١١- يوم الرحيل
الصباح هو بداية يوم لجوانب عديدة في العالم لكنه كان نهاية رحلة طويلة لشابين في الجانب الآخر من العالم. بعد ساعات من الركض المتواصل وصلا أخيراً إلى موقع يرضيان به. ذئب المولتوڤ لم يجد صعوبة في الركض بل التابع الذي ما لبث سماع أمر قائده بالراحة حتى وقع أرضاً. تحول أڤجوستين عائد لهيئته البشرية و وقف شامخ غير مكترث للهواء البارد الذي أخذ يضربه بقوة فيتطاير شعره، لكنه لن يشعر بالبرودة و جسده يبث حرارة كالجمر حتى و إن كان عاري الصدر. خلفه تابعه تحول و وقع أرضاً يستعيد طاقته.
"قطعنا نصف المسافة بالفعل" جاء الخبر من أڤجوستين. أومأ الآخر قبل السخرية
"نعم في تسع ساعات" التف الأقوى و راقبه. أبتسم بخفه و هو يدرك المشكلة، فحتى إن كان هذا من أقوى رجال القطيع فالركض لمدة كتلك بسرعتهم يجعل من أي ذئب يلهث للحياة. كان أڤجوستين شخصيا شديد الإرهاق فلم يستطع الوقوف لفترة أطول. أسند ظهره على شجرة و أزاح بمؤخرته للأمام قليلاً ثم وضع قدم فوق الأخرى.
"دعنا ننام قليلاً، صباح الغد سنكمل"
"بهذا الأسلوب سنصل مساء الغد" أومأ أفجوستين بهدوء و هو ينظر لتابعه قبل السخرية.
"أقلها ليس بعد أربعة أيام" أخرج من حقيبته الخاصة سُترة ثقيلة ليرتديها. كانت حقيبة حمراء اللون صُممت بين أخريات بشكل يدوي في القطيع حتى تناسب ظهر الذئب الضخم فيتم ربطها فيه لينتقل بها "ياليتنا فكرنا في هذا الطريق منذ البداية"
"للأسف إذا وصلنا لأرض المولتوڤ بهذه السرعة سنُقتل لا محالة. علينا التوقف عند الحدود" كاد أڤجوستين نسيان هذا القانون فعلاً لذلك توقف عن الحراك و شعر بالضيق لتذكره ذلك الواقع، لماذا تُكبح قواه الجامحة. هنا تذكر السبب: والده.
.
.
استيقظ عساف و أخذ مع رجاله فطور خفيف ثم بدأوا الحركة نحو هوندا حسب الاحداثيات. آرون في المقابل كان أفضل حالا، لقد تلقى علاج من السحرة قوي المفعول لكنه لم يكفي لإصلاح قدميه أو تعويض كل الدماء المفقودة لذلك سيكون سجين المشفى لعدة أيام، بذلك استيقظ و حصل على فطور المرضى. في أسبانيا تثائب بابليتو في إرهاق فوجد ماتيلدا تضربه بخفه
"هيا يا بابلو، لدينا عمل ننهيه"
فتحت الأميرة الهاربة باب الخيمة فوجدتهم يقفون عندها كما تركتهم أمس لذلك أبتسمت بخجل مع تذكر حدث أمس. هي لا تستطيع النظر له، ليس في غضب بل حياء. كان أياتو يستمتع بخجلها لكنه لم يرغب في إثارته بل أكتفى بالصبر و المراقبة. لكن وجهها كان شاحب في حزن. في يدها حقيبة ظهرها و ألقت بها على الأرض ثم قالت بطفولية
"أنا جائعة!" ظل التوأم صامت للحظات يتأكد من واقع ما سمعوا. لحظات و ضحك كل منهم بقوة كافية لفتح فاههم بشكل متوسط. عبست هوندا من ردة فعلهم، فهي لم تدرك السبب، بل لم تفسره من الأساس و رأت فيه نوع من الاستهزاء بحاجتها الحيوية. الصغيرة لم تتناول وجبة مُرضية منذ الأمس تقريباً، تذكر هذا وحده أثار جوعها أكثر. أحيانا يخرج المرء عن سيطرته في الغضب و حتى و إن كانت ملاك فهي إنسان.
"ماذا بكما... هل الجوع عيب في بلدكم؟" هنا أقترب أياتو منها خطوة يستمتع بغضبها. حتى فى غضبها كانت ملامحها بسيطة التعبير لا تنفر منها عين، نبرتها حتى و إن كانت حادة لم تخبأ الأنثوية فيها. قرر أياتو الاستمتاع باللحظة لذلك أخذ خطوة قريب منها
"نحن مصاصي دماء هوندا، نحن لا نجوع بل نعطش" شعرت الفتاة بانزعاج من اقترابه الشديد و اجتاحتها نوبة أخرى من الخجل، لكن الكسوف مع الغضب يكونان شئ لم يرد التوأم رؤيته. كانت تريد الابتعاد عنه لكن قدمها أبت و الحراك، حاولت تحريك يدها لتدفعه لكن حتى يدها خدعتها. أرادت ما لم تجيبه عظامها، لكن طاقتها استجابت.
.
.
بثق أڤجوست معجون الاسنان من فمه ثم تمضمض و غسل الفرشاة. أخرج بعدها مكينة الحلاقة و مرر الشفرة على ذقنه الأملس بالفعل، لكنها عادة أسبوعية حتى يتأكد من بقاء وجهه نظيف تماماً. خرج من الحمام و نظف غرفته بحركات ثابتة ما بين السريرين الذي سطى على أحدهما مسبقا، و ما بين الدولاب و حقيبة السفر ليجمع آخر الحاجات. اليوم هو يوم الرحيل. وصلته رسالة نصية، بمجرد قراءة الاسم هب نحو الهاتف في تلهف ليجيب الرسالة بأخرى. كان هذا توأمه يطمئنه بآخر المستجدات و الآخر يطلعه على رحلته اليوم و حال والدهم. دقائق و انتهت الرسالات و عاد أڤجوست لحركته الثابتة حتى اشتم رائحة أحد أفراد القطيع يقترب من البيت. نزل السلالم و فتح للغلام الباب
"ألبرت" صُدم بعناق الغلام له و شئ من الحزن يكسو نبرته.
"رأيت كابوساً مريبا" سحبه أڤجوست للداخل بخطوة للخلف. أبقى ذراع حول جسد الصغير بينما الأخرى دفع بها الباب فأُغلق. "لم أنم من بعده"
"تعال غرفتي و قصه لي" تراجع الصغير حتى أنه أخذ خطوة بعيد عن جسد أڤجوست في صدمة. ظل ينظر في العين الصفراء يتأكد من إتاحة هذا العرض و إدراك الأكبر له. ألبرت لم يدخل بيت القائد قط في حياته، ناهيكم عن غرفة أبنه الثاني. كان شديد الخجل حتى و إن كان نفسيا غير مستقر، كان يحاول مراجعة قراره لكن بسمة أڤجوست كانت كافية
"والدي ليس هنا." بدأ أڤجوست و هو يتحرك نحو السلالم بهدوء
"لن يعرف أحد، حتى و إن كان... أنت يا صغير فرد من القطيع و كما قلت سابقاً..." توقف الكبير في منتصف الطريق و التف لينظر مباشرة في عين الغلام بتوكيد صادق "أنت لي أخ صغير"
لمعت عين الغلام و شقت بسمة خفيفة وجهه كأن الحِمل أُزيل من على كتفه بسبب الكلمات. لقد نسى كل المخاوف و الترددات بل أزداد ثقة فتحرك خلف الذئب الألفا بطلاقة، لوهلة نسى سبب وجوده و الذعر الذي كان يحاوطه منذ ليلة أمس. دخل الغرفة و قد حاول ابقاء بصره في الأرض حتى لا تختلس عينه النظرات من أساس البيت العتيق، لكن حتى بهذه المحاولة فشل في التغاضي عن رائحة الخشب الممزوج بالمسك، لابد أنهم يعطرون البيت يومياً بتلك الرائحة الزكية. دلف لغرفة نوم و هي الأولى بعد السُلم.
"أُرحب بك في غرفتي أنا و أڤجوستين المتواضعة" ابتسم ألبرت و هو يتفقدها، لقد توقف في المنتصف ذو العين الصفراء كأنه يعطيه إذن التأمل فيها.
"هل أعطلك يا سيدي؟" أخذ أڤجوست ثانية قبل الإجابة
"لا، لم أكن افعل شئ مهم." اتجه ليبعثر شعر ألبرت "و للمرة المائة كُف عن مناداتي 'سيدي'، أسمي ليس عيبا"
"لكنك أبن القائد، و ذئبٌ ألفا، كما يفصل بيننا عشرة أعوام" زفر الكبير الهواء في فقدان أمل.
"دعنا ننتقل لكابوسك"
.
.
قفز لايتو فوق الغصن في ردة فعل مصدومة. كان أياتو أقرب لها فلم يجد الوقت للحراك بل امتص الضربة كاملة و عقله تجمد على الأرض للحظات، و من يلومه و قد ارتطم ظهره بقوة في شجرة. صُبت الأنظار على الفتاة التي أخذ شعرها يتطاير و عينها كانت مفتوحة بلون أبيض يملئ بين الجفنين، كانت ملامحها حادة. كانت طاقة تُبث حولها بشكل دائري لا يمكن تخطيها، بل كانت كافية حتى تطيح بأياتو أرضاً في تألم. أستجمع أحمر الشعر قواه و بدأ يقف بعد الاستناد على قبضة يده.
"هوندا..." لم يجد كلمات أخرى أمام هذه الطاقة. لقد انخدعا فيها بالظن أنها ضعيفة، لكن تلك الطاقة حتى و إن كانت قوية فهم قابلوا الأقوى. لكنها كانت لحظية فبمجرد تلفظ اسمها اختفت الهالة و عادت الفتاة الهادئة ببسمة خفيفة مُرهقة.
"نعم..." حاول أياتو تدارك الموقف و التحول في الشخصية الذي حدث. لكنه لم يجد كلمات أفضل ليقولها سوى...
"دعينا نبحث لكِ على طعام"
"حسنا..."
.
.
أخذ ألبرت يقص على أڤجوست الكابوس الذي راوده و كيف بدى حقيقي في كل التفاصيل حتى أنه صحى يلهث من شدة هول الأحداث. ظل أڤجوست صامت بعدها لفترة وهو يعيد الكلمات في عقله، فهو يؤمن بأن الأحلام لا تنبع من الفراغ. أنتظر إلمام الصغير ذاته و العودة لوعيه من الهدوء.
"إذن خلاصة الحلم، كنت في غابة و صوت أنثوي ظل يرشدك حتى انتهى بك المطاف في أرض واسعة كالميناء أندلعت بها معركة دامية، لكنك لسبب ما توجهت عينك إلى سفينة انفجرت و رأيتني عليها"
"نعم" ابتسم الكبير و هو يدرك فزع الأصغر لكنه أدرك أن الصغير في حاجة ماسة لما يهدوئه، كما أدرك الواقع الأليم بوجود أسباب أخرى لذلك فكر سريعاً و سأل
"كيف كان يومك أمس؟" أنكمش الصغير أكثر في ذاته كأنه يتمنى لو يختفي. كان ضامًا لركبتيه بيداه و رأسه تنظر لأڤجوست على السرير المواجه له. لكنه أبعد نظره نحو الفراغ بين ركبتيه و يده و أجاب
"عاد أبي سكرًا كالعادة. إنهال على أمي ضرباً ثم سحبها للغرفة و... و..." أبتلع الغصة و الدموع تهرب من عينه البريئة التي لم تخفي غضبه المحاط بهالة من الخوف "لقد كانت تصرخ في خفوت و لم يستمع الجيران"
"كالعادة حاولت منع وصول الأصوات لأختك" أومأ الصبي في رثاء لحاله. أخذ يبكي و النحيب يرتفع صوته بين أرتجاف جسده النحيف و الذكريات المتخبطة ببعض. كان يعتصر قدمه باليدين في محاولة جاهدة لإخفاء الرجفة و السيطرة على أي أزمات حركية تعبر عن التوتر كالحراك في خطوط ثابتة للأمام و الخلف. لم يستطع أڤجوست السماع أو النظر لفترة أكثر لذلك وقف و خرج من الغرفة حتى يحضر له ماء مبرد، و عصير فاكهته المفضلة مُعلب. عاد للغرفة و مد له المياه فشربها و بدأ الكبير يحاول تهدأته رويداً
.
.
أخذ ريچي حقيبة السفر التي حضروا بها. أخذ يملئها بشتى ألوان الاحتياجات الأساسية من ملابس و دماء و طعام. كان شو لا يفهم في المستلزمات لذلك اكتفى بتلبية طلبات الأصغر حتى و إن كان ذلك بالإكراه. على أي حال ترك موقع الآمن للتوجه نحو وكر الدب ليس خيار يحبه، بل يمقط الواقع و ما فيه كلما تذكره.
كان أياتو يمقط نفس الواقع وهو يمشي خلفها في حيرة من أمره. من هي و ما تلك الطاقة التي لم يحسس مثلها قط، و لم يفسر أي جنس تنتمي له. كانت نظرات لايتو بجانبه تبوح تقريباً بنفس الكلمات لكن ترتيب مختلف. كانت هوندا أمامهم تستمتع بالتوت (معلومة مهمة: في أرض الواقع موريتانيا دولة صحراوية خالية من الغابات، بالتالي هذا المكان متخيل) و التفاح الذي جمعه التوأم لها من الأشجار بعشوائية. كانت تستمتع أكثر بالتفاح و عقلها يزيل حادث الصباح فبات كأنه ماضي بعيد لا يستحق الذكر فيزيد ذلك من استفزاز الذكرين.
"اللعنة..." توقف أياتو في غضب. كاد لايتو التحدث لولا شعوره بطاقتهم. هوندا اكتفت بالثبات مكانها و النظر نحو مكان الطاقة قبل قضم آخر واحدة توت في العنقود بكامله. ظلت واقفة كما فعل مصاصي الدماء لكنها كانت تدرك المستقبل القريب فظلت منتظرة ظهور عساف و رجاله على الاشجار. انتبه التوأم لحضور شخصين خلفهم و حين رغب الصغير في الدفاع عن ذاته وجد يد الكبير تمنعه فنظر له بدهشة.
"أياتو!" قفز خلفهما رجلين و قاما بتقييد يداهما و القدمين، ثم أهانوا كلاهما بوضع رباط من حديد حول عنقهم ينسدل منه سلاسل حديدية وضِع في يد عساف. "يا أحمق!"
كانت هوندا تنظر أمامها بصمت تام كأنها في عالم خاص حتى قفز أمامها عساف الذي لن ينكر تعجبه لمسالمة التوأم. فتح الهاتف المتصل بالقصر و انتظر إجابة ماتيلدا حتى أبلغ
"تم الإمساك بالخاطفين سيدتي"
"أحسنت يا عساف" أجابت ماتيلدا ثم بدأت بحنان و سعادة "هوندا أنتِ بخير، عزيزتي؟"
"نعم، لم يصبني مكروه بفضل التوأم" أجابت بصوت خالي من التعابير لتؤكد للأخرى تقلب مزاجها. تنهدت الكبيرة في الهاتف ثم أمرتها بإغلاق مكبر للصوت حتى تُحدثها وحدها. رغم ذلك كان أصحاب الحواس الشديدة يستمعون للحديث حتى و إن جهلا أجزاء كثيرة من الإسبانية التي تنطقها ماتيلدا. لكنهم حتى في غضبهم من تلك القيود احترموا تقديرها لجهلهم دون البوح به حرفياً.
"هوندا، هذان الرجلان هما عبيد ولا يجب أن تتحركي معهم وحدك"
"نعم بالطبع، قوانين الأميرات" تنهدت ماتيلدا من نبرة الصغيرة التي تحافظ على الفراغ في الحروف و تُخليهم من التعابير.
"كان عليكي العودة للفندق في الموعد المحدد، و ليس التماشي معهم في مخالفة الاتجاه. أنتِ تقودينهم بصفتهم عبيد حتى في غياب عساف"
"أُدرك ذلك"
"إذن لما لم تعودي!" صرخت ماتيلدا وهي تفقد صوابها بسبب بلادة الأخرى. هذا الأسلوب الذي لا يصدر عن الصغيرة سوى وقتما تغلق أبواب عقلها عن نقطة مُحددة، و لحسن الحظ لا يحدث إلا قليلاً.
"لأسباب لن تعجبك"
"أنا من تحدد ما-" توقفت عن الحديث و أخذت نفس عميق قبل الثورة في الصغيرة. هنا أدركت هوندا بوجود بابليتو في الغرفة الذي أخذ مهمة كبح غضب الأخرى، أو بالأحرى تذكيرها بالحفاظ على هدوءها. "هوندا، إنهم ليسوا أشخاص آمنين للتحرك معهم وحدك."
"أنا أعي ما أفعل يا تيلدا" تغير صوت الصغيرة لبسمة و طمأنة "هما لن يؤذياني ثقي بذلك. لقد ابتعدنا أكثر لحماية الرجال فقد كنا نُتبع من أعداء ما."
"ماذا؟!"
"إذا أرادا أذيتي، أعطني سبب لمساعدتنا في التخلص من فخ قبل أمس. أو الأحرى لما ظللت على قيد الحياة و سليمة بلا خدش بعد يوم بطوله معهما"
"ربما لأنهم يستغلونك، ربما لأن أحدهم تعجبه سذاجتك فيستغلك ليثير شهواته" رغم تألم أي فرد عاقل من هذه الكلمات التي تحمل إهانة لذاتها، فليس هناك بشري كريم سيوافق أن يستغل و يهان. هوندا تألمت قليلاً من الواقع لكنها تعلمت تقبله مادام حقيقي، و الأهم أن القطع ترابطت فشكت برؤية ماتيلدا للقبلة و بالتالي هذا يفسر غضب الأخرى الشديد. خجلت هوندا مع تذكر لمسة أياتو لكنها أبتسمت بروية و شعور غريب يجتاحها لم تألفه لكنها لم تكرهه. قررت النطق بالإسبانية أخيراً
"لقد عَلمتكِ الحياة يا أختاه بعدم الثقة في أحد لكن... ربما أكون ساذجة لم ترى العالم بعينها بعد، و الواقع أنني لن أراه بعيني فعلياً أبدا. حتى و إن رأيته فلن تكون بنفس العينين الذهبية الخاصة بك بل بخاصتي من مكاني بتجربتي أنا، يا تيلدا. لن أواجه نفس دربك حتى و إن خضته بنفس التفاصيل فلن أخوض نفس القرارات. أنا هوندا، تعلمت بالعمى رؤية روح من أمامي و لم أرى فيهما سوى كل خير رغم إنحراف لايتو و كبرياء أياتو، إنهما شديدي النقاء حتى و إن غلفتهم الكراهية. أنا اثق بهما، و إذا ثبت الزمان خطأي و كُسرت بسببهما، سأتقبل الأمر بصدر رحب فالجروح تجعلني قوية"
"هوندا..."
"أعرف كم يؤلمك واقع أن أُجرح اليوم أو الغد أو بعد عام. لكن تيلدا، هذا ما يجعلنا بشر قادرين على التطور، ذلك الألم في الصدر إذا حُجب حُجبت الشمس معه فبات شخص خالي. هل تريدين مني فتاة خالية تَتبع و لا تُتبع أو تُخيَر؟"
"لا، لكني لا أتحمل رؤيتك تتوجعين"
"ولا أنا" أكدت هوندا بحنان على صوت أختها المتألم "إذن عديني و أعدك بالمثل، سنتعثر أو نُجرح بلا شك لكن وقت الألم ستكونين هناك من أجلي دون ندم لتعثري أو لعدم تدخلك"
"أعدك" كانت آخر كلمة في الحديث بعد صمت طويل. كان رجالها يراقبون في صدمة، كيف تكون في الخامسة عشر بكلمات كتلك و عقل كهذا. أعطت الهاتف إلى عساف و ظلت تنظر له وجهها به بسمة ما بين الحزن و الحنين و السعادة. كانت ملامحها تؤلم أياتو الذي رغب لو يضمها فتبكي، لكنه مقيد بالحديد و مقيد بكبرياءه الذي مازال يرفض الخضوع.
"أمرك يا سيدتي... نعم مفهوم" رفع نظره نحو التوأم بغيظ. أعاد نظره نحو هوندا و حاول جاهداً جعل صوته هادئ.
"أيتها الأميرة هوندا، بماذا تأمرين بشأن التوأم و خطة تحركنا الحالية"
"أين آرون؟ أنا لا أشعر به" كانت إجابة غير متوقعة. كز عساف على أسنانه و هو يعرف آثر الخبر القادم.
.
.
هدأ ألبرت أخيراً فعاد يبتسم و يتماشى مع كلمات أڤجوست.
"غرفتك جميلة" ابتسم أڤجوست و بعثر شعر الغلام ثم وقف من على السرير.
"كان ذوق أمي" أخذ البرت يتفقد كل شبر في الغرفة باهتمام و انبهار، ربما المنزل في هيئته الخارجية متهالك لكنه من الداخل شئ خاص و خلاب. حتى لمح حقيبة السفر فسأل عنها
"هل أنت راحل؟"
"نعم... اليوم." عاد أڤجوست ليضع بعض الملابس في الحقيبة "لدي مهمة في أفريقيا"
"ألست... أعني-"
"نعم أنا محبوس. لكني سأهرب من والدي في رحلة مؤقته، هذا أمر ضروري و لن يتفهمه القائد."
"ياليتني أستطيع الذهاب معك" هنا توقف أڤجوست و قد جاءته فكرة. التف و أمسك بالغلام من كتفيه و البسمة واسعة في حماس.
"بل سوف تأتي معي."
"ماذا!"
.
.
مرت الساعات و أغلب الابطال يتحركون في جمع الاغراض في الحقائب. و في الوقت المحدد، سحب كل منهم حقيبته لطريق السفر.
ماتيلدا سندت بيدها على معصم بابليتو و صعدوا في الليموزين خاصتهم وصولا إلى الطائرة التي تقلهم في رحلة مدتها ست ساعات. كانا جالسين في منتصف القُمرة بجانب بعضهم يستمتعون بهدوء الطائرة أغلبه، و فيلم يعجبهم و بعض الحوارات. ماتيلدا نامت في الطائرة بالفعل لكن أزرق العين وجد صعوبة في النوم في غير سريره المريح، و بذلك ظل الست ساعات مستيقظ و إن غفو كانت حواسه مفتوحة لكل حركة حوله فيعود ليصحى.
أڤجوست أقنع أهل الصغير في اصطحابه لرحلتهم في أفريقيا. ينص قانون المستذئبين بأن الذئب الذي يمتلك والدين بشريين جاهلين بالعوالم الثلاث، يتحتم عليه إتباع أوامر الوالدين حتى و إن عصيا أمر قائد قطيع الذئب. بذلك سافر ألبرت مع أڤجوست في طائرة تعبر شبه جزيرة كاملة. ألبرت كان طوال الطريق مذهولا بضخامة و جمال المطار، ناهيكم عن حماسه في الطائرة لرؤية السُحب و المباني تزداد صغر في الحجم مع الارتفاع أكثر. كان أڤجوست يراقب في صمت ببسمة حنونة بها شفقة على الغلام الذي حُرم من جمال العالم بسبب والديه. لكن خاطره كان مشغول بسبب قلقه من المستقبل القريب و ردة فعل والده.
في روسيا تسلل الأخوين من البيت مساءاً و حاولوا التحرك خفيه إلى السفينة التي ستأخذهم لوطنهم، لكنهم كانوا شديدي البعد بدون طاقتهم فإذا اُستخدمت كُشف أمرهم. لم يكونا المتسللين الوحاد بل كذلك كان أڤجوستين و صديقه يعدون الخطوات خوفاً من إثارة ذئب غاضب لتخطي غرباء أرضه.
_____________________________________________
السلام عليكم اتمنى أن تكونوا جميعاً في افضل حال و في رحمته...
ها هو الفصل الأحد عشر اتمنى أنه نال إعجابكم
أخبروني رأيكم في كلمات هوندا لأختها و في الأحداث
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro