Chào các bạn! Vì nhiều lý do từ nay Truyen2U chính thức đổi tên là Truyen247.Pro. Mong các bạn tiếp tục ủng hộ truy cập tên miền mới này nhé! Mãi yêu... ♥

الفصل| 24

الحربُ تُشبِه الحَياة؛ كِلاهُما أنثيان مِن شيَمِهما الكيد والكَمد، فُلِقَتا لارتِكاب المجازِر الجسديَّة والنَّفسِيَّة بغير حقّ، كِلاهُما طاغِيتان مَجبولتان على الجُور، لا تُجيدان سِوى لُغَة العُنف، بلكنَة النَّقم، وضارِيتان كعاصفةٍ موسميَّة، ما مِن جُلمودٍ قادِرٍ على الصُّمودِ أمامها، مهما صلُب، وسِلاحهما الَّذي يخفى عن المرء وهُو فيه... الذَّاكِرة!

في الحربِ يُزهِق القاتِل روحَ القتيل بدمٍ بارِد، ثُمَّ يزهق القتيل روحَ قاتِله ويقتصُّ مِنه، لأنَّه قصَّ ما لم يُكتَب مِن صفحاتِ عُمرِه، رغم أنَّه مُجرَّد ذِكرى؛ ذِكرى مُسلَّحة. وفي الحياة، تردِم الأوزار أرواحَنا، فنُنجِّم عن الخَلاص بشقِّ الأنفُس، وحينَما ننتَأ مِن ثَراها كالبَراعِم، نعي أنَّنا خرجنا مِن غيهبٍ إلى غيهبٍ أغنى مِنه عتمَة.

الحياة رهانٌ مغشوش، مهما تغلَّبنا على مصائِبها، نظلّ ندينُ لَها بالمزيدِ مِن الضِّيق، كأنَّها تمنحُنا الفُرصَة للكِفاحِ كشكليَّات، لمُواراة زُورَها، والغلَبة غايةٌ لا تُدرك. في كُلِّ عُرسِ نصرٍ حَياتِيّ يندسُّ مأتَم خُسر، إذ يُدنَّس مذاقُ النِّهايَة السَّعيدَة بذِكريات الدَّرب التَّعيسَة، لأنَّ الذَّاكِرة هِي حيثُ كلُّ مُستَحيلٍ مُمكِن، حيثُ يحيى الأموات، ليردوا الأحياء مِرارًا وتِكرارًا، حيثُ يعودُ بِنا الزَّمنُ أدراجَه، ويُجلِسنا بينَ مُدرَّجاتِه كمُتفرِّجين، دونَ أن يُتيحَ لنا القابِليَّة للتَّغيير، وحيث تنبثِق ظُلمات الماضي لتُطفِئ سنَا الحاضِر.

الذَّاكِرة هِي ذلِك الوادِي السَّحيق الَّذي لا تَصبوه أقدامُ النِّسيان، مِنه يتسلَّل الماضِي إلى الأفرِشَة حينَما نخالُ أنَّنا انتَهينا مِنه، يُخبِرنا أنَّه لم ينتَه مِنَّا بعد، ويعدمنَا على قيدِ الوُجودِ. الذَّاكرة ساحةُ وغَى، لا تُرى، تستغلُّها الحياةُ بوضاعَة، لتسحَق شُظف مُقاومتِنا الَّتي لم تُسقِطها غاراتُها. بصيغةٍ أدقّ في الحرب حياة، ولكِنَّ الحياة حرب، أمَّا الحَّربَ فأشرَف مِن الحَياة، لا تنسى ضحاياها أولئك الذين قضوا نحبهم فيها لغاية، لا لخِدمَة كيانٍ يهوَى اللَّهو كالحياة؛ في الحربِ نُحاربِ لاغتِنام الحريَّة، لكنَّنا نُواصِل الحياة مُقيَّدينَ بتعاليمِها.

لقد سفَكت الكثيرَ مِن الدِّماء، ملأَت الثَّرى وبقَّعَت مُهجَتي، وأخمَدت ما لا يُحصى مِن الشُّموع، فأظلَمت الأجساد، لم أنتَبِه إلى أنَّ كونِي كان يدلهم، مع كلِّ شمعةٍ أُخمِدُها باسمِ الواجِب، ظننتُ أنَّه كسوفٌ مُؤقَّت، تبيَّن لي لاحِقًا أنَّه غروبٌ أخير.

أخلاني الجِهاد مِن شَخصي، فما عُدت أفقَه سِوى التَّكتيكات الحربيَّة، والمناوَرات الجويَّة، نسيتُ مناهِج الحبّ، ربَّما لأنِّي لم أحِط بها خُبرًا قبل أن أتحوَّل إلى جلَّاد أجرَد، وحينَما اصطدَمت بأبسَط مطبَّاتِه، تساقَطت. شطرتني الحرب، وما تبقَّى مِنِّي، حملت الحياة على عاتِقها مسؤوليَّة تفتيتِه، عِشتُ مقيَّدًا بذِكرياتٍ دامِسة، نسيت حتَّى النِّسيان، ثُمَّ أدركت لاحِقًا أنِّي أهدرتُ وقتِي على النَّجاة فحسب، بعاهات جوفيَّة بليغَة، عجيبٌ كيفَ لا أزالُ جبلًا رغمَ أنِّي كومةُ حصى!

أنا رجلٌ منكوب، مردومٌ تحتَ كومةٍ مِن الذُّنوب، دبَّ فيَّ الاكتِئاب، عقِب حقبةِ الحروب، كُنت أقوَى مِن أن أنهارَ على إثرِ صدعٍ نفسيّ، أنا الَّذي لم يكسِرني كيدُ الكائِدين. على أعتاب حِقبة جديدةٍ مِن حياتي، قابلت امرأةً مُلغَّزَة، أثارت فُضولي، ظننتُها فاتِحتي المُشرِقَة، لكِنِّي اكتَشفت أنَّها أنثى من حربٍ وحياة، وحينما انفَصلت عَنها انفَصلتُ عن روحِي.

كُلّ ما قد ينشُده رجلٌ تقاذفَته أقدامِ النِّزاعات لأمد، وشهِد على الدِّماء تُراقُ، مِرارًا وتِكرارًا، مثل الوَدق، هُو بعضَ السَّلام النَّفسيّ، والهُدوء الكَونيّ، بخَلت عليَّ الحَياة بكليهما، في المُقابل جادَت عليَّ بالمصائِب، بل ورجمتني بِها دُفعة واحِدَة، دون أن تسمَح لي بالتِقاط أنفاسي، كأنَّها تقتصُّ لأبنائِها مِنِّي، وتُلقِّمني مِن ذاتِ السمّ الَّذي نفثَه سِلاحي سلفًا. كُلَّما مثلتُ أمامَ باب وخِلته الفَرج، فُتِح على مصيبة، صرت أخشى فتحَ بابٍ آخر!

رغمَ أنَّ فُؤادِي قطبٌ متجمِّد، لا يستَطيع أحدٌ العيشَ فيه، ذِهني أشبَه بجزيرةٍ استِوائيّة، حارٌّ طوالَ السَّنة، وما تنفكُّ الأفكار السَّوداويَّة تهطل على قاعِه، فبينَ الغفوةِ والغفوة، لابدَّ مِن صحوة. أمَّا الآن فما عُدت أفكِّر، كأنِّي غير موجود، انطِلاقًا مِن فلسفة ديكارت الغبيَّة. أنا مجرَّد فوضى، فوضى صامِتة لا يُسمع لها صدى.

وكسائِر الأيَّام حينَما تُفتِّق اليقَظة جفنيّ، تساءَلت ما إذا كانت الحياةُ قد تسرَّبت إلى داخِلي، أم أنَّها تسرَّبت خارِجي؛ فكُلّ الرَّخاء الَّذي عانَق جوانِبي بالأمس انقَرض خِلال ظرفٍ وجيز، تزامنًا واستِذكاري لكُلِّ ما مررتُ بِه، لجميعِ الضَّرباتِ المُتواليَة الَّتي كسَرت دعاماتي، لا يحمِل سمائِي سِوى كِبريائِي العتيد، لولاه لانهرتُ عليّ.

لمَّا اكتَمل تحميلُ شُحناتِ الوعي في رأسِي، أبحَر بصَري ناحِية اليمين، حيثُ عمَّرت المرأةُ الَّتي اجتبيتُها بلسمًا لِي، بسلمٌ مشكوك في فعاليَّتِه، لم تكُن هناك. أبرقَت بينَ ناظريّ إلهامًا، اقتَفيتُه مِن أجلِ أن أحتضِنها، وأحبُر كلَّ ما راوَدني على صفحةٍ سخَّرتها لي طواعيَة. أردتُها أن تشتِّتني عن اللَّاشيء، أن تلهِيني حتَّى لا أسمَع للماضِي لغًا، استَطاعت كتمَه بشفتيها، راوَغت جنودَ أفكاري، وماطلَتهم قدرَ الإمكان، كسبت لي بعضَ الوقت لأرتاحَ مِن الخُمول، غيرَ أنَّ الفَراغ حبسني مرَّة أخرى.

مضى على مغادرتِها عدَّة ساعات، أنفقتُها على قِراءَة كِتاب مُضجِر في غُرفَة الجُلوس، إلى أن دقَّت بابِي، كالبارِحَة تمامًا. نهضتُ باستِنكار، لا لرجوعِها في توقيتٍ غير مُناسِب، أو لفسادِ خلوتِي، بل لحتميَّة النُّهوض؛ لقد استَطيبت الأريكَة، والرَّخاءَ الَّذي تدفَّق في أوصالي.

واربت مِصراع الباب، واستَقبلت طلعتها الَّتي شعَّت بالبَهجة. على حين غرَّة، أفلَتت الحقيبَة السَّوداء الَّتي جلبتها معَها، وقذفت جسدَها في حُضنِي، ما جعَلني أرتدُّ إلى الوَراء، قبل أن أتوازَن، كانت تحمِل في يدِها الأخرى كيسًا، تألَّمتُ حينَما ضرَب ظهري؛ واضحٌ أنَّه يحتَوي على غرضٍ صلب، غيرَ أنِّي تساهَلت معَ استِهتارِها..

«لقد فعلتُها دونَ عقبات، أكاد لا أصدِّق أنِّي امتلكتُ الجُرأة لأفضّ العلاقَة الَّتي التوت حولَ عنقي كثُعبان، وخطفت أنفاسي.»

اشتَدَّ وثاقُها حولَ جنبيَّ، وارتَجفت نغماتُها، كأنَّها تمتَطي بكوَة.

«كلُّ الفَضل لك؛ لوما وقَعت عليَّ كشِهابٍ أبى إلَّا أن يُخلِّف فجوةَ حبٍّ عميقَة بفُؤادِي، لما سعيت يومًا خلفَ الانعِتاق، كُنت سأظلُّ ذاتَ المرأةِ الجَبانة الَّتي تخشى نظرَة المُجتَمع لها، إن هي غَدت مُطلَّقةً في سنٍّ صغيرَة، لكنَّك مرامٌ كُلِّي فِداه.»

رغمَ عذوبةِ ما تَلته على مسامِعي توًّا، ورغمَ أنَّه رفَع منسوبَ غُروري كرجلٍ، ظلَّت ذِراعاي منبسِطتان على فخِذيّ، عازِفتان عن المُجازَفة بخُطوةٍ نحوَها. جمودِي الطَّويل وسطَ عِناقٍ محموم، ضخَّ الشُّكوكَ في بالِها، فتقهقَرت إلى الوَراء بارتِباك.

«آسفة سيِّدي، لم أسألك حتَّى إذا كان احتِضانك هكذا مسموحًا لي.»

لم أستَبح التَّبرير لَها عمَّا حالَ بيني وبينَ التشبُّثِ بِها، ثُمَّ كيفَ أخبِرها أنِّي لستُ شخصًا مُلتوِيًا، لأبيعَها أملًا كاذِبًا، وأُصدِّع عزمَها؟ على الأرجَح صَمتي نابِعٌ مِن رَغبتي في دوامِها بجِواري، فعاطِفتي شحيحَة، ومُراعاتِي محدودَة.

«فلتفعلي ما تشائينه.»

ما هِي إلَّا لحظات عجولة، حتَّى قفزَت عليَّ ثانيةً، غافلةً عن الكيسِ الَّذي تأرجحَ حينَما مرَّت ذِراعاها مِن فوقِ كتِفيَّ، وخبَط ظهري بقوَّة... تِلك الخَرقاء!

انحازَ ضميري إليها دونَ نِقاش، فأنا متَّهمٌ في محكمتِه بالاستِغلال، مُلزمٌ بغرامةٍ مِن الاهتِمام، مُذ أنِّي غيرَ مؤهَّلٍ للحبّ. لم أفكَّ عقدَتها الشَّغوفَة حولَ عُنقي، بل وأذِنت لها بالإقامَة على جسَدي كما تشتَهي، ربَّما لأنِّي أكسَب مِنها دِفئًا. عِندما تنحَّت عنِّي، أوصَدت البابَ الَّذي ظلَّ مفتوحًا، يُفشِي أسرارنا البغيَّة للأفُق، ثُمَّ تهادينَا سويًّا إلى غُرفَة الجُلوس.

تملَّكني الفُضول حِيالَ الكيسِ الغامِض المُتدلِّي مِن يدِها اليُمنَى، سُرعان ما سألت بلامُبالاة، حريصًا ألَّا تتفرّع جُذورُه على مُحيَّاي:

«ما الَّذي يختزِنُه ذلِك الكيس؟»

جوَّدَت المسرَّة كلِماتِها، واثقٌ أنَّها تبتسِم الآن، غيرَ مُدركة أنَّ ما تحمِله كادَ يكسِر ظهري.

«هل تذكُر كأسَك المفضَّل الَّذي كسرته يومَ باغتَّني في المَطبخ، وأجهَزت على كتِفيّ، بينَما تستَجوِبُني بخصوصِ تِلك اللَّيلة؟»

لاشكَّ وأنَّ الحماسَة عصَبت ذِهنها، فانتَقت الكلِمات بعشوائيَّة؛ المرأةُ الَّتي عهِدتُها عليها لن تُحيِي موضوعًا يُحرِجها، لاسيمَا وأنَّها مُدانةٌ فيه بالاحتِيال، ولاشكّ في أنَّ الصَّمت الَّذي ألجَم لِسانها للتوِّ سببه إدراكُها لما تفوَّهت بِه.

«آسفة لأنِّي كذَبت عليك حينَها، لم يكُن لديَّ خيارٌ آخر.»

تهاوى رأسُها وأقلَّ مُقلتاها إلى الأرضيَّة فِرارًا مِنِّي، عادةً ما تُطبَع الأحقادُ في صدري كوشومٍ غير زائِلة، تُذكِّرني بِكُلِّ مَن أجرَم بحقِّي، لكنَّ سِجلَّها عِندي طاهر. رأيتُها تُخرِج مِن الكيس كأسًا أحمَر اللَّون، في مُحاولةٍ لتَدارُك المَوقِف.

«صادَفت أشِقَّاء له على واجِهة أحدِ المحلَّات، وتذكَّرت أنِّي مدينةٌ لك بكأس، حبَّذت أن أتبنَّى الأحمَر، كالَّذي تهشَّم. «

استَطعمت التوتُّر في نبرتِها الضَّحوكَة، وابتِغاء احتِواءِ كلمِاتها، لئلًّا تستمرَّ في الانهِمار هدرًا، بسطت كفِّي على خدِّها أطمئِنُها أنِّي في منأًى عن الغضب، ما كُنت لأستَضيفَها في بيتِي لو أنِّي على علاقةٍ وطيدَة معَه. تدانى حاجِباي مِن بعضِهما، إذ التَمستُ السَّقمَ على أديمِها، وبدَل أن أردَّ على ما ولَّى، خلقتُ لُغزًا آخر.

«أنتِ تحتَرقين.»

«ماذا؟»

أضَفت مُصوِّبًا أفكارَها الَّتي جرَت في نهرٍ أعوَج.

«حرارتُك مُرتفِعة، هل تشعرين بالتوعُّك؟»

«أظنُّ أنِّي أصِبت بنزلةِ برد، بسبب وقوفي تحتَ المَطر لوقتٍ طويل، ومكوثي في ملابسي المبلولة عُرضَة للهواء البارِد.»

حفَرت نظراتِي في محيَّاها، رغمَ أنَّها لن تصطدِم بأيَّة ملامِح مهما اجتَهدت، ومالَت يدِي على رأسِها، متمرِّغَةً على شعرِها الوثير.

«اصعَدي إلى الغُرفَة، واحظي بقسطٍ مِن الرَّاحَة.»

خلَدت إلى السُّكوت، وما استَفاقَت مِنه حتَّى نزَعت يدي عن هامَتِها.

«سأشفى سريعًا دونَ الحاجَة إلى الرَّاحَة أو العِلاج، أنا مُعتادةٌ على مِثل تِلك النَّكسات بسبب طبيعةِ عملي في الثَّكنة، أخبَرتُك حينَما آوينا إلى هذا المنزِل لأوَّلِ مرَة، أنَّ مناعَتي قويَّة، سأعدُّ لنا العَشاء.»

عقِب حربِ تحديقٍ غير عادِلة، إذ أنِّي أجهلُ المَوقِع الدَّقيق لعينيها، هزمتُها؛ ربَّما تنازَلت طوعًا، لعلمِها أنِّي رجلٌ عنيد، لا يحبِّذ التمرُّد.

«أيّ غُرفة؟»

لو سلختُ ملابِسَها وألقيتُ نظرةً على قوامِها، لامتلأت سِلالِي بغنائِم الأمس، رغمَ ذلِك ما تزالُ تشكُّ في طبيعة علاقتِنا. لم أتصوَّر يومًا أنِّي قد أتَّخِذ عشيقَة، أرقَع بعطفِها خروم مُهجَتي، وأحتَمِي بِجُدرانِها الشَّامِخة مِن تعسُّفِ الحَياة.

«غُرفَتي.»

جرَّت قدميها نحوَ الدَّرج على مضَض، وما نَهلَت مِن بِئر الزَّمن إلَّا مِقدارًا شحيحًا، أتاحَ لها الاندِثار مِن مدَى بصري، لن تُخمِّن أنِّي أودُّ لو أردَّ لها شيئًا مِن جميلِها. أدري أنِّي أرضٌ قاحِلة، لن أجودَ عليها بأيَّة عاطِفة، مهما حرثَتني بصِدقها، ومهما ذرَّت فيَّ مِن بُذور الهوى، ستيبَس بجوفي قبل أن تُنتِش، أنا أصلبُ مِن أن تخترِقني جُذوره الهشَّة مرَّة أُخرى، لن أسمَح لها بأن تعظُم فيّ، فتتشقَّق جُدرانِي بسببِها، يكفي أن أمنَحها إربًا مِن الاهتِمام.

أبقيتُها معِي، لعلَّها تقهرُ الفَراغَ المُحيطَ بي، وتشغَلني بِها، كُلَّما رتَّل ثغرُها المواضيع بربكَة؛ لستُ مُتحدِّثًا جيِّدًا، رغمَ أنِّي سجنٌ فسيح في زنزاناته ألفُ كلمة، جميعُها مُدانةٌ بجرائِم كبرياء، يستَحيل أن يُعفيَ عنها الزًّمن.

طبيعَة عمَلي لقَّنتني كيفيَّة الاعتِناء بنفسي في غِيابِ الخَدم، أحيانًا أقضي أكثَر مِن شهر بعيدًا عن المنزِل وعن التَّرف، وأجِدُني وحيدًا في مُواجَهة حُفنةٍ مِن المَقادير، وموقِد، ولكِن لم يسبق لي وأن استَعرضتُ مهاراتِي أمام أحد، ستَكون أوَّل امرأةٍ تتذوَّق وجبةً مِن إعدادِي.

لم أتسوَّق مُنذ أيَّام وبِناءً على ما تبقَّى في الثلَّاجَة مِن خضراوات، طهوتُ لَها الحَساء، سيُعينها على دحرِ نزلةِ البرد الَّتي ألمَّت بِها بسببِ كِبري. حالَما تصاعَد البُخار مِن القِدر، مُطعَّمًا برائحةٍ زكيَّة، أخمَدت الفُرنَ مِن تحتِه، سكبتُ لها صحنًا عميقًا، وضعتُه وسَط صينيَّة بلاستيكيَّة، وبِجانِبه عُلبة دواء، لتَرويضِ الحَرارَة، ثُمَّ ذهبتُ إليها.

وجدتُها مُستلقيةً على السَّريرِ كمَا أمرتُها، وذلِك شحَن دواخِلي بالرِّضا؛ غبَر وقتٌ طويل مُنذ أن صادَفتُ شخصًا وديعًا مِثلَها، لا يُرغِمني على توظيفِ أسوأ طلائِعي. حينَما لاحَظت حُضوري، اعتَدَلت بالجُلوس، وكالأعمَى ما رأيتُ على مُحيَّاها أيَّ أثرٍ قد يهديني إلى ما يدورُ في خُلدِها، حتَّى ذاعَ صوتُها مُلقَّمًا بطلقاتٍ مِن الدَّهشة.

«هل أنتَ مَن قُمت بإعدادِ الحَساء؟»

جلستُ على الطَّرفِ الأيسَر للسَّرير، وحططتُ الصِّينيَّة فوق قدميها المُحتَجبتين باللِّحاف، حينَذاك أنشبَت أنامِلها على حافَّتيها، وتولَّت مهمَّة حِفظ توازن الطَّبق. ما إن طوَّق الاستِقرار خِلجانَها، حتَّى رنَّمت بلحنٍ اعتِذاريّ.

«ما كان عليكَ إجهادُ نفسِك مِن أجلي، أنا قادرةٌ على الحراكِ والعِنايَة بكلينا.»

التَقطت المِلعَقة مِن قاعِها، واغتَرفت مِن الحَساءِ رشفَة، اجتَرعتها على الحال؛ كُنت واثِقًا بأنَّ طعمَه سيروقُها، مُذ أنِّي لا أعرِض بضاعةً مشكوكًا فيها.

«لم أعلَم أنَّك تُجيد الطَّبخ، شُكرًا لك.»

تحاشَيتُ الحديثَ عن مُبادَرتي، غير راغِبٍ في أن تقتطف مِن جنائني توقُّعات فاسِدة، تضرُّ بواقِعها. حرَّرتُ قامَتي مِن جاذبيَّة السَّرير، ثُمَّ تناءَيتُ عن مقرِّه بتُؤدَة، وشغَّلت المِذياعَ الَّذي يعلو التِّلفاز، لعلَّ ضجيجَه يملأ فجوةَ الصَّمت العميقَة بينَنا؛ كِلانا مخلوقٌ مِن طينَة الهُدوء، لاحظتُ أنَّها تُشبِهني بطريقةٍ مُختلِفَة في كثيرٍ مِن النَّواحي، لذلِك تواجُدها حولي لا يذرُّ الإزعاجَ في مُحيطي الخامِل، بل يُؤنِسُني نوعًا ما.

وقفتُ أمامَ بابِ الشُّرفَة الزُّجاجيّ الَّذي أطَّر صورةً لسَحائِب متفرِّقة، كما لو أنَّها في خِصام، سهَت عينايَ إلى المنظَر، مُتناسيتين المرأَة المُنهمِكَة في الأكلِ ورائي، وعاضَدت شفتايَ الصَّمت، حتَّى استَفهمت مِن العَدم:

«كيفَ كانت ردَّة فِعله؟»

لم أغيِّر القِبلة رغمَ أنَّها تأخَّرت في الإجابَة؛ أدرَكتُ حينَما تساقَطت النَّغماتُ مِن فمِها بوقعٍ حزين، أنَّها كانت عالقةً عِند غُصَّة.

«لم يسبِق وأن كسَرت قلبًا، النَّظرةُ في عينيه كانت أبلَغ مِن أيَّة كلِمة، إذ قصَّت عليَّ كُلّ ما أحسَّ بِه حينَما أبلغته عن رغبتي في الطَّلاق مِنه.»

لفظَت زفرةً ثقيلةً خارِجَ قارِبها، كأنَّها كادَت تُغرِقُها.

«لقد تمسَّك بي كما توقَّعت، أخشى أن يصعِّب الانِفصال عليّ مِن بابِ الانتِقام لا غَير، بتُّ عاجزةً عن التَّعامُل معَ المشاكِل بسويَّة.»

بعدَ بُرهةٍ وثَبت عدَستاي على سحنتِها الشَّاغِرة، لا تُؤثِّثها سِوى خصلاتٌ مِن شعرِها، عجِزت عن الوُصولِ إلى الرَّبطَة عِند قفا عُنقِها.

«سأوكِّل لكِ محامِيًا.»

«فلتَسمح لي بحلِّ هذِه القضيَّة فُرادى، بِما أنَّك عرضَت عليَّ المُكوثَ في منزِلك، سيتسنَّى لي تكريس كُلِّ راتِبي لتوكيلٍ مُحام، لا تُجبِرني، رجاءً.»

رغمَ صيغتِها المؤدَّبة في رفضِ أيِّ تدخُّلٍ مِنِّي، ما أمسكتُ نفسي عن تسديدِ نظرةٍ حادَّة نحوَها، والإيحاء لها بأنِّي فهِمت المَغزى.

«لن أتدخَّل.»

فجأة، انقطَع تدفُّق الموسيقى مِن المِذياع، وقبل أن يغشى السُّكون مُحيطَنا، حمَلت موجاتُه صوتًا رخيمًا يقول:

«اليوم محطَّةٌ مُميَّزَة، يرتقِبُها جميعُ العشَّاق حولَ العالَم، يوم الحبّ، حيثُ يصيرُ الأثير مِنبرًا مواربًا أمام مَن أهلكته مشاعِره، لكنَّه آثر الكتمان على البوح، وادَّخرها مِن أجلِ التَّوقيت المُناسِب، جاهِلًا أنَّ الوَقت عليها يتقوَّت، اليوم فرصةٌ لا تُعوَّض للاعتِراف...»

أصغيتُ لخِطابِ المُذيعِ بانتِباهٍ شتَّته نفورُ سايا مِن السَّرير، دونَ سابِق إنذار، كأنَّها لُدِغت مِن جُحرِ الفَزع. ركَضَت نحوَ طاوِلة التِّلفاز، وظلَّت تكبِس على أزرارِ المِذياعِ، وتلفُّ الحَلقة الدَّائريَّة الَّتي تتوسَّطُه بعشوائيَّة، تودُّ إخراسَه.

تمكَّنت مِن تشخيصِ علَّتها بسهولة؛ هِي امرأةٌ واضِحةٌ للغايَة مهما بدَت مُعقَّدة، وشخصُها ساطِعٌ أمامَ العيَان، حتَّى لمن لا يعرِفُها. سمِعتُها تتمتِم كلماتٍ غيرَ مفهومَة، مِن بينِها «يا إلـهِي» قبلَ أن تُفلِح في إيقافِه أخيرًا.

الآن وقَد حقَّقت ما صَبت إليه، ظننتُ أنَّها ستَعودُ إلى عُشِّها، شُدِهت حينَما التَقطت مِنفَضة الغُبار مِن فوقِ الطَّاوِلة، وراحَت تُنظِّف شاشةِ التِّلفاز بهستيريَّة. مشهَد ارتِباكِها، ولَّد بسمةً في ثغرِي العقيم.

«دعيها، وعودِي إلى السَّرير.»

أضفت؛ إذ ما أبدَت أيَّة نيّةٍ في الامتِثال.

«حالًا.»

حِدَّة صوتِي قطَعت إصرارَها، فأرجَعت المِنفضَة إلى مكانِها الأزليّ، ثُمَّ شجًّت طريقَها نحوَ السَّرير بخُطًى متلكِّئة، وبصرٍ ساجِد على الأرضيَّة. لفرطِ المَلل، قرَّرت العَبث مَعها قليلًا، حيثُ رمَّمت صدعَ المسافَة بيننا. في مُنتصفِ الغُرفَة، تقاطَعت دروبُنا، ما غفِلت عن الشَّهقة الَّتي انفلَتت مِن ثغرِها، لحظَة ارتِطامِها بصدرِي، سعَت إلى الشِّقاق غيرَ أنِّي وقفتُ لها بالمِرصاد؛ بطَّنت إحدى يداي خصرها، واحتَكرت الأُخرَى خصلاتها المُصفَّفة على شاكِلة حزمة مُهذَّبة، متمايلةً على طولِه، وفي أُذنها همست.

«إذًا فالكأس هديَّتِي لعيدِ الحبّ!»

أضرَبت عن الحديث، كأنَّه باتَ يُرهِقُها، حينَما صَبت قبضَتي نِهايَة شعرها، بنفادِ صبري ثنيتُ سبَّابَتي أسفَل ذقنِها، وبسطتُ إبهامي على متنِه، ثُمَّ اقتدتُها إلى برِّي.

«ما الَّذي تُريدينَه في المُقابِل؟»

«ماذا؟»

مُذ أنِّي أمقُت التِّكرار، لبِثت أحدِّق بِها، إلى أن عثَرت على التَّفسير بنفسِها.

«موعِد.»

عقفتُ أحدَ حاجِبيّ أعلِمها أنِّي ما استَوفيت الجوابَ بعد، ولحُسنِ الحظِّ قرأت ما خططتُه على مُحيَّاي، بدَت عاجزةً عن النُّطق بأكثرِ مِن كلمة!

«السِّينما.»

خَلدنا إلى سريرٍ واحد، قبلَ أن يبلُغَ اللَّيل بُهرَته. ما بيننا لا يسمَح لي بدفنها في ترائبي على مدَارِ غفوة، لذلِك امتَنعت ذِراعاي عن ارتياد جسدِها، لأيَّة غايةٍ كانت. لا أدري ما في جُعبةِ القَدر لنا، هل سيغرِسُ براعِمها في فُؤادِي خِلسةً وما إن تُزهر حتَّى يجتزَّها دونَما رأفَة، ليستعِر كِلانا بألسِنة الفُراق؟ أم ستظلُّ الطَّرفَ الوحيدَ في هذِه العلاقَة، تنتَظرني على الضفَّة الأخرى لجسرِ العِشق، إلى أن تشيبَ عواطِفُها، وتشُبَّ على يدِ السَّأم؟

كُلُّ ما أرغب فيه الآن، أن تصرِفني عن المَاضي الأليم، وأن تُنسِيني تِلك المرأةَ الَّتي شرَّبتني المُهل، في أمسيةِ خذلانٍ حارَّة، وحفرت لي كمينَ مَوت ببراعَة الحَياة. ألبستُها جريمةً لا تمتُّ لها بصلة، وجعلتُها قضيَّة مصيريَّة، تحتاجُ كلَّ فتَّة فِطنة، لا لضَرورَة حلِّها، بل للتَّشويقِ فيها.

حينَما قرَّرتُ مُفاوَضة السُّهاد على قسطٍ مِن الرَّاحة، اجتَذبت رأسي إلى صدرِها، وداهَمتني رائحتُها المألوفَة الَّتي تختبِئ في ذاكِرتي مُنذ ليلتِنا الآثِمة. لم يسبِق وأن غُصت في حضنِ امرأة، لا لنهبِ شِعابِها الأنثويَّة الكامِنة على عمقٍ سحيقٍ مِنها، بل لقضاء خلوةٍ لا شائِبَة غريزيَّة فيها، والعجيبُ أنِّي استَطيبتُ ركوبَ خفقاتِها، مِثل قاربٍ خشبيٍّ مهجور.

أليس مِن المُهين بحقِّ رجلٍ أربعينيّ، أن يُضمَّ كما لو أنّه طِفل؟

-

هلاوز حبايبي خفافيشي اي ميس يو 😢

عشت وشفت بيكهيون وهو يتحاقر مع سايا ويمزح معها 😂😂😂 هو فعلا معتبرها تسلية مثل قطة منزلية وديعة 😂😂👊

طبعا البنت ما تذمرت انا يلي بقول 😂💔

شو رأيكم بالفصل!

أكثر جزء عجبكم وما عجبكم!

بيكهيون!

سايا!

كيف رح يكون الموعد تبعو مع سايا!

طريقة تعاملو معها!

توقعاتكم للفصل الجاي 😎

بالمناسبة عملت إديت للروايه اتفرجو عليه واعطوني رايكم 😂😂🔥

https://youtu.be/oZ5p5tdO7OU

دمتم في رعاية الله وحفظه 🍀

Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro