8
كانت مثل الغائبة عن الواقع، تسمع همس و كلام من حولها و لكنها غير قادرة على استيعاب ما يقولونه أو ما يفعلون.
رؤيتها تضببت بسبب الدموع، أنفاسها تثاقلت و اذنيها تطن بقوة. تحركت و هي لا تعرف إلى أين ستذهب فقط تريد الابتعاد، و لكن ما أن خطت خطوة واحدة حتى سقطت بقوة على الأرض لتبدأ أعينها بالانغلاق بهدوء و كأنها تهرب من واقعها المر بفعل ذلك.
ابتلع دام ريقه لينظر لبيرلا التي كانت ترتجف بين ذراعيه و كأنها بصدمة لتنهض مبتعدة عنه. كانت تتنفس بقوة و تتخبط بمشيتها مما جعله يخاف على حالها ليبدأ في مناداتها و لكنها لا تستجيب، و كأنها ليست بوعيها. تحركت قليلا لتسقط على الأرض بكل قوة مغمى عليها ليرتجف قلبه على منظرها و يسرع إليها كمجنون.
" بيرلا.. بيرلا.. هيا حبيبتي لا تفعلي هذا"
حملها متوجها إلى غرفته ليصرخ و هو يصعد الدرج
" ليتصل احدكم بالطبيبة بسرعة"
أسرعت صابرينا و سامانثا خلف ابنها بينما توجه سيباستيان إلى الخارج محاولا معرفة ما حصل مع صديقه و جاك خلفه، مارك حمل هاتفه يحاول الوصول إلى الطبيبة. انا صوفيا فكانت تجلس على الأرض و تنظر إلى التلفاز بملامح مبهمة.
دفع دام الباب برجله و هو يتوجه إلى سريره ليضع بيرلا فوقه، توقفت كل من أمه و اخته بباب الغرفة لا يعلمون هل يخالفوا أمره و يدخلون للاطمئنان على بيرلا أم يظلون هنا. لكن سرعان ما شجعت سام والدتها لتدخل كلتاهما و يقفا امام السرير يشاهدون ذلك الذي كان يحاول جاهدا جعل تلك التي بحضنه أن تستيقظ.
كان يجلس على السرير و هي بحضنه و هو يمسح على شعرها بحنان و يردد
" لم أفعل.. لم أفعل.. ليس أنا.."
كان خائفا من أن تتهمه، فهو أول المشتبهين بهم طبعا، علاقته لم تكن يوما جيدة مع باولو و صار الوضع أسوء بعد حادثة بيرلا.
وصلت الطبيبة لتدخل وراء مارك الذي كان يرشدها، نظرت لمنظر دام بشفقة و لكن سرعان ما اقتربت منه محاولة معرفة ما حصل مع تلك الشاحبة بين ذراعي.
" سيدي.. يجب أن افحصها. هل يمكنك وضعها على السرير؟"
سألته بتردد لينفي برأسه و هو يعانقها بقوة أكثر و كأنه يخشى ابتعادها عنه لتنظر هي إلى مارك و كأنها تطلب منه المساعدة.
اقترب مارك منه يحدثه بهدوء و كأنه طفل
" هيا دام، أتركها يجب على الطبيبة أن تقوم بعملها"
نظر له و عيونه تحكي آهات و آلام ليهمس بغصة و هو يزيد من حدة عناقه
" لا أستطيع.. ستتركني.. أن استيقظت ستتركني"
عضت صابرينا على شفتها بقوة تحاول السيطرة على دموعها بسبب منظر ابنها لتقترب منه بهدوء
" لن تذهب بيرلا إلى أي مكان.. لن يأخذها أحد منك، أعدك. لكن يجب على الطبيبة فحصها"
نظر لوالدته و نظر لبيرلا ليقبلها بلطف و هو يضعها على السرير متوجها مع الجميع إلى الخارج.
بعد فترة خرجت الطبيبة ليسرع لها بلهفة و يسألها
" كيف حالها؟ ماذا أصابها؟ هل ستستيقظ؟ هل هي على ما يرام؟ اللعنة اجيبي"
صرخ بآخر كلامه بغضب لتشهق الطبيبة خوفا منه ليحاول مارك السيطرة على صديقه
" دام. أتركها تتحدث" نظر له و أعاد النظر لها لتبلع ريقها قبل أن تجيبه
" هي الآن بخير، و لكن يبدو بأنها قد مرت بصدمة نفسية قوية. لذلك لقد قمت بحقنها بابرة لترتاح الآن، المرجو منكم الحفاظ على نفسيتها لكي لا تسوء الأوضاع أكثر "
تجاهل كلامها و هو يدفعها ليمر إلى الداخل ليزيل حذاءه و يصعد بجانبها على السرير معانقا إياها.
فتحت بيرلا عيناها بهدوء لتضع يدها على رأسها و تنظر حولها محاولة استرجاع ما حصل لترمش عدة مرات متذكرة ما حصل.
حاولت النهوض من السرير لتحس بيد على جسدها، نظرت لتجد دام النائم بجانبها. اقتربت منه لتنظر له ببرود و تمرر يدها على شعره و هي تهمس
" من الأفضل ألا يكون لك يد بالموضوع، فهذه المرة ستكون النهاية بحق"
أزالت يده بهدوء و نهضت بصعوبة من السرير لتحمل سلاحه من المنضدة و تخرج متوجهة إلى غرفة صوفيا.
فتحت الباب لتجدها تجلس على الأرض لوحدها و تنظر لنقطة وهمية بالحائط و بعض الصور و الأشياء حولها.
اقتربت منها لتضع السلاح على رأسها و تسألها بجمود
" هل انت من قام بذلك؟"
رفعت الأخرى رأسها و نظرت لها بنظرات مبهمة و أعادت نظرها إلى الحائط لتفتح بيرلا زمام الامان و هي تعيد سؤالها مجددا و لكن هذه المرة بحدة أكبر
" هل.. انت ..من ..قام.. بذلك؟"
خرجت ضحكة صغيرة من شفتي الأخرى و لكن سرعان ما تحولت إلى ضحكة أقوى لتنظر لها مجددا و تسألها بثقة
" لو أردت قتله حقا، هل تظننين بأنني كنت سأقوم بتركه كل هذه السنين؟"
عقدت بيرلا حاجبيها بعدم فهم لتتحدث بغضب
" انت من حرض دام ضد أبي و من حرضه على تركي بالزفاف، انت من خطط لكل ذلك. اتظننين بأنني أصدق ما تهدين به؟"
نظرت لها بصمت لمدة من الوقت قبل أن تجيبها
" لم أفعل، أجل أردت حرق قلبه و ذلك كان عن طريقك و لكنني لم أفعل "
" لماذا؟ لماذا؟ انت تكذبين، انت كاذبة" صرخت بقوة لتقف صوفيا مواجهة لها و هي تتحدث بثقة
" لأن باولو كان العاهر الوحيد الذي أحببته طوال حياتي"
ما إن نطقت بتلك الكلمات حتى نظرت لها بيرلا بصدمة و هي تنزل السلاح الموجه عليها لتعقد حاجبيها بعدم تصديق و هي تتمتم
" كيف؟ لماذا؟ مستحيل، انت كاذبة لو أنك أحببت ابي كما تقولين لما قمت بما قمت به"
أغمضت صوفيا عينيها لتجلس على الأريكة مقابلها لتبدأ بالتحدث بغصة بحلقها.
" اعترف بأنني أحببته و بقوة، و لكنه لم يستحق يوما تلك المشاعر لأن والدك كان عاهرا، لقد حرمني من طفلي و من حق أن أصبح اما لبقية حياتي، لذلك قررت الانتقام منه عن طريقك عندما علمت بأنني لن استطيع قتله"
أسقطت بيرلا المسدس أرضا و هي تجلس بهدوء على السرير و تنظر لها بعدم تصديق لتكمل الأخرى بعد أن رأت بأنها تستمع لها.
" بعد زواج أختي من سيباستيان، أتيت معها إلى هذا القصر، لقد كنت صغيرة، و لا تفقه شيءا، لقد خفق قلبي له منذ أول لحظة. كنت أعلم بأنني اغامر بما أفعله و لكنني كنت مفتونة به لدرجة أنني لم أستمع لتحذيرات اختي لي و لا لشيء. لقد ظللنا على علاقة لمدة عشر سنوات، لقد سلمته نفسي منذ اللحظة الأولى رغم أخباره لي بأن هذه العلاقة ستكون جسدية فقط و لا شيء غير ذلك. لقد كان سادي و يعذبني كما يريد لكنني لم أفتح فمي يوما، كنت أتأمل بأنه سيأتي يوم و يحبني و بهذا سيتغير و لكن ماذا فعل هو؟ أتعلمين ماذا فعل؟"
نظرت لبيرلا المتصنمة من الكلام الذي تسمعه لتكمل بعد أن مسحت دمعتها
" لقد أحب والدتك، انتظرته لعشر سنوات كاملة و تحملت قسوته و غضبه ليذهب و يحب امك بكل سهولة. أين العدل بالأمر؟ لقد كنت حامل، فرحت عندما علمت بالخير و اخبرت الجميع، فقرر سيباستيان تزويجنا و لكن هل استمع باولو لذلك؟ طبعا لا. أتعلمين كيف انتقم مني لحملي؟ سأخبرك، لقد قام بحبسي بغرفة بالقبو في يوم زفافي و بسبب الابيض و جعل حراسه يغتصبوني أمام عينيه، لقد كان يجلس فوق كرسي و هو يدخن بهدوء و يتابع ما يحصل، لقد تم اغتصابي بأبشع الطرق، و أكثر من شخص. بعدها تركني و كأنني خرقة بالية مرمية على الأرض وسط دمائي. حملني أحد الحراس إلى المشفى و رماني على الأرض عارية أمام الباب ليفر هاربا. تم اسعافي بالحالة التي كنت بها كانت لا يرثى لها، مات طفلي الصغير على الفور دون أن يرى نور هذا العالم، و بسبب النزيف الكبير الذي عانيته تم استئصال رحمي. تخيلي فتاة في ربيع شبابها، أول حياتها تحرم من أجمل شيء في كل حياتها، حقها في أن تمتلك طفلا، حقا في أن تصبح اما. و لكنه لم يهتم، أنكر الأمر و ذهب و تزوج و عاش حياته بينما انا لا تزال حياتي متوقفة بغرفة ذلك القبو. أعلم ماذا تريدين ان تسألي لذلك ساجيب لوحدي، حاولت الانتحار لاكثر من عشر مرات، و لكن الشيء الذي ربطني بالحياة كان داميان، ذلك الشقي الصغير الذي كان السبب بإنقاذ حياتي عندما قررت الانتحار و ذلك بدخوله غرفتي في اللحظة المناسبة، لقد كان النور بحياتي، بعد خروجي من المشفى قامت اختي بحمل داميان و إحضاره إلى غرفتي لتخبرني بأنه ابني أيضا. كنت انانية و تعلقت به، لقد ابعدته عن امه و أبيه و أخوته، أردته لي وحدي، و لكن رجوع باولو إلى هنا مع زوجته و طفلته أشعل فتيل الحقد بقلبي لاقرر الانتقام بنفس الطريقة و لكن عن طريق ابنته.."
لم تستطع إكمال كلامها بسبب داميان الذي فتح الباب بقوة و دخل إلى الداخل يبحث عنها، فبعد أن استيقظ و لم يجد بيرلا بجواره قرر البحث عنها و لكن اختفاء سلاحه جعله يشك بأنها اتت إلى هنا ليكون شكه بمحله.
أسرع إليها و هو يرى الدموع ملأت جفونها، و هي تنظر لخالته التي كانت تتحدث بهدوء ليجلس على ركبتيه أمامها و هو يكور وجهها بين يديه ليسالها بقلق
" حبيبتي ماذا هناك؟ هل يالمك شيء ما؟ بيرلا تحدثي معي اتوسل إليك "
نظرت له لتزيل يده و تنهض خارجة من الغرفة بهدوء و هي لا تزال منصدمة من الكلام الذي قالته صوفيا، لتتوجه إلى الحمام و تشعل الماء لتجلس أسفله محاولة الخروج من صدمتها و العودة إلى الواقع.
قاطع شرودها دخول داميان الذي توجه ليجلس بجانبها بهدوء بعد أن أخبرته خالته بأنها قد أخبرتها بالحقيقة لينظر لها و يتحدث بهدوء رغم عدم نظرها له
" لقد كنت بالعاشرة من العمر، و كان يوم زفاف خالتي، لقد كانت سعيدة جدا و تنظر إلى نفسها في المرآة، أتذكر بأن رسالة وصلت إلى هاتفها لتخرج من الغرفة بسرعة إلى الخارج. لم أراها إلا لبعد شهر، عادت إلى القصر و هي تتكئ بيدها على أمي و تصعد الدرج بصعوبة، حاول أبي مساعدتها و لكنها بدأت الصراخ بخوف لتقوم أمي بمساعدتها لوحدها. كنت أستمع لبكائها كل ليلة فغرفتها بجانب خاصتي، لقد كانت تبكي بدون كلل أو ملل. بأحد الليالي لم يصدر صوتها كالعادة مما جعلني انهض متوجها لغرفتها لاجدها تقف على حافة الشرفة تريد أن ترمي بنفسها إلى الأسفل، لقد آلمني قلبي لرؤيتها بتلك الحالة، فهي كانت إنسانة محبة للحياة و الان صارت تبحث عن فرصة للموت. أتذكر بأنني اقتربت منها لتنظر لي بمشاعر غير مفهومة لتنزل بهدوء ممسكة بيدي الصغيرة، دخلت امي وقتها لتشاهد ذلك، و بالغد أخذتني من يدي لتضعني بحضن اختها تخبرها بأنني ابنها أيضا، كانت حاملا وقتها. آلمني الأمر، هل انا سلعة لتعطيني لاختها بكل سهولة؟ أم لأنها كانت حامل قررت القيام بذلك. و بهذا بدأت علاقتي بخالتي التي عوضتني عن الجميع، لقد كانت كل حياتي تدور حولها فقط، أتذكر محاولات امي للاقتراب مني و لكنني نفرتها و كرهتها. هل لتنقذ حياة اختها كان يجب عليها التضحية بي؟ و بعد ذلك صارت خالتي تخبرني بما فعل والدك لها، كبرت و كبر ذلك الحقد بداخلي له. قررت فعل ما أخبرتني به و ذلك بالانتقام به عن طريقك، و لكنك رحلت مع والدتك. "
نظر لها ليجدها تضع يدها حول ساقيها و رأسها فوق ركبتيها تنظر له بهدوء ليغلق الماء و يمرر يده على خدها يمسح القطرات بهدوء ليكمل لها
" منذ البداية كنت أعلم من انت، لقد تابعت حياتك منذ رحيلك إلى عودتك، لقد علمت بكل صغيرة و كبيرة تتعلق بك، كل شيء. إلى أن حان الوقت، لقد كنت ذات شخصية قوية منا جعل كرهك شيء سهل، و لكن ذلك تغير عندما تعرفنا على بعضنا البعض أكثر، كم مرة حاولت ابعادك عني و لكنك تمسكتي بي. لم استطع ادخالك بداخل هذا الأمر و لكن وعدي لخالتي كان أقوى، عندما أخبرتها يوم الزفاف بأنني تراجعت كانت ستنتحر لم استطع الوقوف مكتوف الأيدي، لقد كانت اما لي، لذلك قمت بالأمر، لكنها لا تعلم بأنني لم المسك يوما، لا تعلم بأنني لم استطع ان ادنسك، قمت بتركك يوم الزفاف دون النظر خلفي، لأنني لو نظرت يومها لكنت تراجعت، ساعدني مارك على ذلك. لقد ظللت أقف أمام الكنيسة اراقبك من بعيد، تبعتك بالمطر إلى قصر والدك، سافرت لانسى و لكنني كنت اراقبك من بعيد، علمت بأنك انظممت لعمل والدك و هذا يعني بأنك صرتي اقرب لا أبعد، لقد صار الأمر مأساة لذلك كنت اتجنبك دائما، لا أذهب إلى الاجتماعات لا أقوم بأي شيء قد يربطني بك إلا أن سمعت بأن والدك يقرر تزويجك بيوم الحفل الذي التقينا به"
فتحت عيناها بصدمة و هي تستمع لكلامه بهدوء ليضحك بانكسار و يكمل
" كان ذلك سبب كاف لظهوري، ألم تفكري يوما لماذا قرر المجلس تنفيذ الحكم بحقك بعد مرور ستة سنوات؟ لماذا لم يفعلوا ذلك قبلا؟ انا فعلت، أخبرتهم بأنك لست عذراء بطريقة غير مباشرة و ذلك سيعني اما ان تتزوجيني أو تتزوجيني فأنا لم أكن لارضى بغير ذلك"
ظلت تنظر له بعيون مبهمة ليحملها مخرجا إياها من الحمام ليغير ثيابها و ينشف شعرها بينما هي مستسلمة تماما لما يفعله ليضعها على السرير و يعانقها لتغمض عيناها مستسلمة لنوم.
نهضت صباحا لتنهض بهدوء متوجهة إلى الخارج و هي تعيد كلماته و كلمات خالته لتقف سيارتها أمام منزل مزرعة بعيد عن المدينة، لتنزل و تتوجه إلى الداخل بهدوء، لتفتح باب غرفة و تتحدث ببرود و غضب
" لماذا لم تخبريني بما قام به باولو لعائلة ريغان يا أمي؟"
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro