الفصل العاشر: تغريه
Playlist:
Camila Cabello: Never Be The Same
D.O: That's Okay
Billie Eilish: Blue
Elley Duhé: Middle of the Night
---
-قراءة ممتعة-
قُل للذين ضاقت بهم السبلُ
سبُل الحياة ليست تنتهي
و إن أغلق باب تُفتح أبوابٌ
بيد أن ليس جميعها كأسَ التوفيق تروي
فبعضها زلاّت تنجر عنها مشقة فتكوي
و أخرى متخمة بالخبث خرابا تُهدي
و ما خاب من حكّم عقله و غلّبه على الفؤادِ، فلا يصلى ندما سعيرا فيهوي
إن المشاعر لتُهلك صاحبها إذا طرقت به بابا ليس يعنيهِ
و تضربُ به عرض التخبط و الشهوةُ تعميهِ
خدّا الورد توردهما يغريهِ
و لكنّ الرشاد عنها يثنيهِ
و دربَ الصلاح يتبع و الفسقُ لا يقتفيهِ
و لكن الهرب من نوافذ فتنتها لا يُسعفهُ لا يَعفيهِ
فتفتك به مهما فرّ بعيدا و تشقيهِ.
«إفتحي، فورا»
إرتفع حاجبا أون هي و جحظت عيناها فهمهمت مستفهمة فتنهد و أومأ برأسه لخزانتها موضحا:
«إفتحي خزانتكِ»
أفسح لها المجال فتنفست الصعداء لاعنة في نفسها تفكيرها الأعرج، حتى أنها تمنت لوهلة دفن رأسها كالنعامة في أي مكان أو الإندثار من أمامه كالدخان. ألقت نظرة خاطفة على ملامحه فبدا لها أنه لم يكتشف ما تبادر إلى ذهنها من فسق بل كان مركزا على موقفه الصارم تجاه ملابسها أكثر من أي شيء آخر الساعةَ، فوقفت أمامه عاقدة ساعداها و قررت خوض النزال ضده مع نية الفوز بهذا النقاش الجديد، و قالت بحزم:
«ماذا تخطط أن تفعل؟»
«سألقي بخرقكِ التي بلا نفع بالطبع»
سارعت بالإرتماء أمامها و فتحت يداها في الهواء كحاجز مانعة إياه من التقدم قائلة:
«لا يمكنك هذا...أعني، لن أسمح لك فهذه ملابسي و أنا أحبها كثيرا»
رفع حاجبه باستنكار و قال:
«هل تظنين أنني أمزح معكِ؟...أنظري، أنا جاد تماما و حبذا ألا تتسببي بتأخيري»
«سيونغ وون أنا أرجوك!»
رسمت على وجهها تعبيرا مستعطفا بيد أنها تفاجأت بثباته و جمود ملامحه و لم عجزت عن تصديق أنه لم يتأثر:
«لن تُجدي نظراتك اللعوب تلك معي هذه المرة، هيا إبتعدي و إفتحيها قبل أن أفتحها بنفسي»
لم تبدي أون هي أي بوادر للإنصياع و القبول فتيقن من أنها لا تنوي التحرك و جعل الأمور تسير بسلاسة، فدس يداه في جنبيه و زفر متمتما تحت أنفاسه:
«لا تأتين باللين قط!»
أمسك سيونغ وون ذراعها برفق ثم أبعدها بسهولة و فتح الخزانة، و بدأ بتقليب ثيابها، فكان يلقي في الكيس ما لا يصلح أن يكون ثيابا في نظره، في حين إستماتت أون هي لمنعه عن المواصلة في إفتعال العاصفة التي أقامها في غرفتها و لكنه كان صارما يأبى الإصغاء حتى إستوقفته إحدى تنانيرها التي لا يمكن أن يخطئ جاعلة إياه يسافر بالزمن عدّة سنوات إلى الوراء؛ كان ذلك حين إستدعاها إلى مكتبه و عاقبها بعصاه اللاذعة دون رحمة. جعل تذكرهُ إثمها أسنانه تطحن بعضها غضبا و حاجباه يحتشدان.
«ألازلتِ تحتفظين بها رغم مرور كل هذه السنوات؟!»
«لازالت تناسب مقاسي، لمَ عساي أتخلى عنها؟»
أشاحت وجهها بعيدا حانقة فانفك إحتشاد حاجبيه متراجعا عن رمي التنورة في الكيس، و إكتفى بإرجاعها إلى الخزانة بهدوء.
«لماذا لم ترمها؟»
صوّبت أون هي نظرات متعجبة نحو سيونغ وون فواجه عيناها و أجاب بنبرته الرصينة:
«تركتها لكي تذكرك دائما بعواقب كسركِ كلمتي و إنحرافكِ عن الصواب»
نقر جبينها نقرات خفيفة بسبّابته و أضاف:
«تذكري كل ضربة تلقّيتِها في ذلك الوقت قبل إقدامكِ على إفتعال أي شيء أحمق آخر في المستقبل، لأنني لن أتهاون معكِ»
«هل تسمع نفسك؟»
نظرت إليه بعدم تصديق و خاطبته بغيظ:
«تبدو فخورا بفعلتك! ألستَ نادما و لو قليلا للدموع التي ذرفتها و الألم الذي جعلتني أختبره؟»
«لا أتلذذ دموعكِ و لكنكِ من جنيتِ على نفسكِ، و لا توجد ذرة ندم في قلبي تجاه ما فعلته، فإن عدتُ بالوقت إلى الوراء و كررتِ ذات الشيء فإن عقابكِ ذاك بالنسبة لي كان هينا»
مسح على رأسها بحنو فبدا أكثر إخافة ما جعل قلبها يقرع قرع الطبول تزامنا مع لفظه لتحذيره الجدّي:
«و أما الآن، إذا لم تعودي إلى صوابكِ و تبدئي بارتداء ثياب معقولة كسائر البشر فإني لن أتهاون عن إستعمال العصا مجددا...هي لاتزال موجودة في مكتبي لعلمكِ»
«كفّ عن تخويفي و أعد لي ملابسي، سيونغ وون!»
صفعت أون هي الأرض بقدمها و أمسكت كمّ سترته محاولة سحب سيونغ وون بعيدا عن الخزانة و لكنه لم يتحرّك من مكانه قيد أُنملة. غيّرت خطّتها عندئذٍ لمّا أنير لها أن التمسك بالكيس يبدو أنجع من التمسك بجثته الصلبة فأفلتته و تمسكت بالكيس بكلتا يديها و سحبته بقوة نحوها فتراءى لها أن خطتها التي تقضي بالحصول عليه ترى بوادر النجاح أخيرا.
«توقفي عن سحبه، ستمزقينه»
«فلتفلته أنت، هذه الثياب لي و لن أدعك تلقي بها أبدا»
إستلّ الكيس من بين يديها نهائيا و أشهر سبابته في وجهها قائلا:
«لن تريهم مجددا، ودّعيهم»
تجاهل سيونغ وون العبوس الذي تجلّى على وجهها و بدأ بانتقاء شيء من أجلها لارتدائه مصغيا إلى غمغمتها:
«و لكن هذا ظلم!»
«فليكن إذا»
أرسل إليها ردّه باردا حازما فارتفع حاجباها و سرعان ما مالت شفتاها بعدم رضا و رسى الإستياء في عينيها.
«جميع بطاقاتي الإئتمانية تحت أمركِ، و بإمكانكِ التسوق و الحصول على ثياب مناسبة متى شئتِ طالما أنكِ تشعرين بالظلم»
رمقها سريعا مقتنصا نظرة إلى وجهها الغاضب قبل أن يعيد عيناه بين معالق ثيابها ثانية و أردف:
«و لكنني لن أتردد عن إلقائهم مجددا إذا شابهوا ما بحوزتي في هذا الكيس الأسود»
«إحتفظ ببطاقاتك سيد تشا، لدي مالي الخاص و لا أحتاج منكَ مزيةً!»
عضّت أون هي شفتها السفلى محملقة بهيئته الهادئة بتفكير و تمتمت:
«و لكن ينتابني الفضول...»
رفع عيناه عن إحدى فساتينها المعلقة فصبتا في بئريها المظلمتين متلقيا سؤالها باهتمام:
«ماذا تنوي أن تفعل بهم؟»
«ربما يمكننا التبرع بهم أو إحراقهم، أيهما تفضلين؟»
تمالك بسمة كادت تبزغ على شفتيه عندما ألفى فاهها يُفتح على مصراعيْه و واصل التأنق ببذلة الجدية منتقيا فستانا أحمر، حدوده الركبتان، غيور على الصدر فيحفظ تفاصيله الغاوية، فالتقط عنق المعلاق و أخرجه من الخزانة سريعا عارضا عليها الثوب برضا تام معلنا:
«هذا!»
بلّل سيونغ وون شفتاه محاصرا عيناها الحائرتين بنظراته اللائمة و سأل:
«بماذا قصّر معكِ هذا الفستان الجميل مثلا؟»
عقدت يداها و أدارت وجهها بعيدا في إستياء متعمدة تجاهله و إثارة أعصابه، فتنهد و قدّم إليها الفستان قائلا بهدوء:
«إخلعي تلك الأشياء و إرتديه»
«لن أفعل، لن أمتثل لأمرك السخيف و أغير هذه الثياب...إنني حرة في ملابسي»
خلّص سيونغ وون الثوب من المعلاق رادًّا:
«إن كنتِ تتحدثين عن ملابس حقيقية، فبالطبعِ أنتِ كذلك، أما شبيهة ما ترتدين فلا. لن أسمح لكِ بالسير عارية في الشارع»
وضع الفستان على ظهر الكرسي الخاص بطاولة زينتها و خاطبها بودٍّ:
«تستطيعين إرتداءه في الحمّامِ ريثما أنتهي من هذا...كدتُ أنتهي على أي حال»
ألقَ نظرة أخيرة داخل خزانتها متأكدا من إكماله عملية فرزه التي جعلت الكيس يمتلئ، ثم نظر إليها نظرة فارغة إثر إنتهائه فأدرك بأنها لا تنوي تحريك ساكن نحو الفستان فتنهد و قال:
«لقد إنتهيت...سأخرج حتى يمكنكِ تغيير ثيابكِ»
«أخبرتك بأنني لن أرتديه»
صاحت أون هي بغيض و سرعان ما ترقرقت الدموع في عينيها.
«لا يمكنكَ أن تتحكم بي، تشا سيونغ وون!»
إلتقطت المرأة الفستان عن الكرسي و كوّرته بعصبية و رمته على سيونغ وون صائحة:
«أخرج من غرفتي»
تسمّر في وقفته و حملق إليها فكانت تتنفس بسرعة غضبا. أزال فستانها الذي حط على كتفه العريض عن بذلته السوداء و نفض الغبار الوهمي عنها ثم نظر إلى الفستان مكورا إياه بين يديه و سرعان ما إسودت نظرته مخاطبا إياها:
«لقد أسرفتُ في تدليلكِ فعلا، و زوجكِ الوغد قد أفسدكِ حتما حتى ترفعي صوتكِ علي و تبلغي معي هذا المبلغ من الوقاحة!»
إزدردت أون هي ريقها بصعوبة و كورت قبضتاها بخشية لمّا إنتابها شعور سيئ حيال نيته. تقدّم منها بترنح فأغمضت عيناها بقوة بيد أنها إكتشفت أنها لم تكن وجهته الأولى حيث تجاوزها سيونغ وون سريعا فأوصد الباب و عاد أدراجه إليها قائلا:
«حسنا إذا سألبسكِ إياه بنفسي، لا مانع لدي»
أمسك يدها فأدارها نحو الحائط عنوة فتخبطت و هتفت بعدم تصديق:
«ما الذي تظن نفسك فاعلا؟ دعني!»
فتح حزام تنورتها و سحّابها فتمسكت بها بحرج لئلا تنزلق و غمغمت محتجة:
«هذا لا يجوز، سيونغ وون!»
«توقفي عن هذا، ليس كما لو أنني لم أراكِ بملابس السباحة من قبل!»
ألقى القبض على كلتا يديها و رفعهما على الحائط عاليا و همس في أذنها:
«لطالما إستعرضتها أمامي عمدا كلما جمعتنا رحلات بحرية عائلية، و أعلم جيدا أنّكِ كنتِ تتحدّينني متخذة من زوجكِ درعا في ذلك الوقت»
أصابها صوته الهامس بالقشعريرة فصرت على أسنانها و أغمضت عيناها بقوة لبرهة من الزمن في حين واصل هو حديثه و قد علت نبرته:
«تظنين بأنه قادر على حمايتكِ مني طالما أنه أحق بالموافقة عليها من عدمها...و لكنني كنتُ هادئا لأنني أعلم كم أنتِ طائشة و لستِ بقادرة على تحمل عواقب أفعالكِ لا إلاّ»
حاولت تحرير نفسها منه قائلة:
«أردتكَ أن تعلم بأنني أفعل ما أريدُ بعد زواجي من يون هو...حتى الأشياء التي كنتَ تمنعني عنها أُبيحت لي»
واصلت التخبط بين قبضتيه دون جدوى ضاغطة على أسنانها و أضافت:
«لقد رغبتُ في جعلك ترى أني أصبتُ الإختيار و أني حرة و لستُ مكبلة...حتى جبروتك و تسلطك اللذيْن كنتُ أخشى لم يعودا يرهبانني!»
إرتسمت إبتسامة حُلوةٌ على محياه فبرزت غمّازتاه و قال مفلتا يداها:
«أتعلمين ما المثير بشأن الزمان يا عزيزتي؟»
إلتفتت إليه فقابلته بوجه مشدود مدلكة معصماها فكأنما تلقي بنظراتها اللوم عليه كونه السبب الرئيس في تشنجهما. أمسك فكها بيده الموشومة و واصل حديثه بنبرة هادئة كالبحر و الجو رائق:
«أنه يدور و يصبح مثيرا للسخرية»
«دعني!»
تمسكت أون هي بمعصم يده الغليظ بكلتا يديها محاولة سحبها عن وجهها فأمال رأسه و ضغط على خديها أكثر معاندا إياها، و بدت المتعة جلية في نظرات عينيه الداكنتين اللامعتين اللتين كانتا تتأملان جهودها المتواضعة بسكينة أمام صلابته و قوته و ثباته. أخفضت أون هي عيناها حياءً عندما تبادرت إلى ذهنها ومضات من الذاكرة التي إلتهم فيها فاهها إبهامه المغري، و تسارعت دقات قلبها باستحضارها لمشاعر النشوة القصيرة التي أصابتها البارحة في حضرته. كانت لاتزال مشوشة و لا تدري لمَ إنساقت مع الأصوات الدفينة المحرضة في رأسها آنذاك و إرتكبت أمرا غير بريء في حق علاقتهما. كان كل شيء قد حدث بسرعة و لم تستوعب كيف إنتهى بها المآل إلى تحريض جسده ضدها حتى، فالنوم لم يكحّل عيناها بعد فرارها منه تحججا بسيهون الباكي، و رغم ذلك، لم تستطع التوصل إلى إجابة تشبع جوع الأسئلة المضطرمة في رأسها كالنيران. رفعت المرأة عيناها إليه مجددا فأدركت بأنها توقفت عن دفعه بعيدا منذ فترة بالفعل؛ فكانت تقف ساكنة صامتة محتضنة يده تحت ظل نظراته العميقة الهادئة. و فجأة أجلى سيونغ وون صوته و قال:
«كان لدي إيمان قوي بأنكِ ستقعين بين براثني يوما و ها أنتِ ذي قد وقعتِ مجددا سيدة يون»
أطلق الرجل سراح وجهها و مرر ظاهر يده على خدها بلمسات ناعمة مستفهما:
«من سيحميكِ من بطشي الآن؟»
مالت زاوية شفتاه ببسمة تشفٍّ فرفعت أون هي حاجبها باستنكار و صرحت بنبرة متعجبة:
«تبين أنك حاقد طوال هذا الوقت!»
أطلق سيونغ وون ضحكة بحيحة زادت حضوره المهيب جاذبية ثم عاد إلى إكتساء الجدية تدريجيا و أجاب برصانةٍ:
«دعينا نقول بأنني أجعلكِ تدفعين الثمن في نهاية الأمر وحسب»
أدارها مجددا و ألصقها بالحائط كجانحة قيد الإعتقال فالتصق خدها و كذلك كفاها بالجدار بعشوائية.
«صوتكَ وحده كفيل بجعلي أوقن بأنك تكاد تطير فرحا!»
«بلى، أنا سعيد أن الأمور عادت إلى نصابها»
وضع يده على بطنها مربتا فدوّرت عيناها قائلة بسخرية:
«و الآن لا تخبرني بأنك ستلقي بملابسي للسباحة أيضا!»
ألقَى سيونغ وون نظرة على ساعة يده و أجاب:
«ليست فكرة سيئة، و لكن ليس لدي متسع من الوقت الآن لهذا ذكريني بذلك لاحقا»
أخفض تنورتها دفعة واحدة فسقطت بين قدميها على الأرض لينتهي بها الأمر في سروال داخلي قطني، أبيض اللون. جحظت عينا أون هي و شهقت بغنج ردا على فعلته الجريئة و سرعان ما تمسكت بالحائط عاضة شفتها السفلى تشكوه حياءها و إحمرار وجهها. لاحظ إنكماشها و ضمها لساقيها بعضهما ببعضٍ فرفع حاجبه و سأل بنبرة ساخرة:
«ماذا حدث الآن صغيرتي؟ أراكِ تحمرين خجلا مني!»
رغبت أون هي بشتمه كثيرا و لكنها عضّت لسانها إمتناعا لئلا تنفجر به فتصلى شر عقاب من كبريائه المخيف. تجاهل سيونغ وون قوامها السفلي المثير للفتنة و إنطلق يفكّ رباط قميصها الخلفي المتشابك بعجالة حتى برز ظهرها العاري فتمسكت هي به جهة صدرها بإصرار صائحة:
«توقف!»
«أفلتيه!»
حاول سحبه فتشبثت به أكثر هاتفة بذعر:
«مهلا!»
«ما الخطب؟»
«لا أرتدي حمالة صدر!»
نبست مُطرقة في الأرض بقلق، متسارعة الأنفاس، فسكنت حركته بدوره.
«أوه!»
ألقَ سيونغ وون نظرة ثانية على ظهرها فأدرك أنه خام لا يخطه طرفا حمالة صدرٍ.
«لا تقم بالجذب أكثر من فضلك إنه ثابت بالكاد»
«لم أنتبه!»
أفلت طرف قميصها مفتوح الظهر على مصراعيه من يده و أجلى صوته و قال:
«إذن كوني مطيعة و لتلبسي الفستان بنفسكِ، سأكون في إنتظاركِ في الخارج»
خرج مغلقا الباب خلفه فحدقت به يُطبقُ في لمح البصر و يختفي فرمشت بسرعة و الصدمة تخط ملامحها الخجولة. و لما أدركت بأنها بمفردها في الغرفة أخيرا، تنفست أون هي الصعداء.
«هل فقد صوابه؟!»
وقعت عيناها على تنورتها الملقاة على الأرض ثم وضعت يدها على فمها.
«مجنون!»
في الأثناء، قصد سيونغ وون حمام غرفته المجاورة سريعا و أغلق الباب كالملسوع ثم مضى إلى المرآة محدقا بانعكاسه اللاهث.
«لماذا ينبض قلبي بهذه السرعة؟»
أخفض رأسه لما أحس بارتفاع وحشه تحت البنطال فاتسعت عيناه و وضع يده على فمه:
«لقد إنتصب مجددا!...للمرة الثالثة على التوالي!»
سارع إلى غسل وجهه بالماء كالموبوء عدة مرات ثم نظر حوله مشوش الذهن و يداه على رأسه هاذيا:
«ما الذي يحدث لي؟ هذا جنون!»
سكن لبرهة و أغمض عيناه شاعرا بالعار يغلفه من الرأس حتى القدم و نبس في ضيق:
«كيف أسمح لفكرة أنها لا ترتدي حمالة صدر بأن تثيريني بهذا الشكل المشين؟»
دعك سيونغ وون عنقه شاعرا بالحرارة تلفح وجهه و تمتم مخاطبا إنعكاسه الوهن في المرآة مجددا:
«الشكر للرب أنها لم تراني أنتصب بسببها مرة أخرى، هذا محرج!»
⋆
⋆
⋆
⋆
«ألم تنتهي بعد؟»
صدح صوته الهادئ خلف الباب إثر طرقه عليه فأتاه صوتها يقول:
«كدتُ أنتهي، أمهلني بضع لحظات»
«مهلكِ»
فتحت الباب سريعا فقابله شكلها المرتب الأنيق ملفوفا في ذلك الفستان الرسمي الفاتن.
«هذا هو المطلوب»
إحتشد حاجباها تعجبا لمّا لاحظت الوهن في عينيه و تقاسيمه الوسيمة الذابلة التي إستنزفتها أيام القحط و الجفاء، ثم إرتفعت حدقتاها إلى شعره الرطب فارتفع حاجباها كهلالين و سألت:
«مال شعرك مبلل؟!»
تجاوزها إلى الداخل دون إجابتها و قبض على عنق الكيس قائلا:
«لابد أن السيدة لي قد حضرت الطاولة، لنذهب لتناول الطعام»
سار أمامها متبخترا بفخر و إنعطف نحو المطبخ على مرأى من وونيونغ التي كانت تطعم سيهون من زجاجة الحليب. و في المقابل، ألفت الفتاة أون هي تسير إلى طاولة الطعام بهدوء في حين كان وجهها يبعث علامات عدم الرضا. بدت عاصفة مخيفة رغم هدوئها الظاهري و نضجها الجذاب و أمّا تغير هندامها الجذري قد ساهم في مساعدة وونيونغ على فهم السبب الرئيس في غضب السيدة و إستيائها. و فجأة إسترعى صوت سيونغ وون المخاطب لمدبرة المنزل بنبرة آمرة صارمة إنتباه وونيونغ و سمع أون هي:
«سيدة لي خذي هذه إلى جمعية ما و تبرعي بها أو إفعلي بها ما تشائين»
«بأمرك سيدي»
توجه سيونغ وون إلى الطاولة فانضم إلى أون هي ذات الوجه البارد و أومأ إليها للبدء بالأكل في حين وضعت وونيونغ سيهون في سريره و توجهت إلى المطبخ الداخلي من أجل تناول الإفطار مع مدبرة المنزل، السيدة لي.
«تفضلي آنسة كيم»
وضعت السيدة لي فطور وونيونغ على الطاولة الصغيرة و شاركتها الجلوس و الإفطار فرمت الأصغر عيناها على الثنائي عن بعد و همست:
«لا أصدق بأنه جعلها تغير ثيابها، رغم أنها تبدو غير راضية!»
وضعت السيدة الخمسينية فنجان قهوتها على الطاولة مزدردة ما بجوفها سريعا في حين إحتشد حاجباها باستياء و إستفهمت:
«عفوا؟»
«ألم تلاحظي أنه أخذها لتغيير ثيابها؟ أنظري إلى ما ترتديه الآن! فإن لم تكن أخت زوجته، لقلتُ أنها زوجته أو حبيبته، و يغار عليها!»
«إلى أين تريدين الوصول بهذا الكلام يا آنسة؟"
نهرتها فوكزتها وونيونغ باسمة بخبث و قالت:
«أصدقيني القول؛ هل هما على علاقة غرامية خلف ظهر زوجته؟»
«إنك واهمة! قد يبدوان مقربين جدا و لكن علاقتهما نظيفة، و غالبا ما يساء فهمهما»
«إلى درجة التحكم في ما ترتدي!»
مالت شفتاها بسخرية و أضافت:
«و يناديها «صغيرتي» أيضا!»
«أصغي، لقد ترعرعت السيدة أون هي في هذا البيت منذ المراهقة و نشأت على يد السيد سيونغ وون و سلطة كلمته. لقد لعب دور الأخ و الأب في نفس الوقت بالنسبة إليها، و هو رجل محافظ ذو ثوابت و مبادئ معينة»
بللت المرأة شفتاها و واصلت حديثها منتقية عباراتها بحذر أمام أسئلة الشابة التي لم يرقها طرحها:
«إن السيدة الصغيرة لمتمردة منذ الصبا، بيد أنها تخشى معارضته...و لطالما عارض السيد تشا أسلوب ثيابها»
إقتنصت المرأة من فنجان قهوتها رشفة أنيقة أمام الإنزعاج الذي أبدته وونيونغ لتوقفها القصير عن سرد قصتها، ثم أردفت حالما خلا حلقها:
«و لمعرفتي به منذ سنوات طويلة أمضيتها في خدمته مذ كان أعزب، فالسيدُ لن يسمح لها بالخروج بملابس كاشفة»
كان جوع الفتاة العشرينية للمعلومات و التفاصيل واضحا في عينيها فأعدمته ذاتُ الثامنة و الخمسين شتاء بقولها:
«أما إذا أشبعتُ فضولكِ و أضحى الأمر واضحا لا يشوبه لُبس، أرجو ألا تخطئي تقدير الأمور بحق علاقتهما مرة أخرى، و أن تكملي فطوركِ بسلام»
«بالعكس، كلامكِ هذا يزيد تقوية فرضيتي سيدة لي. أراهن أن شيئا ما يجري بينهما!»
«سواء كان يجري أو يطير لا دخل لكِ بذلك. و أما إذا كنتِ تنوين العمل هنا لفترة طويلة، أنصحكِ ألا تحشري أنفكِ في ما لا يعنيكِ فالسيد تشا يكره هذه التصرفات كثيرا و لا يغفرها البتة»
نهضت المرأة ذاتُ الخصلة الفضية التي تزين جانب شعرها الأيمن و تزيدُ شكلها المرتب الهادئ وقارا و قالت:
«بالمناسبة، أدعى لي جوا يونغ و الجميع هنا ينادونني بالسيدة لي. أخبريني لكي أنظف الطاولة و أغسل الأطباق إذا إنتهيتِ آنسة كيم»
مضت جوا يونغ إلى شأنها متخلية عن صحبتها، فحدّقت وونيونغ بالفراغ بامتعاض مقلبة عيناها، ثم إنتشلت فنجانها عن الطاولة و قرّبته من شفتيها هامسة له:
«يالها من عجوز مملة!»
⋆
⋆
⋆
⋆
«لقد وجدنا جليسة أطفال من أجل سيهون أخيرا، و قد باشرت العمل اليوم»
هتفت أون هي براحة فأجابت شين آه باسمة:
«ألهذا تبدين أكثر إنشراحا اليوم؟»
«بلى، أستطيع العمل مطمئنة البال الآن»
رفعت أون هي شعرها و ألحقت بشكله الدائري المبعثر قلم رصاص و أضافت:
«إنها لطيفة جدا و يبدو لي أن سيهون أحبها أيضا»
«دعيني أحزر، هل أغمي عليها عندما إلتقت سيونغ وون؟»
وكزت أون هي صديقتها حادجة إياها بنظرة حادة مجيبة:
«توقفي عن العبث، إنها محترمة»
«و أنا محترمة أيضا و لكنني لازلتُ أذكر بأنه أغمي علي أمامه عندما جعلتني ألتقيه لأول مرة، عندما إستدعيتني للدراسة معا حينها»
وضعت شين آه كلتا يداها على وجهها بإحراج عندما عاودت تلك الذكريات الطريفة مراودتها و تمتمت بإحباط:
«لازلتُ أشعر بالإحراج حتى يومنا هذا كلما نظرتُ في وجهه»
إنفجرت ذات الفستان الأحمر الأنيق ضاحكة فاحتجت الأخرى:
«كُفّي عن الضحك!»
«كيف أنسى ذلك؟ لقد جعلتني أضحك شهرا كاملا!»
مسحت أون هي دمعة عن أهدابها المكحلة بلون أسود جذاب بحذر مصغية إلى غمغمة شين آه المرحة:
«كنتُ صغيرة هشة آنذاك و نقطة ضعفي هي الرجال الوسيمون...و زوج أختكِ شديد الوسامة، ماذا أفعل؟»
وضعت أون هي يداها على جنبيها و قالت بحزم:
«توقفي عن الهذيان بشأن زوج أختي الآن و دعينا نبدأ العمل»
لاحظت شين آه ذات الخصل المجعدة إرتداء أون هي لكعبٍ عالٍ فابتسمت بخبث و سألت:
«أسيوصلكِ كل يوم؟»
أومأت أون هي برأسها إيجابا في هدوء مريب ثم أخرجت خفّين مريحين أسودا اللون من حقيبتها قائلة بضجر:
«قال ذلك»
«أنا أحسدكِ!»
حملت شين آه حقيبتها عنها و أحضرت من أجلها رداءها الملطخ بالألوان فلبسته أون هي مصغية إلى تذمرها:
«حبيبي لن يكلف نفسه فعل ذلك قط»
«و لكن متى تتزوجان؟»
رفعت شين آه كتفاها بلامبالاة و ردّت:
«لا خطط لدينا للزواج في الوقت الحالي. أنا و جي يونغ نشعر بالراحة هكذا؛ نعيش معا دون قيود»
«هراء، أراهن بأنه يريد الزواج و لكنكِ تتهربين كالعادة وحسب!»
قطبت أون هي حاجبها فأطرقت شين آه في الأرض متهربة من نظراتها اللائمة موضحة:
«في الواقع، أنا أخشى أن يتغير بعد الزواج، أون هي...مخاوفي لاتزال ثابتة رغم أنه شخص جيد و يحبني كثيرا»
بللت شفتاها و قاطعت ذراعاها عند صدرها بتفكير:
«إنني أحب جي يونغ أيضا و لكن فكرة عيش بقية حياتي مع شخص واحد و إنجاب الأطفال ليست آمنة بالنسبة إلي»
رفعت عيناها إلى عيني صديقتها و أردفت باقتناع و أسف:
«كثيرون من معارفي فشلوا فشلا ذريعا و تآكلهم الندم بعد الزواج، إنهم و أطفالهم يعانون...لا أريد أن أندم أيضا!»
«لن تعلمي حتى تجربي...لا يمكنكِ الحكم على شخصكِ المفضل إستنادا إلى تجارب الآخرين فالبشر ليسو متشابهين»
واستها أون هي بالتربيت على ذراعها، فاتخذت شين آه لحظات من الصمت للتفكير في كلامها و سرعان ما إبتسمت بخفة و أجابت:
«معكِ حق، و لكنني قررتُ أن أركز على تحقيق أحلامي العملية أولا، كأن أفتتح هذا المعرض و إياكِ مثلا»
«حسنا، يروقني ما أسمعُ الآن»
إلتفتت أون هي فقامت شين آه بعقد رباط الرداء من أجلها على شكل فراشة بينما تقول:
«بالمناسبة، يناسبكِ هذا الفستان كثيرا!»
«إنه ذوق سيونغ وون»
دورت المرأة عيناها بضجر و إغتاضت لما تذكرت صراعها و إياه من أجل ثيابها هذا الصباح.
«و هل بات الآن يختار ثيابكِ؟!»
إلتفتت إلى شين آه فإذا بها رافعة حاجبها باسمة بسخرية.
«لن تصدقي ما فعله هذا المجنون اليوم!»
«و ماذا فعل؟»
سألت ذات المِشْمَلِ ذا الجينز الأزرق بحماس و الفضول يرفرف فوق رموشها السوداء الطويلة.
«لقد ألقى بنصف الثياب في خزانتي بحجّة أنها كاشفة و لا تروقه!»
«ماذا؟»
«كما سمعتِ تماما، لقد تشاجرنا هذا الصباح»
مطّت شفتاها بانزعاج تحت ظل ضحكات شين آه المرحة، ثم جذبت كرسيا و جلست متنهدة.
«و ماذا ستفعلين الآن؟ هل ستكونين فتاة جيدة و تطيعينه مجددا؟»
خلعت الحذاء ذا الكعب العالي و لبست الخف شاعرة بالراحة ثم حملته واضعة إياه جانبا قائلة:
«قطعا لا! أحتاج إلى التسوق في أقرب وقت ممكن»
بعثرت شعرها بإحباط و أضافت:
«يصيبني الدوار كلما تذكرتُ كم أصبحت خزانتي خاوية!»
غادرت إلى حجرة الرسم حيث تحب الإختلاء بنفسها بين لوحاتها و ألوانها و شغلت أغنية That's Okay للفنان الكوري D.O لكي تؤنسها.
«هاتفكِ يرن»
هتفت شين آه بعد مدة مانحة إياها الهاتفة فمسحت أون هي يداها الملطختين بطلاء وردي و أبيض في منديل ثم إستلمت الهاتف قارئة إسم المتصل جهرا:
«إنها دارا!»
نظرت في وجه صديقتها بدهشة و تسارعت دقات قلبها بفرح. لقد مرت أيام و هي تحاول التواصل معها و لكنها لم تكن تجيب على أي من إتصالاتها.
«أختي! أخيرا»
أجابت أون هي بنبرة بهيجة فأتاها صوتُ دارا هادئا في الطرف الآخر:
«كيف حالكِ؟»
«بخير، إشتقتُ إليكِ كثيرا!»
بللت أون هي شفتاها و أردفت بحماس باثة إياها آخر أخبارها:
«لقد باشرتُ العمل بالأمس»
«مبارك! أنا سعيدة من أجلكِ»
«شكرا عزيزتي دارا، و لكن صوتكِ يبدو متعبا هل أنتِ على ما يرام؟»
زار القلق قلب أون هي لإجابات دارا الخاملة فردت الأخرى مبسطة الأمور:
«بعضُ الضغط، لم آتي لألهو كما تعلمين»
شعرت أون هي بالأسى نحوها و إضطرم في قلبها شعور بالذنب تجاهها في تلك اللحظة، فهي تؤمن بأنها تعيش حلمها بين ألوانها اليوم بفضل المجهود الجبار الذي تقضيه دارا في العمل بمفردها طوال الوقت. أطرقت في الأرض بعبوس و أجابت:
«لا تُحمّلي نفسكِ ما لا طاقة لها به من فضلكِ! لقد إشتقنا إليكِ جميعا، حتى سيهوني»
بزغت إبتسامة على ثغر دارا فأنار وجهها المجهد بعض الشيء ثم رطبت شفتاها ناظرة حولها و الضيق يعتمر صدرها ثم سألت:
«كيف حال عزيزنا المدلل؟ أرجو أنه لا يتعبكِ بعد أن بدأتِ العمل»
«لقد عثرتُ على جليسة أطفال و قال سيونغ وون أنها يمكن أن تقطن معنا لمساعدتي على الإعتداء بسيهون، أرجو أن لا مانع لديكِ»
«هذا جيد، طالما أنها مفيدة فمُرَحَّبٌ بها بكل تأكيد»
عضت دارا شفتها و تريثت قليلا عندما خنقتها العبرات فنظرت نحو السقف مرجعة رأسها إلى الخلف على الأريكة اللينة التي تجلس عليها. مسحت الدماء عن وجهها بظاهر يدها المرتعشة و أضافت:
«أشعر بالإختناق من دونكم؛ أنتِ، سيهون، و سيونغ وون»
«إذن عودي!»
إلتزمت دارا الصمت محدقة بالجثث الأربعِ الملقاة على الأرض أمامها غير قادرة على النبس ببنتِ شفة، و عندما وقعت عيناها على جثتيْ الطفلين الغارقتين في الدماء أشاحت نظرها بسرعة و الألم يعتصر قلبها و إنتفض صدرها.
«هل تسمعينني، دارا؟»
أغمضت دارا جفناها و قالت بهدوء مصطنع:
«سأعود، و لكن ليس الآن...لازال لدي الكثير من العمل لإنجازه»
مال رأسها و عضت شفتها السفلى مجددا بانكسار و سألت بعد تردد:
«كيف حال سيونغ وون؟ ألايزال غاضبا مني؟»
«قليلا، و لكنني متأكدة بأن ذلك الغضب الطفيف سيتبدد ما إن يراكِ أمامه! أنجزي أعمالكِ سريعا و عودي في أقرب فرصة عزيزتي دارا!»
«أجل سأفعل!»
«بالمناسبة، لقد وصلتنا هدية عيد ميلاد سيهوني الرائعة؛ سيكون الأوسم في تشكيلة الثياب تلك أيتها الخالة العزيزة»
لمعت عينا دارا إثر تجمع الدموع فيهما و قد وصلتها سعادة أون هي الصادقة بالهدية التي لم تستطع أن تكون متواجدة لتقديمها شخصيا.
«قبّليه عوضا عني و إعتني بنفسكِ جيدا، و بسيونغ وون أيضا»
وضعت يدها على عينيها بارهاق و تنهدت بعمق ثم أردفت سعيا لإنهاء الإتصال:
«إحتجتُ إلى سماع صوتكِ عزيزتي، و لكنني أحتاج الذهاب بسرعة الأن...سأغلق أنا آسفة»
«أتفهم ذلك. كلي جيدا و إعتني بنفسكِ، نحن جميعا في إنتظار عودتكِ بفارغ الصبر فالمنزل لا شيء من دونكِ»
غمغمت دارا ثم أنهت المكالمة بسرعة بيدين مرتعشتين ملطختين بالدماء و أطلقت العنان لإنهيارها فسالت دمعة ساخنة من عينها شاقّة خدّها، فسارعت إلى مسحها بكم معطفها الأسود. أطرقت في الأرض و مشاهد الجريمة تراود ذاكرتها بوضوح فزادت معاناتها باستحضار تلك الأصوات الهلعة المتوسلة من أجل العيش. بدأت بالإرتجاف حتى ظهرت قدمان تنتعلان حذاء رجاليا، أسود اللون، خشن المظهر، فرفعت رأسها ناظرة في وجهه ذو الملامح الحادة بكره فمالت شفتاه ببسمة ساخرة و قال متهكما:
«هل تعتقدين أن صوتها كفيل بجعلكِ تنسين صراخهم و هم يطلبون الرحمة؟»
«فلتغرب عني»
كشّرت كلبؤة غاضبة في وجهه فأمسك وجهها بقبضته التي يلفها قفّاز جلدي أسود صارّا على أسنانه و نظر في منتصف عينيها مخاطبا إياها بصرامة:
«إنكِ وقحة للغاية، كيف تخاطبين رئيسكِ و صاحب الفضل عليكِ بهذه الطريقة؟»
داعب الدمعة المتعلقة بأهدابها بإبهامه و رفع حاجبه مردفا:
«و لكنكِ تبدين مثيرة للغاية عندما تتصرفين كقطة جامحة! حتى الدم على يديكِ جميل!»
«أتركني!»
أمسكت بمعصمه محاولة تخليص وجهها من قبضته شاعرة بالإشمئزاز من كلامه الذي أصابها بالقشعريرة، و لكنه كان أكثر صلابة من محاولتها الواهنة فأحاطها على الأريكة بفخذه و لثم فمها بقبلة متعسفة. أحكمت دارا إغلاق شفتيها فنفر من المواصلة في تلك القبلة غير المرغوبة و فصل شفتاه عنها لاعنا بينما يحدق بالفراغ حوله حانقا، ثم نظر إليها فكانت ترتعش بين يديه و دموعها لا تتوقف عن الإنهمار.
«إنهضي حتى أوصلكِ إلى منزلنا الجديد، إذهبي و إغتسلي ثم نالي قسطا من الراحة علّكِ تعودين إلى صوابكِ...تبدين مثيرة للشفقة و كأنكِ مبتدئة!»
نهض عنها نافضا الغبار الوهمي عن معطفه الأسود فحدقت به بحيرة سائلة:
«هل سننتقل؟»
«هل تظنين أن بوسعكِ المرور من باب ذلك الفندق بشكل طبيعي و أنتِ بهذا الشكل دون أن يتم إعتقالكِ؟»
ألقت نظرت على ثيابها و يديها و حذائها الذين تناثرت عليهم الدماء فأصابها الغثيان فوضعت ذراعها فوق فمها و أنفها.
«لا أصدق بأنكِ تجرئين على الشعور بالغثيان أمامي!»
دوّر عيناه بعدم تصديق ثم رمقها بغضب مصرحا:
«لقد أصبحتِ هشّة بشكل لا يصدَّق و لن أقبل بهذا أبدا»
أشاحت عيناها بعيدا فزمجر:
«هيا إنهضي و سيري معي بثبات لا أريد أن أشهد إغماء آخر يحدث أمامي مجددا»
هم بالمغادرة أولا فاستوقفه صراخها:
«هذا يكفي، لقد أخبرتك بأنني تعبت!»
إلتفتَ إليها و ردّ بنبرة مخيفة تقشعر الأبدان:
«أنتِ من إختارت هذه الحياة رغم علمكِ منذ البداية أن من يدخلها لا يخرجُ مجددا!»
إستدار نحوها بالكامل حاشرا يداه في جيبي معطفه و تنهد بعمق ثم أضاف:
«لا يحق لكِ التعب ولا الندم، دارا»
هجرت الأريكة و سارت نحوه دافعة إياه بغلٍّ و صرخت به:
«لا تفعل هذا بي بعد الآن إن كنتَ تحبني و لو قليلا، دونغ ووك!»
ضربت صدره بقبضتيها بقهر فألقى القبض على معصمها فارضا سيطرته عليها و أمرها بصرامة:
«بل سيدي»
صرّ على أسنانه و أمسك بكلتا زنديْها بعنف و فحّ في وجهها كالثعبان:
«تسرفين في إستعمال إسمي مباشرة دون رسميات في سائر الأيام، ألا تظنين أن ذلك أكثر من كافٍ، و مزعج للغاية؟»
إحتقنت عيناها بالدموع مجددا و مال رأسها ناظرة في عينيه بانكسار و نبست بصوتٍ متحشرجٍ:
«أرجوك، سيدي»
«لا»
نبس بغيظ و أغمض عيناه بقوة محاولا تمالك أعصابه ثم زفر نافضا جسدها عن يديه باستياء.
«إتبعيني»
سار بين الجثث بخيلاء جامد الملامح آمرا رجاله الواقفين عند باب الخروج دون أن يتوقف أو يلتفت إليهم:
«نظفوا الفوضى»
«أمرك أيها الزعيم»
هتف الرجال الثلاثة ضخام الجثة بصوتٍ واحد في حين ركب هو سيارته التي كانت في إنتظاره في الباب الخلفي مع سائق متأهب يرتدي ثيابا سوداء تبعث الرعب في القلوب، كسائر أفراد العصابة.
«خذنا إلى المنزل»
نبس دونغ ووك بمجرد ركوب دارا إلى جانبه فانطلقت السيارة بعيدا تاركة خلفها سيارة أخرى لتقل البقية بعد إتمام عملهم على تنظيف مسرح الجريمة. كان الصمت يعم المكان طوال الطريق؛ فدونغ ووك الناظر إلى الفراغ أمامه متعكر المزاج، و هي مرهقة تدري أنه لن يقبل سماع كلمة إضافية فاكتفت بوضع رأسها على زجاج النافذة مشاهدة الطرقات بذهن شارد.
توقفت السيارة أمام المنزل فهتف السائق بصوته الأجش:
«وصلنا سيدي»
إنتبه دونغ ووك مستيقظا من شروده فرفع رأسه عم قبضته و أجلى صوته قائلا:
«خذي المفتاح و أدخلي أولا»
تناولته من يده دون نقاش فأشاح وجهه عنها و أردف بضيق:
«سأخرج قليلا، إرتاحي»
ترجلت من السيارة غير آبهة بالسؤال عن وجهته و دخلت إلى المنزل مباشرة. كانت فيلا ذات تصميم أوروبي كلاسيكي أخّاذ يطغى عليها اللونان الأبيض و الأصفر الرملي الملكي. كانت واسعة بشكل واضح تنبئ باحتوائها على حديقة داخلية خلف الباب البلوري المقابل لمكان وقوفها و طابقٍ ثانٍ.
بحثت عن غرفة النوم كروح تائهة ثم دخلت محدقة بالأثاث الفخم ببرود فعلمت عندئذٍ أنها غرفة مشتركة، كالعادة.
تقدمت دارا من السرير عندما إسترعى إنتباهها فستان بنفسجي مريح و بطاقة كُتب عليها:
«فكّرتُ في أنكِ ستحتاجينه ريثما أحضر حقيبتكِ من الفندق»
ألقت بالبطاقة على الأرض دون إكتراث و حملت جسدها المتثاقل إلى الحمام متجاهلة الفستان، و دخلت إلى الهيكل الزجاجي الشّاف فاستندت بيدها على الجدار و فتحت الصنبور فانطلق المرش فوقها غزيرا مسيلات عن جسدها و ثيابها الدماء و فجأة إنفجرت وسط موجة هستيرية من البكاء.
«إخرسوا، إخرسوا، لا أريد سماع أصواتكم بعد الآن...أتوسل إليكم سينفجر رأسي!»
أمسكت رأسها و إنزلقت ببطئ على الجدار منهارة على الأرض متمتمة بإعياء:
«لقد تعبتُ يا إلهي...لقد تعبت!»
⋆
⋆
⋆
⋆
حلّ المساء، فمرّ سيونغ وون إلى مكان عمل أون هي من أجل إصطحابها إلى المنزل. دخل المعرض الذي كان في حالة من الفوضى المريحة للبصر حيث كانت تفوح من المكان رائحة العمل الجاد و الفن و الألوان. كان عبارة عن قاعة واسعة ذات جدران بيضاء مقسما إلى ثلاثة أقسام كبيرة خرجت شين آه من إحداها مع لوحة كبيرة الحجم بين يداها. لاحظها سيونغ وون و إنتبه إلى مواجهتها صعوبة في حملها فسارع إلى مساعدتها بأخذها منها قائلا:
«دعيني أحملها عنكِ، لابد أنها ثقيلة»
«أوه! سيونغ وون، متى أتيت؟!»
هتفت بمجرد أن لمحت وجهه فأجاب باحثا في في المكان بعينيه:
«وصلتُ لتوي و كان الباب مفتوحا»
وقعت عدستاه على باب غرفة مغلقة فأجابت شين آه نظراته:
«إنها في الداخل، تعمل بجهد»
أومأ برأسه بهدوء ثم سأل:
«أين أضعها؟»
«من هنا من فضلك»
قام بتعليقها على الجدار الذي أشارت إليه فإذا بضالته تخرج من تلك الحجرة و تلفيه أمامها. إلتفت فوقعت عيناه عليها تريث قليلا محدقا بعينيها المستاءتين فقال:
«أتيتُ لأقلّكِ، يبدو أنّكِ لم تنتبهي إلى الوقت»
نظزت إلى الساعة على معصمها و أومأت برأسها دون النبس بكلمة.
«إرتدي حذاءكِ و إلحقي بي إلى السيارة»
قال ذلك و سبقها بالسير نحو الباب فاستوقفه هتاف شين آه العابث:
«ذوقكَ في الملابس مذهل سيد تشا»
إلتفت إليها ثم إلتقت نظراته نظرات أون هي فتهربت بإشاحة وجهها بسرعة محرجة، و حدجت صديقتها بنظرات قاتلة بمجرد إستدارته لإكماله طريقه بهدوء.
رفعت شين آه كتفاها متمتمة:
«ماذا؟»
«دون تعليق!»
توجهت إلى حذائها فانتعلته و غادرت سريعا.
كانت الأجواء في السيارة صامتة بشكل غير مريح حيث لاحظ سيونغ وون أنها هادئة على غير العادة و تتجاهله عبر إشاحة وجهها عنه عبر النافذة فأدرك أنها تحتفظ ببعض الحقد تجاهه في قلبها.
«إلى متى تنوين الغضب مني؟»
كسر الصمت بسؤاله الحازم ذاك بينما كانت عيناه مركزتين على الطريق أثناء القيادة و يداه على المقود الدائري. إلتزمت الصمت خائضة حوارا داخليا طارئا مع نفسها من أجل تقرير ما إذا كانت ستجيبه أم لا.
«لا أدري، حتى يبرد قلبي»
شغلت نفسها بإخفاض النافذة لئلا تضطر للنظر إليه فإنبثق الهواء إلى داخل السيارة مطيرا شعرها فالتفت نحوها رامقا إياها بافتتان للحظات، ثم عاد لتركيز عينيه على الطريق سائلا:
«أتلك الخرق البالية أغلى مني؟»
فرد ذراعاها على حافة النافذة و وضعت رأسها عليهما رامقة المباني المتحركة التي يمران بها بعبوس مستشعرة النسمات المنعشة التي تداعب وجهها، و تحرك غرتها و خصلا جانبية من شعرها بلطف.
«لا تلعب بعواطفي، أخبرتك بأنني أحب تلك الثياب»
«لا تقولي عنها ثيابا أمامي مجددا»
عقدت ذراعاها و إلتفتت إليه رامقة إياه بتحدٍّ و قالت:
«أتعلم ماذا؟ سأشتري غيرها، كن متأكدا»
«يالها من خسارة!»
«ماذا؟»
مالت زاوية شفتاه بخيبة أمل و أجاب مديرا وجهه نحوها:
«هذا هدر للمال، سأحرقها جميعا أمام عينيكِ هذه المرة لامحالة»
إرتفع حاجبها دهشةً بدايةً لمعاينتها معالم الجدية على وجهه ثم سرعان ما قطّبت حاجباها بغضب نابسة:
«كم قلبكَ قاسٍ!»
رفع حاجبه و أردف دون قطع التواصل البصري المشحون بينهما:
«ما الرائع في السير شبه عارية أمام الملأ؟»
عاد للتركيز على الطريق هاجرا عيناها فصفعت هيكل سيارته الأمامي منتفضة بعدم تصديق:
«تجيد إنتقاء ألفاظ تهويلية حقا!»
فغرت فاهها عاجزة عن الرد لوهلة ثم أضافت بكبرياء مجروح:
«كلامك يجعلني أشعر بأنني أجلس إلى جانبك عارية الآن أكثر من إرتدائي للملابس المقصودة!»
تنهد ثم نظر إليها نظرة خاطفة و ردّ بصوتٍ هادئ:
«أخشى عليكِ من نظرات المنحرفين!»
إحتشد حاجباها و إحتجّت:
«سينظرون حتى لو كنتُ مغطاةً من رأسي حتى أخمص قدماي، ألستُ جميلة رغم كل شيء؟»
نظر إليها مجددا و كأنه ينعش ذاكرته محتفيا بشدّة جمالها بين صفوفها، و إبتسم بقلة حيلة إستجابة للطافة التي بدت عليها و هي تقول ذلك قائلا:
«بالطبعِ أنتِ جميلة...و متبجحة أيضا!»
«تلاوة الحقائق ليست تبجحا سيد تشا»
مطّت شفتاها و ترنحت على ظهر الكرسي عاقدة ساعداها ثانية و وضعت قدما فوق الأخرى مسترجعة هدوءها و هيبتها.
«إن وجدتها فلا أهتم إذا حرقتها»
تجعد جبينه فألقى نظرة خاطفة عليها فواصلت حديثها موضحة:
«لأنني مصرة على شراء تشكيلة جديدة من الملابس حسب ذوقي...سأخفيها حتى لا يمكنكَ إيجادها»
«لنرى إذا كنتِ ستجرئين على تخطي عتبة الباب بها في وجودي»
«أخرج بها في غيابك إذا»
هزت حاجباها بمتعة فحدجها بنظرة خائبة و قال:
«و تخونين ثقتي؟»
مسحت كلماته تلك الإبتسامة عن وجهها فالتزمت الصمت و حدقت بالشارع عبر النافذة و هي تشعر بهزيمة داخلية.
«لماذا أنتِ صامتة بهذا الشكل؟»
«شردتُ قليلا»
«بمَ؟»
«لا شيء مهم»
تفقدت هاتفها متجاهلة إياه و تمتمت:
«ترى كيف تبلي جليسة الأطفال مع سيهون؟»
«لا أظنه أتعبها فآبني لطيف جدا و لا يسبب المتاعب»
علّق بتلك الكلمات دون الإلتجاء إلى النظر إليها و أسند مرفقه على النافذة مريحا رأسه على قبضته. إلتفتت بعفوية فخطف ذلك المشهد بصرها و أنفاسها فتصنمت للحظات متأملة إياه و تبعثرت دقات قلبها. تلك العروق البارزة على يديه أثارت جنونها و لكن سرعان ما هدم الإحباط تلك النظرات الحالمة و الفرحة القصيرة التي زارت فؤادها فجعلته يرفرف بتذكرها أن هذا الرجل ملكُ لإمرأة أخرى. فعضت شفتاها بندم لتجرئها إطالة النظر إليه و الإفتتان بوسامته الفائقة و رجولته الفائقة.
«هل لديكِ كلام بجعبتكِ؟»
سأل ساحبا إياها من أفكارها فقالت مخفضة بصرها:
«بالمناسبة...لقد إتصلت دارا اليوم»
«وصلنا»
ركن سيارته في المرآب ثم ترجّل أولا فلحقته و قالت بلهفة:
«و لكن ألا تريد أن تعلم ماذا قالت أو كيف حالها؟»
توقف فجأة ثم قال ببرود:
«لا يهمني»
واصل مشيه فالتزمت الصمت و سارت خلفه بوجه عابس حتى دلفا إلى المنزل معا.
«أهلا بكما»
رحّبت بهما مدبرة المنزل إثر فتحها الباب مرافقة إياهما إلى الداخل.
«أين الآنسة كيم؟»
سألت أون هي فأجابت السيدة لي بأدبٍ:
«في غرفة الجلوس، تلاعب سيهون»
أومأت برأسها سابقة سيونغ وون إلى غرفة الجلوس و الشوق يؤرجح قلبها لرؤية طفلها. دلفت فلاحظت وونيونغ جالسة على الأريكة و في حضنها الرضيع فابتسمت هامة بإلقاء التحية حالما رفعت الفتاة العشرينية رأسها مكتشفة أمر وصولها، و لكن راعها-إثر إقترابها-أن إكتشفت سهو الجليسة اللامسؤول عن سيهون الذي كان يحشر في فمه لعبة سيارة جِدّ صغيرة الحجم. هلعت المرأة و ركضت نحو الطفل و إستلت من فمه السيارة على مرأى من سيونغ وون الذي إنضم بالدخول إلى الغرفة لتوه، و أخذته في حضنها منتفضة الصدر بفزع.
«تعال إلي يا عزيز أمك»
عقدت أون هي حاجباها في ظل إرتباك وونيونغ التي نهضت من مكانها منتصبة معقودة اللسان فاغرة الفم فعلا صوتها في المكان ناهرة إياها:
«كيف تدعينه يضع شيئا بهذا الحجم في فمه؟ ماذا إن إبتلعها خطأ و إختنق؟!»
«أنا آسفة، بدا مستمتعا و لم أرى ضررا في ذلك!»
«لم تري ضررا!»
ردّدت بعدم تصديق ثم إستدركت:
«بل هذا إنعدام مسؤولية يا آنسة!»
تجمعت الدموع في عينيْ وونيونغ و طأطأت رأسها خجِلة إثر ملاحظتها إقتراب سيونغ وون منهما.
«هلا إنتبهتِ أكثر من فضلكِ؟»
صدح صوته بصرامة فاحمر وجهها و تجمعت الدموع في عينيها بسرعة. رمقته تحت رموشها ينقل إهتمامه إلى أون هي فشعرت بوخز في قلبها عندما أحاط كفيها مهدئا و مطمئنا إياها بحنان.
«لا تقلقي، كل شيء بخير»
ربّت على زندها ثم قبّل رأس سيهون و أضاف بهدوء محافظا على صرامته:
«وجودكِ هنا يدعوكِ إلى التحلي بأقصى قدر ممكن من المسؤولية يا آنسة، و لا أريد لشيء كهذا أن يتكرر»
فأجابت الفتاة منحنية عدة مرات:
«أعتذر من صميم قلبي، من فضلكما تغاضيا عن زلتي هذه المرة و أعدكما بأنني سأكون أكثر حرصا في المرة القادمة»
«كيف سأكون مطمئنة الآن عندما أذهب إلى العمل؟»
أشاحت أون هي بوجهها فقال سيونغ وون بنبرة رصينة:
«إهدئي صغيرتي، من الواضح أنها لم تقصد ذلك، جميعنا نخطئ و لهذا لنمنحها فرصة ثانية، ما رأيك؟ »
أومأت بالإيجاب بكل بساطة فدهشت وونيونغ من سلاسة علاقة الثنائي و إنتابتها الغيرة لمناداته لها «صغيرتي».
تنهدت أون هي مستعيدة هدوء أعصابها ثم أعادت الطفل إلى حضن الجليسة و مضت نحو المطبخ راكضة صائحة كالأطفال:
«ما هذه الرائحة الشهية؟ سيدة لي إنني أتضور جوعا ماذا طبختِ لنا؟»
إرتسمت إبتسامة عذبة على شفتيه و هو يتأمل ظرافتها و قابلية روحها العذبة على العفو و التسامح بقلبٍ مرفرف، فتجهم وجه وونيونغ التي كانت عيناها مركزتان على وجهه الملتفت في إتجاه أون هي التي أخذت في الإبتعاد و لما أحس بنظراتها الثاقبة إلتفت إليها مكتسيا الجدية فتوترت و إضطربت دقات قلبها. دسّ يداه في جيبيْ بنطاله و قال:
«سيهون ثمين بالنسبة إلى جميعنا و لهذا عليكِ تسخير كل حواسكِ من أجله، لن أتغاضى عن زلة ثانية. هل كلامي مفهوم؟»
عاد وجهها إلى الإحمرار و أومأت برأسها عدة مرات مجيبة بأدب:
«مفهوم»
راقبته و هو يمضي إلى غرفته صاعدا الدرج حتى كاد عنقها ينكسر و عضّت شفتها قائلة في نفسها:
«ياله من رجل فتّاك!»
إلتفتت أون هي الواقفة في الردهة مع السيدة لي متبادلتين أطراف الحديث باسمة الثغر فانتبهت إلى وضعية وونيونغ الهائمة فشدها ذلك، و لم يرقها تعبير الغرام على وجهها العشريني الصغير. شعرت المرأة بوخز في قلبها آنذاك موقظا إحساسا سيئا في داخلها و لكنها قررت عدم التسرع في إتخاذ حكم بحقها طالما أنها تلزم حدودها.
«يمكنكِ البدء في سكب الطعام سيدة لي»
ألقت بذلك الأمر بلباقة و سارت إلى غرفتها من أجل تغيير ثيابها.
⋆
⋆
⋆
⋆
جَنَّ الليل، فخفتت أضواء المنزل و دلف سيونغ وون إلى غرفة نومه الخاوية التي لم يعد يطيق التواجد بها فحدق بها بفؤاد غاضب متراجعا عن فكرة النوم فيها. لازالت تلك الكلمات العنيفة و الجارحة التي خاضاها معا حية في رأسه. و على الرغم من أنه أرسل إليها رسالة نصية و غيرها صوتية معبرا عن إعتذاره لها في حال جرح مشاعرها لهمه بتجاوزه إرادتها، لم يتلقّى جوابا واحدا رغم رؤيتها لرسائله التي إنقطع عن إرسالها بعد حفلة عيد ميلاد سيهون. لم يكن سيونغ وون يشعر بالراحة تجاه ذلك السرير البارد فتوجه إلى تطبيق روتين بشرته الليلي و توجه إلى مخدعه المفضل بقلب لامبالٍ.
كانت سجائره رفيقته العزيزة أثناء عزفه الحزين على البيانو و كان كأس الويسكي البارد خاصته القابع فوق هيكل الآلة الموسيقية السوداء الفخمة خير شاهد على براعة أنامله الرشيقة التي تغازل المفاتيح. توقف عن العزف فجأة عندما وقعت عيناه على الدمية الجنسية خاصته ملقاة على الأريكة فأدرك أن من الخطأ تناسيها هناك علنا، و خشي أن تدخل أون هي صدفة فتراها. أطفأ ما تبقى من السيجارة و تجرع فحوى كأسه دفعة واحدة ثم توجه إليها فأمسك بها متأملا إياها بإحباط.
«كيف إنتهى بكَ المطاف إلى هنا تشا سيونغ وون أيها المحسود من الجميع؟»
زاد ضيقه بتذكره ما دار بينه و بين أون هي البارحة على تلك الأريكة و جعله يلجأ إلى هذه اللعبة الجامدة عديمة النفع، و عديمة الحياة. و ما جعله يكره ذلك أكثر هو تذكره لتلك المشاعر الحامية التي إنتابته في وحدته المظلمة المضنية وسط الضوء الأخضر الذي يملأ الغرفة الآن، و لم تكن المرأة التي في عقله في تلك اللحظات الآثمة دارا، بل أون هي.
لم يسبق و أن تخيل إمرأة بخلاف زوجته من قبلُ و هو يفرغ شهوته في تلك الدمية التي لا تغني من جوع، كلما قابلته دارا بالجفاء، و لكن إيقاد أون هي له دون سابق إنذار كان مفاجئا بحيثُ لا يقاوم، حتى أن عقله لم يكن قادرا على ترجمة تلك المشاعر التي شبّت في روحه كالنار في الهشيم. أما إنتصابه مجددا اليوم فزاد مشاعره تعقيدا و جعل حيرته خانقة؛ فلمَ عساه يُستثار على يد براءتها و هو الذي جرت العادة أن تكون علاقته بها خالية من الخبث و الفساد. و في تلك اللحظة من الشرود، تبادر إلى ذهنه إفتراضا أن لكلام دونغ ووك دورا لفتح عينيه على تفاصيل لم يركز عليها من قبل لاإراديا فاستيقظ على صوت تلك الفكرة التي صدحت في رأسه. سرعان ما إحتشد حاجباه و هو يحدّق بالفراغ أمامه بنفور و صرامة فاركا جبينه رافضا ذلك الإفتراض و مدينا إياه بشدة فما يعلمه عن نفسه أنه ليس برجل عديم المبادئ سهل القياد حتى يتنكر لكل الطهارة التي تميزت بها علاقتهما السامية.
«يبدو أني مشوش و بدأتُ أخلط الأمور. يجب أن أسيطر على نفسي فهذا خاطئ كل الخطأ»
خبأ الدمية ثم إرتمى على الأريكة الوثيرة تناجي عيناه النوم من سقف الغرفة الملون بضوء «النيون» الأخضر. المبعثر لقلبه و مشاعره.
خطر إليه حوارهما مساء أمام المنزل عندما أخبرته عن إتصال دارا فوضع يده على صدره مدلكا إياه قائلا في نفسه بضيق:
«لماذا لم يؤثّر ذلك بي؟ لمَ لمْ يتحرّك قلبي كما يجدر به؟»
عضّ شفته السفلى بتفكير مواصلا الخوض في ذلك الحوار الدائر بينه و بين نفسه حيثُ أُقيمت محاكمة عَيّن فيها ضميره قاضيا.
«ما خطبي؟ لماذا لم أكترث لأمر دارا و أخبارها في حين لا تنفكّ هي تحرّك قلبي و تشد إهتمامي أكثر من اللزوم...لمَ تثير فيّ هذه الزوبعة؟»
تسارعت دقّاتُ قلبه بتذكره لشكلها اليوم في سيارته و الهواء يُطيّر شعرها و أحسّ باختناق طفيف يزور حلقه عندما إستحضر صورة ظهرها عاريا و تمسكها بما تبقى عالقا من القميص. صاح في نفسه جالدا ذاته:
«ما الذي كدتُ أرتكبه بحق الجحيم؟ ماذا لو نزعته عنها فعلا؟»
فغر فاهُ ملتقطا أنفاسه مغلقا جفناه بغلبة ثم أعاد فتحهما بسرعة عندما صدح صوتها في رأسه أثناء مقاومتها له.
«توقف!»
«لا أرتدي حمالة صدر!»
«لا تقم بالجذب أكثر من فضلك إنه ثابت بالكاد»
إرتفعت حرارة جسمه حرجا و غضبا من إصراره على خلع القميص في البداية ظنا منه أنها ترتدي حمالة صدر.
«كيف تخرجُ إلى الشارع دون حمالة صدر؟ كيف يمكن هذا؟!»
خلّل أصابعه في رأسه خجلا من نفسه حائرا و لكنه سارع إلى تجاهل الفكرة لئلا يركّز على تخيل ثدياها خلف الثياب دون حمّالة صدر، و فكّر بجدية بخصوص تصرفاته معيدا رسم حدودٍ متينة و واضحة في ذهنه.
تململ سيونغ وون على الأريكة هاذيا:
«يجب أن أراقب تصرفاتي جيدا و أكون أكثر حذرا من اليوم وصاعدا»
و بينما هو كذلك إهتز هاتفه في جيب بنطاله مصدرا نغمة قصيرة معلنة عن وروده رسالة نصية كانت مرسلتها أون هي فاعتدل في جلسته و قرأ ما كُتب بثغرٍ باسمٍ و قلبٍ راضٍ:
«أشعر بأنّ منسوب غضبي قد قلّ قليلا، ربما أسامحكَ في الغد. تصبح على خير»
نقرت أصابعه الطويلة الرشيقة على لوحة المفاتيح منتجة جملة قصيرة و أرسلها إليها كرد سريع ثم وضع الهاتف على الطاولة جانبا و عاد للإستلقاء على ظهره دون أن تبرح تفكيره.
«و كأنّها سمعت أفكاري فأتتني ركضا!»
تنهّد سيونغ وون بإعياء و همس تحت أنفاسه المرتجفة:
«حتى التفكير بها بات يغريني!»
⋆
⋆
⋆
⋆
«تصبحين على خير»
قرأت أون هي الجالسة فوق سريرها رسالة سيونغ وون فارتفعت شفتاها متمتمة بتذمر:
«هذا فقط!»
واصلت دهن ذراعاها بالمرطب محادثة نفسها:
«ياله من لئيم!»
وضعت علبة المرطب جانبا و تمددت على سريرها فاردة يداها و قدماها براحة و فكّرت محدّثة السقف:
«هل يمثل دور صعب الإرضاء الآن؟ أنا من يجدر بها أن تكون غاضبة بعد أن كاد أن يعريني بكل تعسُّفٍ هذا الصباح»
تورّد خدّاها و إرتفعت حرارة وجهها إثر تذكّرها لذلك فاستدارت على جنبها الأيمن ممسكة وجنتاها بكلتا كفّيها. كان قريبا جدا بشكل أضعف فؤادها، و صارما بشكل مثير، تلك حقيقة لم تستطع أون هي إنكارها رغم غضبها من فرضه رأيه عليها.
و بينما هي كذلك، داهمت الأصوات رأسها:
«هذا لا يجوز، سيونغ وون!»
أصابها فتحه سحاب تنورتها و همّه بخلعها بالهلع في تلك اللحظة، و كان تمسكها بها أمرا محرجا في ظلّ عزمه الصادم على خلعها. لم تكن قادرة على إستيعاب أنه جاد تماما في ما يقوله و ظلّت تنفي ذلك الإحتمال رغم أنّ تنورتها مفتوحة بالفعل أمام عيناها.
«توقفي عن هذا، ليس كما لو أنني لم أراكِ بملابس السباحة من قبل!»
«لطالما إستعرضتها أمامي عمدا كلما جمعتنا رحلات بحرية عائلية، و أعلم جيدا أنّكِ كنتِ تتحدّينني متخذة من زوجكِ درعا في ذلك الوقت»
إنتابها تأنيب الضمير لمّا أدركت إستباحتها سيطرته على يديها و كامل جسدها التي أثارت في داخلها عواطف فاجرة و أمنياتٍ مخجلة في قرارة نفسها. أمّا همسه المثير في أذنها فقد صبّ خمرا في روحها فأسكرها خلسةً.
تململت أون هي في السرير بخجل مفكرة:
«لقد كان يعلم جيدا بأنني كنتُ أتعمّد إغاظته و إثارة أعصابه بارتداء «البيكيني» بشتّى أنواعه الفاضحة التي يرفض!»
غطّت عيناها بكفيها و تساءلت في نفسها:
«كيف يمكنه قول ذلك في وجودي بمنتهى الصراحة دون مراعاتي؟»
لمعت فرضية في دماغها فجأة كمصباح مضيء فأخفضت يداها عن عينيها جاحظة.
«هل يُعقل أنه يعلم بأنني كنتُ مغرمة به في الماضي أيضا؟!»
...يتبع
بلغنا نهاية فصل جديد أعزائي.
فكرتُ في أنكم تستحقون فصلا طويلا لامحالة.
وصلنا إلى عشرةِ فصول حتى الآن، لا أصدق هذا! ووهوو🎉🎉🎉
+ . ✫ ˚ . ˚ ✧ · . ˚
شاكرة لكل من رجعلي الشغف و أولهم:
@Elizabith1996 و @Mmmmg4
يلي ما بطلوا يسألوا عني و عن الرواية و صنعوا أيامي و أسابيعي و الضحكة على وجهي بتعليقاتهم الجميلة. أحبكم. ❤️
+
. ✫ ˚ . ˚ ✧ · . ˚
بدأت الأحداث تتصاعد بعذوبة و الأكشن في الطريق هيييه/ >o< \
نمر الآن إلى فقرة الأسئلة:
ما رأيكم في:
موقف سيونغ وون من ملابس أون هي و ردة فعله؟
ما الذي يحدث مع مشاعر/ جسد سيونغ وون؟
موقف وونيونغ من علاقة سيونغ وون و أون هي ؟
موقف السيدة لي؟
موقف شين آه من الزواج؟
رد فعل سيونغ وون تجاه قلة مسؤولية وونيونغ تجاه الطفل؟
شو تتوقعوا تكون نوايا وونيونغ؟
دارا؟
دونغ ووك؟
هل يعلم سيونغ وون بمشاعر أون هي طوال هذا الوقت حسب رأيكم؟
شي حبيتوه في الفصل؟
✁- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
شكرا لوصولكم إلى هنا و على تعليقاتكم الجميلة بين الفقرات. شكرا لرأيكم و مروركم العطر، إنتظروني في فصل قادم و لا تنسوا التصويت لهذا الفصل.
كانت معكم محبتكم جيون | Jiyeon
و لا تنسوا أن يمكنكم متابعتي على حسابيّ الوحيدين على واتباد:
@HyoyeolQ
و
QueenJi61
➳➳➳➳➳┄┄※┄┄➳➳➳➳➳
-دمتم سالمين غانمين، دمتم في أمان الله-
➳➳➳➳➳┄┄※┄┄➳➳➳➳➳
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro