أنا اری
مريم :
في ذلك اليوم الذي عُدت فيه من رحلة احلامي الطويلة ، أيقنت تحرري من سجن الغيبوبة ولكني عُدت شخص آخر تماماً ، رفعتُ رأسي أُطالع السماء السوداء وبدرها الجميل يتوسطها ، امامنا البحر الذي يمتد علی مدی البصر اسود اللون كسماءه ، تسبح فيه اليخوت والتي تلونت بألوان النيون المختلفة فبعثت فيه حيوية خاصة ، فضلاً عن الجسر الاحمر الكبير الذي تجوبه السيارات جيئة وذهاباً تُطلق اصوات أبواقها التي تصل الي قليلاً لعلوهُ ، تزينهُ اضاءة بيضاء فبدی ما امامي منظراً خلاباً يُجسد لوحة شديدة الجمال آخذة للعقل ، اداعب بشرود اصابع زوجي الحبيب وهي تعانق بطني وتتشابك فوقها ، ورأسهُ مُتكئ علی كتفي يُلصق خده بخدي استشعر نعومة لحيته وكلانا صامتين .
حلقتُ الی ذكرياتي حول الفترة الاخيرة التي مرت ، في يوم الاستيقاظ من الغيبوبة ، لم اعلم حقاً ماذا حَصَل حينئذ او لماذا حتی ساءت حالتي ووقعت في سبات امتد ولله الحمد لأيام معدودات ، كان مُرعباً لي أن اقع في سبات يمتدُ لسنوات طويلة ، وأن ابقی مسجونة داخل عقلي وبجسد مشلول .
هذا فضلاً عن اهتمام الاطباء الغريب بي وبما رأيته وكأنهُ سيشكلُ فرقاً لو علموا .
في البداية حينما افقت كان نظري مشوش ، وكان هناك شعور غريب يتملكُني شيء عظيم لا استطيع لحد هذه اللحظة وصفهُ ، وكأنني امتلك روحاً خفيفة واشعر بنقاء وصفو وراحة بال ، بتُ أملك نظرة مختلفة للحياة واری بمنظور لا استطيع تفسيره ، وكأنني كبرتُ مئة سنة خلال بضعة سويعات !
والامر الغريب الذي كان يتكرر معي قبل رقادي في تلك الغيبوبة من قدرة غريبة لازمتني كقراءة افكار الشخص الذي اراهُ او احدثهُ اخذت تزداد بعد استيقاظي مباشرةً ! كان الامر محيراً وجعلني فاقدة التركيز وذهني مُشتت ، فكانت آلاف الاصوات ترد في عقلي ، اسمع احاديث لا تنتهي من كل صوب وكلها اصوات بشر لا اعلمهم ولم ارهم يوماً ، كان امراً مُزعجاً حد الالم ، سواء وقعت عيني علی شخص او لم تقع عليه تلك الاصوات تتداخل اكثر في عقلي وكأن حولي جمعاً من الناس يثرثرون بلا توقف ، رؤيتي كانت لا تزال غير واضحة فلا استطيع التركيز في اي شيء دون ان تؤلمني عيناي ، فضلاً عن الصداع الشديد بسبب تلك الاصوات التي لم اكن اعلم مصدرها او حتی ما هيتها .
ثم تبعه حصول امر آخر بث بداخلي الخوف والهلع لفترة ، فكنتُ اری الشخص امامي ولكن بنسختين !
حتی مني انا ولكن النسختين تختلفان اختلافات طفيفة تُكاد لا تُبان ، كانت بدايتي للدلوف الی العالم الاخر ورؤية ما لا يستطيع رؤيته الانسان العادي ، كنتُ اری امي ومعها نُسختها ولكن تلك النسخة كانت اكثر شباباً ، مُكحلة العينين وتبدوا حادة الطباع عكس والدتي .
نُسختي كذلك كانت تختلف عني حينما شاهدتها اول مرة ، كانت كبيرة في السن لربما عشرينية ، متوسطة القامة ممتلئة الجسد ، شعرها طويل سوادهُ حالك يصل حتی خصرها ، وهي الاخری كانت حادة الطباع ويبدوا علی ملامحها الشبيهة بملامحي الغرور والتكبر ، لكنها كانت شديدة الاهتمام بي ، وكانت تعتني بي ويبدوا الخوف جلياً عليها وزال عنها الهم وعاد وجهها مُشرقاً حالما استيقظت وزالت سحنتها الذابلة ، لم اكن بالضبط اعلم من هي او لماذا كل شخص يسير ومعه تؤام خاص به ! لذا كنتُ اشعر بالغرابة والخوف فأخلد الی النوم واغرق في دوامة من التفكير .
في اليوم الثالث زال خوفي وحل الفضول محلهُ ، أعجبتُ كثيراً بنسختي ورحتُ ببلاهة اعتقد انني اری نفسي في المستقبل !
وحينما افكر بمنطقية يقول لي عقلي لربما ما اراهُ محض هلاوس ، هل هي اثار عمليتي الجانبية ؟ لم اكن اعلم وكانت التساؤلات تُغرقني ببحر عظيم لا ينتجُ عنها الا صُداع الرأس لذا قررتُ ببساطة محادثة هذه المخلوقة لربما اعلم من تكون ولربما تمنحني اجابات شافية .
كانت خطوة جريئة ولم اكن واثقة بالقدوم عليها ، كان خوفي اكبر ، لاسيما وانا استشعر شيء غريب منها ومن اولئك الذين اراهم برفقة الاخرين .
لذا خلدتُ للنوم مُدعية التعب وحينما غادر زواري قررتُ مُحادثتها ، كنتُ اختبئ تحت الغطاء وانا ما بين البينين ، هل اعاني من الهلاوس ، اری اشياء يصورها لي عقلي ؟ ام هؤلاء حقيقيون ؟ اذن لماذا لا يتحدثون مع احد ، لما لا اتعرف عليهم من خلال الاخرين ؟ يبدوا الامر فقط كأنني انا وحدي من اراهم ! عزمتُ بعد صراع ما كان سينتهي داخلي ورفعتُ الغطاء عن وجهي لاتفاجأ من قربها مني ! فكانت تجلس بجواري علی السرير وتبتسم بأشراق وكم كانت جميلة ، لربما لأنها تشبهني ؟ الغريب كانت ترافقها اخری ، فتاة شقراء شديدة الجمال تتحول بشكل غريب الی دمية وتطير حول نسختي متحدثة معها ! لذا كنتُ موقنة ان ما اراه محض هلاوس ، لذا لذتُ بالصمت وعادت حيرتي واخذتُ استمع اليهما وهما تتصرفان بطبيعية حينها قالت نسختي للدمية خاصتها جملة لم افهم معناها :
ـ أخبريه أن يأتي ليطمئن علی عروستهُ الجميلة .
من يكون لا اعلم لكن عبارتها اخافتني ! هل انا المعنية ؟ ولكن عروسة من ؟ بلمح البصر كانت الدمية تقف في محلها وبرفقتها اليوسفي خاصتي ، ذلك الذي تلوع قلبي في حُبه لاربع سنين كاملة ، ذلك الطيف الذي عكف علی زيارتي في احلامي ، حبيبي الذي رحتُ اهلوس به غير دارية بمن يكون ! هل هو الان ماثلاً حقاً امامي ، فأنا موقنة اشد ايقان انني لستُ احلم الان ، وانا اطالع من قضيتُ ليال ارسمهُ واعانق صورهُ متمنية معرفة هويتهُ، وقتها جلس امامي وكان يبكي بسعادة والغبطة تملأ كل حركة من حركاتهُ سعيداً لرؤيتي وكان يطمئن علي بلهفة ، بكيتُ لأول مرة في حياتي كطفلة صغيرة وقد شلتني فرحتي وكدتُ اطير ولو كان لي اجنحة لحلقتُ حوله كالطير انشر بهجتي في كل انش ، ولا زلتُ في اعماقي اتسائل ، هل هذا حلم يقظة ام من وحي خيالي ، الامر حقيقي ولكنه خيالي في الوقت ذاتهُ، احتضنتهُ وفي داخلي لهفة ليحويني بين ذراعيه كما كان يفعل دائماً ، رغبتُ بالشبع منه قبل زواله ككل مرة ، بكيتُ كما لم افعل يوماً واحتضنتهُ بكل ما املك من قوة وكم وَدَدتُ لو امكنني ان ادخل بين اضلاعه ولا اخرج ابداً ، لم انتبه لتخشب جسده تحت عناقي ابتعدتُ بعد مدة وكم كنتُ ملهوفة لأتمعن ملامحه الجميلة ، تلك التي نادراً ما اراها وكم كان جميلاً ، تجسيداً للوحة خلابة مُتقنة لرسام تخطی كل مراحل الابداع ، لم آبه بالصدمة المُرتسمة علی ملامحهُ بل كان تركيزي مُنصباً عليه هو ، كنتُ انوي ان اعانقهُ واضيع في ملامحهُ حتی تمضي دهوراً ونبقی علی هذا الحال وتملكتني رغبة عميقة بتوقف الزمن بالذات علی هذه اللحظة ، يقف كل شيء ولا يمضي بعدها ونبقی نطالع بعضنا تمتزج ارواحنا بعناق ابدي لا ينفصل .
مددتُ اصابعي علی وجهه الناعم اتلمس لحيته وشاربيه ثم امررها ببطء علی انفه المرفوع بانفة ، وتحت عينيه الوسيعتين بدتا بحراً جارف وسماء وسيعة بجمالهما ، تغطيهما رموشه الشقراء الخفيفة لشدة شقارها واهدابهُ تطرف ببطء ولم تتحرك حدقتيه عني ، وآه من تلكما الحدقتين تمازج فيهما خضار الرحاب الفسيحة والعسل المصفی بتمازج عجيب يخطف الانظار وذلك البريق بهما يجعلهما كحجرين كريمين بل اجمل ، وكأن لا جمال بالدنيا يستطيع ان يكون لهما مثيلاً ، لم اعلم هل اغرق كنتُ ام اُحلق ، فعينيه تقتلانني ثم تحييانني مجدداً بكل ما بهما من جمال ، وتلك النظرة الولهانة علی عينيه كانت ممزوجة بدهشته ، شفتيه التفاحيتين مفغورتان وجزءً من اسنانهُ اللؤلؤية ظاهر ، ويبدوا ان الحديث قد عَلَقَ في حلقه ، وكم وددتُ الاستماع الی لحن صوته ، ارغب بسماع كل كلمة حب قالها لي يوماً بصوته ، صوته اجمل الحان الدنيا التي طَرَقت مسمعي يوماً ، تحدث كما تمنيتُ قائلاً ودهشتهُ لا زالت علی حالها وخرجتَ نبرته مُستنكرة بصوته الاجش الحاد الذي لطالما عشقتهُ علی الرغم من حدتهُُ وقوتهُ لكنه اجمل لحن لطالما استمتعتُ بسماعهُ :
ـ هل انتي ترينني ؟
اومأتُ له ولا زالت دموعي تنهمر ، عاودتُ عناقه للمرة الالف ربما اخفي رأسي في عنقهُ ، اشتم ريحه الطيب الذي فاق طيبة المسك والعنبر وكم دعوتُ بداخلي ان يكون حقيقياً ما اشهدهُ الان ، مررتُ يداي علی شعره العسلي الشديد النعومة والذي برزت اطرافه علی رقبته الغليظة الشديدة البياض تزينها حبات الخال ، تظهر من اسفل عمامتهُ التي بدت اشبه بالتاج بفخامة تصميمها وامتلاكها لجوهرة متوسطة الحجم خلابة شابهت لون لباسه الذي غلب عليه اللون الازرق الداكن والذي لم يقل فخامة بتصميمه وحبات اللؤلؤ التي تزينه ، كان حبيبي اليوسفي كملكٌ عظيم هارب من احدی الروايات الخيالية وعقلي كان ولا زال غير قادرٌ علی استيعاب كل هذه الفخامة والهيبة المُرعبة ، عانقني ببطء وشعرتُ به يدفن رأسهُ في عنقي ، شدد ذراعيه القويين حولي حتی كادت عظامي تتفتت ولكنه كان عناقاً مريحاً جداً وبدی كما لو ان الفردوس يعانقني ، شعرتُ بدموعه تسيل علی رقبتي ومنها علی كتفي ، بكينا كلانا ونحن نحتضن بعضنا ، وودتُ ان لا ينهي عناقهُ كلما كُدنا نبتعد عن بعضنا .
لكنهُ بالنهاية فصل العناق وابعد وجههُ بضعة انشات عني ، اصطبَغَ جفنيه وانفه بالاحمر وملئت خديه دموعه الشبيهة بحبات اللؤلؤ ، ولا زال يتفرسني ويديه حولي يُمسدُ كل انشاً بي وانا صامتة امامه ، كانت لحظة جميلة تستحق الصمت وفقط رغب كلانا بتمعن بعضنا ، ونسی عقلي ان يُطالب بتفسير حتی وعی علی ما يحصل ، تحدثتُ اليه بصوت منخفض ولا زالت نبرتي ترتجف اثر بكائي :
ـ هلا اخبرتني بالله عليك من انتَ وماذا تكون ؟ اخبرني فقط بما يجري هل اعيش انا في احلام ام انتَ اخيراً صرت واقعي ، بالله عليكَ اخبرني .
قبل جبهتي ولم يُجبني للحظات ، حتی انساب صوته الاجش بنبرة منخفضة مهتزة اثر بكاءه :
ـ كل شيء جميل في وقتهُ ، لأطمئن عليكِ اولاً وبعد خروجكِ من المشفی ستعرفين كل ما بخاطركِ هذا وعد وانا عند وعدي يا حبيبتي .
انتَبَهتُ تواً علی الفتاة والدمية فسألتهُ اشير عليها بضيق :
ـ ومن تكون هذه صاحبة الدمية ؟
اقتربت هي لتجيب وهو لم يتزحزح قيد انملة ولم ينظر نحوها :
ـ انا قرينتكُ يا فتاة .
قالتها بنبرة شعرتُ بها مُتعالية وكانت تعقدُ يديها الی صدرها ولسبب ما طالعا بعضهما وبدی الهم جلياً علی ملامح كليهما ، لم افهم ما معنی قرين ولا الاساس من وجودها ومع الحاحي لم احصل علی اجابة .
بعدها لذتُ بالصمت ولم اشأ ان اكون مُلحة وقررتُ الصبر حتی خروجي ، وكم آلفتُ وجوده حتی رفصتُ النوم مخافة ان استيقظ ولا اجدهُ ، ولا زال هاجساً يتملكني بأنني لربما دخلتُ مرحلة جديدة من الغيبوبة وما هذا الا حلم ، ولكن فليكن ما دام خليلي بجانبي فهذا يكفيني .
ثم مرت بقية ايام الاسبوع ما بين الحاح الاطباء الغريب وكان زوجي الحبيب يحاول بذل قصاری جهدهُ ليبقيني هادئة حتی الصبية التي قالت انها قرينتي ، تمسك بي وتلاعب شعري وتتوسلني ان اهدئ .
طبعاً تقبلت واقع وجودهما ولكن كنتُ اتشتت وانا اُعيد مع حصل في المطبخ مع غسق ، لا زالت تلك المخلوقات الشفافة تحوم وتضيق علی من حولي بأستثناء طبعاً خليلي وقرينتي والدمية ، لذا بعد محاضرات طويلة من الاثنين كنتُ رغماً عني اكبتُ غضبي كي لا اسبب اذية احد ، لم يكن موقف الاطباء الغريب وتعمدهم لنرفزتي مع علمي بالاسباب لما يفعلونهُ هو ما يُغضبني ، بل كانت انا ، انا كنتُ لا اعلم بالضبط ماذا اكون ، لماذا كلما انزعجتُ ولو قليلاً تنقلب الدنيا رأساً علی عقب ، لماذا اری انعكاسي في عيون كل هؤلاء الاشخاص وهو يبدوا مُرعباً ، ما خطبي ؟ وكلما الححتُ علی مرجان كان يرفض اخباري .
بالنهاية امتثلتُ لأمره وتقبلتُ صمتهُ الغريب ، كلما جائني الاطباء كان يشغلني عنهم بالحديث فلا استمع اليهم ولا تعاود تلك الحالة الغريبة من الظهور ، حتی مر تقريباً اسبوع بدأتُ فيه اتهيأ لأمتحانات مصيرية وكانت طبعاً سبب أخراً جعلني شديدة التوتر والخوف .
خرجتُ من المشفی مُكدرة الخاطر ادعيتُ الغباء وبأنني لم اكن اعلم اي شيء بخصوص ما اصابني وانتباني خوف شديد من ان تنفرني والدتي ، لذا كنتُ اسجن نفسي في غرفتي ادعي الدراسة .
في حقيقة الامر كان زوجي يسرق لي الاسئلة اقوم بحفظ الاجوبة واذهب واحياناً فقط اجلس في مكاني المخصص في القاعة الامتحانية وتملي علي قرينتي الاجوبة ، وسهر ليالي الامتحان لم يكن الا بسبب ما استمع اليه ، من عقل امي وغسق والخالة نجلاء .
حتی انتهت فترة الامتحانات وحصلتُ علی هاتف جديد وتوقع الجميع نجاحي وكيف لا وانا اصلاً املك الاجوبة .
كتمتُ كل ما اعلمهُ واستمعتُ الی تحذيرات مرجان وتلك التي تقول انها قرينتي وحتی الدمية الناطقة بأن ادعي عدم الفهم ولا افتح فمي بحرف حتی لوالدتي ، حتی وان ظن الجميع انني لربما احمل شيئاً شريراً او خافوا مما شاهدوهُ علی الكاميرات سأدعي عدم معرفتي ، وكم كان مُرهقاً لي كتم كل هذا ، رغبتُ بشدة البوح لأمي كلما رأيتها ولكنني حسبما ما قالوا لي ـ الثلاثي ـ لمصلحتي يجب ان لا اتحدث .
بالنهاية قوطِعَتْ سلسلة افكاري علی صوت مرجان يطلب مني ان نعود فبالفعل بدأ الجميع يتجهز للرحيل ، عُدنا بالسيارة كما جئنا ، انا وامي والخالة في الخلف ، غسق المنكسرة الفؤاد تجلس صامتة وحبيبها لم يبادلها بكلمة ، قرأتُ في افكارهُ انه ينوي الانفصال عنها ، تندم لخطبتهُ لها ، فبات يراها طفلة مدللة غير صالحة للزواج بعد . والغريب هو ميلهُ الشديد ناحيتي ، وكأنهُ وَجَدَ ما يبغيه من مواصفات في انا .
وهذا سبب اضافي جعل زوجي يقوم بأذيته دائماً ! حقاً الرجال لعوبين وكم كرهتُ كوني سبباً في دمار حياة انسان اخر ، فمهما يكن لا ذنب لغسق فيما تملكه من صفات ويغلب عليها الدلال فهي حقاً ابنة عز ودلال ، لربما معهُ حق هذا الدينيز هي لا زالت طفلة ولكن اين كان عقلهُ حينما تقدم لها ، كان هذا عذر سخيف اتخذهُ لنفسه حالما بدأ يميل لي وهذا الامر انا الاخری جعلني اكرههُ وبشدة ولأول مرة اقف بجانب غسق وادعم انفصالها عنهوان كانت هو من سيفتح الموضوع فلحد الان هو يتجاهلها فقط .
وصلنا للمنزل ونزلنا ووجدتُ زوجي الحبيب قد هبط امام الباب فهو يطير حولنا حتی نصل مع قرينتي والدمية التي عرفتُ اسمها فيما بعد زيزفونة .
صعدتُ الدرج اقف امام الباب اولي ظهري لتنكزني قرينتي قائلة بمكر :
ـ ما الذي فعلتهِ بالرجل يا فتاة انظري كيف جاء بلهفة نحوكِ .
التفتُ اليه بحركة سريعة اراه خرج مسرعاً مُتجاهِلاً الجميع حتی خطيبته ! وحالما توجه نحوي وكاد يصعد الدرج حتی مَدَ مرجان قدمه واسقطهُ ارضاً وكانت سقطتهُ اليمة !
تَبَسَم بنصر علی فعلته واخذت قرينتي تضحك بصوت عالاً وانا صرختُ بزوجي :
ـ لما فَعَلتَ ذلك ؟
لحسن الحظ لم ينتبه احد فلكوني فقط من اراهم سأبدوا مجنونة وانا اُخاطب الهواء ، لم اكن راضية عن افعالهُ الطفولية وفوق ذلك شخصيته النرجسية المُتمَلِكَةْ لأبعد الحدود ، ساعدت والدتي والخالة الشاب علی الوقوف وانحنيتُ التقط مفاتيحهُ واخذ المغرور يُطالعه بأنتصار ثم عبر من خلال الباب الی الداخل ، رجل لئيم .
بالنهاية توجهنا نحو الداخل واخذ دينيز يواري وجههُ حرجاً مني ، عزمتهُ الوالدة نجلاء علی العشاء سعيدة بصهرها المستقبلي ، وتعشينا جميعاً معاً .
زوجي الحبيب يقف خلفي وقرينتي بجانبه اما الدمية شاركتني الطعام تأكل بشراهة !
دينيز لم يُبعد نظره عني واخذ يتحدث معي وتارة مع كل من العم عادل والخالة نجلاء واصرارهُ علی مخاطبة امي والتودد اليها لذا اخذت الخالة تتُرجم حديثه ، كان لطيفاً مرحاً اجل ولكن تصرفهُ خاطئ ، فلم امنع نفسي من توجيه نظرات حادة نحوهُ جعلتهُ يخاف ثم انشغل عقله بمعرفة " اين اخطأ معي لأبدي انزعاجي منهُ " كانت افكار غسق تتلاطم في بعضها واخذتُ اشعر بقلبها الذي يتمزق شلواً ببطء .
كنتُ انظر اليها فينة واختها وتلك كانت اول مرة ارغم بضمها الي مُتناسية ما مررنا به ، كانت غسق طفلة عيبها تمسكها بأفكارها ، ما دامت اخذت فكرة مُعينة عن شخص فلن تُغيرها مُطلقاً .
كانت اجل تكرهني وتحقد علي ، ولكن هذا نابع من خوفها مني ولم اكن حقاً الومها ، انا نفسي لا زلتُ غير مُتقبلة لنفسي ولو لا ان الحقيقة ومعرفة من حولي بها سَتُشكل علي خَطَراً لكنتُ اخبرتهم بها منذ عرفتها .
انا نفسي كرهتُ ما انا عليه ، ما وُلِدتُ به ، حقاً من الصعب ان يعيش المرء يحمل حملاً ثقيلاً فاق الجبال بثقلهُ ، وكل هذا الكتمان يؤلم لي داخلي .
كانت تكبِتُ دموعها ، تجلس علی المائدة تُقلب محتويات طبقها المفضل فقط ، عادة تأكلهُ بشراهة ولكنها فقط شاردة ، تُحلل تصرفات خطيبها الغريبة ، تمنحهُ الف عذر لتعمي عينيها عن حقيقة انهُ لم يعد يحبها ، وانه ينظر الی اخری تكرهها اشد كره وهي انا !
لأوقن انني فعلاً فتاة نحس ، لم استطع تناول الطعام وكلما حاولتُ الابتعاد عن افكارها يحدث العكس واتعمق في داخلها اكثر ، حتی باتت جهة صدري تؤلمني بشدة وفاضت عيناي بالدموع ، كان المها ووحدتها عظيمين وروحها انكسرت ، قلبها يتلوع وكل هذا كان مؤلماً جداً .
بالنهاية غادرتُ العشاء وقبعتُ في غرفتي ساكنة ، بقربي قرينتي تلهو مع زيزفونة ومرجان يقرأ كتاباً بهدوء ، تحدثتُ شاردة الذهن عازمة علی قراري :
ـ سأُخبر الجميع بالحقيقة .
شعرات بنظرات الجميع تخترقني بحدة ، لقد ناقشنا هذا سابقاً كثيراً ولا زلتُ مصرة علی موقفي .
يتبع ......
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro