الكاميليا البيضاء (الفصل التاسع والعشرون)
السلام عليكم
كيفكم احوالكم الوانكم، وحشتوني خالص مالص فالص
قبل بداية الفصل، راح اسوي فصل خاص _ لن يؤثر باحداث الرواية_ اضع فيها اسالتكم حول الرواية او اسالتكم للشخصيات نفسها وهي ترد عليكم، او للكاتبة ،اكتبوا الاسالة هنا:
ربي اشرح لي صدري ويسر لي امري
-مساحة لذكر الله-
ويلا نبدأ
••••••••••••
- يا إلهي! لِما انقلبت الاوضاع فجأة لتصبح بهذا التعقيد!؟
صاحت رودينا بقهر بعد كثرة التفكير بالاحداث الاخيرة حتى هاجمها الصداع، لتلصق وجنتها بالطاولة بعد ان خارت قوتها وتبدا بنقر سطحها الخشبي بأنزعاج لعل الحل يأتي لها بمفرده.
تنهدت بأسى واخذت تهز قدميها بعشوائية والخمول اخذ يداعب عينيها، فالنوم لم يزرها ليلة امس بعد رجوعها من البوي تاتا مع لانسولت، فهي قد اضاعت الليل باكمله بالتفكير بوالدتها وما حل بها، وكيف كان مصيرها الذي واجهته والذي ستواجهه رودينا بعد ان حذرتها البوي تاتا.
اما بالنسبة للانسولت فهو اكتفى بالصمت طيلة اليوم ولم يقل حرفا واحدا وكأنه يخفي امرا مُهما، كعادته، فرودينا تعلم انه لن يتعب نفسه بالاجابة على فضولها، والبارحة لم يعترض ابداً على ذهابه إلى قلعة فولكان والعيش هناك لأن مخبئه السري قد كُشف ولن يستطيع الرجوع اليه في الوقت الحالي. بل تصرف باعتيادية.
وما ان حل الصباح حتى خرج مسرعاً من القلعة وكأنه ذاهب لاكتشاف امرٍ ما، وقد قال لها " لا داعي للقلق، فالشرطة لن تمسكني الان ولن يهتموا بامري حتى لو مررت من امامهم، بسبب انشغالهم بامور الحرب والمحكمة"
اما بالنسبة لفولكان فهو لم يرجع منذ أن رأته رودينا اخر مرة، ولانه قائد جيش، فالمشاكل والاشغال قد سقطت على عاتقه فجأة بعد اعلان الحرب المُفاجئ.
وبقت رودينا بمفردها في القلعة القديمة، مع افكارها التي آبت تركها واخذت تحوم حولها كالذباب. بين الجدران الاربعة لهذه الغرفة الكبيرة التي تطل على الحديقة المستطيلة، والمُزدانة بطلاء قرمزي وكأنه مصبوغ بدماء الموتى، مع بعض الاثاث الفضي البسيط واللوحات الزيتية الغير مفهومة، اما بالنسبة للارضية فهي من المرمر حتى ان رودينا تخشى ركلها اثناء نوبات غضبها فينكسر.
وكانت النافذة المفتوحة والتي تصل إلى السقف تقريبا وتقع امام رودينا، ترسل نسمات الهواء الرطبة إلى الداخل، واثناء هذا الهدوء المريح الذي يدعم النوم ويدعوه للمجيء. اخترق صمته صوت انثوي مُستفهم جعل رودينا تنتفض من مكانها وكأنها رأت شبحاً ما.
فهي قد تفاجئت عندما اطل امام وجهها النعس، شخص قد نست وجوده تماماً عندما ظنت انها بمفردها في هذهِ القلعة، وحقاً ظنت انه شبح
- واتريندا!
هتفت البشرية بنبرة حرجة وهي تعدل خصلات شعرها المبعثرة واستقامت من مقعدها لتقف امام الهيئة المُرتبة، فواتريندا كانت ترتدي فستاناً ازرق من السّاتان الفاتح، وعند اطراف الفستان، اندمج مع الدانتيل ليكون مظهره كامواج البحر، وقد شابه شعر واتريندا الغامق والمجعد.
ابتسمت الاخيرة ابتسامتها الجانبية التي لا تفارق شفتيها وقالت بنبرتها الهادئة وهي تستند على الطاولة:
- من الواضح انكِ قلقة يا آنستي، ما رأيك بالخروج من هذهِ القلعة الكئيبة للتنزه والراحة؟
وكانت رودينا في اشد الحاجة للاسترخاء بعيدا عن ضوضاء المغامرات والمهمات التي لا تنتهي، فكان هذا الاقتراح اشبه بالنعيم، فوافقت عليه بسرعة وبنبرة سعيدة قد هتفت:
- انا موافقة، انتظرينني هُنا بينما اغير ملابسي.
وفجاة هب النشاط ليكتسح جسد البشرية فتبدأ بالقفز اثناء خطواتها، ولبست افضل ملابس لديها وهو القميص المخملي والبنطال الاسود، فلم تكن تمتلك على اي حال فساتين او ملابس الفتيات اللطيفة. ولم تهتم بذلك على اي حال فالاهم لديها انها تمتلك ملابس.
ويبدو أن واتريندا كانت تشعر بالضجر كذلك بسبب البقاء بمفردها في القلعة، فاقترحت هذا الاقتراح على رودينا لتغيير المزاج، بالذهاب إلى مرج اخضر لطيف يقع بالقرب من الغابة، حيث الهدوء والطبيعة والسكينة. ولم تمانع رودينا ذلك بل بدت في غاية السعادة واخذت تثرثر كثيرا. عن مغامراتها الشيقة ولانسولت وفولكان. ولم تتتوقع ان واتريندا ستندمج معها بالحديث، وكانت مستعمة جيدة، في النهاية كانت واتريندا تطوق إلى التكلم مع شخص اخر غير بيجاسوس. وهذا شجع رودينا على التكلم:
- وبعد دخولي للأرض المجوفة اخذت اسير دون ان اعلم اين اذهب ودخلت للغابة، وفجاة ظهر امامي شاب مخبول يشبه الديك الرومي، وشعرت انه سينفجر بعد وهلة بسبب غضبه الغير مبرر، حتى انه اراد اخذي للسجن وانا لم افعل شيء وذلك تحت حجة " انني بشرية نكرة وحمقاء" ولولا ذكائي لما خرجت من هناك سليمة الاعضاء، انا حقا غاضبة بسبب ذلك! اريد ان اقتلع رأسه واضعه زينة في غرفتي حتى اشعر بالرضى.
كانت رودينا تشكي لواتريندا امر فولكان، ونعتته بأسوء الكلام حتى ان واتريندا بدأت بالقهقهة
وبعد مدة وصلوا للمرج الاخضر، وإلى جانبه تقع الغابة، لتضع واتريندا صندوق خشبي بسيط بالقرب من موقعهم، وضعت فيه مختلف انواع الفاكهة وبعض من كعك التفاح الدافئ قاموا بشرائه قبل قليل.
ويفصل بين المرج والغابة نهر ملتو رفيع، وكانت جذوع الشجر بجانبه سامقة ومتقاربة جداً فبدت امام انظارهم كسياج مرصوص تطوق النهر من كل جانب.
ثم رمت رودينا بنفسها تحت شجرة إسفندان ضخمة سقطت عنها اوراقها القرمزية اللون والمميزة الشكل، فصنعت حولها سجادة رائعة الجمال مثيرة للاسترخاء. وحولها تجمعت ازهار البابونج كبلاط من المرمر
- غريب! لما ازهار البابونج تظهر في هذا الوقت؟ ظننت انها لا تحتمل الرياح الباردة.
سألت رودينا باهتمام وهي تداعب الازهار الصغيرة
- آنستي، معنى ازهار البابونج هو الصمود، فهي تصمم بالقوة للعيش مهما كانت الظروف ومهما كان الجو، ستتكاثر وتنتشر في اي مكان حتى تنشر جمالها وتضوع عطرها، حتى لو تم نقل ازهار البابونج بعيداً عن طريق الرياح، فإنها لن تستسلم، ستستمر بإنبات البذور وتنتشر.
كانت واتريندا مهتمة بالازهار والنباتات بشكل عام، فهي تنظر للطبيعة كوسيلة للابتعاد عن ازعاج الحياة، وكان هذا الاهتمام يناسب شخصيتها الهادئة والصامتة، فلا احد يعلم بماذا تفكر ولا احد يعلم شخصيتها الحقيقة، ان كانت ماكرة او مخادعة، او لطيفة ومُتفهمة، ولكن رودينا اندمجت معها سريعاً وعاملتها كصديقة دون ان تكترث للامر كثيراً، وحاولت ان تعمق العلاقة بينهما حتى تساعدها بصدق عندما تحتاجها في فريقها.
لم تهتم اكثر بالموضوع واسندت رأسها على جذع الشجرة الناعم واغمضت عينيها بكسل وارتياح، اما واتريندا فهي اتجهت للنهر باهتمام
- اترغبين ببعض السمك؟
سألت فجأة لتفتح الاخرى عينيها وتحدق بالسمراء التي توسطت النهر وكأن جريانه لا يؤثر بها، ولم يبدو بهذا العمق فمياهه تصل لتحت ركبتها بقليل، ومدت ذراعيها فجأة بعد التحديق المستمر بالمياه واغمضت عينيها واعتمدت على يديها.
وانتفضت رودينا بذهول عندما التقطت واتريندا سمكتين كبيرتين، وحملتهم بأبتسامة سعيدة لترميهما على العشب بقرب رودينا التي عقدت حاجبيها بعدم تصديق
- يا إلهي! كيف استطعتِ فعل ذلك!؟
هتفت رودينا بنبرة مُتفاجئة وعينيها تجمدت على انتفاض السمكتين لطلب الماء
- انه امر بغاية البساطة، عندما تستطيع الشعور بكل شيء موجود بهذا العنصر، الشعور بحركة الاسماك في المياه بانسيابية، وتمايل الاعشاب المائية اثنار جريان النهر، وهذا الشعور ينتج لانني اعتبر نفسي جزء من العنصر الذي اتحكم به، هل تريدين تجربة هذا الشعور؟
قالت بابتسامة جانبية وهي تسحب رودينا المترددة بلطف لتدفعها إلى داخل النهر
- ولكنني لا استطيع التحكم بالمياه!
قالت بنبرة متوترة واحست بالقشعريرة تجري بجسدها بسبب المياه الباردة التي لامست جلدها، وعلى الرغم من ذلك..كان الشعور لطيفاً ومُنعشاً، وقاومت رودينا النهر بصعوبة وحاولت المحافظة على توازن جسدها دون ان تتزحلق او تتعثر بالصخور التي غطت قاع النهر. ووقفت عكس اتجاه جريان المياه حتى تستقبل اي سمكة تتجه نحوها.
- لا بأس، يجب ان تجربي كل شيء للحصول على المتعة، والان حاولي اغماض عينيك واتركي احاسيسك الخارجية وركزي على احساسك الداخلي، ومدي ذراعيك إلى داخل الماء واتركيهما حتى يندمجان مع محيطهما، وبعد ذلك حاولي استشعار اي حركة قريبة منك وامسكيها.
شرحت واتريندا وهي تقف على ضفة النهر بالقرب من رودينا التي تحركت بتردد وفعلت ما قالته السمراء.
وعندما بدات بالاندماج مع جو الماء البارد، احست باندفاع شيء قوي بأتجاهها، لتبتسم بفرح وابقت عينيها مغلقة ومدت يديها إلى الامام وهي تنحني اكثر لتستقبل تلك السمكة الضخمة التي ستكون شهية بالتأكيد.
رودينا احذري!
صاحت واتريندا بقلق عندما انتبهت إلى شيء، إلا أن رودينا قد تاخرت بردة فعلها عندما حاولت الوقوف بأعتدال، لأنها وبشكل مفاجئ وقعت للخلف قبل ان تستوعب وكانها قد تعرضت للسحب بقوة من شيء ما، فغمرتها المياه من كل اتجاه واحست بثقل فوق صدرها يمنعها من التنفس والوقوف.
لم تستطع التركيز حول الشيء الثقيل الذي تعثرت به واهم ما كان يشغل بالها هو التحرر، وساعدتها واتريندا على ذلك بسرعة وخفة لتسحبها إلى ضفة النهر حتى تأخذ انفاسها الاهثة
- يا إلهي! ما كان ذلك؟ يالها من سمكة عملاقة!
سألت رودينا بنبرة مُرهقة وهي تضغط على رأسها بألم بسبب المياه التي استنشقتها
- هل انتِ بخير؟
سمعت سؤال واتريندا لتومئ ببطئ، ولكن عندما فتحت عينيها، لم يكن السؤال موجه اليها اساساً، فالسمراء كانت مشغولة بسؤال شخص اخر على حافة الضفة قد افاق للتو بعد ان قامت واتريندا بالاسعافات الاولية خاصتها باخراج المياه من الجسد باستخدام قوتها، وكان ذلك الشخص..فتاة شابة تبدو اكبر من رودينا بقليل، ووجهها شاحب وكانها رأت عفريتاً او واجهت الموت قبل قليل، وشعرها البرتقالي الطويل قد تبعثر على العشب بأهمال، وعينيها الذهبية الواسعة والفارغة وكأنه لشخص لميت.. سرعان ما بدأت تذرف الدموع الغزيرة وعلى وجهها القمحي امارات الضحية.
ووضعت يديها المجروحة والدماء قد تيبست عليها، فوق وجهها الذي احمر فجاة عندما غاصت صاحبته بالبكاء وبقت مستلقية على الشعب.
كانت رودينا تشعر بالغرابة حول هذهِ الفتاة التي ظنت لوهلة انها سمكة عملاقة، فكيف جائت هذهِ الفتاة لتجري مع النهر؟ ولماذا كانت بداخل المياه اصلا؟ ولما تبدو وكأننها هاربة من الاسر او الحرب؟ كل هذه الاسألة تجمعت داخل راس رودينا لتقترب من الفتاة بفضول.
حاولت واتريندا تهدئة الفتاة بلطف وترتيب مظهرها ومواساتها حتى تعرف ما جرى، لكن الاخيرة استمرت بالبكاء بقهر وبشكل مثير للشفقة حتى ان رودينا لم تبادر لسؤالها وانتظرت حتى توقفت الاخرى عن البكاء واكتفت بالشهقات الخفيفة والعيون الدامعة.
- هل انتِ بخير؟
سألت واتريندا مرة اخرى بهدوء وهي تبعد غرة الفتاة عن عينيها
- كلا.. لقد عانيت..بشدة عندما سقطت في النهر..
وبين كل كلمة فرت شهقة من فاهها ليصعب فهم الكلام
- ولكن.. لا تبدو هذهِ الجروح قد حدثت بفعل النهر.
تكلمت رودينا اخيراً وهي تشير إلى باطن كف الفتاة، فتومئ الاخيرة على كلامها وهي تمسح دموعها ثم افصحت بالجواب:
- نعم.. في الحقيقة، كنت التقط الازهار بصعوبة عند الجبل الجليدي الصغير بجانب النهر، ولكن..كان الجبل زلق، ولم استطع منع نفسي من السقوط ولحسن الحظ كان النهر تحتي مباشرة وإلا كنت في عداد الموتى.
تنهدت الفتاة بقهر قبل ان ترفع صوتها بنبرة متوسلة وهي تمسك يد واتريندا ورودينا برجاء
- انا اتوسل إليكم! رجاء ساعدوا السيد بارلي إلياس!
لم يفهموا ما تريد ولماذا اندفعت فجأة بالكلام وكأنها على حافة الموت وهذهِ هي اللحظة الاخيرة لقول وصيتها. وعندما فهمت ذلك بدأت بقول قصتها بالتفصيل:
- أنا ميتا، الابنة الثانية للورد أندير، لدي اخت جميلة تُدعى أدانا، وكانت جميلة جداً حتى أن فارساً يُدعى بيرلي إلياس قد احبها وفعل أي شيء من اجلها، لم التقي قبلاً بفارس مميز مثله، لكن اختي أدانا رفضت رؤية بدون اهتمام وظنت انه احمق كالاخرين، وعلى العكس من ذلك استدعت فارساً اخر ليقاتله حتى تمتع نفسها.
صمتت قليلاً وعينيها مثبتة على فستانها الزهري البسيط
- سيد بيرلي إلياس خسر دائماً امام فارسها، ولكنه استمر بحبها رغم كل شيء، حتى انه تقبل امر سجنه، لانه بهذه الطريقة، كسجين، يمكنه أن يبقى بجانبها.
كانت رودينا ورغم كلمات ميتا المؤثرة، لم تهتم، وظنت ان الفاس بيرلي شخص احمق فاقد للعقل، وكانت تنتظر من ميتا ان تنتهي من القاء هذه القصة حتى تسترخي لان اليوم هو يوم الراحة، لكن واتريندا كانت على العكس منها واهتمت بالحكاية كثيراً حتى أنها سالت:
- اكانت اختك حزينة او نادمة؟
نفت ميتا برأسها والدموع تتدفق في عينيها واجابت:
- لا، لم تكن كذلك، بل ارادت بشدة ان تؤذيه دون سبب حتى إنه فقد ماء وجهه، على سبيل المثال، تعمدت أدانا أن تقول لتابعيها بأن يربطوا الفارس بذيل الحصان، وأجبروه على السير في شوارع المدينة. وعندما علمت بأنه مريض، قالت له " إذا جلبت لي زهرة الكاميليا البيضاء سأفكر بأمر حبك" وكانت هذه خدعة منها.
نفذ صبر رودينا لتسأل بعدم اهتمام وهي تكتف ذراعيها
- هل تحبينه؟
اجابت ميتا على الفور وكأنها تخشى هذا السؤال
- نحن مجرد اصدقاء! منذ وقت طويل كان يرافقنا وهو فارس مُخلص، حتى انني نصحته بعدم الذهاب للجبل الجليدي بهذا الوقت ولكنه لم يستسلم واصر على فعل ذلك لانه يعتقد أن اختي ستحبه بعد أن يجلب اليها ما تريد. ولم اجد طريقة اخرى لمنعه غير الذهاب بدلاً منه واحضار الازهار ولكنها سقطت مني عندما وقعت في النهر.
ارادت ميتا البكاء مرة اخرى ولكن رودينا قاطعتها بنبرة هادئة فاقدة للصبر:
- وكيف تريدين منا أن نساعدك؟ لا نستطيع التدخل بأمور شخصية مثل هذه. وكما تعلمين، انا مشغولة ولدي العديد من الامور التي يجب ان اهتم بها.
لكن واتريندا قاطعتها بأبتسامة هادئة وهي تربت على كتف ميتا
- آنستي، لن نخسر شيء إذا ساعدناها في هذا الامر، فعندما يطلب الاشخاص المساعدة يجب علينا تقدميها ان تمكنا من فعل ذلك، واليوم هو يوم راحة لي ولك، ولا نمتلك اي امور مهمة، لهذا انا اقبل تقديم المساعدة.
ولم تستطع رودينا الرفض ووافقت رغماً عنها بسبب طريقة واتريندا المُقعنة، فحتى رودينا العنيدة لم تستطع الرفض امام اسلوب واتريندا في الاقناع، وذهبوا بعد ذلك مع ميتا إلى قلعة أندير وفق خطة سريعة قاموا بحياكتها.
ولم تعلم رودينا ماذا سيفعلون حقاً، فكيف سيتدخلون في حب الفارس الاحمق؟ فهل يجب عليهم الذهاب؟
وكانت ميتا في غاية السعادة، وهي تدخلهم القلعة، وكانت القلعة كالعادة مبنية على الاسلوب القديم وكأنها هربت من العصور الوسطى، ولكن حجم القلعة كان ضخماً، حتى أن الحديقة بالداخل بدت وكأن لا نهاية لها، والجدران مصبوغة بطلاء الذهب اللامع، ونفس المعدن استعمل في صنع الاثاث باهض الثمن، حتى ان رودينا اغمضت عينيها بانزعاج عندما شعرت بالمبالغة في شراء هذهِ الاشياء اللامعة واللوحات الغالية والكبيرة.
- يبدو ان والدي خارج القلعة، هذا سيسهل علينا المُهمة!
قالت ميتا بابتسامة سعيدة قبل ان تأخذهم لمقابلة الفارس بارلي، ونزلوا الدرج الحجري الطويل اسفل القلعة للذهاب إلى السجن، وكان السجن فارغاً حتى من الحراس بشكل غريب، والهدوء يغلف المكان، والظلمة تمنعهم من الرؤية جيداً لولا جلب عدة شموع لينيروا دربهم، وكانت الارضية رطبة ومبللة حتى ان خطواتهم كانت مسموعة ويتكرر صداها في هذا المكان الفارغ والمُخيف.
- سيد بارلي؟
نبهت ميتا بقلق وهي تتقدم نحو زنزانة بارلي الهادئة وكأنها فارغة من اي احد، وعندما امعنت النظر فيها شهقت برعب وهي تصرخ
- سيد بارلي!
لم تحصل على إجابة سوى النظرات المتعبة والمُرهقة من شخص بدى وكأنه قد تعرض للتعذيب ليوم كامل، فعندما انارت الزنزانة من الخارج بالشموع انتبهوا إلى وجه الفارس بارلي الشاحب بسبب المرض والمليء بالخدوش، وعلى الرغم من ذلك كان يبدو وسيماً بعينيه الذهبية الناعسة وشعره الناعم الذي شارك السماء بلونها وبشرته القمحية، واما ملابسه فبدت رسمية ولم يبدُ عليها انها قديمة او متسخة.
ولكن ميتا لم تشهق بسبب ذلك الشيء، بل بسبب النباتات المتسلقة التي التفت حول الباب وقضبان الزنزانة الفولاذية، ولم تكن نباتات متصلقة عادية فهي لا تحتوي على اوراق وبدلا من ذلك، احتوت على اشواك حادة وطويلة بطول عقلة الاصبع وكانت خطيرة جداً، فلم يستطع اي احدا لاقتراب من الزنزانة وفتحها، وهذا يعني ان الفارس لن يستطيع الخروج من هنا وسيبقى محبوسا إلى الابد لان هذه النباتات المتصلقة لم تكن عادية بل كانت سحرية وابدية. ولن تقطع بأستعمال السيف.
- من فعل بك ذلك!
صاحت ميتا بقلق وهي تحدق بوجه الفارس المُرهق، وبدلا من ان تسمع الاجابة منه سمعتها من شخص اخر
- انا فعلت.
استدار الثلاثة إلى المراة التي كانت تقف في نهاية الممر وقد ظهرت فجأة وكانها كانت تنتظرهم، وكانت امراة جميلة الملامح، فهي جذابة وحادة، بعينيها الذهبية ذات الرموش الطويلة، وفمها الصغير المُبتسم، وتحت عينيها اليسرى برزت شامة صغيرة، وشعرها الناعم انساب على ظهرها بلونه البرتقالي الجميل.
- أدانا! لماذا؟
همست ميتا بعدم تصديق لتعقد رودينا حاجبيها، فهذه هي اخت ميتا الجميلة التي ذكرتها سابقاً
- لماذا؟ اسألي نفسك هذا السؤال، لماذا تدخلين نفسك بامور لا شأن لك بها؟ لقد امرت هذا الفارس بجلب ازهار الكاميليا البيضاء ولم آمرك انتِ، يالكِ من فتاة مزعجة!
توقفت عن الكلام قليلاً وهي تضغط بحقد على فستانها الفيروزي الطويل والضيق
- وبسبب فعلتك هذهِ قُمت بالقاء لعنة على زنزانة هذا الفارس ولن يخرج منها لأن هذهِ اللعنة لن تنحل، حتى تتحول هذهِ الاشواك إلى ازهار الكاميليا. وهو يستحق ذلك لانه استسلم للمرض ولم يذهب لجلب الازهار لضعفه.
من الواضح أن أدانا فعلت ذلك عن قصد حتى تحبس الفارس إلى الابد، لا احد يعلم لما أدانا تفعل ذلك، ولكنه شيء لا يصدق!
شعرت رودينا بأنها تشاهد فلما درامياً، ولم تتأثر حقاً بالذي يحصل، فهي احست بان ادانا مريضة نفسية او مختلة، وعندما نظرت إلى واتريندا تفاجئت من التعبير الذي تظهره، فكانت تبستم ابتسامتها الجانبية والتي تخبئ خلفها الاف الافكار المُخيفة.
- ومن قال لك أن هذهِ اللعنة لن تنحل؟
تلفظت السمراء بهذه الكلمات لتجذب انظار الجميع، وانتبهت أدانا إلى واتريندا ورودينا للتو، لتضغط على شفتيها بأنزعاج، وقبل أن تتكلم سبقتها واتريندا وهي تتقدم إلى الامام بثقة
- هذهِ اللعنة ستنحل، والان! على يد هذهِ الفتاة.
اجفلت رودينا عندما ضربتها واتريندا بخفة على ظهرها لتشجعها، لم تستوعب ما تعنيه وظنت انها تمزح
- ماذا؟
همست رودينا بتوتر وهي تبتعد عن السمراء، فلماذا فجأة قالت هذا؟ كيف ستحل رودينا اللعنة وهي فقط تتحكم بالارض ولا علاقة لها بالنباتات؟ ولما واتريندا ادخلتها في هذا الامر فجاة! هل تنوي احراجها امام انظارهم؟ بجدية مالذي يحدث هنا؟
شعرت رودينا بالدوار لكثرة التفكير وتجاهلت الانظار التي توجهت اليها هي الاخرى، وارادت الجري والهروب للخروج من هذهِ القلعة ومن ثم الانتحار للتخلص من المعاناة، ولكن واتريندا انحنت نحوها لتهمس بأذنها وهي تمسك معصمها.
- لا تقلقي، تستطيعين فعل ذلك، تذكري ما قلته لك عن استعمال العناصر اليوم وانظري لمعصمك جيداً.
رفعت رودينا معصمها الايمن امام انظارها، وانتبهت لرموز العناصر الخفيفة التي تومض وتختفي كلما حركت يدها، هذه العناصر قد ظهرت بعد ان اختفى السوار من يدها مباشرة بعد دخولها للارض المجوفة، ولم تهتم رودينا كثيراً بأمر هذهِ الرموز لانها ظنت انه اثر السوار لا اكثر،وكانت الرموز عبارة عن موجة ماء ورياح وشعلة نار وبرق، واخيراً رمز تربة فيها برعم نبتة صغيرة.
نظرت إلى السمراء باستغراب وكانها تستفهم عن ذلك
- مادمتِ تتحكمين بعنصر الارض فانت تستطيعين اتحكم بكل شيء متعلق بهذا العنصر، تستطيعين التحكم بالنباتات، ولهذا عنصر الارض عنصر مميز، لا بأس بالتجربة، اليس كذلك؟
ابتسمت بنهاية كلامها وهي تربت على كتف رودينا التي زمت شفتيها بتردد.
فكيف تريد منها ان تستعمل قوة لم تتدرب عليها، وفوق ذلك تريد منها ان تحول الاشواك إلى زهور! مالذي يحصل هُنا.
حركت رأسها بعدم رضا قبل ان تعيد التفكير بسرعة بالامر، ستجرب ولا بأس بذلك حتى لو فشلت فلا احد ينجح بالتجربة من اول مرة.
وتذكرت نفسها عندما استعملت قوة الارض بمهارة دون تدريب امام فولكان، وكأنها خبيرة وقد تدربت على فعل ذلك لسنوات ولكنها كانت المرة الأولى فقط.
تقدمت بتردد إلى النباتات الملتفة ومدت يديها بتوتر قبل ان تسمع كلمات ميتا الراجية
- رجاء! ساعدي الفارس بارلي!
لمست النباتات دون ان تضغط عليها وفكرت بما قالته واتريندا سابقاً، اغمضي عينيك واندمجي مع العنصر الذي تتحكمين به حتى تعتبري نفسك جزء منه.
ان نجحت رودينا بتحويل الازهار إلى اشواك، ستكون مفاجئة عظيمة، وستعترف بنفسها اخيرا وتكون فخورة بما فعلته، لانها انقذت شخصاً ما.
اغمضت عينيها بشدة لتضغط على النبات دون ان تهتم بالألم وبدات بتخيل الاشواك وهي تتحول إلى كاميليا بيضاء. ووثقت بقدرتها جداً. حتى مرت عدة دقائق، وشعرت بقوة مفاجئة تسري باوردتها، ولكن عندما فتحت عينيها.
تفاجئت برؤية الاشواك ومازالت على وضعها ولم تتغير، ولم تتحول إلى ازهار وكأن الذي فعلته رودينا قبل قليل كان لا شيء، نظرت بتوتر إلى الوجوه اليائسة ماعدا وجه أدانا الضاحك.
- يالها من مزحة وتضييع وقت، لقد قلت لكم لن يخرج هذا الفارس الضعيف من هُنا.
شعرت رودينا بنوبة حرج تهاجمها، وارادت الهروب حقاً من امامهم لانها تكره الفشل خاصة امام احد ما، ندمت الف مرة بسبب ثقتها بكلام واتريندا، ولانها وثقت بقدراتها وبالنجاح من اول مرة.
ولكن فجاة حل الصمت وانتبه الجميع عندما اهتزت النباتات بخفة وكأنها تعرضت إلى صعقة، وبدلاً من ان تتحول الاشواك إلى زهور، تحولت النبتة بالكامل إلى ازهار كاميليا بيضاء بشكل مفاجئ، وكأنها قطع من الذرة قد وضعت فوق النار لتنفجر على شكل فُشار.
لتسقط الازهار بخفة ورقة فوق الارض وكأنها قطع من الريش، وتختفي النباتات الشائكة وكأنها لم توجد قط، لتجري ميتا بفرح وعدم تصديق قبل ان يستوعب الجميع إلى الزنزانة وتفتحها بالمفتاح وتقفز مباشرة فوق الفارس لتحتضنه بقوة واشتياق. ويبادلها الفارس الحضن بحبور وسرور.
- يا إلهي!
تمتمت رودينا بذهول وهي تتراجع عدة خطوات قبل ان تنتبه إلى ابتسامة واتريندا الخفيفة
- يكفي هذا! ما هذا الهُراء!؟
صاحت أدانا بقهر وحقد وهي تضرب الارض بقوة، لم يهتم احد لكلماتها وتوجهت واتريندا إلى الفارس بارلي وسألت ببرود:
- هل عقلك متضرر؟ كيف لك ان تترك من يحبك وتهين نفسك بهذهِ الطريقة؟ لقد خاطرت ميتا بحياتها لتجلب ازهار الكاميليا البيضاء وسقطت في النهر في سبيل ذلك.
نظر بارلي بتفاجئ إلى ميتا التي ابتسمت بخجل وهي تبتعد عنه ولكنه اوقفها وسأل بصدمة:
- حقاً! لما فعلتِ ذلك! تخاطرين بحياتك من اجل فارس مثلي!
صمت قليلا ثم انزل رأسه بندم وهو يضغط على يديه بأسف
- نحن دائما نتجاهل الاشخاص الذين يهتمون لامرنا بصدق وبدلاً من ذلك نتبع من هم ليسوا نصفنا الاخر حتى الموت، الستُ محقة سيد بيرلي؟
اومئ الفارس على كلام واتريندا وشعور الندم قد هاجمه، ليحدق بالعيون الواسعة وينبس بنبرة لامست قلب ميتا
- انا اسف يا ميتا، رجاء ساميحنني ارجو ان لا اكون متأخراً، لقد كنت اعمى طوال هذهِ الفترة ولا اعرف ما حل بي حقا وكأنني كنت مُصاباً بلعنة..ولم انتبه للكنز الذي بجانبي.
ثم نظر لها لنظرة مليئة بالود والاحترام، قبل ان يبدل بصره للمراة الاخرى
- انا اعتذر يا انسة أدانا، لن ازعجك بعد الان.
قال ذلك بصوته المُرهق إلا ان عينيه كانت تقول الكثير، واستقام مع ميتا السعيدة ليخرجوا من الزنزانة
- لا يمكنك الذهاب بيرلي إلياس!
صمتت أدانا بيأس قبل أن تكمل بنبرة عالية
- انا بصراحة أحبك! ولا أستطيع أن اخسرك الان! ولا تستطيع الذهاب مع فتاة عادية مثلها، لأنني واقعة بحبك! وعاملتك بقسوة شديدة من أي شخص اخر بسبب حبي! في الماضي ما فعلته كان لتدريبك حتى اتاكد انك الشخص المناسب الذي يستحقني.
لم يهتم لكلماتها وسار مع ميتا
- ستندم على ذلك بيرلي ألياس!
صرخت أدانا بقهر وارادت الجري نحوهم والقيام بشيء لا يغتفر لكن واتريندا اوقفتها بنبرتها الهادئة وهي تقول:
- الحب هو احترام يا انسة أدانا، إذا لم تفهمي ذلك لن تستطيعي تجربة الحب ولن يحبك اي شخص، اجبرتي الفارس بيرلي إلياس على اختيار هذهِ الزهرة، ثم هل تعلمين ما معنى الكاميليا البيضاء؟
انحنت السمراء لتلقتط احد الازهار الجميلة وتستنشق عطرها الطيب وتكمل تحت انظار أدانا اليائسة:
- معنى هذهِ الزهرة هو، كيف يمكنك إحتقار حبي لك؟ لا حاجة لإنتظار توسلك عندما تؤذيني، لا حاجة لإنتظار خطابك عندما تخسرني.
ثم سارت واتريندا لتخرج من هناك دون قول كلمة اخرى وتبعتها رودينا بابتسامة السعيدة وفخورة وخرجوا من السجن.
وتلقوا كلمات المدح والشكر الجزيل من ميتا والفارس ووعدتهم ميتا بأرسال مُكافئة ضخمة اليهم من المال والحلوى. ثم شكرتهم مرة اخرى ، وبعد ذلك خرجت رودينا مع واتريندا وقد حل الظلام، ولم يقبلوا طلب الفارس بمرافقتهم إلى القلعة لأنه مريض ولا يريدون ازعاجه كما ان القلعة قريبة من هُنا.
- يا إلهي لم اتوقع ان انجح بفعل ذلك، شكراً لك يا واتريندا انتِ حقا شخص رائع!
التفتت رودينا اخيراً وهي تخاطب واتريندا التي لم ترد عليها، حتى انها لم تبتسم ولم تظهر ملامحها لأن غرتها كانت تخفي وجهها، وقد توقفت عن السير بعد ابتعادهم عن القلعة
- هل انتِ بخير؟
سألت رودينا بقلق وهي تقترب من واتريندا ولكن فجأة، اجفلت بصدمة عندما رفعت واتريندا وجهها وظهرت عليه تعابير متوحشة همجية وكأنها اسد جائع او ذئب مُفترس، كما ظهرت انياب حادة ومخالب كبيرة وانقضت على رودينا لتسقطها ارضا بقوة. ولم يتوقف الامر عند هذا الحد بل تحولت السمراء إلى شيء اخر تماماً، تحولت إلى وحش!
•
•
•
Stoop
هنا نهاية البارت اتمنى استمتعوا وتحمستوا
رأيكم بالبارت؟
اتمنى اني وافيت حق واتريندا واظهرنا شيء جديد في شخصيتها * غمزة وضحكة شريرة* ستنصدمون
المهمز قبل بداية الاسالة
- لا تنسون كتابة الاسئلة حتى اسوي الفصل الخاص
وقبل ان انسى، انا سويت الكوميك بس ما اعرف وين احطه يعني اسوي كتاب خاص للكوميك والاشياء خاصة بهالرواية او اضعه هنا بنفس الكتاب؟
- هل هناك سبب وتفسير خلف قوة رودينا العجيبة؟ يعني كيف تقدر تستخدم هالقوة بمهارة دون تدريب؟ مالسر وراء ذلك؟
- اهتمام واتريندا بالازهار ومعانيها؟
- قصة ميتا وادانا والفارس؟
تحول واتريندا إلى وحش؟
مين اشتاق لفولكان XD
ويلا باي باي لوف ياه💛
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro