الفصل السادس
مساء الخير قرائي الغاليين
استمتعوا
*
" في الحقيقة ... الذين تركتهم ورائي هم المنتحرون "
رسالة أحدهم قبل أن يقدم على الانتحار
*
أريد أن أفي بوعودي كلها الآن
أن آخذ ابني و أضمه لي حتى يمل
أن نتجول دون توقف حتى يتعب و دون أن تفلت كفي كفه
لكن لا شيء من هذا قد يتحقق
بعض الليالي أقضيها جالسة على جانب سريره البارد بينما أحمل قصة
أريد أن أقرأ له ... أربت بكفي على ظهره حتى يسرقه النوم
سرقه الموت و كفي لا تربت سوى على فراشه الفارغ
جلست مقابلة لبانتلي في مكتب مديرة الميتم، كل ما أمكنني فعله أنني بادلتهم الابتسامات الخافتة كلما شكروني
أنا أفعل هذا من أجل ابني و لأجلي أنا ... لأنني أبحث عن أي شيء حتى أرتاح و هذا لا يجعل مني سوى دائما أنانية
و لكن على الأقل أنانيتي هذه المرة تصب بمصلحة أطفال محرومين
كنت أضع كفيّ بحضني بينما بن هو من كان ينهي الأمور معهم و في النهاية أنا سوف أوقع و ننتهي، شددت على كفيّ و في تلك اللحظة بينما ننتظر حضور الأوراق قالت مديرة الميتم بينما ترسم بسمة لي
" هل تريدين رؤية الأطفال ؟ "
فرفعت نظراتي نحوها و شعرت أنني لست بخير ... أكثر مما تعودت لست بخير بعد كلماتها هذه، وجهت نظراتي إلى بن و الذي كان يترقب ردي فنفيت و عينيّ بسرعة امتلأت بالدموع لأقول
" لا ... "
التفت لها فعكرت حاجبيها مستغربة و بن وقتها قال بسرعة
" نحن مستعجلين و لكن مرة أخرى قد نأتي "
" حسنا كما تريدان "
زاد توتري ففركت كفي بقوة أكثر إلا أن بن قرب كفه فأمسك بهما و همس محدقا بعينيّ
" كل شيء بخير "
أومأت دون رد و لحظتها وصلت الأوراق التي تحتاج لتوقيعي و بسرعة فعلت ثم استقمت ممسكة بذراع حقيبتي، استقام بن كذلك تزامنا مع وقوف المديرة التي قدمت لي كفها فكنت مضطرة للاستجابة
" ممتنين لك سيدة دليشا، دعمك هذا سيوفر الكثير من الأمور للأطفال "
حركت رأسي فقط ثم التفت لبين و هو فهم ترجيات نظراتي ليقل مودعا
" أرجو أن يكون الأطفال مرتاحين و نحن بالتأكيد لن نتوقف عن دعمهم "
غادرنا بعد الكثير من المجملات ... في الواقع تصرفها طبيعي و لكن أنا التي لا يمكنني رؤية ولد قريب مني، بعض الناس بعد موت أرون نصحوني أن أنجب من جديد حتى تندثر الجروح و البعض قال تبني ولدا يتيما و لكن كل هذا لا يمكنني القيام به
الناس ليسوا متشابهين و تجارب قد تكون نجحت مع البعض واثقة أنها لن تنجح معي
أرون لن يتكرر و لن يعوض مكانه أي أحد مهما كان
وقفنا بعد أن غادرنا الميتم و بوابته خلفنا فقلت لبن عندما التفت له بجانبية
" لا يمكنني رؤية ولد بقربي "
" أفهمك لكنني لست أؤيدك في هذا "
" أنا شخص أناني ... لا يمكنني أن أمد أي شخص بالحنان "
" ليست أنانية منك بل عجز "
" لا أريد أن أضم أي طفل أو أقبله في حين ابني الذي كان يتوق لكل هذا مني لم أقدمها له "
" ما رأيك أن نذهب و نبدأ جولتنا ؟ "
قالها مقربا كفه راميا ذلك الحديث بعيدا فابتسمت بهدوء و وجدتني أقرب كفي من كفه بحذر حتى أمسكها هو بقوة و بعدها سحبني معه، استقلينا من جديد الحافلة و لكن هذه المرة جلسنا في مقاعد العادية و هو أخرج آلة التصوير
كان يصور الشوارع أو بعض الناس المارة كلما توقفت الحافلة ثم يجلعني أرى مشيرا لبعض الوجوه السعيدة فتساءلت أنا
" هل كل الناس سعداء ؟ "
رفع نظراته لي و كانت باسمة لينفي
" بالتأكيد لا "
" اذا لما يبتسمون ؟ "
" مجاملة ... يجاملون بعضهم البعض و هناك من يحب اخفاء حزنه أو غضبه "
" ذلك أمر مرهق ... كلما كنت مضطرة للابتسام لشخص عندما أُقفِلُ الباب عليّ أشعر بالارهاق يتعب روحي "
" لكنني أحب ابتسامتك ... تشعرني أنكِ بخير "
" انها ثقيلة جدا صدقني "
" كلامك هذا يجعلني أتمنى ألا أرى بسمتكِ "
فوجدتني أبتسم و هو عكر حاجبه
" لا تبتسمي "
" ليست هذه ... هناك بعض البسمات تأتي فجأة "
*
جلسنا في محطة القطار الكبيرة، اتخذنا مقعدا على أحد الأرصفة فتساءلت
" لما اخترت هذا المكان ؟ "
" لأنه يذكرني بالحياة ... و نحن لسنا سوى ذكريات بعضها تصعد و الأخرى تنزل "
التفتت لي فابتسمت مواصلا
" لنراقب الناس و نصور الأماكن بعد أن يتركوها "
" لكن حكاية تلك الأماكن ستضل سرية "
" يمكنك كشف سرها في سطر منكِ "
*
يعلمني الكثير هذا الرجل السعيد جدا
يحاول بكل جهد أن يغرس الحياة في روحي
قال سيجلب كوبين من القهوة و أنا بقيت جالسة مكاني ... رغما عني وجدتني أنصاع لكلامه و أراقب الناس، الصاعدين و النازلين ... حتى الواقفين على الأرصفة منتظرين
توقف قطار أمامي مباشرة و فتحت الأبواب فنزلت امرأة من الباب المقابل، كانت ترتدي ثياب بهيجة الألوان، تبدو في عقدها الرابع لكنها تحمل في ملامحها الكثير من السعادة تجعلها تبدو كالأطفال الفرحين
وقفت على الرصيف متفقدة هاتفها ثم تلفتت حولها كأنها تحاول البحث عن شخص تتوق لرؤيته، رفعت خصلاتها عندما خللت مقدمتها بكفها محاولة السيطرة على بسمتها ... هناك شوق موجود على وجهها و لم يطل الأمر حتى التفتت عندما سمعت نداء
وجدتني ألتفت معها حينها كان رجل يقف بعيدا عنها يحمل باقة ورود حمراء ... كانت باقة صغيرة لكن الحب واضح كان كبيرا بينهما
فتح لها ذراعيه و هي اقتربت منه محاولة الاسراع حتى ركضت و ارتمت في حضنه أخيرا
وجدتني أبتسم تلك الابتسامة التي تأتي فجأة ... التي لا ترهق روحي حينها سمعت بن خلفي
" أي جملة تناسب هذه الصورة و تكشف سر بوابة عربة القطار "
التفت له فكان يحمل كوبين، اقترب أكثر حتى جلس بقربي ليسلمني كوب القهوة فأخذته عنه أضمه بكفي الثاني و قلت مجيبة
" اشتياق "
وضع كوبه بجانبه ثم حمل آلة التصوير و قبل أن يقفل باب عربة القطار هو التقط له صورة، التفت له فرأيته يحاول فعل شيء و عندما تساءلت
" ما الذي تفعله ؟ "
" أسميها "
ببسمة قالها ثم التفت لي و قال
" هل نواصل ؟ "
" أجل ... أعجبني الأمر "
" اذا اليوم سوف نقضيه على هذا المقعد "
*
الخوف وهم كبير و عندما يسكننا يشل كل بهجة تقترب من حياتنا
دليشا سكنها الخوف و باتت لا ترتاح بين الناس
كما تعتقد هي لكن أحيانا بين الناس سنتمكن من الاختباء
بينهم و بين أصواتهم سنتمكن من نسيان همومنا
وقفنا معا بقرب باب بيتها فرفعت نظراتها نحوي قائلة
" أنا شاكرة لك على هذا اليوم بن ... كان مليئا بالأحداث و يمكنني الآن أن أحدث أرون دون أن أشعر بالعجز "
" هذا هو الدافع الذي تكلمت عنه من قبل ؟ "
" أجل "
" اذا يجب أن أتركك فأنت على موعد مع أرون "
" متشوقة لمقابلته و الكتابة له "
" و أنا سعيد لأجلك دليشا "
رسمت البسمة التي قالت أنها ترهقها ثم ترددت قبل أن تتساءل
" متى يمكننا الخروج مجددا ؟ "
حينها أجبت ببسمة
" غدا "
" ماذا عن المعرض ؟ "
" يمكنني الغاء يوم منه بالفعل "
" لا أريد ... ليكن مكان خروجنا هو المعرض "
" مستعدة للذهاب إلى هناك من جديد ؟ "
" أجل ... "
" حسنا لنذهب "
" سوف أراسلك صباحا "
" و أنا سوف أنتظر رسائلكِ "
لوحت تودعني ثم فتحت الباب و قبل أن تقفله عندما دخلت لوحت لي من جديد و أنا فقط ابتسمت ثم التفت متوجها نحو باب الدرج
كنت مصرا أن يكون عشاءنا عبارة عن شطيرتين ابتعتهما من عربة على الطريق و أكلناهما و نحن نسير و لا زلنا نشير للأماكن و أسرارها
أقفلت باب المنزل ثم أشعلت جميع الأضواء و دخلت، وضعت حقيبة آلة التصوير على الطاولة ثم أبعدت سترتي، وضعتها على جانب الأريكة و جلست مخرجا آلة التصوير
لقد التقطت الكثير من الصور لدليشا دون أن تنتبه ... عندما كانت تشير للمقاعد و الأبواب ... أماكن الوقوف و حتى أكشاء التذاكر، تأملت كل صورة على حدى محاولا لمس ملامحها ثم استقمت مقررا تحميض صورها و تجهيزها لأجل معرض خاص بها هي وحدها
نحن عندما نحب شخص سنحب ربطه بأكثر أمر نحب القيام فيقترنان دون أن يكون أحدهما عبئا على الآخر
*
جلست مكاني مقابلة للآلة الكاتبة
أما أرون ... أقصد طيفه الذي دائما يظهر لي جلس مقابلا لي على المقعد حينها ابتسمت له ثم قربت أناملي نحو الحروف، اليوم لم يصبني التوتر كما أني أحمل الكثير في صدري أود أن أقوله له
" مرحبا حبيبي أرون ... يوم آخر لي في هذه الحياة و رسالة جديدة مني اليك
هناك بعض السعادة اليوم أصابت قلبي و تأكد أنها بسببك
بن يعتقد أنني بدأت أنسى حزني و تعبي بانشغالي في أمور تدور حولي و سيجتهد أكثر حتى يبقيني دائما مشغولة و لكن سبب سعادتي مختلف عما يعتقده
إنني سعيدة لأنني أفعل أمورا كثيرة في يومي و بالتالي أجد ما أقوله لك
أجد شيئا يمكنني كتابته فلا تنقطع الرسائل بيني و بينك يا حبيبي "
تنهدت مبعدة أناملي ثم رفعت نظراتي نحوه فابتسم لي و زادت بهجتي حينها قربت أناملي من جديد أكتب
" لا بد أنك تريد أن تعلم من هو بن، بينتلي أوكلاند ... في الواقع لا أدري كيف دخل حياتي بل لم أشعر كيف حدث ذلك، لقد كان قارئ، منذ أول رواية نشرتها كما أخبرني و كان وفيا
حتى بعد موتك و انقطاعي و انقطاع الكثير من المعجبين عني هو لم ينقطع و ظل يرسل الرسائل ... يوميا يا أرون فهل تصدق ؟
إنه يحاول أن يزرع فيّ الحياة التي ماتت بموتك ... يومه مليئ بي لكنني أدري أنني لن أكون سوى جرح كبير في حياته
أنا سيئة و أنانية مجددا "
شعرت بالتعاسة فجأة ... أصاب الوهن أناملي و قلبي آلمني
ليس سهلا أبدا أن تفقد انسانا تحبه و تفعل لأجله الكثير ... و أنا لا أزال أومن أنني لست جزء من هذه الحياة أما بن فمنهجه و فلسفته تجعله انسان مختلف
يجب أن أضع حدا لقربنا المفاجئ هذا ...
تركت الرسالة دون أن أنتهي منها عالقة في الآلة و استقمت و أورن ظل مكانه لكن نظراته تابعتني حتى خرجت من الغرفة و توجهت نحو غرفتي
فتحت الباب و مباشرة رفعت نظراتي نحو السقف، أين تعلق الثريا، أغمضت عينيّ بينما أسند كفي على ايطار الباب
" هذه الطريقة لا يمكن أن تفشل ... لن يستطيع أحد انقاذي و لن تحتاج وقتا "
فتحت عيني من جديد و عندما التفت حتى أذهب و أحضر الحبل الموجود في خزانة المعدات كان أرون يقف مقابلا لي، كفيه خلف ظهره و يستند على الجدار فابتسمت له و همست
" أنا قادمة يا حبيبي "
لم يقل شيء و أنا رغم خوفي و ارتجافي شجعتني دافعة بخطواتي نحو الخزانة لكنني بمجرد أن مررت بجانبه شعرت به يمسك سترتي من خلفي ... يوقفني و عندما توقفت و التفت له كان يبكي
بسرعة جلست القرفصاء أمامه مقربة كفيّ حتى أمسح دموعه لكنه ابتعد عني ... مسح دموعه لوحده كما تعود صغيري الحزين و بعدها رحل و أنا كسرت من جديد ... أرون يعاقبني ولا يريدني أن أذهب له
لا يريدني في عالمه المليء بالنور
لا زال عقابي لم ينتهي في هذه الحياة
جلست مكاني ذاك و بكيت بقوة ... الدموع لا يمكن أن تغسل ذنوبي ولا أن تمسح غضبك مني
*
أسندت كفيّ على خصري راسما بسمة راضية على ملامحي محدقا بكل صورها
ذلك الأمل الذي يختبئ بعيدا في عينيها يجعل مني سعيدا ... كتابتها لابنها كل يوم سوف تدفعها للحياة فترتجي تغيّر الأيام حتى تكتب له كل يوم
تركت الصور معلقة ثم خرجت من غرفة التحميض، اتجهت نحو غرفتي و هناك أخذت حمامي ثم ارتديت ثيابي و عندما تمددت في مكاني تفقدت الساعة و كانت الثالثة صباحا فهمست لنفسي
" ربما دليشا نائمة الآن "
نظرت للسقف و ابتسمت مقررا الخلود للنوم لأن دليشا غدا ستكون متحمسة ... سوف تراقب زوار المعرض
بعد انقضاء الليل و حلول الصباح أنا استيقظت على صوت المنبه، في الحقيقة كنت متعبا للغاية ولا زلت أشعر بالنعاس لكن الساعة الآن تشير للعاشرة صباحا، أبعدت عني الغطاء ثم اعتدلت مكاني واضعا قدميّ على الأرض، ضممت وجهي بكفيّ و عندما تذكرت صور دليشا أنا أبعدتهما و التفت للهاتف
اقتربت آخذه و عندما فتحت حسابي على الانستغرام مثل العادة وجدت رسالة منها منذ ساعتين
" يبدو أنني تأخرت عليها "
" صباح الخير بينتلي ... أريد الاعتذار عن مرافقتك اليوم فلدي بعض المشاغل و بعض الأمور سأقضيها "
عكرت حاجبيّ مستغربا رسالتها و حتى طريقة حديثها التي تغيرت فجأة، استقمت حاملا الهاتف ثم غادرت الغرفة و في طريقي نحو غرفة المعيشة اتصلت بها فرن الهاتف دون أن ترد لكن سمعت صوت خطواتها فوقي ثم صوت الباب يقفل و كأنها تخبرني أنها بخير و أن أدعها و شأنها
بالتأكيد أنا لن أتركها
وضعت الهاتف على الطاولة ثم توجهت لغرفتي أين غيرت ثيابي بسرعة ثم خرجت و مررت آخذ هاتفي، وضعته بجيب بنطالي و غادرت المنزل، صعدت للدور الذي تقعه فيه شقتها ثم طرقت بابها
مرة و اثنتان دون أن تفتح حينها انتابني الخوف فعلا من أنها قد تكون فعلت شيئا بنفسها فعاودت الطرق مناديا باسمها
" دليشا افتحي الباب ... لن أبتعد حتى تفتحي دليشا "
طرقت الباب بعنف أكثر حتى أخيرا سمعت صوتها خلفه
" توقف يا بانتلي ... "
حينها توقفت و اقتربت أسندني على الباب قائلا
" افتحي دليشا "
" لا تخف لن أقتل نفسي ... "
" لا يمكنني ألا أخاف ... أخبريني ما الذي حدث ؟ "
" لم يحدث شيء و لكن أرجوك أتركني ... اذهب و عد لحياتك لا أريدك أن تعيش حياتك لأجل حياتي أنا "
" اذا هذا ما حدث ؟ ... لعلمك دليشا أنا لن أتزحزح من هنا ما لم تفتحي الباب "
" لا تكن عنيد و غادر فوجودك في حياتي لن يسبب لك سوى الألم "
" ذلك سيكون ألمي و أنت ليس لك علاقة به "
قلت بإصرار و بجدية في هذه اللحظة لا يهمني أي شيء ... لن أهتم سوى أن تفتح و أتمكن من رؤية عينيها و لو كانت تعيسة كما كانت طيلة هذه الأيام الأخيرة
طرقت من جديد و قلت مرة أخرى
" افتحي دليشا "
و هاهو صوت القفل و الباب فتح فدفعته أدخل و هي وقفت خلفه، ممسكا بالباب أطليت عليها و هاهي نظراتي تلومها أما هي فقد هربت بنظراتها بعيدا رغم الدموع التي تسكن عينيها و وجنتيها
" في الوقت الذي تعتقدين فيه أنك ألم بالنسبة لي أنا لا أراكِ سوى معجزة انتظرت حدوثها سنوات "
فرفعت نظراتها ناحيتي، رموشها المبللة و كل تفصيلة من تفاصيلها كانت تدعوني لضمها و التخفيف عنها ففعلت عندما أقفلت الباب و اقتربت أضمها
" سوف أكسر قلبك يا بن صدقني "
قالتها و لم تبادلني الحضن فتمسكت بها أكثر مجيبا
" لا أهتم ... كل ما يهمني أنني سأكون قادرا على اسعادك بعض الوقت، لبعض الوقت فقط يا دليشا "
حينها تمسكت كفيها بقميصي الخيطي ساندة رأسها على صدري
" سامحني ... أتيتني و أنا حطام "
" ما دامت كفي ممدودة لك فقط أمسكيها ولا تقولي أنك ممتنة أو أن أسامحكِ ... فقط أمسكي بكفي "
*
ليس دائما الشخص المقابل هو المؤذي
في كثير من الأحيان نكون نحن أكبر أذى و أكبر سقطة في حياة هذا الشخص
كما كنت أكبر أذى حصل في حياة أوسكار
سمعت خطوات بن تقترب قادما من المطبخ حتى جلس بقربي و وضع أمامي كوب الماء، جلس و لم يقل شيئا فقط شعرت به ينظر لي دون أن يبعد نظراته و قبل أن يقول أي شيء قلت أنا
" أنا خائنة ... "
" لماذا ؟ "
" أريد أن أرتاح و يكف الصوت داخل رأسي عن الصراخ رغم كل ما فعلته ... "
" هل تعتقدين أن بحثك عن سعادتكِ الآن هو خيانة ؟ ضحكتك خيانة ؟ "
التفت له و لم أجد ما أقوله لأن هذه هي الحقيقة
" أنت مخطئة ... مخطئة كثيرا يا دليشا "
حينها ابتسمت بأسى مجيبة
" دائما كنت مخطئة يا بن "
" لم أعني هذا ... الضحكة في أوقات الحزن ليست خيانة بل إنها أنفاس نأخذها بدل الاختناق بشدة "
" لكنني أريد أن أختنق ... أريد بشدة أن أموت "
حينها اقترب مني و ضمني له بلهفة مؤنبا إياي
" لا تقولي هذا ... تجنبي ذكر الموت على لسانك "
" إنه قدرنا المتشابه يا بن ... إنه طريقنا الذي يقودنا للجنة أو الجحيم "
" لا يزال مبكرا عليك سلك هذا الطريق بالرغم من أنه قدرنا المتشابه "
تمسكت به و شدت أناملي على سترته ساندة فكي على كتفه
" قربي لا يجلب للناس حولي سوى التعاسة و التعب "
" لا تضني هذا فرغم هذه المشاعر الحزينة إلا أنني اشعر بالسعادة و أنا ضمكِ ... و أنا أخبئك في حضني "
" أحب الحياة يا بن ... صدقني أحبها و ليتني كنت أستطيع المضي قدما "
" يمكنني أن أساعدكِ ... فقط تمسكِ بكفي ولا تستمعي للأصوات الغريبة "
ابتعدت عنه فضمت كفيه وجنتيّ و ابتسم لي ثم قبل جبيني و سحبني لنقف معا
" غيري ثيابك دليشا سوف نذهب لمكان معا "
" أين ؟ "
" ليس إلى وجهة محددة "
أومأت ثم انسحبت و التفت مغادرة، غيرت ثيابي التي لا يتغير لونها أبدا، ثوب أسود بسيط و تركت شعري حرا، سترة كبيرة ثم غادرت الغرفة حينها استقام بن محدقا بي و نزلت نظراته نحو حذائي الرياضي الذي تجاهلت ربطه فقال مشيرا له
" هل يمكنني ربطه ؟ "
فنفيت و دنوت حتى أحزمه لكنه اقترب و أخذ خيوطه من كفي و في تلك اللحظة رفعت نظراتي نحو نظراته التي لم تبتعد
" أتركيني أقوم بما أحب معكِ "
قبل أن أرفض أخبرتُني أن أسمح له بصنع بعض الذكريات السعيدة ... لا ندري ما الذي قد يحدث غدا و بالفعل ابتسمت له واضعة كفي على وجنته ثم أغمضت عينيّ و اقتربت أقبل وجنته و بعدها عندما فتحت عينيّ قلت
" لنصنع بعض الذكريات السعيدة "
أزهرت روحه و شعت نظراته و أنا استقمت فربط الحذاء ثم استقام ليمسك بكفي و غادرنا المنزل، مر لمنزله و أخذ من قرب الباب سترته ثم غادرنا ... إلى اللاوجهة نحن خرجنا و سرنا دون هدف فقط نسير في الشوارع و نمسك بكفي بعضنا ... لا يمكنني أن أقول ليتني كنت التقيت به منذ زمن فوقتها كنت حطمت حياته و سعادته
جيد أنني التقيت به الآن فقط و ليتني لم ألتقي به أبدا
ليته ظل بعيدا سعيدا ... سعيدا جدا
نهاية الفصل السادس من
" قبر من لحم و دم "
أتمنى أنكم استمتعتم بالفصل و أحببتم تفاصيله
إلى أن نلتقي من جديد كونوا بخير
سلام
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro