06. أغسطس يقول: شوكة من الحماس.
أتساءل ما لون أظافرها؟
تنفستُ بعمق لسؤالي الغبي ورأيتُ الآنسة ديليا تدخل، رغم تأنيبي لنفسي إلا أن أوّل شيء ذهب نظري له هو أظافرها لأجد أنها لا زالت ترتدي القفازات، مضى أسبوعان وهي تعمل لدي وفي بعض الأحيان تأتي بهم وأحيان أخرى لا، أتساءل لمَ. هي تغيّر لون أظافرها كثيرًا، ليس وكأنني ألاحظ على أيّة حال.
«ماذا تبقى لدي لليوم؟» سألت، الساعة الآن الرابعة مساءً، وأجابتني: «فقط موعد مع العائلة الساعة السابعة.» قالت وتذكرت الآن لماذا كان مزاجي سيئًا طيلة اليوم. «حسنًا، شكرًا.» قلت لتومئ وتخرج مرة أخرى، لا أعلم لمَ استعيدتها لهنا وكان يمكنني سؤالها من خلال الهاتف، وبكل قوتي أحاول مكافحة ذاك الجزء من عقلي الذي يخبرني أنكَ استدعيتها لتراها.
حتى الآن هي سكرتيرة ممتازة مثل دينا، ذهبنا قبل بضعة أيام لبيع منزل وأبهرتني بمدى دراستها لكل شيء يخصّه كي تكون مستعدة لأي سؤال. وقد كانت محقة بأنه لديها فكرة عن كيفيّة التعامل مع الناس إذ قد صنعت صداقات عديدة داخل المكتب وكل شخص تحدّث معها لم يكتفي من أسلوبها الرقيق وصوتها السّلس كالعسل.
آه، منذُ متى أصبحتُ أشبّه صوتها بالعسل؟ يجب أن أتوقف عن التفكير بها وتشبيهها بأشياء أحبّها.
مضى الوقت حتى انتهى عملي، ولأن الساعة الآن السادسة والنصف ذهبتُ فورًا للمطعم، أعلم لو ذهبت للمنزل فلن أخرج منه لرؤية عائلتي ولو على قطع رقبتي.
وصلتُ المطعم ورأيت زاك يجلس هناك بالفعل ببدلة على عكس عادته من الملابس العادية، شعره البنيّ مصفف بطريقة لائقة وهالاته السوداء توضّح عيناه الزرقاء وبشرته البيضاء الشاحبة. كلانا اختار تناول العشاء هنا بدلًا من منزل العائلة كي لا يكون فرصة لوالدانا فعل الدراما، لن يخاطرا بهذا ونحن بمنتصف البشر.
«متحمس؟» سألته ليقلب عيناه، «جدًا، لدرجة أنني أود غرز هذه الشوكة بعيني.» قال لأقهقه.
خمسة دقائق أخرى وحضر والداي، كلاهما يرتديان ملابس رسمية كما لو أنه اجتماع مع رئيس الدولة وليس فقط أطفالهما. ابتسامة على وجه أمّي، وعقدة بين حاجباي والدي جعلته يبدو أكبر من عمره، في بعض الأحيان أشكُّ أنه قد وُلِدَ بهذه العُقدة وملامح وجهه العابسة.
«اوه أولادي الوسيمين! أغسطس، مضى وقت منذُ آخر مرة رأيناك بها، الآن وقد أصبحت مدير قسمك بالكاد اتسع موعدنا بجدولك.» قالت أمّي بينما تقبّل وجنتاي لأبتسم لها بخفة وأقول: «أعتذر لهذا، سأحاول إفراغ جدولي لإمضاء الوقت معًا.» جملة 'من دون والدي ليفسدها' بقيت عالقة بالهواء ولم ينطقها أحد رغم أن الجميع يفكّر بها، عدا والدي بالطّبع.
«كيف حال العمل؟» سأل والدي دون مقدمات وأخذت نفسًا عميقًا وأجبته: «بخير، والدي. أرباح الشركة بازدياد، لقد بعنا خمسة ممتلكات منذ بداية الشهر للآن.»
«فقط؟ حسبما ما قرأت في مقال متوسط بيع الممتلكات من ثمانية إلى عشرة خلال نصف شهر فقط.» قال ونظر لي بعينان فارغة. لطالما كان هكذا، مهما أخبرته من إنجازات يحاول دائمًا التقليل من شأني وشأن ما أفعله، كلماته تصيبني بالضبط بالمكان الذي ثقتي بنفسي قليلة به بالفعل، لكنها مع ذلك تنجح سحب ثقتي للهاوية بطريقة ما.
على الرغم من غضبي إلا أنني لم أقل ما أريد قوله: 'ضع مقالك في مؤخرتك' هذا فقط سيجعله يشعر بالرضا من نفسه أنه نجح باستفزازي، لهذا انشغلتُ باللعب بالمنديل بيد من تحت الطاولة وقلت: «معكَ حق، ونحن نحاول تخطي هذا المتوسط بحيث نزيد العدد، كما قلت لا زلنا بمنتصف الشهر.» أجبته وبادلته بنفس الفراغ بعينيّ ليومئ ويأخذ رشفة من نبيذه.
«إذًا عزيزي أغسطس، هل وجدت امرأة بالفعل كي تعرفنا عليها؟ أنت بالفعل بالثلاثين من عمرك ولا تزال عازبًا، أريد أن أرى أحفادك كي آخذهم معي عند صديقاتي وأتباهى بهم.» قالت والدتي بجملة واحدة، وفي منتصف كلامها خسرتُ الإحساس بما حولي لكن فقط إمساكها ليدي أعادني للواقع، ولسببٍ ما؛ أوّل امرأة خطرت على بالي هي الآنسة ديليا، لكنني دفعتُ صورتها جانبًا.
«ليس بعد أمّي، أنا بالفعل لا أملك الوقت للاجتماع معكم، فكيف لأتعرّف على أحدهم؟» قلت لتنفي برأسها بغير رضى وقالت: «حاول صنع الوقت للتعرّف على أحدهم، أنت لا تصغر مع الوقت عزيزي، لا أريد أن يفوتكَ القطار بالحصول على امرأة جيدة، تعلم أنني أريد الأفضل لك ولشقيقك.»
لطالما كانت أمّي مُتحكمّة، تريدنا أن نفعل كل شيء، تقول كي نستغل بالحياة بأكملها. من الجيد أن أكون بعمري وأستطيع تحدّث ست لغات، لعب كرة القدم والعزف على البيانو والكَمان، لكن حينما تقضي طفولتك وأنت تذهب من مكان إلى آخر بناءً على طلبات والدتك تضيع لذة فعل الأشياء.
كلانا نعيش بمنزل أم تضغط عليك لفعل كل شيء، ووالد يقلل من شأن كل شيء تفعله. على الرغم من ضغط والدتي لكن لطالما تقبّلت فكرة أنها تريد الأفضل لنا، الآن بعدما كبرتُ علمتُ أنني لو كنت أب سأود لطفلي تعلّم أشياء عديدة كي يستطيع مواجهة الحياة بأسلحته، لكن لم أفهم أبدًا دوافع أبي، كلماته لم تدفعني أبدًا لأكون أفضل نسخة من نفسي، بل فقط عملتُ كي أجعلها تتوقف، ومع ذلك لم تتوقف أبدًا حتى بعدما أصبحتُ رجلًا بالغًا.
مجيء النادل ليأخذ طلباتنا أنقذني، ومضى الوقت ونحن نأكل إما بصمت أو السؤال عن عملي وعن جامعة زاك، ليس وكأن الأخير لا يعيش معهم. حينما انتهينا ودعتهم وأخبرت زاك أنه يستطيع المجيء لمنزلي لو أراد، لكنه قال أنه يود توفير هذه الفرص لحالات أسوأ.
حينما وصلتُ منزلي كانت طاقتي مُستنزفة ولم أرد فعل شيء سوى النوم، لهذا غيّرت ملابسي وأخذتُ بطريقي لسريري حتى رأيتُ آخر رسالة من الآنسة ديليا على المنضدة، ابتسمت وفتحتها كي أقرأها للمرة الخامسة:
«عزيزي مُنقذ القط الغريب،
شكرًا لك مرة أخرى على مساعدتك لنا، أنا وسمير سعيدان لها، والذي هو بالمناسبة بصحة جيدة ولا يحتاج سوى لزيارات قليلة حتى نتأكد أنه بخير.
اسم سمير أخذته بالفعل من سمير ابن السيدة مريم، يجب أن ترى ملامح وجهه حين أنادي القط ويلتفت هو لي. وسبب تسميتي له هو لأن اسمه علق برأسي حينما نادته أمّه.
ويا إلهي ما هذه المجموعة اللطيفة من القطط!
لقد ذبتُ حينما رأيت صورهم، وكم أود رؤيتهم على الحقيقة لكنني أتفهّم رغبتك بإبقاء هويتكَ مجهولة. بصراحة أحيّك عليهم إذ سمير يقودني للجنون بوبره الأبيض على ملابسي، ف كيف لو كان لأربعة قطط بمختلف الألوان أيضًا؟ متأكدة أن منزلكَ لوحة فنيّة بسببهم.
وشكرًا للمجاملة حول تصويري، الآن بمديحك سوف أرسل لك الكثير من الصور له، أنتَ جلبت هذا لنفسك، وبالتالي أنا أشجّعه أيضًا.
إلى اللقاء، مُنقد القط الغريب.
الغريبة بدورها بالنسبة لك، مُربية القط.»
سيكون جميلًا تعريفها على الفرسان الأربعة، لكن سيكون الأمر غريبًا الآن، نظرًا لأنني مديرها.
تنهدتُ وأعدتُ الرسالة لمكانها وحولي القطط، وابتسمت لرؤية وبر على وسادتي، هي محقة إذ منزلي بالفعل لوحة فنية بسببهم.
جلستُ على سريري ونظرتُ لعلب الدواء الكثيرة على المنضدة بجانبي، أخذتُ واحدة وفتحتها، وضعتُ حبّة بيدي وتأملتها بمشاعر مختلطة. شعرتُ بدموعي تتجمّع داخل مُقلتاي ولم أرد شيئًا بهذه اللحظة سوى الشعور بالرّاحة، الخلود للنوم دون التفكير إذا ما كنتُ سأستيقظ غدًا أم لا، إذا ما كنتُ سأخرج من سريري بسهولة أم يجب عليّ مقاومة تعب جسدي وعقلي بسبب الأدوية والمرض.
تناولتُ الحبة واستلقيتُ على ظهري، وكما كل يوم، بدأت سنواتي الثلاثة الماضية تنهال عليّ بيأس، كما لو أن أحدهم دخل كي يستحم بالماء البارد بعد يومٍ حار طويل، فقط ليقابل المزيد من الماء السّاخن ليزداد وضعه سوءًا.
أتذكّر تشخيصي بمرض سرطان البنكرياس كما لو أنه كان البارحة، دهشتي، حزني، قلقي، وكل المشاعر السلبية بالعالم. بعد أسبوع من معرفتي بالأمر انتقلتُ لهذا المنزل بدلًا من منزل عائلتي، لا أحد منهم يعلم، ولم أرد أن أتعب أمامهم، لهذا انتقلت.
حينما تسألني والدتي عن سبب حصولي على زوجة أكذب عليها بكلّ مرة؛ إذ لا أستطيع إخبارها أنني لا أُشفى ممّا أنا مصابٌ به، ومن يملكُ مرضي لا يعش طويلًا كي يحصل على حياة سعيدة، وأنا لستُ أنانيّ لدرجة تعذيب أحدهم ويدخل لحياتي لأخرج منها أنا، للأبد.
شعرتُ بـ لوسي تقترب مني وتبدأ بمسح رأسها على وجنتاي، وحينها فقط اكتشفتُ أنني أبكي.
«أحبّكم.» همست للأربعة حولي وأغمضتُ عيني كي أحاول النوم، تاركًا ظلام غرفتي من حولي لأدخل لظلام أفكاري وأحلامي.
---
مجموع الكلمات للآن: 7290.
مرض أغسطس؟ 😔
احسني حزين أو شي، بدون شي أنا حزين! 💀
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro