27- الحريق
تمسكت بقوة بفروته البنية و كلما كانت تشعر بالإتزان نظرت خلفها للتأكد من وجود بنفسجي العين و وردي العين الذي واجهوا صعوبة في اللحاق بالمستذئب. بعدما قطعوا تقريباً نصف المسافة بالفعل بدأت تشعر بثقل الهواء بسبب النيران لا سيما أن السحابة و صوت الإستغاثة تصاعد. لكن معدتها أحتاجت إستغاثة أيضا فشدت على فرو أڤجوست بقوة و حاولت كبح ذاتها حتى تستطيع النطق. في الخلف كاناتو لم تُزال عينه عنها لوهلة لذلك نادى على المستذئب بالإنجليزية
"توقف، السيدة ليست بخير" غرز أڤجوست أظافره في الأرض فقام بالتوقف في اسرع ما تمكن. هذه الحركة زادت من يلينا سوءا فلم تستطع الحركة من على ظهره بخاصة بعدما وضعت يداها على فمها. أقترب سوبارو وقام بحملها للأرض بالقرب من شجرة و ابتعد خطوة، لحظة و الأخرى و سمع الرجال صوت تقيئها القوي و الذي صاحبه تأوهات من الألم. سوبارو رفع من شعرها حتى لا يلتقط أي شى و انتظر ريثما تُفرغ معدتها. لم يستطع أڤجوست النظر نحوها لكنه تسائل في ذاته عن سبب هذا القئ، فهي بالفعل صعدت على ظهره مرة قبل. لكنه برر الأمر بأنه مر زمن بعيد على هذا الأمر لذا ربما حالتها الفيزيائية تغيرت.
"أعتذر" قالت بصوت مبحوح والخشونة في حلقها ظاهرة. تمنى الرجال لو يمتلكون مياه في يدهم الآن حتى يخففوا عنها. أقترب منها كاناتو بمنديله القطني الخاص فأخذته ببسمه و تحت عينها ظهرت هالة خافتة. لسبب ما كانت نظرة سوبارو الأشد قلقاً و هو يحاول متابعة كل تصرف لها، لم يبرح من جانبها إنش حتى يُنجدها إذا وقعت. رفعت بصرها له و ابتسمت برفق بعدما جففت فمها بعد عرقها. "دعونا نتحرك"
"دعيني احملك" قال سوبارو بقوة فيها نوع من الأمر جعلت أڤجوست يندهش من جرأته. أين هي لهجة الإحترام عند هؤلاء السته، ليس من الغريب كره العديد لهم. نظرت له للحظات تحاول فهم ما يدور في عقله ثم أومات و انتظرت حتى يحملها كالعروس
"هيا أڤجوست قُد الطريق. أنا أشد إعتيادا لهذا التنقل من ركوب ظهرك" أومأ لها و قاد الطريق بينما أذنه تلتقط كل مرة ينتقل فيها سوبارو. إن وردي العين ينتظر إبتعاد أڤجوست مسافة حتى يحدد مكانه و ينتقل له.
.
.
أعطى لها الإشارة و بدأت ماتيلدا تتحرك بهم للأمام على الأقدام. لم يعرف أي منهم أنهم يتحركون نحو المعركة و ليس للإنقاذ، فلا أحد منهم أستشعر العيون التي تراقبهم، ولم يشك أحد في الغربان التي تجمعت على أغصان الغابة ظنا منهم أنها تجمعت لجثث المستذئبين لكنها فقط أضلت الطريق.
في الطائرة قلبه ملهوف للوصول لها وظهر ذلك على هزته المتكررة لقدمه ورفضه للطعام أو النوم أو حتى المياه. إنه في حداد حتى يصل لنصف روحه الآخر البعيد عنه. كان خائف عليها و منها في آن واحد، لكنه سوف يظهر حتى لو خسرها للابد.
في القصر الرئيسي لملك السحرة خرج من غرفته بزيه الحربي البسيط المصنوع من معدن خاص شديد النُدرة أخف من الحديد لكن أقوى منه. لقد أختار أحد أكثر الألوان مُفرحة و كان لون زوجته المفضل، وهو الفسدقي. رغم أن سُترة الحماية تغطي منطقته الخاصة كشفت عن جانبي خصره و بذلك أظهرت القميص الفسدقي تحتها. ببنطال أسود و حذاء طويل لون ورق الشجر. ترك الخدم يضعون له كاب الملك الخاص بالحرب، فهو يمتلك عدد منهم لكل مناسبة واحد. خرج من الباب و نظر لرايان المُنتظر عند الباب بزي حربي آخر أكثر غُربة من المتوقع مما دفعه للإبتسام له و خرج الأمر بضحكة سريعة كأنه لا يستعد لحرب
"وما حدث لمبدأ لا ارتدي الأسود كاملاً، فنحن لسنا في حداد" ضحك رايان هو الآخر وهو يمسك بطرف السُترة السوداء التي يرتديها و بها خطوط رمادية و حزام من الفضة عند خصره بينما عند صدره نزل رمز السحرة بالفضة فناسب الأكتاف العريضة التي رسمتها السُترة. البنطال أسود ضيق مع حذاء يقترب من ركبته أسود و قمته رمادية. بأسفله هناك سُترة فضية مطلية بالأسود و حتى لا تؤذي الجلد يرتدي تحتها تيشرت يلتصق بالجسد رمادي.
"تحتوي على اللون الرمادي. إذن ليس اسود خالص" ضحك الملك ببساطة على الشاب. نظر حوله و قرر إستغلال عدم وجود أحد لأخذ حريته في الضحك و سحب رايان عنوة في عناق دافئ رجولي به تشجيع من نوع خاص.
"لا تتوقف عن ذكاءك ذاك"
"سيدي..." كشر الملك قليلاً و ضرب الصغير هزيل الجسد بخفه على ظهره بصوت به نغمة عتاب خفيفة على القلب متعاطفة. فأدرك الآخر مبتغاها و وجد نفسه يبتسم برقة وهو يستنشق رحيق العطر الخاص بالملك. "عمي..."
"حمد للرب أنه رزقني بشاب مثلك" أبعده بهدوء حين شعر بقدوم أحدهم. ابتعد رايان من فوره محترم الرسمية التي بينهما و حين ظهر رئيس الحرس الملكي أعلن عن الاستعداد للحركة. بدأ الملك يتحرك مع رحيل الرجل الآخر و لم ينتبه لبعد رايان حتى ناداه و في صوته نوع من التردد لم يسمعه قبل في نبرة هذا الشاب.
"مولاي..." ألتفت له و بذلك تحرك خلفه الكاب الكحلي من الخارج و له لون أزرق فاتر من الداخل لكنه كان مختلف الطرف حتى و إن لم يصل إلى الأرض بسبب الفرو الابيض الصناعي الذي أُلصق به. "لماذا فعلتَ ذلك؟"
"لأنكَ لم تعترض وقتها" أجاب الملك بهدوء وهو ينظر في العين الخضراء التي كانت تائهة قليلاً. "أمارليك لن يصبر على الحكم لزوجته و أعماله الخاصة، لكنه سيكون يد عون عظيمة للمملكة دوماً. وهذه الأرض لا تحتاج من يكون عون بل هي تحتاج من يكون قائد"
.
.
وصل أڤجوست عند الحريق و خلفه ظهر سوبارو لينزل يلينا و بجانبه كاناتو. نظرت يلينا للمشهد و أدمعت عينها لشناعته. كأن سماع صراخهم ليس كافي، تكدست القبيلة على طرفي الزجاج أحدهم يحترق و يصرخ لأصحابهم بالإستغاثة في آخر أنفاسهم، والطرف الآخر يأس من فك هذا السحر و لم يجدوا من حل سوى مشاهدة أقاربهم تاكلهم النيران بينما يصرخون في ألم و الدموع غزيرة فملئت الأرض ببحيرات منها. رجال كانوا أم نساء لم يكف الخارجون من النواح بحسرة على ضعفهم.
ركضت يلينا بين هؤلاء الجرحى و اقتربت من الزجاج لتلفت نظر الجميع لها و الوميض الذي كونته بيدها. كان وميض وردي كلون شعرها و جعل من يدها تتوهج و بدأ يتغلغل إلى الزجاج بأكمله فتظهر ملامحه. كالعروق رسمت طاقتها الوردية طريقها لأطراف الزجاج التي كانت ممتدة و تأخذ شكل مكعب. لحظة و الأخرى حتى ابعدت يدها ثم دفعتها مرة أخرى فانهار الزجاج أمامها ولم يزدد معدل ضربات قلبها دقة. لكنها نظرت للنيران و من بدأوا يهرعوا لبيوتهم فصرخت
"احترسوا!" دخل أحد المستذبين لبيت من المحترقين بكونه الأقرب، لكنه خرج في لحظتها و النيران في كل جسده. بل الأسوء أن النيران بدأت تتفشى في الأرض كالجذور بسرعة غريبة و تبتلع كل شىء حولها من بينهم الضحايا الذين لاقوا المهرب أخيرا فوقعوا فيها ثانية.
"أجلبوا مياه!" صرخت كاترينا و هي تحاول بأقصى ما تملك ألا تضعف و تتصرف كقائد حكيم حتى بمعرفتها التامة بإحتضار أهلها بالداخل.
"لن تُفيد" ردت عليها يلينا و هي تبتعد للخلف ثانية متلاشية النيران "نيران السحر السوداء لا توقفها مياه بل سحر مماثل"
"من هي؟" سأل أحد الرجال فتقدم أڤجوست إلى جانب يلينا و عاد لهيئته البشرية وهو مازال يلهث من طول المسافة
"زوجة الأمير أمارليك، ثقوا بها" نظر لها ثانية و ظهر بجانبها مصاصي الدماء مما أثار إنزعاج شعب هذه الأرض إلا أنهم لم يجدوا القدرة على الإعتراض عن من أنقذتهم نسبيا الآن. والساحر الوحيد المتوفر حاليا.
"إنها نيران أميرلاند... أنا متأكد" قال كاناتو بهدوء تام و بطأه المعتاد في الكلمات. أومأت يلينا و هي تنظر لضخامة النيران. ليس هناك طريقة سليمة لإطفاءها بلا وضع كل من بالداخل بخطر و الصرخات تؤكد وجود البعض احياء. كل ثانية فارقة وهي تُدرك هذا لكنها لا تعرف كيف تتصرف. لم تجد حل سوى المجازفة. أقلها سوف تنقذ الجثث قبل تحولهم لرماد، وتمنع النيران من التقدم. نظرت إلى أڤجوست و أمرت بسرعة
"أجعل الجميع يتراجع ثلاثة أمتار على الأقل من النيران" أبتلعت ريقها و القلق على محياها ظاهر "لا أعدك بإنقاذ من بالداخل، لكن سنوقف النيران"
"حسنا" نظر لأخوه الكبير و أومأ كلاهما بينما تقدم الكبير و رفع صوته لأعلى ما استطاع
"جميعا... عودوا للخلف قدر المستطاع. يلينا ستبذل ما في وسعها" تردد البعض حتى زاد أڤجوستين من قوة لهجته "ألا تعرفون أن الثانية بفارق!"
"اسمعوا له" أمرت سيلڤانا بعدما جمعت نبرة لا تخذلها أمام شعبها. نظر أڤجوستين ليلينا كأنه يخبرها بأنه يترك كل شىء عليها الآن. ركض التوأم للخلف حتى ينضموا للجميع و قد تأكد أڤجوستين من أن يكون قريب من سيلڤانا حتى يكون عون لها على إجتياز الصدمة القادمة التي يأمل ألا تحدث. ابتعد سوبارو على أحد الأغصان هو الآخر.
بدأ يخرج من الأرض مكعب وردي يكفي لوقوف كاناتو و يلينا عليه بأريحية و بمجرد ما بدأ يرتفع عن الأرض جلست يلينا عليه حتى تتحكم فيه وصولا إلى خمسة أمتار من الإرتفاع. بدأ شعرها يتطاير و طاقة تحوم حولها بينما تنطق بكلمات ما. كاناتو بجانبها مُنتظر إشارتها حتى يرفع يده بحيلته. ثواني و بدأ يشعر بطاقتها تتغير إلى شى أكثر تشكلا في بلورة منيرة صافية اللون فتعكس ما حولها. هذه إشارته!
رفع يده و بكل هدوء بلا تحريك ساكن من ملامحه أشعل نيرانه البنفسجية في الأرض حتى أصبحت تحيط بالسوداء من كل جانب كالحائط الذي يمنعها من العبور. تراجع البعض في دهشة من سرعة انتشارها، لكن أكثر مشهد مرعب كان مشاهدة كيف كانت النيران في صراع بالداخل. السوداء ترتفع و ترتفع حتى تقفز فوقها البنفسجية لتخمدها، لقد كانت صراع بين النار على الأرض.
بدأت يلينا تقف ببطء و يدها اليمنى بها كرة صافية بينما اليسرى رفعتها للأمام و في لحظة تكون حاجز جديد وردي أحاط بالنيران السوداء و بمجرد إكتماله أدخلت الكرة بداخل هذا الغلاف و انتظرت تعكر لون هذه الكرة فأخرجتها لتمسكها بيدها لكنها تشهق منها فيقوم كاناتو بلمسها فتشتعل نيرانه فيها لكن الفارق أن لهيب نيرانه كان كالنسيم البارد على يد يلينا. أعادوا الكره خمس مرات و في كل مرة انخفضت النيران السوداء حتى اختفت تقريبا في الأخيرة. بمجرد الوصول لهذا الهدوء. فتحت يلينا جزء من الحاجز يكفي إدخال يد كاناتو الذي أشعل بالداخل نيرانه لتأكل ما تبقى من السود. بذلك توقف الحريق. وأزالت يلينا الحاجز.
.
.
رأت ماتيلدا بكونها متقدمة الجميع أن النيران انطفأت بالفعل لسبب مجهول. توقفت في لحظتها و فكرت للحظات عن السبب المحتمل لتوقف الصراخ و النيران في آن واحد. ظلت هكذا لدقائق وهي تماطل شعور الإرتياح الذي اجتازها و تحاول إيجاد مُبرر لهذا الصمت، لكن و بفشلها لم تجد مهرب من إعادة التحرك حتى تروي فضولها، كما أنها سرعان ما تذكرت حاجة المستذئبين لممرضات المتوقعة.
كانت مايا تتحرك بالعشرون فرد في الاتجاه المواجه لهم حين شعرت بحركة غريبة في الأرض أمامهم. كادت تجزم أنها سمعت همس غريب بين الأشجار، و الهواء يتقلب بشكل غير مبرر. يبدو أن هذه الحركة لم تلفت نظرها هي فقط، حيث أن رجالها بدأوا يهمسون و ينحني بعضهم في استعداد مع تقدمه، هذه التنبيهات أكدت لها بوجود هجوم متوقع لذلك زادت من حواسها قوة و أكملت طريقها في ثبات لكن بخطوات أكثر حرصا.
بالعودة إلى يلينا. كان سوبارو وبجانبه كاناتو ينتقلون بها بين البيوت بالتتابع. بطبيعة جنسهم، لديهم رادار مؤشرات حيوية يلتقط كل من حولهم و نسبة الحياة المتبقية فيه. هذا كان أضخم عامل مساعد في إنجاز مهمة الإنقاذ، إذا كان ببيت علامة لوجود حياة به نقلها سوبارو من فوره لها و قامت يلينا بخلق كره صغيرة بها أكسچين و أدخلتها في رقة المريض بالسحر ثم تلت بعض الكلمات قبل لمس صدره فتحاوط فقاعة وردية جسده تشفيه. لم تهتم يلينا لكم الطاقة التي تهدرها في وقت واحد، بل اهتمت بعدد من تنجدهم ولو لدقائق زائدة. بين كل بيت و بيت كان على الأقل سبعة أمتار مما جعل نقل سوبارو لها أسرع و أسهل.
كان بعض المستذئبين يحتضنوا أجساد أحبتهم و يصرخون في وجع لهذا الفراق، والبعض الآخر جالس بجثث في يده ينتظر قدوم يلينا لبيته أو مرورها بعده فتجيب سؤالهم بلا النطق
'نعم، هم موتى' فيتصاعد بكاءهم على الراحلين. لسبب ما أغلب سكان الحريق كانوا فاقدين للتنفس، بينما الباقي كان يتنفس فعلا و استطاع التفاعل مع أهله فور دخولهم حتى بالجروح و الحروق التي على جسده. بالطبع تحرك من له في الطب من رجال القبيلة لكن لا أحد ضاهى سرعة و بديهة يلينا. وصلت يلينا أخيرا لبيت القائد الذي كان في منتصف طريقهم العشوائي، وقف سوبارو للحظة يتفقد المكان بعينه قبل إشارة كاناتو على جثتين من الحرس. ركضت لهم يلينا و قامت بوظيفتها، بينما ظل الأخوين يتفقدون ببصرهم في باقي الجثث. رفع سوبارو نظره إلى يلينا و هز رأسه بالنفي ثم اتجه لها كاناتو ليحملها للبيت اللاحق، بينما نظر سوبارو لأڤجوستين بحزن و للعجوز الذي في يد الفتاة المجاورة له.
"لا لا... عُد... عُودي... عُودوا!" نادت كاترينا عليهم بضعف وهي ترفع يدها على أمل أن تصل لهم. لكنهم كانوا بعيدين بالفعل، كانوا في البيت التالي بالفعل. نظر الطبيب الذي كان متواجد لهم و هز رأسه بالنفي مؤكد لرحيل هؤلاء الثلاثة. إذا كنت متواجد بينهم لما أحتملت النظر للمشهد، كان قلبك لينفطر من النظرة الأولى. سيلڤانا تضع رأس والدها على فخذيها كما كان يقوم بهذه الحركة كلما سنحت له الفرصة، و كانت هذه فرصتها الأخيرة لتتخذ من هذه الحركة ذكرى تتحسر عليها باقي عمرها. على يمينها نايت يمسك بيد والدته في رعشة تزايدت مع خبر الطبيب حتى تهاوى رأسه على صدرها على أمل بإعادة إحياء ذكرى حضنها الدافئ دائم التواجد. كاترينا تضع على قدمها أخوهم الأصغر و تضمه لصدرها بينما تحاول إدراك ما قيل و التعايش مع واقع أن ضحكته الأخيرة على عشاء أمس كانت الأخيرة فعلاً.
انتظر قليلاً... قليلاً بعد... لحظات أخرى ثم... كان نايت أول المنهارين بصرخة قوية موجهة للسماء جعلت كل من لم يخسر حبيب ينظر له. جعلت أڤجوست و أڤجوستين يتألمون لرؤية رجل يبكي بحرقة و يضع يد على قلبه ليضغط عليه بقوة فكاد يخدشه ثم يُخرج صرخة غضب و حسرة و شجن أخرى أكثر ضعفا من التي قبلها. نظر لوجه أمه و سحب يدها ليقبلها و هو يبكي بلا أي إهتمام لمكانته أو عمره، بل يبكي كطفل أُخذت منه لعبته. يرتعش و يقترب من صدر والدته حتى يضع وجهه عليه و يبكي فيه بحرقة.
كاترينا بدأت تبكي ببطء و مع الوقت أرتفع صوتها لكنها لم تكن بقوة أخوها. كانت تضم الصغير و كأنها إذا افلتته سوف يتلاشى في الهواء، كانت تُمسكه و عين تقع على والدها كل لحظة و هي تبكي بقوة غير مكترثة لشعرها الذي لمس الأرض بالفعل أو للبرد الطفيف الذي حام في الهواء. لم يفطر قلبها أكثر من ذلك الذي لم يرى العالم بعد فمات بضيق تنفس، حتى أن الدموع مازالت على وجهه. فقد ظرف آخر نفس له في يدها فور وصولهم.
سيلڤانا كانت الوحيدة التي لم تبكي بنواح بل أكتفت بإحمرار عينها و وجهها و هبوط بعض الدموع الصامتة على خدها. تمرر يدها على وجه أبوها الطاهر و يدها الأخرى تداعب شعره كأنه مازال حي، و مع كُل خِصلة شعر تُعاد لها ذكريات منه فتجعلها تدمع أكثر لكنها لا تجرؤ على إصدار صوت سوى شهقات خافته. هي لم تجد لذاتها حق البكاء دام هناك من في وضع اسوء منها، حتى في حالتها تلك لم تستطع عدم النظر إلى نايت بطرف عينها مع صرخته و تشعر بقلبها يُنتزع من مكانه فتقوم الصرخة الأخرى بضربه بخنجر امام عينها. اليوم خسرت والديها و أصغر فردين في الأسرة، لقد خسرت أقرب صديقة لها 'يوانا' و عمودها الفقري 'ابوها'، لكنها لم تجرؤ على البوح بما تشعر به و نايت قد خسر فوق كل هؤلاء حبه الاول و الأهم، فكيف تجرؤ على النواح و هو يتالم مؤكد أكثر منها. لا شك حتى أنه يلوم ذاته على كل هذا. كانت ردة فعلها الوحيدة هي رفع يدها بعد فترة و وضعها على كتف أخيها حتى تربط عليه كيد أڤجوستين على كتفها.
بالقرب منهم توقفت يلينا عن الحركة تماما و بدأت تنظر حولها مما لفت نظر الأخوين.
"يوانا؟" سأل كاناتو ليجدها ترفع يدها فتصمته. وقفت ببطء و ثبات عن الجثة التي أمامها و نظرت للسماء فلاحظت الغيوم التي فيها. هذه ليست غيوم بل هذا سحر خادع، إنه يغطي كل الروائح و كل الطاقات. نظرت حولها للأهالي التي تنوح و الجثث و عقلها لا يهدأ لحظة حتى أنها أغمضت عينها و ضبطت حواسها على أعلى نقطة لمدة ثواني. في لحظة رفع سوبارو نظره إلى إحدى الفروع التي ظهر عليها بشري بسهم. مع هذه اللمحة تكون فوقهم و حولهم حاجز وردي متين لفت نظر الحضور. إذا كانت يلينا لتتأخر ثانية لتكلف حياة بعض المستذئبين، فقد هطل عليهم سرب من الأسهم التي أخذت ترطم بالحاجز و تقع بعد الفشل في عبوره. يد يلينا للأعلى و هي تبقي حاجزها على أقوى ما فيه بيننا تراقب تكدس سحرة على الشجر و ظهور قطيع اليوكوري بأحجامهم السوداء من الجانب الشمالي
"اللعنة... لقد كان فخ!" نطق أڤجوستين في غضب و هو يكون على أسنانه. لولا يلينا لكانوا موتى الآن لا محالة. هذا كان سبب كافي حتى يرفع الإخوة الثلاثة نظرهم عن الجثث التي في يدهم في ضعف و بروية تبدأ سيلڤانا بإدراك الموقف بينما كان أڤجوست يلف حوله ببطء شديد في محاولة فاشلة لإحصاء عدد الأعداء من مصاصي الدماء و المستذئبين، و وجود مصاصي الدماء جعله يتساءل عن علاقتهم بالأمر. نظرت يلينا خلفها و هي تشعر بقدوم أهلها و ماتيلدا تتقدمهم. أعادت تركيزها على الأعداء في محاولة استكشاف الساحر الذي بينهم. مع هذه السحابة كان صعب إيجاده
"يلينا" أعطت يلينا انتباهها إلى سوبارو الذي نزل بجانبها على ركبته بينما يشير إلى الأعلى "طيور إيلين تحمل سحرها. ولا شى يقتلهم سوى النيران"
مع جملته بدأ صرخات غربان تطغى على الأجواء و بدأ سرب كامل منهم يهبط على الحاجز و ينقرون فيه بقوة حتى جعل - لكبر حجم المساحة التي يغطيها - ثقوب تحدث في أماكن عدة. ضغطت يلينا أكثر على سحرها حتى تدعم الحاجز و تعيد تكوين الجروح به.
"لا أملك تعاويذ نيران" قالت بتهرول و قد خرجت كفكرة أكثر منها جملة إخبارية. نظرت إلى القبيلة التي أمامها و البيوت كذلك. إنها تحتاج الدعم، و النيران ليست من خصائصها. أخذت لحظات تفكير ثم نظرت إلى سوبارو و أبتسمت بطلب "أذهب أنت و كاناتو إلى ماتيلدا و أطلبوا الدعم"
"أمرك"
"أڤجوست!" ركض لها من فوره و هو يعرف أن حمايتها تقع على عاتقه حتى يعود زوجها. وقف أڤجوست على بعد متر منها و لم تجعله يقترب لأنها بدأت تتحدث حين أصبح في نطاق السمع الطبيعي. "أيمكنك صيد هذه الطيور ريثما يعبر الأخوين من الحاجز؟"
"ربما" نظر لتوأمه "لا أظن أن عدد كبير سوف يعبر، على أي حال الأفضلية لنا بداخل الحاجز"
"حسنا إذن... استعدوا للخروج" نظرات أڤجوست لأڤجوستين فهمها بكل وضوح، لذلك ترك سيلڤانا بعدما ربط على كتفها بخفه مرتين ثم وقف و اتجه إلى جانب أڤجوست و نظر إلى يلينا ببسمة تنطق بالثقة و التأكيد على عدم تحمل الهموم. النصر لهم...
.
.
توقف أمارليك عن الحركة و هو يشعر بإقتراب ماتيلدا من صفوفه. لن ينكر كم انزعج لهذا التصرف بعدما تعهدها على الصفوف الأولى، لكنه حاول عدم إبراز ذلك و أمر الجميع بالتريث. اندهش حين وجد كاناتو هو من ينقلها بين الأشجار وصولا إلى الفراغ الذي أمامه. مع رؤية كاناتو وقع قلبه بين يداه ذعؤا على زوجته و قد أدرك أنها في خطر.
"أبعد يدك عني يا أنت!" دفعت كاناتو بقوة و قد اختل توازنه فعلاً و عاد للخلف خطوة أو اثنين و نظر لها بغضب و إحتقار بينما تدخل أمارليك
"ماذا هناك؟"
"القبيلة في مأزق بسبب هجوم العدو من مصاصي الدماء و اليوكوري عليهم كما يوجد غربان إيلين من صواع الملك."
"و لماذا لم تتدخلي يا ماتيلدا إذن؟" سألها بإندفاع و هو لا يجد سبب وجيه لعدم الصراخ فيها. لكنه ظل متمسك بهدوءه حتى مع نظراته القوية التي جعلت من ماتيلدا تتراجع في ذاتها لكنها سرعان ما لما شتات نفسها و ردت عليه بغضب
"لأنه و بالصدفة البحته أفضل مستخدمي النيران يقبع هنا خلفك تماماً!" قالت وهي تضغط على كل حرف تعبيرا عن غضبها و لم تكترث لإرتفاع نبرتها. أشارت في الاخير إلى عساف خلف الأمير و بمجرد النظر له أدرك أمارليك أنه ربما تسرع و تصرف ببطش تارك مشاعره تأخذ جانب منه.
"كم من الوقت نملك؟" سأل كاناتو بهدوء.
"مدام يلينا وضعت حاجز حول القبيلة... لذا هذا يعتمد على صمودها" أبتلع أمارليك ريقه و أدرك سبب وقوع قلبه من مكانه و شعر بخوف يداهمه جعله يهرول إلى التصرف و يرغب في الوجود بجانبها، و رغم أنه حذرها من التحرك لم يشعر يإنزعاج أنها تركت القصر و ما كان ليغضب عليها لانه في قرارة ذاته كان يعرف انها في أول فرصة ستتحرك لكنه فقط... لكنه فقط خشى عليها من هول المعركة التي تنتظرهم.
"ماتيلدا استَبدِلُ معكِ الفرق" نظر خلفه إلى عساف و ناداه قبل إلقاء باقي جملته على كاناتو "عساف سوف تتحرك معه للصفوف الأمامية. كاناتو خُذ عساف إلى الحاجز و سأسرع بجيشي لكم"
_____________________________________________
السلام عليكم و مساء الخير.
ها هو الفصل و حاولت عدم التأخر لكنه أخذ وقت... خذوا نفس عميق الاكشن يرتفع تدريجيا.
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro