بوادر الحرب
مر أسبوعين منذ أن أنتقلت مريم وأمها الى منزلهما الذي كان أكثر دفئاً ورفاهية من شقتهما الصغيرة ، وكانت المعنية جالسة في غرفتها تقرأ إحدى تلك الكتب التي تتحدث عن الزوهري وكيفية التحكم بقدراته تستسقي معلومات لتستعد للتدريب تحت كنف الشيخ شعشوع .
_________________________
مريم :
"بسبب كره لم يكن لي ذنب فيه ، تحطمت حياتي ! فلتهنأ يا حاقد ولكنك لن تهنأ طويلاً فكأسك هذا سأحرص على جعلك تتذوقه كما أذقته لي قبلاً ."
لم أستطع رؤية صفحات الكتاب فلقد كانت فارغة وبدل الكلمات رأيت عتيقة ، تلك الساحرة التي صارت أكبر مخاوفي ، وهي داخل أرض يعمها الظلام والغبرة ، تنبعث منها هالة مخيفة ، تثير الضيق في نفسي ، وهذه الأرض لا تشرق عليها الشمس بل يلفها ليل حالك لا ينتهي ، في سماء ممتلئة الغيوم خالية حتى من القمر وما حولها أرض جرداء ، اما عتيقة رأيتها في قصر فخم لكنه سوداوي ومظلم وينبعث منه شعور منفر وكأن من يدخله يدخل قبراً على الرغم من وسعه .ساكنيه أشكالهم جداً بشعة لدرجة لا توصف ، مخيفون ومرعبون وكأنهم كوابيس تجسدت على أرض الواقع ، أستقبلها جني شكلهُ كالثعبان من رأسهُ حتى ذيلهُ عدى عن كونهُ يملك يدين وقدمين كخاصة البشر ! جلدهُ حالك السواد كليل داجٍ وعينيه ينضح الشر منهما تبرقان بلون ذهبي مائل للأخضرار يلبس لباس جلدي ويلف خصره بحزام يحمل سلاحهُ .
حادثها مُرحباً بها بصوته كفحيح الأفاعي ونبرة المكر تطوقه وتلك الأنياب تبرز من فتحة فاههُ الكبيرة ، كان يفوقها حجماً وطولاً ولكنه بارد معها غير مهتم على ما يبدوا بعجوز مثلها وقد طلبت لقاء من يدعى
" هامث" !
فوق عرش من الذهب الخالص وسط قاعة عملاقة قبع المدعو هامث .
كان ذو وجه كوجه الجدي أسود اللون فوق رأسهُ قرنان عظيمان ، عينيه صفراوتان لهما بريق ساطع وسط ظلام وجهه فبدتا نجمتين وسط دجى الليل ، له شعر أسفل ذقنه مظفور بسلسلة من ذهب .
جسده ضخم كجسد رجل عتيد يلفهُ رداء مطرز بالذهب ، يغطي أكمل ذلك الجسد فيظهر فقط عرض كتفيه وينتهي بفتحات واسعة لليدين حيث أمتدت ذراعاه البشريتين ذواتا اللون الرمادي على عرشهُ المذهب تبرز من كلا كفيه عروق خضراء باهتة .
أصابعه نحيلة وعظامها بارزة ونهايتها أظافر طويلة رمادية بلون ادكن ، تزين يديه خواتم نفيسة رداءهُ الحريري يغطي جسده بطيات مذهبة حتى غطت قدميه . كان وحيداً في هذه القاعة المهولة وخلفهُ شمعدانين طويلين يحملان شمعتين بيضاوتين عريضتين وكان لهبهما ازرق يرتفع حتى عنان السقف بحيث أنارها من نهايتها حتى بابها الضخم المذهب المزخرف بالأحجار النفيسة والنقوش الحاملة للجدي .
كان صامتاً وبدى بكل الفخامة المحيطة به كلوحة فنية شديدة الرعب والفخامة وكأنها لوحة تجسد أساطير الخوف ، دلف عليه ذلك الجني الماكر يتمطى كالأفعى في مشيتهُ حتى أستقام أمام الملك منحنياً بأحترام مبالغ به ليتحدث بصوته كفحيح الافاعي :
- عمت مساءً يا مولاي .
لم يلقى رداً فأكمل الحاجب خاصتهُ رافعاً رأسهُ ناظراً الى الأرض وكأنهُ يخشى النظر الى الملك :
- هناك ساحرة تطلب رؤيتكَ قائلة أنها تحمل نبأً عظيماً لجلالتكَ .
لم يجبهُ كذلك بل أكتفى بتحريك أذنيه بدى رأسه كرأس جدي لا يفقه شيئاً تم وضعه فوق هذا الجسد العتيد !
تقلبت معدتي بخوف من التركيز عليه وعلى منظره ثم لم ألحظ الأ وعتيقة تنحني أمامهُ وصوت عكازتها يطرق في القاعة الفارغة ، مثلت أمام عرشه تنظر له بجرأة ولم يثر منظره المهيب خوفها عكس ما يحصل معي الآن وأنا أرتجف بذعر وأشعر بنفسي كجسد هلامي مجبورة على مشاهدة ما يحدث ولا حول ولا قوة لي لفعل أي شيء سوى المشاهدة .
ليصدح صوتها الخشن والقبيح :
- لي لك بنبأ يا هامث ولكن لي مقابله .
كل ما يفعله هو الصمت أمام كل حديث فأكملت هي وتتعمد في رفع صوتها :
- لقد حوت هذه الدنيا ذلك الكنز الذي نقتتل جميعاً للحصول عليه ، الزوهري الملكي وُلِد مجدداً وهذه المرة على شاكلة صبية لا تفقه علماً ولا حول لها ولا قوة .
وقفتُ أرتعد وكلماتها تلك تنحرني ببطء ، الرعشة سرت بعنف في أوصالي وأوشكت على تقيؤ أمعائي وما بداخلي .
حرك أذنيه بلا مبالاة حتى رحت أتمنى في داخلي أن يكون بهيمة لا تعي ولا تفهم ما حولها .
أكملت تلك الساحرة حديثها :
- أنها زوجة لغريمكَ وتقبع تحت حمايته وحماية حلفاءه وقد طالني خطرهم ولم يعد لي ملاذاً لا في أرض الأنس ولا في أرض الجن فأتيتكَ طالبة الملجأ مقابل مساعدتكَ للنيل من تلك القطعة الثمينة ، بعدها يأخذ كلانا ما يناله منها ويمضي في دربه فإذا زالت من الدنيا زال خطرها وقبضنا على خيرها .
فهمت من حديثها المنمق ما ترمي إليه ! فشعرت بالدوار وتشوشت الرؤية أمامي حتى غطى السواد بصري وشعرت بي أهوي في فراغ حتى قابلتني أرضاً باردة صلبة آلمت جُنبي ، البرد قارص من حولي فلم أعلم بأي أرض أنا ولا أي عالم هذا الذي حواني على حين غرة .
_______________
في غرفتها ممددة على جانبها بين كرسيها ومكتبها ، غائبة عن الوعي ، شفاهها باهتة اللون كحال لونها وكأن جسدها فارقتهُ الحياة ، شعرها الذي وصل أسفل أذنها حتى كتفها قد غطى وجهها، أحدى عينيها مفتوحة وهي ثابتة تبحلق في اللاشيء وفي داخل السواد الحالك في حدقتها الساكنة بلا روح تبقى أنعكاس ذلك المشهد لرجل بوجه تيس يتربع عرشاً مُذهباً وامامه تلك العجوز المنحنية الظهر دلالة على هرمها وإدراكها أراذل عمرها وعلى وجهها أبتسامة ماكرة .
------------
كان الملك عاقداً ليديه خلف ظهره يتجول بين الملوك الآخرين وقد أنتهوا تواً من التحضير لحرب عظيمة متنبئين بحصولها تبعاً للميثاق .
كان مرجان يقف وعلى عينيه شيء من الروع والخوف وقد ناقشوا تواً لساعات طوال حلول مؤقتة لتفادي الأزمة التي هم بصدد المرور بها .
في ذات الوقت أمر بتجهيز القصر القابع في المقاطعة الشمالية للملكة وقد تجهيزه بحراسة مشددة وخدم وحشم لخدمتها لتمكث فيه لتتعرف على ما تخفيه في باطنها من قدرات ، فتم تجهيز عربة أنطلقت الى عالم الأنس لجلبها .
يتبع.........
كل هذا الشره وكل هذا الطمع ، الشر المطلق والرغبات اللامتناهية ، كل هذا السواد في هذه الدنيا يجعلني تواقة للمغادرة الى دار بعيدة لا أجد فيها سوى الهناء والراحة ، ولكن كفتي الميزان تمنعانني . كفة تحمل أحبابي وكفة تحمل اعدائي وأنا وحدي من أقبض على رأس الكفتين فأبقى في أرضي واقفة حاملة صخوراً فوقها صخور من الهم فهل يا ترى هل سيثقلني ما أحمله فوق كتفي فتصعد كفة أعدائي وانسحق أسفل همومهم أم أرفعها بصمود لأرجح كفة من أحب؟
وحدة الزمن من سيخبرني بذلك .
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro