مرآة ميدوسا (الفصل الثاني والعشرون)
سلامو عليكو كيفكم احوالكم الوانكم
وحشتوني خالص مالص فالص
وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ
_مساحة لذكر الله_
ويلا نبدأ
••••••••••••••••••
-تدحرج ايها الخاتم..تدحرج خلف الاقدام وامام الاجساد، كن كالثعابين السامة التي تشل عندما تقيد الناس.
وما أن تلفظ المجهول بهذهِ الكلمات حتى تحول الخاتم المتدحرج إلى حبل سميك قد التف حول الاجساد ليقيديها بشكل يمنع ابسط حركة وثبتهم بالأرض بقوة وكأنه اغلال معدنية.
زفرت رودينا بضيق فالخاتم اصبح حبلا اسود اللون يلتف حول وسطها بطريقة خانقة، ولم تكن بمفردها ففولكان مقيد معها بنفس الحبل وقد استرسل بصوت غاضب متوعد:
- ايتها البشرية القذرة ان لم تبتعدي الان فأقسم انني سأحرقك بنار لن تنطفئ حتى تصبحي فحمة متيبسة.
قلبت الاخرى بصرها بفقدان صبر وقد تناست وضعها لتقول له بصوت اعلى:
- هل انت مخبول! كيف ابتعد وانا مقيدة بهذا الحبل !
وكانت شرارة الشجار على وشك الانفجار وهم يتدافعون لكن الحبل يمنعهم من الحركة ليقاطع معركتهم الصغيرة صوت مُهتز غاضب كمحرك قديم اعيد تشغيله وقد تراكم الغبار عليه مما اثقل حركة لسانه.
- من ذا الذي يدخل لمخبئي دون إذنٍ مني!
واطل كيان ضخم من بين ظلمات المكان وكأنه شبح الموت الأسود وصوت خطواته واضحة وهي تطرق الأرض اللزجة بالطين اللين، لم يكن شكله واضحاً فكان الضوء من خلفه ينعكس عليه ليجعل شكله غير واضح ولكنه اشعل شمعة غليظة الشكل لتظهر وجهه الذي تجمع عليه غبار السنين حتى بدى كالوحش او الجن وقد استيقظ من سباته العميق.
فكانت الشعيرات المجعدة على جانب انفه المدور تبرز من وجهه مع فروه الرمادي المتسخ والاشعث وانياب صغيرة تبرز من فاهه المفتوح، اما عينيه..فهي لم تكن موجودة فجفنيه مفتوحان والفراغ بداخلهم يبان. وذيله يبرز من خلفه بشكله الحرشفي الدقيق مع مخالبه المُصفرة.
كان اشبه بجرذ البالوعة ولكن بحجم اكبر يكاد يضاهي حجم الانسان، وقد تزين بقلائد من الفضة بشكل مبالغ به، ولكن رودينا لم تتعجب فلطالما كانت الجرذان تحب الفضة والفئران تحب الذهب.
ولكن تعجبها قد اقتصر على شكله الغريب واخذ يتقرب منهم ببطئ وهو يستشعر وجودهم وكأن لديه قرون استشعار
- هل انت شخص واحد؟ كيف تجرؤ على الدخول لمخبئ!
صاح بصوته المزعج واستغربت رودينا من ذلك لانه يخاطبهم بصيغة المفرد وهو بالتأكيد يقصد فولكان، ولكنها قد استوعبت انه لم يستشعر وجودها لانه يميز الاشخاص من الطاقة التكوينية التي تسري بداخلهم، ولأنها لا تمتلك طاقة تكوينية لم يستشعر وجودها.
ثم تقدم من فولكان ليمسك وجهه بقوة ككماشة حديدية واخذت اصابعه تسير على وجهه لتحط على عينيه ولكنه لم يستمر لان فولكان قد دفعه بقسوة بقدمه واخذ يحدق به بغضب
- لا بأس انا ارى فائدة كبيرة من وجودك، عينيك القيمة ستكون مناسبة لي بالتأكيد.
ثم ابتعد عنهم ليتجه إلى زاوية مظلمة في هذا المكان الصغير وقد اشعل نارا تحت قدر كبير تجمع عليه السخام من الأسفل واخذ يحرك عصا كبيرة ليخلط المواد الموجودة في القدر سابقاً
- سأحصل اخيراً على عينين، لكن بعد أن انتهي من عملي.
ثم احضر كائنا شبيه بهولدرا فهو يبدو كالبقرة الصغيرة وقد تغطى بثياب بدت كالخرق البالية واخذ يصرخ ويبكي متوسلا ويتحرك بأنفعال بين يدين الجرذ الذي يخرسه بالصراخ عليه بغضب وتقدم من القدر المشتعل، وطوال الوقت لم تخرج رودينا كلمة خوفا من ان يعلم الجرذ بوجودها لكنها لم تتحمل عندما قال:
- سأصنع منك دواء نادر، وسأكسب ربحا كثيرا ما دامت الحرب ستشتعل والكل سيحتاج إلى دواء.
لتعقد حاجبيها بعصبية وتوقفه بصوتٍ عالي غير مهتمة بفولكان الذي بدى مشغولا بشيء:
- توقف!
تنهدت بتوتر شديد وهي تقول هذا، وبحركة لا ارادية رفع الجرذ رأسه بأستفهام تجاه الصوت الانثوي فهو ظن ان الشخص الموجود هنا ذكر وليس انثى ولحسن الحظ لم يتحدث فولكان ليكشف خطتها
- سأعطيك عيني لكن بشرط، وهو ان تحرر هؤلاء الصغار.
وقد لمحت سابقا القفص الخشبي الذي يحوي اخوان هولدرا والموضوع بقرب الزاوية وقد التزموا الهدوء ليراقبوا الاوضاع بفضول وخوف وهم قلقين على اخيهم الذي يقف على حافة الخطر فالجرذ المشعوذ ينوي قتله بوضعه في القدر المشتعل.
وعلى الرغم من تهورها بدون تفكير الا انها حاكت خطة صغيرة وسريعة ولكن الخطة قد تدمرت امام عينيها عندما اخذ الجرذ يضحك ضحكة غير فكاهية وقد استرسل قائلاً:
-تعطيني عينيكِ!؟ لا تتعبي نفسك حتى فأنا سأخذها برضاكِ او بدونه، ثم انني لست بهذا الغباء حتى احرر اثمن مخزون لدي.
يبدو انها رفعت امالها كثيرا.. فهذا الجرذ المشعوذ حذر بتصرفاته ولا يبدو انه سيقع في شباك خطتها المتواضعة، لا تعرف ماذا تفعل في هذه اللحظة فهي تشاهد بقلق اخ هولدرا يرفع من على الارض ومحاولاته في الهروب بائت بالفشل ليصبح فوق القدر المشتعل وبداخله سائل اخذ يصدر فقاعات كبيرة وتنفجر بعد لحيظات لشدة الحرارة.
لم ينتظر اكثر ليرميه بعدم رحمة بداخل القدر وقد تعالت صيحاته حتى اختفت ليبقى صداها الذي ينهش مسامع الباقيين، لم يهتم المشعوذ واخذ يخلط المكونات بعصاته الغليظة. ليصنع منه دواء كحال باقي الادوية الغريبة الموضوعة فوق الرف الخشبي.
فتحت فاهها بصدمة وعينيها اخذت ترمش بعدم تصديق، شعرت بأنها تشاهد احد افلام الرعب ولكن الذي حصل امامها واقعي وحقيقي، وحقا قد مات كائن حي ببساطة هكذا... وأستبد بها حزن مرير غاضب ليهاجمها البؤس العميق، وكرهت الظروف التي تجعلها عاجزة في هذا الموقف الذي لا مفر منه، لم تكن هناك إجابة لثوانٍ وفقط غامت عينيها بالدموع، دون ان تذرفها عندما يغالبها الانفعال، وكانت في تلك اللحظة هي الطرف الأضعف.
بدأت شفتيها بالارتجاف بقلق وقبل ان تنفجر بالكلمات شعرت بضربة خفيفة على كتفها من قبل فولكان، وقد لمحت للتو رخاوة الحبل وكأنه قد قُطع ليصبحوا احراراً، وحقا قد قُطع بطريقة غريبة فنهاية هذا الحبل متفحمة لتعلم أن فولكان قد حرقه بنار قوية استطاع التحكم بها بواسطة كفه المتحرر ليقطعه. و توقعت ان الحبل هذا لا يقطع ببساطة لأنه مميز او شيء من هذا القبيل.
ثم همس بصوت منخفض استطاعت سماعه بصعوبة ورفع اصبعه السبابة ليشير إلى الرف الخشبي المعلق على الحائط بطريقة عشوائية وبالقرب منهم
- عندما ارسل لك الاشارة تحركي بسرعة وخذي احد الزجاجات واسكبيها على الجرذ وانا سأقوم بالباقي.
لمحت الزجاجات الغريبة الموجودة بجانب الادوية وكانت اشبه بعقاقير المختبرات الزجاجية التي تحوي بداخلها مواد سامة حامضية او كيميائية.
ولكن يبدو أن الجرذ قد سمع صوت همساتهم الغريبة ليعلم أن هنالك شيء يدور في الخفاء، حتى لو كان لا يمتلك عينين يبصر بها إلا أنه يعتمد على اذنيه ليسمع ابسط الأصوات.
- يبدو ان هنالك شخصاً اخر..
وما أن قال جملته تلك اشار لها فولكان بسرعة لتقوم بالخطة ولم تنتظر رودينا اكثر فهي كانت مستعدة منذ البداية لتبعد الحبل عنها ثم تحركت بعجلة لتأخذ احد الزجاجات بشكل عشوائي وبداخلها سائل ارجواني يتحرك بخفة.
وسحبت الغطاء بسرعة وهي تستدير نحو الجرذ لتسكب السائل بدون تفكير على المشعوذ الذي انتفض متألما وهو يصرخ بكلام غير مفهوم وقد اخذ يرجع إلى الوراء وهو يدلك كتفه بألم، لا تعلم اين اختفى فولكان بهذهِ اللحظة لكنها حاولت الاستمرار بعملها وسكب باقي مكنونات الزجاجة عليه ولكن وبحركة سريعة ودون أن تستوعب انقض عليها الجرذ ككائن مفترس متوحش متجاهلاً الالم وقد تلطخ فروه بالمادة الارجوانية الحارقة التي حفرت كتفه.
فتتراجع هي بخطوات متوترة وعينيها مثبتة على الجرذ الذي سحب الزجاجة منها بعنف ليسكب الباقي فوق ذراعها.
قبل ان ينقض عليها الجرذ مرة اخرى وقد سقطت الزجاجة من بين يديه لتتكسر، سُحب إلى الوراء بعنف ليتعرض لدفعة قوية دون أن يستوعب من قبل فولكان اسقطته في القدر المشتعل.
وكان الجرذ ينتفض صارخا ويحاول الهرب من المادة الحارقة التي احتلت جسده الا أن الشلل قد تبعثر في اطرافه ليمنعه من الحركة ليدفن تحت رحمة السائل الحار ولا احد عرف ما حل به سوى انه قد مات واصبح السائل مادة كريهة لا تنفع لأي عمل.
لم تنتبه رودينا لأي شيء يدور حولها فهي قد سقطت على ركبتيها محتضنة ذراعها بألم وصوت انينها قد برز من بين شفتيها، شعرت وكأن العالم يدور حولها وكأنها قد رمت في نار الجحيم، فالمادة الارجوانية سُكبت من فوق مرفقها وحتى معصمها واحست وكأن جلدها يتفتت ليتخلل السائل إلى داخل جسدها وصولاً للعضم، وكأنه حامض النتريك..
وحتى لو كان مجرد شعور إلا انه مؤلم لدرجة مميتة. حتى رغبت بأن تقطع ذراعها بالسيف الموضوع على خصرها لتتخلص من الألم.
كان يجب ان تكون حذرة وتسكب كل السائل فوق المشعوذ إلا ان حركتها كانت مترددة وقلقة..
فتحت نصف عينيها وقد اسندت رأسها للخلف لتلمح فولكان الذي كسر القفص الخشبي بسيفه العريض ليخرج اخوة هولدرا وقد تركهم ليصعدون إلى الاعلى عبر الفتحة التي سمحت للضوء بالدخول. ثم تقدم نحوها وتعابيره لم تتغير
- قفي!
لماذا يأمرها بهذهِ الطريقة؟ الا يعلم انها تتلوى من الألم ام انه اعمى؟
لم تستطع الصراخ عليه ليكمل هو كلامه بنبرته الغريبة:
- يجب ان نصل إلى مملكة كلوڤي فربما يستطيعون مساعدتك وعلاجك على الرغم من انني اشك انهم سيستقبلوننا حتى.
ثم توجه للخارج ليتركها بمفردها في الاسفل فهي بالكاد تستطيع رفع نفسها، لكن بدلا من ذلك نزلت اليها هولدرا وعلى وجهها بانت تعابير القلق واسرعت بالقول:
- انا اسفة ولكنني مأمورة على انزالكم إلى الاسفل، وشكرا لانقاذكم اخوتي لا استطيع ان ارد جميل صنعكم سوى بأبعاد الالم عنك.
لم تفهم رودينا ماتقول فهي تتكلم بسرعة ولكن لمحتها تخرج باقة من ازهار الهندباء الريشية
- لقد اخبرني الشاب ما حدث لك، ولحسن الحظ تتواجد زهور الهندباء بالقرب من هُنا، لن تخفي اثار جرحك ولكنها تعمل كالمخدر وتطرد الالم مؤقتاً.
ثم قربتها من ذراع رودينا لتنفخها فوق اثار الحرق التي باتت ارجوانية غامقة. وتتناثر بتلالتها الريشية على طول اثار الحرق.
لم تعلم رودينا ما يحصل لها ولكن رأت هولدرا تتمتم بكلمات وكأنها سحر سريع المفعول لتشعر بالالم يخف شيئاً فشيئاً حتى صار بعد دقائق خفياً لا يُشعر به.
كادت رودينا تقفز عليها وتحتضنها لأنها ابعدت الالم القاتل عنها بهذهِ البساطة ولكن هولدرا قاطعت الصمت قائلة بهدوء وهي ترفع انظارها:
- يجب ان تجدي طبيباً جيداً ليعطيك الدواء المناسب حتى لا تبقى اثار الحرق على ذراعك بشكل واضح.
ثم ساعدت رودينا على الوقوف لتخرجها من المكان الخانق نحو النور والهواء العليل بعيداً عن الرائحة الكريهة.
- بصراحة..لم اتوقع ان تنجحوا في هذهِ المهمة..فعندما رأيتكم لأول مرة شعرت بانكم فريق متفكك لا يحب التعاون، وعلى الرغم من ان احد اخوتي قد مات لكنني سعيدة لأنقاذكم باقي اخوتي فشكرا لكم.
ياللمسكينة لا تعرف حقيقة هذا الفريق الفاشل..
- هل بأمكانك توضيح الطريق لنا إلى مملكة كلوڤي لنذهب الآن؟
تحدث فولكان بنبة هادئة لتومئ هولدرا وهي تشير إلى الامام حيث الطريق مفتوح من بين الاشجار العالية
- ستسيرون لمدة ليست بالطويلة وستظهر امامكم المملكة بوضوح، ولكن يجب عليكم الحذر عند المرور بالبحيرة المستديرة.
نظرت لها رودينا باستغراب
- لماذا؟
- لا يجب علي البوح ولكنني انصحكم بالحذر حتى تصلوا بسلام.
يبدو أن معرقلات الطريق لم تنتهي...
لكن وقبل الذهاب، احست رودينا بالندم الشديد والقهر عندما تذكرت فشلها في انقاذ اخ هولدرا الصغير، وضغطت على يديها بشدة قبل ان تهمس بصوت طغى عليه الحزن الشديد:
- هولدرا..انا اسفة حقا..لم الحق على انقاذ اخيك الصغير -
قاطعتها هولدرا بابتسامة حزينة اخرجتها بصعوبة على وجهها المجروح بنصلِ الزمن، ونبست بصعوبة، وكأن الكلمات نفسها تابى الخروج من جوفها الحزين:
- لا تقلقِ ياعزيزتي..اعرف ما حصل بالأسفل، والآن لا تهتمِ سوى بالمهمة التي عليك فعلها..
لم تعرف رودينا مايجب قوله في هذهِ اللحظة، خاصة عندما غطت الدموع عيني هولدرا، وضغطت على يد رودينا بقوة وكأنها روح وحيدة تنتظر المواساة، ولكن وعلى الرغم من حزنها الشديد واحتياجها لأحد لتفرغ ما بداخلها، فهي قد اجبرتهم على الذهاب واكمال دربهم، ولم تلمهم على عجزهم في انقاذ اخيها الصغير بل ودعتهم بكل امتنان.
نظرت رودينا إليها بقلق وقد أدرجت الصمت كصديقٍ عزيز، ليتكفل فولكان بالرد على توديع هولدرا بهدوء واحترام لحزنها، ثم سحب رودينا بقوة ليعبروا الطريق ويكملوا سيرهم نحو مملكة كلوڤي،وكان الطريق مملاً وهادئاً فلم يقل احدهم كلمة واحدة فرودينا قد اكتفت بشعور الندم الذي ينهش دواخلها لانها لم تستطع انقاذ الصغير..
اما فولكان فهو يسير بأنزعاج لأن فرسه وفرس رودينا قد هربا وعليه اكمال الطريق سيراً على الاقدام.
فجاة قطع الصمت قائلاً:
- لقد كنت افكر قبل مدة..كيف استعملتِ قوة الأرض وانا لا استشعر منك اي قوة تكوينية؟
كانت هذه المرة الاولى الذي يبادر بالكلام ولكن بسؤال مباغت
- ولا اعتقد بانه سحر، فانا اعرف انك فاشلة بأستعمال السحر لانه ومن المستحيل لفتاة مثلك ان تكون ساحرة.
ما بال هذه الاهانة فجأة؟
قهقهت بتوتر وبعثرت بصرها في الارجاء وهي تفكر بكذبة مناسبة تسكته لكنها لم تجد شيئاً واقعياً ومنطقيا
- اوه فولكان انظر! هل هذه هي البحيرة المستديرة التي قصدتها هولدرا!
حاولت تغيير الموضوع وهي تشير لبحيرة قريبة منهم وكانت مستيدرة بشكل واضح والنباتات المائية قد تجمعت عليها بشكل جميل اعطى لمسة فنية لجمال الطبيعة. وسطح البحيرة المتموج بدى كلوحة سريالية تخطف كل القلوب، وحلق الهواء المنعش حولها في الجو متراقصاً مع رحيق الزهور الذي طاف بالأرجاء، وحلقت العصافير الصغيرة جداً بوداعة حول البحيرة وهي تزقزق بإشراق، مُبشرة السائرين بهذا المكان المريح للأعصاب.
لكن فولكان لم يكن بهذا الغباء ليعلم انها تحاول تشتيته وتغيير الموضوع
- لا تهربي من سؤالي، انا متأكد بأن قوة الارض لم تظهر من العدم.
الا انها تركته واخذت تجري بأتجاه البحيرة متجاهلة ندائه الغاضب، فماذا ستقول له إذا كانت هي نفسها لا تعلم كيف ظهرت هذه القوة فجأة..
كانت البحيرة تلمع وكأنها قطعة كبيرة من الفضة، اقتربت رودينا منها بفضول واخذت تعبث بازهار الزنبق المائي الوردية ولكنها لمحت شيئا في احداها، ظنت في البداية انها حشرة ولكن عندما امعنت النظر وجدت انها فتاة صغيرة
- فولكان انظر! تتواجد فتاة صغيرة كالابهام!
صاحت رودينا فجأة بصوت عالي لتوقظ الصغيرة التي كانت تتمدد على اوراق الزهرة التي جعلت من بتلاتها فستاناً لها.
- ماهذا الشيء الغريب؟ تبدو وكأنها جرادة.
نبس فولكان بعدم اهتمام وقد استمر في طريقه
- جرادة! بجدية انظر اليها تبدو وكأنها فراشة صغيرة..
كانت تلك الجنية تبتسم لرودينا بلطف بعد أن استيقظت وقد وقفت على كفها، وكانت عينيها الذهبية متلألأة وكأنها قطرة من العسل الخالص مع شعرها الزهري الطويل والذي شابه اللوان الزهور.
- يالها من اخلاق، الا تعلم انه من الواجب التكلم بلطف مع الانسات.
قالت تلك الجنية بنبرتها الهادئة وهي تصعد على كف رودينا التي تبتسم بأتساع وكأنها تحمل قطعة ذهب
- لا يهم هذا الان فانا اريد الوصول إلى مملكة كلوڤي بأسرع وقت. هيا ايتها البشرية.
تحدث بوقاحة ولا مبالاة واستمر في طريقه الا انه توقف غصباً بسبب النباتات التي التفت حول قدمه لتمنعه من التحرك
- ماذا الان!
بغضب تحدث وهو يدير رأسه نحو الجنية المُبتسمة
- ايها الاشاب، انت تتصرف بوقاحة مع الناس ولا يجب فعل ذلك كما تعلم، وستندم يوما ما وهذا اليوم قد حان لأكون الشخص الذي يعاقبك لأجعلك تتعلم عيب التصرف بهذهِ الطريقة الوقحة.
عقد حاجبيه بعدم فهم كما فعلت رودينا ولكن فجأة رفعت الجنية ذراعيها لتتطاير قطرات الماء متشكلة على شكل كرة كبيرة وقد وجهتها نحو فولكان الذي وسع عينيه وقبل ان يتحرك كانت قد اصطدمت به.
اغمضت رودينا عينيها بقلق واستعدت لأنفجار فولكان القادم ولكن كل ما سمعته هو الهدوء لتفتح عينيها بأستغراب واخذت تجول ببصرها على المكان الذي كان به ولكنها لم تجده وعوضاً عن ذلك وجدت شيئا غريباً
- ياللهول!
صاحت بصدمة وهي تتراجع إلى الخلف بعدم تصديق وعينيها قد توسعت على اشدها
- سيكون درساً جيداً لك لتكون حذراً في المرة القادمة عندما تتصرف مع الاخرين، وتفكر جيدا قبل قول الكلمات الجارحة، واعتقد انك ناديتني بالحشرة لصغر حجمي وقد ظننت انني ضعيفة لانني بحجم عقلة الاصبع لكنني استطعت تحويلك إلى قط ببساطة.
يبدو أن هولدرا قد حذرتهم سابقاً من هذهِ الفتاة، فهي قد غضبت بسبب كلام فولكان الوقح لتحوله إلى هر.
فكان فولكان يقف بأستغراب وعدم استيعاب لأن حجم رودينا فجأة اصبح ضخماً ولكن عندما نظر إلى جسده ادرك انه هو من صغر حجمه، ليكون بجسد هر تغطى بفراء منفوشة حمراء وكأنها لون السماء عند غروب الشمس.
- يا إلهي! فولكان تحول إلى قط!.. لا استطيع التحمل!
لم تحبس الضحكة لاكثر من ذلك لتنفجر وهي تضرب ركبتها بعدم توقف حتى ذرفت الدموع
- ماذا تقصدين بفعلتك تلك! ياللسخافة ليس لك الحق لتحوليني إلى قط، ارجعيني إلى هيئتي الطبيعية فلدي مُهمة يجب علي تأديتها!
وحتى بحجمه الصغير إلا أن صوته العصبي بقى نفسه وكان غضبه يتصاعد بالتزامن مع ضحكات رودينا التي تصبح اعلى
- اسفة لا استطيع ارجاعك.
توقف ضحك رودينا وهي تمسح دموعها بخفة وتحدق بالجنية التي تقف على كفها بأستفهام، فكيف لا تستطيع ارجاعه إلى هيئته الطبيعية؟ اليست هي من حولته إلى قط!
- ما هذا الهُراء! هل سأبقى بهذا الجسد للأبد!
نفت الفتاة برأسها وهي تقول بنبرتها الهادئة مع ابتسامتها التي لم تسقط
- كلا هنالك شيء يستطيع ارجاعك إلى هيئتك، وهي مرآة ميدوسا، فوفقاً للأسطورة وبعد قتل ميدوسا، اخذت احدى عينيها واستعملت كواحدة من مكونات صنع مرآة نحاسية.
لقد سمعت رودينا سابقاً بميدوسا، فهي شخصية شهيرة بالأساطير اليونانية وواحدة من وحوش العالم السفلي وكانت تمتلك شعر من الثعابين ولها عيون تشل الناظر اليها وتحوله إلى حجر.
- واين تتواجد هذهِ المرآة؟
سألت رودينا فجأة بأستغراب لتجيبها الجنية
- يحتفظ بها امير مملكة كلوڤي في غرفته كواحدة من المقتنيات الاثرية المهمة.
وهم ذاهبين إلى قصر المملكة فالطريق واحد ولا يحتاجون إلى مغامرة اخرى
- هيا لنذهب.
نبست رودينا وهي تنحني لتترك الجنية فوق زهرة الزنبق المائي ثم توجهت إلى فولكان لتأخذ سيفه العريض وتحمله ولكنه ثقيل فقررت سحبه على الأرض.
- ايتها البشرية القذرة! اتركي سيفي حالاً من سمح لك بان تحمليه!
- لا تقل اي كلمة وإلا امرت الجنية بأن تحولك إلى ذبابة، ثم هل انت احمق؟ كيف ستحمل سيفك الضخم بجسدك الصغير هذا.
تجاهلته واستمرت في طريقها وحاولت تخبئة وجهها لانها لم تتحمل حبس ضحكتها اكثر، فشكله مضحك بتعابيره الغاضبة، وعلى الرغم من ذلك كان شكله ظريفاً ايضاً.
مهما يكن فهي سعيدة لأنه تحول إلى قط، وكأنه انتقام على تصرفاته المزعجة، وربما تحول إلى قط قد يفيد قليلاً بجعله شخصاً عاقلاً يعاملها بأحترام ولكن هذا مستحيل، فهو فولكان بالنهاية، فطوال الطريق اخذ يصرخ عليها بغضب
- ياله من شعور مزعج، انا جائع وبسببك قد حصل هذا، وكيف سوف اقابل الملك ونتفق على معاهدة السلام بشكلي هذا؟ فبالتأكيد سيعتبره اهانة ويشعل الحرب!
- لا تقلق انا من سيتولى مهمة الحديث معه.
- وهذا ما يجعلني غاضبا فأنت مجرد فتاة بشرية، وهو طلب شخصاً قوياً من المملكة ويُعتمد عليه.
قلبت بصرها بأنزعاج فهو قد اصبح مزعجاً جداً عندما تحول إلى قط، وكان يسير امامها بتمختر ليحافظ على مكانته كقائد على الرغم من حجمه الصغير.
ولكنها تجاهلت هذا الان فهي قد اصبحت بقرب القصر الملكي لمملكة كلوڤي، وكانت رايات المملكة ترفرف بشموخ وقد تجول الحرس في الاسوار جيئة وذهاباً، ولم تتعب نفسها بالدخول من الباب الرئيسي المملوء بالحراس، فقط اخرجت كتاب كوفين بعدم اهتمام وتمتمت بتعويذة لينفتح لها الطريق إلى داخل ساحة القصر، وتجاهلت فولكان الذي نعتها بالساحرة وما شابه وبكونها طريقة غير قانونية للعبور ويجب عليهم احترام القصر والقوانين والدخول من الباب الرئيسي وعن كونها ستُعاقب فيما بعد على ذلك.
ثم اخبرت احد الخدم بحضورهم لينبه الملك وانتظروا في رواق القصر بملل، وكان القصر فخما كالعادة فأطراف جدرانه مصبوغة بطلاء الذهب الخالص وقد انارت الثريا الزجاجية الرواق بالكامل.
وفجأة قطع تحديقها صوت قادم هادئ من اخر الرواق
- مرحباً بك في مملكة كلوڤي
ابتسم لها بلطف وتقدم منها ليكمل
انا مستشار الملك، ونحن سعداء بحضور شخص من مملكة البيرثينو، سأخبر الخدم بتحضير غرفة لك.
عقدت رودينا حاجبيها واستقامت بأعتدال بعد ان كانت تستند على الحائط وتحدق بمستشار الملك الذي بدى في عقده الخامس وقد رتب شعره الابيض إلى الوراء بطريقة انيقة وقد تغطى بملابس رسمية
- اين جلالة الملك؟
- انا اسف لان الملك في رحلة صيد اليوم، لن يرجع الا في وقت متأخر، واعتقد أنكم تفضلون الاستراحة بعد تعب الرحلة فالليل قد حل وغدا ستلتقون بجلالة الملك غداً.
تعتقد رودينا انه من الافضل التقاء به غداً، فهي غير مستعدة لمواجهته الان، وستحاول استدراج احد الخدم لاخبارها بغرفة الامير حتى تأخذ المرآة وترجع فولكان إلى شكله الطبيعي وسيتولى هو مهمة اللتقاء الملك.
واخذوها الخدم مع قطها المرافق إلى غرفة الضيوف الضخمة والانيقة بعد أن عالجوا ذراعها بأحد التعاويذ السحرية، وكانت رودينا تحدق بفاه مفتوح بالمكان فلم تتوقع يوما بانها ستنام في غرف القصور الخيالية..
وكانت الغرفة مزدانة بجدران حليبية اللون، ومن السقف تدلت ثرية بهية مُلات بالشموع النيرة، وأُسدلت ستائر عنابية ثقيلة ومن خلفها ظهر بهاء المملكة الضخمة، وانبسطت الارضية بسجاد عنابي غامق ومن فوقه ظهر السرير بفراشه الكبير الذي يسع ثلاثة اشخاص.
ثم نظرت بانزعاج إلى فولكان الذي احتل السرير قائلاً
- خذي الاريكة فالسرير لي. وانا للان لا اعلم لما لم تطلبي غرفتين فأنا بالكاد اتحمل رؤية وجهك لدقائق.
زفرت الهواء بأنزعاج ومسحت وجهها بفقدان صبر لتتجه نحوه وتحمله بقسوة وترميه على الأرض لتقفز هي فوق السرير وتتنهد بأرتياح لشعور الاسترخاء الذي تسلل بعد تعب اليوم.
- كيف تجرؤين!
- لا يُهم فأنت الان قط والقطط تنام فوق الارضية، هذا عقابك بالنهاية.. ثم كيف تريدني ان اطلب غرفتين هل تريد جذب الشك الينا؟
ثم غطت رأسها بالوسادة الريشية بسبب صوته الغاضب والذي لم تفهم منه شيئا، لتنبس من تحت الوسادة
- أن غرفة الامير تقع في الجهة الاخرى من القصر، وبما أن الليل قد حل لننتظر قليلاً قبل التسلل لغرفته حتى ينام.
مرّ الوقت ببطء شديد، وعلى الرغم من التعب الذي يشعر به الاثنان، إلا أن النوم لم يزرهما.
- فولكان، لدي سؤال مهم كان يدور في رأسي منذ مدة...
فجأة قطعت الصمت بكلامها المفاجئ، فهَمْهَمَ فولكان بنعاس وهو بالكاد يستوعب ما تقول. صمتت لدقيقة قبل أن تفصح:
- هل أنتَ مختل؟
رفع رأسه من فوق ذراع الاريكة لتقهقه على شكله، إذ كان فراؤه مبعثراً، فصاح عليها بصوت غاضب
- مالداعي لشتمي الأن!
ويبقى فولكان الرجل العصبي حتى لو تحول إلى قط..
لم تستطع رودينا البقاء في السرير لمدة اطول لتتوجه إلى النافذة فتحرك الرياح خصلات شعرها القصيرة
- اشتاق إلى رؤية السماء المليئة بالنجوم، لقد مرت فترة منذ اخر مرة رأيت فيها السماء.. صحيح في الفترة الاخيرة كانت النجوم فوق سطح الأرض لا تظهر بوضوح بسبب التلوث الضوئي لكن على الرغم من ذلك اشتاق اليها..
همست بأبتسامة وكانت تحادث نفسها ولم تتوقع أن يجيبها فولكان
- لقد حدثني شخص عن النجوم عندما كنتُ صغيراً، واتذكر كلامه للان وقد جعلني اتلهف لرؤيتها..
ما بال هذا الهدوء المفاجئ، هل هذا فولكان ام ان النعاس قد لعب به؟
- لماذا لا نتأمل الأرض كما نتأمل السماء؟ لماذا لا نحاول أن نحصى الحصى كما نفعل مع النجوم؟ لماذا دوما قلوبنا تتعلق بما هو بعيد؟
لماذا شعرت فجأة بأن هذه الجملة تصف حالها؟ فحقاً الارض ورغم كل شيء تبقى الاجمل ولكن لم يُحافظ البشر عليها.. وشعور غريب راودها وكأنها سمعت هذهِ الجملة من قبل.
- ربما لاننا نرغب بتدنيسها كما فعلنا في الأرض..
حادثت نفسها بصوت منخفض قبل ان تستدير إلى فولكان الذي بدى بين الوعي والاوعي لتعلم انه في بداية نومه
- هيا، اعتقد انه الوقت المناسب للذهاب لغرفة الامير.
وتحركت بسرعة وكأنها بكامل نشاطها وبصعوبة قد لحقها فولكان، كانت تتحرك بحذر وتحمل شمعة بيضاء بكلتا يديها، كانت قد خطفتها سابقا من غرفتها، واخذت تتذكر كلام الخادمات حول غرفة الامير الذي يمتلك جناحاً خاصاً به وبمفرده، واحتاجت وقت طويل للوصول إليه بسبب كبر حجم القصر.
- ياللغرابة لما لا يوجد حراس حول بابه؟
همست هي بأستغراب ثم تحركت لتقف بقرب جدار غرفته وتمتمت بتعويذة فتدخل إلى الغرفة دون ان تفتح الباب حتى لا تصدر صوتاً.
مشت على اطراف اصابعها وقد نست فولكان للحظة فهي قد اهتمت ووضعت تركيزها في ايجاد مرآة ميدوسا، وكانت غرفته واسعة، ولكن تفاصيلها لم تظهر بوضوح بسبب ظلمة المكان، ولم تقترب من سريره حتى لا يستيقظ، فيجب ان تتصرف بحذر وتتحرك ببطئ، واخذت تراقب خطواتها بقلق.
ثم لمحت الجهة الاخرى من غرفته والتي تحوي على لوحات وتماثيل اثرية لتتجه نحوها وهي تفكر بوجود مرآة ميدوسا في هذهِ الجهة.
وكما توقعت وجدت مرآة بيضوية نحاسية متوسطة الحجم تلمع بلونٍ برتقالي تحت ضوء الشمعة وفي زواياها تجمعت جواهر حمراء اللون بدت كالجمرة.
حملت المرآة بصعوبة وحذر، والتفتت سريعا إلى الخلف وهي تبتسم نحو فولكان بانتصار، ولكن عوضا عن ذلك اصطدمت بجسد صلب.
ابتعدت بقلق وهي ترفع الشمعة إلا أنها قد وقعت من يديها بفزع عندما ضرب البرق جهتها ليرتطم بالحائط القريب منها وقد انار الغرفة بلون ازرق مُخيف
ولكن الذي اوقف دقات قلبها، تزحلق المرآة من بين يديها المتعرقة لترتطم بالأرض وتتكسر، فتتناثر اجزائها في ارجاء الغرفة كما تناثرت وتكسرت قدرة فولكان على الرجوع إلى طبيعته..
•
•
•
Stoop
وهنا نهاية البارت اتمنى عجبكم وتحمستوا
رأيكم بالبارت بشكل عام واي انتقادات او اراء؟
كتبته قبل لا انام فممتأكدة أن كان جيداً ام لا ربما اعدله بعد أن استيقظ.
طبعا هعهعهع انا شريرة صح شكلي انتقمت اخيراً لرودينا
امزح امزح شنو تتوقعون حيصير مع فولكان وردينا؟ وهل فولكان حيبقى بجسد القط؟ وشنو الحل مع مرآة ميدوسا وقد تكسرت؟ ماطول تكسرت فيعني مستحيل فولكان يرجع إلى شكله الطبيعي لان بعد سحرها ميعمل، فشحيصير؟
اعتقد ان الكل تقريبا يعرف قصة ميدوسا، رايكم فيها؟
وكنت افكر قبل فترة عن عمل فصول خاصة قصيرة احط فيها مواقف مضحكة لشخصيات هالرواية سواء اكانت اقتباس او من كتابتي يعني مثل كوميكس الانمي او الكرتون..
ويمكن حسوي واحد حتى تقولون لي رأيكم فيه
ويلا قود باي لوف ياه 💛
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro