تشويقة
تلاطمتْ أصوات الإذاعة والتلفاز وتداخلتْ مع ضجيج البشر، بعد أنْ أعلنتْ هيئة الأدب العربيّ عن جانحةٍ هزّتْ عالم الكتّاب وكلَّ مَنْ أحبَّ الورق!
تجمّع الناس حول أثير الإذاعة في إحدى المحلات، يترقبون تصريحات الحكومة في هذا الصدد، منهم الغاضب المتجهم الّذي لم يجد جريدة الصباح عند باب منزله، والمرتعب القلق على أحداث روايته التي لم تدوّن بعد، والمكروب... تاجر الورق والقرطاسية وغيرهم، وصدح المذياع أخيرًا:
«خبرٌ عاجلٌ: وباءٌ فريدٌ مِنْ نوعه يصيب الورق!»
أعلنتِ الهيئة الرسميّة للأدب العربيّ والعالميّ أيضًا حالة الطوارئ في الدول مساء أمسٍ؛ بسبب موجةٍ وبائيّةٍ ورقيّةٍ غريبةٍ تهدد علاقتنا بالأدب والورق، هذا وقد صرّح مسؤول الميثاق الأدبيّ في هيئة الأدب العربيّ معبّرًا عن قلقهِ إثر الحادثة:
«إنّها حقيقةٌ يصعب تصديقها أو تدارك الأمر عندما ندرك أنّنا نحن السبب.»
توقف المذيع عن الحديث معتذرًا:
«نعتذر عن إكمال النشرة إثر تلاشي الورق هنا أيضًا في محطتنا، نشكركم على...»
لم يكمل كلماته إذ انقطع البثُّ، وحدثتْ الكارثة التي لم يتوقعها أحد، إذ ابتليتْ كلُّ ورقةٍ تلامس يدّ. بشريٍّ بتحوّلها إلى رملٍ زجاجيٍّ لا يحفظ حرفًا ولا يبقي أنملةً سليمةً.
انتشرتْ شائعةٌ تنصّ على أنّ الورق القديم المصنوع يدويًّا مِن الخيرزان لن تشمله هذه المشكلة، وقد صدّق معظمهم هذه الكذبة فهرعوا لاهثين إلى بيوتهم بحثًا عنه، ولكنّه للأسف قد تحوّل وتناثر عند لمسهم له، قد تقولون الآن أنّ اختفاء الورق ليستْ نهاية العالم، لكن ماذا لو كانتْ أقلامنا مميزةً لا تكتب إلا عليه، وإن تعددتْ مصادره أو وجدنا مصادرَ أخرى لنكتب عليها فلن تحتفظ به سوى لبضع ثوانٍ.
مضتْ بضعة أيامٍ منذ اختفاء الورق، وعانى الكتّاب والأدباء خاصةً مِنْ أرقٍ وفراغٍ عظيمين لن يدوايهما إلا خرير القلم والرائحة الورقيّة.
انعقد مؤتمر الربيع العربيّ في مقر الهيئة، وارتفعتْ أصوات المسؤولين والكتّاب والعلماء أيضًا، محاولين
إيجاد حلٍّ مناسبٍ، ومعرفة سبب انتشار هذا الوباء، واتفق جزءٌ كبيرٌ منهم أنّ الورق يعاني مِنْ بكتريا إثر ضعف ما يكتب عليه مضمونًا ولغةً، وهذه البكتيريا تتأثر بمكونات الجلد البشريِّ، أمّا البقية فقد أصرّوا أنّه بسبب إهمال القراء والكتّاب على حدٍ سواءٍ.
بعد نصف ساعةٍ احتدمتِ الآراء بين إيجاد مصادر أخرى للورق، أو صناعة ورقٍ آخرٍ مِن الرمل الزجاجيّ، إذ أنّ إلى الدول في طريقها للنجاح في هذه التجربة، ولكن هنا أعرب غالبية الكتّاب مِنْ احتمالية فقد الورق عبقه المميز وألّا يحتفظ بالنصوص العظيمة.
وهنا تحدّث المسؤول عن المؤتمر مطمئنًا وعلى وجهه ابتسامةٌ تبشّر بفكرةٍ غير مألوفةٍ تحتفظ بالأدب وعطره:
«ماذا لو جمعنا الرمل الزجاجيَّ وقمنا بإضافة ورق الكتب المتبقية في خزانة الدولة -دون لمسه- إليه، فنعرّضعهم لعدة عملياتٍ نضغطها بها ثمّ نعدل تركيبته. أيّ أنّ نصنع قصاصاتٍ زجاجيّةٍ منها، ونجمعها معًا لتكوّن صفيحةً ورقيّةً لها خواص الزجاج بعد صقلها، ولكن حتى تتم العملية علينا أنْ نتعاون جميعًا.»
أجاب أحد الكتّاب القدماء الّذي كان صامتًا منذ بداية الاجتماع:
«لكن ماذا لو أثّر ضعف المكتوب في هذه الأوراق الزجاجيّة؟ ماذا لو عانى من بكتيريا أخرى تفقدنا إيّاه إلى الأبد؟»
عمّ الهدوء القاعة، وشرع كلُّ واحدٍ منهم في طريقة لجمع القصاصات وتقوّيته هو والكتّاب، وتحفظ النصوص وتجعلها ترتقي في سلّمٍ كريستاليٍّ أدبيٍّ. فماذا تراهم سيفعلون؟
ماذا تظنون أنتم؟ ما الّذي ينتظرهم وينتظرنا؟ وإذا أخبرناكم أنّ الربيع العربيّ يسير على خطة ليعالج هذا الوضع، برأيكم، ما الّذي يعدّه الربيع العربي هذه المرة؟
رحلةٌ ربيعيّة أخرى تمكثُ غير بعيدٍ، فترقبوها!
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro