08: La mémoire
----؛ ☆ ؛----
الخامس وَالعشرين مِن فبرايرِ، عام 1993
يوم إعدام الماضي.
.
"أكرهها "
كان ذلك أول ما أنبأ به ظل الفصام مُنذ عاد لِمُرافقة ظل تايهيونج.
وَمِن حينها، لا يبخلُ عليه بِتجديد كرهه وَتكراره على مسامعه، يُعيدُه في أزدراءِ بِمُجرد أن تقتحمَ مُحيطه، يؤكده بِغيةِ أن يُقنع عقله الباطن بِوجوبِ كُرهها.. مَع ذلك لا يجد تايهيونج مسوغًا مُقنعًا لا له وَلا لِظله.
رغم انقضاء الأيام ذهابًا وَإيابًا بين المنزلِ وَالدُكان، إلا أنه لا يذكرُ شيء سِوى كُرهه لها. حتى أنه لَم يُعلق على مُجابهة تايهيونج لِرغبتِه في سؤاله.. وَلَم يوسوس له بِفعلِ ذلك.
بل تصالح مَع تجاهله له لِفترةِ وجيزةِ، حتى أصبح يصرخُ وَيتردد صدى صراخه المُزعج بِعقلِ تايهيونج!
ذلك الظل الرعديد حتى لا يملك الشجاعة الكافية لِيواجهها بِكُرهِه، فما إن يراها حتى وَيختبئ خلف ظهره وَيُرددُ بِهمسِ مُشددًا على كُرهها. وَما إن تخطو بعيدًا عَن مرمى ناظريه يعودُ لِلدورانِ بِالمُحيطِ صارخًا وَناشرًا ذيول كُرهه بِالأرجاءِ.. تمامًا كما الآن.
كفى رجاءًا..
همس تايهيونج بِإرهاق يُدلك جبينه. طبق فطوره مازال لَم يُمس نظرًا لِشهيته المسدودة، إلا أنه سبق وَتجرع دُفعة الكفايين الخاصة بِه وَالتي تدهور مفعولها إيذاء الصُداع المُلازم له.
"أنتَ! "
لملم ذيوله بِسُرعةِ حتى يقفُ أمام تايهيونج مُشهرًا أحدها في وجهه، ثُم استرد مُمتعضًا:
" أنتَ تحديدًا، أكره حُبك لها. "
نظر له تايهيونج بِتساؤل، لِوهلةِ نسى وجوب عدم مُلاقاة أعينه فأومضت بِعقلِه ذكرى أنقبض على أثرها قلبه. أما الظل وجد أخيرًا سببًا لِوقفِ سيل كُرهه مِن لسانِه وَانتشى بِتلاقِ الأعين ذاك.
- لِما تكرهها.. تكرهها لِذلك الحد؟
سأل تايهيونج مُشوشًا بِالفعلِ، يكاد يُخيل له ظل آخر بِأحدى جوانب الغُرفة...
لَكنه أومض أبتسامة كريهة قبل أن ينكمشَ مُشكلًا ذكرى تحملُ شقى صباه.
" تمعن النظر.. أنا مُتواجد كذلك. "
قال مُوجهًا ذقنه إلى الذكرى يفرضُ رؤيته إياها. وَلِوهلةِ وقع أسيرًا لِلألمِ المُتجدد بِفؤادِه وَشرد في ذكرى تقديمه فتات الخبز لِظل الفصام.
كان يُخيل له حينها أنه بِإشفاقِه عليه سيرأف أحدهم بِحالِه، كُل ما ملك كعشاءِ ليلتها ليطغي على نهش الجوع به- قد قدمه له بِنوايا حسنة..
لَكن عوضًا عن ذلك، التهمه الخير الذي ارتكبه
وَارتد كنوايا سيئة تلعنه.
" أتعرفهما؟ "
سأل يعني مَن يخوضان نقاشًا مُحتدمًا مُترسب بِقاعِ ذاكرته.
فكانا والديه يومها تعلو وتيرة أصواتهما فيما يلقيان اللوم على عاتق بعضهما
تارةً بِسبب الأموال المَهدورة وَتارةً أُخرى بِسبب خيبة أملهما الكُبرى.
تِلك الخيبة تجسدت في تايهيونج وَعجزه عَن مُلاحقة زُملائه بِالصفِ.
رُغم إدراكه لِلأمر، أستمر حينها بِتضليل عقله عَن تِلك الحقيقة
وَالتفت لِلظلِ الذي دومًا لاحظه واهنًا بِزاوية الغُرفة
إلا أنه شامخٌ الان.
حينها ترك الظل- ذقن تايهيونج وَأفسح لِرغبتِه مجالًا بالنفورِ عَن المشهدِ، لكنه ظل يراقبُ ذاته اليافعة تتقدمُ لِلشامخِ أمامه حتى وقفت قبالته. وَعوضًا عَن تقديم فتات الخبز له، استدارت وَمدتها لِتايهيونج.
تفحصه مِن أعلى رأسه لِأخمض قدميه، تسقطُ حُدقتيه بِتلقائية على مواضع الضرب التي يتذكرها بِأدق تفاصيلها، وَعلى أثر ذلك تتهدجُ أنفاسه وَتسري رعشة مُباغتة في جسدِه قبل أن تسقطَ دفاعاته النفسية جميعها وَتتحررُ أولى دمعاته..
رفع يده رُغم ذلك، يرتكبُ ذات الإثم الخير بِرغبتِه في احتضانِ ذاته عله يخففُ عَن نفسه وطأة الألم.
- إياك.
أوقفت يده المُمتدة مُنتصف الطريق؛ تحولُ بينه وَبين ذكراه فتدفع بها إلى التلاشي أمام مرأى حدقتيه..
لِذلك سقط أرضًا على ركبتيه يُخرج أنينًا شرخ باطنه، أراد بِصدقِ أن يحتضنَ ذاته.. أراد أن يحتوي تِلك الذكرى.. أراد بِشدةٍ أن يُطمئنَ نفسه وَلو كذبًا بِأن كُل شيء سيكون على ما يُرام، وَأن لا أحد تخلى عنه..
أن تِلك الصورة المثالية التي رسمها لِعائلته تحققت..
لكنه سقط مُدركًا أنه الخيبة ذاتها، أنه المُستقبل الذي يخشاه الطفل..
فكيف له أن يُبرم وعودًا كاذبةً في حين أنه الكذب ذاته؟
- تايهيونج..
همست تحت أنفاسها بِأسى لِحالتِه.
نزلت لِمستواه لِتضمه إليها في عناقٍ مُعتذر
كأنما تُريد إقناعه بأنه الطفل، وَهذا العناق هو الوعدُ الحقُ..
وَهو قبل عُذرها وَقرر التمسك بِوعدِها
فأسند رأسه على كتفها يشكي همًا أثقل كاهله.
-لا تعترض طريق الماضي، اتركه يمضي..
أنبأت تؤنبه وسط شهقاته المُتقطعة، تُمسد على خُصلات شعره كليلتها حتى يسكنَ جسده.
تُدرك الآن نوع الحُب الذي فقده، الأساس الذي جعل أي بناء مِن بعده يسقطُ.
وَتُدرك أن فصامه لا يسلم مِن استحضار فقيده.
- سأخبرك سرًا، ما رأيك؟
أبعدته عنها بِرفقِ، ترسمُ أبتسامةً صافيةً أعلى ثغرها وَتمسحُ بإبهامها العبرات.
وَما إن سكن بِفضولٍ ملموس، حتى استردت:
- ظل فصامك يكرهني لِأنني أشبه صُحبته المكروهة بِاللا وعي.
عقد حاجبيه مُستنكرًا، السؤال على حافة فاهه بِالفعلِ إلا أنه يتصادم مَع غيره مِن الأفكارِ مُشتتًا إياه.
وَهي بِدورِها لَم تتركُ له مجالًا كي يُدرك أنها ترى ظله في المقامِ الأول، وَقالت:
لربما يكرهني أكثر مِنها بِقليل..
مُستمتعةً بِمشهد الرعديد خلف تايهيونج وَانكماشه المُستمر، استردت قائلةً:
لِأني هُنا استطيع استئصاله مِن جذورِه وَحرقه عقابًا على فعلته بِعالمي.
----؛ ☆ ؛----
// يتبع //
.
ننننن اكبر فلوب
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro