9¦ عصفور الجنة.
اليوم كان من أغرب الأيام التي مر بها، وهو مر بالكثير من هذه الأيام.
هو استيقظ من النوم يشعر بحنجرته جيدةً نوعًا ما، ليست متحسنةً كليًا، لكنها جيدةٌ كفاية ليستيقظ دون الشعور وكأنه يحتاج لشرب ثلاثة علب ماءٍ في ذات اللحظة.
عندما خرج من دورة المياه، رأى هيسونغ يجلس على الأريكة وهو ينظر لهاتفه في كل ثانية، وحين رأى جونغ إن يذهب للمطبخ هو هتف بكل إشراق: «صباح الخير!»
الشمس قد بدأت بالغروب بالفعل.
رمش جونغ إن لعدة مراتٍ قبل أن ينظر إليه بغرابة مجيبًا على تحيته.
ابتسم هيسونغ ناحيته، قبل أن يعود للمس هاتفه كل ثانية بحماسٍ غريب. هز جونغ إن رأسه، لقد رأى الأغرب من هيسونغ، شيءٌ كهذا يبدو لا شيء مقارنةً بما قد فعله سابقًا.
حين دخل المطبخ، هو لم يجد هيونجين فيه كما يحدث دومًا، بل وجد بومغيو جالسًا، يتصفح دفتر رسم هيونجين، ورفع رأسه حالما شعر بدخوله.
بومغيو هو أول من أنزل رأسه، لكنه همس بعد ذلك سريعًا: «صباح الخير.»
عقد جونغ إن حاجبيه، وفتح هاتفه ليرى إن كانت سنةٌ قد مرّت بالفعل وأصبح يوم ميلاده أو شيءٌ من هذا القبيل، لكنه كان التاسع من مارس؛ لذا التشوش ازداد.
هو لم يفعل شيئًا ليجعل بومغيو يعود للتحدث إليه، هو لم يفعل أي شيءٍ قد يجعل كلاهما يعودا للتحدث إليه، رغم عدم معرفته لماذا هم كانوا يهربون منه، خصيصًا هيسونغ الذي لم يكن متواجدًا بالأصل. أو ربما هذه حقيقة هيسونغ، هو يعيش في عالمٍ آخر دومًا.
«صباح النور.» هو أجاب رغم تشوشه لما يحدث، متجهًا لمكينة القهوة، لولا يد بومغيو التي أشارت لكوبٍ ما على المنضدة الأخرى.
«لقد صنعت بعض الحليب.»
بومغيو يعلم أنه لا يفضل شرب الحليب. لكنه فعل ذلك لأجله، لأجل حنجرته المتعبة.
«حسنًا.»
هو استسلم مجددًا، لكن لنفسه.
-
الجو كان مشمسًا على غير العادة، لقد اقترب الربيع؛ لذا متوقعٌ تمامًا، لا يعلم لما هو مصدومٌ من هذا الأمر.
الأجواء باتت رطبةً والغيوم تملؤ السماء أغلب الأيام، والمطر يتساقط في كل فجرٍ يحاول فيه النوم لولا البتلات التي تستمر الخروج باستمرار بسبب مقاومته المستمرة في اليوم بأكمله. حتى أن بومغيو قد اقتحم الغرفة بينما هو يسعل وحاول المساعدة بفزع.
لكن جونغ إن أخفاها بين يديه، ولم يقابل بومغيو سوى ظهره.
حاول بومغيو إقناعه بالالتفات وجعله يساعده، ولو فقط ليربت على ظهره، لكن ما قابله من ردٍ هو الوجوم.
لذا بومغيو جلس في الغرفة رغم رفضه بينما هو يختنق بالبتلات، ولم يخرج حتى تمكن جونغ إن من جمع أنفاسه.
لا يعلم لما بومغيو مصرٌ بهذه الطريقة، لماذا يحاول معرفة سبب هذا. قد أتته فكرة البحث عن تفسير ما يحدث، لكن البحث، والاكتشاف، يعني حقيقة الموقف.
يفضل جونغ إن العيش في جهل، على أن يكتشف السبب. رغم أنه واثقٌ تسعون بالمئة أن الأمر متعلقٌ بكوان.
زهرةٌ برتقالية، بتلاتٌ طويلة، جميعها تذكره بكوان.
ربما يجب عليه البحث عن اسم الزهرة التي تتمايل داخله.
قبل عدة أيامٍ كوان أرسلت له صورةً لها، لقد صبغت شعرها برتقاليًا، كانت تبدو كالبتلات التي تستقر على وسادته حين يستيقظ من النوم.
وكأن الحياة تناوله رسالة، هو وجد محل نباتاتٍ في طريقه.
دخله دون تفكير، وبحث.
الأزهار المنتشرة في المكان كانت اعتيادية، وغالبيتها رأى بيونغهو يهديها لكوان حين يقلها لمواعيدهم الأسبوعية، والتي هو متأكدٌ أنها فقط تعني الحب وما إلى ذلك، جونغ إن لم يهتم حقًا للمعاني التي توصلها النباتات، لكن ليس وكأن كوان ستدعه دون معرفة معانيها.
لقد أهداها الأوركيد، الأقحوان، والتوليب. هذا ما يتذكره، لابد من أنه أهداها أكثر من هذه الأزهار؛ لأنه يتذكر الأربعة جرات، وجميعها مليئة بالأزهار المنوعة.
في أحيانٍ نادرة، هو يدخل غرفتها -غرفة إل سونغ السابقة-، ويجدها تتأمل الأزهار بشرود، وكأنها نسيت وجودها في الواقع، تسبح في عالمها الخاص بينما تتأمل الأزهار وهي تجلس على الكرسي الخشبي الخاص بها.
هو حتى هذا اليوم، لا يعلم ما هو سبب تصرفاتها الغريبة تلك.
«هل تريد مني مساعدتك؟» الموظفة قاطعت أفكاره، وهو التفت إليها قليلًا ناويًا رفض مساعدتها.
حتى سرق بصره أزهارٌ ذات كميةٍ قليلة، في نهاية الرف، وكأنها منسية، غير مرغوبٍ بها، أو ربما فقط نادرة الوجود.
بتلاتها المزرقة والتي تتلاشى للون البرتقالي تشابه التي تستلقي بجانبه على الوسادة.
«في الواقع، نعم. هل يمكنك إخباري عن هذه الأزهار؟» أشار إلى الزاوية حيث تكون، وشاهد الموظفة تشرق حالما رأت أينما يشير.
«هذه أزهار عصفور الجنة! هي حقًا نادرة وغالبًا توجد في جنوب أفريقيا، هي تحتاج لسنينٍ طويلة كي تتفتح بتلاتها لكن هذه مكتملة النمو! كذلك تعيش أفضل في الأجواء الرطبة والدافئة لذلك لا يمكن إيجادها هنا كثيرًا.» شرحت بكل تفاني وهي تتأملها بلا كللٍ أو ملل.
عصفور الجنة إذًا.
«هل تملك معنًى معينًا؟» سأل دون إدراك.
ابتسمت أكثر رغم اعتقاده السابق أنها لن تستطيع الابتسام أكثر من قبل، وأجابت: «نعم، هي تعني الابتهاج والحرية.»
إن كان الأمر يتعلق بكوان.. هل هذا يعني ابتهاجها بكونها لا تعتني به الآن؟ حريتها بعد أن خرجت من القفص التي وضعت نفسها فيه معه؟
«هل تريد شراءها؟» قطعت الموظفة حبل أفكاره المزعجة.
نظر للأزهار التي تحملها في يدها، وأخرج محفظته.
-
ربما من الخاطئ شراؤها، ربما من الخاطئ أنه اتخذ قرار شراء شيءٍ جميل، لكنه كافي ليقتله، ليعكر عملية تنفسه، ليعيش داخله دون معرفة سبب وجودها من الأساس.
لكنه اشتراها بالفعل، رغم عقله الذي يصرخ عليه مرارًا وتكرارًا بما لا يستطيع فهمه، ووضعها في جرةٍ جانب روبي التي بدت حيةً أكثر من أي يومٍ مضى، بينما الريش قد ماتت الشهر الماضي. هو شعر بالندم ناحيتها، لكن على الأقل ليست روبي التي ماتت.
تقرفص أمام الأزهار، ولمس بتلاتها التي بدت ناعمةً جدًا ورقيقة، عكس التي يستيقظ ويجدها أصبحت متيبسةً ومتقلصة.
تنهد دون سبب، هو يشعر وكأنه يستمر بأخذ جميع القرارات الخاطئة، وفي كل مرةٍ يخبر ذاته أنه بهذه الطريقة لن يتضرر أي أحدٍ ممن حوله. يجد أن الجميع متضررٌ من قراراته.
لا يعلم متى سيتوقف عن كونه شخصٌ أناني.
«يالها من أزهارٍ جميلة! هي تشبه شكل العصافير جدًا.» قاطعه مجيء هيونجين للشرفة، وجونغ إن اكتفى بالابتسام نحوه.
«في الواقع، اسمها زهرة عصفور الجنة، لذا.» لمس بتلاتها مجددًا، هو لا يستطيع تصديق أنها هي ذاتها التي تعيش في صدره.
ابتسم هيونجين دون قول أي شيء، أو ربما حتى فتح جهازه اللوحي الذي لم يلاحظ جونغ إن مجيئه به.
رفع حاجبيه متسائلًا: «ماذا تفعل؟»
«أرسمها.» أجاب الأكبر ببساطة.
هيونجين يستمر بجعله مندهشًا طيلة الوقت، يملك الكثير من المفاجآت، والتي تأتي دومًا في الوقت المناسب.
هو يعلم أن الأكبر رسامٌ جيد، بل محترف إن كان دقيقًا. لكنه في كل مرةٍ يرى رسمه هو ينصدم وكأنها المرة الأولى له لرؤيته. هو فقط ينسى مدى فن الآخر، سواءً في كتابة الشعر أم الرسم الذي دومًا يفاجئه به.
«إذًا، هل هنالك سببٌ جعلك تشتريها؟» سأل هيونجين وهو لم يرفع بصره عن جهازه.
الوجوم ملأ المكان، عدا صوت القلم الذي يستمر بطرق جهاز الأكبر، الرياح التي بدت ضيفًا دائمًا هذا الشهر، الأزهار تستمر بالتمايل، وكأنها لا تكترث لأي شيءٍ وتكتفي بالتباهي بمنظرها الجميل والمميز.
لذا هذا ما قاله: «تبدو جميلةً ومميزة.»
همهم الأكبر دون قول شيء، واكتفى كلاهما بالصمت المستمر حولهما، وتأمل ذات الشيء لأسبابٍ مختلفة، هيونجين ليرسمها بكل تفاصيلها، وجونغ إن للتفكير بمعنى هذه الأزهار، بكل الأسباب التي جعلته يقتنيها رغم عدم تمكنه من الاعتناء بأي شيءٍ حي، حتى ذاته.
يعتقد أنه يجب أن يخبر أحدًا ما.
-
«مرحبًا، إل سونغ.» جلس أمام القبر بهدوء وبطء.
المكان لم يقل خنقةً عن آخر مرة، وإن كان صادقًا، أصبح خانقًا أكثر رغم اعتقاده أنه لن يتمكن أن يكون خانقًا أكثر من تلك المرة. هو لا يعلم إن كان بسبب ما يعيش في رئتيه، أم بسبب الثقل الذي يستحل تفكيره، يسحق كتفيه، ويجعله نادمًا طوال الوقت رغم تفكيره المشوش حول الموضوع بأكمله.
«لقد أتيت، رغم إخباري لك أنني لن أزورك سوى مرةٍ في السنة.» نطق مجددًا وهو يتأمل الحجر بفراغ.
«أنت حقًا أناني، إل سونغ.» ازدرد ريقه قبل أن يحتضن قدميه لصدره مكملًا: «لطالما اعتقدت أنك المضحي بيننا، الأخ الأكبر وما إلى ذلك. لكنك لست سوى أناني.»
توقف عن الحديث فجأةٌ ونظر لقدميه، ونطق دون شعور: «وأنا مثلك.»
لا يعلم لما حصل على هذه الفكرة فجأة، وفي كل مرةٍ يقلبها في رأسه يشعر بالندم يستمر بالتضخم. هو بالكاد يستطيع حمل ذاته، فوق كل ما يحمله الآن وفي كل لحظةٍ يمر فيها، لكن الشيء الوحيد المتأكد منه، أنه أنانيٌ بما تحمله الكلمة.
----------
هاي معلش ع التأخير كل ما جيت اعدل الفصل اتكاسل وأسحب فاا هذي رسالة لي مستقبلًا يا ذكية روحي عدلي
المهم هذا الفصل اتوقع اكثر فصل مخيس كتبته سوو اتس فاين ترقبوا للقادم
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro