أستيقاظ (٢)
حالياً...
كرة ضوئية كبيرة الحجم كلؤلؤة خاطفة للأنفاس تستقر في مكان القفص المرجاني الذي أستحال ذرات يدور حولها الحور من جميع الجهات وقد تعبوا من مهاجمتها بأسلحتهم الحادة ليقفوا حائرين أمام صلابتها حيث لم يُخدش سطحها حتى !
أما ملكتهم فكانت ثائرة غاضبة على ما حصل خلال وهلات مضت !فما هية ذلك المخلوق العجيب الذي أطاح بأمان مدينتهم القائم منذ بلايين السنين مضت ؟
أستلمت تقريراً كاملاً عن ما حصل لتدور في غرفتها المحطمة ترمق تلك الكرة الضخمة وسيفها العملاق المنقسم الى شطرين جراء محاولة غرسه بقلب اللؤلؤة الحاوية لذلك المخلوق .
أما في خارج القصر الملكي واجه الحرس صعوبة بالغة في طمأنة شعب هذه المملكة المسالمة على ما يبدوا منذ امد طويل ، فجميعهم اخذوا يصرخون بأصوات غريبة محتجين وهم يتحركون بمجموعات مطالبين الذكور منهم برؤية الملكة بينما أكتفين النسوة بالعويل يحتضنن صغارهن !
وعلى بعد مسافة حيث تلك الحورية التي أكتشفت الجسم الشفاف لأول مرة تم تقييدها وسط أهتياجها وأعتراضها وصراخ عائلتها المعارضين من الناحية الأخرى ليتم تفرقة لم شملهم بقسوة لم يعهدها أحد من عامة الشعب من حراسهم يوماً !
الوضع كان مربكاً جداً لاسيما بعد تحريك قوات خاصة تميزت بجنودها من الحور ذوي الالوان الداكنة الضخام البنية ويلبسون دروع قاتمة بحيث غدوا اجسام دجماء تكاد لا تفرقها من ظلمة الليل الحالك وهم يتوجهون بسروب منظمة ناحية الأسوار الخارجية ، كانت حالة أنذار شاملة بالكامل خلقت زوبعة من الفوضى وسطهم !
أما الحورية التي أُقتيدت غصباً فتم أخذها الى داخل القصر الملكي وهي ترتعش مرتعبة تحدق بعيون شديدة الاتساع لذلك القصر الفخم الذي أكتفت برؤيتهُ من خلال نافذتها فقط .
وكلما أقتربوا كلما زادت رعشتها أكثر مما جعل عيون من يقتادوها يتفرسونها بحقد كمن أذنب بذنب عظيم لا يُغتفر !
مروا بتلك الممرات الخالية على عروشها يرون الفوضى الحاصلة متسائلين بذعر عن ما حصل !
أقتاد الحورية حارسين نحو ممرات مظلمة وكلما ازدادت الظلمة كلما علا صراخها بشكل غريب خوفاً من ما يسيقونها إليه ولكنها كانت ضئيلة الحجم مقارنةً بالذكرين فتم أخذها الى أنفاق صخرية خارج حدود القصر تنيره مشاعل عبارة عن هلام يضيء بلون أبيض ينير المكان بدرجة تمكن أصحابه من الرؤية جيداً .
حتى أنتهت الشبكة النفقية بمتاهة أخرى ولكن تلك المتاهة شبه مظلمة تتوزع بها تلك الاضاءات الهلامية على نحو متفرق وتصدر أصوات صاخبة متتالية لا تنقطع وحينما نزل الثلاثة معاً تحركوا على مهلهم وسط زنانزين ضمت حور بشعين الهيئة مثيرين للفزع وسط دهشة الحورية التي سكنت فجأة تطالع بذعر محيطها تتلقفها أيدي الحراس يمنة ويسرة حتى تم القائها في زنزانة وسط اولئك الوحوش لتتراجع بخوف ملتصقة بالحائط تغطي اذنيها الشديدتا الصغر مخافةً من تلك الأصوات الصاخبة وجسدها يرتعش بأكمله ذعراً لتبدأ بالنواح والبكاء بدموع لزجة هلامية بيضاء أشبه بالماء المتجمد وهي تنده على والدها عله ينقذها !
...............................
مريم :
حولي أصوات مبهمة وأنا ساكنة بلا أي ردة فعل لا ارى بوضوح فكل شيء مشوش !
جسدي مقيد وكأن هناك شيء يلفني بالكامل يمنعني من الحركة !
أردت النطق فخرج مني صوت متقطع أشبه بمناغاة الأطفال ! وأشعر أنني ضئيلة الحجم ، هشة ، لا أقوى على التحرك سوى قليلاً !
نظرت بصعوبة بالغة أثر التشوش في بصري الى ما فوقي كان يقابلني سقف !
أين أنا يا ترى ؟ منذ أن أبتلعني البحر في قاعه وأنا لا أدري بأي أرض أستقر جسدي وإذا ما كنتُ على قيد الحياة أم لا !
فقط شعرت بالتحرر وقتها ! لاسيما بعد أن تحلل جسدي بأكمله وتساقط عني كما يتساقط البناء القديم عن أساسه ، شعرتُ بأنني خفيفة أنساب مع المياه وحركتها وبعدها ظلام دامس كل ما قابلني وكأنني نمتُ بعمق أرتاح من جحيم ما مررت به .
والآن انا قابعة على سرير وثير ويقابلني سقف ! كيف تم انقاذي يا ترى ؟ هل خليلي من أخترق قلب البحر وأنجدني من ظلمته ؟
قطع نظري وجه ضخم ! أثار فزعي للحظات ! كان لأمرأة جميلة حملتني بين يديها كما لو كنتُ رضيعاً ! هذا عجيب والأعجب هو عدم ممانعتي وكأنني أقبلت على الحياة للتو وأنا متحمسة للقاء كل شيء في هذا العالم الجديد !
تفسيري الوحيد هو أنني فارقت الحياة فبعدما قارنت الوضع بعقلي وجدتني لربما وُلدت من جديد ! لكن هل هذا حتى ممكن ؟
وضعتني المرأة المبتسمة بأتساع في حجر أخرى كان العرق يغزو تقاسيمها الجميلة وكم أغرقتني بحنان معنوي وكأن حضنها حصن منيع لا يمكن أختراقه ! أمان ودفء لا يمكن وصفهما وشعرت بنفسي أطير فرحاً أطرب لصوتها وهي تتنفس متعبة من فمها تناظرني كما أفعل انا بعيون تلمع بدموع الفرح !
تحدثت المرأة قائلة :
- أنها طفلة هادئة جداً ، لأول مرة يولد طفل لا يملئ الدنيا صراخاً !
كنتُ مشغولة بمطالعة والدتي ! لم أعي أي حديث او اي حدث جرى بعدها سوى حضن تلك المرأة التي تكون أمي في هذا العالم ودفء صدرها ولذيذ حليبها !
مشاعر متضاربة وأحداث عجيبة مع ذلك ردة فعلي بسيطة تنحصر على دماغي وعلى حجمي اللذان وُجدت بهما .
لا أعلم لم تتبدل الأماكن بسرعة هكذا ولما حجمي بدأ يزداد وبدأت أصوات الجميع تتضح أكثر وأحجامهم التي تفوقني بدأتُ بملاحظة تفاصيلها أكثر !
في هذا العالم مر على حسب أعتقادي أيام او حتى ساعات لكنني أكبر وأكبر وكأن السنين تمر بسرعة أي كشريط فديو يحركه أحدهم ليختصر الأحداث !
كنتُ فتاة وسط عائلة كبيرة !
أم حسناء واب وسيم وخمسة أخوة كنت فتاتهم الوحيدة فتحملني الايادي ولا أكاد الامس الأرض حتى يتلقفني أحدهم !
مشيت على قدمي وبدأت أتحدث ببضع كلمات وبدأت رحلة تجوالي في هذا العالم !
اسمي " آشهين " الطفلة الشقراء ذات الأعين البنية الناعسة ، بعمر السابعة أدرس في مقر غريب أشبه بقبة علوم عجيبة ! كلها فلك ورياضيات وخوارزميات وفنون !
تشريح وعلوم طب وفلسفة ! لكنها تختلف تماماً عن ما كنتُ ألفهُ من علومنا !
نحن في زمن أعقب ولادة النبي آدم عليه السلام ! أجل هذا أغرب ما عرفتهُ من خلال عقلي الباطني ! فأنا في زمن كان يفترض أن يكون فيه الانسان بدائي يعيش في الكهوف ويقتات على الحيوانات كما قرأنا وحفظنا ولكن لا ! هذا الواقع هنا ! بشر ضخام البنية أقلهم بطول مترين وأطولهم بطول عشرة أمتار لا يزيد ولا ينقص !
هنا مدن متصلة ببعضها بلا حواجز او أسوار كلها مبنية في الجبال المحيطة بالمكان بناءً فخماً ينافس قصر الملكة إليزابيث الحالية !
هنا شيء يشبه السيارات كوسيلة نقل لكنها عربات من حديد عجيب لونه فهو نحاسي قابل للصبغ وقوي لا يُحطم بسهولة ! الوقود ليس كالذي نعرفهُ بل هناك خلطة من أعشاب تأتي خصيصاً من جبال بعيدة من التي حولنا ! يتم مزجها مع خليط من بودرة النحاس وبعض نترات الصوديوم يستخرجونها بأدوات عجيبة متطورة حجمها كبير وتحفر الصخور عميقاً جداً أفضل بكثير من تلك الأدوات المزعجة في عالمنا ! فهي لا تصدر صوتاً !
العلوم هنا تختلف كذلك فهنا علم التشريح الانساني وغيرها من اختصاصات الطب تُدرس لمن هم في عمري !
وفوق ذلك يتم أجراء تجارب في غرف واسعة خاصة وعقولنا تستوعب كل تلك المعلومات المهولة ببساطة وكأننا ندرس الحروف الأبجدية !
وعل ذكر الحروف فهنا اللغة موحدة ! فأنا ومن حولي من أعراق مختلفة ! انا بيضاء والذي بجانبي أسود الذي خلفي يشبه الآسويين والذي على جانبه اسمر ذاك احمر وذاك اصهب ! وكلنا نتحدث هذه اللغة ذات النغمة العذبة !
الحروف تشبه التي نعرفها في عالمنا ، حروف تشبه العربية لكن كتابتها وطريقة رسمها وكأنها مزركشة بلا نقاط ولا حركات !
مع ذلك سهلة الفهم وواضحة !
هنا قواعد صارمة من ناحية العيش السليم بلا منازعات ، أما الديانة فلا يوجد يتبعون ما تركه النبي من تعليمات حول العيش برفاهية وسلام !
اي اشبه بقواعد الشريعة الاسلامية . توجد عملة ذهبية فقط مدورة بلا اي نقوش يتم استخدامها للشراء والجميع يحصل عليها بلا منازع !
هنا الكل يعملون ! نساءً ورجال وتبرز عوائل معينة ذات مهنة واحدة بحيث يتم تلقيبهم بأسم مهنتهم كما أن المهن تورث !
الدواب تعيش بسلام حتى المفترسة منها ! الاسود والنمور والكثير غيرها ! تسكن غابات قريبة ، الأنهار والبحار تحيط بنا وعلى الضفة الاخرى حيث يسكنها بشر أيضاً يأتون على سفن كبيرة الحجم رائعة التصميم ! الامر العجيب هو وجود الحور او ما يُطلق عليهم بأمم البحر !
هؤلاء الأقوام بشر عاديين لا يملكون زعانف ولا خياشيم بل أناس عاديون يخرجون من البحر ويعودون إليه بشكل عادي يخرجون معهم جواهر حفظها البحر بقلبه يتاجرون بها مع بشر البر !
قطع القماش يجيء بها أقوام طائرون ! بشر يملكون أجنحة يعيشون فوق قمم الجبال ينسجون أقمشة ويتاجرون بها هنا !
المجتمع ثري وراقي فلا ترى فقيراً ولا يحدث فيها جنوح او فساد الإ ما ندر ! فقيل منذ مقتل هابيل على يد شقيقهُ قابيل نشأ نظام صارم يعاقب القاتل بشنقهُ على الجبل ! كل هذا جعلني بعجب من أمري ولكن آشهين التي أنا ارى حياتها من خلال عينيها مولودة هذا الزمن وتنتمي اليه !
كلما كبرت الصبية زاد حولها ضوء عجيب فكان يأتي اليها جن ومردة وشياطين يأخذون منها ما يُعرف بالبركة لكونها تداويهم بأدوية البشر العادية بطريقة محترفة نسبة الى عمرها وباتوا لها خدماً يطيعونها بكل كبيرة وصغيرة !
الصبية كانت الوحيدة ضئيلة الحجم ومن حولها عمالقة لدرجة تُحمل بها على الأكتاف اينما سارت وهي ابنة خمسة عشر ربيعاً .
قفزت السنين وبلغت الصبية سن العشرون ، حيث شاع خبرها حول أقاصي الأرض وراح الجميع يتهافتون لرؤية بشر تحدى المعقول وخرج عن طور بني جنسه فكانت ترى المستقبل وتداوي أمراض مستعصية علمهم الشديد التقدم كان يستغرق سنيناً طوال لمحاولة إيجاد علاج لها ، يأخذ الشيوخ والملوك من الجن مشورتها وتساعد الجميع بقواها التي غلبت العمالقة !
ف آشهين كانت أول زوهرية في تاريخ البشرية !
يتبع ....
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro