1| هل مرّ رمضان بدون مقلب؟
«حين انطفأ النّور وأصبح العالم يقبع في زاويةٍ مُظلمةٍ بعيدة عن الشّمس، حين انطفأت قلوبنا وأصبحت الوَحشةُ تأكل فينا، حين يُعاقب الجميع بذنبٍ اقترفه البعض، وحين تُمطر السّماء وسط صيفِ أغسطس بُكاءً ورثاءً لِحالنا.»
«بعد ظهور فيروس كورونا في الفترة الأخيرة وانتشاره تقريبًا في العالم كله، باتت الأحوال في اضمحلالٍ وتدهورت كثيرًا، الرعب يسكن القلوب، ويُفجَع الكثير على أحبائهم ضحايا كورونا القاضية، فيروس صغير تسبب في كُل هذا؟ أيُعقل؟
والآن هلّ رمضان بأنواره علينا، لكن وللأسف لا اجتماعات عائلية، لا صلاة تروايح، المساجد مُغلقة، لا قُرآن يُتلى فيها كما كان، ولا طقوس دينية في رمضان مثل كل عام، وكذلك لا مقالب، هل يمر رمضان دون مقلب؟
الجميع في اشتياقٍ حتى تعود الأيام كما كانت عليه، ويظن الكثير بأن هذه نهاية العالم، لكنهم نسوا شيئًا مهمًا، أن هذا ابتلاء من الله، إما أن نكون من الصابرين أو لا، لكن فعليًا، هل هذه نهاية العالم؟»
بعد أن كتبت المقال.. نظرت له قليلًا متنهدة، ثُم ضغطت نشر، ليُنشر على مدونتها على جوجل، تركت الحاسوب لفترة حينَ نادت عليها والدتها.. ثُم عادت لتتفحصه فوجدت خبرًا مُصنفًا أنه هام!
فتحت الخبر لتجد كالآتي:
وأخيرًا بعدما عمّ اليأس على العالم، ذهب كورونا بعيدًا وقُضِي عليه من قبل الجيش الأبيض، كلمة شكرٍ لهم على جهودهم المبذولة في الفترة الماضية.
لكنها هتفت بـسعادة:
«رائع! يبدو أن رمضان لن يمر دون مقلب!»
---
الرواي..
بعد انتهاء هذه الغُمة المُسماة بفيروس كورونا، بات مسموحًا بالتجمّعات العائلية وأخيرًا، أما في منزل الفتاة الجميلة ذات الشعر...
فقاطعته الكاتبة صائحة بملل:
يا هذا، ادخل في الأحداث مباشرةً، إنها قصة قصيرة، ليس لدينا الكثير من الكلمات! هل ستهدرهم في هذا الهراء؟!»
لكن وبما أن الراويقد رفض أن يروي كما تريد الكاتبة، قامت بطرده بغيظٍ، ثُم جلست تروي هي الأحداث..
الكاتبة..
في منزل ليال، المكان مكتظٌ بالكائناتِ البشرية المتواجدة في كل مكان، والأطفال الصغيرة والتي كانت تلعب هنا وهناك، أما بالنسبة لليال بعد إنتهاء الجميع من تناول طعام الإفطار كانت تغدو وتروح باستمرار لتلبية طلبات الضيوف، بعدما وجدت وقتًا للراحة أخيرًا جلست على المقعد خلفها تزفر بتعبٍ وهي تُتمتم بغيظ:
«لو تعود أيام كورونا فقط، تعبت حقًا من هؤلاء البشر.»
ثُم نفخت بقوةٍ لتسمع صوت ضحكات رقيقة من خلفها، مهلًا هي تعرف هذا الصوت!
«لينا! ظننتُكِ لا زلتِ خارج البلاد ولم تعودي بعد، متى عُدتِ من السفر؟»
ابتسمت لينا وهي تجلس على مقربةٍ منها، هاتفة بمُداعبة:
«ألم تكوني منذ قليل تتمنين لو أن أيام كورونا لم تنتهي؟»
فضحكت ليال بحرجٍ طفيفٍ ثُم ما لبثت أن أردفت:
«لا شيء، فقط انزعجت من هؤلاء البشر، تعبت من طلباتهم والتي لا تنتهي.»
«لا بأس هذه هي العائلة، هل هذا أول تجمع لنا؟ أنتِ بالفعل تعرفين طلباتهم الكثيرة.»
لتجلس بجانبها بابتسامة بعدما ألقت بكلماتها بملل، لتتنهد الأخيرة بمللٍ هي الأخرى، لكنها فجأةً قفزت بحماسٍ هاتفة:
«إذًا.. ما رأيكِ يا فتاة بمقلبٍ صغير؟»
«مقلب! حسنًا رائع، ولكن هل لديكِ فكرة؟»
أومأت ليال بحماسٍ وهي تقترب من لينا هامسة في أذنها بما عليها فعله، فأومأت لينا مُبتعدة لتنفيذ ما قالته لها، بينما ليال تضحك بشرٍ مُستطير وهي تُردف بخبث:
«والآن ستندمون جميعًا على طلباتكم الكثيرة!»
عاد الرواي يرجو من الكاتبة أن تُعيد له عمله وسيلتزم بشروطها، لم يجد عملًا آخر فاضطر للعودة إليها والاعتذار منها، فقبلت الكاتبة الاعتذار منه على مضضٍ وسلّمت له القصة بتهديد..
وأخيرًا حانت اللحظة وستلقي ليال بقنبلتها في وجه من كان يُضايقها، تلك الفتاة الجميلة البريئة ذات الشعر الكستنائي تفعل كل هذا؟
لكن الكاتبة أتت بمطرقة حديدية كبيرة وألقتها على الأخير، فمات ذلك الرواي الثرثار، خبّئت الكاتبة الجُثة إلى أن تنتهي من هذه القصة المنحوسة..
بعدما اتفقت ليال ولينا على تجهيز مقلب للعائلة، ابتسمت ليال وأومأت للينا حتى تستعد، ثُم خرجت من الغرفة وبدأت بالبكاء المزيف وتشهق وتصرخ قائلةً:
«أمي..»
فأسرعت إليها والدتها بـقلقٍ حقيقي بدى على وجهها قائلة:
«ماذا بكِ ليال، ما الأمر؟»
فازداد بكائها وسقطت دموعها كشالالاتٍ على وجنتيها - دموع التماسيح - والجميع لا يفهم ما الأمر، حاولت والدتها التهدئة من روعها المزيف إلى أن هدأت تمامًا، ثُم قالت:
«لينا لديها حُمى، إنها مريضة جدًا.. ماما لينا مصابة بكورونا.»
وعادت تنوح مجددًا، بينما الجميع في حالة ذُعرٍ ليتوجه البعض إلى باب المنزل حتى يخرج، لكن ليال كانت ذكية وأغلقت كل الأبواب والنوافذ مُسبقًا حتى لا يخرج أحد، ثوانٍ وخرجت لينا من الغرفة وهي تُمثل بأنها مُختنقة ولا تستطيع التنفس، ذُعِر الجميع أكثر من رؤيتها هكذا، وابتعدوا عنها جميعًا بلا استثناء إلا والدتها، لتقترب منها بذعرٍ تتحسّس جبينها، وما إن وضعت والدة لينا يدها عليها حتى سقطت كلٌ من ليال ولينا أرضًا ضاحكين بقوة.
«ماذا يحدث هنا؟»
«كان مقلبًا، وانطلت عليكم الخُدعة.»
ابتعد الجميع عنهما وهم يُنادوهما بالسخيفتين، والبعض يتوعد لهما، أما الآخر يُسبهما ويلعنهما، أما عن ليال ولينا لا زالا على حالهما من هيستيرها الضحك ولم يتوقفا حتى شرقا من كثرة الضحك.
---
«ليال.. ليال.» خرجت ليال من شرودها حين استمعت لنداء والدتها باسمها، لتُجيب بصوتٍ عالِ:
«نعم أمي.»
«هيا عزيزتي، حان وقت الإفطار.»
«آه حسنًا، آتية الآن.» أجابت قبل أن تلتفت لحاسوبها المحمول تتفحص المقال.
«ماذا! ألم أنشر المقال بعد؟!» ردّدَت بتعجبٍ وهي ترى بأن مقالها لم يُنشر بعد، تنهد بعمقٍ ناظرةً إليه نظرة أخيرة قبل أن تضغط نشر، تنهيدة شاردة أخرى صدرت منها وهي تستعيد أحداث حلم اليقظة ذاك، قبل أن تنهض ذاهبةً لتناول طعام الإفطار، لولا حاجتها للطعام للبقاء على قيد الحياة، ما اشتهت تناوله.
وتحوّلت الحياة الطبيعيةِ لحُلمِ يقظةٍ نتمنّى لو يُحقّق، حتّى بات التمنّي حزينًا علينا عاجزًا عن تحقيقِ ما أردناه منه.
فقط نظرة.. نظرة واحدة لكُلّ من غاب عنّا وسط زحمةِ بلاء العالم.
تمت.
تصويت🌟.
792كلمة.
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro