25- المستذئبين
أي كان مكانهم أذنهم ألتقطت هذا العواء لتقع قلوبهم في أيديهم. كاترينا رفعت نظرها نحو السماء وهي تتعرف على عواء الاستغاثة، لكنها كانت في هيئتها البشرية فلم تُفسر - ولحسن حظها - صاحبه. ليس ببعيد لم يتحرك عن كرسيه إنش واحد لكن قلبه تحرك أميال في خوف على صاحب الصوت، بعد هذا العمر هيهات جهل عواء أولاده و عواء باقي أفراد القطيع. بجانبه زوجته نظرت له في أمل والقليل من الخوف يتخلل خلاياها وعلى عكسه أظهرته في التجاعيد البسيطة التي فوق عينها. سيلڤانا لم تجد أي فرصة سوى الذعر الكامل. نظرت نحو أحد الأتباع وكان أكبر منها سنا و خبرة تعود له أحيانا في النصائح. هز رأسه بالنفي بينما زفر بلغتهم السرية
"سننتظر القائد" لم تمر سوى ثواني و خرج أڤجوستين من كوخه عاري الصدر ونادى عليها بنبرة مطمئنة وهادئة
"سيلڤانا" لم تنظر له لكن أذنها ألتقطت صوته بحركة خفيفة ثم عادت تلتقط عواء الاستغاثة "دعيني أتحرك معكم، سوف اكون عون"
أقترب أكثر لها بحركة ثابتة الخطوات حتى في سرعتها. هذه الحركة جعلت أحد المستذئبين يقف أمامه بزمجرة ليقطع عليه الطريق و يجبره على التوقف عن الحركة.
"شؤنك تهمني" زمجر الذئب مع محاولة أڤجوستين في التقدم خطوة أخرى. نظر لها وانتظر منها التحرك كما انتظر أڤجوست من النافذة. توقف العواء مما أعطاها فرصة للإنتباه له، أخذت نفس عميق وهي تفكر في قرارة نفسها عن ما تعطيه أمر الخروج معهم ام. الواقع المرير أنها لن تتحرك إلا بإذن والدها جعلها لا تعرف بما تجيبه و كيف، لذلك حتى فرحتها بأنه أعتذر بشكل غير مباشر لم تتهنى بها.
جاءت حركة في الغابة و تأهب أڤجوستين على عكس الباقيين الذين تعرفوا على رائحة أحد رُسل القبيلة، هؤلاء المستذئبين أصحاب الأقدام القوية التي تسابق بهم الريح فتحمل الأنباء في كل أنحاء القبيلة وأتباعهم بلا أي تأخير.
"القائد يأمركِ بالتحرك نحو نايت" نظر خلفهم نحو أڤجوستين و أكمل "كما يأمرك باصطحاب توأم الكوردوقو معكِ بعد تولية أحد المولتوف قائد على الحرس هنا"
"نعم" في أوضاع أخرى لاعترضت، لكنها كباقي الأفراد تعلموا الإنصات و جعل الاعتراض قليلا إذا لم يوجه مباشرة لوالدها أو كاترينا. التفت بنظرها نحو أڤجوستين و بنظرة أستوعب ما ترغب فيه و ألقت بنظرة أخرى نحو أڤجوست الذي خلع ملابسه وخرج ليقفز من النافذة ويهبط على الأربعة بفروه الكثيف الذهبي. نظرت سيلفانا خلفها لتندهش بمظهر كلا الرجلين بجانبها، إنهما توأم حتى في ألوان الذئب. كون رأس أفجوستين سوداء وينتهي الذيل بالذهبي بينما ذيل الأصغر أسود و رأسه ذهبي خالص جعلك تنظر لكلا الجسدين في اندهاش من الاختلاف شديد التقارب بهما الذي يجعلك تتسائل. تقدمتهم سيلفانا في مسابقة سريعة واكباها حتى بثقل أبدانهم الى حيث جاء العواء.
.
.
توقفت عن الكلام تماما مما لفت انتباه الحاضرين الأربعة. وقفت و تحركت بروية نحو الأمام في ضلال تام تعرف عليه الجميع بأنها رؤية أخرى من الكثيرين الذين مروا عليها قبل. لكن ما ضايقهم ليس تحركاتها البطيئة وأسلوبها في النظر لأسفل قدمها وحولها بضياع تام، بل ما أثار قلقهم هو كيفيه تحولت تعابير وجهها المكسورة التي تتعمق إلى نوبة من الهلع و القهر ثم نظرت خلفها بشهقة، حيث كان على أرض الواقع باب الغرفة الرئيسي. كان المشهد مؤثر بطريقة جعلت كل مشاعرها تذوب إلى بسمه حزن وشفقة قبل هروب بعض الدموع من عينها.
طرق كاناتو الباب قبل الدخول بإبريق المياه التي بها عسل أو الليمون و بجانبه أياتو يحمل هاتف هوندا الجوال ومعهم خادمة تساعد بحمل الأكواب، وقفوا عند الباب ونظروا لها. هذه أول مرة يراها أياتو بعين ذهبية خالصة تلمع بقوة فلا يمكنك رؤية من بريقها الحدقة. نظرتها له جعلته يتسمر مكانه وهو يشعر لسبب ما أنها لا تبشر للخير لكنه صمت وانتظر. لحظات و عادت لرشدها و حاولت الابتسام حتى بوضوح معالم الحزن
"هوندا... ماذا رأيتي؟"لم تنطق لكنها ظلت تنظر نحو الباب طويلا تحديدا أياتو. اندفعت ماتيلدا واقفة في خوف وعدم رضا لتجاهل الصغرى لها. وضعت يداها على كتفيها وحدقت في عينها بإلحاح. "هوندا، ماذا حدث؟"
"لا شئ... فقط رؤية جديدة"
"أعرف!" جاء رد ماتيلدا عنيف قليلا والصبر ينفذ منها لصمت أختها. "ماذا كان في الرؤية؟"
"رويدك يا ماتيلدا" وقف أمارليك بهدوء وهو يمسك من جانبه كوب المياه و اقترب من الصغيرة ليمده بابتسامة "دعكِ مما رأت، لا يبدو أنها ترغب في حكايته"
"كيف لا تفعل؟!"
"هي تفعل ما تشاء" جاء صوت أياتو من الخلف بقوة على إلحاح ماتيلدا مما دفعها للنظر له بغيظ
"وما شأنك يا أنت!"
"أياتو معه حق" نظرت لأخيها بدهشة وهي تستنكر وقوفه في صف العدو "هي ما ترى، إذن هي من تقرر ما يمكن البوح به وما يُفضل كتمانه لفترة أطول. أنا أثق في قدرتها للتفرقة بينهم الآن فهي فتاتي الصغيرة قبل كل شئ"
"سيد أمارليك" التف ليجد سوبارو واقف بزي الحرس الخاص به "أحد رُسل قبيلة المولتوڤ هنا"
"مايا" وقفت في الحال و نظرت له بإيماءة رأس بسيطة. طرق صوت كعبها في الأرض وصولاً إلى باب البيت حيث تعيش مع رئيس عملها
"مرحباً بك..." أطلعها الرسول على آخر الأخبار من الهجوم المتوقع و قد ربطت الأحداث بالمكالمة التي وردت لها من أورور ثم ودعته وانتظرت رحيله من بين الأسوار. إنها تعيش في أرض هذه القبيلة و احتراما لهم كان على أمارليك أحياناً اتباع أوامرهم. عادت للقاعة لتجد هوندا قد صعدت للنوم وماتيلدا تتعارك مع أمارليك
"علينا التجهز لهجوم محتمل" قالت لتقطع شجارهم
.
.
غرزت أظافرها في الأرض بقوة حتى تتوقف قبل الارتطام بالزجاج الذي كان يفصل بينهم وبين الجانب الآخر من الغابة. إنه زجاج شفاف كالغلاف شديد الرقة فلا تراه عن بعد، هذا فعل سحرة. لم تدرك ما يحدث حتى هبط أفجوستين على الأرض أمامها بقوة ليوقع بمستذئب آخر خرج فجأة من الغلاف. كان المستذئب العدو هدفه هو الهجوم على سيلفانا لكن بفضل سرعة تدخل أفجوستين أطاح به أرضا و سمح للفتاة بالتراجع خطوة.
وقف المستذئب الأسود بشموخ كما فعل أفجوستين دفاعا عن سيلفانا بوضعها خلف ظهره، كلاهما كشر عن أنيابه و أخذت أصوات التحذير تعلو في غضب. جاء عواء من خلف الغلاف و بدأ يتلاشى ليفرج عن المشهد المؤلم بالنسبة لسيلفانا. تحركت للأمام بعدما تراجع الذئب العدو إلى باقي أصحابه. هناك وقف نايت بالقرب من يوانا التي مازال هناك ذئب يُخضعها أرضًا. حاول نايت التحرك للأمام حيث أخته و الذئبين عدى أن أخ عروسه وقف أمامه ليمنع الطريق و زمجر بقوة
"سيد يوكوري، هل يمكنك شرح ما يحدث؟" سألت سيلفانا وهي تحاول التعامل بكل الديبلوماسية الممكنة فترث عن أبوها فطنته في هذا المجال. ظهر والد العروس وملامحه متضاربة ما بين الحزن وبين الثأر، بحركته أفرج عن جثة أبنته العروس مما جعل سيلفانا تشهق في فزع لكنها لم تجرؤ على التراجع خطوة للخلف. إنها تُدرك أن تراجعها لن يكون سوى ضعف لموقفها، لكن الأهم هو نايت الذي بعدما أدركت الموقف نظرت له و استطاعت تفسير نظرته بشكل آخر من ضيق لأنه يحتاج دعم لخسارة فتاة أحبها بالرغم من أنه زواج قبائل مُخطط، فلاقى غضب و رغبة في قتله.
"أنا من يحتاج شرح" أقترب بجسده القوي لكنه لم يتخطى باقي أفراد قبيلته فلم يبتعد عن جثة أبنته كثيرا "لقد قُتلت أبنتي في أرضكم و تتجرأون على طلب تفسير"
"سيد يوكوري، أنت مُخضرم في السياسات أكثر مني، هل كُنت لتقبل أن يعتدى أحدهم على أولادك في أرضك؟" أقترب الرجل أكثر ثم قال بكل غضب
"ما كنت لأسمح بمقتل أحدهم في أرضي من الأصل!" نظر نحو الذئب الذي يعتلي يوانا الضعيفة التي حاولت مُصرة الحفاظ على وقارها وألا تبكي. ماذا جاء بها هنا؟ لماذا كان عليها الإلحاح على أبوها لجعل نايت يأخذها معه؟
أقترب الذئب بفكيه من رقبتها و عض عليه بقوة جعلتها تصرخ في ألم مما دفع نايت لمحاولة التحرك لكن أحد أعضاء القبيلة ضربه برأسه بقوة فأوقع به أرضاً، لقد تم هزيمته بالفعل في البداية و تكبد بعض الجروح التي جعلته ضعيف. أما سيلڤانا فرفعت إحدى حوافرها و كادت تخطو للأمام لكنها تراجعت من فورها بعدما أدركت واقع أنها حتى لو تدخلت ستُهزم شر هزيمة. هذا الألم دفع بيوانا للعودة لهيئتها البشرية و هناك جرح عند ظهرها.
"سوف تكون رهينتنا و معكم ساعة لإيجاد القاتل. إن فشلتم سوف نقتلها ليتم العدل"
"أنت هكذا تُعلن الحرب يا سيد يوكوري" تدخل أڤجوست بكل وقار وهدوء كأنه غير متأثر بما يحدث حتى وإن رغب في الهجوم على هؤلاء السود، كما كان يُدرك أنه لم يظهر لهذه القبيلة قط، بالتالي لن يكون محض شك لكونه خارج القبيلة. لم تكن سيلڤانا في حالة جيدة للنظر له بل كانت ترتعد في الأمام خوفا على أختها، بينما كان أڤجوستين يراقب الوضع بعينه الحمراء الثاقبة.
"وما المشكلة، أتحسب أننا سنتراجع بعد مقتل أبنتي يا عشيرة خائنة!" صرخ الأب ثم وقف شامخ و قالها بكل ثقة "لن أُمانع إقالة رأس ذئب ذئب في قبيلتك وصولا إلى والدك إن لم تجدوا قاتل أبنتي"
.
.
"أووه... حرب بين المولتوڤ و اليوكوري. يبدو الأمر مشوق" وضع قدم فوق الأخرى و الحماس يشتعل في عينه كالنيران التي تعد تخصصه "لكنه ليس مشوق ما يكفي لنكون سبب في إندلاعه"
"إن حراسك هنا طوال اليوم، إذا تحرك أحدنا لأخبروكي" كانت نبرة إيلين بها بعض الإستفزاز و التحدي "أم أنهم أخفقوا فلا تثقي بهم؟"
"رويدك يا إيلين" أمسك الخاتم الذي بالسبابة اليسرى و قام بإدارته ببطء حول الإصبع بينما ينطق "ليس من الجيد لنا إستفزاز أبنه مُضيفنا الكبرى"
"هل تنتظر مني الشكر لهذه الملاحظة؟" سألت كاترينا ونظرتها موجهة نحو رودلف وعينه الصفراء التي تحمل شر مُبتدع. كانت تعي أنها بين فك عضو من عمالقة العوالم الثلاث كما كانت تُدرك أنهم أحسنوا التلاعب بأعصابها فتقمصت البرود قدر المستطاع، لكنها لم تكن تعلم أنه رأوا خلف هذا القناع. شى واحد طمأنها، هو أنها على عِلم تام أنهم يأرضها لذا هم في شباك الصيد بالفعل، يتبقى فقط سحب الشبكة.
"لا... أنتظر المديح" أجاب وهو يبتسم بكل أنانية و برود "أنا لا أتلقى الشُكر من أحد، بل أتلقى القرابين والمديح"
"كدت أنسى أنك أكثر العناصر بغيًا للمال"
"هكذا يكون المديح" كانت كاترينا لتصفعه من شدة إغاظتها من طريقته في تحويل الجمل لصالحه. رغم أنه متأكدة من سخرية أسلوبها السابق وبه حقد إلا أنه تعامل كأنها قالتها بصدر رحب.
"آنسه كاترينا" تدخل أخيراً كيريتو وبكل رصانة و بسمة قال "أعتقد أنكِ حصلتِ على إجابتكِ. لسنا على دراية بالقاتل أو أصحاب الزجاج الذي بمنتصف أرضكم"
"رغم ذلك أنتم أشد علما بالسحر من غيركم، قد يطلب والدي منكم مساعدة في تحليل نوع السحر" هذه كانت جملة مخادعة فهمها كيريتو بكونه قارئ للأفكار و بالتالي أدرك أنها لا تلقيها مجرد إلقاء، بل هي تبحث عن حقيقة ما.
"نحن على أتم الإستعداد لتقديم المساعدة في بحثكم لإيجاد القاتل"
"أشكركم على وقتكم" رحلت كاترينا وبمجرد خروجها زفرت الهواء بطلاقة والتوتر قد خفّ. الطاقة بالداخل كافية لتزعزع ثقة أي فرد، مابالك بإستفزازهم لها ومحاولتهم الإيقاع بها بوقاحتهم.
.
.
تسارعت الحركة في الأرجاء وقد تصاعدت الأخبار إلى الضيوف فتم نقلهم جميعا إلى المطار على أمل بترحيل أكبر عدد منهم بسرعة كبيرة قبل قيام أي كوارث. بالطبع كان شبه مستحيل غياب نايت عن المتحركين، حتى بما يطعن قلبه ألما على رحيل الفتاة التي أحبها، وكان على سيلفانا التي وضعت بنفس الفريق معه تكبد عناء مشاهدته هكذا و الصمت حتى لا تثير أي مشاعر غير مرغوب بها الآن.
التوأم المستذئب دخلوا محطة القطار ليخرجوا منها نحو منزل أمارليك وأذنهم تلتقط كل حركة في الغابة. الدقائق كانت تُحسب بالثواني وقد بحث القطيع كل أنحاء الأرض على أمل في إيجاد القاتل لكنهم فشلوا فشل ذريع. تقدم أبوها المتحركين و بالتالي كانت هي ونايت في الخلفية غير البعيدة. وقفوا عند الغلاف ولحظات حتى أنخفض وظهر رجل بهيئته البشرية يضرب الأرض، إذن هو ساحر القطيع الذي خلق هذا الجدار.
"الساعة قد مضت"
"كأنني لم ألحظ" أجاب والد سيلفانا برزانة وبعض الإنزعاج يبدو في نبرة صوته، فهو لا يُهدد في أرضه ولن يغفر لذلك القطيع إن مسوا صغيرته.
"إذن أين القاتل؟"
"متأكد من أننا سوف نجده" أجاب الوالد بأسلوب لا يقلل من هيمنته على أرضه "لكنني أعترض على سرعتك في البحث"
"هل تحاول قلب الأمور لصالحكَ الآن؟" سأل القائد الأسود بمعالم ساخرة وهو يدرك أنه يتلاعب بمشاعر العدو الذي أقتلع حياة أبنته. "إن قطيعك همجي قام بالقتل وأنت نائم في سريرك لا تعرف عن الأمر شئ، أتلقب ذاتك بالقائد؟"
"أحترس يا أون-سوب أنتَ في أرضي بين أهلي!" هنا أقترب بعض أفراد قطيع اليوكوري من القائد أون سوب و زمجر بقوة وهو يضجر
"أحذر يا زامير، فأنا معي شعبي كله وهيهات تحدي اليوكوري"
"إذن دعنا نصل لحل وسط، لن نخاطر بحرب يُزهق فيها العديد من الدماء ونحقق رغبة قاتل يريد نشر الذعر" تقدم زامير خطوة على أمل الحصول على تفاهم يرضي الطرفين حتى بإدراكه لخطورة الوضع على أبنته الصغيرة التي أسروها في مكان ما ويدرك كم الألم الذي لابد أن يكون فيه أون-سوب كما يدرك وضع أبنه نايت في الخلف والرعب الذي تشعر به يوانا الآن.
"لقد فات الأوان لهذه الكلمات" جاء رده حاد وثابت "لقد تركت أبنتي تُقتل قبل زفافها بأيام، وها هو العريس يقف خلفك يتحامى فيك كالنذل ولم يذفر دمعه بل تجرأ وزمجر في شعبي بوقاحة" رفع نايت نظره نحو ذلك العجوز ولأول مرة تذكر كلام خطيبته عن شخصية والدها واستطاع الشعور بهذا بوضوح مما جعله يمقطه ويتمنى لو ينتقم منه
"وأنظر كيف يحدق لي هذا الأبله"
"كلامك معي وليس مع أبني يا أون سوب"
"إذن كلامي هنا أنتهى" أعطى أتباعه إشارة التحرك وبالفعل بدأت الأقدام تضرب الأرض بخفه في خطوات ثابتة ليبتعدوا بينما يلقي أخر جملة له "معك نصف ساعة أخرى إحتراما لحضورك بنفسك"
أُغلق الغلاف وأنعزلت الأرض و نظر زامير إلى أولاده والاتباع الذين حضروا معه. هو لم يعد يعلم ما يفعل ونظرات الإنتظار تلك لم تساعده على التفكير. لكن كقائد لقد تعلم التصرف في مواقف أكثر حِلكة من هذه لذلك قام بكل هدوء بالنداء وقال
"دعونا نعيد الكره" اختفى الجميع لكنه نادى على أبناءه في صمت فظلوا واقفين حتى أختفت كل الروائح ووجداه ينطق "كلاكما، أعرف أنه صعب ولكن جدا أختكم. أنتم أكثر من تحتاج له في هذه اللحظة."
"نعم أبي"
.
.
فتحت لهما الخادمة الباب و تحركا نحو غرفة الطعام ليجدا الفطور جاهز و أمارليك يترأس الطاولة التي جلس عليها الجميع. كان أياتو و لايتو وكاناتو و سوبارو يخدمون على الطاولة لكن أڤجوستين لاحظ إختفاء إسوار العبودية من يد أياتو ولايتو، هل أطلقا حريتهم؟ وقف أمارليك من فوره و ذهب ليرحب بأڤجوست في حرارة
"أعتقدت أنك مازلت ببيتك" كان عناق قوي من أخ كبير لاخ أصغر. فتح عينه وقابل الأشقر هزيل الهيئة الذي كان ورغم خجله لا يخشى النظر حوله لجمال المكان وما به من فخامة و جمال. ابتعد عن ذراع أڤجوست و بنظره أشار نحو ذلك الغلام فقام أڤجوست بالالتفاف و وضع يده على كتفه في فخر لكنها نزلت بقوة خفيفه جعلت آلبرت يفزع من شروده و ينظر الكبير بتسائل به بعض التراجع، جعل أمارليك يبتسم.
"هذا آلبرت أصغر عضو تقريباً في القطيع، وهو خير صديق لي" أقترب أمارليك و مد يده للآخر
"وأنا أمارليك أمير السحرة الأول" من فوره أنحنى آلبرت للآخر تاركا يده معلقة في الهواء مما حفز الرجلين للضحك. هنا أنتبه أڤجوست أن أخوه ليس معهم في أرض الواقع لذلك أقتبس نظرة له ومنها رأى كيف العين الحمراء لم تفارق عين ماتيلدا الذهبية. عاود النظر إلى الأصغر و بهدوء قام بوضع يده على كتفه حتى يسحبه للإستقامة مرة أخرى بينما ينطق أمارليك
"لا داعي للرسمية يا آلبرت، دام أنك صديق لأڤجوست فأنت صديق لي. ولا إنحناء بين الأصدقاء" نظر بين التوأم و سأل "وماذا جاء بكما في وقت باكر كهذا؟"
"الحرب..." لم يسمع أحد هذه التمتمة والنبرة الضعيفة التي خرجت كحركة شفايف أكثر منها كلمة. لم ينتبه أحد سوى أياتو الذي لم تخفى عنه هوندا لمح البصر، كان يراقب كل تصرفاتها منذ الصباح وكل مادا يريد لو يقوم بهزها بقوة والصراخ فيها ليرد بها الحياة. كان الجميع منشغل بالتوأم فلم ينتبهوا للحزن الذي أنطوى بين هذه الخمس حروف أو التصاق وجه هوندا بالطبق. لكنه نبه الجميع حين بحركة مباغته ظهر بجانب هوندا وجعل ماتيلدا تصرخ في فزع لظهوره المفاجئ
"هل انت أحمق للتحرك هكذا أيها ال***" توجهت الأنظار لها و له و للصغيرة بحالتها تلك. سحب الكرسي للخلف عنوة مما جعلها تشهق و ترفع رأسها للأعلى فتجده يحني رقبته حتى ينظر لها من الاعلى و صرخ باليابانية
"وما بكِ الآن؟" مد يد من يداه ليسحب اليمنى خاصتها و وضعها على خده. إذا كان يعلم قدراتها بشكل صحيح فهو يعرف ما سيحدث لاحقاً ولم يجد حل سواه. كل شئ تحول إلى أسود حوله فلم يجد سوى باب أمامه بني فاتح يشعر بالأُلفه تجاهه، أدرك أنها تحدثه أو تخبره بما تريد وهذا من صنع خيالها. فتح الباب و دخل ليجد ذاته بمكان أبيض تماما ليس له سماء بل هي بيضاء و أمامه يقف صواع الملك كلٍ على تل من الموتى و الدماء القرمزية هي الشى الوحيد الذي يغطي الأرض.
شعر بكل شئ ينقلب رأس على عقب كأنها صورة قام بإستبادلها فظهرت حديقة مليئة بشجر الساكورا و هوندا تقف عند واحدة منها وتنظر له بعينها البنية. لم يعبر عن أي شئ بل ظل صامت ينظر في عينها حتى وجدها تبتسم بروية وحزن
"أظنك تفهم ما سيحدث"
"وما مشكلة قيام حرب؟" أقترب منها خطوتين بسرعة وهو يشعر بشئ في قلبه يزعجه "لن يشارك السحرة فيها"
"إن القصر محاط بطاقة مظلمة"
"وأفضل السحرة متواجدون في القصر يمكنهم إمتصاصها" أبتسمت هوندا أكثر وهذه المرة هي من اقتربت منه خطوتين بثبات حتى تفصح عن الفستان الأزرق صاحب الدرجات المتعددة الذي ارتدته لكنه سبق سنها بكل وضوح.
"هذا هو الفستان الذي قامت أمنا بتبنيني به"
"تبنيكي؟" أعاد أياتو كلمتها بضياع وهو لا يفهم ما تقول. كانت إبتسامتها حزينة وهي تتحدث بهدوء كعادتها
"حين كان عمري ستة أشهر تم إيجادي بالطريق عند حريق سيارة ومنذ ذلك اليوم تم تربيتي بين العائلة المالكة. حينها أمي - الملكة - كانت قد فقدت أبنتها في الصباح و بذلك قاموا باستبدالي مكانها أمام العامة ولم يعرف احد بهذا سواي و اخوتي و المقربين من الخدم"
"وما علاقة هذا بحزنك و صواع الملك؟" سأل أياتو بعدما أقترب منها قليلاً مرة أخرى والصورة تزداد تعقيداً، فهو لا يستطيع ربط الأحداث ببعض بخاصة أنها تقول صدمات عليه.
"أنا من أحرقت السيارة، أنا من قتلت والداي البيولوجيين" تسمر أياتو للحظة وهو يشعر بالدهشة، فكيف لرضيع أن يحرق سيارة؟! حاول تخيل كم الألم الذي تتكبده الآن بهذه القصة، لكنه شخص قتل أمه بيده وكان سعيد بإنجازه، إذن كيف يبغى أن يتصور شعور هوندا الآن وطوال هذه الأعوام الماضية؟ لكنها كانت تفرك أصابعها بقوة كنت تظن أنها ستقتلعهم من شدة ألمها، رأسها ملتصق بالأرض و الفستان يتلاشى بروية ليعود لملابسها الحالية
"ما تفكر به صحيح" رفعت نظرها له أخيرا و كان قد اقترب منها فلا بفضلهم سوى متر تقريبا "كيف لرضيع إشعال حريق أودى بسيارة و ظل حي"
"لقد كان سؤال عابر"
"لكنه لم يكن عابر في حياتي!" أرتفع صوتها وهي تشير إلى ذاتها بيدها و الدموع تتكون في عينها و افرج صوتها عن بعض الحزن و التأثر "وكلما كبرت أُدرك أكثر فأكثر كم كان يجب تركي في الحريق"
"إياكِ يا هوندا و-" أوقفت تحذيره المنزعج من أسلوبها الدائم في التقليل من الذات و تمني ما قد يجعل من حياته جحيم للأبد بعدم مقابلتها. حاولت الإبتسام لكنها لم تستطع و رغم ذلك لم تسقط عينها من عينه
"لقد رأيت سيرين من صواع الملك في رؤية الصباح... لقد رأيت الحرب التي ستندلع في غضون ساعات... لقد رأيت الدماء وهي تُزهق لكنني لم أرى نهاية بل ولأول مرة منذ ذلك اليوم رأيت كيف أشعَلتُ النيران في السيارة و السبب"
"هذا ليس مبرر لتصرفك الحالي، هذا ليس مبرر لهذه الكئابة يا هوندا!" أقترب منها حتى يضم كتفيها بيداه "إذا تخشين الموت سوف أكون درع يتحمل عنكِ. ليس على السحرة خوض الحرب من الأصل!"
"إلا تفهم يا أياتو!" صرخت فيه وهي تعود خطوة للخلف دافعة بذلك يداه عن ذراعيها "أنا أساس إنتهاء الحرب! أنا الوحيدة القادرة على إيقاف هذه الحرب! وأتمنى من اعماق قلبي أن الأمر لم يكن هكذا"
"هوندا-" كانت تبكي وهي تشد على صدرها من الألم الذي يتخلله والنحيب قوي فيصدع صوته في هذا الفراغ المتناهي.
"لقد تدربت طوال حياتي و أنا مُدركة لحجم قوتي و أنني سوف أضعها للإستخدام يوم ما وكنت على استعداد لذلك دوماً لكن..." وضعت يداها لتغطي عيناها و بدأت تنزلق نحو الأرض لتجلس عليها كالجنين "لكنني خائفة... أنا خائفة يا أياتو... أنا ارتعد خوفا الآن، في الوقت الذي يجب أن أكون الاشجع بينكم. أنا خائفة!"
"لا أحد قال-" أنقطع كل شىء حوله و عاد لأرض الواقع ليلمح يد ماتيلدا على فخذ هوندا التي بمجرد عودتها لأرض الواقع حتى انزلت رأسها للطبق مرة أخرى تاركة يدها في مكانها. كانت الأنظار موجهة لهما بلا استثناء ولم ينزعج من الأنظار بل أنزعج حين أدرك أن يد ماتيلدا كانت سبب في قطع الحديث المهم وكان أكثر إنزعاجا حين شعر بالرعشة في اليد النحيفة دليل على حزنها، لقد كانت ترتعش في الخيال و أرض الواقع.
"هوندا، عزيزتي أ أنت بخير؟ أنا ماتيلدا يمكنك إخباري بكل شئ" قالت ماتيلدا بروية وهي تتقرب من هوندا. رفعت نظرها نحو أياتو و بكل غضب "أيا *** اترك يدها، لقد جعلتها تبكي و ترتعش"
"حين كدت أخسر سوبارو و كاناتو و ريچي و شو" بدأ بعد رمق ماتيلدا بنظرة تحذير ليصمتها بينما يتحدث لشعر هوندا التي بدأت تستمع حتى و إن لم تبدي ردة فعل "لا أتذكر سوى الخوف، تلك الليلة لا أتذكر سوى الخوف. الخوف من الخسارة هو دافع أقوى من الشجاعة."
"لكن-" أنزل يدها و وضع واحدة عند كتفها و الأخرى أنزلها تحت ذقنها و بروية رفع ذقنها لتنظر أمامها مباشرة. هذه الحركة جعلتها تصمت و لم تقاوم و تركته يفعل ما يحلو له
"هؤلاء هم الخوف و كذلك الشجاعة يا هوندا." بدأت ملامح الصغيرة ترق بروية وهي تنظر لهيئة كل فرد منهم أولهم الرجال بالشموخ و الذي يدور حولهم، فتتذكر مع كل منهم لحظة تريد أن تبقيها وجملة تضعها حلقة في أذنها. ترك ذقنها حتى تتحرك بعينها بين الحضور من يلينا و مايا و مصاصي الدماء فتضحك بروية عندما ترى هيئة لايتو مع تذكر موقف مضحك له ثم أخيراً تنظر لماتيلدا و قد جفت دموعها و وسعت إبتسامتها مع الشعور بالآمان مرة أخرى. هنا فوجئت بيده تحت ذقنها مرة أخرى ليجعلها تنظر له
"وأنا ساقف فوق كل هؤلاء شئتي أم أبيتي، فأنا سوف أتذوق دماءك ثانية" ضحكت بخفه لطريقته في التعبير عن إهتمامه التي دائما أضحكتها. ثبتت مع حركته الهادئة لوضع قبلة على جبينها بعدما نازع ذاته كثيراً حتى لا يقبل شفتاها أمام هذا الحشد بخاصة أنه يُدرك أنها سوف تخجل.
#بعد ساعة و نصف
هب كلا التوأم المستذئب واقف و العواء يسري في الأرجاء نظر كلاهما لبعض و الذعر يتغلغل إلى عروقهم
"ماذا هناك؟"
"إن المولتوڤ يعلنون الحرب و ينادون كل من في الجوار للمساندة"
_____________________________________________
السلام عليكم بعد فترة طويلة من الغياب... هذا الفصل لكم و قد جعلته طويل كتعويض عن التأخير. أعتذر منكم.
#تذكير سريع مفيد للفصول القادمة عن هيئة المستذئبين
سيلڤانا: ذئب ذهبي اللون، أقدامه سوداء، ذيله يختلط فيه الأبيض في الأطراف مع البني الذهبي.
نايت: ذئب أسود سواد الأبنوس
أڤجوستين: ذئب بني ذو عين حمراء و رأس كاملة السواد تتدرج نحو ذيله لبني شديد البريق فتخطأه بالذهبي
أڤجوست: ذئب بني ذهبي يتدرج من رأسه حتى ذيله فيصبح بني داكن تخطاه بالأسود
آلبرت: أبيض عدا صدره و رأسه أسود.
كاترينا: ذئب أبيض الشعر في أغلبه لكن به رقع سوداء تكثر عند أقدامه
زامير: ذئب أضخم الحاضرين بشعر اسود كثيف و أنف مع أذن بيضاء برقبة بيضاء كنهايات الاقدام الأربعة
أون-سوب: أسود سواد الأبنوس لكن له أنف بني فاتح
اليوكوري: سود سواد الأبنوس وقليلا ما تجد بهم رفع الوان اخرى
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro