Chào các bạn! Vì nhiều lý do từ nay Truyen2U chính thức đổi tên là Truyen247.Pro. Mong các bạn tiếp tục ủng hộ truy cập tên miền mới này nhé! Mãi yêu... ♥

الفصل الثامن ( الأخير )

مرحبا قرائي الغالين

استمتعوا بآخر فصل 

*


" أخفقت في الشعر و الكتابة و الرسم، و لم أوفّق حتى في حماقاتي الجميلة في حضن الحياة ... و أمام كل الاخفاقات التي واجهتني في الحياة، سأقف اليوم قويا في وجه الموت .. وداعا "

بعض مما جاء في رسالة انتحار الأديب المغربي عبد القادر الحاوفي

*

أيام الخوف، أيام الكسرة و القهر لا يمكن أن تمضي بسهولة

بعض الجروح لا تهون، و الكثير من الكسور لا ترمم مهما حاولنا

ليست الضحكات المرغمة هي التي تمسح ما في القلب من أسى

و لا حتى الدموع التي نبكيها هي من ستخلصنا من مشاعرنا الحزينة

لا شيء سوى ضمة ممن فقدنا و تركوا مقاعد الحياة فارغة دونهم

كثيرا من الأيام مرت منذ سلمت لبن الروايات حتى يقرأها و ينتقي منها واحدة للنشر باسم مستعار، لم تكن كلها أيام حزينة كما لم تكن كذلك كلها أيام سعيدة للغاية ... مرة أكون المرأة السعيدة، السعيدة جدا بجانب الرجل السعيد جدا، و مرات كثيرة أكون المرأة الحزينة، الحزينة جدا

اليوم طلعت الشمس و أنا ممددة في سرير أرون، أضم لعبته التي تتعبق بعطره الجميل و يال كسرة القلب التي تسكنني منذ الصباح، يا ل تلك الرغبة الملحة التي تدفعني نحو الموت

" أشتاق لك يا ابني ... أريد القدوم لك "

و تحت نافذة غرفته المقابلة كان يجلس حبيبي ممسكا بقصة كان يحب أن تُقرأ له، واحدة من ذنوبي التي ارتكبتها في حقه، اعتدلت في سريره جالسة منزلة قدميّ الحافيتين ثم وضعت اللعبة على السرير و لحظتها اختفى

كان يوما ثقيلا جدا بالرغم من أنه مشمس ... كان حزينا للغاية رغم أصوات العصافير السعيدة باقتراب الربيع

تنهدت و استقمت مقتربة من النافذة و بهدوء أزلت الستار محدقة بالأشجار التي بدأت تكتسي بعض الخضرة، قبل أن أترك الستار سمعت صوت هاتفي الذي رنّ فالتفت له ثم تركتْ كفي الستار و اقتربت منه، أخذته من فوق الطاولة ... من غيره يتصل بي و يبحث عني ؟

رسمت بسمة ... تلك التي تخبر أن في قلبي الكثير من الأسى و الحزن، فتحت الاتصال قائلة بصوت مبتهج

" مرحبا بن ... كنت أنتظر اتصالك "

" لما لم تتصلي اذا ؟ "

" فكرت أنك ربما لا تزال نائما "

" لا تترددي أبدا مرة أخرى في الاتصال بي ... "

و بعد تنهد قلت موافقة

" حسنا بن ... أنا لن أتردد في اللجوء لك ولا في فعل أي شيء فكرت فيه بعد الآن "

" أجل هكذا أريدك أن تكوني "

" أخبرني بن هل تريد أن نخرج في رحلة تخييم ؟ "

" هل أنت جادة ؟ "

" أجل ... أريد أن نخيم بجانب بحيرة "

" أعرف واحدة جميلة "

" اذا سوف أجهز أغراضي ثم أتصل بك "

" أنا كذلك سوف أجهز نفسي و أغراضي ... ما الذي تريديننا أن نأخذه معنا ؟ هل أذهب للتسوق أولا ؟ "

بسرعة ظهر الحماس في صوته فقلت

" بن بروية يا رجل ... سوف نتوقف في الطريق و نتسوق "

" حسنا سوف آخذ حمامي أولا اذا "

كان سعيدا جدا و بعدها أقفل قبل أن أقفل أنا مثلما تعودنا، أبعدت الهاتف ثم التفت ناحية الباب و غادرت الغرفة، اتجهت نحو المطبخ و هناك أخرجت سلة النزهات، لقد كانت بدون فائدة و هذه أول مرة أستخدمها فيها منذ اشتريناها

يا ل ذنوبي الكثيرة

*

لم أصدق أنها قالت تعالى نخرج في نزهة ... سوف نخيم، نجلس على ضفة البحيرة و نتسامر الحديث ليلا، نشعل نارا و ننظر لها معا ثم نتدفأ بها كذلك معا، أشعر بالحماس فلم أعتقد أنها ستتخذ خطوة كهذه

قد تكون في أسوأ أيامها و أنا في أسعد أيامي لكنني سوف فعل المستحيل حتى تشفى روحها

عندما اتصلت بها كنت سوف أحدثها عن رواياتها القديمة، لقد أعجبت برواية النقص و كنت سوف أقترح عليها أن تنشرها كأول عمل تحت اسم مستعار نختاره لاحقا لأنها رغبتها، و لكن لا ضير أن نذهب و تحصل على بعض الراحة و الهدوء الروحي و عندما نعود نتحدث في هذا الأمر، الحياة لا تزال طويلة

وضعت كل الأغراض بجانب الباب، لدي خيمة و أدواة مختلفة كثيرا ما استخدمتها في التخييم أثناء خروجي للتصوير في المحميات، أيضا حقيبة آلة التصوير، سوف تكون هناك لحظات عفوية لدليشا لا أريد تفويتها، أفرشة هوائية سهلة الحمل، بالاضافة لموقد لأجل التدفئة و ربما نشوي بعض المارشميلو

الهي لدي الكثير من الأفكار و الكثير من الأمور أودّ فعلها

آخر كيس أخرجته و وضعته بجانب الباب كان لأغطية لربما احتجناها فالأجواء ليلا دائما تكون أبرد، أقفلت الباب و حينما التفت رأيت باب المصعد يفتح و كانت دليشا موجودة داخله ... توسعت عينيها عندما رأت كل الأغراض التي أضعها لتخرج من المصعد بينما تحمل سلة نزهات صغيرة

" بن ... ما كل هذه الأغراض ؟ "

و لكنني استغربتها كذلك لأقول مشيرا لمعطفها ... كان خريفي اللون رغم سواد ثيابها الأخرى

" دليشا لما لا ترتدين سوى هذا المعطف الخفيف ؟ "

حينها نظرت لنفسها ثم رفعت نظراتها لي قائلة

" أحبه ... فيه الكثير من الجيوب "

" ما العلاقة؟ فلن يحميكي من البرد ؟ "

" ثيابي ثقيلة "

كانت ترتدي بنطال أسود و هودي أسود كذلك واضح أنه غليض لكن لا يزال الجو باردا و هذا ما جعلني أحاول الاعتراض

" أرى أنه عليك تغيير المعطف فالمكان بارد و الليل سيكون أكثر برودة "

" ألن نعود آخر اليوم ؟ "

" و كيف يكون تخييم اذا لم ننصب الخيمة و قضينا الليلة فيها ؟ "

" و مع هذا لا أريد تغييره "

" يالك من عنيدة "

" أرى أننا لن نتفق لذا فلنلغي الأمر "

حينها رفعت كفي مستسلما

" حسنا افعلي ما تريدين "

قلتها ثم حملت أغراضي و اقتربت من المصعد، فتحته و جعلتها تصعد ثم وضعت فيه كل الأغراض و بعدها أقفل أبوابه

*

كان بنتلي يقود سيارته و على وجهه توجد ابتسامة كبيرة لا يستطيع التحكم فيها، يشغّل الراديو كذلك و يغني مع أي أغنية تبث و صدفة كانت كلها سعيدة

أما أنا ... كنت فقط أجلس بجانبه و كل ما أفعله أنني أنظر اليه، أحاول معرفة كمّ السعادة التي يشعر بها، لا أصدق أنني سبب سعادة أحدهم بعد أن كنت سببا في حزن ابني طوال الوقت ... أنا كذلك كنت سببا في موته و هذا أعظم ذنوبي

كل ذنوبي تتعلق بابني ... حبيبي أرون

التفت بن لي و اتسعت ابتسامته ليعيد نظراته إلى الطريق قائلا

" ما الذي تفكرين فيه دليشا ؟ "

" لا أصدق أنني سبب في سعادتك "

و بكل ثقة ردّ

" بل صدقي ... بالنسبة لي كنتِ حلما صعب المنال، مستحيل أن أصل له في يوم "

" أنا لا أعتقد ذلك يا بن ... إنني لست سوى كابوس "

" ليس بالنسبة لي "

قالها ليلتفت لي من جديد و هذه المرة قرب كفه دون أن يبعد نظراته عن نظراتي، جيد أنني لم ألتقيك يا بن من قبل و أنا في سطوة نجاحي و غروري و إلا كنت وبالا على حياتك مثلما كنت لأوسكار

هذه هي الحقيقة ... أنا ذلك الشخص السيء في قصة أحدهم

لست بطلة الحكاية أبدا

وضعت كفي بكف بن حينها شدّ عليها بقوة و توسعت ابتسامته أكثر لينظر لي من جديد فبادلته ... بتلك البسمة التي تزيد من بؤسي لأنني حزينة عليه و لأنني سأستمع له و لن أتراجع هذه المرة عن أي شيء فكرت فيه

" أفكر بشراء المارشميلو فهل تحبينه ؟ "

" أجل ... "

" اذا سوف أتوقف بعد قليل حتى نتسوق "

" لست أمانع بن "

سحبت كفي من كفه مشيرة إلى الطريق

" ركز في الطريق يا بن نريد أن نصل إلى وجتنا قطعة واحدة "

قهقه ليركز في الطريق معتقدا أنني لا أزال أهاب الموت ... أجل أنا أهابه و كثيرا ما وقفت أمامه بجبن لكن ليس اليوم و في هذه اللحظة، هذه الذكرى يجب أن أتحلى بالشجاعة فيها

بعد وقت و في الاستراحة توقف لنتزود بالبنزين و نتسوق في نفس الوقت، أبعد حزام الأمان ثم أخذ محفظة نقوده ليضعها في جيب سترته و أنا أيضا أبعدت حزام الأمان قائلة

" سوف أستخدم الحمام ثم أذهب للمتجر "

" حسنا انتظريني اذا في المتجر "

نزلت من السيارة لأقفل الباب و توجهت نحو الحمام و لما دخلت و كان فارغا أقفلت الباب من الداخل، كان يحتوي على مقصورتين في الداخل، وقفت أمام المرآة الكبيرة التي كانت تحتها مغسلتين متصلتين

قربت كفي من الحنفية و فتحت الماء ثم رفعت نظراتي نحو انعكاسي في المرآة ... وجه غابت عنه علامات الحياة، شعر مهمل ولا أريد أن أحيا بعد الآن، يكفيني ما عشته حتى الآن ... كان نجاحا و شهرة مكللين بالإخفاق

اقتربت أكثر و غسلت وجهي حينها فكرت أنني لما لا أريد أن أكون سعيدة ؟ الانسان دائما يتعرض للفقد

لست أول ولا آخر أم تفقد واحدا من أبنائها ... لقد فقدت الكثير من أفراد عائلتي من قبل و لم أكن هكذا ... وقتها كنت قد فعلت الكثير في حقهم من هجر و جفاء و لكن لم تنصرف عني الحياة ولا حتى الأحلام

لدي رغبة كبيرة و ملحة مختبئة بعيدا في أعماقي تدفعني للحياة و فعل الكثير مع إحياء اسم ابني ... يمكنني احياء المزيد من ذكرياته لأنني أهاب الموت

رفعت من جديد نظراتي نحو المرآة و كأن الألوان من حولي تغيرت فجأة و باتت أكثر بهجة ... حتى وجهي الخالي من الحياة زارته بعض الملامح السعيدة و الباسمة

اعتدلت بوقوفي ثم سحبت بعض المناديل الورقية بقربي مجففة وجهي و عندما وضعت كفي بجيب معطفي الخريفي كثير الجيوب وجدت قلم أحمر شفاه منسي

أخرجته أرفعه أمامي متذكرة آخر مرة وضعته هنا، لقد كان منذ حفل توقيع آخر رواية نشرتها، تعودت أن أحمل معي أحمر شفاه حتى أتمكن من اصلاحه لكي تظلّ صورتي جميلة في نظر الجميع ... ضحكت بسخرية على حمقي السابق لكنني لم أتردد في فتحه و محاولة استخدامه

واضح أن صلاحيته قد انتهت منذ فترة لكن لا يهمني ... أريد استخدامه اليوم، لونت شفتيّ بجرأة ثم سحبت مسكة شعري أحرره، حاولت تعديله قليلا ثم وضعت البعض من خصلاتي خلف أذني، تفقدتني لآخر مرة في المرآة ثم التفت فاتحة الباب مغادرة نحو المتجر

لقد اقترحت على بانتلي أن نخرج في هذه الرحلة و يجب أن أكون بقدر سعادته، اكتشفت أنني أنانية حتى في حزني، لا يجب أن أكون كذلك و أحترم سعادة من بقربي فليس دائما الحزن هو ما يجب احترامه، فحتى السعادة التي قد تكون حلما لأحدهم و لم يبلغها إلا بعد جهد و حزن لا يجب افسادها

دخلت للمتجر و عندما ألقيت نظرة لم يكن بن قد وصل بعد لذا حملت سلة تسوق و مضيت، كان أول شيء أخذته أضعه في السلة هو علبة مارشيميلو ثم أخذت بعض اللحوم المعلبة و السلطات كذلك، لقد قال بن أن هذا الطريق يمر خلاله الكثير من المخيمين لهذا يتوفر في المتاجر القريبة كل ما يخص التخييم من الطعام إلى البطانيات و التي بالمناسبة أحضر بن الكثير منها، تلك التي تستخدم عادة في التخييم و لكن تعجبت أنه يمتلك كل ذلك العدد، واضح أنه كان يذهب لأماكن أبرد من لندن

حملت علبة طماطم صغيرة و وضعتها في السلة حينها سمعت صوت بن خلفي

" دليشا ... هذه أنت ؟ "

التفت له فتعجبت نظراته أكثر و أنا ابتسمت له قائلة

" أجل هذه أنا دليشا "

فرفع اصبعه مشيرا لشفتيه متسائلا

" ما الذي تضعينه ؟ "

" ألا يناسبني ؟ "

حينها نفى بسرعة مقتربا أكثر ليقف أمامي

" بلى ناسبك بالتأكيد و لكن ... "

و قبل أن يواصل قاطعته أشرح

" لم أحب الشحوب الذي كان في وجهي ... هكذا أفضل أليس كذلك ؟ "

حينها ابتسم و لكن الأسى كان واضحا في بسمته تلك

" بلى ... أفضل و أجمل كذلك "

" شكرا بن "

تهرب من نظراتي قائلا عندما اقترب يأخذ عني السلة

" سوف أحمل عنك "

مر بجانبي يتجاوزني قائلا بذات الوقت

" هل قررتِ ما سنأكله هناك ؟ "

تبعته قائلة ببهجة خلفه

" أطعمة جاهزة بالتأكيد بن ... كذلك لم أنسى المارشميلو "

قلتها و أمسكت بكفه، بل ضممت كفه بكفي شادة عليها فتوقف محدقا بهما ثم رفع نظراته لي

" هل أنت بخير دليشا ؟ "

" أجل أنا بخير يا بن و أريد أن أحيا و أزهر من جديد "

" هل أنت واثقة ؟ "

" أجل ... ليست انتكاسة لا تخف أريد أن أحيي ذكرى ابني كل سنة و أساعد الأطفال بعمره "

" صدقيني الانغماس في مساعدة الآخرين سوف يجلب لقلبك السعادة و الطمأنينة التي ضاعت منكِ "

" هذا ما أرجوه "

" كذلك أريد أن أحدثك عن الرواية التي وقع عليها اختياري "

" اذا وجدت من بينهما من تستحق النشر ؟ "

" كلها تستحق النشر يا دليشا صدقيني و لكن تلك التي تساعد الناس على الشفاء سوف تكون بداية جديدة لكِ "

" ليس سهلا أن تستعيد الحياة في قلبك لذا أريد أن أكون عونا لهلاء الناس "

" ستكونين أنا واثق من ذلك "

*

المرأة التي كان يعتلي وجهها الحزن و الكدر منذ غادرنا المنزل تحولت فجأة

تظهر الكثير من البهجة و السعادة و أنا كما سبق لي الاعتقاد أخاف من بهجتها المفاجئة هذه ... مهما قالت سوف أعتقد أن كل هذا ليس سوى انتكاسة

بعد أن نصبنا الخيمة في مكان قريب من ضفة البحيرة أحضرت مقعدين مخصصن من السيارة لا أبعدهما عادة من هناك، وضعت المقعد الأول ثم التفت لها مبتسما مشيرا

" تفضلي سيدتي الكاتبة "

ابتسمت هي التي كانت تضع كفيها بجيوب معطفها الخفيف ثم تقدمت لتجلس، فتحت مقعدي هو الآخر لأضعه بجانبها ثم وضعت الحطب في الموقد و أشعلت النار و لما انتهيت أحضرت معطفي الثقيل الموجود بين أغراضي و من خلفها أنا وقفت لأضعه على كتفيها فالتفتت بجانبية لتضع كفها على كفي الموجودة على كتفها

" أخبرتكِ أن الجو سيكون باردا "

" اعتقدت أن ثيابي كافية "

" لا بأس يا دليشا ... أنا هنا "

بادلتني الابتسامة ثم سحبت كفها لأسحب أنا الآخر كفي و جلست على مقعدي بقربها، نظرت بعيدا متأملة البحيرة فسألتها ... فقط أريد أن أفتح معها حديثا كيفما كان

" هل أعجبكِ المكان ؟ "

" إنه يشبه الأماكن التي كنت أتخيل وجودها و أنا أكتب "

قالتها بابتسامة لتلتفت لي فتساءلت باستغراب

" ألم تكوني تعلمي بوجود هذا المكان ؟ "

فنفت ليتعانق كفيها معا و كم شعرت برغبة في الاقتراب و ضمهما معا بين كفيّ ... أريد أن أدفئها

" لقد كنت منعزلة تماما ... لا أخرج إلا للأماكن التي يتوجب علي العمل فيها، و عندما أجد أنه لدي وقت فراغ لم أكن أغادر غرفة مكتبي في البيت، أنا كرست حياتي حرفيا لأجل الكتابة يا بن "

آخر جملة قالتها التفتت مميلة رأسها فقربت كفيّ فعلا ممسكا بكفيها

" بعد الآن الحياة ستكرس نفسها لك "

" أرجو هذا "

سحبت كفيّ قبل أن تفعل هي و قلت ببسمة

" سوف تغيب الشمس قريبا ... "

" اذا أحضر أنت مزيدا من الحطب و أنا أجهز الطعام "

" حسنا ... "

استقمت و هي كذلك فعلت تاركتا معطفي على المقعد فعقدت حاجبيّ كدليل على عدم رضاي

" دليشا البسي المعطف قبل أن تصابي بنزلة برد "

التفتت له ثم عادت و لبسته رغم كميه الذين كانا طويلين عليها فوجدتني ببسمة أقترب، ساعدتها في طيهما لكي لا يعيقاها ثم ابتعدت قائلا

" لن أتأخر "

لم أبتعد كثيرا حيث ظلّت دليشا في مرمى نظري، جمعت الأغصان الواقعة على الأرض بالإضافة للخشب الذي ابتعناه عندما مررنا بالقرية القريبة من المكان

نحن لا نفعل هذا سوى لنشعر ببهجة التخييم و أننا قمنا بكل ما يتوجب فعله، عدت بالحطب الذي جمعته و جعلت من النار التي بدأت تضعف أقوى من البداية ثم جهزت بعض القهوة الساخنة و لما جلست مكاني اقتربت دليشا التي كانت تحمل صحنين

سلمتني صحني الذي كان يحتوي على لحم عجل معلب بالاضافة للجبن و بعض الطماطم، كذلك كان يحتوي صحنها على ما يحتويه صحني ثم جلست لتلتفت لي

" اذا شعرت أنك لم تشبع هناك المزيد "

" حسنا "

بدأنا نأكل ثم قلت لها مشيرا للقدح الموجود على الطاولة البلاستيكية الصغيرة الموجودة بيننا

" هذه قهوتكِ "

فالتفتت لها ثم نفت

" لا أحب القهوة ... "

" ماذا ؟ "

" كنت أرغمني على شربها من قبل لكنني لم أستسغ طعمها يوما "

" لكن الكثير من شخصياتك أحبت القهوة و اعتقدت أن حبها نابع من حبكِ لها "

" كثيرا من الأمور التي كنت أجعلها مفضلة لشخصياتي لم تكن مفضلة لي أو لأنني كنت أود بشدة أن تكون مفضلة لي ... مثل القهوة تماما "

" دائما ارتبطت القهوة بالكتّاب "

" أنت محق ... هذا الذي كنت أحاول اظهاره وقتها لكنه كان شيء مزيف غير موجود فيّ "

شعرت أن الحديث بدأ يأخذ منحى حزين و هي قالت أنها ستحاول أن تبتهج لذا قلت

" لا بأس يمكنكِ استبدالها ببعض الحليب و الشكلا "

حينها ابتسمت حتى ضحكت نافية لتقول بعد أن رفعت نظراتها ناحيتي و ظلت اللقمة بالشوكة التي كانت ستقربها لفمها

" هذا المشروب أحبه جدا يا بن لكنني كنت أتفادى جعل شخصية رزينة و كبيرة حكيمة تحبه "

" هل أعترف لكِ ؟ "

" تفضل "

" أنا كذلك أحبه أكثر من القهوة "

" جيد اذا فلنلغي القهوة من قاموس مشروباتنا كلما تواجدنا معا "

" لقد ألغيت تماما "

*

غابت الشمس و تناولنا عشاءنا ليجهز بن كوبين كبيرين من الحليب بالشكلا الساخنة، جهز المارشميلوا في العصيْ ثم وضع الكوبين على الطاولة الموجودة بيننا و جلس قائلا

" جاهزة لسهرة لن تنسى ؟ "

" جاهزة "

ابتسم ثم أخذ الأعواد التي تحمل المارشميلو و قربها ليغرسها أرضا قريبا من النار التي تتمايل ألسنتها، أخذت أنا كوب الحليب و الشكلا أضمه بين كفيّ و كنت فقط أتأمله هو و بسمته ... ليتك تعطيني القليل من قلبك يا بن

عاد يجلس مكانه بعد أن ثبّت الأعواد و حمل كوبه ليشرب منه قليلا ثم التفت لي قائلا

" لذيذ أليس كذلك ؟ "

" جدا "

ثم ماهي سوى لحظات حتى كان المارشميلو جاهزا فناولني الخاص بي و أكل هو خاصته متلذذا ... تحدثنا في الكثير من الأمور بعدها و حتى أننا تناقشنا بخصوص رواية النقص التي قال أنها ألهمته كثيرا للقيام بجلسة تصوير و بذكر التصوير هو لم يبقى دون آلة التصوير خاصته فقد كنا نتبادل الحديث بينما يضمها و بين اللحظة و الثانية يرفعها و يصورني

أحيانا أكون منتبهة له و أحيانا أخرى يفاجئني فقط صوتها و طالت سهرتنا حتى تأخر الوقت و اشتدّ البرد أكثر فقال بن الذي مدّد جسده بتعب

" ما رأيكِ أن نخلد للنوم الآن ؟ "

حينها التفت خلفنا للخيمة أين كان يمد فراشين متجاورين جهزهما عندما نصب الخيمة لدى وصولنا، أعدت نظراتي له فكان مترقب و أنا أومأت مستقيمة

" هيا ... غدا يجب أن نعود باكرا "

دخلنا للخيمة بعد أن أطفأنا النار و بن أقفلها من الداخل و التفت لي مشيرا نحو الفراش الموجود على اليمين

" جربيه و إن لم يكن مريحا و دافئا لكِ سوف أجلب مزيدا من البطانيات "

" لا أعتقد أنه سيكون باردا "

أبعدت معطفه الثقيل الذي كنت أرتديه فوق معطفي الخريفي لأبعد كذلك هذا الأخير ثم حذائي ودخلت الفراش حينها فقط أبعد هو معطفه و حذاءه ليدخل فراشه، لقد التفت لينام على جانبه الأيسر ناظرا لي أنا التي كنت أنظر لسقف الخيمة

لحظات هي من الصمت حتى نادى باسمي

" دليشا ... "

حينها أملت رأسي له فقرب كفه لي قائلا

" هل يمكنني امساك كفك و أنا نائم ؟ "

قوله و نظرته قالت الكثير ... إنه خائف من وقوع شيء، ابتسمت ملتفتة و قربت كفي له ليمسكها بشدة ثم تحرك مقربا نفسه يقبلها و عندما وضع رأسه على وسادته من جديد قال

" سأكون معكِ ... سوف تشفين و نعيش نجاحكِ الجديد و لكن هذه المرة بطريقة مختلفة "

" أريد هذا بشدة يا بن "

" و أنا لا أحتاج سوى لارادتك الشديدة هذه "

قربت وقتها كفه لي أنا كذلك و قبّلتها بهدوء ثم رفعت نظراتي له قائلة

" لقد غيّرت قلبي في هذه الأيام القليلة يا بن و استملته اليك "

فقال بمزاح و لكن السعادة بسبب كلامي كانت واضحة داخل عينيه إلا أنني أفهمه فهو يخاف أن يقترب أكثر و يلاقي صدا مني

" إنني رجل وسيم يا دليشا ... طويل و أنيق و الكثير من النساء تعجب بي "

" لم أعتقد أنك متباهي يا بن ... قد أغير رأيي "

حينها ابتسم و من جديد قرب كفي له يقبلها ليقول بنبرة جادة و هادئة

" عندما تكون الجذور حية مهما بدت لك الورود ذابلة إلا أنها ستزهر في الربيع المقبل "

ابتسمت ليواصل

" و قلبك سيزهر هذا الربيع يا دليشا "

بن استمر بالحديث و أنا كنت فقط أنظر له و أتأمل جميع حركاته، تفاصيله و كيف هو متمسك بكفي ثم بين اللحظة و الثانية كنت أبادله البسمات حتى نام من شدة تعبه ... قال أنه لم ينم كثيرا في الأيام المنصرمة بسبب انهماكه في القراءة

لا أدري كم من الوقت مرّ و أنا أنظر له دون أن أسحب كفي من كفه التي ارتخت بسبب نومه، بن هو ذلك الرجل المختلف، رجل قارئ وقع في حب كاتبته المفضلة فتعمق في تفاصيلها حتى أنه درسني دون أن أدرك ذلك، لقد أخذ تلك الأجزاء الصغيرة مني التي كنت أضعها في كل شخصية من الشخصيات التي كتبتها ... وضعها أمامه ثم ركبها مع بعضها حتى عرفني أكثر من نفسي

سحبت كفي من كفه و اعتدلت مبعدة عني الغطاء، تحرك مكانه ثم التفت للجانب الآخر، نهضت أنا من مكاني و ارتديت حذائي ثم أخذت معطفي الخريفي و عندما ارتديته و أدخلت كفي بأحد جيوبه الكثيرة وجدت شيئا وضعته فيه قبل خروجنا اليوم

*

الانسان كالأحجية لا يمكن أن تتعرف عليه من النظرة الأولى

و دليشا كانت كذلك فأنا اعتقدت أنني أعرفها لأنني كنت مهتم بكل كتاباتها المنشورة ... لقد قلت سابقا أنني درستها حتى عرفتها لكنني لم أكن على صواب فعندما قرأت كتاباتها القديمة لمست جانبا آخر منها ... الجانب السعيد و الذي يمكن أن يخرج من الحطام و يعيد ترميم نفسه من جديد

كلام دليشا عن النشر و النجاح الذي تريد تحقيقه بعيدا عن اسمها جعلني أشعر بالراحة و الطمأنينة و هذا ما دفعني للنوم براحة خصوصا أنها سمحت لي بامساك كفها ... مثل طفل صغير ان تحركت أمه بعيدا عنه سيشعر

لكنني عندما استيقظت لم أجدها بالخيمة معي و فراشها كان مرتب، فكرت أنها استيقظت في وقت أبكر خصوصا عندما تفقدت الساعة و وجدت أنها تشير للعاشرة صباحا

ارتديت حذائي ثم اسقمت حينها انتبهت أن دليشا تضع هاتفها فوق فراشها كذلك معطفي الذي كانت ترتديه أمس ... فكرت أنها ربما ذهبت للسير دون أن تأخذه لذا أخذته أضعه في جيبي و خرجت من الخيمة

كان المكان هادئ و هي ليست في الجوار لذا قررت البحث عنها حتى نجمع أغراضنا لنغادر فأمامنا طريق طويل ... اتجهت نحو الجسر الخشبي الموجود على البحيرة و لكنني عندما اقتربت منه رأيت سيارة اسعاف متوقفت وسطه و سيارة رجال الانقاذ قريبة كذلك حينها وقفت مكاني و هناك شعور سيء أصابني

أخرجت هاتف دليشا من جيبي محدقا به ثم اقتربت بسرعة و عندما وصلت كان رجال الانقاذ يحملون جسدا مغطى في الناقلة وبعض الناس يقفون متفرجين، شعرت بالثقل يحتل كل جسدي و في تلك اللحظة التي ظهرت كفها من تحت الغطاء أنا ترتكتني للأرض أقع عليها ... ساندا ركبتيّ عليها و كفيّ أنا نفيت هامسا

" لا يمكن أن تكون دليشا ... لقد كنتِ بخير رغم انتكاستكِ "

شعرت بأحد يضع كفع على كتفي و عندما رفعت نظراتي كان أحد رجال الانقاذ ليقول

" لقد انتشلنا جثة امرأة كانت ترتدي معطف خريفي و جيوبه مليئة بالحجارة ... هل تعلم من تكون ؟ "

لحظتها لم أتذكر سوى قولها أمس عندما لمتها على ارتدائها هذا المعطف الخفيف و ردت قائلة أنه يحتوي الكثير من الجيوب ... لقد خدعتِني يا دليشا، كان الموت يضمك بشدة و أنا اعتقدت أنني خلصتكِ منه و سوف أطرده بعيدا

أيتها المرأة الحزينة جدا

*

على طريقة فيرجينيا وولف أقدمت دليشا على الانتحار و قد نجحت هذه المرة

ملأت جيوب معطفها الخريفي بالحجارة ثم قفزت من على الجسر إلى البحيرة في الوقت الذي كنت مطمئنا فيه أنها تتماثل للشفاء و أنها مقبلة على الحياة مرة أخرى

إن الاكتئاب ليس سوى قبر من لحم و دم كما وصفه ويليام كاوبار، لم تستطع أن تنظر للأحياء، أحبتهم لكن لم تستطع التمسك بهم فأكثر من أحبت مات، إنه آرون ابن دليشا الذي كان كل حياتها و لم تدرك ذلك حتى فات الأوان

داخل غلاف هاتفها وجدت رسالة تركتها ... الرسالة التي لا أزال أقرأها كل ليلة و أأنبني أنني لم أصل لها في الوقت المناسب

" تك تك تك تك .......... و المزيد من الفراغ و الحروف العاجزة 

بينتلي أوكلاند ... بن، الرجل اللطيف و الحنون الذي أحب دليشا المرأة المنطفئة

سامحني أرجوك لأنني لم أستطع المقاومة أكثر، إن داخلي يحترق في أكثر الأوقات التي يعتقد الناس فيها أنني سعيدة و أضحك من كل قلبي، لقد كنت محقا كل مرة في خوفك من انتكاستي لكن كان عليّ أن أتظاهر أنك كنت مخطئ حتى لا تمنعني

كل ذنبك يا بانتلي أنك دخلت حياتي في هذا الوقت الذي كان كل شيء قد تحول إلى رماد ... حتى النار كانت قد انطفأت فلا يمكن انقاذ أي شيء

حاولت ابعادك عني لكنك اقتربت بشدة و أنا كنت أنانية كما تعودت و أحببت قربك، أحببت دفئ كفك و حنان نظراتك لي

لقد أحببتك يا بن ... حتى لو لم تصدقني أقسم أنني أحببتك و لكن لا يمكنني تخريب حياتك أنت الآخر فأنا لا يمكن أن أتحسن، مستحيل أن يحدث ذلك لذا اخترت يوم رحيلي بدقة ... لقد انتظرته حتى أذهب و أحتفل مع أرون بعيده الحادية عشر يا بن

آخر طلب سوف أطلبه منك و أرجو ألا يكون شيئا وقحا مني

أنشر رواياتي المليئة بالحياة و الأمل كما قلت أنت و لكن باسم مختلف أرجوك فلا تحاول احياء ذكراي

لا تحاول أن تعطي للناس أملا تقدمه لهم امرأة اختارت الانتحار كحل لانهاء الأحزان و اقفال جروحها

عش حياة طويلة أيها الرجل السعيد ... السعيد جدا 

تك تك تك تك ... "


النهاية

24/05/2024

ليس لدي الكثير لقوله 

لكن يمكنني أن أخبركم أنني في بعض من بطلاتي وضعت البعض مني 

واحدة وضعت فيها رزانتي و هدوئي، أخرى وضعت فيها جنوني و حماقتي و حتى حبي للطعام  ... أما دليشا وضعت فيها بؤسي، فشلي و اخفاقي و الكثير من مخاوفي 

أود كذلك شكر آلاء التي وضعت هذه الفكرة في حضني فحفرت في أعمق مشاعري و شخصي 

أتمنى أنكم استمتعتم بالعمل رغم قصره و إلى أن نلتقي في عمل جديد كونوا بخير 

سلام 



Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro