هكذا عاتب نفسه في حالة ندم شديد على كل ما اقترفه في حقها، وفجأة وجد ابنته تدخل القاعة بمفردها فأشار إليها لتجئ.
اقتربت مريم نحو أبيها، بمجرد مقابلتها أمامه بالضبط همس لها: أين أمك؟
أجابت بتبلد تخفي به قلقها: لقد انصرفت مع خالتي منى.
فسألها في غضبٍ شديد: لأين؟!
رفعت كتفيا لأعلى قائلة: لا أدري.
ثم تركته.
كأن مريم هي الأخرى تمارس الضغط على أبيها لتتركه في تلك الحالة عن عمد، أخذ يتصل بليلى مرارًا وهي ترى اتصاله، فتهمله ولا تجيبه فيزداد غضبًا وتوترًا.
لكن هدته نفسه إلى فكرة بعينها، بعد أن يدخل بعروسه وينتظرها لتنام ثم يذهب إلى ليلى ويقضي معها هذه الليلة... بين أحضانها... لن تمانع مؤكد أنها قد اشتاقت إليه هي الأخرى.
جلس وهو يمنّي نفسه بليلة رائعة منقطعة النظير... وعلى ذلك فقد أشار للمسؤول عن القاعة أن ينهي الحفل مسرعًا، يعجّل بزفة المغادرة.
أما ليلى فقد عادت مع منى إلى منزلها، رأسها تؤلمها بشدة، سارت معها منى حتى شقتها، ثم قالت بقلق: ليلى! هل أنت بخير؟!
أومأت ليلى بعينها، تابعت تلهث من التعب: إطمأني! سأنام وأستيقظ وأكون أفضل، إذهبي أنتِ وإعتني بنفسك، لقد أتعبتك معي طيلة اليوم كثيرًا.
-اليوم فقط!
قالتها منى بمزحة وضحكت، فضحكت ليلى بالكاد وهي تتألم فأكملت منى قائلة بحنان: لا تقولي هذا الكلام، فنحن أختان أنسيتِ يا عِشرة العمر؟ ثم اليوم قد أخذت إذنًا مفتوحًا من زوجي، أعتقد أنه جالسٌ بترقبٍ شديد ينتظرني أعود لأوافيه بأهم الأنباء.
-الأنباء قد وصلته قبل أن تعودي إليه، قد نشرت صورنا معًا وفعلت إشارة لكِ (التاج).
- إذن أراه يرتعد خوفًا وسيحترس مني لأني أمتلك صديقة مثلك... داهية.
قالتها منى ضاحكة، فتابعت ليلى بامتنان: بارك الله في زوجك وأسعدكما دائمًا إلى آخر العمر! وهيا انصرفي كفاكِ ثرثرة رأسي ستنفجر.
فتعانقتا، انصرفت منى، فتحت ليلى باب الشقة ودخلت تترنح قليلًا، ما أن دخلت حتى وقعت عينها علي الصور الموجودة على أحد الجدران، التي تجمعهما معًا منذ طفولتهما وحتى الآن في كثيرٍ من المواقف والمناسبات، كما هما متشابهتين ليس فقط في طباعهما بل حتى في ملامحهما نفس درجة لون البشرة والشعر حتى عندما تنوي إحداهما تغيير لون شعرها تغيره الأخرى بدون تفكير وكأنه أمرًا جبريًا وكذلك في اختيار قصة الشعر...
سقطت عينيها على شخصٍ ما وسط تلك الصور... لكنها بدأت تشعر أنها ستفقد وعيها.
أسرعت نحو حجرتها، بدلت ملابسها ولم تقوى، وجدت نفسها تهبط على الأرض جاثيةً على ركبتيها، أخذت تزحف حتى وصلت إلى فراشها، نامت فيه حتى دون أن تزيل تلك المساحيق التي على وجهها.
عاد أحمد بعروسه، كان في قمة غضبه من انصراف ليلى وعزم على إعادتها إليه، ما أن وصل حتى طلب من أبناءه أن يدخل أحدهما ويتأكد إن كانت قد عادت أم لا، فدلفت مريم، وجدتها نائمة فخرجت طمأنت والدها ثم عادت مجددًا هي وأخيها إلى شقتهما.
دخلت مريم في حجرة النوم ، وجدت أمها تنام بحالتها تلك فنادتها بخوف مربتة عليها: أمي أمي! هل أنتِ بخير ؟
لم تجيبها ليلى إلا بصوت أنين وتألّم، فأكملت مريم: أمي إنك نائمة دون أن تزيلي مساحيق التجميل، سأزيلها لك.
أحضرت مريم المزيل الخاص بها، بدأت تمسح وتنظف وجه امها ثم عدّلت من وضعية جسدها، أحكمت الغطاء عليها ثم بدلت ملابسها ونامت جوارها كما اعتادت منذ فترة.
دخل أحمد بعروسه في شقته بعد تجديدها، انتظرها حتى تغط في سباتٍ عميق ثم ارتدى ملابسه وذهب متسللًا للقاء ليلى... اللقاء المنتظر.
فقد شعر فجأة أنه صار مجنون ليلى ومتيّمٌ بها... يريدها وحدها... ولا أحد غيرها يسد الفراغ الذي تركته، هكذا ملكته هواجسه!
ذهب أحمد إلى شقة عمه، دلف إلى حجرة النوم وقف قليلًا يتأمل ليلى، كيف لم يراها من قبل طوال تلك الأعوام؟! كيف لم يشعر برقتها ويرى جمالها هذا؟! لقد طيّر الشوق عقله وكاد أن يمسه الجنون، فهو مشتاقٌ وعنده لوعةٌ.
حاول أن ييقظ مريم لتذهب إلى حجرتها، تململت ليلى، انتبهت لوجوده فجأة فنهضت وهي تحاول الثبات فلا زالت متعبة، أعادت غلق عينيها قائلة بتعب: أحمد! ما الذي أتى بك إلى هنا؟!
اقترب منها ثم همس لها برغبة وضحة: مشتاق.
دفعته ليلى دفعة خفيفة قائلة وهي تحمل رأسها وتعود بظهرها للخلف: إذهب لعروسك!
اقترب منها وجلس جوارها، وضع يده على رقبتها والأخرى يتحسس بها وجهها وقال: ألم تشتاقي إليّ؟!
دفعت يديه عنها وأهدرت: لقد انتهينا من هذه القصص منذ زمن.
فاقترب أكثر ليقبل رقبتها، انتابها نفور شديد منه ظهر في دفعتها له فقال بتذمر: وماذا بعد؟!
- ماذا بعد؟! ألم تقل أني لست بامرأة بين النساء ولم أحرك إحساسك بأي صورة؟! وأنك كنت دائمًا مجبرًا عليّ! اذهب إذن للأخرى أم هي أيضًا ليست بامرأة ولا تحرك فيك شيئًا؟! إذن فالمشكلة فيك.
أعاد أحمد محاولته قائلًا: دعكِ من كل هذا وهيا بنا إلى الحجرة الأخرى نقضي ليلتنا، هيا انهضي أريدك الآن!
أبعدته عنها مجددًا قائلة بتأفف: وأنا أريد النوم، رأسي تكاد تنفجر، إذهب!
-إذن دعيني أعالجك بطريقتي.
- قلت لك أريد النوم، هيا اغرب من هنا.
فغضب بشدة واشتد غيظه فاستلقت في فراشها، قالت بهدوء وهي تجذب الغطاء عليها: إطفئ النور قبل أن تنصرف.
نهض متذمرًا، خبط على زر إطفاء الإضاءة بقوة من شدة غيظه لخذلانها له، عاد أحمد إلى شقته فوجد عروسه مستيقظة، تنتظره وتتوعد له وفي شدة غضبها، أهدر بمفاجأة: لقد استيقظتِ!
صاحت بحركة متغنجة بجسدها: أين كنت يا رجل؟!
أجابها بتذمر: كنت أطمأن على أبنائي.
-ءالله! أتتركني في ليلتي الأولى وأنا عروس لتذهب إليها؟!
-هيا لنكمل نومنا إذن.
مرت أيام وأيام وأحمد لا يكف عن محاولات صلحها واستمالة قلبها، لكن لا زالت بلا فائدة، قد طال الوقت لأكثر من شهرين، مهما فعل فلا تلين ولاتقبله أبدًا.
ذات يوم بينما كانت ليلى في عملها هي ومنى إذ جاء أحمد حاملًا باقة رائعة من الورود، وقف أمامهما وأهدر برقة غير معهودة: مساء الورد.
لم تكترث له ليلى وأكملت عملها، بينما أجابته منى: مساء الخير، كيف حالك يا أحمد؟
أجابها وعينيه تعانق ليلى الجالسة جوارها: متعبٌ ومشردٌ، صديقتك لا تلين أبدًا.
لكزتها منى ونادتها بتدليل: لولا! ألم تنتبهي من الزائر؟!
فأجابتها دون أن ترفع عينها بمجرد هزة من رأسها، فقال أحمد: إذن سأنتظرك بالخارج بعد انتهاء موعد عملك.
ثم مد يده واضعًا باقة الورد أمامها وأكمل برفق: تفضلي هذه لك.
اضطرت ليلى أن ترفع عينيها نحوه، أخذت الباقة ووضعتها جانبها دون أن تنظر فيها وقالت بطريقة عملية كأنها تحدّث أحد العملاء: شكرًا لك.
ثم عادت تكمل عملها، فانصرف أحمد ينتظرها بالخارج.
نظرت منى إلى صديقتها قائلة: ليلى! أنت يا فتاة! رجاءً قللي حدتك هذه.
رفعت ليلى عينيها نحو صديقتها مجيبة: ولماذا أعطيه أملًا وقد انتهى من حياتي؟!
-إذن فأعطيه آخر فرصة وإسمعي منه يبدو أنه قد تعلّم الدرس جيدًا.
تنهدت ليلى بقلة حيلة أومأت برأسها توافقها، أنهت ليلى عملها، وجدته لا زال ينتظرها بسيارته، ركبت معه وهي تحمل باقة الورد فهي حقًا رائعة وقد أعجبتها وأعجبت بفكرتها التي لم يفعلها قط.
ركبت معه وطوال الطريق صامتة، تنظر أمامها حتى قطع أحمد هذا الصمت: ألم تكتفي يا ليلى من الهجر والتعذيب؟! لقد أخطأت بحقك كثيرًا وظلمتك وأهنتك، لكن قد شعرت بخطئي ولن أغضبك أو أسئ إليك مرة أخرى، كفاكِ هجرًا رجاءً.
فلم تعقب وظلت على وضعها، فأكمل: أقسم لك لقد عرفت قيمتك وكل ما تريديه سأوافق عليه مقدمًا، ليلى لقد اشتقت لكِ كثيرًا، اشتقت لكِ أنتِ فقط، مشتاقٌ يا ليلتي.
ومد يده يضعها على فخذها بطريقة ونظرة رغبة تفهمها جيدًا فانكمشت في نفسها ونزعت يده بهدوء ثم قالت بدون ملامح ناظرة أمامها: دعني أفكر.
أكمل سيره ببعض التأفف حتى وصلا إلى البيت، ترجلت وتركته، انصرف هو بسيارته، لم تكن ليلى تنوي التفكير فالأمر محسومًا وانتهى تمامًا، لم تعد تتحمل لمساته تلك ولا تطيقها، والأمر واضحٌ إليها، كل ما هنالك أنه يريدها رغبةً وليس حبًا، اشتياق جسدي وليس شوق القلوب كما تظن منى.
وبينما هي شاردة في أفكارها هكذا إذ طرق الباب فنهضت، اتجهت للباب، فتحت وتفاجأت بـ...
NoonaAbdElWahed
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro