محاولة فاشلة
ليتَ العيش ببساطة من شيمنا .... فلا نُبتلی بهم ولا تُسلب راحتنا
ليتَ المحبة مُتأصلة فينا .... فلا يزورنا الكِره ولا يُعمينا النفاقا
ليتَ أننا علی فطرتنا .... فترانا أحباباً وأسناداً لبعضنا
ليتَ وليتَ الی لا المُنتهی .... فنحنُ غير التمني لا نُجيدا
نُمسكُ خناجر الغَدرِ ونطعن في الظهورِ ثم نصيحُ : يا تری متی ينتهي ربيع الأقنعة وشتاء الجروحِ !
فيا عجباً وأشد العجب لبني جنسنا وكأن الشر رضعوهُ من محالِب أمهاتهم !
*********************************************
في كوخ الساحرة : غسق :
نهضت العجوز العوراء بالفعل لتجهيز سحرها وأنا أراقبها بقلب يطرق حماساً مؤمنةً ان " السالب ضرب السالب ستكون النتيجة موجبة " لم يُحفزني علی هذه الخطوة سوی تِلكَ المكالمة الغريبة من والدتي ، تُخبرني بلهفة عن كم تلك الشيطانة مُذهلة وهي تُأسس مشروعاً ما وطَلَبت مني ان أنضم اليهِ!
أغضبتني بشكل أعمی ووجدتني بالفعل قد صرختُ فيها وأغلقتُ الهاتف في وجهها ، غَضِبَ كياني وزادَ الشرخ في روحي ، خطيبي تركني قبل مدة لم تتخطی الاسابيع حتی ولم أجد من يواسيني وكأن الذنب ذنبي ! أنبهار أمي بتلك الابليسة يزداد وكل مرة تُقارنني معها ، حتی كرهتُ الساعة التي شاهدتها فيه علی الانستغرام ولا زُلتُ ألعنني علی اخبار والداي بأمرها .
يومها عادت امي وأخبرت أبي بما فعلتهُ ، صفعتني علی وجهي وأبي صرخ بي وأهانني بأشنع الالفاظ ، أسمعانني السُم وتلقيتُ صفعتين ! كانت مرتي الاولی التي أُضرب فيها من قِبل والداي ، لم يرفعا حتی صوتهما علي ولا لمرة منذ ثمانية عشر عاماً !
لم يتفهما حالتي النفسية المُتعبة وأمي التي هي أمي عاملتني أسوء من مُعاملتها للغريب . لم أملك الا صديقتي ناهِدة التي هي علی معرفة بالساحرة عتيقة ، لطالما أخبرتها كل شيء ، هي خزنة أسراري وملجئي من هموم الدنيا ، من يسمع لي ويفهمني وينصحني وساعدتني علی تجاوز صدمتي .
راقبنا العجوز التي تُشارف علی الموت في هذا المكان النتن تتحرك ببطء كِلتانا نُغلق أنفينا لسوء الرائحة ونفاذ الاوكسجين ، اغلقتُ عيناي وهي تضع امامي قدراً علی النار ، فيهِ اشلاء وبقايا كلب ، لم أشأ رؤية ذلك لذا يدي الاخری كانت قابعة في كف ناِهدة اتمسك بها واشعر بنفسي اود الهرب من هذا المكان المُرعب ، خاطبنا صوت الساحرة وهي تقول :
ـ هل عِندكِ اثر من الفتاة ؟
اضطررتُ لفتح عيناي فرأيتُ القدر بهِ اشياء كثيرة ، تجنبتُ النظر وحافظتُ علی قطع انفاسي اتنفس من فمي لأفتح حقيبتي أُخرج منها حجاب نستهُ عندنا ، بهِ خصلة شعر طويلة ويبدوا انهُ من اغراضها القديمة التي جَلَبتها معها من العراق . ناولتها اياه لتقوم بتمزيقهُ ، وَضَعت نصفهُ في القدر وبقايا القماش قُربها ، راحت تُتَمتم بكلام غير مفهوم وهي تخلط مساحيق ومعادن جعلتني عمياء بسبب الدموع ، فكانت تُصدر دخان كثيف عند رميها في القِدر .
بعد مدة شعرتُ بالبرد بلا سبب ، انتصب جلدي بهلع واخذ قلبي يطرقُ بخوف بلا سبب هو ذاتهُ الخوف الذي يقبض علی قلبي كلما تلاقت عيناي مع تلك الابليسة التي لا أجرؤ علی نطق أسمها .
طالعنا انا وناِهدة ببعضنا ويبدوا ان الخوف يمتلك كلتانا .
اغمضتُ عيناي مجدداً وتلك الساحرة تلف ما يبدوا كأمعاء حيوان مع بعضها ! وضعتُ يدي علی فمي امنع نفسي من التقيؤ ، صدح صوتها مُعلنة انتهائها :
ـ هاكِ هذا ما طلبتهِ جاهز .
فتحتُ عيناي اراها تناولني شيء ما ملفوف اخذتهُ منها بيد مُرتجفة لتتحدث :
ـإدفنيه في الارض وأحسبي امرها قد انتهی .
توسعت شفتاي بأبتسامة شابهت أبتسامة الساحرة ، اخرجتُ لها ظرفاً من المال وناولتهُ لها لآخذ مُرادي ، خرجنا انا وناهدة بعد لحظات من توديع الساحرة عتيقة ودفنا العمل في مكان من هذه الارض الخالية ، لنتجه عائدتين نحو قلب المدينة .
لا يسعني الان الا ان انتظر خبر هلاككِ يا ابليسة .
*********************************************
اليوم التالي : التاسعة والنصف مساءً :
عادت مريم وأمها الی المنزل تحمل كلتاهما أكياس حَمَلت مشترياتهما ، أستحمت سريعاً ولَبِست ثياب مُريحة فَجَلست في غُرفتها تضع اكياس الهدايا التي حَصَلت عليها والتي لم تمتلك الوقت لتفتحها مع المشتريات بقربها أمها ، قرينتها كانت تجلس وسطهما في حُضنها زيزفونة وجميعهن فرحات بهذه الهدايا الجميلة ، في الخارج وقف عفريتان شديدا القُبح امام النافذة يُطالعان الفريسة التي أُرسلا من أجلها بأبتسامات صفراء ، قبل ان يسد المشهد جسد احمر يفوقهما ضخامةً بأضعاف لتتسع أعينهما ذُعراً وهما يُراقبان هذا الملك العظيم الذي أشهر سيفهُ الضخم ذو النسل الحاد الشديد اللمعان قُرب جسده وأعينه المُشتعلة كالجمر تُطالعهما بحاجبين شديدا الانعقاد حتی ظهرت الخطوط في جبهتهُ .
فرا منهُ هاربين ليلوح بسيفهُ لينشطر احدهما الی نصفين والاخر أُصيب وسَقَط أرضاً يُطلق صيحات عظيمة شَقَتْ السكون .
هَبَطَ عند المُصاب وجثة الآخر قد تحولت الی رماد بالفعل ، حَمَل العفريت الذي ينزف بغزارة قائلاً بصوتهُ الأجش بهدوء :
ـ من أرسلكُما ؟
تَحَدث العفريت بصعوبة يجر أنفاسهُ جراً :
ـ بأمر من ساحرة ... انها الساحرة عتيقة ..ـ سعل الدم في نهاية حديثهُ ليسألهُ قبل ان يموت :
ـ أينَ أجدها ؟
أجابهُ يتحدث بصعوبة وعيناهُ بدأتا تُغلقان :
ـ بعيداً في أرض خالية خارج المدينة ....د..اخل ... ك..و .
ماتَ بين يديه وتحللت جثتهُ وغدی رماداً كصاحبهُ، طار هو بعيداً ليجد الكوخ والعمل مدفون في أرضهُ فأستخرجهُ وأحرقهُ ثم دلف كوخ الساحرة لتُطالعهُ بعيون مُتسعة وقد نَهَضت مُتعثرة والابتسامة تشق شفتيها النحيفتين الجافتين وقد ظنتهُ استجاب أخيراً لندائها الغير مُنقطع لهُ ، فمنذ الازل وعلی مدار سنوات حياتها وهي تحاول الاستعانة بالملك بُرقان ، أستماتت حتی يحضر اليها ليساعدها في أعمالها القذرة ولكون هذا مُنافي لطبيعتهُ الطيبة فكان يتجاهل نداآتها ببساطة .
أستقبلتهُ بحفاوة وأقتربت بجسد مُرتعش خائفةً من شكلهُ لكنهُ صاح بها صيحةً شابهت زئير الاسد ليرتج المكان من حولها بعنف وتسقط علی وجهها ثم رَعَد صوتهُ يسألها بنبرة غاضبة جعلتها تحاول اغلاق أذنيها بذراعيها البائستين غير عالمة بسبب غضبه عليها :
ـ من طلب منكِ عمل هذا السحر ؟
رفعت رأسها لتراهُ فوقها رأسهُ مُظلم يرتطم بالسقف منحني فوقها ، عيونهُ تشع كالجمر ، جسدهُ شديد الضخامة احمر اللون كالنار ، وجسدهُ من الاسفل كغيمة سوداء كثيفة ، لم تستوعب سبب سؤاله فحملها بطرفي أصبعهُ يضعها امام وجههُ وهي ترتعد كالجُرذ ليعيد سؤالهُ عليها وعادَ المكان للأهتزاز مجدداً كما لو أن زلزالاً عظيماً قد ضَرَبَ المكان .
شتتها الخوف فلم تُجبهُ علی الفور بل أخذت تُتأتأ قائلة :
ـ صبية تُدعی غسق .
ما أن سَمِعَ كلماتها حتی رماها أرضاً وتلاشی علی الفور تاركاً النار تأكل المكان وصوتهُ يتردد كالصدی بين الجُدران :
ـ إياكِ أن تفعلي فعلتكِ هذه مجدداً وإن مس الاذی تلك الانسية فسأمحيكِ من الوجود كما لو لم تُخلقي يوماً .
صرخت تستحضر خَدَمها لينقذونها لكن لم يحضر احد لا سيما وان النيران حاوطتها وأحرقت كل ما طالته لتختفي فجأة كما لو أنها لم تنشب مُخلفةً الرماد وهذه العجوز المُرتاعة .
ظَهَر هو في مكان آخر تحديداً في منزل غسق النائمة بهدوء كالاميرات في غُرفتها غير عالمةً أنها أثارت غَضَب ملك الجان بمحاولة اذية زوجتهُ الآدمية !
تسلل كدُخان أسود الی فتحات أنفها وفمها ليظهر في حلمها الوردي الجميل الذي لم يلبث الا وقد أصبح كابوساً اسوداً .
في مكان ما لم يكن واضح المعاني ، ضبابي ، تقف غسق وحيدة ، ظَهَر من العدم لها رجلاً شديد الطول يلتحف بالاسود لا تستطيع رؤية وجههُ لضخامتهُ ، مريم كانت تقف امامهُ مباشرة ترتدي ثياب اشبه بثياب ملكات العصر القديم لكن ملامحها لم تكن واضحة بل مشوشة لغسق التي وقفت مذعورة ترتجف ، صَدَح صوت ذلك الرجل الذي لا تری منهُ شيئاً ، كان مُرعباً ، عالياً جداً ، حَمَل غضب لا مُنتهي وقد وجه حديثهُ اليها ما بدی كتحذير :
ـ اذا سولت لكِ نفسكِ وفكرتِ مُجرد تفكير بأذيتها مُجدداً ستنالين عقاباً لن تشهدينهِ في قبركِ حتی .
كان صوتهُ كالصدی يتردد داخل المكان الذي كان بلا ملامح ، المعنية بهذا التهديد اخذت ترتجف تشعر بجسدها مُتخشب تنوي الصراخ فلا تقدر كأن صوتها يرفض الخروج ، وليثير رُعبها اكثر جعلها تری العمل الذي عملتهُ الساحرة وهو يحترق امامها لتحترق غسق معهُ ايضاً ، والتي كانت تأن تشعر بلهيب النار حقاً وكأنها تُشوی حية !
ادخلها بسلسلة كوابيس كل واحدة اكثر رعباً من اختها ومنعها من الاستيقاظ حتی صبيحة اليوم التالي حيث تَرَكها عند الثالثة فجراً وقد استيقظت بجسد مُتعرق تلهث انفاسها تضج بالبكاء والنواح ترتجف تستشعر برداً في انحاء المكان .
هَرَعت من سريرها راكضة نحو غرفة والديها ، فتحت عليهما الباب بهمجية ليستفيق الاثنين يشعران بالفزع ، رمت نفسها في حضن امها وصوت بكائها يتردد لعلوه ، فتح الوالد الضوء واخذت الوالدة تحتضن ابنتها بنصف وعي والاثنين غير داريان بما يحصل .
*************************************
عادَ الی منزل زوجتهُ الحبيبة ووجدها هي وأمهُ كما يحسبها بما أنها أم زوجته وهما جالستين في المطبخ تتناولان الطعام ، أقتربت منه مريم الجنية وقد شعرت بوجود خطب ما ، لكنهُ صَمَتْ ولم يشأ الحديث عن ما حصل لكونهُ تعامل مع الامر ببساطة وفضل مُراقباً زوجتهُ التي تأكل بشراهة تتحدث عن مشروعها الضخم وقد رَسَمت اثناء فترة غيابهِ ثلاث لوحات بالفعل .
حماسها منعها من النوم لذا جلست تأكل بالمطبخ تتحدث بلا توقف وتكاد تطير من الفرحة كحال أمها التي شاركتها بالكثير من الافكار للوحاتها القادمة .
اما الساحرة فكانت تجلس وسط شياطينها في كوخها المحروق غير مُصدقة لما حصل ، هل حَضِر الملك العظيم الذي حَلَمت بتحضيرهُ سنيناً عِجافاً ليعاقبها بدل ان يُقدم لها ولاءهُ ويُنفذ رغباتها ، وكل هذا من اجل تلك البشرية ؟ تلك المدعوة مريم ؟
رَفَض شياطينها استطلاع الامر خوفاً من الملك ولم يتطوع منهم الا واحداً حتی بعد ان وعدتهم بأطلاق سراحهم ، خوفهم كان اكبر من نيل حُريتهم منها لذلك عقدت اتفاقاً بعد ان اعادت الجميع الی قوارير زجاجية تحتفظ بهم فيها مع شيطان لينقل لها ما تود ان تعرفهُ عن الفتاة مُقابل اطلاق سراحههُ ولكنهُ سيفعل ذلك صباحاً ، بالنهاية اعادتهُ الی قارورتهُ وجَلست تضع يدها اسفل خدها تُطالع الكوخ المحترق بغضب .
**********************************
مريم :
لماذا اشعر ان هناك امر سيء جداً سيحصل ؟ حتی مع سعادتي وراحة بالي التي نلتها أخيراً اشعر ان غداً سيأتي حاملاً اموراً سيئة جداً .
يتبع ......
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro