القبر الأخير - الإنسانية
•••
-من أنا؟
كيانٌ أبيض من خلف المرآة أصدر هذا الصوت.
بدى كما لو أن كيانا جديدا يقترن بصورتي التي تحادثني.
"إللهي الرحيم! ما هذا؟!"
فزعت وانا أحادث صورتي على المرآة، كياني ثابت لا يحرك ساكناً رغم ابتعادي واستدارتي بغية الخروج..
أي بشريٍ طبيعي سيرتعد ويفر هارباً. لكن اطرافي تجمدت؛ فبت غير قادرٍ على الحركة بعيداً عن بقعتي، حركة فاهي اللا منعكسة على هيئتي بالمرآة حين لفظي حروف كلماتي؛ أخافتني بحق!
-سأخبرك، ولكن فلتخبرني أنتَ بماهيتك، أوتفقه هويتك؟'
أجاب انعكاس صورتي التي يظهر خلفها فراغًا أبيض، ليس غلاف الطوب الفاخر للجدار خلفي، أثار الأخير انتباهي لهذا تذكرت سهواً نجاح الاتفاقية في غرفة اجتماعات هذا المبنى قبل قليل، أثر هذه الذكرى شعرت بالثقة وقررت مواجهة ما أمامي..
السراب الذي أمامي.
-أنا أنت.
لم أؤمن بالخوارق يوماً، ولكني جاريت ما يبدو حقيقياً منها، وشهدته شخصياً للتو.
والدتي المؤمنة بقصص الخوارق لها الفضل في أدراكي أن ما أمامي قد يكون قريني؟ بما إنه يشبهني.
رغم الثقة التي ظهرت على نبرتي، لن أنكر أن أوصالي تتشرب الخوف والقلق في كل ثانية ألمح بها الابتسامة الصفراوية على محيا انعكاس صورتي، في هذه اللحظة أدركت كَم ما تملكه ملامحي من البرود والهيبة.
البهوت والخبث المخفي الذي يظهره انعكاس هيئتي أرداني أنا الآخر.
-لا تنسب شخصك القذر لي!، أنا أنت السابقة وليس الكيان القذر القابع أمامي!
انا الانسانية التي تخليت وأقرانك عنها؛ فبِتُ أدفن أقراني الملقين كاللقطاء في أرضكم المليئة بالمسوخ..
المسوخ الذين يجهضون انسانيتهم مع كل ورقة نقدية يتقاضونها!
مع كل رصاصة ومدفعيةٍ تُطلق! مع كل طفلٍ يموت جوعاً، وكل والدة تنوح رثاء فقيدها!'
حديث صورتي في المرآة بتلك النبرة؛ دبّ الرعب والضيق في نفسي، بت أزفر دون شهيقٍ ينعش ما يضمر صدري..
على خلاف الثواني السابقة، لم أشعر بالثقة أثر صفقتي الناجحة، بل اعتراني الهلع!
أموالٌ تملأ جيوبي فور بلوغ رجالي شاحنات المؤون التي تسير وصولاً لأحد الأزقة المحاصر سُكانها من قِبل العدوان الفارض هيمنته على البقعة، حين تدميرهم ذلك المؤون يتقاضا كُلٌ أجره.
أنا ورجالي ما لنا من أموال، وزبوننا السياسي يتقاضى ما يكفيه من الشهرة حين يمد يد المساعدة لاولئك المحاصرين، الذين سيقدسونه دون أن يعلموا إنه صاحب هوية قاتل آباءهم.
رجُلٌ بمثلي لا يهتم بالكيف والنتائج، بل جُل ما يهمه الأموال التي ستملأ جيبه.
لستُ أشعر بالذنب فأنا لست الوحيد، وفنائي يناظره بقاء الآلاف مثلي.. سأسعى لأنجاح عمليتي الأولى وأصنع مكاناً لي في الأعلى، حيث يقف أسياد هذه الأرض ومدمريها، حيث يقفون وطبعات أحذيتهم تترك بصمتها إثر دماء من هم في الأسفل.
أفقه بأس ما انخرطت به، ولكن ما من سبيلٍ للعيش سوى انتشال الفرصة كضارٍ لا يفقه الرأفة، لا إنساني!
تخاذل انعكاس صورتي، وبخمولٍ ويأس انبعجت ملامحه، رافق هذا عودتي للشعور بقدميّ والسيطرة عليهما.. تبين بأن من يجمدني ليس سوى حضرة من يقابلني وجهه في المرآة وثباته. هو مم يثبتني دون حراك.
استعدت قدرتي على الحركة وسلكت طريقي خارجاً من تلك البقعة، بأطراف عيناي أراقب الصورة المتخاذلة التي لم تكُ تفارق المرآة.
"أنا الإنسانية، سئمت وتعبت جداً من دفن اصدقائي"
صوتٌ حزين يائس أصدرته المرآة، وسط تلك الغرفة الفارغة في رثاء فقيدة بني الأنس 'الأنسانية!'
•••
انتهى.
•فائزة في مسابقة ربيع تشرين•
انطباعكم عن القصة والفكرة؟
اي تعليق أو نقد؟
دمتم في حفظ الله.
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro