Chào các bạn! Vì nhiều lý do từ nay Truyen2U chính thức đổi tên là Truyen247.Pro. Mong các bạn tiếp tục ủng hộ truy cập tên miền mới này nhé! Mãi yêu... ♥

الفصل| الأخير

وراءَ كُلّ رجلٍ عظيمٍ امرأةٌ ثائِرة، فلولا الشَّمس لكانَ القَمر مُجرَّد نكِرة!

استَغرقتُ لأكتشِف أنِّي قد انحَللت بينَ كفَّيها أمدًا طويلًا، أنا الَّذي آمنتُ -عقِب خيبة- أنَّ الحُبَّ محضُ بِضاعةٍ مغشوشة، تبيعُها الدُّنيا في أسواقِها السَّوداء على أنَّه شِفاء، لا يقربُه إلَّا السُّفهاء، وكُلّ مَن استَباح زفَّ وقتِه إلى الفَناء، غايتُه الوحيدَة أن يصرِفنَا عن الرَّخاء بأغلالٍ مِن الأتراح، تتعلَّق بكواحلنا، كي لا نتقَدَّم قيدَ أنمُلةٍ نحوَ الفَلاح، وفي الصُّدورِ يثقُل محصولُنا مِن خيبات الأمل، فيودِي بِنا إلى الغَرقِ في شتاتِنا.

غفِلت أنَّ الهَوى داءٌ ودَواء، تصِفه الحَياة بعشوائيَّة كأنَّه الهَواء، اليَد الَّتي تغترِفه هِي ما يُحدِّد ماهيتَه. أحيانًا يشفي الجُروحَ المُستفحلة في الأنفُس، ويزرَعُ في الأفئِدة جُروحًا أُخرى، كأعراضٍ جانبيَّة له، ولكِن لا بأسَ ما دامَت قابِلةً للنِّسيان.

وها قَد أثبَت لي وجودُ امرأةٍ غانِيةٍ عالية الجَودَة، أنَّ وعودَ الحبِّ ليسَ كُلُّها فارِغة، كما خُيِّل لي، كانَت مِثل سفحٍ مَهجور، لأنَّ الجميعَ يتكالَبونَ على القِمَّة، رغمَ ما تُضمِره مِن وِحدة، تطلَّب مِنِّي الإمضاءُ لها على ملكيَّتي، والارتِشاف مِن مناهِلها بذاتِ الإخلاص الَّذي يجرِي فيها، أن أتنازَل عن كبري لمرَّة وحيدة، أن أنظُرَ لها مِن ذاتِ النَّافذة الَّتي اعتَكفت إزاءَها بانتِظاري، أن أبزُغَ لها مِثل فجرٍ وهَّاج وأنيرَ حجراتِها المدلهمَّة، وكما كانَت لي أصيصًا آوانِي بعدَما بُتِرت ساق ثِقتي مِن موطِنها، عاهَدتُ نفسِي أنِّي سأزهِر مِن أجلِها ثوابًا.

لستُ رجُلًا يُجيد غرزَ خرزات الكلمات في عقودٍ جذَّابةٍ تقرُّ لها القُلوب، رغمَ أنَّ تجميعَها سهلٌ بالنِّسبَة للبَعض، ذلِك لأنِّي مَجبولٌ على الصَّمت. عرَضت عليها الزَّواج بطريقةٍ غامِضَة، تُشبِه شَخصِيَّتي المُتسلّطة، علِمت أنَّ الرَّفض لا يمتلِك أيَّ جذورٍ له فيها، إذ أنَّ حُبِّي مُستحوذٌ عليها. بفضلِها صِرت مُستعدًّا لوأد جميعِ هواجِسي، وانتِهازِ الفُرصَة الَّتي أتَاحتها لي الحيَاة معَها، موقِنًا أنَّ أنصالَ الأذيَّة فيها نابيَة، حتَّى وإن شحَذها الزَّمن، ستحبِّذ طعنَ نفسِها على أن تمسَّني بسوء، بينَ أصقاعِها أمانٌ حيّ، لا مُجرَّد طيفٍ خادعٍ له.

زفَرت الشَّمسُ أوَّارًا حارِقًا، لشِدَّته كادَ يَذرُّ في الأبصارِ أوهامًا كالَّتي تتراءَى لها في البَيداء، غيرَ أنِّي احتَميتُ مِن مكائِد الصَّيفِ بالشَّاطِئ؛ حيثُ تألَّب فيه المَوجُ على إنعاشِ النَّسمات المُتهالِكَة، كان الرَّخاءُ يتَصاعَد مِن قدميَّ الحافِيتين، ثمَّ يتشعَّب في كامِل أنحاء جسدي، كُلَّما لدغهُما هشيمُ موجَة، ويتخلَّل أديمَ ساعِديَّ العارِي، مُذ أنِّي طويتُ أكمامَ قميصي النَّاصِع إلى مِرفقيّ، كي لا يبتلَّا.

عينايَ مُنبسِطتان على المِياهِ الرَّاكِدَة، تلمَع بتألُّق مِثل دُموعِ فرحَة، وتتجعَّد ما إن تعبُرها نسمَة، وفي خِضمِّ الماء سايا واقِفة، تُشاكِسُه بيديها، استَدعتني إلى عُقرِه مِرارًا، لكنِّي حبَّذت سُكونَ الضَّواحي، لا أفضِّل هذا النَّوعَ مِن المُتعَة.

شخَصتُ إلى آفاقٍ قصيَّة، لا أحدَ غيري قادرٌ على احتِلالِها وتبشيرِي بسبيلِ الإياب إلى الواقِع. فكَّرتُ بإمعانٍ في الخطوةِ الَّتي صمَّمتُ على طرحِها، فبعد بِضعةِ أيَّام، سنصيرُ زوجَين بشكلٍ رسميّ. لن نُقيمَ عُرسًا باذِخًا، بل سيقتَصرِ على كِلينا فحَسب، إضافةً إلى مينهيوك وجونميون اللَّذين يُؤيِّدان علاقَتنا، ما دُمنَا مُكلَّلين بالهَوى. لم أتردَّد ولو قليلًا في التَّضحيةِ بفخرِ والِدي بِي مِن أجلِها، لا أكترِث حتَّى وإن جافاني لِما تبقَّى مِن عُمرِه، رغمَ أنِّي أرجو أن يلينَ في ظرفٍ من الظُّروف، ويرضى بالقَرار الَّذي اتَّخذته.

بتَرت قطراتٌ مِن الماءِ المالِح، رشَّتها سايا على وجهِي بغتةً حبلَ أفكارِي، فامتَطى الاستِنكار حاجِبيّ دونَ أن أكدَّ في حجبِه.

«لا تتصرَّفي بطريقةٍ صِبيانيَّة».

ردَمت فجوتيّ خصريها بيديها مُحتجَّة.

«بيكهيون أنا أتحدَّث إليكَ مُنذ أمد، ما الَّذي أنتَ شاردٌ فيه؟»

باتَت أكثَر ارتِياحًا حولِي مُنذ فترة، لكنِّي أرى لها جانِبًا عابِثًا لا يَروقني، كأنَّها مراهقة في الثامنة عشَرة، لا امرأةً في السَّادسة والعشرين من العُمر، يُذكِّرني بزوجَتي السَّابقة، لقد ضِقت ذرعًا بالأطفال!

بدَل أن تعتذِر على إزعاجِها لي، ركَلت الماءَ فتناثَر عليَّ مِثل رذاذٍ مُنهمرٍ مِن السَّماء.

«ليسَ وكأنَّ الماءَ سيقتُلك».

تفاقَم احتقانُ الغيظِ بينَ حاجبيّ، فشاءا لو يلتهِمان الفَراغ بينهما.

«إن نهَضتُ مِن مكانِي فسوفَ تتوسَّلينني لأعودَ إلى سُباتِي الفِكريّ».

حينَما التَمسَت جِديَّتي في الاعتِراض عن الدَّعوة الَّتي بعثَها لي عبثُها معي، جدَّفت بساقيها العارِيتين خارِج ناصِيَة اليمّ، ثمَّ اضطَجعت على الرِّمال الجافَّة بِجوارِي، وآنست كَيانِي الَذي ألِف وجودَها على قيدِ شغفٍ مِنه.

«ما الَّذي يشغلُ بالَك؟»

أسنَدت مِرفقيَّ إلى رُكبتيّ، فتدلَّت يدايَ في الفَراغ حولَهما، مِثلما تدلَّى بالي في هاويةٍ مِن السَّهو، مُتشبِّعةٌ بصقيع الرَّهبَة.

«أتساءَل ما إذا كانَت علاقتُنا أفقًا، مهما أحدَقت بِه الحَياة فلن تصبوَه لتزرَع فيه الفِتنة، أم موجًا قابِلًا للتحطُّم، كغيرِها مِن العلاقات؟»

تحرَّرت مِن ضباب حيرَتي، حينَما أودَعت ذقنَها على كتِفي، وأسرَفت في النَّظر إليّ عن قُرب، هِي الَّتي لطالَما تهرَّبت مِن براثِن عينيّ.

«يتحطَّم الموج باستِمرارٍ عِندما يبلُغ الشَّاطئ، لكنَّه الهَشيمُ الوَحيد القابِل للإصلاح، إذ يُؤوب إلى لجَّة البَحر، ثمَّ يرتفِع مِن جديد بِلا نُدوب. مهما انكَسرنا وتفتَّتت أواصِرنا، ومهما غرِقنا في أعماقِ النَّوائِب، فسوفَ يبعثُنا الحبّ».

خِلت أنَّ تحديقي بِها سيُروِّع دواخِلها ويفتَح السُّبل أمامَ الخَجل، بُهِرت لأنَّها صمَدت فيَّ لوقتٍ طويل، دونَ أن يتلعثَم لِسانُها، أو يتلجلجَ بصرُها.

«لا تُسهِب في التَّفكير ولتعِش اللَّحظَة بتفانٍ، كي لا يلوك النَّدمُ شِغافَك إن لم تتكرَّر ثانِية».

بضجرٍ قُلت:

«نحنُ نقطُن كُثب الشَّاطِئ ساي».

خِلت أنِّي وأدتُ فُرصَها في لعِب دورِ فيلسوف العَصر، لكِنَّها تختزِن بجُعبتِها المزيد دائِمًا، لا تكِنُّ كُلَّما كانَت برفقَتي، كأنَّها تهابُ الصَّمت، وما مِن شأنِه أن يُتلِفه مِن آصِرتنا. نحَّت ذَقنها عن لوحِي، واستَعانَت بيديها لتَدعيمِ فِكرتِها.

«أقصِد أنَّ كُلَّ لحظةٍ مُتفرِّدة بذاتِها حتَّى وإن تكرَّرت، لن تتكرَّر بذاتِ الحُلَّة».

كبَّلت يدِي بأنامِلها النَّحيلَة، وهاجَرت الثَّرى فارتَفعت ذِراعِي معهَا بدوني. لطالَما نبَذتُ السُّخف مهما بلَغت غايتُه مِن النُّبل، حتَّى وإن ادِّعى صِياغَة ذكرياتٍ ذهبيَّة لا تَهون، تشفَع للسَّنوات المُنصرِمَة في كُلِّ زِيارةٍ إلى مقبرتِها، ولطالَما نبذتُ إراقَة الزَّمن فيما لا ينفَع أحدًا، بحُجَّة أنِّي راشدٌ مَحكومٌ بالالتِزامات فحَسب. الرَّاحَة الوحيدة الَّتي تُسوِّلها لي نفسِي، هِي كراءُ جناح اللَّيل لأجل غفوة، ولكِنَّها تُزيغُني عن استِقامَتي بيُسر!

في مَحجرِ التَّفكير تدفَّقت كومةٌ مِن الثَّواني، قبلَ أن أقرِّر تلبيَة دعوتِها إلى غمرةِ البَحر، مُتعرِّيًا مِن تروس الجِديَّة الثَّقيلَة. طغَى مَنسوبُ البَلل على حواف سِروالِي، تزامُنًا وتفاقَم عُمقِ القاعِ أسفَل أقدامِنا، وراحَت سايا ترشُقني بالماء، آملةً أن أبادِلها. كتَّفني البُرود لثوانٍ، فاللَّعب ليسَ مِن شِيمي، لم يسبِق لأحدٍ وأن شجَّ قوقَعتي الصَّلبَة، واشتقَّ الطِّفل الكامِن بداخِلها، لكِنِّي امتَثلت لَها في الأَخير، ونافستُها بضَراوَة.

هوَسي بالانتِصار، دفَعني إلى انتِهاجِ سُبلٍ مُلتويَة، حيثُ تشبَّثت بكتَفيها وعثَّرت قدَمها. لم أنتبِه إلى أنَّنا قد ابتَعدنا عن الشَّاطِئ كثيرًا، حتَّى كادَ مقلَبي السَّمِج يتحوَّل إلى مأساة. حينَما انتَشلتُها مِن الغَرق مُشدِّدًا وثاقِي حولَ بُنيتِها الضَّئيلَة، عقَدت ذِراعيها حولَ عُنقي وشهقت بقوَّة، أشكُّ في أنَّها ستَطلُب مِنِّي مُشارَكتها الشَّغب مرَّة أُخرى.

حَططت يدِي على وجهِها، وبسبَّابَتي أحدَقتُ بمعالِمها البارِزَة، الَّتي دكَّها الفَراغ بعينيّ، لعلِّي أُفلِح في رسمِ صورتِها الحقيقيَّة على صفحتي المُعتلَّة. وبينَما أنا غافِلٌ عن المُحيطِ مِن حَولي، مأسورٌ خلفَ قُضبانِ اللَّحظَة، انبَطَحت ناصِيتُها على ناصِيَتي، وعصَفت أنفاسُها الحارَّة بي.

«فلنَحصُل على طِفل».

أفحَمت الدَّهشة لِسانِي فما أدلَيتُ بأيِّ ردّ، لم أصِل بأفكاري إلى ذلِك العُمق القصيّ، رغمَ رغبَتي في الأُبوَّة، ربَّما لأنِّي خشيتُ الاصطِدام بذاتِ المُشكِلة الَّتي دمَّرت علاقَتي السَّابِقَة. نحنُ نقِف على قُربٍ خانِق، إلى دَرجةِ أنَّ زفيري يتحلَّل في مُحيَّاها الرَّطب. كاد الخَجل يقتَلعها مِن منبتِها، لولا أنِّي غرسَت إصبعيّ يدي اليُسرى السبَّابَة والإبهام في خدِّيها بخُشونة، وجرَفتُها إلى ثَغري.

تبِعتني قسرًا كأنَّها رشفات نهرٍ لا يُمكِنها مُعانَدة التيَّار القُحاف، كُلَّما ساقَها إلى مثواها الأخير. كانَت موجةً تحطَّمت على شاطِئي، وعزَفت إيقاعًا فاتِرًا مِثل أنين، اصطَخبَ حينَما أغَرتُ على رقبتِها العَذراء، أمضي على وثيقَة امتِلاكِي لها.

كانَ النَّهارُ يلفِظ أنوارَه الأخيرَة، مِثلما لفظنا وعيَنا، وتحشرجنا على قارِعَة الرَّغبَة، حيثُ لاذَ كُلٌّ مِنَّا بالآخر يختلِس مُؤنَه، حِفاظًا على روحِ لُثمةٍ لمَّت شَمل مُهجتينا ثانِيةً. سُرعان ما أبحَرنا على متنِ اللَّهفةِ إلى مُستقرِّنا الوَحيد، لنتدثَّر بجُدرانِه الَّتي لطالَما احتَضنت مواعيدَنا السَّريريَّة الطَّائِشَة، أمَّا الآن فهِي تشهَد باستِمرارٍ على وِصالَ كيانين مُشتقَّين مِن أحدِهما الآخر، كأنَّها أصلي وأنا أصلُها، كيانانِ كُتِب عليهما التعثُّر بأكثرِ مِن آهَة في نفقِ الدُّنيا بفُؤادَين مَثقوبين، بينَما يُنجِّمان عن الهَناء، سفَكهما الشُّعور بالنُّقص، وما أدركا بأنَّ الكَمال كامِنٌ في شخص... على الفِراش نحنُ نِصفَان يتآلفان، عقِب فُراقٍ أليم!

الحَياة مُستبدَّة، لا تُراعِي البُؤساءَ الَّذين لا يمتَلكون سقفًا يردِم بكواتِهم في اللَّيالي الآسيَة، ولا المَحرومين الَّذين قضوا أعمارَهم بجوفِ عمرانٍ عجوز، يُحاكِي أرواحَهم المُتهالِكَة، حينَما تُقرِّر أن تُلقِيَ ودَق الأتراحِ على الأفئِدَة.

كانَت سايا ذاتَ يومٍ مُجرَّد نكبَة، تمنَّيتُ لو أنِّي قادرٌ على لحدِها؛ إذ ظنَّت نفسَها داهيَة لتخدَعني ثمَّ تفرّ، لكنَّها صارَت لي نهضَة فكريَّة وجسديَّة، حرَّفت الكثيرَ مِن المُعتقدات الَّتي نصَّبتُها ركيزةً لحياتِي، وأبطَلت جميعَ مخاوِفي، وعلى صفَحاتِي الخَاوِية حبَرت هواها، آياتٍ تُغرينِي بالفِردوس لو مارَستُ شعائِرها كما ينبَغي، ألهَمتني لأخطَّ على أديمِها قصائَد قوافيها ياءُ ملكيَّة، تُقرُّ بأنَّها إحدى مُستعمراتي الكَونيَّة، وكيانًا آخر لي، يُواسيني.

هوَت عليَّ مِثل حجرةٍ قاسية، جَرحت ناصِيتي، فذَرفتُ تجاههَا حِقدًا قبيحًا. حينَما اختَلستُ نظرةً إلى الثَّرى، حيثُ توطَّنت، أدركتُ أنَّها محارةٌ صلبَة، تُؤوي بداخِلها لُؤلؤةً نفيسَة ابتاعَت لي الدُّنيا برُمَّتِها، هِي في فضائِي الأسوَد نجمَة مُتوهِّجَة.

ارتَحل عامان بصمت، كما لو أنَّ الزَّمَن يوضِّب أمتِعتَه أثناء انشِغالِنا بفَرائِض النَّهار، ثمَّ يُغادِر في عزِّ اللَّيل، بينَما نحنُ غافونَ على وسائِد مِن الإنهاك، نحصُد المُؤَن مِن أجلِ يومٍ آخر. مرَّت الأشهُر برشاقَة كالرِّيش، بالكادِ كانت تُحدِث وقعًا، كُلَّما زحَفت على غبراءِ الهَلاك، وأثبَتت لي أنَّ فسخَ مواثيقي معَ الحِداد على ماضٍ بائس، قرارٌ سويّ، لن أندَم عليه ما حييت...

عقدنا قِراننا في الكنيسَة فُرادى، حيثُ تلونا عهودًا جسيمَة عِندَ المَذبَح، فكُنَّا أهلًا للوَفاءِ بِها، وعقِب تِسعة أشهرٍ، أثمَرت علاقتُنا طِفلة، أطلقنا عليه اسمَ رين، لم أكُ أرى مِنها سِوى رأسَها المُقفِر، الَّذي سُرعان ما اكتَسى خصلاتٍ سوداءَ ناعمَة، وبُنيتَها الهشَّة.

ما تزالُ عائِلتي مُتعصِّبةً على رأيِها، لاسيَما والِدي الَّذي ما تقبَّل زواجِي بامرأةٍ أدنَى مِن مُستوايَ الاجتِماعيّ، يجهَل أنَّها تنحدِر مِن طبقةٍ عاطِفيَّة شاهقة، لا يُمكِن لأيٍّ مِنهم أن يُبصِر قمَّتها مِن سفحِه. ظلَّت أمِّي واقِفةً بصفِّه، إلى أن حطَّت عيناها على حفيدِها الأوَّل، يرتادُني كُلُّ ما يُراوِدها مِن جوى، لأنَّ زوجَها يحرِمُها مِن التودُّد إلينا، ما دُمت مُتمسِّكًا برأيي، وأعِي أنَّه نفسه يتوقُ لاستِضافَة رين في حُضنه، غيرَ أنَّه يُكابِر.

اصطَفينا لطِفلتِنا أقربَ غُرفةٍ مِن غُرفتِنا، حتَّى نُغيثَها على البَديهَة، ما إن تُجهِش بالبُكاء، رغمَ أنَّها فتاةٌ عاقلَة، ربَّما لأنَّها أوَّل رضيعةٍ تقعُ بينَ براثِني، ما أفتأ جاهِلًا بمعايير تقييمها مِن ناحِية النَّحيب، لكنَّها لا تُسرف في إزعاجِنا غالبًا.

ابتَعنا مُنذ فترةٍ كُرسيًّا خشبيًّا هزَّازًا، أخلدناه إلى السَّقيفَة الأماميَّة للمنزِل، في موقعٍ استراتيجيّ، يُخوِّلنا الهدهدَة على ابنتِنا، كُلَّما تكدَّر مزاجُها على صوتِ دندَنة المَوج. إليه رصصتُ جسَدي، آذنًا لأشعَّة الشمس الطَّاعنة في السنِّ بالرَّبت على كتِفي، ولنسيم الرَّبيعِ ببثِّ السَّكينَة في روحي. رين مُتقوقِعةٌ في حضني، مُتدثِّرةً بثيابٍ قُطنيَّة زهريَّة اللَّون، تُعانِق أديمَها الهشَّ بحُنوّ، بينَما سايا مُنهمِكةٌ في سقيِ مزروعاتِها على مسافةٍ مُعتبرةٍ مِن مضجعِنا. دنَوت مِن أذُنِ طِفلتي الَّتي ما انفكَّت تُناغي، وبصوتٍ خافِت همَست.

«أنظري إلى أمِّك، هِي امرأةٌ غريبَة حقًّا، لقد حوَّلت الحديقَة الأماميَّة إلى مَزرَعة، رغمَ أنَّنا أثرياء، ولسنا بحاجةٍ إلى محاصيلِها. أجدها لُغزًا مُحيِّرًا، ولكنِّي أرجو أن تتشبَّهي بها حينَما تكبرين».

تعاقَبت ضحكاتُها المُتقطِّعَة، كأنَّها فهِمت ما قُلته لها للتوِّ، فانسَكبت ابتِسامةٌ مُرهفةٌ على ثَغري، ما استمتُّ لطمسِها؛ رين هِي المِفتاحَ لقيودي، تُحرِّرني مِن غُروري، لأستَبيح التَّعبير عمَّا يعتريني بكلِّ حُريَّة. قبلَ أن أتناءَى عن رأسِها الصَّغيرة، طرَحتُ على قِمَّتها قُبلَة.

«فلتعذُري بابا لأنَّه لا يتمكَّن مِن رويتِك».

تعمَّدت استِخدام لفظةٍ مُختصرة، كي أفوزَ في الرِّهان الَّذي أبرمتُه معَ سايا. قيلَ لنا أنَّ الأطفالَ يميلون لأمَّهاتِهم، لذلِك تكونُ أوَّل كلمةٍ يُصيبونَ في نُطقِها هي ماما، غيرَ أنِّي تحدَّيتُها قائِلًا أنَّها ستُنادي عليَّ أوَّلًا. ينتَهي بي المَطاف دائِمًا عالِقًا في أفخاخ التَّفاهَة، تِلك المرأَة تُفقِدني افتِخاري بنفسي، وتُقشِّر جُذوعِي مِن لِحاء الهيبة!

ما كِدتُ أنحدِر في أفكارِي الخاصَّة، مُتناسِيًا رين الَّتي ما تزالُ تحتكِر حِجري، حتَّى أعادَتني ضوضاؤُها الظَّريفَة إلى وعيي.

«با».

عمَّت الدَّهشة جفنيّ.

«ما الَّذي قُلته؟»

أفسَدتُ وضعيَّتها المُريحَة، حَيثُ طوَّقت جنبيها بيديَّ، ورفَعتُها على قدَميها، لعلَّ النَّظر إليَّ يُعيلُها على إثباتِ ما سمِعتُه. أبَت تِكرارَ اللَّفظةِ المنشودَة، واكتَفت بالضَّحِك كأنَّها تسخَر مِن ردَّة فِعلي، هِي تُشبِه والِدتها تمامًا، تُخضِع حواسِي بفِتنتِها، ثمَّ تدَّعي الخَجل!

مرَّت سايا بجِواري، في طريقِها إلى المَطبخ مِن أجلِ الشُّروعِ في إعدادِ العَشاء، بِما أنَّ النَّهار يُحابِي أجلَه. ورغمَ قُصورِ ثِقَتي بانتِصارِي في رِهانِنا، ارتأيتُ أن أزعمَه أمامَها، وأشارِكَها ما اقتَطفته أُذناي، مُنذ قليل.

«لقد قالَت با».

تريَّثت عن السَّير على مَقربةٍ مِن الكُرسيِّ الخَشبيِّ الَّذي أسكنُه برفقةِ رين، وخنَقت خَصريها بيديها، مُعربةً عن استِنكارِها.

«أنتَ تَهذي، هي ما تزالُ صغيرةً على النُّطق».

على صِراطِ الانفِعال المَختوم بعلاماتِ استِفهامٍ جرَت كلِماتِي.

«وكيفَ يُمكِنك الجَزم بأنَّها صغيرة على النُّطق؟ هل رعرعتِ طِفلًا مِن قبل؟»

قاطَع جِدالنا السَّخيفَ في عُنفوانِه، رنينُ الهاتِف الأرضيِّ الوارِد مِن غُرفةِ الجُلوس، فتطوَّعت سايا لتلبِيَة نِدائِه، بُغيَة التملُّص مِن نَظراتِي الحادَّة، صارَت بحاجةٍ إلى قرصةِ أذن، تذكِّرها بأنِّي ما أزال الكولونيل بيون، والكَذب ليسَ مِن خِصالِي حتمًا. ما استَطعت تخمينَ هويَّة المُتَّصل، كِلانا مُنغلق، وقائِمة معارِفنا شِبه ناضِبَة، ربَّما تَكون إحدى زميلاتِها في المَعهد. آبَت زوجَتي عقِبَ دقائِق مَعدودَة، واتَّكأت إلى عضُدِ البابِ بشيءٍ مِن الإحباط.

«والِدُك على الهاتِف».

ملأت نظَراتي الفارِغَة بمرأَى الغُروب، مُتسائِلًا عمَّا دفَع والِدي إلى الاتِّصالِ بمَنزلي، هُو الَّذي كادَ يتبرَّأ مِنِّي لأنَّ امرأتِي ما راقَت لذَوقِه الرَّفيع. سُرعان ما استَقمت، وسلَّمتُها الصَّغيرَة بحذر، ثُمَّ اتَّجهتُ إلى غُرفةِ الجُلوسِ مُكرهًا. لا أرغَب في مُحاورتِه؛ فمِن المُرجَّح أنَّه سيُفسِد البَهجة الَّتي ضخَّتها فيَّ رين مُنذ لحظات. ارتَشفت شهيقًا غفيرًا، قبلَ أن ألقف سمَّاعَة الهاتِف، مُتخطِّيًا جميعَ الآداب الَّتي تلقَّنتُها؛ لستُ بارِعًا في ترويضِ غيظي.

«ما الَّذي تُريدُه».

غمغمَ يكبت صيحاتِه كي لا تُتلِف صورَته الحكيمَة، وأوشَك السُّخطُ المُنبعِث مِن كلِماتِه، أن يُشعل حريقًا في مَوجاتِ الأثير.

«كيفَ تجرؤ على مُحادَثتي بمِثل هذِه الفَظاظة؟ هل أنسَتك تِلك الخادِمة الوَضيعَة فُنونَ اللَّباقَة؟»

رطَّبتُ زاوِيَة فمِي بلِسانِي، مُحاوِلًا احتِواءَ الفوضى الَّتي اندَلعت بداخِلي، لوما كانَ والِدي، لحطَّمتُ وجهَه لأنَّه تطاوَل على سيرةِ زوجَتي!

«إن اتَّصلت لإهانتِها فسوفَ أغلِق الخطّ».

عقِب حصَّةٍ مِن اللَّفِّ والدَّوران، دخَل في صلبِ المَوضوع.

«والِدتُك تُريد أن ترَى حفيدَتها، ما تفعلُه انتِهاك بحقِّنا».

أمتُّ ضِحكةً ساخِرةً همَّت بعُبورِ فمِي إلى مسامِعه، والتَزمتُ الصَّمت ريثَما أفرز ألفاظِي، حتَّى تخدِم الفِكرة الَّتي شِئت أن أوصِلها بإخلاص.

«فلتَنسيا أنَّ لكُما حفيدَة. ما دُمتُما مُصرَّين على النَّظر باحتِقارٍ إلى والدتِها، لن يطأ أيٌّ مِنَّا عتبةَ المَنزل».

لا يُضحِّي الوَطن مِن أجلِ آلِه باسمِ الحُبّ، مهما نَزفوا في سبيلِه، ولا يُعفيهِم مِن الاستِشهادِ في سبيلِه، رغمَ أنَّه لن يُكافِئهم، وبكُلِ أنانيَّة يحصُد مِن دونِ أن يزرَع مِثقال ذرَّة مِن العاطفة. كُنت لها وطنًا مِن رُفاتٍ وصَمت، ما وهبَها إلَّا مسكنًا بالِيًا مِن حِجارَة الرَّغبَة، يوشِك سقفُه أن يتداعَى على فُؤادِها، ويردمه تحتَ أنقاضِ الفُراق، ليُميتَ ما تبقَّى مِن وجدانِها.

كُنت مِثل الرُّقعةِ الخرساء الَّتي يعبُدها الجَميع، رغمَ أنَّها لا تستحقّ. لحُسن الحظِّ استَفقت قبلَ فواتِ الأوان، أشعَلت شُموعَ روحِي مِن أجلِها، مُتحدِّيًا خَوفي مِن الذَّوبان، وأمَطت الظَّلام عن طريقِها. هِي البوصلة الَّتي هدَتني إلى مَدفن ذاتِي بدواخِلي الصَّحراويَّة، في ليلِي الطَّاغي، والقارَّة المُتواريَة خلفَ ضبابِ الإهمال، أجواؤُها لا تعرِف سعيرًا ولا زمهريرًا.

-

إغرائيٌّ هُو كسِياسيّ، وهمجيٌّ كعسكريّ، يُمارِس الاحتِيال، ثُمَّ الاحتِلال!

هُو الرَّجُل الَّذي ما أنفَق أيَّ فِلسٍ مِن الجُهد، ليكسَب فُؤادِي، ويُطوِّع خفقاتِي حدَّ أن تميعَ في قالب حُبِّه المُجحِف. لطالَما تاقَت نَظراتِي للاستِلقاء على مُحيَّاه، والاستِظلالِ مِن قيظِ الكون، بفروعِ أهدابِه الَّتي تميلُ كُلَّما أطرف. وما استَهلكَ رصاصةً وحيدةً مِن ذخيرتِه، ليُرديني طريحَة مُقلتيه العسَليَّتين، بكُلِّ ظَمأ أنشُد مِن أجبَّة كفَّيه ترياقًا، ولا أزال معطوبةً على قارِعَة الكَلف، في عشيَّةٍ صيفيَّة مسعورَة، ألهَث رغبةً بِالبَقاء إلى جانِبه حتَّى الأبَد، كما لو أنَّه الهَواء الَّذي أتنفَّسه، وبدونِه تتلوَّث جوارِحي بغازِ الجَوى الفتَّاك.

كانَ سقمًا أصابَني، فضخَّ الاكتِئابَ في كيانِي. قطَعتُ شوطًا طويلًا وأنا أنحَدر مِن جِبال الألَم دونَما رويَّة، لو اجتَمعت آهاتِي لخطَّت رواية مأساويَّة، تدمى لها الأفئِدَة حسرة. ما دَريتُ عن الأهوالِ الَّتي تتربَّص بي على السَّفح، كُلَّما حاوَلت تجسيدَ لحظةَ التحطُّم الأخيرة، باءَت عينايَ بظلامِ الوَجل، وها هُو ذا يتلقَّفُني، كما تتلقَّف البِرك أوراقَ الخريف المُتساقِطَة، تأبى أن تأذَن للرِّياح بنسفِها بعيدًا عن أحضانِها.

ما تزالُ عائِلته عائِقًا بينَ سعادتِنا وبينَ الاكتِمال؛ بالرَّغم مِن أنَّه يتَظاهر باللَّامُبالاة كالعادَة، إلَّا أنَّه في صميمِه يرجو أن يُرحِّب بي والداه، ويختتما حِقبة القطيعَة الَّتي طالَت كثيرًا. تبرعُم ابنتِنا رين في الدُّنيا، هوَّن الغِلَّ المُعمّر في فُؤاديهما تِجاهي، لأنِّي نكرةٌ مُقارنة بالكولونيل، ولأنِّي امرأةٌ مُطلَّقة، لن يتحمَّلا تبِعات انفِجار هذِه الحقيقَة في المُجتَمع الرَّاقي، ومِن أجلِها قدَّما لنا دعوةً لحُضور حفلِ تنصيبِ السيِّد بيون مُحافِظًا لمدينة سول.

تمنَّيتُ مِن أعماقِ قلبي أن تكونَ بِشارَة خير، معَ أنَّ ذاتِي السَّوداء أقنعَتني بأنَّ وجودِي هُناك ليسَ سوى نذيرًا للشُّؤم، ماذا لو أحرَجته بطَريقَة كلامِي الَّتي تنمُّ عن أصولِي الوضيعَة؟ وماذا لو اقتَرفتُ خطأً ما أمامَ الجَميع وأفسَدت السَّهرة؟

بعدَ حيرةٍ مُطنبة، انتقيتُ من الخِزانَة فُستانًا أسوَد، طويلَ القَوام، جانِبه الأيمَن مشقوقٌ حدَّ الرُّكبَة، يتبرَّع للعَيانِ بلمحةٍ عن ساقِي، ما احتجَّ بيكهيون ضدَّه مُذ أنَّه مُحتَشم، نسَّقتُ معه حِذاءً فِضيًّا عالِي الكَعب. ترَكتُ شعري البُندقيّ، مُنسدِلًا بحريَّة، ثُمَّ مَثلت أمامَ المِرآة المُلحَقة بمِنضدة الزِّينَة أتبرَّج؛ طوَّقتُ حُدودَ جفنيَّ الَّتي غشِيَت أعاليها ظِلالٌ داِكنَة بالكُحل، ومهَّدت شفتيَّ بأحمرِ شِفاهٍ قانٍ، ليتَ زوجِي قادِرٌ على رُؤيتِه. راوَدتني الكثير مِن المَخاوِف، قمَعتها قُبلاته الآثِمة الَّتي انتَهكت رقَبتي، بينَما يُلبِسني عِقدًا مِن اللُّؤلؤ، اقتَناه مِن أجلي حديثًا.

«لا تتوتَّري، ليسَ بالضَّرورة أن تروقي للجَميع، يكفِي أنَّك تروقينني.»

هامَ فُؤادي بانعِكاسَه المثاليَّ المُرتسِم على المِرآة قُبالَتنا، بذلَته الكلاسيكيَّة مُتناغِمة معَ ملابِسي، تُعانِق بُنيتَه الرُّجوليَّة بحميميَّة. ما كانَ التَّوقيتُ مُناسِبًا للتغزُّل بهيئتِه المهيبَة، فلا يفصِل بيني وبينَ المُواجَهة سِوى ساعاتٌ مُربِكَة.

«لا يُمكِنني السَّيطرة على أعصابِي، أخشى أن أفسِد لمَّ شملِك بأهلِك بعدَ عداوَة مديدَة».

«ما تزالُ الحَياة طويلة، قد يُصلِح بيننا الزَّمن إن طعَن في السنِّ وحصُف».

نظَرت إليه مِن فوقِ كتِفيّ بأسى.

«ولكِن الاستِعجالَ في مُداراة الجروح أهونُ مِن تضييعِ الوقت على العِناد».

بيكهيون لا يُجيد المُواساة، لكنَّ عيناه تربِتان عليَّ بحُنوٍّ، رغمَ أنَّه لا يَرانِي. انتَشلت رين الَّتي سبَق وأن ألبَستُها فُستانًا شتويٍّا ذهبيِّ اللَّون مِن مهدِها، وتشبَّثت بِها. ما دُمت أتنشَّق أريجَها الزكيّ، المُختلِط بعبقِ والِدها الرُّجوليّ، فلن تُمزِّقني أنياب الهَواجِس. داهَمنا الظَّلام عقِب شطرٍ مِن المَسافَة، فقضينا الشَّطر الآخر مِنها مُعتمِدين على أضواءِ السيَّارَة السَّاطِعَة. سُرعان ما ارتَكنَّت خلفَ طابورٍ مِن أشباهِها، بيَّن لنا أنَّ مقرَّ الاحتِفال مُزدَحِم بالفِعل، وبما أنَّنا آخر الوافِدين، سنستحوذ على انتِباه الجَميع، الحَياة تُحقِّق أبشَع مخاوِفي!

فتَح زوجِي الباب لي بنُبل، مُذ أنَّ ذِراعيَّ محجوزَتين مِن قبل رين الغافِية باطمِئنان؛ أحسُدها لأنَّها مُعفاةٌ مِن القَلق حِيال تقييمِ الملأ لها. خزَّنتُ في رئتيَّ شهيقًا عميقًا، ثُمَّ أطلَقت سَراحَ إحدى قدميَّ على الأرضيَّة بحَذر؛ فالفُستان طويل، وأيُّ هفوَة قد تقودُني إلى السُّقوط. بسَط بيكهيون كفَّه على ظَهري، بينَما نتَّجِه نحوَ المَبنى الفاخِر، بفضلِه تبدَّدت بعضُ الغَمامات الرَّماديَّة في صَدري، وانبَعث نورُه مِن بينَ تصدُّعاتِها، أحبُّ كيفَ يُحيطُني باهتِمامِه حيثُما حللنا، ولا يدَّخِر حُبَّه، أو يتَظاهَر بأنِّي امرأةٌ لا تعنيه؛ هذا الجانِب مِنه هُو ما جَعلني أنتقِد سومين، لأنَّها استَباحَت مُقايضَته بالتَّسليَة، وضرَبت بحبِّه عرضَ الحائِط.

عِند تجويفِ المَدخل المُؤدِّي إلى البَهوِ الَّذي نُمِّق بإتقان، ليليقَ بعَظمَة المُناسَبة المُقامة فيه، كانَ والِداه واقِفين بثبات، يستَقبلان المدعوِّين، وربَّما ينتظِران وصولَنا تحديدًا. في غُضونِ ثوانٍ، غيَّر السيِّد بيون قِناعه ثلاثَ مرَّات، حيثُ واجَه ابنَه بسحنةٍ فارِغَة، انتَزعها على أعتابِ مُحيَّاي، فبانَ الحِقد مكانَها، ثُمَّ لانَ قليلًا عِندما حطَّ بصرُه على الصَّغيرَة رين أخيرًا. أمَّا زوجتُه فحافَظت على ذاتِ البَسمة المحبوكَة بعِنايَة لغرضِ التملُّق.

«لا أصدِّق أنَّكُما أتيتُما أخيرًا، تسرُّني رؤيتُكما».

انجَذَبت السيِّدَة بيون ناحِيتي مُشبعةً بالحيَويَّة، صبَّت اهتِمامَها على الجَميلة النَّائِمة بسَلام، وتلمَّست وجنَتها برِفق.

«حفيدَتي رين صارَت ممتلئة مِثل الدِّببة، لقد كبرت كثيرًا!»

كتَمت حَماتي حقدَها عليّ، مُعلنةً استِعدادَها لفتحِ صفحةٍ جديدَة، لكنَّ زوجَها ما تردَّد في المُجاهَرة بِه، مُكفهِرَّ المَلامِح.

«كيفَ لك أن تمنَع والِديك مِن رؤيةِ حفيدتِهما دونَ مُراعاة مِن أجلِ امرأة؟»

بشموخٍ تلقَّى بيكهيون غارَته.

«حقُّكما في رؤيةِ رين ستُحدِّده طريقة مِعاملتكما لزوجتي، إن خَدش أحدُكما مشاعِرها ولو خدشًا وحيدًا، فلن تروا وجوهنا في الجِوار».

حينَما تبطَّن الجوُّ بينَ الرَّجلين بالطَّاقَة السَّلبيَّة، تدخَّلت والِدتُه لتَرطيبِه، ليسَ لشيءٍ سِوى لحِماية فُرصتِها في أداء دورِها كجدَّة.

«لا تقلق يا عزيزي، بِما أنَّك اختَرتها لتُشارِكك حياتَك، فمَن نحنُ لنعترِض؟»

ما لبِثَت وأن التَفتت إليَّ مُفترَّة الثَّغر.

«هل يُمكِنني حملُها؟»

شلَّت الصَّدمَة حواسِي لبُرهَة، وما إن تفطَّنت إلى ذِراعيها اللَّتين لا تزالان مَمدودَتين نحوِي، حتَّى هرَعتُ أناوِلها الطِّفلة، خِشيَة أن تُغيِّر رأيَها. أعتقتُ ما تراكَم بداخِلي مِن رُفاتِ مُهجَتي في زفرة طويلة؛ بالدَّقائِق المُنصرِمة مُتُّ وحييت ألفَ مرَّة، لم أعتقِد أنَّ الاصطِدامَ الأوَّل سيمرُّ مِن دونِ خسائِر، عدا نظرات السيِّد بيون الَّتي ما أخفَقت في إصابة قلبي بالذُّعر، رغمَ أنَّه ما نبَس ببنتِ شفَة، ربَّما رضِي بالأمرِ الواقِع حقًّا. أشَحتُ بصَري جانِبًا، فتعثَّرت بالمَقصورَة الَّتي اعتَدت أن أقطُنَها مع جينوو، ما تصوَّرتُ يومًا أنَّ حُبِّي للكولونيل سيُبارح خَيالِي، ويبنِي على ثَرى الحقيقَة حضارةً راسِخة، عقِب ثورةٍ مريرَة.

انسَللنا إلى عُقرِ الصَّالَة بذِراعين مُتشابِكتين، وسَط حُفنةٍ مِن الوجوهِ الغَريبَة، والأبدانِ الَّتي تُعاقِر ثيابًا فاخِرة، لا تقلُّ ثِيابي شأنًا عنها، بفضلِ ثروة بيكهيون، وحبِّه للتَّباهِي بِها. توقَّفتُ عن مُقارَنة نفسِي بغيري، بِما أنِّي أضاهِي الجميعَ هُنا، وما خلَق النُّقص في نفسِي أيَّ دوامة، قد تبتلِع استِمتاعِي بلحظاتِي. استأجَرت العائِلة جوقةً موسيقيَّة، انزَوت في الرُّكن الشَّرقيِّ للقاعَة، بعدَ التَّدقيقِ أدركَت أنّ مينهيوك هو مَن يقودُها بكُلِّ براعةٍ، مُلوِّحًا بعصَا المايسترو. في الرُّكنِ الغربيّ توطَّنت مائِدةٌ مُفعمةٌ بالمُقبِّلات، بينَما الخَدم يجوبونَ الأرجاءَ لتلبِية طلبات الضُّيوف بكلِّ سرور.

تفشَّت الهَمساتُ المُرتبطةُ بي، ولحُسنِ حظِّي كانَ كُلُّ ما تدفَّق مِنها في أذنيَّ عِبارةً عن مدائِح إيجابيَّة؛ لم يُحقِّر أيُّهم مِن هيئَتي. حينَما مرَرنا بجِوار النَّادِل، التَقط بيكهيون مِن صينيَّتِه الفضيَّة كأسَ شمبانيا قدَّمه لي، ثمَّ التَقط آخر احتَفظ بِه. علِمتُ مُنذ البِدايَة أنَّ اهتِمامَ الجميع سيُسلَّط علينا، وما مَضى وقتٌ طويلٌ على رُسوِّنا كُثبَ إحدى الطَّاوِلات الباسِقَة، حتَّى استَعمر خلوتَنا ثلاثُ رِجال يكتَسونَ بذلاتٍ سَوداء كالأغلبيَّة هُنا، يبدونَ أصغَر عُمرًا مِن زوجي. أدوا نُسكَ الشَّكليّات باحتِرافيَّة مُرّحبينَ بِنا، قبلَ أن تفيضَ نظراتُ أحدِهم عليّ.

«لم تُعرِّفنا على زوجتِك حضرَة الكولونيل».

رجَوتُ ألَّا يُرغمني أيُّ غريبٍ على استِلالِ صوتِي طوالَ السَّهرة، لانعِدام ثِقتي بلهجَتي. استَعاذَت عدستاي بزوجِي، آملةً أن يتولَّى مسؤوليَّة الإجابَة عليه كما يحلو له، فأومأَ برأسِه يُعطِيني الإشارَة للتكلُّم. ما امتَلكتُ القُدرةَ على الاعتِراض، لذلِك دحرَجت نَظراتِي بينَهم على مضضٍ، وبربكةٍ عرَّفت عن نَفسي.

«بيون سايا».

«هنيئًا لكُما».

أوشَك الشَّابُّ طويلُ القامَة أن يغترِف يدِي كرجلٍ نبيل، غيرَ أنَّ بيكهيون أوشَح كتِفيَّ ذِراعَه، مُوضِّحًا للذُّكورِ قُبالَتنا الحُدود الَّتي يُحرَّم عليهم تجاوُزها. اقتَصرت أحاديثُهم فيها بَعد على العَمل، إلى أن زاغَ لِسان أقصَرهم عن سكَّتِه.

«تدورُ عنكَ بعضُ الشَّائِعات السَخيفَة في الوَسط، بعدَ طلاقِك مِن ابنةِ السيِّد بارك».

أيَّده صديقاه بحماسةٍ كما لو أنَّهُما انتَظرا هذِه اللَّحظَة بفارِغ الصَّبر. تصنَّع ثلاثَتهم التردُّد لوهلة، قبلَ أن يُبادِر صاحِب المَلامِح الحادَّة الَّذي يتوسَّط الاثنين الآخرين بالبَوح، كانَت طليعتُه مبطَّنةً بالخُبث، لابدَّ وأنَّ بيكهيون قد غفِل عنه.

«يقول البَعض أنَّك تُعانِي من مرضٍ يمنَعُك مِن تمييز الوُجوه!»

استَفحل الذُّعر في صدري، وتخبَّطتُ بينَ جُدرانِ خُلدِي، أحاوِل التَّفتيشَ عن حلٍّ يقيهِ مِن التورُّط في فضيحةٍ قد تُعدِم مسيرتَه العسكريَّة. قبلَ أن أتمكَّن مِن انتِخابِ ردٍّ يجيرُه مِن هذا المَوقِف، داسَت نظراتُه وجوهَهم الواحِد تِلوى الآخر.

«سان، وويونغ، سونغهوا».

تعجَّب الثَّلاثَة مِن ذِكره لأسمائِهم بشكلٍ صائِب، ودونَ أدنَى أثرٍ للهَلع. علَّته غيرُ شائِعة، لذلِك مِن الصَّعبِ تصديقُها، وإلَّا لقابَل الكثيرَ مِن العقبات لاسيمَا في وظيفتِه. سومين شخصيَّة ثرثارة، لا يُمكِنها كتمان السرِّ لفترةٍ طويلَة، كما أنَّها تُكنُّ له الضَّغينَة؛ المرأة الحَقودَة سِلاحٌ فتَّاك، مشحونٌ بأوزارٍ ثقيلَة، لا يُمكِن لأحدٍ أن يتنبَّأ مَتى ستنتأ!

قضينَا قِسطًا مِن السَّهرة ونحنُ نرقُص بشاعِريَّة، في خضمِّ كومةٍ مِن الثُّنائيَّات، ما استَطاعوا مُقاوَمة نغمات الجاز الإغرائيَّة الَّتي عزفتها الجَوقَة. لطالَما تساءَلت عن المَشاعِر الَّتي تختلِج أنجالَ الطَّبقة المُخمليَّة حينَما يحضرون الحفلات الرَّاقيَة، الآن وقد تذوَّقتُها، فليسَت طيِّبةً كما تخيَّلتُها. اضطرَّ بيكهيون إلى تَركِي بمُفرَدي، حتَّى يُشارِك أباه وحفنةً مِن الرِّجال حديثًا مهنيًّا، ربَّما هذِه المُناسَبات لا تُعقَد للمُتعَة، بل لتوطيدِ العلاقات الاجتِماعيَّة، فالجَميعُ هنا يتطارحون تفاصيلَ جادَّة، وينتعِلون بسماتٍ زائِفَة.

ارتَشفت شَرابي باقتِصاديَّة، خِشيَة أن أثمَل وأخرِّب الانطِباع الَّذي رسَمته في أذهانِ الضُّيوف، بينَما أترقَّب عودَة بيكهيون، في غِيابِه أصير فريسةً سائِغةً للتوتُّر. صَرفت انتِباهِي عن النَّظرات الَّتي انهالَت عليَّ مِن كُلِّ حدبٍ وصَوب، وحبَّذت الانزِلاق في أفكارِي الخاصَّة، غيرَ أنَّ صوتًا أنثويًّا اندَلق مِن أمامِي، محمَّلًا بكمٍّ غفيرٍ مِن الغِلّ.

«صديقَة طفولَتي الخائِنة هُنا بصفتِها زوجةً لزوجي السَّابِق، يا لسُخرية القَدر!»

بعفويَّة تطايرَ رذاذُ عينيَّ على ملامِحها الحَسناء الَّتي صدَّعها الغَيظ، كانَت ترتَدي فُستانًا أحمرَ اللَّون، وشعرُها الطَّويل مُتشابكٌ بأناقةٍ على قفا عُنقِها.

«لهذا تُحذِّر جميعُ النِّساء مِن الخادِمات اللَّائِي لا يُدرِكن مكانتهنّ».

اختلَّ اتِّزانُ ثغرِها المُزيَّن بطبقةٍ مِن أحمرِ الشِّفاه، حيثُ أعتَق زفرةً هازِئَة.

«ليسَ ذنبِك بمُفردِك؛ فأنا الَّتي صمَّمت لكِ أجنِحَة بودِّي، لم أتوقَّع يومًا أنَّك ستَطعنين ظَهري، حتَّى أنِّي كُنت أشكوهُ لكِ طلبًا للمُساعدة!»

عصَرتُ ساقَ الكأس بقُوَّة، إذ نخرَ الألَم صدري، ليسَ لأنِّي استَبحت التَّضحيَة بصديقَة طُفولتَي في سبيلِ الحبّ، بل لأنِّي اعتَزلت الشُّعورَ بالنَّدم مُنذ أمد. أعي أنَّ أيَّ عذرٍ قد يُطلِقه لِسانِي سيبدو واهِيًا أمامَ بلاغَة ما صنَعته يدَاي، لكنَّ الصَّمت أحرَقني، فتجرَّأتُ على اقتِحام ساحتِها الَّتي احتَدمت معمعتُها.

«لقد أحببُته قبلَ أن أعلَم أنَّك زوجتُه، وما استَطعتُ التحكُّم في عواطِفي».

مالَت بجِذعِها إليّ، وفحَّت سمومَها في وَجهي بتلكُّؤ.

«تعلَمين كَم أهوى شدَّ الشَّعر، لكِنِّي لن أشوِّه سُمعَتي لمُحاسَبة عاهرةٍ مِثلك، أرجو أن تنتقِم لي الحياة مِنك، وألَّا تُسعَدي معَه أبدًا».

غرَبَت عن سمائِي، ما إن أهلَّ الكولونيل مُغتاظًا مِن وجودِها في هذِه الحَفلة، لأنَّه ما قطَع جذورَ المَصلحَة بينَ عائِلته وعائِلتها. لن تتخلَّف عن أيِّ مُناسبةٍ رسميَّة مِن الآن فصاعدًا، ليسَ لشيءٍ سِوى لتذكِّرني بالذَّنب الَّذي اقتَرفتُه بحقِّها ذاتَ يوم. لم يكُن الرَّجل الموثَّق لي بخاتمٍ قطُّ سعادَتها، مِن غيرِ المُنصِف بحقِّ نفسي، أن أتَّهِمها بتشييدِ سعادتِها على سعادَة امرأةٍ أخرى، رغمَ أنَّ ذلِك لن يمحُوَ انصِياعِي لوساوِس الهَوى!

أخبَرني بيكهيون أنَّه سيتحدَّث إلى أحدِ إطاراتِ الجيش، وحينَما بعَثت بنظراتِي بحثًا عنه، ما عثَرت عليه في أيِّ ركنٍ مِن القاعَة. تغلغل الارتِباك في عُروقي، بسببِ طلقاتِ العَيان الصَّريحَة، أوليسَ التَّحديق عيبًا؟ ما تمكَّنت مِن الاصطِبار، ريثَما يعودُ أدراجَه إليّ ويُدرِّعني بهيبتِه الطَّاغِيَة، فانتَهجت دربَ الرَّحيل، رغمَ أنِّي جاهلةٌ عن وجهَتي.

اقتادَتني قَدماي إلى الحديقَة الأماميَّة، في كبِدها تُقيم طاولةٌ بيضاء، تحجبُها مظلَّة واسِعَة عن الفَضاء، كثيرًا ما اجتَمعنا تحتَها ببراءَة، هُناك حيثُ وجَدته غارِقًا في حضنِ سحابةٍ رماديَّة، انبَعثت مِن السِّيجارَة الَّتي كان يدخِّنها بشَغف. زوَّرت الارتِياحَ على مُحيَّاي إلى استِياء، قبلَ أن أقتحِم خلوتَه.

«لا أصدِّق أنَّك تخلَّيتَ عنِّي مِن أجلِ سيجارة!»

نفَث دُفعةً مِن الدُّخانِ خارِج فمِه، مُمتنِعًا عن النَّظر صوبي، اهتَديتُ على الفَور إلى أنَّ الغَضب يكوِي أوداجَه.

«أتدرينَ كم مرَّة توجَّب عليَّ أن أسمَع تعليقاتٍ مُشابِهَة لزوجتك فاتِنة؟»

زالَت أطلالُ المُزاحِ مِن وجهِي شيئًا فشيئًا، وفاقَت الصَّدمة سِعَة مَحجريّ.

«ألِهذا أنتَ غاضِب؟ هل تمنَّيت ألَّا أثير الإعجابَ في نفسِ أحدٍ، فينتقدوا ذوقَك في الانتِقاء، وتتمرَّغ صورتُك في الوَحل؟»

رمَى لُفافَة التَّبغ على العُشب ثُمَّ سحقَها بقدمِه، رغمَ أنَّه تصرُّف غيرُ حضاريّ، لا يُشبِه رجُلًا راقِيًا مِثلَه. ما لبِثَ وأن محَق الفَراغَ بينَنا، وقيَّد ذَقني بانفِعال.

«مَن سمَح لكِ بوضعِ أحمر شفاهٍ قاتِم؟»

أتلَف إبهامُه زينَة فمِي بخُشونَة، دونَ أن يفتَح لي مَجالًا للنِّقاش.

«والأسوأ أنِّي علِمت عنه مِن أحدِ معارِفي المُنحرِفين، لولا رباطَة جأشي لحطَّمتُ وجهَه أمامَ الجَميع، كيفَ يجرُؤ!»

لاحَت ابتِسامةٌ باهِتة على شَدقيّ.

«أنتَ تشعُر بالغيرة».

تبوَّأت يده الحُرَّة خصري على حينِ غرَّة، قبلَ أن يختطِفَ قدميَّ مِن مرتعِهما المُريح الكامِن على بُعدِ حذرٍ مِنه، أعي أنِّي لو بالَغت في الاقتِراب مِنه فسأحترِق مِثل فراشٍ ليليٍّ أحمَق. مِن أعماقِ قلبي انفَلتت شهقَة صاخِبة، علِقت بِها خفقاتُه المُبعثَرة، إذ زعزعَه ارتِطام صَدري بصَدره.

بعُسرٍ ربِحتُ التَّوازُن، وبرويَّة تصاعَدت نَظراتِي في سَمائِه كدُخَّان واشٍ، لا يتستَّر عن نارِه أبدًا. رأيت الرَّغبَة تُرصِّع مُقلتاه اللَّتان احتلَّهُما سوادُ السُّخط، تُشبِهانِ سماءَ هذِه اللَّيلَة الشّتويَّة السَّاجِيَة، بارِدتان مِثلها، وحامِيتان في الآن ذاتِه، مهما حاوَلت تفسيرَهُما أسرَني العَجز. تجرَّعت الشَّهد، حينَما اقتَطفت قواطِعه شفَتي السُّفلى مِن منبتِها، كثمرةٍ شهيَّة.

«سأمزِّق شفتيك حينَما نصِل إلى المَنزل».

أفرجَ عن أسيرَته مُلتحفًا نظراتٍ غاوية، نفَّس عن الضِّيق بينَ جسدينا، ثُمَّ هندَم ملامِحَه الَّتي هدَمها الشَّوق بكبرياء.

«ناوِليني أحمَر شِفاهك».

تفادَيتُ المُماطَلة في الانصِياع؛ هالتُه مَحفوفَةٌ بالإنذارات، توصِي بعَدم استِفزازِه. فتَحتُ حقيبَتي السَّوداء البرَّاقَة الَّتي اصطَحبتُها مَعي، ومنَحته أحمَر شِفاهِي كما أمَر بصَمت، رغمَ أنِّي لا أعلَم ما الَّذي ينوي فِعله بِه. شاهَدتُه بترقُّبٍ وهُو يُزيل الغِطاءَ عنه، ما خمَّنت قطّ أنَّه قد يقبِض على ذَقني بأنامِله، ويُمرِّغ قِمَّته على ثَغري بتَركيزٍ شديد، كأنَّه يُحاوِل إصلاحَ ما أفسَده مُنذ قليل، وربَّما يُحاوِل الإثبات لنفسِه بأنَّه يحفظ ملامِحي، وليسَ بحاجةٍ إلى معونةٍ مِن عينيه المَعطوبَتين. نمَت علاماتُ التعجُّب في جفنيّ، ثمَّ ذوَت حُزنًا.

«بيكهيون، لا بأسَ إن كُنتَ لا تَرانِي...»

قاطَعني بحِدَّة.

«أراكِ بقَلبي».

كادَ جسَدي يُضرِب عن أداءِ وظائِفه الحَيويَّة، في حينِ غفيَ عقلي على جَناحِ الهُيام، مُؤمِنًا أنَّه أقرَّ لي بحبِّه توًّا لأوَّل مرَّة، حتَّى وإن كانَت مُعتقداتُه باطِلة، أو مُجرَّد أوهام. عِندما حقَّق غايته أخيرًا، طالَعني بجفنين ناعِسين، مُثقَلين بمشاعِر مُتضارِبَة. أجَّلت تفقُّد إنجازِه إلى وقتٍ لاحِق، وغطَستُ في ثغرِه بجرأة، على أهبةٍ لخسارةِ كُلِّ نفسٍ تختزِنُه رِئتاي. دَسست له في عِناقٍ شغوف، حاكَته له ذِراعاي، اعتِرافات صبيانيَّة بالحُبِّ.

كان يتوق إليّ، إذ طوَّق خصريَّ بيديه ثانيةً، ودكَّ جسدِي بجسدِه. تراشُقنا بالقُبل في هذِه القِبلةِ تحديدًا، بيَّن لي طولَ المسافَة الَّتي قَطعناها سويًّا، منذ البِدايَة؛ قبلَ أربعِ سنواتٍ وبضعةِ أشهر، حينما كُنت في الرَّابعة والعشرين، وحتَّى الآن، كَما لو أنَّه حُلم يقَظة!

الحيَاة مِثل دارِ السِّينما، في عُقرِها شُبَّاك فُرص تبيعُ تذاكِر الحبور بسعرٍ باهِظ، يُدمِي الجُيوب، الجَميع يتكالَبون على نيلِها، خِشيَة أن تُغلقَ نوافِذها في وجوهِهم، مُعلنةً عن نفادِها. علِمت مُنذ أن أحبَبته أنَّه فُرصَتي للنَّجاة مِن مخالِب الظَّلام، لكنِّي وَصلت إليه بعدَ فواتِ الأوان. أردتُه بلهفةِ مُحتضرٍ للعيش؛ كانَ هُو تذكِرة سعادَتي، ورغمَ أنِّي سرَقتُها مِن إحداهنّ، إلَّا أنِّي استَمتعتُ بكلِّ لحظةٍ مِن فِلمنا الرُّومانسيّ. في طريقِ السَّلام المَحفوفَة بالشَّقاء فقدنا الكثير، لأنَّ الهَوى ساحَة وغَى، تقتاتُ على آهاتِ الأبرياء الَّذين يقضونَ نحبَهم فينا، بسيوفٍ تقودُها أنامِل جشعِنا، غيرَ أنَّ ما كسبناه في المُقابِل، رفَّه عنَّا عضَّات النَّدَم.

قُلت له على فِراش الشَّبق ذاتَ مرَّة، قبلَ أن نشرَع في اقتِلاعِ العقباتِ مِن طريقِنا الواحِدة تِلوى الأخرى:

«نحنُ لأحدنا الآخر صواب لو كُنَّا طرفيّ المعادلة الوحيدين، ولكنَّ علاقتنا خاطئة!»

أذكُر أنَّه ردَّ عليَّ بصوتٍ قارِص مِثل كانون.

«نحنُ خائِنان».

خِلت آنذاك أنِّي مرهونةٌ لشِتاءٍ أبديّ. في النِّهايَة سعَر الحُبّ جليدَه، وفُزتُ بالرَّبيع الَّذي طَمحتُ إليه، وسجَّت ورودُ وجودِه جميعَ نُدوبِي.

-

هلاوز خفافيشي 🔥

هميقااااد انتهت جسد احس بناتي بيموتو وحدة ورا الثانية بسرعة 😭😭 مشاعر الام الثكلى تستعر بداخلي 😭


بخصوص أنو آخر جملة بالرواية مستوحاة من أغنية ايدل الاخيرة 😭😭

كتير كانو بيسألو عن عمر سايا بالبداية 😂😂 هي كانت بالـ 24 لما التقت بيكهيون، وبنهاية الرواية صارت بأواخر الـ 28 بخصوص بيكهيون كان 42 وصار 46 تقريبًا 😭😭 ياخي كيف كبرو هدول بسرعة 😂😂😂😂

شو رأيكم بالفصل!

أكثر جزء عجبكم وما عجبكم!

بيكهيون!

سايا!

رين!

السيد والسيدة بيون!

سومين!

رأيكم فالنهاية بصفة خاصة والرواية بصفة عامة.

زي ما توقعت سايا بيكهيون صار اب رائع 😭👌

طبعا المرض تبع بيكهيون ما عندو علاج مش منطقي انو فجأة يصير يشوف وجوه او وجه البطلة تحديدا زي الدرامات 😂😂😂 حتى لو النهاية سعيدة ما حبيت تكون مبتذلة 👌

الاحداث الاخيرة مش وردية إنما رمادية، رغم انهم كسبو بعض فرح يكون في شي ناقص بحياتهم دائما خاصة من ناحية هيون 💔

لسا ما انتهينا يعني بعد كم ساعة بنزل الخاتمة واكشفلكم فيها الشخصيات الثانوية يلي اخفيت هويتها طول الرواية 😂😂 أتمنى تخلصو الفصل الأخير بالأوّل قبل ما تمرو عليها 🚶

Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro