كشف المستور
في هذا العالم أشياء لا يمكنك أن تتخيلها أبداً..أشياء من الأفضل غض
جل حواسك عنها ."
كان يتحدث بغموض لم يستوعبه عقلي الصغير الملئ بأحلام الأطفال البسيطة التي لايهمها سوى اللعب والنوم فسألته
"أنا لا أفهم شيئاً أبتي ..فلتوضح لي الأمر "
تنهد تنهيدة عميقة أحسست منها بإنزعاجه ربما فطن لما تفوه به وبإنه ماكان يجدر به الإفصاح عما لايجدر الإفصاح عنه لكن لامفر له من إصراري ..كان مقولته الأساسية "عندما تبدء بشئ لابد من إنهاءه وإلا حُشِرت مع زمرة الفاشلين"وأظنه لايريد أن يخالف مقولته ويظهر أمامي بمظهر المنافق فقال مستسلماً وقد لاحظت كيف إتسعت حدقتا عيناه السوداوان الباهتتان لتسري رعشة قوية داخل جسدي الهزيل إهتز بها قلبي الصغير الذي كان غافلاً تماماً عن عالم الكبار المرير ،وكيف إرتجف فكه البارز الطويل محاولاً بجهد السماح لشفتاه المتيبستان بالكلام وأخيراًحاربً رجفان فكه وتسللت منه كلمات متقطعة لم أفهم منها سوى
"إبتعد عنهم ..لا .لا..تتدخل أبداً في شؤونهم..أ...أرجوك.. وإلا أرسلوا شياطينهم إليك..إح..إحذر..إحذرهم"
هرشت رأسي محتاراً.. كلمات غامضة أخرى هيجت حواسي وأفقدتني أعصابي..حاولت مجدداً إستيعاب ألغازه بسؤاله لكن عبثاً فقد كانت هذه آخر كلمات هذى بها أبي قبل موته..كلمات أشعلت فيّ نار الفضول لأكتشف حقيقتها.
إنها لذكرى شديدة مرابطة في مكانها تأبى تسريحي كأني أخوضُ حرباً ضروساً غير معلنة الأجل فياحبذا لو أنساها.بالتفكير في الأمر لا أريدُ الموت بين يديّ أطفالي مستقبلاً كي لا تترسخ هذه الذكرى في عقولهم وتحكمهم أبد الدهر كما يحدث معي.إستغرقتُ وقتاً طويلاً لأرتب ماأود قوله للسيد"هوكنز"قبل لقاءه عازماً على إفراغ مابجعبتي إليه متمنياً الفوز بمبتغاي لإني إن لم أوفق في هذا فسأقلب الدنيا على رأسه ولا أهتم بماذا سيحصل بعدها.
وهكذا مصحوباً بفكرة التمرد قصدتُ مكتب السيد"هوكنز" الذي سرعان ماأتسعت عيناه ذهولاً لرؤيتي بعدما كان قد منعني بطريقة غير مباشرة في لقاءه وأنتصب قائماً لم يُدلي بتعليق على دخولي الفوضوي،وإني لعلى يقين بمعرفته لنواياي.جلستُ على الكرسي أمامه مسنداً راحتيّ كفيّ على رأس عصاي المدور.منتظراً كلمة منه،قال وقد جلس بدوره باذلاً جهده في إختراع كذبة تملصه مني
"سأخرج الآن للقاء زبون مهم سيد فريدل أرجو تفهمك"
"ماأفهمه هو أن لديك قضية بالغة في الأهمية تحتم عليك الآن النظر بشأنها كما قال لي مساعدك "
قلتُ بدوري مع تركيزي على ردة فعله
"لم أخبر مساعدي بشأن الزبون..."
"أوه كفى سيد هوكنز ينبغي عليك إختيار كذبة يصعب كشفها "
تنهد وعقف شاربيه الطويلين الأسودين وصوبّ نظرات إعجاب لي وعقب
"أنت نبيه كوالدك لا يخفى عليك شئ"
"وأنت ذكي بما يكفي لمعرفة غايتي "
"إن كنت قد جئت لأجل قضية الرجل العجوز فلازلنا نبحث بشأنها "
"كلا..بل جئت لأجل مابيننا من ماضي"
"لا أعرف عما تتحدث سيد فريدل ..أعتقد أن هذا يكفي عليك أن تغادر"
طرقتُ بعصاي على الأرض مغتاظاً وأفصحتُ عن كل مالدي من قصص،وكان وجهه تارةً يُربد وتارةً يسكن ويغشاه هدوء غريب مع محاولته في تجنب لقاء عيناي حتى وصلت أخيراً بالقول
"من ماذا كان يحذرني والدي ؟"
متصنعاً بالجهل،أجاب "لا علم لي بما قلته تواً ..إلى ماذا تسعى بالضبط أيها الشاب؟"
"أسعى لمعرفة الحقيقة "
"قد تكون الحقيقة عبئاً لن تتحمله "
"هذا يعتمد على قابلية حاملها..لقد تحملت لسنوات الكوابيس و عجائب عائلتي أتظنني لن أتحمل معرفة الحقيقة..ألا يحق لي إكتشاف من كان والدي..كيف لي أن أحذر من شئ أجهله ..لم أتعرض لتهديد أو شئ ما طوال حياتي..هل هي تحذيرات توهمت بها لضعف إستيعابي أم ماذا بالضبط ..حباً بالله لقد ذقتُ ذرعاً أشعر كما لو أني خدعت من طرفهم ..أو كما لو أني سأجن فلتتفهم موقفي رجاءً"
صمتٌ ثقيل جثم على المكان وصبري ماعدتُ أطيقه حتى نبس أخيراً مستسلماً
"إني لأرى والدك فيك ..حبه للإستطلاع والمعرفة كلفه ثمناً غالياً ..حسناً سأخبرك بما عندي رغبة في تخليصك من معاناتك ليس إلا وأعلم أني بهذا أنكث وعدي لوالديك ..إنه ليس بالأمر السهل..لذا أود منك أن تدع الأمر يمضي بسلام وتحظى بحياة جديدة حيث لا يسكنها الماضي ولا يزعزعها"
"لا يمكنني أن أعدك بشئ فأنا أخلف بوعودي في بعض المرات"
لم يستسغ ماقلته وخرجت الكلمات بصعوبة بالغة رغماً عنه
"إن عالمنا فيه من الأشياء مايصعب تخيلها والإيمان بها حتى..أشياء غير مرئية فرط التفكير فيها يودي إلى الجنون أحياناً وكان والدك مجنوناً بهذه الأشياء..حبه للإستطلاع نشأ عنده مبكراً وأمضى حياته في سبيل المعرفة "
قاطعته "لا أفهم شيئاً مما تقوله؟فلتختصر الكلام رجاءً"
عقد ذراعيه حول صدره وأسترخى على كرسيه وأفسح المجال ليفضي بما عنده
"والدك كرس حياته لإكتشاف الأمور غير المرئية والخارقة للطبيعة في هذا الكون..لا تحسبنا السكان الوحيدين لهذا الكوكب سيد فريدل..هناك عالمٌ آخر غيبي يسكن معنا وصب والدك جل إهتمامه لمعرفته حتى توصل أخيراً لإكتشافه .."
توقف قليلاً يرمقني بفضول لمعرفة مايعتريني من مخاوف لا أنكر إني بدأت قليلاً أخشى كلماته العجيبة غير المعترف بها من طرفي
"إنه عالم السحر والشعوذة .. يسكنه شرذمة قليلة ممن يمتلكون قوة على تسخير قوى خارقة للطبيعية في سبيل مصالحها وإيذاء الآخرين ..ندعوهم بالسحرة أو المشعوذين .."
قاطعته "إنها مجرد خزعبلات لا أؤمن بوجودها"
"إذاً أنت تمتلك معلومات بشأنه"
سألني بنية إختبار معلوماتي القليلة فأجبت بلا مبالاة
"ليس بالكثير كل ماأعرفه هو أشياء خارقة كما قلت والتي لا أود معرفتها ولا مناقشتها لإني بإختصار لن أؤمن بها..ماعلاقة هذا الهراء بحديثنا؟"
"إن كلمة السحر مشتقة من الكلمة اليونانية ماجيا والتي تعني الطقوس والمراسم التي يقيمها كهنة ماجو في الماضي وقد إختلفت مسمياته على مدار العصور الماضية وأشد أنواع السحر هو السحر الأسود ..هؤلاء كما قلت سحرة يقومون بعقد صفقة دموية مع لوسيفر سيد الشياطين اللذين يسكنون كوكبنا ويعيشون بيننا ونحن لا نراهم..على تلك الشرذمة سلط والدك إهتمامه..تعايش معهم وأكتشف طرقهم ومكائدهم في سلب عقول الناس"
صدرت مني ضحكات مستهزئة مستنكرة ماقاله..لازلت غير مقتنع بما رواه لي وقد لاحظ هذا علي ثم إستطرد غير مبالي لإستهزائي وقال
"أردت معرفة الحقيقة وهاأنا أسردها على مسامعك ولك حرية التصديق ..لقد كاد والدك يركن إليهم حتى إنتبه لأفعالهم الشريرة و أنشق عنهم ولجأ إلي..كنت وقتها ولا زلت ضمن فريق مكلف بمطاردة السحرة و معاقبتهم وقد حاولت مرات عديدة إكتشاف مخبأهم وأفشل دائماً حتى تعرفت بوالدك ونشأت بيننا صداقة عريقة..قمت ورفاقي بالقبض عليهم وإعدامهم واحداً تلو الآخر وأستمرت حملتنا لسنوات لينظم إلينا والدك وتوثقت علاقتنا آنذاك أكثر وأزددنا معرفة بعلومه عنهم"
صمت قليلاً يحاول إستجماع كلماته وأردف
"الرموز التي رأيتها في كتب والدك وعلى جدران غرفة أختك وفي صور النساء المقتولات تسمى طلاسم وهي رموز أو كتابات أو نقوش غريبة يستعملها السحرة لخدمتهم في تسليط الشر على الآخرين كما حدث مع أختك..قام ساحر بتسليط شيطان تلبسها في سبيل إيذاء والدك وذاك الصراخ الذي سمعته كان صراخها حين عمدنا إلى إخراجه منها المسكينة ولم نفلح إلا حين قتلنا الساحر إن أردت معلومات أكثر فأسأل والدتك وأختك .."
إنقطاع آخر في مجرى الحديث ليتلوه توضيحاً آخر
"أما عن سبب هجري لكم فهو لدرء الأخطار عنكم فوالدتك لازالت تلقي باللوم على وفاة زوجها علي كوني السبب في جر والدك إلى ذاك العالم الملعون لهذا طلبت مني ألابتعاد عنكم نهائياً..قبل وفاته جعلنا نقسم أن لا نخبرك شيئاً عن عمله وحملنا القسم معنا لسنوات وهذا ما جعل والدتك تحرق الكتب خشية أن تواصل مسيرته وتُفنى العائلة على أيدي أعداءها..كانت تخاف عليك وكذا أنا،وأزيدك علماً أيضاً إن وفاته كانت نتيجة نوبة قلبية أصابته وقت تعرض فريقنا للموت على أيديهم..تم إحراق معقلنا ومات الكثير من أصدقاءنا ولم ينجو إلا قلة قليلة إزدادت بعد حين ..هذه كل الحكاية ..عن ذلك العالم الغامض الملعون"
تركتُ كرسيّ بتثاقل وذرعت الغرفة جيئة وذهاباً أحلل الأمور بمنطقية ومهما سمعت فجزء مني يرفض التصديق فسألت بغير إقتناع
"أتتوقع مني تصديق كلامك.."
"أنت تناقض نفسك سيد فريدل..ألم ترغب بسماع الحقيقة..هذه هي الحقيقة..قصصتها عليك تبعاً لما تعرضت إليه وما عايشته طوال سنواتي الخمسون..لهذا والدك حذرك منهم ونحن أيضاً نحاول توعية الناس بهؤلاء الأشرار..إنه عمل منافي للعقل والدين..لقد رأيت أشياءً مروعة وماكنت أقصها عليك لو لم أختبرها و الأمر راجع إليك لتصدقها..والآن وقد عرفت عليك أن تحذرهم وتتجنبهم وإلا جروك للجحيم"
إزدرد ريقي وشعرت إن كلماتي تحتضر وإرتعاش رافقه دوار تمكنا مني،وماعدت أميز الواقع.عدت لمجلسي ألتقط أنفاسي منكساً رأسي لتقع عيناي على صور الجثث موضوعة جانباً فمددت يدي بغير إستئذان وسحبتها إلي،ولم ألقى إعتراض منه مما سمح لي بسؤاله
"ماذا تفعل هذه الطلاسم على جسد الضحية؟ "
وكانت الضحية مقطوعة اللسان والأذنان ونقش على جبينها طلسم غريب الشكل أشبه بنجمة صغيرة.أما الصورة الثانية فكانت أيضاً لفتاة تحمل نفس النقش وصدرها مشقوق مفتوح على جانبيه منزوع القلب.رميتُ بهم بعيداً غير قادر على رؤية بقيتها فقد أثارت رعبي وجزعي..أي حيوان فعل هذا الفعل الشنيع..مؤكدٌ ليس بإنسان ..كأنه قرأ ما في كنهي قال
"إنه حيوان بشري من فعل هذا..نعتقد ومن الدلائل التي حصلنا عليها إن القاتل قد يكون ساحراً..ليس النقش الوحيد هو الدليل بل عثرنا على عنق كل واحدة منهن قلادة تحمل طلسماً ملعوناً مما أدلنا على هذا ألافتراض "
"يا للوحشية ..إذاً ماذا يصنع بأجزاء الضحايا ؟"
منزعجاً من كثرة أسئلتي،أجاب على مضض
"يستخدمها لأغراض السحر..هؤلاء النسوة تم التضحية بهن للشيطان كنوع من الطقوس تبرهن على إخلاصك له .."
قاطعته مذعوراً"ماذا لو كان يتاجر بإعضاءهن..هل هذا وارد؟"
"إنه إحتمال بسيط لكن حسب خبرتي بهذه الأمور فإن بعض أنواع السحر يتطلب أخذ أجزاء من الضحايا ليتم السحر بشكل صحيح كعظمة ساق أو لسان وغيرها وإحتمال أيضاً أن يتم المتاجرة بها..أسمعت يوماً بقصة جاك السفاح؟"
"نعم إنه قاتل متسلسل ألم يتم القبض عليه للآن ؟"
"قبضنا على الكثير ممن أدعوا أنهم جاك السفاح وآخرها كان قبل سنتين حيث أنتحر أحدهم مدعياً أنه هو وتوقفت عمليات القتل ثم عادت قبل شهر وبقوة حيث عثرنا على جثتين والآن لدينا ست جثث وقتلن جميعهن بنفس أسلوب جاك..سندخل في سنة جديدة بعد أيام قليلة وعلينا إيجاد القاتل قبل شروعه بأية عملية قتل أخرى..سيد فريدل أفصحت عن كل مالدي من معلومات وأظن هذا يكفي فلتذهب رجاءً وللمرة الأخيرة عد لحياتك الطبيعية"
غادرته شاكراً على تخصيصه وقتاً لي ونكثه بقسمه لوالدي لم يكن أمراً سهلاً ولكني لازلت غير مقتنع أنا لا أصدق مايقال بسرعة إلا إذا رأيت بأم عيني.لا أصدق إن هذه الأسرار هي ماأثقلت صدري زمناً طويلاً.سألجأ إلى والدتي إن كان كلامها يماثل رواية السيد "هوكنز"فهذا يعني إنها الحقيقة التي يجب أن أحذرها وأتجنبها،وقبيل مغادرتي دخلت إمرأة تناهز الثلاثين برفقة شرطي قال أنها شاهدة مهمة فدخلا وأغلقا الباب خلفهما مما مكنني من إرهاف سمعي رغبة في سماع مايُقال في الداخل وهذا ما حصلتُ عليه قبل مجئ شرطي آخر لأفر من المكان متوجهاً للمنزل.
سمعتها تقول أن الضحية السادسة كانت صديقتها وقد حذرتها من مغبة رؤية ساحر لجعلها تحمل بأبن مسؤول كبير.قالت أيضاً مستعينة بماضيها السئ أنها قبل عشر سنوات لجأت إلى ساحر هي الأخرى لأجل حصولها على ثروة أخيها بعد وفاته وأدى هذا إلى إنقلاب السحر عليها وعلى عائلتها بإن جردهم من كل ثروتهم وقتل أبنها الصغير.ربما تكون على علم بهوية القاتل أو الساحر أو أياً مايسمى..لقد سئمت من كل هذه الترهات.لم أجد والدتي في المنزل لذا سأجدها في منزل أختي كعادتها هذه الأيامة..إنها وبشكل غريب تكرر زيارتها لأكثر من مرة وأحياناً تبيت عندها كيف لم ألاحظ ماذا لو شئ سئ يحدث وأنا لا أعلم ..هل يتم إقصائي مجدداً ؟.
في حديقة منزل أختي تلقتني إبنتها ذات الخمس سنوات "دورثي"في الأحضان وكونها طفلة بكماء فقد علمها والدها لغة الأشارة وتعلمت بعضاً منها للتواصل معها.كانت مستاءة كثيراً وعندما طلبت منها إخباري عن سبب إستياءها قالت بأن والدتي وأختي حرقا كل رسوماتها لتعود لي ذكرى إحراق كتب والدي!مالذي يحصل ياإلهي ؟! ماهي تلك الرسومات ليحرقانها؟ كما إن رسوماتها تشير إلى مستقبل باهر لها في فن الرسم ولا يحق لأحد طمس موهبتها ..
هل تكون...!!مستحيل!!.وبدون مقدمات إقتحمت المنزل آخذاً بيد "دورثي"إلى غرفتها متجاهلاً فزع الموجودين ونداءتهم في فتح باب الغرفة ..طلبت منها أن ترسم مالديها وبالفعل أتمت رسمها لمدة ربع ساعة وأرتنيهم ..كانت رسومات غريبة لست فتيات كأنهن يرقصن بشكل دائري يقف أمامهن رجل مرعب بعباءة سوداء عليها رمز كتلك الرموز التي رأيتها،وبضعة أشجار تختبأ خلفها طفلة ورجل مسن تصل ثيابه لركبتيه!!!.
يتبع...
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro