الفصل السابع
مساء الخير قرائي الأعزاء
استمتعوا
*
" الحياة لم تعد تحتمل، سامحوني "
رسالة انتحار دليدا
*
الاكتئاب هو موت يضمك أما الحياة فتقف متفرجة كيف يسحبك للقاع
تارة سوف تملأ البهجة الأيام ثم دون سابق انذار تتحول البهجة إلى فراغ في الروح أما البسمة لدموع و قهر
من دون سبب سوف لن ترى إلا الانتحار حلا مريحا
هل حقا سيكون ذلك دون سبب ؟ أو أن الأسباب تراكمت حتى ما عاد المرأ قادرا على تحديدها ؟
تنهدت و حركت النسمات الباردة التي تصاحب الغروب شعري و لحظتها قرب بن كفه يمسك بكفي التي أسندها على سور الجسر الحجري الذي نقف عليه، حدقت بكفينا معا ثم رفعت نظراتي اليه ليتساءل هو
" هل تشعرين بالجوع ؟ "
" أجل "
" اذا هل نذهب لمطعم و نتناول طعامنا ؟ "
فنفيت و سحبت كفي من كفه مجيبة ... راسمة بسمة تثقل الهم داخل صدري
" لنعد للبيت و أعد لك وجبة عشاء ... لقد كنت تريد أن تتناول العشاء في منزلي أليس كذلك ؟ "
" هذه البسمة لا أحب رؤيتها عليكِ "
" تعودنا المجاملة "
" لا أريد أن تجامليني ... فقط كوني مرتاحة "
" و كيف أجعلك مرتاح ؟ "
" لا تهم راحتي ... هل تريدين أن أطهو عنكِ ؟ "
" لا ... فقط تسوق معي و دعني أرى الحياة من خلالك "
حينها ابتسم و اقترب يضمني، ضمت كفه رأسي من الخلف و خرج منه رغما عنه تنهد ليقول في نهايته
" ليتني أستطيع منحك حياتي "
ابتعدت و لكن هذه المرة أمسكت بكفه و قلت
" أخبرني ما الذي تريد تناوله ؟ "
" أي شيء يا دليشا ... المهم أن تكوني قادرة على مراسلة أرون "
أومأت رابتة على كفه ثم التفت و سحبته نغادر ... أذكر ذات مرة كنت أشاهد فلما، لقد كانت بطلته تعاني من اكتئاب بسبب فقدانها لحبيبها جراء حادث و أثناء جلسات العلاج قالت المدربة النفسية جملة، فهمتها لكن لم أشعر بقيمتها حينها
" الفقد أبدي لكن الحزن لا يدوم "
كثيرا من الناس فقدوا أحباءهم ... يعيشون في الفقد دون أن يحتفظوا بالحزن، لكن بالنسبة لي الفقد أبدي و الحزن كذلك أبدي، لست أول ولا آخر أم تفقد ابنها و لكن لا يمكنني تجاوز حزني، لا أجد سببا يدفعني للسعادة ... أنا فقط لا أتحلى بالشجاعة الكافية حتى أخلصني من كل هذا
وصلنا لمحل بقالة ليس بعيدا جدا عن المبنى الذي نقيم فيه، دخلنا فسحب بانتلي سلة و دفعها ليسير بجانبي بها و لم يقل شيء فقط تجولنا بين الأرفف و كنت كلما رأيت شيء أنا في حاجته أضعه في السلة حتى وصلنا بجانب ثلاجة اللحوم حينها التفت له فرسم بسمته الهادئة لكنها بسمة حزينة و قال
" ما الذي تريدين منا نأخذه ؟ "
فتنهدت و اقتربت أحاول الاختيار و تذكرت أرون ... كان يحب تناول كرات اللحم مع بطاطة مهروسة بالجبن فابتسمت و التفت له بملامح مغايرة تماما للملامح التي كنت أكتسيها قبل برهة فتوسعت عينيه مستغربا لأسأله برنة صوت مبتهجة
" هل تحب كرات اللحم مع البطاطا المهروسة ؟ "
" دليشا هل أنت بخير ؟ "
" أنا بخير و لكن أجبني هل تحب كرات اللحم مع البطاطا المهروسة ؟ "
" أجل ... أحبها كثيرا "
" جيد ... أرون كان يحبها كثيرا كذلك و دائما يطلبها "
" حقا ؟ "
" أجل ... لذا لنطبخها معا "
" اذا هل لك أن تصنعي بقربها بعض السلطة ؟ "
" هل تحبها ؟ "
" أجل كثيرا "
" لنذهب لقسم الخضار اذا "
قلتها ثم فتحت باب الثلاجة و أخذت ما يكفينا من كرات اللحم، وضعتهم في السلة و وجدتني أضع كفي على مقبض السلة و أدفع معه قائلة
" لم تخبرني عنك يا بن ... "
و التفت حينها نظر لي ثم ببسمة رد
" ما الذي تريدين معرفته عني ؟ "
" حسنا ما أعلمه حتى الآن أنك مصور فتوغرافي و أقمت الكثير من المعارض "
" أجل هذا أنا "
" لكن بالتأكيد ليس هذا كل ما أنت عليه ... "
" أنت محقة ... يمكننا الحديث مطولا و نحن نجهز العشاء "
" اذا هناك الكثير أود سؤالك عنه "
" و أنا جاهز للإجابة "
*
بعض الوحوش ستختبئ داخلنا ... في أعماق أرواحنا
و الاكتئاب أعتى هذه الوحوش
طوال اليوم كانت صامتة و النظرة في عينيها تصف كل الحزن الساكن بقلبها لكن في لحظة تغير كل شيء و كأنها أُستبدِلت
وقفنا في المطبخ نفرغ الأكياس و هي كانت تتحدث ... أبدا ليس كما اعتدت عليها
بل مثل تلك الأيام التي كنت أذهب و أحضر جلسات القراءة الخاصة باصدارات رواياتها
" اذا يا بن أنت ترعرعت في أستوديو عمك للتصوير و من هنا تولد حبك للتصوير الفوتوغرافي أليس كذلك ؟ "
وقتها تركت الكيس و التفت لها مجيبا
" تماما يا دليشا ... حب التصوير ورثته عن عمي، ذلك الأستوديو مكان ساحر جدا "
حينها ابتسمت و لم تسعدني بسمتها لأنها ترهق روحها و مجرد فخ لا أريد الوقوع فيه ثم قبل أن ترد قالت بعد أن خفتت بسمتها
" لما تعكر حاجبيك ؟ هل تعتقد أنني في حالة ارهاق نفسي "
" أجل "
" لست كذلك، اليوم أنا أشعر بالسعادة فعلا ... "
" ألن تنتكسي ؟ "
" حاليا لا أعتقد ... هيا أريد أن أعرف أكثر عن الأستوديو و من أول شخص قمت بتصويره ؟ "
عدت لاخراج الأغراض من الأكياس و قلت مجيبا بعد اصرارها
" كان عمي هو أول شخص قمت بتصويره ... "
" لابد أنها كانت تجربة مثيرة "
" بالتأكيد ... يومها كنت معاقب من طرف والدي "
قلتها ببسمة و عندما التفت بجانبية وجدتها تضم ذراعيها لصدرها راسمة بسمة جديدة لكنني لم أشعر أنها ثقيلة على روحها، التفت كلي حينها ساند نفسي على بار المطبخ مواصلا قلت
" كنت أكره المدرسة و هربت يومها فقرر أبي معاقبتي بأن يحرمني من الذهاب لعمي إلى الأستوديو "
" لا تقل أنك هربت كذلك من المنزل "
" بلى ... تسللت عبر النافذة و ركضت حتى وصلت للأستوديو و كانت تلم أول مرة أذهب هناك لوحدي و عندما حضر أبي قال عمي أنه لن يسمح له بأخذي ثم بعد ذلك جعلني أعده أنني لن أهرب من المدرسة و في المقابل سيسمح لي كل يوم أن أذهب إليه و أساعده في الأستوديو "
" كان عرضا مغري بالنسبة لك "
" جدا ... لم أهرب بعدها من المدرسة أبدا و أبي قال اذهب إلى عمك أنا لست والدك "
قلتها بضحكة عندما تذكرت أبي حينها و هي كذلك ابتسمت ثم التفتت تخرج حبات البطاطا من الكيس قائلة
" هل تريد أن تساعدني ؟ "
التفتت من جديد لي فتركت ما كنت أفعله و اقتربت قائلا
" سوف أزيل عنها القشرة "
تركتها لي و عندما وضعتها بالحوض و قفت بجانبي و قالت من جديد
" أمي كانت تعاقبني بتقشير البطاطا كلما تخلفت عن موعد عشاء أو غداء "
التفت بينما يدي تفركان حبات البطاطا و تساءلت
" هل كنت تتأخرين في العودة للمنزل ؟ "
" أجل ... كنت أقضي جلّ وقتي في المكتبة "
" ذلك الذي كان يصيبنا وقتها هو شغف يا دليشا "
فتنهدت لترفع نظراتها
" ليت ذلك الشغف يعود "
" هل تحتفظين بشيء لم تنشريه من قبل ؟ "
حاولتُ عندما سألتها تغيير الموضوع فقالت مومئة و وقتها أخرجت كرات الحم من الكيس ثم أخرجت مقلات من الخزانة
" الكثير ... "
" ما السبب ؟ "
" أعتقد أنني وقتها لم أكن ناضجة أدبيا بما يكفي و عندما نشرت أول مرة كنت كبيرة فخجلت من أولى محاولاتي "
" أحيانا أولى المحاولات تكون هي الأجمل "
" تكون المشاعر مختلفة جدا حينها ... أتعلم يا بن مهما حاولت لم أستطع استعادة مشاعري التي كنت أكتب بها تلك الأعمال، لقد كانت جميلة جدا و أوقات لا تعوض "
" ما رأيكِ أن تخرجيها و تحاولي الانتقاء منها الأقرب لك لنشرها ؟ "
" لا أعتقد أنني سأرغب بنشرها لكن أفكر بجعلك تقرأها معي "
التفت لها ثم اقتربت و هي التفتت لي
" هل سأحظى بهذا الشرف ؟ "
" أنا من ستحظى بشرف أن تقرأ مشاعري الأولى ... مشاعري الطيبة البسيطة و الخجولة "
و بحماس قلت
" متى سنبدأ ؟ "
" بعد العشاء ساعدني في اخراج الصناديق القديمة من المخزن و سنبحث عنها "
" مستعد حتى لو كان ذلك قبل العشاء "
*
هناك بعض اللحظات لا نستطيع عيشها من جديد مهما حاولنا
فالزمن مثل البشر اذا مات لن يعود
و أنا فقدتني منذ زمن طويل ... حتى قبل ولادة آرون حبيبي
أتذكر مشاعري و أنا أكتب أول رواية لي، لقد كتبتها بكل صدق ... كل يوم كنت أقوم بعدة طقوس قبل بداية الكتابة، كنت مغرمة بكل ما يفعله الكتّاب المشهورين وقتها و أصدق كل ما يقولونه عن الطقوس التي تسبق الكتابة فابتدعت واحدة لنفسي و من حماقتي كنت أنفق مصروفي على الشموع المعطرة و القهوة الجاهزة
أنا شخص لا يحب القهوة لكنني وقتها أرغمتني على شربها قائلة أنني أستمتع بها فقط حتى أكتب على صفحتي أنني أشرب القهوة كالكتاب الكبار مرفقة بصورة الفنجان أو الكوب، أقول للجميع أنني لا أريد ازعاج كأنني أكتب في مكتب منعزل يحترم الكل فيه خصوصيتي، لكن في الحقيقة كنت أجلس وسط الفوضى التي تحدثها أختي و حتى شجارها مع أمي طوال الوقت ... ما كان يفصلني عن محيطي الصاخب هو الموسيقى العالية التي كنت أسد بها أذنيّ فوجدتني دائما أربط الأغاني برواياتي
لكل رواية أغنية كلما سمعتها تذكرني بتفاصيلها و بمشاعري وقتها
و منظر الجبل المقابل لنافذة الغرفة كان هو ملهمي، إنه جبل بسيط لا يوجد به حتى شجرة إلا أنه ألهمني و أحبه كثيرا كما أتمنى دائما لو يمكنني العودة لذلك الركن و الكتابة
في النهاية وجدت لنفسي طقوسا مختلفة عن تلك التي كنت أحاول صنعها و لم تكن حقيقية
ابتسمت من كل قلبي منذ زمن كبير حينها سمعت صوت بن الذي كان يجلس مقابلا لي
" دليشا هل أنت بخير ؟ "
رفعت نظراتي اليه فتوسعت عندما رأيت صحنه فارغا لأرد بسؤال
" متى أنهيت صحنك ؟ "
" منذ مدة "
" هل كنت جائعا لهذه الدرجة ؟ "
" لم آكل منذ أمس ... "
" لما لم تقل أنك جائع من قبل ؟ "
" دعك مني و أخبريني ما سبب بسمتك هذه ؟ "
" هل بدت مختلفة ؟ "
سألت بنبرة حماس و سعادة فرد مومئا
" أجل ... بسمة لم أرها عليكِ من قبل "
" لقد جلبتها الذكريات السعيدة "
" أتمنى أن تأتيكِ دائما الذكريات السعيدة فأراك دائما المرأة السعيدة ... السعيدة جدا "
تنهدت ببعض الغبطة ثم قلت متسائلة
" هل تريد أن أسكب لك المزيد ؟ "
فأخذ صحنه و قربه مني
" اذا كان الأمر لن يزعجك فلا مانع لدي يا دليشا "
أخذت الصحن عنه و استقمت، اقتربت من القدر الموجود فيه البطاطا المهروسة فقال من خلفي
" هل يمكن أن تخبريني عن الذكريات السعيدة التي تحدثتِ عنها ؟ "
و وجدتني أريد الحديث دون توقف ... أريد أن أقول له كل ذكرياتي السعيدة قبل أن يسكن البؤس قلبي من جديد فلا قدرة لي على التحكم به
*
كانت تأكل و تحكي عن تلك الأمور التي كانت تفعلها و أنا في لحظات كثيرة كنت أشرد عن حديثها فلا أسمع منه سوى صوت ضحكتها ولا أرى منه سوى عينيها المبتهجة
لا أصدق ما يحدث معها و هذا يجعلني أشعر بالقلق في دخلي عليها ... هذه التقلبات المفاجئة ليست جيدة أبدا
أريدها أن تتخطى و تشفى من إكتئابها و لكن لا أريد بهذه الطريقة فوضعها الآن لا يدل على التعافي بل أنها منتكسة أكثر من البداية
و رغم كل هذا لا يمكنني سوى مجاراتها
أسمع و أضحك ... أضحك من كل قلبي
" لقد شبعت "
حينها نظرت إلى صحنها و قلت برضى
" سعيد أنك أنهيته "
" منذ فترة طويلة لم آكل بهذا القدر "
" واضح هذا يدليشا "
" فقدت الكثير من الوزن ... دون أن أتعب في الحمية "
قالتها بمزاح ثم استقامت قائلة بينما تحمل صحنها و كوبها الذي كان بقربها
" ألست متعبا يا بن ؟ "
فاستقمت أنا الآخر حاملا صحني و كوبي مجيبا
" لست متعبا ولا تحاولي التهرب "
فالتفتت معكرة حاجبيها
" لست أحاول التهرب "
ثم ببسمة أظهرت أسنانها نبست
" بل أحاول جعلك تغسل الأطباق "
" هذا فقط ؟ "
" أجل ... إنني أكره هذا العمل "
" تذكرينني بأغاثا كريستي "
قلتها لأضع طبقي وسط المغسلة و هي ضحكت عندما ردت
" جل حبكات الجرائم فكرت فيها و هي تغسل الأطباق "
" و أنت أخبريني كيف فكرتي في حبكاتك ؟ "
" هل تصدقني لو قلت لا أدري ... فأنا شخص يتبع مشاعره أثناء الكتابة و كثيرا ما أحيد عن ما أخطط له "
" لكنني عندما أقرأ لكِ أشعر أنك صارمة في اتباع الخطة "
" هذا لأنني بعد ما أحيد أعيدني للحدث الرئيسي و الذي يكون سبق و خططت له "
" اذا هذه المرحلة ستكون مجهدة لك ؟ "
" أحيانا نعم و أحيانا لا ... هناك روايات و أبطال كانوا يسحرونني فلا أشعر إلا و أنا أضع نقطة النهاية "
" من خلال النظرة في عينيك واضح مدى حبك لتلك الروايات "
فتنهدت و هاهي النظرة الحزينة تحلها من جديد لتقول بصوت فتر مرة أخرى
" تلك الروايات لم تسرقني من ابني ... أحبها جدا "
" اذا هل لكِ أن تعطيها فرصة لترى النور ؟ "
" اقرأها أنت أولا ... سوف أفكر في الأمر بناء على تقييمك و قد أتركه كله بيدك "
" اذا كان هكذا ابتعدي فورا حتى أنتهي من غسل الأطباق "
*
عندما نتعود الألم ننسى كيف نشعر بالسعادة
سوف نتمسك به و ما إن نتركنا لحظة للسعادة حتى نشعر أنها أمر غريب
في هذه الأوقات أشعر بالغربة و أنني غير حقيقية بالرغم من أنني حاولت الحفر في ماضٍ كان هادئ ولا أحمل فيه أي ذنب تجاه أي شخص
سحب بن الصندوق الخشبي الكبير الذي أشرت له ثم وقف يسند خصره بكفيه متنهدا و رفع نظراته لي قائلا
" إنه صندوق الكنز "
" ربما أجل، و ربما مجرد خربشات متفرقة "
" لا تقولي شيئا و هيا افتحيه "
حينها تنهدت و شعرت أن الخوف يصيبني ... سوف أفتح جزء من الماضي، ماضي بسيط سعيد لا يوجد فيه أي نوع من الأضواء، أسندت ركبتيّ على الأرض ثم قربت كفيّ إلى الصندوق و قبل أن ألمسه رفعت نظراتي لبن الذي جلس القرفصاء و قال مشجعا
" هيا دليشا ... "
أومأت و لمسته أخيرا لأشعر الغبار تحت كفيّ، هكذا هو قلبي، الغبار يغطيه و يجعل كل شيء جميل من الماضي ... و الماضي لا يمكن أن يعود مهما حاولنا استعادته
فتحت الصندوق متجاهلة الغبار العالق على كفيّ، رفعت الغطاء حينها ظهرت مشاعري الجميلة التي خبأتها مع هذه الروايات القديمة
رسمت بسمة و أنا أراها بعد كل هذه السنوات ثم وجدتني دون تحكم في نفس أبكي، تركت الغطاء يعود للخلف و بن عندما أمسكه قال
" لما هذه الدموع الآن دليشا ؟ "
" لا أدري يا بن فقط هناك رغبة ملحة في صدري تدفعني للبكاء ... بكاء ليس كبائي صباحا أو أمس "
استقام و اقترب لينحني بقربي قائلا
" اسمحي لي أن أخرجها عنكِ "
حينها استقمت و هو بدأ باخراجها، كان يبعد الغبار عنها ثم يقرأ العنوان و أرى الابتسامة ترسم على وجهه ليقول بعد أن أخرجها كلها و وضعها أرضا بجانبنا
" كلها عناوين مميزة يا دليشا ... تجعلني أشعر بالفضول "
التفت محدقا بي ثم استقام
" كل شيء في الماضي كان مميز "
" هناك رغبة ملحة تنتابني الآن أريد قراءتها لكنني حائر أي واحدة يجب أن أبدأ بها "
" اقرأها بالترتيب "
" هل تستطعين ترتيبها ؟ "
أومأت و اقتربت منها أجلس القرفصاء بقربها و بدأت أحملها واحدة تلوى الأخرى
الرغبة ثم النقص، غفوة حب ثم الذنب فالخطايا ... اخترت له هذه الخمس عناوين و استقمت ملتفتتة له
" ابدأ بهذه ... و اختر واحدة سوف أنشرها بعد كل هذه الفترة تحت اسم مستعار "
فعكر حاجبيه
" و لما اسم مستعار ؟ "
" أريد أن يستمتع الناس بها بعيدا عن زخم اسمي "
" ماذا اذا عن الباقي ؟ "
" كلها ستكون لك يا بن ... كلها ستقرؤها و كلها سيكون لك السلطة لنشرها أو تركها بعيدة عن الأعين "
" بالتأكيد سوف أختار نشرها يا دليشا ... سوف تصنعين نجاحا جديدا حتى لو كنت لا تريدين استخدام اسمك فقط حتى تثبت لنفسك أنك لا زلت قادرة على النجاح و العطاء و لا زلت قادرة على تلقي الحب من قرائك الوفيين "
رسمت بسمتي المتعبة التي تجهدني بينما أنظر له هو الذي تفقدها كلها بعد أن أخذها مني ... ستكون ذات قيمة لأن دليشا وقتها لن تكون موجودة
غادرنا الغرفة بعد أن حمل كل الروايات التي أخرجتها و لكنه قسمها و قال أنها سيقرأ أول خمس روايات التي رتبتها له ليقول أي واحدة سيرشحها لي حتى تنشر و أنا فقط عدت لهدوئي و سكوني الكئيب
*
جذبتني العناوين و شعرت أن تلك الأعمال المدفونة هي الثروة الحقيقية و أنها من ستصنع لها مستقبلا جديدا و نجاحا أكبر من نجاحها الماضي، تركت الروايات بعد أن رتبتها و كلي شوق حتى أبدأ قراءتها و عندما التفت لها بجانبي على الأريكة كانت قد رفعت قدميها عن الأرض و لجأت لركن الأريكة الذي تختبئ داخله كلما كانت حزينة كئيبة و هنا شعرت أن تلك البهجة التي أصابتها فجأة انتهى تأثيرها فناديت اسمها
" دليشا .. "
هي التي كانت شاردة التفتت لي و هاهي ترسم البسمة الثقيلة من جديد لكنني قدمت لها كفي قائلا
" شاركيني هذه الرقصة أيتها المرأة الحزينة "
" أي أغنية سنرقص على أنغامها ستذكرك بهذه اللحظات التعيسة لاحقا "
" أريد أن أعيش اللحظة فقط ... افعلي مثلي و عيشي اللحظة هذه فقط "
شغلت أغنية سيا رجل الثلج لأضع الهاتف على الطاولة و مددت كفي من جديد لها فأمسكت بها و أنا سحبتها بهدوء و سرنا بعيدا قليلا عن الطاولة و قربتها مني، وضعت كفي خلف ظهرها أما هي أسندت كفها على كتفي و تحركنا على الموسيقى فلاحقت عينيّ عينيها لكنها دائما هربت منها
كانت قدميها حافية و أنا أنتعل حذاء منزلي فقربتني أكثر أهمس لها
" ضعي قدميك على قدميّ "
و بهدوء وضعت قدميها على قدميّ ثم رفعت نظراتها لي و أنا شعرت أنني أريد أن أقترب ... ليس هناك موانع بيننا، ليس هناك سوى حزنها و أنا أخاف أن قربي سيكون خطوة لا تريد أن تخطوها الآن
دنوت اليها ببطئ حتى أسندت جبيني على جبينها مغمضا عينيّ لكنها سحبت كفها من كفي و الأخرى من على كتفي مبتعدة و عندما فتحت عينيّ قالت بهدوء
" سوف أنام الآن بن ... "
فقط ضمت نفسها بذراعيها و التفتت سائرة نحو ممر الغرف و أنا بقيت هناك واقفا مثل رجل الثلج الذي تذيبه أشعة الشمس الدافئة
نهاية الفصل السابع من
" قبر من لحم و دم "
أتمنى أنكم أعجبتم بالفصل و تحمستم للفصل القادم
إلى أن نلتقي في الفصل التالي كونوا بخير
سلام
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro