الفصل| 33
النِّسيان جبلٌ باسِق، التسلُّق إلى صهوتِه بلا مُعدَّات عسير، لاسيَما وإن اعتَرضَ ودقُ الماضي على الفَلاح، وكُلَّما كادَت الأيادِي تتمرَّغ على ثَراه، لفَظها إلى أسفل سافلين، دون رحمَة. ولأنَّه غايةٌ لا تُدركُ أحيانًا، نتبنَّى التَّناسِي، وبدَل التَّفانِي، نحيدُ نحوَ التَّوانِي، سائِمين مِن السَّقطات الَّتي هشَّمت المآقي فتناثَرت في الألباب لُؤلُؤًا.
أنا الَّذي خِلتُني مُنزَّهًا عن انكِسارات الآدميِّين، كما لو أنِّي مُنزَّل بفُؤادٍ صلد لا يئِنُّ مَهما طرقَته الويلات. بيني وبينَ العَواطِف هاوِيات، ما مِن جُسورٍ تصِل ضفافَها ببعضِها البَعض، وكُلُّ ما يذرُّ مِن ذكريات ينهار إلى قاعِها اللَّامُتناهي. أدركتُ مُؤخَّرًا أنَّها مُجرَّد مُعتَقداتٍ باطِلة، أشعلتُها حينَما اشتدَّ زمهرير الألَم بداخِلي، لأتدفَّأ في موسِم الخَيبَة الَّذي لم يرحَمني، موسمٌ خمَدت فيه قنادِيلي فجأة، ورغمَ أنِّي مُعتادٌ على الدُّجى، فالخُمود مِن بعدِ توقُّد، أعسَر مِن الميلادِ بينَ أحضان البَرْد ودَندَنة البَرَد، أو تذوُّق علقَم الفقد!
تهرَّبتُ مِن ضرائِب النِّسيان لأنَّها باهظة، حتَّى وإن سدَّدتُها على أقساط، لقضيتُ الدَّهر رهنًا للماضي المَوبوء؛ لا أقسى مِن ذِكرى كانَت في زمنِ الرَّخاء حُلوة، تشوَّهت ملامِحها حينَما صلَتها الخيبَة، وذاعَ مِنها كيرُ النَّدم الخانِق. ما أزالُ فوضى صامِتة، مِثلَ سماءٍ تعرَّضت لغزوِ سحائِب رماديَّة، زحَفت فيها دونَ غوغاءٍ تُنبِّئها عنها، لتقمعها قبلَ أن تسود، وتحتَ كُتلٍ مِن الكِبرياءِ رُدمت، إلى أن بَعثَت لي إمداداتٍ عاطِفيَّة، أسعَفتني ريثَما أقيمُ عُمرانِي مِن جديد، واختَزلت خسائِري، رغمَ أنِّي شيَّعتُ مُهجَتي إلى العَدم مِن قبلِها!
أحيانًا يُعمِّر ضبابُ الحيرةِ لأمد، ثم ينقشِع مِن تِلقاءِ نفسِه، فنرتكِن إلى رصيفِ الانتِظار، حتَّى يصفَى الجوّ، كي لَا نقعَ فريسةً للمُنعَطفاتِ الفِكريَّة الحادَّة، وأحيانًا يُعمِّر للأبَد، إن لم ننزَح عن نِطاقِه طواعِية، فسَنبقى أبَد الدَّهر أسرى لذاتِ اللَّحظَة الآسِنة. كذلِك علِقت في محطَّة صامِتة، مِثلَ البَرزخ، لا أنا حيٌّ فيها ولا أنا ميِّت، بالِي ينضَحُ بالصَّدى، صدًى أبيتُ الإصغاءَ إليه، وبينَ تمديد اعتِقالِها وإعتاقِها، تُهت غيرَ قادرٍ على حَسم قَراري، ما اختَمرت الرَّاحَة بجوف أضلُعي البتَّة، طوالَ الفَترة المنصرِمة، وما عاقَرتُ مِنها كأسًا.
يحتلُّني الغَضبُ كُلَّما اعتَزلت سُيوف جفنيّ الوقوف على أسوارِهما، ولأقيَها مِن الأذى الَّذي قد ألحِقه بِها إن انفلتت أعصابِي بقُربِها، كُنت أغيبُ عنها مِن أجلِ مصلحةِ كلينا، رغمَ أنَّ شوقِي لها يكويني، وكذلِك شوقُها لي.
الآن أعِي أنِّي كُنت بحاجةٍ إلى الرُّكوع أمامَ حُبِّها، كي أسلَم مِن مُؤامراتِ الفَراغ الَّذي تنتهِزه كُلَّ خلوة، لإشعالِ فوضى عارِمَة بي، بينَ ألسِنتها تتآكَل قواي رُويدًا رويدا، وينبَري عودُ صمودِي، فيصعُب عليه أن يلقف وَزنَ آهاتي الثَّقيلة، لأنَّها –سايا- مهدٌ أمين، في منأًى عن الكَون، ما دُمت راقِدًا فيه، فلن يمسَّني ضُرُّ أفكاري.
كانت القُبلات الَّتي أطفأت بِها شُموعَ الإنكار أخيرًا، مثل كلمات شغوفةٍ، تنهمر مِن قلم كاتب واعد، دواوينَ في بحرِ الهَوى، يختبئ بين أبياتها المَوزونَة دقَّات قلب، هوًى جحَدتُ بأن أُسنِدَه إلى كاهِليّ، خوفًا مِن أن يشطِرني ذاتَ يوم، غيرَ أنِّي ارتَضيتُ بتخليدِها في جُدرانِ خافِقي، والسَّماحِ لها بولوجِي متَى ما شاءَت. أثبَتت لي على فِراشِ الوَغى أنَّها ندٌّ لاحتِلالِي، وأنَّها ما أحتاجُ إليه لأنتعِش مِن جَديد، مِثل الغيث.
مِن بعدِ ما أصلَحتُ علاقَتنا الَّتي كِدت أعدِمها، التفتُّ إلى الجِسر الأعوَج الَّذي يحولُ بيننا وبينَ ضفَّة الاستِقرار، حيثُ اتَّجهتُ إلى الثَّكنة لاستِجوابِ الفَتى المُدانِ بمُحاوَلة اغتِيالِي ظُهر الأمس، طبَّقت عليه ذاتَ العَذاب الَّذي طوَّع زوجَها السَّابِق، عدَا أنَّه صمَد لوقتٍ أطولَ مِنه في سبيلِ سيِّده، وخسِر خمسَ أظافِر كامِلة. أذكُر أنَّ جينوو انتَحب مِثل النِّساء، ما إن عضَّت الكمَّاشَة على ظُفرِ إبهامِه واعتَذر، لكِنِّي خلَعتُه على أيِّ حال، كي ألقِّنَه درسًا في الأدب، يستَحيل أن ينساه. أقرَّ بجميعِ الجَرائِم الَّتي خِلت لوهلةٍ أنَّها افتِراءٌ مِن عقلي المُعتلّ ضدَّه، لشكِّي في أنَّ حادِثي القَديم مُدبَّر، والاسمُ الَّذي أدلى بِه في الخِتام صدَمني!
ما تخاذَلتُ للحظةٍ في إصدارٍ أمرٍ باعتِقالِه، رغمَ أنَّ المُلازِم جونميون حاول ثنيي عن قَراري، باعتِباره مُنحدِرًا عن عائلةٍ مَرموقةٍ، ترقَى لأن تكونَ غريمًا لعائِلتي، غير أنِّي أبيتُ إلَّا أن أجزَّ جُذوره مِن الرَّخاء بنفسي. حينَما ظَفرتُ بخلوتِي، راحَ مكتبي ضحيَّة لغضبٍ لا ذَنب له فيه، كُلُّ ما عشَّش على قِممه صارَ يفترِش الأرضيَّة، حتَّى اللَّوحات الَّتي زيَّنت الحيطانَ مُنذ دهر، بعضُ التَّماثيل لم تتحمّل سطوةَ الجاذبيَّة فتهشَّمت. كُنت أجسِّد على ثرى الواقِع الحَربَ المُشتعلَة في لُبِّي، وما أتلَفته مِن استِقراري الرُّوحانيّ.
عقِب زفراتٍ لفَظها الزَّمنُ دونَ أن يشهقَ لي الخَلاص، لمَحت السيَّارات العسكريَّة الَّتي أرسلتُها لاختِطاف بارك يونغجاي مِن سكينتِه، وهي تصفُّ في الباحَة الأماميَّة للثَّكنة. طَرحت قدميّ على البلاط دونَ تروٍّ، إلى أن تلقَّفت سماءُ الصَّيف الحارَّة حُضورِي. سبق وأن ترجَّل جُنودي، يتخلَّلهُم مدنيٌّ وَحيد، نمَّت عنه بذلته الرَّسميَّة، إذ أخَذوه مِن مقرِّ عملِه. اشتقَّت ذاكِرتي صورةً قديمةً له؛ فأنا على معرفةٍ بِه، مِن قبل أن أصيرَ ضريرًا، عادةً ما تُعفيني تسريحات الشَّعر مِن الخلطِ بين الأشخاص، لكنَّ خصلاته كانَت أقصَر مِن الأزل، وتسريحتُه مُختلفة، توحِي بأنَّه قد نضج، لاشكَّ وأنَّ عائلة زوجَتي تجهل عن المُنكَرات الَّتي حاكَها وريثها الوَحيد.
«انظروا مَن اصطَنع كُلَّ هذِه الجلبَة مِن أجلِ رُؤيتي!»
هزِئ رغمَ أنَّه في ظرفٍ لا يحتمِل سِوى الجِديَّة. ربَّما تقعرَّ عقلُه، حينَما سقَط عليه الوَيل وهُو في غفلةٍ مِن أمرِه. كانَ واقِفًا بتراخٍ كما لو أنَّه ثمِل، مُتناسِيًا وجودَ الرَّجلين اللَّذين يُحاصِران جنبيه، وذِراعاه بحوزتهما.
«جميعُ مَن بالحانَة شهدوا عليَّ وأنا أُساق مِن قِبل الجيشِ كمُجرم. عائِلتي لن تُسرَّ حينَما يرِدُها الخبر، هل كانَ عليكَ إشعالُ فضيحة؟ ألهذِه الدَّرجة اشتقت إليّ؟»
غزَت قبضَتي وجهه بشَراسَة، مُقاطِعة سطورَه الهزليَّة، الفضل في دوامِ توازُنه راجعٌ إلى الجُنديَّين المُتمسِّكين به. حينَما استردَّ رُشدَه بعَث بإبهامِه إلى وجهِه مُتحرِّيًا ما ألحَقته به لكمَتي مِن ضرَر. لم يمضِ وقتٌ طويل حتَّى انبَثق صوتُه البغيض في الأرجاء لعوبًا، هُو رجلٌ يُجيدُ انتِقاءَ الأقنِعة حسبَ المواقِف، الحَياة بالنِّسبة إليه حفلة تنكريَّة.
«سأشتَكي عليكَ بتُهمَة الاعتِداء الغير مسوَّغ...»
همَّشت الأنظارِ الَّتي انهالَت عليَّ مِن كُلِّ حدبٍ وصوب، وانتَهكتُ قواعِد اللَّباقَة، دونَ أن أنحرَ ثانيةً فِداءً للتَّفكير؛ إذ فتَلتُ أصابِعي العشر، وتناوَبت يدايَ على لكمِه. تطايرت بقايا جُملتِه معَ آهاته، في حينِ ابتَعد الجُنود عنَّا، خِشيةَ أن تحيدَ إحدى غاراتي سهوًا، وتُصيبَ أحدَهم. أبرَحت يونغجاي ضربًا، رغمَ أنَّ انتِقامِي مِنه لن يردَّ لي ما فقدتُه. ما لبِثت وأن هوَّنتُ على نفسِي، وحينَما انشَغل بتَرتيبِ الفَوضى الَّتي عمَّت أرصِفَة فمَه، أمسَكتُ بتلابيبِ قميصِه وقهقرته إلى الوَراء، حتَّى أعلَن الحائِط أنَّ الطَّريق مسدود.
«أيُّها السَّافِل، كيفَ تجرُؤ على حِياكَة المكائِد لي بُغيَة إزهاقِ روحي؟ هل لأنَّك أفلتَّ مِن النَّكال مرَّة، ظننتَ أنِّي سأظلُّ نائمًا على جناح الغفلة إلى الأبد؟ عل ظَننت أنَّ الحياة ستُواليك في مكرِك كُلَّما قرَّرت إلقاء الأذى بي؟»
التَزم الصَّمت في مُحاولةٍ مِنه لتلفيقِ حجَّة مُقنعة، ربَّما كان يأمُل أنِّي أحضَرته إلى هُنا لسببٍ آخر، غيرَ مُحاولة اغتِيالي، لأنَّه شخصٌ مُثقلٌ بالخَطايا. الآن وقد أكَّدتُ شُكوكَه كالرِّجال بِلا لفٍّ أو دَوران، احتلَّه التوتُّر.
«هل صرَعت شمسُ يوليو رأسَك لتُحاسِبني على تُهمٍ وحدَّه الرّبُّ مَن يعلم ماهيتَها؟ ما الَّذي تهذِي به؟ مَن الَّذي حاوَل قتلك؟»
تشاحَن فكَّاي بعُنف، فضاق الخناقَ على كلِماتِي الحانِقَة.
«لو كُنتَ رجُلًا لواجَهتني بلا خُدع، لكنَّك أجبن مِن أن تقِفَ أمامِي أعزلًا».
وجَّهتُ فوهَة مُسدَّسي إلى صدغِه بيدي الحُرَّة، دونَ أن أُعتِق ملابِسَه، مُتغاضِيًا عن الشَّهقات الَّتي تساقَطت مِن أفواهِ أتباعِي. سُرعان ما ربتَ جونميون على كتِفي، يُحاوِل أن يعصِمَني مِن التورُّط في ما لا يُحمَد عُقباه.
«توقَّف بيكهيون، لا تلوِّث يديكَ بدِمائِه، سيَلقى جزاءَه عاجِلًا أم آجلًا».
لستُ غبيًّا لأجنِي على نفسِي البَلاء، بينَما أشذِّب شوارِعَ حياتِي مِن الأدران، رغمَ أنِّي رجلٌ لا يخضع لما تُمليه عليه الحُدود. أعلَم جيِّدًا مَتى أُنكِر جُنونِي وأتبنَّى الرَّزانَة. انتَزعتُ يونغجاي مِن حُضنِ الحائِط ودفعتُه إلى الأمام، خارِج قبضَتي الَّتي تلوَّثت بآثاره، ترنَّح لمسافةٍ وجيزَة، قبلَ أن يتماسك، مُرمِّمًا خرابَ ملابِسه.
«خُذوه إلى السَّاحَة فورًا».
ما هِي إلَّا ثوانٍ حتَّى تأبَّط الجُنديَّان ذِراعيه؛ عِندما يصدأُ حُكمي في الأرجاء، فلا أحدَ مِن هؤلاء يجرُؤ على التنصُّل مِن الخُضوع... وراءَ المَبنى توجَد ساحةٌ خاويةٌ على عُروشِها، يحولُ بينَها وبين الغابَة المُعشِّشة في آفاقِها سِياج. موقِعها استراتيجيّ، لاسيما خِلال الأيَّام الصَّيفيَّة الحارَّة، لأنَّها كامنةٌ في مرمَى شمسِ الظَّهيرة. حاوَل يونغجاي مُقاومَة الأسر، لكنَّ الرَّجُلان كانا أشدُّ مِنه مُكنَة، فما عثَر على حيلةٍ عدا الاستِسلام.
سُرعانَ ما زالَ التُّرابُ مِن تحتِ أقدامِنا، ونابَ عنه الإسفلت، وظلَّل رؤوسَنا مِن أشعَّة النَّهار الحارِقة سقفٌ عال، إذ ولَجنا نفقًا صغيرَ القدّ، بجوفِه تستقرُّ حُفنةٌ مِن البَرامِيل والمُعدَّات، يُطلُّ على بطحاء مُعرَّضة للعَراء، حوافُه محفوفةٌ بخطّافات حديديَّة مَعقوفَة، اعتَدنا أن نُعلِّق الآثِمين عليها، وحتَّى الجُنود إن أساؤوا التصرُّف. الجَميع ملمٌّ بالخُطوة التَّاليَة، وقبل أن أُحرِّكَ لِسانِي، طرَح الرَّجُلان الشَّابُّ على الأرض وثبَّته آخران. راحَ يصرُخ مهدِّدًا بقطعِ أرزاقِهم، في حين التَقطتُ حبلًا متينًا مِن كومةِ الخُردَة في الزَّاوِية، ثمَّ جثَوتُ عِندَ قدَميه، وبسُخريةٍ قُلت:
«كُفَّ عن الانتِحاب كالنِّساء».
كبَّل الجُنديُّ كاحِليه يشلُّه عن الحَراك، هُو الَّذي ازداد ثورانًا، وبيُسرٍ لففتُ الحَبل حولَهما عدَّة مرات، حريصًا على توثيقِه لئلَّا يلفِظَه لاحِقًا.
«ستَندَم على فِعلتِك هذِه بيكهيون، ألا تعرِف مَن يكونُ أبي؟»
حينَما صارَت أطرافُه السُّفليَّة مُحكَمة، ربَطتُ يديه بحبلٍ آخر، ترَكتُ ذيليه مُتدلِّيين، ثمَّ ترفَّعتُ عن الأرضيَّة بشُموخ.
«كُلُّ ما يهمُّ أنَّ أباكَ يعرِف مَن أكون».
أومأتُ برأسِي أعطِي الجُنودَ الإشارَة حتَّى يُكملوا المهمَّة عنِّي. حمَله أحدُهم على كتِفه بِلا عَناء، ثمَّ أنزَله عِند عتبة السَّاحَة، هُناك حيُث برَم آخرٌ بقايا الحَبل حولَ الخطَّاف المُثبَّت بحافَّة السَّقف. تأرجَح جسَد يونغجاي بِلا هوادَة، بينَما يُنازِع لتحريرِ ذِراعيه، عبثًا. رُؤيتي له على تِلك الشَّاكِلة خفَّفت عنِّي شيئًا مِن بأسي.
«سمِعت أنَّ الشَّمس مُفيدَة للبَشرة، ربَّما تُكسِبك نِسبةً مِن سُمرة الرُّجولَة».
«أتعتقِد أنَّ عمِّي سيسامِحك على إذلالِك لي هكذا؟»
«لا أظنُّ أنَّك قيِّم ليُقايِض سُمعتَه بِك!»
أخليتُ الرُّقعَة مِنِّي، وبفجوةِ النّقص تحطَّمت أمنيتي في أن أتصفَّح ملامِحه، ليتَني قادرٌ على رُؤيةِ الهَزيمَة وهِي تختتم فُصول غُرورِه. اعتقَد أنَّه ذكيّ لينجُوَ بنفسِه إلى الأبَد، لولاها لتغلَّب عليَّ ربَّما، ولما تبقَّت في خزينَتي روحٌ لتُنزِل عليهِ عقابًا قاسيًا، رغمَ أنَّه أقلُّ مِن وزنِ جريمتِه. عُدت إلى مَكتبي المُريح وزاوَلت عمَلي، كُنت أبتسِم بانتِصار كُلَّما فكَّرت في العَذاب الَّذي يعانيه بالخارِج، هُو ابنُ عائلةٍ أرستقراطيَّة، عاشَ حياةً سهلة مُنذ نعومَة أظافِره، لن يصمُد طويلًا تحتَ قيظِ الصَّيف. بحُلول المَساء، اقتَحم حماي أونكوانغ وشقيقه جونسو خلوَتي، لاستِطلاع ما حلَّ بنجلهما، والسُّخطُ مُندسٌّ في لغةِ جسديهما، الأخبار السيِّئة تنتشِر بسُرعَة.
«ما الَّذي يجري هُنا؟»
تخلَّل أثيرُ والد زوجتي المُتبرِّم صمتَ الحُجرة، يليه صِياحُ أخيه الَّذي أخرجَه الحنق عن السَّيطرة، فلوَّح بيديه، مُتعرِّيًا مِن الرقيّ.
«كيفَ تُلقونَ القَبضَ على ابنِي دونَ سابِق إنذار؟ ولماذا لم تُحرِّك ساكِنًا لتحريرِه حتَّى اللَّحظَة؟»
حرَّرت قلمِ الرَّصاص مِن زنزانة يدي، فتدحرج على الوَرقة المَخطوطَة ثمَّ هَجد.
«لأنِّي مَن أمرتُهم بتوقيفِه».
قبلَ أن يتفوَّه أيٌّ مِنهما بكلمة، نهضتُ عن كُرسيِّي المُريح مُدَّخرًا هُدوءَ أعصابي، ووضَّحت بإسراف، كي لا يحتجَّا لنقص المعلومات في ما بعد.
«ابنُكم الموقَّر حاوَل قتلي مرَّتين؛ مُنذ سنةٍ ونصف أرسَل أحَدهم ليعبَث بطائِرتي، قبلَ إحدى جولاتي الميدانيَّة، نجوت من التحطُّم بأعجوبة. لا أظنُّ وأنَّ الدَّهر قد أكل وشرِب على تلك الحادِثة لتُنسى بسُهولة. بالأمسِ تعرّضت لمُحاولة اغتِيال، لحُسن الحظِّ تمكَّنتُ مِن الإمساكِ بالمُرتزق، والَّذي أقرَّ بكُلِّ ما كلَّفه يونغجاي بتنفيذِه».
احتَكرت الضَّريبَة الَّتي نُهِبت مِنِّي مُقابِل أنفاسي لنفسي، اكتِشافهم لعلَّتي لن يضرَّ أحدًا غيري، كما أنِّي لستُ مِن أولئك الَّذين يستَغلُّون أعطابهم لاستِقطاب التَّأييد. اكتَسح غمامُ الصَّمت سقفَنا المُشترَك لوهلة، كان الكهلان بحاجةٍ لنهلِ ما قُلته رشفةً برشفة، حتَّى لا يغِصَّا بالحقيقة الجسيمَة. ما لبِث بارك جونسو وأن أنكَر، يدسُّ لي بينَ كلِماته تُهمةً بالافتِراء.
«غير مَعقول، لابدَّ وأنَّك مُخطئ، يونغجاي ليسَ وضيعًا إلى ذلِك الحدّ».
اغتَربت عن حُدودِ مكتبي ودَنوت مِن مرتعِهما، حيثُ شحَذتُ بصَري كي لا يخيبَ في تمزيقِ آمالِ جونسو إربًا إربا، وأمَلت رأسِي بزاوِية تحدٍّ.
«المَحكمة هِي مَن ستقرِّر مَدى وضاعتِه».
أعدَم حماي المَسافَة بيننا، وواسانِي بربتةٍ مُتملِّقَة، كما لو أنَّ حياتِي الَّتي حالَفني الحظُّ ورِعايَة سايا في الحِفاظِ عليها لا تُساوِي شيئًا.
«اهدأ قليلًا، ولنتحدَّث».
بانفِعالٍ صِحت:
«كيفَ تُريدُني أن أهدأ؟»
حينَما أدرَك أنَّ فجاج النِّقاش كُلُّها مُغلقَة، اضطرَّ إلى تغييرِ إستراتيجيَّته لاستِدراجِي إلى طاوِلة المُفاوَضات، والَّتي لن تُعقَد إلَّا على شُروطِي.
«سأهبُك كُلّ ما تشاؤه، مُقابل وعدٍ منك بأنَّك لن تُنكِّل بسُمعة عائِلتي، أو تُلغِي مصالِحنا المُشتَركة بسبب ذلِك الوَغد».
«كوانغ...»
ذاع الاعتِراض عن فاهِ الرَّجل الواقِف بمُحاذاة الرَّئيس بارك بلا حيلة، فأخرسَه بزمجرةٍ ناهية. هُو عالةٌ عليه، مِثل العلَقة يمتصُّ مِن ثروته بصحبة ابنِه، لكنَّه لا يجرُؤ على التدخُّل في القَرارات المصيريَّة الَّتي يتَّخذها باسمِ العائِلة.
«لو كُنت أنوِي تمريغ اسمِه في الوَحل لفَعلت قبل مجيئكما. انتظرتُكما هُنا مِن أجل التَّفاوُض، وسيُعقَد الاتِّفاق بِناءً على شُروطِي أنا».
لستُ رجُلًا يكتَفي باقتِلاعِ جُذورِ الغاصِبينَ مِن حياتِه، دونَ أن يُشعِل على شرفِها نارَ سُخطٍ مَسعورة، تلقُمها دُفعةً واحدةً إلى أن تغدوَ رمادًا منثورًا، يعجزُ عن التَّناسل ولو اشتَهى، لكِنِّي هذِه المرَّة ارتَديتُ أصفادَ الهُدوء طواعِيَة.
«أوَّلًا لن يتملَّص مِن العِقاب لمُجرَّد أنَّه ابنُ أخيك، يُمكِنك تلفيقُ أيُّ عذرٍ للعامَّة وسأتماشى معَه، ثانِيًا سأفسَخ قِراني معَ سومين ولن تربطني بعائِلتك أيَّة علاقة من الآن فصاعِدًا، وأخيرًا ستُواصِل تمويل والِدي كأنَّ لا شيءَ قد حَدث».
هُو مجرَّدُ رجلِ أعمال، ورغمَ صفقاتِه المَشبوهَة، إلَّا أنَّه لم يدُس روحًا ليسمُو فورةَ المَجد، حتَّى وإن ودَّ التخلُّص مِنِّي بشدَّة فلن يُطاوِعه ضميرُه. على مضضٍ قبِلا عرضِي المُجحِف بنَظرهما، يجهلان أنَّ ابنَهما أغلى مِن الثَّمن الَّذي دفعاه لِقاءَه، ولولا سعادَة المرأة الَّتي خاطَرت بحياتِها مِن أجلي، لقَضيتُ عليه دونَ أدنَى شفقَة.
لم يُطِق أيٌّ مِنَّا الآخر مُنذ أوَّل لِقاء، لأنَّه خسِر سومين لي حسَب ظنِّه، وما كانت يومًا ملكًا له. بسببِه منعتُها مِن المَبيت في منزِلها، أو الإسرافِ في مُسامرة شقيقَتيه خِشيَة أن يتَواصَلا عبرهما. اليَوم حقَّقت ليونغجاي أعظَم أمانيه، إذ انتَفع بالتَّضحية الَتي بذَلتها في سبيل سايا، لا يسعُني إلَّا أن أشعُر بالنَّقص، وبرغبةٍ مُلحَّة في تحطيمِ وجهِه. هُو ابنُ عائِلة مَرموقَة، وليسَ في صالِحي أن ألطِّخ اسمِ عائِلتي للانتِقام منه، وسقيِ ثَرى غُروري بدِمائِه الفاسِدَة؛ لو أسدَلتُ جفنًا يتيمًا لانفلَتت مِنِّي نفسِي ولنازَعت الحَياةَ مِن أجلِ القصاص.
عُدت أدراجِي إلى السَّاحَة الَّتي لطَّفت نسماتُ المَساء أجواءَها الجحيميَّة. ما يزالُ ذلِك الرَّجل متدلِّيًا مِثل عُنقود العِنب من العريش، مُثقلًا بوزنِه، لكنَّ وثاقَه يأبى إفلاتَه ليستَريح على الأرض. العَرق ينصبُّ مِن مسامِ جسدِه بقدرٍ غفير، وتيرةُ أنفاسِه واهِنة، ومِن المُؤكَّد أنَّه يلهَث ظمأً كما لو أنَّه في صحراءٍ قاحِلة. دنَوت مِنه شامِتًا بحالته المُزريَة.
«الآن أنتَ تُشبِه الرِّجال قليلًا».
عُبوري لحُدودِه الشخصيَّة أثبَت لي أنَّه يكاد يفقِد وعيه. وضعَه المُثير للشَّفقة، لم يمنعني عن تهديدِه بكامِل هيمَنتي، حيثُ مِلت نحوَه وهمَست بصوتٍ يُضاهِي فحيحَ أفعى سامَّة، دونَ أن أزعِج بصري الأجوَف باحتِوائِه.
«لقد خسِرت النُّفوذ، ولن أغفَل عنك مرَّة ثانية. أيُّ مكروه يمسُّ حياتِي، أو أحدًا مِن المُقرَّبين إليّ، فسأحمِّلك مسؤوليَّته، حتَّى وإن كُنت بريئًا. حينَها لن أكتَفي بتعليقِك، ككبشِ فِداء، بل سأنحَرك دونَ أن يرفَّ لي جفن، هل كلامِي مفهوم؟»
أطرَق برأسِه بخنوع، فطفِقت أفكُّ الحَبل المفتولَ حولَ الخطَّاف الحديديّ، حتَّى تهاوى على الغَبراء خائِر القوى. أقبَل جُنديَّانِ بأمرٍ مِنِّي، وانتَشلاه مِن مسقطِه، ثمَّ اصطَحباه إلى السيَّارة العسكريَّة الَتي سُخِّرت لنقلِه إلى مركز الشُّرطَة، أتوق لرُؤيته وراء القُضبان.
تغمَّدتُ ناصِيتي بكفيّ، أدرُس المُنعرَج الَّذي انتَهجتُه اليَوم، كيفَ استَبحتُ التَّنازُل عن شطرٍ مِن النَّكال، لنيلِ حُريَّتي بلا حاجةٍ إلى إهدار المَزيد مِن الوَقت على النِّزاعات، وكيفَ عصَبت الغفلة عينيّ لعامَين كامِلين، بينَما المُجرِم الَّذي حطَّم حَياتِي يصولُ ويجولُ بطلاقَة، وكيفَ سأعيش معَ حقيقةِ نجاتِه بفِعلته الشَّنيعَة، دونَ أن يخسَر شِلوًا مِن جسمه في المُقابِل. ما يُسكِّن غيظي، لأنِّي أمضيتُ على هُدنةٍ لا تُشبِهني، نفادِي مِن المَعمَعة الَّتي غاصَت فيها أزمانِي؛ لقد برَحت الحُدودَ الضَّبابيَّة في حَياتِي أخيرًا، لأنتقِي ما يحلو لي صِراطًا!
حبا اليَوم إلى أفقِ النِّهايَة، حيث بهت نورُ الكَونِ الَّذي كانَ يتسلَّل مِن النَّافذة، إلى مكتَبي المُكلَّل بالفَوضى. حينَما سألتُ السَّاعَة الحائِطيَّة عن الوَقت، أجابَ رقَّاصاها أنَّها السَّابعة مساءً. حزَمتُ أعوادَ طاقَتي المُتبقيَّة، وارتَحلتُ عن الثَّكنة في سيَّارَتي الخاصَّة؛ كُنت عازِمًا على أن أتخلَّى عن أطلالِ الماضِي الَّتي رثيتها بِما فيه الكِفايَة، وأبني حضارةً أُخرى مُختلفة عنه، آن الأوانُ لأهجر فشلي السَّالِف وذِكراه الأليمَة، آن الأوان لأرفَع مِرساة الخِشيَة الَّتي قيَّدتني في ميناء الفَراغ طويلًا، وأبحِر نحوَ فُرصةٍ أُخرى بانتِظاري في عرضها.
شققتُ الطُّرقِ الآهِلة نحوَ سول، أخنِق المِقوَد بقبضتيَّ كما لو أنَّه عُنق ذلِك الوغد، استَغرقت قُرابَة السَّاعتين لأصِل إلى لُبِّ المَدينَة، وحُفنةً مِن الدَّقائِق لأستقرَّ أمامَ منزِل عائِلتي. نفَّستُ عن شيءٍ مِن غضَبي على البوَّابَة، رغمَ أنِّي قرَعتُ الجَرس، ومِن المُحال أن يَغفلَ آل البيتِ عن ضجيجِه. استَقبلتني الخادِمة هيري بلباقَة، فتَجاوزتُها إلى عُقرِ القصر، بنيَّة الانتِفاض، مِن أجلِ فَجرٍ رِدِم تحتَ سحابِ الخذلان لأمد.
عثَرتُ عليهم مُجتَمعين في غُرفَة الجُلوس، أي أنِّي لن أضطرَّ لإعادَة كلامي أكثَر مِن مرَّة. السيِّد بيون يتصدَّر الأريكَة الفَرديَّة على الجانِب الأيمَن للقاعَة، بجانِبه والِدتي وسومين، تتحدَّثان عن موضوعٍ نسائيّ شيِّق قاطَعه وفودِي، أمَّا أخي مينهيوك فمَشغولٌ بمُطالعَة دفترِ سيمفونيَّاته، غيرَ مُبالٍ باستِياء والدِه مِن المسار الوَضيع الَّذي اجَتباه لحياتِه؛ وِفقًا لوجهة نَظره، وها أنا ذا مُصمِّم على أن أحذُو حذوه. أزاحَ السيِّد بيون رأسَه عن التِّلفاز، كما فعَل البقيَّة، ما إن لاحَ دبيبُ خُطايَ في مداهم السَّمعيّ، ودونَ أيِّ شُظفٍ مِن التَّعاطُف، اغتَرفَ جُرعةً مِن الأمسِ المَوبوء.
«سمِعت أنَّك كِدت تتعرَّض للاغتِيال بالأمس».
مِن الجليّ أنِّي ورِثت عنه مناخَه البارِد، وطِباعَه الجافِية، كذلِك كِبرياءَه الطَّاغِي. مُذ أنَّ والِدتي حديثَة العهدِ بالخبَر، استَنفرت مِن مجلِسها بقلق، ورغمَ أنَّها سيِّدةٌ راقِية، تُجيدُ التحكُّم في انفِعالاتِها، إلَّا أنَّها اندَحرت مُوجِّهةً وابِلًا مِن الأسئِلة نحوَ زوجها.
«تعرَّض لمُحاولة اغتيال؟ مَتى كُنت تنوي إخباري؟ كيفَ تكتم عنِّي حادِثة مروِّعة كهذِه كأنِّي مُجرَّد دخيل؟ مَن هذا الَّذي يجرُؤ على تهديد حياة ابني؟»
كانَ الصَّمت هُو كلُّ ما تلقَّته مِنه ردًّا على ثورتِها. ما لبِثت وأن شقَّت الحائِل بيني وبينها، وتلمَّست وَجهي بكفِّها المُرتجِف.
«هل أنتَ بخير؟»
أومأت مُؤكِّدًا.
«لقد تعامَلت معَ المُشكِلة، لنَقل أنَّها كانَت صفعةً أيقَظتني مِن سُباتِي في جُحر الغفلة».
تنفَّست الصُّعداء، ثمَّ أزاحَت يدَها عنِّي مُتدارِكةً انهِيارَها. انحازَ بصري نحوَ سومين الَّتي ترقَّبت دورَها للتصنُّع بفارغ الصَّبر، وقبلَ أن تُفلِح في الإدلاء بكلِمة قُلت بحَزم:
«سأنفصِل عن سومين».
تحدَّث والِدي عن مُحاوَلة اغتِيالي بكُلِّ برودة أعصاب، لكنَّه اهتاج حينَما شعَر بالخَطر الَّذي يتربَّص بمسيرتِه السِّياسيَّة، واستقامَ مُعترِضًا.
«مَن الَّذي سمَح لكَ بالانفِصال عنها؟»
حافَظتُ على رباطَة جأشي، بينَما أضعُ النِّقاط على الحُروف بسكينَة.
«أنا هُنا لإعلامِك، لا لسُؤالك عن رأيِك، ولا تقلقَ بخُصوصِ حملتِك القادِمة، فالسيِّد بارك لن يسحَب تمويله لك، سبَق وأن فاتَحتُه عن المَوضوع».
ترَكتُهم يتخبَّطونَ في خليجِ الدَّهشة، وبفظاظةٍ مضيتُ في حالِ سبيلي. استَهلكتُ ما يَكفي مِن سَطوتي، كياني مُرهقٌ مِن الصُّراخ، لستُ ندًّا لِنقاشٍ السِّلاح الوحيدُ لكسبِه هُو الصَّوتُ المُرتفع. ما كادَت قَدمي تطأ أوَّل درجةٍ على السلَّم الَّذي يرقَى إلى طابِقين، حتَّى طغى عبقُ سومين على عبَقي المُضمحلّ، وغطَّى لجبُها على حفيف أنفاسي.
«أنَّى لك أن تتَّخذَ قرارًا مصيريًّا كهذا دونَ الرُّجوع إليّ، ثمَّ تُلقيه على مسامِعنا كما لو أنَّك تتحدَّث عن صفقةٍ ما؟»
فارَ الغَضب بأوداجِي، كأنَّ كُلَّ كلمةٍ صدَرت عنها حفَرت إلى أعماقِي وأيقظَته مِن سُباتِه. استَدرتُ نحوَها مُكرهًا، حيثُ رجمتها عيناي وشفَتاي بأنصالِ الحِقد الحادَّة.
«لم تسأليني عن رأيي حينَما قتَلت ابني».
توطَّنت على مشارِفي، ورقَصت يداها غيظًا.
«القضيَّتان مُختلِفتان، فذلك جسَدي، وهذِه علاقةٌ مُشترَكة».
أشَحتُ وجهِي عنها كي لا أحرِّف تقويمَها الحَسن، وهمَمتُ باستِئنافِ دربي، فكُلَّ ثانيةٍ تنسكِب في العَدم ثمينَة، يُمكِن لها أن تربت على تَعبي، لو أنفقتُها على الشَّخص المُناسِب. ما امتَثلت سومين لرَغبتي في الانفِراد بنفسي، بل حطَّت قُبالَتي على عجل.
«هل تخونُني معَ امرأةٍ أُخرى؟»
تخثَّر الضِّيقُ على حافَّة ثغري.
«أنا أحذو حذوكِ وأستمتِع بحياتِي على طريقَتي!»
قيَّدتُ ذقنها بغِلظة أشاء لو أهشِّمها، وحارَبتُ جُيوشَ الظَّلام الَّتي كانَت تزحَف إلى صَدري، قبلَ أن تظفَر بحُكم أعصابي.
«لقد فقدتِ قيمتِك، فلماذا تحجِزين مساحةً واسِعة في خِزانَتي، أليسَ ذلِك إهدارًا للمساحَة؟»
دونَ إعاقاتٍ أُخرى، وضَّبت ملابِسي في حقيبَة سَفري، وهذِه المرَّة ليسَ لقضاءِ إجازةٍ في العُزلة، واقتِطاف فاكِهة النِّسيان المَقدَّسة مِنها، بل لإقامةٍ أبديَّة في حُضنِ الدِّفء. ما دامَت سومين ترهنُ رُكنًا بارِزًا في حياتي، فلن أسلَم مِن قصفِ الغَضب الغاشِم، وكُلَّما اتَّخذتُ مِن المَنزل محطَّة، لطمسِ خِيانَتي، تعبَّق الغمُّ بينَ أضلُعي، وحجَب عنِّي النَّعيم المُتربِّع أمامِي؛ سايا. أحيانًا يكون الغِنى مُختزنًا على بُعدِ استِغناءٍ فحسب!
أمضَيتُ ليلتي بأحدِ الفَنادِق الفاخِرة، عقِب جولةٍ مِن السَّكر في الحانَة الشَّهيرة Red، كُنت غارِقًا في لُجَّتي، والنِّيرانُ متَلظِّيَة بداخِلي، انتَظرتُ أن تهمد، كي لا تجتَرئ على لسعِ المرأَة الوَحيدة الَّتي أخلَصت لي الحبّ، ونذَرت حَياتَها لاعتِناقي، رغمَ أنِّي رجُل كُفر، ليسَ بحوزتِه سِوى الجَحيم ليعرضَه عليها، رجُلٌ لن يعترِض إن اجتَبت القَفز فيه على التَّوبَة.
عندما تهيج نفسي، تُبيدُ الغَريم والنَّديم، وإن لم أتوارَ عن الأنظار، فسوفَ أعيثُ فسادًا بليغًا بكلِّ من تشرَّد في مهبِّي بِلا أيِّ ندَم. في عُنفوان الصَّباح، سافَرت عائِدًا إلى بوسان، إلى المَنزل الَّذي ما يزالُ يُشرِّف مُسمَّاه بصدق. استَخدمتُ مِفتاحِي الخاصّ في إماطَة الباب جانِبًا، كي يتسنَّى لي جرُّ متاعِي الثَّقيل إلى الدَّاخل، وقبلَ أن أوصِده، دوَى صدَى خُطاها المغلَّفة باللَّهفة على بلاط الرِّواق، كانت الدَّهشة ساطِيةً على هالتِها.
«كولونيل!»
بصوتٍ لعوبٍ استَفهمت:
«لا تُمانعين انتِقالي إلى هُنا، أليسَ كذلِك؟»
-
هايز خفافيشي 😍💃
أول ظهور لكامي بعد القضية المثيرة للجدل والتي أثارت قلق الجمهور الواتبادي 😂 👌
مستخدمي الانترنت بي لايك: هوول هي لا تخجل أبدا 😂😂😂
ندخل في صلب الموضوع سايا أخذت جائزة على صبرها اخيرا مو مصدقة 😭😭 وهيك تبقى فصلين بس على النهاية 💔
شو رأيكم بالفصل!
أكثر جزء عجبكم وما عجبكم!
بيكهيون!
يونغجاي!
سومين!
كيف تتطور العلاقة بين بيكهيون وسايا!
بيخبر أهلو عنها او يظلو يتواعدو بالسر؟
شو تتوقعو يصير بالفصل الجاي!
للتوضيح الطفل يلي اجهضتو سومين هو ابن بيكهيون فعلا ما خانتو مع أي حدا وابن عمها هو يلي بيحبها بس 😂✋ مش شرط تكون الخيانة جسدية لحتى تدمر العلاقة بين زوجين 😳 زي ما قلتهمن قبل هي شخص ما عندو حس بالمسؤولية 💔
دمتم في رعاية الله وحفظه ❄
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro