Chào các bạn! Vì nhiều lý do từ nay Truyen2U chính thức đổi tên là Truyen247.Pro. Mong các bạn tiếp tục ủng hộ truy cập tên miền mới này nhé! Mãi yêu... ♥

رغبة لم تتحقق

بقلم نهال عبد الواحد

إن كنتَ مصريًّا وحلّ شهر أكتوبر وسمعتَ جملة «في ست ساعات» فلن يتبادر إلى ذهنك سوى العبور العظيم لقواتنا الباسلة... عبور القناة... لكنّي اكتشفتُ أنّنا بحاجةٍ إلى أنواعٍ أخرى من العبور المستمر...

اليوم يومٌ مميّزٌ، قدمتُ اليوم على إجازة وأشعر أنّي سأنجز الكثير من المهام، خرجتُ في الصّباح الباكر بعد ممازحات أمّي بسبب هيئتي الأنيقة اليوم الأكثر من المعتاد وبالطّبع لم تسكت عن تلميحاتها كأنّي على موعدٍ بحبيبٍ أو ما شابه ذلك...

رغم علمها بخط سَيرِي اليوم لكن لامانع من مجاراتها مازحةً، وخط سَيرِي ذاك مختلفًا تمامًا، حيث ذهابي إلى السّجل المدني بقسم الشّرطة أولًا لعمل أوراق رسمية ثمّ سأخرج مع صديقة الدّراسة الّتي اشتقتُ لها كثيرًا.

فأرسلت لصديقتي رسالة صباحية سريعة أؤكد عليها موعدنا بينما كنتُ أستقل المصعد: صباح الفل يا موني، أنا نازلة دلوقتي هخلّص موضوع شهادة الميلاد في السّريع واديكِ رنّة تجهزي... ولا تجهزي من دلوقتي الموضوع مش مستاهل واهو ناخد اليوم من أوله.

ثمّ أرسلتُ ملصقًا لقلبٍ بنفسجيٍّ، ففوجئتُ برسالةٍ منها توًا ففرحتُ لأنّها مستيقظة الآن، لكنّي ابتلعتُ ابتسامتي حين وجدتُها ردّت بإرسال ملصقٍ ضاحكٍ، شعرتُ بعدم الفهم للحظاتٍ فأرسلتُ إليها كاتبةً وقد خرجتُ إلى الشّارع: ودي سعادة ولا تريقة؟!

فردّت مرسلةً: تريقة.

-طب أخلص ونتقابل واوريكِ هعمل فيكِ إيه!

-لو خلّصتِ واتقابلنا بأه يا أمل...

ومجدّدًا شعرتُ بعدم الفهم لكنّي أغلقتُ هاتفي وانتبهتُ لطريقي باحثةً عن سيّارة أجرة تقلّني، وبعد قليل ركبتُ واحدةً بالفعل فأقلّتني أمام مقر قسم الشّرطة بالضّبط، فاستبشرتُ أنّ الطّريق لم يستغرق الكثير... بداية متفائلة وبها من الأمل على اسمي خاصةً وأنّ السّاعة الآن لم تتجاوز الثّامنة، إحساسي يخبرني أنّه سيكون يوم فريد من نوعه!

كانت سيّارات الشّرطة أمام القسم بمختلف أنواعها تلك الكبيرة الخاصّة بالمسجونين وغيرها... على أية حال أنا لا أفهم أنواعها ولا أنواع السّيّارات عمومًا! المهم أنّها بدأت تتحرّك واحدة تلو الأخرى لتفسح الطّريق نوعًا ما.

وها قد التقتت عينايّ لافتة مكتوبٌ عليها (السّجل المدنيّ) فعلمتُ بغيتي متوجّهةً باتجاهها معدّلةً هيئتي في عُجالةٍ وقد سخرتُ من نفسي... إنّها مصلحة حكومية ولن يلتفت أحد لهيئتي! ولن أقابل شخصية هامّة بالدّاخل مثلًا!

كنتُ مسلّطةً عينَيّ نحو بغيتي الّتي لم أحيد عنها ولو بطرفة جفن يُمنةً أو يُسرةً، لكن بمجرد أن اقتربت من المدخل سمعتُ صوت الضّابط أو ربما أمين شرطة -لا أعرف رتبته حقيقةً - يصيح فأفزعني: قُلت ما بخدش أسامي بايتة!

استجمعتُ نفسي سريعًا دون أن أفهم أي شيء، وقُلتُ في نفسي لا يعنيني الأمر على أية حال، تسلّلت من بين مجموعة من البشر لم أفهم سبب وقوفهم هنا حتى الآن واتّجهت مباشرةً لأدخل من فرقة الباب الصّغيرة، ذاك الجزء الّذي رأيته قابلًا للمرور من خلاله.

لكن بمجرد اقترابي صاح بي نفس الشّخص: على فين يا آنسة؟

أجبتُ بثقة غير مناسبة للموقف: داخلة جوة.

-هتعملي إيه؟

بالطّبع كنتُ أنوي عدم الإجابة على هذا المتطفّل أو أجيبه أن لا شأن له، ولحسن الحظ لم أفعل، لكنّي أجبتُه بنفس الثّقة: داخلة أعمل شهادة ميلاد.

-خدي دورك يا آنسة!

-ليه يا فندم؟ دي مجرد شهادة ميلاد تاخد ساعة زمن مش مستاهلة دور...

فأتاني صوتٌ أنثويٌّ من اتجاهٍ آخر لم أنتبه منه: ما كلّنا يا حبيبتي جايين نعمل شهادة ميلاد م اللي بتاخد ساعة زمن دي!

فالتفتُّ نحوها بعد أن أدركت مصدر الصّوت فتفاجأتُ بالحشد الغفير خلف قاطع حديديّ سادًّا عليهم المرور إلّا من فتحة جانبية صغيرة تسمح بمرور شخص واحد!

وقفتُ فترةً من الزّمن لم أدركها قدرها محاولةً استيعاب ما أراه وما تعنيه بارتباكٍ شديد! وسألتُ نفسي منذ متى اجتمع هذا الحشد ولم نتجاوز الثّامنة صباحًا بعد! أو حتى هل سيأتي الوقت الّذي سينتهي هذا الحشد من الانتهاء من مصالحه!

أمسكتُ رأسي؛ قد شعرتُ كأنّ أحدهم صفعني على غفلةٍ! فصاح ذلك الضّابط: ما حدش يقف في الطّريق يا حضرات! اللي مش هيقف في الطّابور مش هدخله ولا أديله رقم من أساسه!

شعرتُ أنّي المقصودة فتحرّكت رغمًا عنّي؛ لا حل أمامي سوى الانتظار!

تقدّمتُ بخطواتي في حالةٍ من الذّهول وكان طابور الرّجال من الجهة الخارجية للطّريق، للصّراحة كان صفًّا منظمًا منضبطًا وإن كان طويلًا... بل شديد الطّول! لقد سرتُ كثيرًا حتى أصل إلى آخره كي أذهب إلى مكان طابور السّيدات.

بمجرد انتهائي من المرور جوار طابور الرّجال وجدتُ طابور السّيدات منحصرًا للأمام، فاستبشرتُ؛ لا زلتُ أتفاءل! لكن بمجرد اقترابي منهم رأيتُ أعدادًا من السّيدات والبنات المنتشرة عشوائيًّا على جانب الطّريق وفوق الرّصيف وأسفل الشّجرة المجاورة.

وقفتُ بُرهةً لا أدري أين أقف أو ماذا عليّ أن أفعل! فاستحضرتُ طابور الخبز وسألتُ إحداهن: مين آخر واحدة؟

وكانت الإجابة: ما اعرفش.

ويا لها من إجابة مستفزة! خاصةً مع تكرارها... تراني مبالغةً بعض الشّيء! فوقفتُ مكاني، وما كانت لحظات حتى تفاجأتُ ببضع سيداتٍ قادماتٍ نحوي فارتعبتُ مقدمًا دون أي مبرّر، ثمّ طمأنتُ نفسي أنّي أمام قسم شرطة ومؤكّد لن يجرؤ أحد على إيذائي!

ماذا بكِ أيّتها الحمقاء؟! ولماذا ترتعبي من الأساس دون ارتكاب أي جرم؟!

صاحت بي إحداهنّ: إنتِ يا آنسة ده مكاني! إيه اللي وقفك هنا؟!

فأجبتُ بصوتٍ مهتزٍّ قليلًا: حضرتك أنا سألت كله قال ما اعرفش.

-إزاي ما يعرفوش؟! ده أنا هنا من بدري!

فأومأتُ بهدوءٍ حقنًا للدّماء: خلاص أنا وراكِ.

فردّت: لا! دي هي اللي ورايا...

قالتها تشير إلى مَن جوارها، ثمّ تابعت تشير إلى بقيتهنّ: ووراها دي وبعدين دي وبعدين دي...

وبعد أن انتهت قُلتُ وأنا أكاد أبكي: خلاص أنا وراكم كلكم.

فأومأت نافيةً: لا في واحدة كانت قاعدة ع الرصيف هناك وواحدة تانية لابسة طرحة زرقا بس مش شايفاها.

فسألتُها ولا زلتُ تحت تأثير الصّدمة: في حد تاني بعد كلّ دول؟!

-تقرييًا لأ، بس احفظي بأه اللي واقفين أدامك.

-أحفظ إيه ولا إيه بس!

فصاحت في: لا باقولك إيه! إحنا عارفين بعض وعارفين أماكنّا، عارفة بأه واحدة تدخليها أدامك كده ولّا كده يبقى اتنازلتِ عن دورك يا حبيبتي هنخرجك م الصّف لآخر الطّابور، حافظي بأه على مكانك عشان الظابط شوية وهيسحب بطاقة آخر حد عشان ماحدش يجي بعديه.

كنتُ أومئ لها برأسي مثلما أفعل مع أمّي حين توبّخني لأي أمر، وبعد أن انتهت من كلامها همّت بالذّهاب فسألتُها: على فين؟

-جرى إيه يا حبيبتي! كنتِ من بقية أهلي! رايحة أتفك شوية عن نفسي لحد ما الطّابور يمشي، احفظي بأه.

فقلتُ بسذاجةٍ شديدةٍ: طب ممكن صور لكم أو حتى أصوركم بالموبايل عشان أفضل فاكراكم!

فصاحت في: إنت هبلة ولّا شكلك كده! صورة إيه يا أم صورة اللي عايزة تصوريهالنا! نعرفك منين إحنا؟!

-آسفة والله! بس عشان أفضل فاكراكم.

-إيه الهبل والعبط اللي ع الصّبح ده! اقفي مكانك وما تدخليش حد أدامك صعبة دي! شغل فرافير...

قالتها وغادرتني هي ومَن معها، فلم أجد إلّا أن أقف مكاني منتظرةً ثمّ حدّثتُ نفسي أذكّرها: واحدة لابسة عباية سودا، والتّانية لابسة عباية نبيتي وطرحة زيتي، والتّالتة لابسة... لابسة... كانت عباية سودا برضو! ولا إيه! افتكري يا أمل هيجوا يفترسوكِ...

فقاطعتني إحداهن وهي تنهض ببطء من جلستها فوق الرّصيف ممسكةً أسفل بطنها المنتفخة: ما تتعبيش نفسك أنا عارفاهم.

فتحدّثتُ بحنقٍ: طب ما أنا سألتك في الأول قلتِ ما اعرفش!

فأجابتني: أنا حامل.

وجمتُ قليلًا دون أن أفهم مغزى المبرّر الّذي ذكرته، أو إن كان مبرّرًا من الأساس أم تريد إخباري!

فاسترسلت قائلة: أصلي حامل في توأم والدّكتورة اللي كنتُ بتابع معاها منها للّه عايزة تاخد تمن الولادة الضّعف عشان حامل في توأم!

فأومأتُ دون أن أفهم مغزى الكلام مرّةً أخرى، فلم أجد إلّا أن أقول: ربنا يقوّمك بالسّلامة.

فقالت وهي تعاود الجلوس: يا رب! بس أنا دوري أدام.

-طب ليه مش واقفة ف دورك؟

-مش بقولك حامل!

فأومأتُ لها دون أن أعقّب والتفتُّ أمامي بعض الوقت، ثمّ نظرتُ جواري فلاحظتُ أنّ الرّجل الّذي كان يقف بمحاذاتي قد صار أمامًا، كنتُ أعلّمه بسترته الخضراء! لكن لماذا لم يتحرّك صفّي حتى الآن؟!

وما كانت لحظاتٍ حتى خارج الضّابط من داخل القسم مشيرًا إلى السّيدات الواقفات أن ترجعن للخلف، وبالفعل بدأن جميعًا بالحركة فتحرّكتُ للخلف أنا أيضًا بفعل قوة الدّفع!

فظهر حجم الطّابور الحقيقي؛ إذ ظللتُ أتقهقرُ للخلف خطوة بعد خطوة حتى انتهى الرّصيف ودار إلى شارعٍ جانبيٍّ... إنّه أطول من أي توقع!

فظللتُ واقفةً دون أن أعقّب أتخيّل اللّحظة الّتي أنتهي فيها وأغادر وأذهب مع صديقتي و...

بترتُ أفكاري متذكّرةً إيمان فأمسكتُ هاتفي وأرسلت لها رسالة: شكلك كنتِ عارفة!

وبعد فترة سمعت صوت وصول رسالة ففتحتُها وقرأتُها: أمال كنتِ فاكرة إيه يا أذكى اخواتك يا بتاعة ساعة زمن!

فأرسلتُ لها ملصقًا لوجهٍ غاضبٍ وأغلقت الهاتف مشبّكةً ذراعيّ أمام صدري، وفجأة صراخ أنثويّ ملأ المكان، فالتفتُّ أبحث عن مصدر الصّوت، وتفاجأتُ مما رأيت!

امرأتان ممسكتان ببعضهما البعض، إحداهما تمسك الأولى من وشاح رأسها تقسم أن تخلعه لها والثّانية ممسكةً بنعلها تقسم أن تضربها به، جحظت عينايّ ولم أنبس ببنت كلمة مذهولة، لم يكن لديّ فضول لمعرفة ما جرى بقدر خوفي أن تضربني إحدى الموجودات!

تشبثتُ بنفسي مكاني حتى فُضت المشاجرة وقد عادت السّيدات مَن كُنّ واقفات جوار المشاجرة وهنّ يضحكن فعقدتُ حاجبي بتعجّبٍ، فقالت إحداهنّ: الولية واقفة بالورق اللي معاها مفتوح والتّانية معدية من جنبها رشقت عينها ف ورقها ولمحت اسم الزوج، طلع جوزها متجوّز عليها التّانية، والتّانية ما كانتش تعرف برضو إنّ على ذمّته واحدة تانية!

فعلّقت امرأة أخرى جوارها: اتفضح ابن الموكوسة، والاتنين مستحلفين له ليسوّدوا عيشته!

-يستاهل اللي يجراله! رجّالة هَم! برّيه من هم!

-هتقولي لي! ده الموكوس اللي عندي يجي م الشغل يا أدام التليفزيون يا ماسك المدعوء الموبايل بيلعب به.

-طب خلّي بالك لا يكون لايف على واحدة كده ولا كده ما الموبايل ده هَم لوحده!

-بتخلّي الفار يلعب في عبّي ليه؟

-أنا بفطّنك بس، لكن طبعًا إنت حُرّة...

قالت الأخيرة والتفتت لي بينما كنتُ واجمة أتابع الحوار فارغة فاهي من الصّدمة! فسألتني: مالك يا ختي؟ إنت كمان قفشتِ راجلك بيعمل أي مصيبة من مصايب الرّجالة؟

فأومأتُ لها بتيه: لا... قصدي ما عنديش راجل... قصدي مش متجوّزة.

فقالت لي: ومستعجلة على إيه! أهو كاس داير ومسيرك تشربيه.

حينئذٍ صار لديّ رغبة ملحّة في البكاء، فهذا الكأس الّذي تتحدّث عنه هو أمنية أمّي لي! ألا يوجد كأسًا حلوًا؟! أم أنّ الحلو ليس دائمًا الاختيار الأنسب؟ إذن لا بأس بالمالح أم سيمرضني هذا المالح! هل هناك خيارات أخرى غير الحلو والمالح؟!

ثمّ زفرتُ سابحةً في أفكاري البلهاء، الّتي بلا فائدة فاجأتني إحداهن مارّة جواري صائحة: منهم للّه والله!

فالتفتتُ إليها بانتباه دون أن أعقّب فالتفتت لي توجّه لي الكلام مستكملةً صياحها: باجي هنا من تلات أيام وكل يوم أروح من غير ما أعمل حاجة... منهم للّه!

فرددتُ عليها ببلاهةٍ: مش فاهمة!

-إيه اللي مش فاهماه؟!

-قصدي يعني ليه كده؟

فأجابتني بلهجة مستعطفة: عايزة أعمل شهادة وفاة، عندي واحدة وعايزة أطلّع عليها.

فارتبكتُ وتوترتُ قلقةً وقُلتُ: تلات أيام في شهادة وفاة! ومن شهادة الميلاد لشهادة الوفاة يا قلبي لا تحزن!

فعقدت حاجبَيها متسائلةً بتعجّب: شهادة ميلاد إيه! بقولك شهادة وفاة.

-أيوة أيوة، بس إيه العقبة يعني؟

-الظابط منه للّه مش بيرضى يدخّلني.

-هو حضرتك واقفة فين؟ دورك يعني!

-ما أنا كل ما أقف في دور وأتحرّك أرجع ما لاقيش اللي كنت واقفة وراها ومش بيرضوا يوقفوني.

-طب ليه بتتحرّكي من مكانك يعني؟

فصاحت لي باستحقاقٍ: بمشّي رجلي! مش شايفة الواقفة اللي تهد الحيل!

ورغم أنّي لم أفهمها لكنّي أومأتُ لها، فأكملت مستعطفة: ما توقفيني أدامك ينوبك ثواب في.

فسألتُها متعجّبةً: ليه؟!

-ما تخافيش هقف أدامك من غير ما حد يحس.

-يا فندم السّتات حافظة أدوارها وما عنديش استعداد أخسر دوري بعد ما وقفت كل ده!

ثمّ نظرتُ في ساعتي لأجدها تقترب من الثّانية عشر ظهرًا فشهقتُ وقلّصت وجهي بطفوليةٍ بينما صاحت في المرأة: هو مفيش حد بيعمل حاجة لوجه اللّه في الزّمن ده! منكم للّه كلّكم! منكم للّه!

وأكملت سيرها دون أفهم ما بها، فقط وددتُ لو أخبرتها أنّها هي مَن تعطّل نفسها بحُمق تصرّفها، والأدهى لو تفعل نفس فعلتها كلّ يومٍ! فلا أعتقد أنّ إحداهنّ ستتنازل عن دورها أبدًا وتذهب تعيد الوقوف من آخر الطّابور!

لتجذبني صوت ضحكات فتيات واقفات، على الأغلب هن في عالم موازي! يحملن أكياس الحلوة والعصائر وزجاجات الماء، وتتمازحن وتتضاحكن لدرجة أشعرتني أنّي في متنزّه! تُرى لو اتصلتُ بكِ يا إيمان لتجيئي ونفعل مثلهنّ ستواقفين؟!

على أغلب ظنّي أنّها قد أغلقت هاتفها ونامت، ولقد مرّ الكثير من الوقت، لا زلتُ أقف وقد تغيّر مكان الشّمس وزحفت نحونا واشتدت بأشعتها تسلّطها علينا، ونحن بين الفينة والأخرى يخرج علينا الضّابط فيزيح طابورنا ليصطف فيتمدّد فنظلّ نتراجع ونتراجع وبعد قليل تنتشر النّساء مجدّدًا وتتبعثرن تاركات أدوارهنّ وبعدها تتعاركن إن وقفت واحدة مكان الأخرى!

في نفس الوقت التفتُّ نحو طابور الرّجال فوجدته لا زال مصطفًا منتظمًا ظاهرًا فيه تقدّم الواحد تلو الآخر!

لا أخفي تفاجُئي بنظام الرّجال عن النّساء وهدوئهم؛ أكاد لا أسمع لهم صوتًا! أراهم وقد اختلفوا كليًّا عن حالهم داخل البيوت مع ذويهم!

لا زلتُ أقف ولا زال المزيد من المشاجرات النّسائية الّتي ضغطت رأسي وآلمتني كثيرًا فضلًا عن شعوري باحتراق وجنتَيّ من أشعة شمس الظّهيرة الّتي أقف فيها مباشرةً دون أي ساتر لدرجة أشعرتني باحتمال حدوث هبوط بالدّورة الدّموية أو ضربة شمس! كلّها أمور ربما لو حدثت لي بعد تنزّهي بصحبة صديقتي لكان الألم مقابل المتعة... أمّا الآن...

لكنّي فجأة انتبهتُ أنّي قريبة للغاية من ذلك القاطع الحديديّ، الحد الفاصل بين الطّابور وباب السّجل المدنيّ، ويا له من شعورٍ بقُرب الإنجاز!

لكن فاجأني ذلك الضّابط حين طلب منّا الاصطفاف للمرّة الّتي لا أعرف عددها! أراني صِرتُ أعذر هذا الرّجل ممّا يفعله النّساء وطابورهم المعاق فضلًا عن شغبهم الّذي لا ينتهي!

بعدها مرّ يسألنا عمّا نريد فعله، إن كان أي نوع شهادة، بطاقة شخصية... لكن قد استُهلك انتباهي بعد متابعتي لكلّ هذه الأحداث فعندما سألني وجمتُ للحظاتٍ أفكّر لماذا أتيتُ! أعتقد لو سألني عن اسمي لكنتُ وجمتُ أيضًا!

واستكمالًا لسيناريو بؤسي، تركني هذا الضّابط وتجاوزني متمتمًا، على الأغلب يسبّني! فصحتُ معتذرةً: معلش واللّه يا فندم! تعبت م الواقفة ودوخت مش قصدي أطنش حضرتك.

فأجابني دون أن يلتفت لي: لا عادي طنّشي حضرتي.

-آسفة واللّه!

فالتفت مبتسمًا ابتسامةً استفزّتني قائلًا: استني لما يدخلوا أبقى أدخلك المجموعة اللي بعدها.

كدتُ أتشدّق معترضةً لكنّي أغلقتُ فمي رغمًا عنّي وابتسمتُ له نفس الابتسامة الصّفراء جازّةً على أسناني مغتاظةً للغاية ثمّ تراجعتُ أقف مكاني بائسة أنتظر اللّحظة الحاسمة، ساعة الصّفر، لا أدري لماذا تذكّرتُ حال الجنود على جبهة القتال وهم منتظرين أمر القائد ليأذن بالهجوم على العدو والقتال مرة أخرى، ربما لأنّنا في شهر أكتوبر! أو ربما لأنّي بدأتُ أهلوس من كثرة الإجهاد!

المهم عليّ حفظ اسمي الآن وما جئتُ من أجله، فوضعي لا يحتمل المزيد من الانتظار؛ أكاد أفترش الأرض مغشيًّا عليّ وأشعر أنّ كلّ مفصلٍ بي سيركض فارًّا من جسدي المتهالك!

مهلًا!

لقد خرج علينا ضابطٌ آخر أو أمين شرطة... لا يهمّني رتبته لكنّي قلقتُ فجأة خاصّةً عندما صاح: كلّ واحد م اللي واقفين يديني بطاقته أكتب اسمه ورقم بطاقته.

فسألته: ليه حضرتك؟ الظّابط التّاني كان بيوزّع أرقام من غير ما ياخد بطاقة حد.

-السّاعة تلاتة يا آنسة فهناخد أساميكم عشان تدخلوا بكرة في الأول، بس تكونوا هنا قبل تمانية.

عقدتُ حاجبَيّ وقد أدركتُ معنى كلام الضّابط صباحًا: ما باخدش أسماء بايتة...

فقُلتُ: يعني بعد ست ساعات هبقى مجرد اسم بايت!

تمت بحمد الله 💜
أكتوبر 2023

Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro