بين طيات الصداقة والحياة (الفصل السادس والثلاثون)
السلام عليكم
كيفكم احوالكم الوانكم وحشتوني خالص مالص فالص
اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا
-مساحة لذكر الله-
ويلا نبدأ
••••••••••••••
لمست رودينا بيديها المُرتجفة خصلة من شعرها الأشيب، وشعرت بتكور غصة منعتها من اخراج أي كلمة وهي تجلس على ركبتيها بضعف، أغمضت عينيها لمنع تدفق الدموع وعضت على شفتيها بقهر.
فهي مثل باقي الفتيات بمثل عمرها..وقد فقدت أهم صفة بحياتها وهي الشباب، وعلى الرغم من صفاء ملامحها من التجاعيد إلا أنها شعرت حقاً بشعور الفُقدان المُر..ولقد قفزت بشبابها دون أن تشعر به إلى عمر الخمسين بأقل من دقيقة!
- اوه يا عزيزتي..أعلم شعورك جيداً ولكن يجب أن تتألمي مثلما تألمت أنا، بسببكم أيها البشر! اراهن على أنك تشعرين بالندم الشديد وتتمنين لو أنك لم تضحي بشبابك من أجل انقاذ صديقك المسكين.
وضعت بانشي يديها فوق فمها وأخذت تضحك بأنتصار حاقد وعينيها تتربص برودينا محنية الرأس.
ولكن البشرية لم تتحمل ذلك وضربت بكفها الأرض بقوة وصاحت بألم وهي تستقيم:
- لن أشعر بالندم أبداً! لقد فعلت ما كان علي أن افعله مُنذُ مدة! الآن أستطيع ان أقول أنا ضحيت بأغلى مالدي من أجل شعبي وصديقي العزيز، كل ما فعلته سابقاً كان لا شيء، ولكن يجب أن تفهمي شيئاً يا بانشي، حتى لو تم قتلك على يد بشري شرير..لا يعني هذا أن كل البشر مثله، أنا لا أبجلهم والخطأ يبقى خطأ ولن يتغير فقط لأن أشخاص من شعبي فعلوه!
تنفست بقوة بعد أن فجرت ما بداخلها دفعة واحدة، وأخذ صدرها يعلو ويهبط وعينيها تشوشت بسبب الدموع ولكنها جاهدت حتى لا تسقط:
- أنا أعلم أنني ولدتُ من أجل القيام بهذهِ المُهمة..وسأكون فخورة لو أنني متُ في سبيل أنقاذ شعبي الضعيف، فلا يوجد أحد سيفعلها من بعدي..قد يكره البشر ذكر الموت والتضحية لأنهم يتذكرون ضعفهم..ولكنني ذكرتها أمامك الآن حتى تعرفي كم أنا قوية ولن استسلم لأن شبابي قد ذهب بين يديك!
ثم مسحت عينيها بقسوة وشعرها الابيض يتطاير مع أنفعالها.
وعندما توقعت إن كلماتها أثرت ببانشي، حدث ما لم تتوقعه، فأخذت الساحرة تصفق بيديها بملل وهي تتطلع إلى رودينا المُنفعلة ببرود، قبل أن تشخر بسخرية
- يالها من كلمات مؤثرة..لكنني للإسف لم اتأثر، ولقد شعرت بالأنزعاج بدلاً من ذلك بسبب قوتك المزيفة، ومن يزعج بانشي لن يخرج من هُنا حياً.
ثم رفعت كفها عالياً لتأمر طاقمها الأشباح بالهجوم على الثلاثة، وما كان من الأشباح إلا الضحك بأستمتاع والتحرك بسرعة البرق دون أن يستطيعوا إيقافهم أو رصدهم بقوتهم، لأنهم ولسوء حظ الثلاثة يخترقون الرياح التي يسببها إيڤروس، والصخور الحادة التي رفعتها رودينا. بهيئتهم الشفافة.
وعندما رأى إيڤروس إن قوتهم لا تنفع مع الأشباح..فكر بفعل شيء متهور حقاً، فنظر إلى بانشي المُستمتعة بالمنظر أمامهما بطرف عينيه قبل أن يبتسم أبتسامة واسعة عندما لمح زجاجة العلاج الخاصة بلانسولت بين يديها العظمية، فيترك صف أصدقائه وركض بسرعته الشديدة نحو بانشي دون أن تنتبه فهي كانت مشغولة بالسخرية من قوة البشر الضعيفة.
وبمهارة عالية خطف العقار من بين يديها لتنتبه له اخيراً لكن بوقت متأخر، فقد ابتعد عنها وهو يخرج لسانه وسحب طرف عينه اليسرى إلى الأسفل ليظهرها بمظهر الساحرة الحمقاء. فأنفجرت الأخيرة غاضبة بشدة وأرتفع شعرها من حولها وكأنه غابة من الأعشاب البحرية السامة، وصاحت بصوتها القاتل وهي ترفع يديها ذات الأظافر الطويلة:
- اللعنة عليكم!
وأخذت المادة الأرجوانية اللزجة والحارقة تسيل من السقف وتهجم عليهم كالرماح وكأنها كائن حي يعلم أين يذهب، وعلمت رودينا المُتعبة أن هذهِ المادة ستخترق الجدار الذي ستصنعه من قوتها، وتراجعت إلى الوراء عندما ضربت تلك المادة الأرض لتذوب بسرعة، وحاولت تفاديها قدر الأمكان بصعوبة بسبب حركاتها المتصلبة وهي تبحث عن حل سريع يخرجهم من هُنا سالمين.
ولا تعرف كيف خطرت تلك الفكرة داخل رأسها لتنظر إلى فولكان بجانبها بسرعة وتهتف
- فولكان! أستعمل قوتك!
صاحت بقوة أستطاع فولكان سماعها بصعوبة بسبب ضحكات الأشباح الا متناهية وصوت تساقط الصخور بسبب أهتزاز المكان.
ونظر إليها بعدم فهم قبل أن تتوسع عينيه عندما أدرك الأمر، فيرفع يديه وبحركة سريعة أشعل كفيه.
وسرعان ما أنتشرت النيران في كل مكان وكأنه هشيم، وعندما لامست الغاز ذو الرائحة الغريبة، ظهر ضوء قوي برتقالي اللون قبل أن يهتز المكان مُنفجراً بشدة! وتتساقط الصخور الحادة من كل صوب كالسهام السامة، ودفعتهم الرياح ليلتصقوا بالجدران التي أنهارت ليتدافع الماء للداخل بعد أن زالت الصخور التي تمنع دخوله.
وسبب الأنفجار الذي حصل، هو الغاز الذي يحيط بهم يتفاعل بشدة مع النيران، فيشتعل المكان وينفجر، ولهذا لم يستطع فولكان أستعمال قوته في البداية إلا عندما امرته رودينا بذلك.
إما رودينا، فكانت على وشك الموت تحت انقاض الجدران الثقيلة، ولكن فولكان استطاع أنقذها بسرعة بعد أن فقدت الوعي جزئياً، ولولا مساعدة إيڤروس في دفع الحُطام عن طريقهم باستعمال قوته التي أندمجت مع الماء، لدفنوا تحت الجدران الثقيلة.
ولا يعلموا كيف استطاعوا الخروج من هُناك ليصعدوا إلى سطح الماء بسلام، فعلى الرغم من جسدهم المليء بالخدوش والجروح التي لن تشفى سريعاً، إلا أنه كان انتصاراً رائعاً بالنسبة لهم. ماعدا رودينا التي كانت تشعر بشيء يثقل صدرها، ولم تتعب نفسها لتسبح إلى الأعلى، بل أستندت على فولكان بكل ضعف وأحاطت بذراعها اليمنى رقبته لتترك الباقي له وتغمض عينيها بتعب.
وعلى الرغم من الأمواج القوية التي تدفعهم يمنة ويسرة، أستطاعوا الصعود إلى سطح الماء، وصرخ إيڤروس بصوته الجهوري ورفع يديه المغلقتين إلى الأعلى ليشير إلى الأيجوري الذي حلق إليهم مُسرعاً وكأنه كان ينتظر الأشارة.
ولكن فجأة أشتدت الرياح حولهم ولمع شيء في السماء، ورفعت رودينا عينيها المُرهقة لتنظر إلى الأعلى عندما أدركت أن تلك الرياح ليست بفعل الطقس، بل بفعل الإيجوري! وكان يضيء بنوره المشابه لنور الشمس، ومخالب قدمه التي أوحت اليهم بأنه طائر جارح، ولونه الأسود المائل للخضرة وقد أضاء كزمردة مُشتعلة، وبدا جميلاً جداً وكأنها أول مرة تنظر إليه.
فأخذ الطائر يدور حول نفسه ويرفرف بجناحيه وعند كل دورة يكبر حجمه، ويطول ريشه، ويزداد صوته علوا، حتى صرخ صرخة كالعنقاء المميزة وقد ترددت حولهم بشكل واضح وبرز صوته فوق صوت العاصفة.
ثم هبط نحوهم كالصقر، ورفعهم بمنقاره وقدميه ليرميهم بلطف فوق ظهره ويرتفع مجدداً إلى الأعلى ليرجعهم إلى الديار. وطول تلك المدة كانت رودينا تقبض على فكها بشدة من شدة الصدمة، أما فولكان فتح فاهه بدهشة بعد أن أستوعب الفرق الكبير بين الإيجوري الصغير والحالي، ولم ينطق غير إيڤروس الذي كان يضحك بسعادة وهو يربت بإحدى يديه على ظهر الإيجوري.
- هذا هو الإيجوري الحقيقي، أنه المزيج المميز بين العنقاء والديناصور، وقوته أكبر من التنين العادي. فبعد ثلاثة أيام من ولادته يستطيع التحكم بحجمه فقط فيكبر ويصغر متى ما شاء، ولا يستطيع أخراج النار كالعنقاء إلا بعد سنين طويلة.
تكلم إيڤروس بفخر وهو ينظر إلى تعابيرهم المصدومة. حتى مرت دقائق واستوعب فولكان الأمر لينظر حوله ثم دفع رويدنا المستندة عليه وقال بنبرته اللاذعة التي لم تتغير على الرغم مما حدث
- من أعطاك الحق بالألتصاق بي، يالكِ من بشرية مُزعجة.
وتمتم بعدة كلمات لم تكن واضحة بعد وتجاهلته رودينا تماماً ثم وجهت سؤالها لإيڤروس وهي تمسك بريش الإيجوري حتى لا تسقط.
- هل أحضرت العلاج؟
هز الصغير رأسه بتأكيد قبل أن يخرج الزجاجة الصغيرة
- وأحضرتُ شيئاً آخر أيضاً.
ثم رفع يده المُنقبضة أمام رودينا المُستفهمة ليضحك بأستمتاع قبل أن يفتحها أمامها.
وبداخل يديه برزت الجوهرة الصغيرة البيضاء التي كانت مُعلقة على خصر الساحرة بانشي
- هذهِ هي جوهرة شبابك يا رودي، لقد أستطعت خطفها دون أن تنتبه بانشي إلى ذلك، بنفس اللحظة التي أخذت منها زجاجة العلاج--
وقطع كلامه بصدمة عندما سحبته رودينا بقوة لتحتضنه بأقوى مالديها وهي تضغط على فكها بقوة قبل أن تقهقه بسعادة وبكاء بنفس الوقت وتزيد من قوة أحتضانها. ويديها تربت بقوة على ظهر إيڤروس الذي شاركها الضحك بحرج وتفاجئ من ردة فعلها السريعة.
ثم أبتعدت عنه لتمسك بالجوهرة بعدم تصديق ولم تتفوه بأي كلمة، فهي حقاً لا تعرف ماذا تقول، وتخشى أن تفتح فمها فتشهق ببكاء وترمي إيڤروس إلى السماء من السعادة.
وتجاهلت كلمات فولكان المُنزعجة و وضعت الجوهرة فوق قلبها دون أن تنتظر أكثر، لتبتسم بسعادة عندما صدر ذلك الضوء الأبيض وألتف حولها وشعرت بتدفق القوة والشباب من جديد إلى داخلها. حتى عادت الجوهرة لتصبح شفافة من جديد بعد أن أرجعت شباب رودينا. فتضحك الأخيرة بمرح وأنتعاش
- يا إلهي إيڤروس، أنا سعيدة جداً ولا أعرف ماذا حدث لي..بجدية كم أنتَ لطيف!
ثم سحبت خديه بقوة وهي تقهقه بسعادة ليحاول الصغير أبعادها بصعوبة بعد أن شعر بخديه يتمزقان.
- يالكِ من مزعجة، ستجعلين الفتى يندم على تقديم المُساعدة.
تمتم فولكان وهو يستند بظهره على الإيجوري وأخذ ينظر إلى السماء بملل
- يالك من لطيف يا فولكان، هل تشعر بالغيرة لأنني لم أشكرك على تقديم المُساعدة؟
ثم انقضت على شعره لتبعثره بشغب وتقهقه بأستمتاع، بينما حاول هو تخليص نفسه بأنزعاج من بين يديها، ليقول بعد دقائق عندما أستطاع تحرير نفسه
- ياللأزعاج..
فتبتسم البشرية وتقول بنبرة صادقة
- أنا حقاً أشكرك على تقديم المُساعدة الدائمة لي على الرغم من شجاراتنا وكُرهنا المتبادل.
نظر إليها بطرف عينيه قبل أن يغير الموضوع ويدير رأسه
- لا أظن أن بانشي قد ماتت
- لا يهم حقاً، ولكن حقدها للبشر مُبالغ به..أتساءل حقاً.. لماذا قد قُتلت على يد بشري؟
أجابها فولكان بعدم أهتمام
- إنها تكذب، فلا أحد من البشر يستطيع الوقوف بوجه الساحرة بمفرده، إنها فقط حاقدة عليهم لإن البشر أستوحذوا على الأرض. والآن لننسى أمرها فلا أريد أفساد مزاجي أكثر.
ثم نظر إليها بطرف عينه ليقول
- هل أنتِ نادمة حقاً على ما فعلتيه؟ فعينيك قد غامت بالدموع وكأنكِ فقدتِ كل شيء.
تنهدت رودينا ولا تعرف لما لا أحد يصدقها..فهل ما فعلته كان غريباً حقاً؟
- لستُ نادمة، وسأفعل ذلك مرة ثانية لو أمكنني، أنه فقط الجزء الاناني التافه داخلي يبكي بهذهِ الطريقة الحمقاء.
وحل الصمت ولم تنتبه رودينا لأبتسامة فولكان الباهتة عندما أدار رأسه مرة أخرى، وهبط الإيجوري عند قلعة فولكان لينزلوا بسرعة ويتوجهوا نحو غرفة لانسولت بقلق وأمل مع زجاجة العلاج.
ليلتقوا بواتريندا وبين يديها وعاء مملوء بالماء وبداخله منشفة صغيرة، وقبل أن يستفهموا على أي شيء قاطعتهم هي بشهقة مُتفاجئة حتى كاد الوعاء يسقط من بين يديها
- أخرجتوا من حربٍ دامت لعشرِ سنوات! ما بال حالتكم المزرية هذهِ.
ونقلت أنظارها بين الثلاثة بصدمة، فأطراف ملابسهم ممزقة ومتسخة ووجهم مليء بالكدمات والخدوش، وعلى الرغم من ذلك، كنت رودينا تبتسم بسعادة وإيڤروس يداعب الإيجوري وقد صغر حجمه ليقف على كتفيه كالببغاء فوق كتف القرصان، إما فولكان فقد تقدم بعدم أهتمام وعبر جسدها ليدخل الغرفة.
ولم تتحمل رودينا وأخذت تحكي لها كل ما حصل اثناء دخلوها للغرفة قبل أن يسقط بصرها على لانسولت وحالته المتعبة، فكان يبدو وكأنه مُصاب بالحمى، فوجهه متعرق ومتورد، ويتنفس بصعوبة، ويتشبث بغطاء السرير بشدة وكأنه يفرغ المه بهذهِ الطريقة
- أعطني العلاج بسرعة!
نبست واتريندا بعجلة وهي تأخذ الزجاجة من أيدي رودينا، وألقت عليه نظرة متفحصة ثم سكبت القليل منه للانسولت
- إن لونه غريب، يبدو كالسم أكثر من كونه دواء.
ثم قدمت القليل منه للانسولت ولم تعاني من أدخاله إلى داخل جسده، فلانسولت كان واعي ولكنه لا يمتلك القوة الكافية ليتكلم، وبهذه الطريقة سيتعذب أكثر.
وما أن شربه حتى انكمشت ملامحه وبدأ بالسعال بقوة، حتى تدفقت الدموع من عينيه، فوضع يد واحدة فوق قلبه وضغط على ملابسه بقوة وكأنه يحاول تفريغ المه بهذهِ الطريقة، وبيده الأخرى أخذ يغلق فمه لعل السعال يتوقف. وبدا حقاً كشخص يتعذب.
فأنطلقت واتريندا تحاول بذل قصارى جهدها في تقليل المه، وخرج فولكان من الغرفة وهو يأخذ ايفروس معه حتى لا يصيبه الخوف والهلع بما يراه، وبقت رودينا تنظر بعينين متوسعة إلى لانسولت المتألم وفك منقبض من الحزن والندم.
- لانسولت..
همست بنبرة مرتجفة وغامت عينيها بالدموع ثم توجهت نحوه لتربت على كتفه، وعندما تمكنت من الرؤية، وجدت لانسولت يتطلّع إليها بأبتسامة صغيرة من بين سعاله الذي خف بعد أن قدمت له واتريندا شيئاً هدأ من ألمه، لكن من الواضح إن الذي فعلته لم يقدم أي فائدة في إيقاف العذاب الذي يعيشه لانسولت. بل على العكس..كان قد زاد بعد أن أخذ الدواء، ولكنه حاول أن لا يظهره بينما يتكلم مع رودينا بنبرته المتعبة:
- كنتُ دائماً اقدر البشر وأنظر إليهم بأحترام أكثر من أي مخلوق آخر، فلا أحد يستطيع تحمل الالم مثلهم، وربما تلك الدماء البشرية التي تجري بجسدي الآن قد زادت من هذا الأحترام، ولكن...أنا أشعر بالرضى عن قدري يا رودينا، قبل أن تتكلمي أعرف ماذا ستقولين لي. ولكنني أنهيت واجبي بهذهِ الحياة وفعلت ما يجب علي أن أفعله، فلا شيء سيقف أمام الموت.. حتى التضحية..فلماذا ذهبتوا إلى هذا الحد لتجلبوا العلاج من الساحرة؟
فكرت رودينا في تلك المعاناة التي لا بد أن لانسولت قد تحملها بمفرده في هذهِ الفترة القصيرة..وقد جعلته يُهيئ نفسه لكي يودع الصحة والأهداف، بل الحياة نفسها، ثم يتقبل قدره ويمضي راضياً.
وحاولت التفكير جيداً بالكلمات التي يجب أن تنطقها وهي تنحني لتجلس على ركبتيها بجانب سرير لانسولت، ثم نظرت بعبوس إلى وجهه
- ما هذا الكلام يا لانسولت! أنت لا تزال في الواحدِ والعشرين من عمرك، والوقت مبكر على أن يبدأ الموت في حياتك، ثم لا يمكنني أن أدعك تذهب هكذا ببساطة بعد كل ما فعلته من أجلي، فمهما قابلت من أشخاص..كُنتَ أنتَ أول صديق لي، وبدلاً من الأستسلام.. سأضحي وأكافح، لأحتفظ بك في حياتنا، لابد أن هناك ما يمكن عمله، ولا يمكن أن يكون الوقت قد تأخر إلى هذا الحد..
قالت رويدنا بنبرة أحتجاج وقد أرضاها أن تعلن الحقيقة كلها دفعة واحدة
- لعلي أخطأت، وقد يكون ما تسمعينه مني قاسياً الآن، لكنني اعتقد بأنه التصرف الصحيح، فبدا لي من الأنانية أن أُزعجكم جميعا، فأنت بلا شك قلقة بسبب والدتك العزيزة وبسبب المهمة الثقيلة فوق كتفيك في أنقاذ شعبك، بينما فولكان يحتاج إلى الراحة بعد العمل المتعب، أما إيڤروس و واتريندا لا يجب عليهم أن يتعبوا أنفسهم في رعايتي. فهل تستطيعين يا رودينا ان لا تنظري إلي كعائق وتكملين طريقك رغم ما يفعله آزوت؟
لم تتحمل رودينا كلماته الهادئة على الرغم من الألم، وحاولت التكلم بلهجة مُستبشرة:
- بالطبع سأفعل إن أستطعت، ولا تظن أنك عائق أبداً يا لانسولت، فأنا لم أفقد الأمل بعد، ولا تستسلم للمصير الذي كتبه لك آزوت، فلن ادعك تعتقد بأنه حقيقة. ولا يمكن أن تكون الحياة بهذهِ القسوة لتأخذك منا فجأة!
- رودينا العزيزة، لا تأملي في ذلك، فأنا موقن أنه بلا فائدة، لا أعرف كيف أعبر عن أفكاري، ولن أحاول أن أفعل ذلك إلا معكِ، ما أقصد أن أقوله هو أن بداخلي شعوراً قوياً أن قدري هو أن لا أعيش طويلاً، فأنا على خلافكم جميعاً، لم أرسم خططاً للمستقبل، ولم أفكر بالأهداف كما فعلتم جميعاً، بل لم أستطع أن أرى في نفسي سوى لانسولت الأحمق والوحيد الذي يعيش تحت الأرض مُختبئاً للقيام بهواياته السخيفة، ولا يهمه سوى القيام بالأختراعات التي تدمرت ببساطة، ومهما حدث سأحاول أن أقبل بنصيبي من الدنيا عن طيب خاطر.
وبالتدرج أستعاد لانسولت سكينته ولكن الألم لا يزال موجوداً بداخله، وكلماته لامست قلب رودينا لتشعر بالألم، فحتى لو كانت تعيش بلا اصدقاء سابقاً فوق سطح الأرض، إلا أن لانسولت قد عاش حتى بلا عائلة، وعلى الرغم من ذاك قدم لها المساعدة وكأنها اخته الصغرى. والآن سيذهب هكذا بكل بساطة..دون أن يتشبث بالأيدي التي تقوده في حياته..ولم يشعر بالمحبة التي تجعله يذهب عبر وادي الظلال راضياً كل الرضى بعد أن ودع من يحبهم، ويسلموه إلى السماء..
ودون أن يسمع تتابع الصلوات على الشفاة من أجله، وفيضان العيون بالدموع، والأيادي المترفقة التي تجعله يستعد لرقدته الأبدية، وكان يحلم بأن يأخذ أنفاسه الأخيرة على الصدر نفسه حيث تلقى أنفاسه الأولى، ويودعهم من دون تحية وداع سوى بنظرة مفعمة بالحب وشهقة صغيرة، ولكن هذا لن يحصل لأن لانسولت ولد وحيداً وسيموت وحيداً.
ولم تستطع رودينا أن تتكلم، ولعدة دقائق لم يكن هناك سوى صوت حفيف الأشجار بفعل الريح، بعد أن تركتهم واتريندا بمفردهم في تلك الغرفة.. ونظرت رودينا بحزن إلى عينيه الراضية عن كل شيء وكأنها تبحث عن حبل لا يزال لانسولت متمسك به لتسحبه هي وترجعه إلى الواقع.
ويندر ان تتكلم النفوس الصادقة البسيطة عن نفسها، وتتحدث عن ورعها، لكنها تُظهرها في أفعالها، مما يكون أعمق تأثيراً في الآخرين من العظات والانتقادات، ولانسولت بوصفه واحداً من هؤلاء، لم يستطع أن يشرح أو يفسر الإيمان الذي منحه الشجاعة للتخلي عن الحياة، وانتظار الموت في صبر ورضا، بل أنه كطفل صغير وثق فيمن حوله ولم يُلق أي أسئلة.
وأنما ترك كل شيء لله ، ولم يوبخ رودينا بالخطب والمواعظ، بل أظهر لها مزيداً من الحب بكلماته الهادئة والصادقة، ومسك يديها بقوة بين يديه الباردة وكأنه يتذكر الوقت الذي غادرت فيه أمها من أمام ناظريه كما سيغادر هو، وأستمد منها مزيداً من العاطفة الإنسانية، ليبتسم بأطمئنان نحوها.
ولم يقل بالطبع" أنا سعيد برحيلي" فالدنيا لا تزال جميلة في عينيه، ولا يزال يريد الذهاب لسطح الأرض..
وبعد قليل انحسرت موجة العواطف تلك، والتي تعد الأولى في حياة رودينا من الحزن الغامر. وعلى الرغم من مفعول الدواء الذي بدأ الآن، وقد جعل لانسولت يتنفس بطبيعية على الرغم من شعور الأحتراق داخل صدره ونبض قلبه المتألم.
إلا أن لانسولت لن يعيش طويلاً كما قال، فحتى لو أستطاع أن يعيش لسنة كاملة..إلا ان هذا لن يستمر...فمثلما قال سابقاً، لا شيء يقف أمام الموت حتى التضحية، وإن كان قدره هو الموت قبل الجميع..فلن يعترض على ذلك بعد أن أنهى كل ما يستطيع...
***
وعند مجيء الصباح، كانت نار المدفأة مطفأة، ومكان لانسولت خالياً، والغرفة كلها في غاية السكون، وغرد عصفور جَذِل على فرع شجرة قريبة، والتمعت بعض قطرات المطر على النافذة، وأنساب الضوء الخفيف من بين الغيوم الكثيفة، ليستقر على وجه رودينا الهادئ وقد أكتفت بالنظر إلى السماء شاكرة. وهي تجلس بين أزهار الفريسيا التي تعني النقاء كنقاء وجهها المُسالم.
عندما أستيقظ لانسولت بسلام هذا الصباح، ورغم الحزن الذي أحسوا به عندما علموا أن هذا السلام لن يدوم طويلاً لأن الدواء لن يوقف الداء إلى الأبد..فقد أراضهم جميعاً الصفاء الذي ارتسم على وجهه بدلاً من علامات الألم التي أعتصرت قلوبهم، وشعروا جميعاً بالامتنان بسبب ما فعلوه البارحة..
تنهدت بألم بعد كل ما مرت به دفعة واحدة لكن مشاعرها تبخرت فجأة عندما أحست بأحدٍ خلفها.
لتستدير بسرعة عندما ظنت أنه فولكان أو إيڤروس، لكنها أستقامت بحذر عندما ظهر ذلك الشاب الغريب، من اللا مكان كالعادة، وكأنه شبح يتحرك مع نسمات الهواء دون أن يشعر به أحد، فلوح لها بأبتسامة واضحة من تحت لثامه الذي غمَّ وجهه حتى أنفه. ولم يمانع بأظهار شعره الأزرق الناعم المُرتب إلى الخلف بعناية.
فزمت رودينا شفتيها ومالت برأسها إلى أحد كتفيها وكأنها تتأكد من أنه نفس الشخص الذي يظهر لها كل مرة
- أهلا..هل جئت مرة أخرى لتحذرني من شيء ما؟
وبنبرة أحس بأنها غير مرحبة قالت، ولم يمانع ذلك بل أخذ راحته الكاملة وكأن هذهِ القلعة قلعته، ليستند على أحد الأشجار ويعقد كتفيه فوق صدره
- بجدية..بالطبع لا، لست نذيراً او عرافاً، لكنني كنتُ فضولياً حول الزهرة العاجية، فهل حصل شيء ما؟
لا تعرف رودينا لماذا يظهر لها في كل مكان، بل يتصرف معها وكأنه صديقها منذ فترة طويلة، وهي حتى لا تعرف أسمه ولا شكل وجهه..
- دعني أخبرك شيئاً ما، ليس كل ما تسمعه حقيقة..وليس كل ما تراه ملموساً، أو ما تشعر به صادقاً، فحديث الحورية انذاك قد يكون سوء فهم من طرفنا، فكُل حديث مُعرض لسوء فهم..حتى الصمت قد يُساء فهمه، ولكل شيء له معاني عديدة، فإن كان معنى الزهرة العاجية هو الموت..يمكن ان تشترك أيضاً بمعنى الصفاء..الحب والحرية، وهذا ما أدركته أخيراً.
ثم أبتسمت بصمت بنهاية كلامها دون أن تنظر للمتعجب الذي بجانبها، بل أخذت كل شيء ببساطة وسهولة..حتى الحذر منه.
- كل مرة أقابلك بها تصدمينني، أنتِ بحق فتاة رائعة..
نظرت إليه بأبتسامة أكبر ثم أدارت جسدها كاملاً
- وقد أكون قائدة رائعة أيضاً، أليس كذلك يا سمو الأمير؟
وبحركة سريعة منها لم يستطع المجهول تفاديها، مدت ذراعيها وسحبت اللثام الذي يغطي وجهه إلى الأسفل، لتظهر ملامحه بشكلها الواضح والجذاب أخيراً، وطرف بعينيه الذهبية بتعجب قبل أن يستوعب الوضع أخيراً ويتراجع للوراء بصدمة وهو يقول:
- ماذا..!؟ كيف عرفتي ذلك!
قلبت البشرية عينيها بسخرية وقالت
- بجدية يا سمو الأمير..أن عينيك المميزة وشعرك الأزرق لن يمحو من الذاكرة بسهولة، لازلت أتذكر اليوم الذي قابلتك به في مملكة كلوڤي، وأتذكر الخدوش الذي سببها قطي في وجهك، وأنا حقاً لم أعرفك في المرة الثانية التي قابلتك بها، ولكن في القصر الملكي..عندما ظهرت فجأة ولم تخفي شعرك..تذكرتك بسهولة.
لمس شعره حتى يتأكد من الأمر وأستحال فمه إلى خط رفيع غير راضي، فهو أراد اخفاء نفسه أكثر حتى يكتشف شخصية رودينا ويرى إن كانت بشرية جديرة بالقيادة، ولكنها أكتشفت ذلك بكل بساطة
- بالنظر إليك..لا أظن أنكَ آزوت فأنت أقل حذراً وأكثر غباء من أن تكون قاتل.
- كيف تتحدثين هكذا معي يا آنسة!
صُدم الأمير لتعاملها الصريح معه، ولكنه أبتسم بقلة حيلة عندما وجدها تقهقه بخفة
- سيكون لديك عقاب بالتأكيد على وقاحتك، فكنت أُريد الأنضمام إليك ببساطة دون أن أوكلك بمهمة صعبة كما فعل الأخرون. ولكن بسبب ما قلتيه سأسحب كلامي.
نظرت له رودينا بتفاجئ قبل أن تعترض على ذلك بغضب
- ماذا! أنا لم أقصد شيء حقاً، لقد قلت ذلك بدون تفكير كعادتي البلهاء التي لن تختفي أبداً، وحقاً لا أستطيع تخيلك بمظهر الأمير وأنت تخفي نفسك بملابس بالية وتتصرف بطبيعية كالعامة! كما أنتَ صاحب قوة البرق وآخر شخص أضمه لفريقي، ويجب أن تكون متساهلاً معي.
- لا تقلقي..ستكون المُهمة خارجة عن المألوف وبسيطة بطريقة مُمتعة.
•
•
•
stoop
هنا نهاية الفصل
ادري ادري لا تقولون شي وابقوا ساكتين باليز وخلينا ننتقل بسرعة للاسئلة
انذار خطير: الي سوا لانسولت ورودينا كوبل تعال اعترف....حتى اقطع راسك بالمنشار الكهربائي واعطيه للبانشي!! انا صداقتهم كلش احبها وبنظري احسها صداقة لطيفة وصادقة ما راح اخلي اي شيء يدمرها، فهمتوا ولا لاع🔫🔫🔫🔪
المهمز الكل ما شاء الله توقع الامير انه هو المجهول، وانا ما فكرت اخليه غامض كلش لان من البداية وصفت شعره نفس الوصف الذي وصفته اياه بالظهور الاول حتى تعرفون
اما بالنسبة للمهمة الي راح وكلها لرودينا..شنو تعتقدون حتكون؟ وكيف حتكون مُختلفة؟
وهل اعجبكم كلام رويدنا ببداية الفصل؟
فعلة ايفروس؟
تعامل فولكان؟
ويلا قود باي احبكم 💖💖
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro