09. ديليا تقول: ثلاثة يُثيرون الفوضى.
«هل أنتِ جاهزة؟» سألني أغسطس لأومئ له بينما احمل حقيبتي عن الأرض وأضعها على كتفي وأخذنا نمشي للمصعد.
قبل أن نصل للمصعد بقليل تباطأت خطواتي حتى توقفت بمكاني، تركيزي كله على خلفية الشخص الذي أمامي. تصفيفة شعره، أكتافه العريضة، وبدلته التي تحيط جسده.
لا، لا!
ليس من المعقل أن يكون هو.
فجأة تعثرت بحذائي العالي وانتظرت بسلام أن اصطدم بالأرض لكن يدان قوية على خصري منعتني من السقوط، وكردة فعل أمسكت ذراع الشخص وتمسكت به بقوّة كما لو أنه مرساتي للنجاة.
أبقيتُ نظري على الرجل أمامي وقلبي ينبض بسرعة. طيلة السنتان الماضية كنتُ أتدرب لهذه اللحظة، عملتُ بجد على التحكم بمشاعري كي لا أشعر بالضعف، كي لا أشعر بالذعر، كي لا أشعر كما أشعر الآن.
شعرتُ أن رئتاي لا يأخذان الهواء الكافي للتنفس مهما حاولت، احسستُ بهما ضيقتان وثقيلتان. ليس من المفترض أن يحصل هذا، يجب أن أكون قوية، من المفترض أن أواجهه بسهولة، هذا ما كان يحدث في كل مرة أفكر بماذا سيحدث إذا رأيته، إذًا لم يبدو وكأنني على وشك الانهيار بمكاني؟
فجأة التفت الرجل أمامي وظهر وجه ملائكيّ لا يمتُّ بصلة للشيطان الذي أعرفه. ضحكة كانت غريبة على أذناي خرجت مني، مشاعري المختلطة من الخوف والارتياح وغيرها الكثير أصبح حِمْلُها كبيرًا علي لدرجة أنني لم أستطع رؤية أين أنا.
«آنسة ديليا، هل أنتِ بخير؟»
أنا الآن في مكانٍ ووقت آخر، قبل ثلاث سنوات ومنطقة بعيدة عن هنا بساعات، لقد حرصتُ على هذا الشيء حينما أرى نفسي على أرضية المرحاض أبكي بينما أحملُ بيدي جهاز فحص الحمل الذي يُشير بالإيجاب.
«آنسة ديليا.»
مجرد النظر لأحد يشبهه شعرتُ أن عالمي سينهار، ما الذي سيحدث لي لو واجهته بنفسه فعلًا؟
«آنسة ديليا!»
هزّة قوية لجسدي أخرجتني مما أنا به لأنظر حولي بعينان واسعة، أنا الآن بالمصعد وأمامي أغسطس بملامحه القلقة. ألم نكن بالردهة، كيف وصلنا هنا؟
«ماذا...» همست. شدَّ على ذراعي لأنظر لها، مررّتُ بصري على طول يداي لأرى أن واحدة تمسك عضده بقوّة والأخرى على حقيبتي كيف تمنعها من السقوط عن كتفي، على الأقل هناك جزء من عقلي واعٍ.
«هل أنتِ بخير؟» سأل بصوتٍ منخفض، عيناه تتفقد وجهي، ولا أعلم ما هي الملامح الظّاهرة عليه، لكن على ما يبدو أن ما يراه لا يبشّر بالخير. «أجل، أعتذر.» قلت وجفلتُ بخفّة حينما سمعتُ الرعشة في صوتي.
«هل أنتِ متأكدة؟...» سأل مرة أخرى لأومئ بسرعة، تركتُ عضده وتراجعتُ خطوة للخلف وانشغلت بترتيب ملابسي كي لا أواجه نظراته الثاقبة وأكمل: «إذ بدى كما لو أنكِ على وشك الدخول بنوبة هلع.» هذا ما كان سيحدث بالفعل لو لا أن التفت الرجل وأراحني من عذابي.
رسميًّا هو أجمل رجل رأيته في العالم وأفضلهم، فقط لأنه ليس هو.
«أعتذر مرة أخرى، أعدكَ أن لا يتكرر هذا في ساعات العمل.» قلت وعقد حاجباه، ملامح الغضب بدأت تتكوّن على وجهه، كان سيقول شيئًا لكن أعاد إغلاق فمه حينما وصلنا لوجهتنا وفُتِحَ باب المصعد، شدَّ على شفتاه وخرج دون قول كلمة لأتبعه. لمَ هو غاضب؟
مرَّ شهران منذُ أن بدأتُ العمل هنا وعلاقتنا كانت جيدة بشكلٍ رسميّ. أبديتُ التزامي بالوظيفة وحاولت فعل كل شيء لأريه أن اختار الشخص المناسب لها، ولم أدع مجال لحدوث أي خطأ، لأنني لن اسامح نفسي إذا فعلت، ولسعادتي سوف استلم الراتب غدًا وهذا وحده دافعًا جيدًا لأكمل.
وعلى الرغم من أنها أصبحت مُتعِبة إلا أنني لن أتوقف. المشي يوميًا أصبح صعبًا ولو أنني أحبّه، وبسبب العمل أصبحتُ أنام متأخرة بعض الشيء مما يجعل الاستيقاظ صباحًا للتمرن شيء يجعلني أفكر هل فعلًا يستحق أن أحرم نفسي من بضعة ساعات أخرى من النوم أم لا. ومع ذلك قمتُ من النوم كي لا أفسد نظام جويا، كل شيء بخير طالما ينام ويستيقظ بأيام مُحددة، لن أجازف بهذا أبدًا لصحة كلانا.
حينما وصلنا لسيارة أغسطس فتح لي الباب وذهب فورًا لمكان السائق. خرجنا عدة مرات للآن وفي كل مرة قام بها بفتح الباب وانتظر حتى أدخل كي يغلق الباب، لكن يبدو أنه ليس بمزاجٍ جيد اليوم لفعل هذا.
أوّل مرة قام بفتح الباب لي وقفتُ في مكاني متنصمّة، هذه كانت المرة الأولى التي يتم فتح باب السيارة لي، لهذا تفاجأتُ بعض الشيء، ولم أخرج من صدمتي إلا حينما سمعتُ صوت قهقهة أغسطس الخفيفة.
دخلتُ السيارة وأدار المحرك كي نذهب بطريقنا لمنزل سوف يتم فتحه للعرض أمام شراة محتملين، وطيلة الرحلة حرصنا على التكلم حوله كي يكون كلانا مُستعدين، لكن حينما لم يبقَ شيء للحديث عنه ساد الصمت المكان.
«بالمناسبة...» قال أغسطس لأنظر له بدلًا من النافذة، كان يشدُّ على مقود السيارة بيد وبالأخرى يمررها على ذقنه، كما لو أنه يفكر هل من الجيد أن يقول ما يريد أم لا. «حينما كنا بالمصعد، لم أقصد أن، حول النوبة،» كان يعاني بتكوين جملة ومنعتُ نفسي من الابتسام، يبدو ظريفًا.
«لا بأس، كما قلت لن تتكرر مرّة أخرى لهذا لا تشغل بالك بها.»
«هذا ما أقصده، أنا لا أريدها ألّا تتكرّر مرّة أخرى.» قال لأنظر له بينما أعقد حاجباي وسألت: «أنا لا أفهم، هل تريدني أن أحظى بنوبة هلع وأفسد العمل؟»
«أن تحظي بنوبة هلع لا يعني أن تفسدي العمل.» قال ونظرتُ له كما لو أنه يتحدّث بلغة الإشارة، فأنا لا أفهم شيء ممّا يقول. لاحظ معاناتي لهذا أكمل: «ما أحاول قوله هو لا أريدكِ أن تشعري بالسّوء في حال وكنتِ لستِ بخير، يمكنكِ دائمًا التوقف عن العمل لبرهة بدلًا من إجبار نفسكِ وأنتِ بحالة سيئة. أريد نتائج جيدة بالعمل، لا فقط العمل من دون جودة.»
«لكن أنا حقًا بخير، لن أستطيع شرح ما الذي حدث معي قبل قليل لأن الأمر شخصيّ بعض الشيء، لكنني أفضل الآن.»
«أعلم، وأنا لا أسألكِ عن السّبب فهذا ليس من شأني، بل ما أطلبه فقط هو الصّراحة حينما أسألكِ لو كنتِ بخير أم لا. آخر شيءٍ أريده هو ألّا تكوني بحالة جيدة وأنا لا أعلم وأضغطكِ بالعمل، هذا فقط سيجعلني أشعر بالسّوء.» قال ونظر لي، ولأنني جبانة لا أستطيع تحمّل تحديقه أدرتُ وجهي للنافذة وهمست: «حسنًا، شكرًا لك.»
صمتَ كلانا لأننا وصلنا المنزل، أخرجتُ الأوراق اللازمة من الحقيبة لأنني بالتأكيد لن آخذها معها داخل المنزل، وخلال هذا خرج أغسطس من السيارة وفتح الباب بجانبي لي. خرجت ومسدتُ فستاني الأزرق الغامق، نظرتُ لحذائي العالي وكلُّ ما يشغل تفكيري كيف سأعود للمنزل بهما مشيًا على الأقدام، هل لا بأس لو غيرتهما بسيارة أغسطس حينما ننتهي؟
طردتُ هذه الأفكار لوقت آخر بينما ندخل المنزل الذي كلمة رائع لا توفيه حقه، حينما رأيته البارحة وقعتُ بالحبِّ. كل ما أفكر به هو كيف سأعلّم جويا السباحة بهذا المسبح الرائع، وكيف سيلعب مع سمير بالساحة الخارجيّة، يمكنني شراء أرجوحة صغيرة له، وزراعة النباتات بالخارج.
والمطبخ! إنه كبير ومدّني بطاقة عجيبة للطبخ به، يمكنني صنع فطائر التفاح وكل الحلويات التي أريدها. والغرف العديدة، سأجعل واحدة لي، واحدة لجويا، وبالتأكيد واحدة لجميع ملابسي والأشياء التي أحبّها.
أمضينا وقتنا أنا وأغسطس نرحّب بمن يريد رؤية المنزل وإخبارهم عنه كي نزيد من فرص الشراء. لو كان لديّ المال سأشتريه فورًا دون تردد.
كنتُ أقف على إطار باب المطبخ بينما أنظر له بعينان تفيض من الحب حتى شعرتُ بأحد خلفي، لم يكن هناك داعٍ للالتفات لمعرفة من هو إذ رائحة عطره وهالته تكفيان.
«يبدو أن المطبخ أعجبكِ إذ لم تزيحي عيناكِ عنه.» قال واستراح على الإطار الآخر وشعرت فجأة أن المكان سيغلق عليّ، إنه قريب جدًا.
«أجل، أحبُّ المطابخ.»
«هل تعلمين كيفية الطبخ؟» سأل وأومأت بابتسامة واثقة، أنا رائعة بالطبخ. في فترة من حياتي لم أخرج إلّا نادرًا من المنزل، لهذا كان عليّ تمضية وقتي بفعل شيء يُبعد الملل، ومن يومها وجدتُ الرّاحة في طبخ مختلف الوصفات والحلويات.
«عندما كنتُ أعمل بمطعم، كنتُ مشهورة بفطائر التفاح التي أعدّها.» قلت ليهزّ رأسه بإعجاب وقال: «رُبَّما يمكنكِ صنعها لأرى هل تستحق هذه الشهرة أم لا. تعلمين، الصدق مهم عندما نتحدّث عن أشياء نريد أن نبيعها.» قهقهتُ على كلامه وابتسم هو بينما ينظر لفمي.
«كنتُ سأجعلكَ تجربها مجانًا، لكن طالما أنكَ مصرّ على الدفع مقابلها فلماذا سأرفض؟» مازحته ليبتسم بجانبية بينما يمرر على شفته السفلية لأراقب حركته. «أنا من جلب هذا لنفسي، هاه؟» قال لأومئ له وأردف: «وأنا شجعته.» قلت وأخذتُ بطريقي لمنتصف المنزل بينما أشعر بنظراته عليّ.
---
«شكرًا لكما، أتطلع للسماع منكما.» قال أغسطس لآخر زوج يزوران المنزل قبل أن يخرجا. تنهدتُ، الساعة الآن بالفعل السابعة وأنا متعبة كثيرًا، أريد فقط خلع الحذاء والنوم بجانب جويا.
حينما أنهى أغسطس حديثه مع راعيين المنزل خرجنا ووقفنا أمام سيارته، فتح لي الباب لكنني نظرتُ له باستغراب وقلت: «لا بأس، يمكنني الرحيل لوحدي، أعلم أننا لن نعود للشركة.»
عقد حاجباه ونفى برأسه قائلًا: «الساعة متأخرة وأنا لن أدعكِ تنتظرين هنا لوحدك، كلانا عائد لنفس المكان لهذا سوف أوصلكِ لمنزلكِ.» قال وقلّبتُ فكرته برأسي، رُبَّما يمكنني إخباره أن يوصلني للشركة وحينها يمكنني إكمال الطريق لوحدي.
فتحتُ فمي لأعرض عليه الفكرة لكن قاطعني قائلًا: «ولا، لن أوصلكِ للشركة لتعودي لوحدكِ، أعلم أنه ليس لديكِ سيارة ولن تعودي للمنزل مشيًا على الأقدام.» أغلقتُ فمي لأمنع ابتسامتي من التكوّن، تبًّا!
«حسنًا.» قلتُ بعبوس مزيف ليبتسم ويُشير بيده لداخل السيارة وركبتها، فعل المثل لننطلق. طيلة الطريق كنتُ أنظر لحذائي أفكر هل من اللائق أن أخلعه أم لا، وقررت أنه يمكنني فعلها بشقتي بدلًا من الآن.
أمسكتُ هاتفي وراسلتُ مارثا أخبرها أنني بطريقي للشقة وشكرتها على الاعتناء بجويا، يجب عليّ إيجاد مربية أطفال أو حضانة إذ لا أريد أن أزعجها أكثر من هذا.
«هل أنتِ جائعة؟» سأل أغسطس لأرفع رأسي عن الهاتف وأنظر له، أنا حقًا جائعة لكن لن أقول هذا لهذا نفيت برأسي ويقلب عيناه وأكمل: «كنا معًا منذ الصباح وكلانا لم يأكل شيئًا، لهذا ما رأيك بالطعام الصيني؟» اقترح، أنا حقًا أحبُّ الطعام الصيني لكن لا أظن أنها فكرة جيدة أن يدفع للطعام مجددًا. «لا مجال لقول لا، سوف أحضره لنا.»
«إذًا لم السؤال من البداية إذا لا مجال لقول لا؟»
«أحبُّ أن آخذ رأيكِ، أعتقد.» قال وعقد حاجباه وبدى ظريفًا لهذا أخفيتُ ابتسامتي بيدي ونظرتُ من النافذة، على الأقل جويا يحبُّ الطعام الصينيّ لهذا أنا مع اقتراحه.
اتصل بالمطعم وطلب لنا حتى حين نصل للمطعم يكون جاهزًا. وصلنا، وقبل أن يخرج من السيارة أعطيته نقودًا، أراد الاعتراض لكنني وضعتها بجيب بدلته والتفتُ كي لا يتحدث معي، خرج وسمعت صوت ضحكاته عليّ لأبتسم.
حين عاد للسيارة بقي كلانا صامتان لكنني أعلم بما يفكر لأنني أفكر بنفس الشيء، هل سنأكل معًا؟ هل سأدعوه لمنزلي أم ماذا؟ لن يكون غريبًا لو فعلت، إذ أعلم أنه لن يؤذيني ونحن أصدقاء بالفعل، كما أنني حقًا أريد جويا بأسرع وقت ممكن.
«هل نأكل معًا هنا؟ إذ أنا لا أعلم كيف سوف نقسّم الطعام.» قال ومرّرَ يده على شعره، لاحظتُ أنه يفعل هذه الحركة حينما يكون متوترًا.
«هل تود القدوم لشقتي؟» سألت بغير ثقة ليومئ هو عدّة مرات. أرشدته للطريق مرّة أخرى، حينما وصلنا خرجنا من السيارة وبدأ أغسطس يتأمله ويتأمل الشارع حولنا بينما يحمل بيده الأكياس وسأل: «هل تأتين من هنا للشقة مشيًا؟» سأل لأومئ له.
استخدمنا المصعد حتى نصل للطابق الثالث، فتحتُ له باب الشقة وأشرتُ له بالدخول ليفعل بتردد، وكما فعل بالخارج بدأ يتأمّل شقتي الصغيرة من المطبخ الذي يطلُّ على غرفة المعيشة، وشكرتُ نفسي لأنني نظفتُها بالصباح من ألعاب جويا وملابسه لأنها كانت بحالة يرثى لها.
«سأعود بالحال.» قلت له ليعقد حاجباه، ذهبتُ لغرفتي وبسرعة غيّرتُ فستاني لبنطال وبلوزة واسعان، بعدها خرجتُ من الشقة لأذهب للتي بجانبي، طرقتُ الباب واستقبلتني مارثا، شكرتها وحينها نظرتُ لجويا الذي أتى راكضًا نحوي، حملته وبدأتُ بتقبيله، ودعتها وعدتُ للشقة لأجد أغسطس واقفًا في مكانه كما تركته لكن ظهره لي.
«يمكنكَ وضع الأكياس على الأرض لنأكل.» قال ونظر لي وأومأ وأعاد بنظره للأمام لكنه فجأة تجمد في مكانه ورأيتُ أكتافه تتشنج، التفت بسرعة لدرجة أنني شعرتُ بالدّوار بدلًا عنه وحدّق بعينان واسعة بجويا الذي بين يداي ويلعب بشعري.
«ماما!» قال جويا وشدَّ شعري بقوةّ لأنزله على الأرض، ارتديت حذاء المنزل وكنتُ على وشك الغناء من الفرح لولا وجود أغسطس، الذي الآن ينظر لجويا كما لو أنه كائن فضائي غريب.
مشى جويا لعنده وتراجع أغسطس خطوة للخلف، أكمل جويا مشيه بينما يضحك وتمسّك بقدماه، نظر لي أغسطس برجاء لأقهقه على منظره وأقول: «هل هذه المرة التي ترى بها طفل؟» رمش عدّة مرات وبقي صامتًا. تقدمتُ نحوه وأخذتُ الأكياس منه وأكملت: «لا بأس، هو لن يعضُّ، في بعض الحالات.» مزحت وجلستُ على الأرض ليتركه جويا ويأتي نحوي، أجلسته في حضني ليضع رأسه بصدري ويحيط قدماه ويداه حولي.
«لديكِ طفل؟» تكلّم أغسطس أخيرًا بينما يجلس أمامي لأومئ لها وأمرُّر يدي على رأس جويا وأقبّله وقلت: «اسمه جويا، سيصبح عمره ثلاث سنوات بعد أسابيع قليلة.»
«أين والده؟ هل لا بأس بوجودي هنا دون عِلْم زوجكِ؟ يمكنني الرحيل فورًا.» شعرتُ بالضيق لذكر كلمة والده لكنني أبعدتها من عقلي حينما بدأ أغسطس يحاول الوقوف لهذا أمسكته من رسغه وأوقفته قائلة: «هو ليس هنا، نحنُ لسنا معًا. وأنا لن أدعوك لتناول الطعام معًا إذا لم يكن لا بأس بوجودك هنا.» نظر لي وعاد للجلوس بتردد.
بدأ بفتح الأكياس وإخراج الطعام، وأنا عدّلتُ جلسة جويا كي أستطيع إطعامه بسهولة، وهو بقي يبتسم ويضحك بين كل لقمة ولقمة، على الرغم من أنه قد لوّث ملابسي إلا أنني لم أمنعه من الاستمتاع.
«هو يحبُّ الطعام الصينيّ.» قلت لأغسطس الذي ينظر لنا بدهشة، وشعور آخر لم أستطع تمييزه. هل يشعر بعدم الراحة بسبب جويا؟ لو كان هذا الأمر أنا لا أهتم حقًا، هو طفلي وسأفعل أي شيء لأجله.
«إنه لطيف، أنتما لطيفان معًا.» قال لأبتسم. حينما شبع جويا وقف وركض بأقدامه الصغيرة لغرفته وكلانا ننظر له، عاد بعض لحظة مع سيارتان، أمسك واحدة ووضع الأخرى في حضن أغسطس وقال: «نلعب معًا، سيارة.» قهقهت على استخدامه للكلمات التي أقولها له دائمًا، رغم أنه حذف بعضها لكن سعيدة أنه يتكلم.
قرأتُ مرّة أن التكلم مع الأطفال من صغرهم يساعدهم على اكتساب قدر كبير من المفردات، وهذا لوحده يجعله يتكلم بشكل أسرع، لهذا أحاول دائمًا التحدث معه باستخدام كلمات فعليّة بدلًا من كلمات طفولية لا معنى لها، ولو أنه لا يملك أشخاص آخرين للتكلم معه، لهذا أجعل مارثا وجاك يتحدثون معه أيضًا.
«أنا؟» سأل أغسطس وأشار لنفسه بأصابعه ليجيب جويا: «نعم، نعم.» وجلس بجانبه وبدأ يلعب بالسيارة، حينما لم يفعل الآخر شيء نظر له جويا ورمش ليمسك أغسطس السيارة ويلعب معه، ابتسم جويا وصفق بيداه، وأنا فقط آكل بيد وأضع على الأخرى على قلبي.
«جويا، هذا هو العم أغسطس، قُل أغسطس.» قلت، وعلى الرغم من أنه تجاهلني، لم أستطع منع دموعي من التكوّن، لطالما كانت فكرة تواجد أب لجويا يلعب معه تجعلني أشعر بالحزن. حينما يكون مع جاك أتساءل هل كان قراري بالهرب جيدًا أم لا، لكنني أعلم أن الزوج السّيئ لا يكون أبًا جيدًا مهما حاول، لهذا لن أجعل أفكاري هذه تؤثر عليّ. جويا لديه أمّه التي ستفعل كل شيء له، ليس بحاجة لأب.
بقي أغسطس يلعب مع جويا الذي أحضر باقي ألعابه وكان يضحك بين الحين والآخر، وبالطبع أتى سمير وشاركهم اللعب، وعندما رأيتُ ابتسامة أغسطس حينما رأى سمير علمتُ أنه يحبُّ القطط. بسببهم عادت غرفة المعيشة لتبدو كما لو أنه لم يتم تنظيفها بالصباح، أما أنا وضعتُ الطعام بالمطبخ ولعبتُ معهما قليلًا حتى أتى جويا وجلس بحضني وخلد للنوم.
«أعتقد أنه يجب أن أذهب، تأخر الوقت.» قال ووقف، حملتُ جويا بشكل جيدٍ ووقفتُ عن الأرض بتعب، ولولا الأريكة التي خلفي لوقعت على مؤخرتي.
«شكرًا لك اللعب مع جويا.» قلت لينظر له وهو بأحضاني وهزّ رأسه: « هو ليس سيئًا بالنسبة لطفل.» قال وأنا فكّي كاد يصل الأرض لصدمتي، يمكن لذبابة دخول فمي. تدارك أغسطس نفسه ونفى بيداه وأكمل: «مقصدي لم يكن سيئًا، أنا لا أتعامل بشكل جيد مع الأطفال، لكن استمتعتُ بقضاء الوقت مع طفلكِ.» فسرّ ومررَّ يده بشعره بينهما همس بكلمة: 'تبًا.'
لم آخذ كلامه بشكل شخصيّ إذ أعلم ليس الجميع يستطيعون التعامل مع الأطفال، كنتُ مثله قبل سنوات عديدة، لكن جويا غيّر رأيي.
«شكرًا، أعتقد؟» مازحته ليزفر براحة حينما رأى أنني على ما يرام. «تصبحين بخير.» قال وأومأ لي، كنتُ على وشك إغلاق الباب حتى همس باسمي لأتوقف وأنظر له ليردف: «أي ساعة تخرجين من المنزل؟»
«حوالي الساعة الثامنة وثلث كي أصل للشركة بالوقت المناسب، لماذا؟» سألت باستغراب وقال: «سوف أوصلكِ أنا من الآن فصاعدًا.» قال ورمشتُ عدّة مرات بينما أنظر له ليكمل: «كوني مستعدة تمام التاسعة إلا ربع، الطريق بالسيارة لا يأخذ حتى عشرة دقائق، تصبحين بخير.» قال ولم يعطني فرصة للاعتراض حتى إذ ذهب بطريقه فورًا وبقيتُ أنا بمكاني وعند أقدامي سمير.
عدتُ للواقع وأقفلتُ الباب، أغلقتُ الأضواء واستلقيت على السرير وبحضني جويا وسمير عند رأسي، وأخيرًا سأخلد للنوم.
---
مجموع الكلمات للآن: 12,334.
هذا الفصل مُحبب لقلبي بشكل كبيييرر، قرأته يمكن مليون مرة!
اشتقت لكم، غريب رغم إنه الرواية مكتملة ومع ذلك بنسى أنشر. 😭
لوف يآل. 🫶
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro