14. أغسطس يقول: خوف.
مررتُ يدي بشعري بينما أنظر لديليا من خلال الباب المفتوح تجلس على مكتبها بينما لا تزال ترتدي جاكيت بدلتي، والذي يكون واسعًا عليها. هي طويلة وأنا معجبٌ بطولها، يمكنني النظر لعيناها دون أن أشعر بالألم في رقبتي، وحتى لو كانت أقصر سيكون ألم رقبتي يستحقُّ النظر لها.
شعرتُ بالاختناق لهذا عدّلتُ ربطة العنق وفكيتُ أوّل زرّ من القميص، ومع ذلك شعرتُ بأنني بالكاد أستطيع التنفس. وقفت وفتحتُ النافذة، أحداث قبل قليل تدور بعقلي، غضبي حول فكرة أنه قد أذاها أحدهم، آخر مرة غضبتُ هكذا كانت في منزل والداي قبل أنتقل لمنزلي الآن، من يومها حرصتُ على عدم تعريض نفسي لمواقف مثل هذه لأنها ليست جيدة لصحتي.
وضعتُ يدي على النافذة وأرخيتُ جسدي، شعرتُ أن ركبتاي لا تستطيعان حملي وأنني سأقع بأي لحظة لكنني تمالكتُ نفسي وعدتُ للجلوس على الكرسي.
«سيد أغسطس، هل أنتَ بخير؟» سمعتُ صوتها المنخفض وابتسمت لكلمة سيد، أجل نحرصُ على مناداة بعضنا بالرسميات داخل مجال العمل لكنني لا أظن يدها الموضوعة على كتفي تمدُّ للرسمية بصلة. نظرتُ لها ولأظافرها باللون البرتقالي لأعقد حاجبايّ.
«لطالما تساءلت ما سبب لون طلاء أظافرك.» همستُ بدوري إذ لا أظن أنني أستطيع رفع صوتي أكثر من هذا. أريدُ العودة لسريري.
«جويا يختار اللون لي.» قالت وابتسمت، عيناها تلمعان لذكر ابنها لأشعر بالدفء ينتشر بصدري، أحبُّ هذه النظرة، وأحبُّ علاقتها مع ابنها، وأحبُّها...
عَلِقَ نَفَسي بحلقي حينما استوعبتُ أفكاري الأخيرة، فقط الآن حينما نظرتُ لها علمتُ بمشاعري الحقيقيّة نحوها. كم أشعرُ أنني أنانيّ حينما فكّرتُ بهذا، لكنني لسببٍ ما سعيد أنه لديها شيء لا يمكنها إخباري به، هكذا أستطيع تبرير إخفائي لمرضي.
«ألن تأتي لتذوق الفطيرة؟ أشعر أنكَ تتفادى الأمر كي لا تعترف بمدى روعتها. كما أن جويا اشتاق لك، كان يسأل عن أين أسطس.» قالت لأبتسم لها. «يا لكِ من متواضعة.» قلبتُ عينيّ لتضحك وأكمل: «اليوم؟ اشتقتُ له أيضًا.»
«حسنًا.» قالت وشدّت على كتفي مرة أخرى قبل أن تذهب بطريقها. مرَّ أسبوعان على تسوقنا معًا ولمَ أرها سوى بالعمل وحفلة ميلاد جويا قبل أسبوع. كان الضغط عليّ كثيرًا من ناحية العمل والمرض، صحتي تزداد تدهورًا مع الأيام ولا أستطيع تحمّل فكرة أن تراني هكذا، ورغم أن العمل مرهق لكنني لا أود تركه، لن أتحمّل إكمال يومي دون أن أعمل.
تنهدت وعدتُ لعملي.
---
«مرحبًا يا صغير.» قلت حينما رأيتُ جويا ليركض نحوي وأحمله بيداي وأدور به لتصدح صوت ضحكاته بالمكان. «بابا، بابا!» قال لأتوقف بمكاني من الصدمة وهو بقي يلوّح بيداه وقدماه بالهواء. نظرتُ بسرعة لديليا التي كانت تقف أمام المغسلة بينما تنظر لنا بحزن، أستطيع رؤية دموعها من هنا.
أنزلتُ جويا على الأرض ليركض نحو سمير وأنا ذهبتُ لها بسرعة لترفع يداها أمامها. «أنا أعتذر، لم أقصد...هو فقط ناداني هكذا و- ديليا أرجوكِ أنا لم أقصد.» بدأتُ أثرثر بتوتر. في حفلة ميلاد جويا لم يأتِ سواي وجانيس وجارتها مارثا، حينها علمتُ أن الأوضاع سيئة لديها مع زوجها كي لا يأتي أو حتى جده وجدته لجويا، ورغم فضولي لم أقل شيئًا. وعلى أن شعور غريب من الدفء اجتاحني لسماع كلمة بابا لأوّل مرة بحياتي إلّا أن ملامح ديليا قبضت قلبي.
«اوه الخطأ ليس خطأك، إنه يردد الكلمة هذه منذ أسبوع.» قالت ومسحت دموعها وأكملت: «حينها ذهبنا لحديقة ورأى فتاة صغيرة تنادي أباها، ومن يومها يردد هذه الكلمة حتى لي، وأنا لا أعلم ماذا أفعل، أغسطس. هو لا يزال صغيرًا لتفسير ما حدث بيني وبين أباه ولكن في كل مرّة يقول بابا أشعر أن قلبي سينفجر من الغيض.» قالت وازداد بكاؤها لآخذها لحضني، ما مدى سوء علاقتها الزوجية حتى تشعر هكذا لمجرد كلمة بابا؟
بقيتُ صامتًا إذ حتى أنا لا أعلم ما التصرّف الصحيح بهذه الحالة.
«أعلم، أعلم أنه شيء طبيعي لطفل بعمره أن يردد مثل هذه الكلمات، هو بحاجة لأب، أنا فقط أشعر أنني لا أقوم بكل ما هو مطلوب كي أكون مناسبة له.» نطقت وكان كلامها مبعثرًا لكنني فهمت مقصدها، لهذا أبعدتها عني ونظرتُ لعيناها وقلت: «ما الذي تتحدثين عنه، ديليا؟ أنتِ أمٌ رائعة! ما تفعلينه لجويا يغطي وجود أبٍ له، هو ليس بحاجة لأحدٍ آخر طالما أنكِ موجودة بحياته.»
لمَ أقل سوى الحقيقة، جهودها جبّارة كأم، يكفي أنها تفعل كل شيء لأجله، كي يعيش حياة جيدة ويحصل على ما يريده.
«حينما علمتُ أنني حامل...» قالت وصمتت، نظرت للأرض لأعلم أن ما ستقوله صعبًا عليها لهذا وضعت أصبعي السبابة أسفل ذقنها ورفعت وجهها لي: «لا تقولي شيئًا إذا لم تكونِ مرتاحة، ليس هناك داعٍ للتبرير.» نفت برأسها قائلة: «لكنني أريد. أريد ولو مرة أن أقول ما في قلبي، أريد أخذ رأي شخصٍ آخر حتى أعلم أن ما فعلته لم يكُ سيئًا مثلما أقول لنفسي دائمًا.» أومأت لها كإشارة للحديث لتأخذ نفسًا عميقًا.
«ستيڤن، زوجي، لم يكُ أفضل زوجٍ بالحياة، لهذا حين علمت أنني حامل هربت منه.» قالت وتفاجأت، ظننتُ أنها قد تطلقت منه أو أنهم انفصلا، لكنها هربت؟
«لم أستطع تحمّل فكرة أن يعيش طفلي بنفس المكان معه خوفًا من أن...هل فعلتُ الصواب؟» لم تكمل كلامها لكن البقية كان واضحًا، لهذا قرّبتها لي وقلت: «أجل، ولن أقول أكثر من هذا. أنتِ فعلتِ الشيء الصحيح ولا أحد يلومكِ، توقفي عن التفكير بهذه الطريقة إذ لا شيء خاطئ بتصرفك، حسنًا؟» أومأت بخفة لأتنهد بعمق.
ابتعدت عني لتنظر لي وأنا تأمّلتُ قسمات وجهها، أزحتُ خصلة من شعرها وكوّبتُ وجنتاها بيداي. «أنا خائفة.» همست.
«من ماذا؟»
«منك.» قالت وعقدتُ حاجباي، أردتُ إبعاد يدي عنها لكنها أمسكتها وأبقتها هناك وأكملت: «عندما ناداك جويا بـ 'بابا' صدمتُ لشعور الرّاحة الذي اجتاحني، وهذا أخافني.» حبستُ أنفاسي ولم أقل شيئًا.
«أخافُ من فكرة أنني أشعر بالأمان لوجودك، من رغبتي بقضاء الوقت معك، حتى اللحظات الصامتة بيننا مُريحة، وأنا لا أحبّها. أخاف من تعلّق جويا بك، ومن حماسه حينما أقول له أنكَ ستأتي.» ابتسمَت ومررت يدها على وجنتي.
«وأخاف من نفسي، من مشاعري نحوك، من تعلّقي بك. كم أريدُ أن نكون معًا، قبل أن أنام أفكر بحياتنا لو كنا عائلة واحدة، كنتُ سأحب الاستيقاظ بجانبك والذهاب للعمل معًا وأن يعود كلانا لمنزل واحد مثلما فعلنا اليوم، وعلى أنني أحبُّ هذه الصورة التي وضعتها بعقلي لنا إلّا أنني أرتعدُ خوفًا منها.»
قبَّلت باطن يدي وشعرتُ أن قلبي سيخرج من صدري بأي لحظة. «فكرة الوقوع بالحب تُخيفني، وأنا خائفة بسببك، إذ أظن أنني وقعتُ بحبّك.» همسَت ليدي وللحظة توقف قلبي عن النبض، وعاد فجأة للحياة بشكل يؤلم، وضعتُ يدي على صدري وأغمضتُ عينيّ، من المفترض أن أسعد لكلامها، لمَ أشعر بالوجع إذًا؟
«أغسطس؟» سمعتُ صوتها لكنني شعرتُ أنه بعيدًا جدًا، جسدي أصبح أثقل لهذا تمسكتُ بما حولي، لكن مع ذلك جلستُ على الأرض كي لا أقع.
«أغسطس ما الخطب؟» قالت بصوتها القلق وشعرتُ بيداها على جميع أنحاء وجهي تتحسسني.
«أنا بخير، فقط أريد أن أجلس قليلًا.» قلت وفتحتُ عيني بصعوبة. «أنا، أنا أيضًا-...» قاطع حديثي سُعالي الشّديد، وحينما أبعدتُ يدي عن فمي نظرتُ للدماء عليها. تبًّا، ليس أمامها، ليس هنا والآن!
«يا إلهي أغسطس هذه دماء! هل نذهب للمشفى؟» قالت بذعر ووقفت لتحضر لي المناديل. «أنا بخير، لا بأس، لا مشفى.» أخبرتها لأنني معتادٌ على هذا لكن دموعها بالفعل كانت تهبط، لمَ دائمًا أجعلها تبكي؟
«هل يمكنكِ مساعدتي كيف أقف؟ أريد الاستلقاء على الأريكة.» همستُ بضعف لتومئ لي، حاولتُ وضع كل ثقلي على يداي بدلًا من عليها، وبخطوات بطيئة وضعتني على الأريكة. تركت يدي وذهبت لثوانٍ قليلة وعادت بوسادة وغطاء.
«هل تريد النوم على السرير؟ أفضل من هنا.»
«لا لن أنام، فقط سأرتاح بعض الشي.» قلت، أعطتني الوسادة لأضعها أسفل رأسي وهي غطتني لأغمض عينيّ لقليلٍ من الوقت.
---
مجموع الكلمات للآن: 20,198.
بعرفش ليه ذكرتني بديليا وسمير. 😔
اههخ هالفصل لطيف وبنفس الوقت حزين عشان أغسطس. 🤏
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro