لُعبة
برودة الماء سقطت على جسدها تُساعدها للتوقف عن التفكير بالحوار الذي دار بينها و بين أخيها، مهما حاولت أن تفهم وجهة نظره و سبب إصراره على أخراجها من الأكاديمية فهي لم تستطع الإقتناع و لا سيما أنه يرفض الإفصاح لها عن السبب حقًا.
كان من السهل على مزاجها أن يتعكر بما أن بالأمر ما يزعج أخويها لهذا الحد، هي لم يسبق و أن تدخلت بأي مما يخصهما، و بالمرة الاولى التي تقرر فيها أن تعمل ببيئة تحبها تجد كلاهما يُصران على إبعادها، و بالمقابل هي تستمر بالمعاندة.
زفرت نفس حانق من جوفها وخرجت من الحمام بثوب للنوم داكن اللون، و كانت رغبتها الحالية يمكن تلخيصها في وقت من الراحة تكتسبه لنفسها، لأنها بحاجة أن تُظهر لطلابها درس الغد بأكثر طريقة ممتعة لن تجعل تأثير الدرس يرحل عنهم بسهولة.
و كعادتها اليومية استلقت على السرير وأغمضت عينها ثم حرصت على إدخال الهواء لصدرها بكل هدوء وتركيز، كـنوع من أنواع تصفية الذهن، و طرقاتٌ على الباب هي ما أفسد عليها وقتها لتزفر بإنزعاج ثم تردف"أدخل"
إنزعاجها تغير كُليًا لبعض الفرح حين كان الطارق ليس ماستيريوس بل فيترد بهالته المُبهجة. ابتسمت له بهدوء ونهضت تتربع على سريرها تنتظره أن يأتي و يجلس بجانبها، فعل ذلك و لم ينسى ان يعبث بخصلات شعرها جاعلها تضرب يده بإنزعاج وتذمر.
"أنت مُزعج." ضيقت عينها في وجهه تؤكد قولها.
ابتسم لها غير مهتم لأنه يمتلك معها علاقة أخوية عميقة و عاود لمسه لشعرها"هل لي بلحظة من وقتكِ؟"
عبست فورًا، لقد عرفت أنه أتى ليكمل على حوراها الذي خاضته مع ماستيريوس"إن اتيت لتتابع كلام ماستيريوس فأنا أحثك على الإستسلام."
ما كان منه سوى التنهد بقلة حيلة، فهي مصرة على عدم الإستماع لهما، ومع ذلك تجاهل قولها الأخير و تابع "ليس هو السبب الرئيسي لقدومي لكن لن أنكر انه ليس أحد أسبابي. ديستوبيا عزيزتي في ظل هذه الظروف وعدم وجود والدينا، لا أحد يتحمل المسؤولية غيرنا كأخوين كِبار . عزيزتي، العالم أكبر مما تستطيع عينيكِ إبصاره، أنا وماستيريوس شهِدنا أكثر منكِ وفهمنا. ذهابكِ كُل يوم للمكان الذي قد يؤذي بحياتك ومشاهدة هلاك صغيرتنا الجميلة صعب علينا أن نتحمله. صدقيني في اليوم يوخزني قلبي مائة مرة و أنتِ تذهبين نحو نهايتك من دون أن اقدر على منعكِ. ديستوبـ-"
"أنت فقط تبالغ تمامًا كماستيريوس. إنها مُجرد أكاديمية للنُخبة، وطوال مدة بقائي هناك لم أشهد على ما يؤذيني أو يؤذي غيري. أنا أحب العمل هناك! إن توقفت عن الذهاب فقد يعاودني الشعور بالفراغ و أنا اساسًا لا أمتلك ما أجد شغفي به سوى العمل بهذه الأكاديمية رفقة طلابي. ثم وللمرة الأولى في حياتي أود الاستمرار في أمر ما، لتأتيا أنتما وتحاولان إفساد الأمر. صدقاني إن استمررتما بفتح هذا الموضوع حينها لن أظل جيدة معكما."
أشاحت وجهها جانبًا بضجر لتشعر بذراعاه تحتضنها و قال بمرح حتى يزيل التوتر في الجو"حسنًا سنغير الموضوع، لقد اتيت لمساعدتكِ في ابتكار مسابقات ذكاء لطلابك."
اتسعت ابتسامتها و عاودت تعانقه بفرح "أنا متشكرة"
.
.
مرت ساعتان بسرعة في محاولتهما بتكوين ألعاب الذكاء للطلاب بحيث تكون شيقة مميزة. هذا أجبرها على وصف كل من طلابها له بشكل مختصر وكعادته كان مُنصت جيد، ومُحلل جيد.
جاء اليوم التالي و أستيقظت لتجد أنها نست وضع هاتفها على الشاحن مما دفعها للتنهد طويلًا في إنزعاج ثم قامت من على السرير جامعة أشيائها حتى ترتدي زي رياضي من بنطال قطني أسود و تيشرت فاتح اللون.
عند إنتهائها نزلت لحيث وضع الخدم الفطور. كادت تُقسم أن أخويها كانا يتهامسان في شئ لكن بمجرد أن لمحها ماستيريوس، الذي يترأس الطاولة، صمتا وعاد كل منهم منتظم الجلسة.
"صباح الخير، ديستوبيا" سحبت كرسيها أمام فيترد على يسار الأكبر.
"صباح النور"
"يُعجبني هذا الزي الرياضي، لكن ما مناسبته؟!" علق ماستيريوس في محاولة فتح نقاش.
"قررتُ مشاركة الطلاب في اللعبة" أجابته ببسمة ثم نظرت لفيترد بحماس "أنتظرُ ردة فعلهم."
"سوف تعجبهم." قهقه بخِفه مع وصول آخر طبق للطاولة. مد ماستيريوس يده في طبقٍ حتى يأخذ أول قطعة من البطاطس المقلية، هذه كانت الإشارة للجميع بالبدء. سريعاً ما انتهى الفطور و وقفت الفتاة على استعداد بالرحيل لكن ماستيريوس نادى عليها"ديستوبيا، هل أنتِ متفرغة الليلة؟"
"لماذا؟"
"دعينا نذهب للتنزه قليلاً، أشتقنا لكِ." صمتت قليلًا تستحضر جدول أعمالها، ثم أومأت بسعادة عارمة. لقد اشتاقت لهم أيضًا ولنزهاتهم سويًا.
"حسنًا، سأطلب أجازة من الإدارة، ألقاكم لاحقًا."
ودعتهم بإبتسامته الجميلة و أخذت بخطواتها إلى سيارتها، ونصف ساعة كانت خلالها في الأكاديمية.
دقائق أخرى و كانت في فصلها المفضل مع أقرب طلاب إليها بروحهم الذهبية و عقولهم الفريدة.
دخلت عليهم تقف بمكانها فإنعكس ضوء الشمس ليبرق بعينها الخضراء لتلمع و نظرها عليهم. هذا كان فصل أصحاب ال ١٧ عام و الأعلى مستوى في سنهم.
"صباح الخير" وقف الجميع لها ولوهلة تسائل الكل في ذاته عن سبب زيها الرياضي، أهذا اليوم الرياضي للمدرسة؟ "اليوم أحمل لكم مفاجأة"
"حقا!"
"سوف نلعب لُعبة" دققت بنظرها نحو أدريان و بلاكونس التي وضعت عليهم أمل كبير "سوف تنقسمون إلى ثلاثة فرق بالعدل. سوف أقوم بتوزيع عليكم ورقة بها أُحجية. هذه الأُحجية هي: إما قضية قتل، إما سرقة، إما خطف. هناك أدلة بداخل و حول هذا المبنى لكل قضية. عليكم فك الشفرات و تجميع الأدلة و الوصول إلى المتهم"
"المتهم؟"
"نعم، لقد أستعنتُ بثلاثة طلاب من الصف الأكبر منكم. بالطبع لن يخبركم أنه الجاني، عليكم اكتشافه وحدكم"
نظرة الحماس بدأت تتوغل في طلابها والهمسات تتكون بينهم في حماسة للكسب وشوق لحل القضية. هكذا قسّمتهم، و هكذا بدأت اللعبة بإعطاء كل فريق ورقة بها بداية الأحجية وقد وضعت بلاكونس في فريق وأعطته ورقة ووضعت أدريان في آخر و أعطته ورقة ثم كان الفريق الثالث.
'خزينة المدرسة سُرقت ولا آثر للجاني، هل مِن مالِك لمكتب مدير قسم الحسابات غير المُدير؟' قرأ أدريان الورقة ونظر لفريقه يسأل "من قد يمتلك مفتاح المكتب غير صاحبه؟"
"عامل النظافة" خمن أحد الأعضاء. نظر له الجميع لحظة مع عيون تُنير بالفكرة وفي لحظة ركض الجميع نحو غرفة عمال النظافة، تحديدًا عند مشرف عمال النظافة.
في الجانب الآخر وصل فريق بلاكونس إلى الحديقة بسبب ما بورقتهم 'ابني أُختطف و لا اعرف الجاني، كان آخر مرة في الزرع'
"لا أرى دليل" تذمر أحد الطلاب، لقد بحثوا في كل مكان. تنهد بلاكونس وما شكك فيه كان صحيح لذلك أبتسم وأبعد نظره نحو الخيم حيث يُزرع طعام المدرسة
"إنها تقصد خيام الزرع" أخبرهم بلاكونس و قادهم إليها.
.
.
"السيدة لا تعرف شئ" عبرت طالبة منهم بإنزعاج لديستوبيا التي تعرقلوا بها في منتصف الطريق.
"لكنهم أشتروا الخزنة منذ شهر" أكملت أخرى على جملة الفتاة السابق.
"هل أستُبدِلَت؟" تسائلوا. كان أدريان في عالم آخر يتفقد شئ في هاتفه قبل الشهق بعلو
"السر في الخزنة، أتبعوني!" ركض فركض خلفه الفريق تاركين المعلمة خلفهم.
.
.
"آخر نمو للزهرة" قرأ أحد الطلاب الورقة وبلاكونس يقف بجانبه ينظر لها بهدوء.
"هذا سهل جداً، إنها تقصد آخر فصل للمدرسة وهم الجامعيون في المبنى الآخر" تحرك بلاكونس بعد إخبارهم ليتحركوا خلفه.
بعد انتشارهم حول الحرم المدرسي شعرت بالإرهاق من متابعتهم، لذلك وضعت يدها في جيبها وتمشت بأريحية في الممرات و دون إدراكها رأت نفسها تسير من ممر بقرب مكتب المدير. لم تمر من هنا سوى في يومها الأول بالمدرسة.
.
.
وقف أدريان أمام الخزنة وظل يدقق النظر فيها للحظات ثم شقت بسمة واسعة وجهه والنصر بات حليفه
"هذه ليست من صنع الشركة، الخزنة التي صنعتها الشركة وزنها أقل من تلك و حجما أصغر بثلاث سنتيمترات. لا تلحظها العين المجردة." فتح الخزنة و تفقد هيئتها ثم الصورة التي على الهاتف. وضع يده عند قاعدة الخزنة وضغط بقوة فوقعت القاعدة و ظهرت أموال مطبوعة مزورة.
"حُلت القضية" صرخ أحد الطلاب في حماس.
"تبقى الجاني" ذكره أدريان
.
.
"اتخفي خلف قشوري ليلمع وسط هدوءي." هذه المرة بلاكونس هو من قرأ المكتوب وأنزله على المنضدة ليشاهدها الآخرون معه.
"الشخص المثالي في المدرسة هو الوحيد الذي يمكنه إخفاء حقيقته السيئة وسط مظهره المثالي لذا دائمًا سيتم تجاهل إلقاء اللوم عليه." حللت إحدى الطالبات الشفرة بكل هدوء وعمق تفكير يوضح المعنى الخفي.
"الحقيقة ليست دائمًا حقيقة." تمتم بلاكونس تحت أنفاسه يستذكر احدى الشفرات التي رأها مسبقًا ليبدو انه استنتج امرًا ما.
"الحقيقة ليست دائمًا الحقيقة. إنها لا تشير للطالب المثالي بل إلى ***" أعينهم اتسعت على الحقيقة التي ادركوها الأن لينطلقوا فورًا لمقصدهم.
.
.
اكملت مسيرها لأن في نهاية الممر هذا عدة ممرات أخرى تعيدها لصف طلابها. لكن جسدها استكان فجأة وهي ترى شخص مغلف بالأسود من قبعته الرسمية إلى فردة حذائه. حوله هالة غريبة و غير مريحة ولا يُرى منه سوى عيناه الألماسية التي توقفت عليها تُبصرها بنظرة غريبة في عينه، و كأنه يتفحصها و يود أكتشاف شيء ما بأعماقها.
أستغربت نظراته التي أشعرتها بالريبة، لكنها لم تتجاهل حقيقة ان قد يكون أحد المسؤولين الذين يأتون لزيارة الأكاديمية أسبوعيًا، لذا لتفادي أمر قد يسبب لها المشاكل في عملها فهي اومأت له كتحية خفيفة و تابعت سيرها لتخرج من الممر مع شعورها بكون عيناه لاتزال تلاحقها.
"سآتي مجددًا."
التفتت بفضول تظن أنه يخاطبها لكنه بالفعل كان يخاطب المدير الذي ينظر له بتوتر غير معهود منه.
الوضع كان مريب لها و شعورها بأن بقائها أكثر لن يكون جيدًا دفعها لتسرع بخطواتها عائدة للصف.
كان فارغًا على غير المعتاد، سارت به تأخذ مقعدًا تجلس عليه و هي تنتظر من يكتشف اللغز و يأتي اولًا.
"أمسكنا بكِ." انتفضت بفزع حين صرخوا فجاة ممسكين أكتافها. على انتفاضتها انخرطوا بالضحك عليها وعلى إتساع عينيها
"يا إلهي كاد قلبي يتوقف!"
زفرت نهاية حديثها وأنزلت يدها عن قلبها ثم صفقت لهم "أحسنتم، لكن كيف عرفتم أنني الجانية؟"
هدأت ضحكاتهم وجلس كُلٍ منهم على منضدة مقابلها وبدأو يطرحون عليها إستنتاجاتهم.
"الحقيقة ليست الحقيقة. غالبًا المجرم يكون هو أخر شخص نفكر به وأنتي في الشفرة كُنتِ تلمحين لأحد طلاب السنوات الأكبر لذا تذكرت تلك الشفرة وبالتالي الجاني هو أنتِ."
"أنتم فِعلًا رائعين" مع إنتهاء ردها على بلاكونس دخل فريق أدريان يركضون والنصر يهلل بين أصواتهم
"إنه الشاب من الفصل الثالث لأصحاب التسعة عشر عاماً." قالت إحدى الفتيات. اومأت ديستوبيا و سألتهم عن كيفية فهم القضية
"لقد اشتروا خزينة منذ شهر من هذا التاجر الذي أصّر أنها فريدة من نوعها رغم تصنيع الشركة نسخ عديدة منها. بالتالي، هي مميزة وهو من ميّزها بتزيفها حتى تُخفي الأموال و يظنوا أنها معيوبة وسهل سرقتها. هكذا سوف يعيدوها له ويأخذ المال لذاته."
أدريان كان يفسر لها بحماس معهود منه دفعها لتبتسم و تطري عليهم"أحسنتم عملا جميعاً. انتم رائعين حقا."
.
.
كان يومها ممتعًا بالنسبة لها و لطلابها الذين لا ينفكون عن التباهي بأنفسهم أمام بقية زملائهم من الفصول الأخرى.
و على انتهاء الدوام الصباحي كانا هي سعيدة كونها ستذهب في نزهة مع أخويها، عليهما ان يعوضاها عن أشتياقها لهم بالأيام الفائتة.
عادت للمنزل تجدهما يجهزان حقائبهما و هي ستكون المتأخرة كالعادة لذا أسرعت لغرفتها تأخذ حمامًا سريعًا و تبدل ثيابها لزي أنيق جمع بين الجينز الرمادي و السترة الكحلية و حذاء أبيض كما تفضل بالعادة.
انتهت من تجهيز نفسها و ذهبت لتجهيز حقائبها بسرعة، عندما انتهت نزلت إليهما و وجدتهما ينتظرانها بأستنادهم على السيارة و أنخراطهم بأحاديث العمل.
"أحذركما من فتح مواضيع العمل أثناء النزهة، أنه وقتنا الخاص فلا تفسداه."
حذرتهما بملامح عابسة جعلت كلاهما يضحكان عليها بخفة"كما تشاء أميرتنا."
بادلتهما الإبتسامة و جلست بالمقعد الخلفي تترك المقعدان الأمامية لهما للجلوس و القيادة.
"إلى أين؟" سألت في شئ من الحماس.
"تتذكرين الڤيلا التي نمتلكها عند البحر. سنبيت هناك"
"حقا!!"
لم تستطع كبح حماسها فأخيرًا ستقضي وقت راحة مع أخويها بمكان جميل و منعش بعد افتراق ثلاثتهم لأجل الأعمال. ابتسم ماستيريوس على ردة فعلها قبل إنزال بصره من المرآة إلى الشارع و حرك السيارة.
_________________________________________________
السلام عليكم! كيف الحال مع وصول فصل جديد؟
القوا علي تعليقاتكم عن
توقعكم لما سيحدث في النزهة الأسرية
عن سبب اعتراض كل من ماستيريوس وفيترد
عن رأيكم في شخصيات إخوانها
استمتعوا وأنتظرونا قريبا
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro