08. أغسطس يقول: متى أم إلى متى؟
«هل أنتِ جائعة؟»
سألتُ الآنسة ديليا لترفع رأسها عن الورق أمامها، رمشت عدة مرات وأومأت، ابتسمت لحركتها وأمسكتُ هاتفي كي أطلب لنا العشاء. اليوم لدينا عمل كثير لهذا بقينا بالمكتب، ونظرًا لأنها الساعة الثامنة فـ كان لابدّ لي من طلب شيء لنتناوله.
وضعتُ القلم على الطاولة حينما انتهيت من الطلب وبدأتُ بتأمّل منظرها أمامي، تضع شعرها الطويل أعلى رأسها باستخدام قلم، ترتدي بقدم حذاء وبالأخرى لا حيث تجلس فوقها على الأريكة. عضّت طرف القلم ولاحظت أظافرها باللون الأصفر، والذي لا يتناسب مع زيّها باللون الوردي، غريب.
لاحظت الآنسة ديليا تحديقي بيداها لهذا عقدت حاجباها ونظرت لهما أيضًا، شعرت بالانزعاج وابتلعت ريقها، أشغلت نفسها بالأوراق وحرّكتهما أكثر من المعتاد كي لا تكونا مستقرتان، هل لا تحب أن ينظر أحد لهما؟ تبًّا لي، الآن قد جعتلها تشعر بالانزعاج.
ازداد شعوري بالذنب تجاهها، يكفي الآن أن الهالات السوداء قد بدأت تظهر بسبب عملها المتأخر الذي أعلم به، يمكنني ملاحظة أنها في بعض الأحيان تحمل نفسها بصعوبة وتمشي ببطء. مضى على عملها هنا شهران إلّا أسبوع، وهي ممتازة بالعمل، لكن تأنيب ضميري يجعلني أفكر بأن أعطيها إجازة، حتى ولو أن هذا عملها ومن المفترض أن تمرّ بهذه الحالات.
بقينا ننتظر الطعام بصمت. لا أعلم لمَ، لكن البقاء معها دون حديث مُريح، ليس غريبًا ولا مُزعجًا، حتى ولو استمرّ لساعات.
بعد نصف ساعة وصل الطعام، وقفت وسحبتُ محفظتي كي أعطي المال للمندوب وهي فعلت أيضًا، نظرنا كلانا لبعضنا والمندوب نظر لنا.
«سأدفع أنا أيضًا.» قالت ونفيتُ برأسي مردفًا: «لا بأس، هذه المرة على حسابي، لا تقلقي سوف نبقى هنا مثل هذه الأيام كثيرًا لذا يمكنكِ الدفع لاحقًا.» بقيت مكانها وتقعد حاجباها لعدة ثوانٍ قبل أن تومئ بغير رضًى وتعود لمكانها على الأريكة.
وضعتُ الطعام على الطّاولة أمامها وجلست مقابلها، طلبتُ لنا البيتزا، ولأنني لغبائي نسيتُ أن أسأل ما الذي تفضله، أحضرتُ عُلب صغير من أنواع مختلفة.
ابتسمت حينما بدأت بتناول الطّعام بدون تردد، كما لو أنني لستُ موجودًا هنا لتخجل مني. جرّبت كل الأنواع، لكنني لاحظت أنها تُزيل قطع الفليفلة من عليهم في كل مرّة.
«هل لا تحبين الفليفلة؟» سألت فجأة لترفع نظرها عن قطعة البيتزا، انتظرت حتى ابتلعت ما بفمها وأجابت: «ليس على الطعام، أحبّها لوحدها وهي ليست مطبوخة.» أومأت لها وأكملنا تناول الطّعام.
«أنا لا أحبُّ الطماطم داخل شطيرة البرغر، لكنني أحبّها لوحدها أيضًا.»
لا أعلم لمَ قلت هذا، ويبدو أنها لا تعلم أيضًا لأنها نظرت لي ابتسامة صغيرة على وجهها. «لا أحبُّ البصل مع شطيرة البرغر، أو لوحده بشكل عام.» قالت لأنفي رأسي، «يا للعار، البصل شهيّ بجميع الحالات.» قلت بخيبة أمل لتقهقه.
لسبب ما أكملنا حديثنا عن الطّعام وما الذي نحبّه ولا نحبّه بشطيرة البرغر، هي تحبّها بالدجاج وأنا باللحم، هي تحبُّ وضع كل أنواع الصلصات وأنا فقط الكاتشب، تشرب البيبسي بالثلج دون غازات وأنا مع غازات كثيرة.
«من لديه عقل ناضج ويشرب البيسي دون غازات!» سألت بغير تصديق لتضحك وتضع يدها على فمها بينما ترجع رأسها للخلف، وأنا شيء تحرّك بداخلي.
لا!
لا يمكنني السّماح لهذه الأشياء بالتخلل لي، أنا لستُ بحالة جيدة لهذه المشاعر، خصيصًا مع الآنسة ديليا.
«أنا! أشعر بالغرابة حينما أشربه مع غازات.»
«اليوم قد هززتُ رأسي بخيبة أملي أكثر ممّا هززته طيلة حياتي.» قلت لتقهقه وتردف: «وأنا وجدت شخص آخر يحبُّ عكس الأشياء التي أحبّها.» بنهاية الجملة أخفضت صوتها وحدّقت بالطّعام لبعضة ثوانٍ قبل أن تحرّك رأسها وتعود ابتسامتها لها. ما الذي حدث للتو؟
«لقد تأخر الوقت ويجب عليّ العودة، سوف آخذ عملي وأكمله من الشقة.» قالت وبدأت بتوضيب الأغراض لأفعل المثل.
خرجنا معًا من الشركة وبدأتُ أمشي للكراج لكنني لاحظتُ أنها أكملت بطريقها للشارع، وقفتُ بمكاني ونادينها لتلفلت لي. «ألن تأخذي سيارتكِ؟»
«لا أملك واحدة، ليس بعد على الأقل.»
«إذًا سأوصلكِ أنا، الوقت أصبح متأخرًا.» قلت لتنفي بيداها قائلة: «لا بأس، سأجد تاكسي بطريقي.»
«لو سمحتِ دعيني أوصلكِ، لن ارتاح حتى أعلم أنكِ آمنة بمنزلكِ، أنت هنا للآن بسببي.» قلت لتفكر قليلًا، أومأت ومشت نحوي، فتحتُ لها باب السّيارة وصعدُتها بدوري.
وصفت لي المكان ووصلناه بعد عشر دقائق من الصمت والموسيقى الهادئة من الراديو. «شكرًا لك، على العشاء وإيصالي.»
«حُبًّا وكرمًا. وصحيح، غدًا لن آتي للعمل، لذا يمكنكِ الرحيل فورًا حينما تنتهين، حسنًا؟» سألت ونظرت لي، رأيتُ الفضول بعيناها ورغبتها بالسّؤال عن السبب لكنها أبقته لنفسها وأومأت، خرجت من السيارة ودخلت المبنى لأنطلق فورًا دون أن أعير المكان حولي الاهتمام، أريدُ العودة لمنزلي كي أشعر بالقليل من الاستقرار إذ يومي كلّه مع الآنسة ديليا لم يكن مستقرًّا بتاتًا.
---
«كيف تشعر أغسطس؟» سأل الطبيب براين لأومئ لها بينما أربع إبهامي ليبتسم، تنهدتُ بعمق ونظرتُ للإبرة التي تدخل ذراعي حتى تصل للوريد، إبرة العلاج الكيميائي.
أنا الآن بالمرحلة الثالثة من المرض، لقد انتشر السرطان بالفعل إلى الأوعية الدموية الرئيسية وراء البنكرياس وإلى العقد اللمفاوية القريبة، مما يجعل العلاج الكيميائي أو الأشعة أنسب شيء للتقليل من انتشار السرطان لباقي أعضاء جسدي مثل الكبد والرئة.
أعراض سرطان البنكرياس لا تظهر فورًا، لهذا للأسف اكتشفته حينما أصبحت بمراحل متقدمة تمنعني من الحصول على جراحة، أو بالأحرى يمكنني القيام بها، لكن نسبة نجاحها منخفضة جدًا.
«اليوم أنت مُتعب أكثر من اللازم، أليس من الأفضل أن يأتي أحدهم ليقلك؟» سأل ونفيتُ برأسي، لن أدع زاك يراني بهذه الحالة، من المفترض أن أكون أخاه الكبير وسنده، لا العكس. يجب أن أبقى قويًّا لأجله.
«يمكنني تدبّر أمري.» همست وأغضمتُ عينيّ بتعب، وكي لا أبكي.
حينما انتهيت بقيتُ جالسًا على المقعد، بالكاد أستطيع رفع يداي ورأسي، لا أعلم كيف سأعود للمنزل. أريدُ فقط الذهاب والنوم حتّى الغد، أو لأسبوع آخر أيضًا، لن أمانع.
«هل تريدني أن أوصلك؟» سأل براين لأومئ له دون تفكير. هو معي منذُ بداية اكتشافي للمرض، لهذا كوّنا معًا صداقة أنا بحاجة لها لأيام مثل هذه.
---
«شكرًا لك براين، أنا ممتنٌ لك حقًا.» قلت حينما ساعدني لأجلس على أريكة منزلي، ربتّ على كتفي وبدأ يملي علي تعليماته بالرّاحة وألّا أذهب للعمل غدًا.
حينما خرج من المنزل حملتُ نفسي لغرفتي واستلقيتُ على سريري فورًا، حملتُ هاتفي وضغطت على رقم الآنسة ديليا، لترد عليّ حينما أردتُ فصل الخط لأنها أخذت وقتًا طويلًا للإجابة.
«سيد أغسطس.» قالت بينما تلهث لأعقد حاجباي، الساعة الآن الرابعة عصرًا، ما الذي تفعله وجعلها تلهث هكذا؟
ولم أنا أهتم؟
«آنسة ديليا، كيف حال العمل؟» قلت وخرج صوتي ضعيفًا بعض الشّيء.
«بخير، أنهيتُه كله وخرجتُ لأعود للمنزل، هل لا بأس بهذا؟»
«بالطّبع، أنا أخبرتكَ أن تفعلي هذا. وبالمناسبة لن أستطيع القدوم أيضًا غدًا للعمل، أنا مريض.» مريض كلمة قليلة بحقّ ما أنا به. صمتت قليلًا وجاء صوتها بخفوت: «هل أنت بخير؟» سألت بقليلٍ من القلق وأغمضتُ عينيّ.
لا، أنا لستُ بخير. أريد النوم لكن عقلي مشغول بالعمل وفكرة أن كل منطقة بجسدي تؤلمني، ليس لدي وقت طويل قبل أن أرحل من هنا وأنا لا أملك أحد كي يأخذ القليل من الحِمل عني وأشاركه بما أصابني.
وددتُ قول هذا، لكن لا أستطيع، لذا أردفت: «أجل، شكرًا لسؤالك. كما اليوم عودي حينما تنتهين من العمل وأرسلي لي كل شيء، إلى اللقاء.» أقفلتُ الخط قبل أن أتكلّم بأشياء سأندم على قولها لاحقًا وحدقتُ بالسقف.
---
مجموع الكلمات للآن: 9790.
كان في أظافر ثانيين أحلى لكن ناخد بعين الاعتبار إنه هي ما عندها وقت تروح تزبطهم أو حتى تعمل مناكير وبدكير ومدري شنو، سو هي الصورة أفضل شي 😔
أغسطس القمرز؟ حبيب قلبي والله زعلانة عليه :(
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro