الفصل| 07
مهما راوَغت الألَم وكذبت على نفسي قائِلةً أنِّي بخير، فإنَّ روحي مليئةٌ بالحُفر، ومصيري أن تزلّ قدمي بأحدِها، وأفترِش قاعَها بانكِسار عاجِلًا أم آجلًا.
لقد كانَ هُو كمينًا حُلوًا، نصبته الحياةُ في دربي، وسترته ببتلات نُبلٍ حمراء سحرت عينيّ، كأنَّها ولتحمِي رأسِي مِن بلاءٍ كادَت لي بلاءً غيرَه، لكِنِّي لم أقَع فيه سهوًا، بل وقعتُ طواعِية، فأنا الَتي وقفتُ فوقَه مِلءَ إرادَتي.
لا أدري لماذا يستمرُّ في الخلطِ بيني وبينَ سومين، حتَّى أنَّه قبَّل عيني ظنًّا أنِّي هِي، وبعثَر مشاعِري. ما رفَّ لي جفنٌ يومَها بينَما أُعاقِر ذاتَ الذّكرى اللَّاذِعة بحلاوتِها، ملمسُ شفتيه، ونغماتُ أنفاسِه، والدِّفء الَّذي تخلَّل مضايِقه. ربَّما لأنِّي كُنت أنزِل مِن غرفتهما ورأسي إلى الأرض، لم يُفكِّر في سُؤالِ نفسِه عن هويَّتي، لاسيِمَا وأنَّها صفَّفت شعري مِثلها!
كانَ اعتِرافُه بأنَّ قُبلتَه الموقوتَة الَّتي مزَّقت دواخِلي شوقًا له، وثقَبت خزانَ الاكتِفاءِ في ذاتِي ففتَك بي الظَّمأ بينَما أنا تائِهةٌ في بيداءِ عينيه القاحِلتين، تكادُ العواطِف تنعدِم فيهما، بِلا مُؤن، مُجرَّد هفوة بسبِب نقص الوعي في جسدِه، مُؤلِمًا للغايَة، لكِنَّ الأحاديثَ العابِرة الَّتي دارَت بيني وبينَه آنذاك واستني، وطيَّبت جُروحي.
كَم وددتُ لو أقصّ لِسانِي، ففي مُحيط فسيحٍ مِن اللُّغَة، وبينَ رفوفٍ مُكتظَّة بالمواضيع المُشوِّقَة، لم يعثُر سِوى على سيرةِ سومين... حبَّذا لو أحييت ذِكرى الحربِ العالَميَّة الثَّانِيَة مُنذ خمسة عشر عامًا فهُو كولونيل وسيروقُه التحدُّث حولَها، لو سألتُه عن رأيِه بخُصوصِ الحرب البارِدة القائِمة حالِيًّا، أو المُعسكرِ الَّذي يميلُ إليه!
أحسَنتُ تنسيقَ ملابِسي رغمَ أنَّها رثَّة بعضَ الشَّيء؛ كُلُّ ما تبرَّعت لي بِه سومين لافِت غيرُ لائِقٍ لمكانٍ مُزدحمٍ بالرِّجال، موقِنةً أنَّ الاحتِشامَ أأمن لي هُناك. بعدَ الحادِث الَّذي وقَع لي صارَ الخوف يتعلَّقُ بياقَتي كُلَّما وطأتُ الثَّكنة، رغمَ أنِّي تحتَ جناحِ الكولونيل. أمَّا شعري فربطتُه ببساطَة كذيلٍ مُنخفض. استَيقَظ جينوو للتوّ، وشرَع يؤدِّي مناسك روتينِه، في حينِ سبقتُه إلى المَطبخ. قبلَ أن أصبُوَه طُرِقَ الباب، واضطرِرتُ لأخذِ الجريدَة مِن الصبيِّ المُكلَّف بتوزيعِها على قصورِ الأثرياء. اكتَفيتُ بتصفُّحِ بوَّابتِها لا غير، ثُمَّ لففتُها بحِرص، واستَأنفتُ دربي، بينَما نسماتُ الخريفِ البارِدة تلفحُ ناصِيتي.
دلفت المَطبخ، فإذا بالكولونيل يستَوطِن كُرسيَّه الاعتِياديّ، كُثبَ المَدخل الزُّجاجيّ الَّذي تجاوزتُ عتبَته للتوّ، واضحٌ أنَّه رجُل لا يحِبّ التَّغيير، يجلِس بذاتِ المقعد، ويرتشِف قهوتَه بالكوبِ الأحمَر ذاته، في صمتٍ مهيب.
استَغربتُ وجودَه هُنا؛ غالِبًا ما يتناوَل إفطارَه في غُرفةِ المعيشَة بمُفردِه، لذلِك استَغرقتُ بعضَ الوقتِ قبل أن أنطِق.
" صباحُ الخير سيِّدي. "
ردَّ التحيَّة بإيماءةٍ طفيفةٍ مِن رأسِه، كُنت لأنعَته بالمُتكبِّر لو ما رأيتُ كيفيَّة تعامُله معَ أفرادِ عائِلته، هُو شخصٌ بارِد بطبعِه.
دنوتُ مِنه، وأنزلتُ الجريدَة بجِوارِه.
" لقد وصَلت مُنذ قليل. "
تلَّقاها دونَ مُقابل، ثُمَّ بسطَها على كفَّيه، وراحَ يتصفَّحُها باهتِمامٍ مُنعزِلًا عن الكون، عنِّي.
حاولتُ أن أتناسى وجودَه الثَّقيل، رغم أنَّه ينهبُ أنفاسي من صدري بلا جُهد، وشغلت نفسي بإعدادِ الإفطار على البار. ما لبِثت وأن انسقتُ نحوَه مُجدَّدًا، مُتَّبعة سؤلًا لاحَ في رأسي فجأة.
" عُذرًا ولكِنَّها المرَّة الأولى الَّتي تُشارِكُنا فيها الإفطار، لا أدري ما تتناوله عادَة، أتُريدُ طبقًا مُحدَّدًا؟ "
انهمَرت نظراتُه على الكوبِ الَّذي انخفَض منسوبُه قليلًا.
" القهوة فحَسب. "
بعفويةٍ ابتسمت.
" أنت بحاجةٍ إلى الطَّاقة، والقهوة لن تفيَ بالغرض، ما رأيُك بالعُجَّة كتغيير؟ "
أردتُ أن أفتَح نافذةً أخرى بيننا، عسى أن يتسرَّب منها حوارٌ رقيق، لكنِّي فقدتُ اتِّزاني حينَما نظرَ إليَّ وهذيت.
" لست أُحاوِل التدخُّل في شؤونِك، كُلّ ما في الأمرِ أنَّك ستقضي اليومَ بطوله في التَّدريب وأنتَ بحاجةٍ إلى شحنٍ جسمِك، أقصِد أنَّك ستتعب إذا لم تتغذَّ جيِّدًا... انس ما قُلته. "
شفطتُ شفتيّ بداخِل فمِي، كي لا تقذِفا المزيدَ من الهُراء بعبثيَّة، وانتَظرتُ أن يُوبِّخني، لأنِّي تصرَّفت معه كزوجِته، ليسَ ذنبي أنَّ الأيَّام قوَّمتني على شاكلة ربَّة بيت صالِحة.
انحلَّت عُقدة حاجبيه.
" ألا تتخطَّينَه أنتِ أيضًا؟ "
لم أستطِع ردعَ الجحوظِ الَّذي أرعد جفنيّ، مُجاهرتُه بأنَّه أنَّه لا يزال يذكُر ما دارَ بينَنا بالأمس، جعلت السَّعادَة تنهش من استِقامَة ثغري.
تجاهَلني وربَّما هو يتَظاهر، إذ شعرتُ بنظراتِه تُلاحِقني حيثُما ذهبت، وما إن ألتفِت حتَّى تنحدِر إلى الجريدَة، شعرت أنَّ بخُلدِه كلامًا ما يرغبُ في العُبور إليّ، رغم غِيابِ الجُسور بينَنا، نحنُ مِثل قمَّتين مُتوازِيتين، لا تتَشارَكانِ سِوى الفلك، ولن تتَشارَكا غيرَه.
وزَّعت الأطباقَ على المِنضدَة، ثُمَّ أتبعتُها بكوبين مِن القهوة، لي ولجينوو الَّذي أتى بعدَما أخرَج السيَّارة مِن المرآب.
" سايا، هل الإفطار جاهِز؟ "
استَدرتُ إليه أحمِل البِشارة، ولكِنِّي وجدتُه في نِزالٍ بصريّ مريب والكولونيل. ما لبِثَ وأن انتَقى المَقعد على يسارِه، وجلَس بتردُّدٍ ملحوظ.
" صباحُ الخيرِ سيِّدي، هل نِمت جيِّدًا؟ "
" ماذا عنك، هل نِمت جيِّدًا؟ "
قبل أن أنبِّهه إلى أنَّ القهوة ما تفتأ حارَّة، احتَوى فوهة الكوبِ بينَ شفتيه واختبَر الاحتِراق بنفسه، حيث خبَط الكوبَ بالطَّاولة، ومدَّ لسانَه خارِج فمِه، مُجتذِبًا الهواء نحوَه بيديه.
" إنَّها ساخِنة. "
هرعتُ إليه أتحقَّق من سلامته بقلق، رغمَ أنَّها مُجرَّد لدغةٍ وسيتلاشى تأثيرها قريبًا.
" لماذا أنتَ في عجلةٍ من أمرك؟ ها قد أحرقت لسانَك! "
كَم أمقُت الزّوجَة المُراعِية الَّتي تسكُنني، كأنَّها دورٌ حُكِم عليَّ بلعبِه إلى الأبد، وكَم مقتُّ ظهورَها أمامَه، وتوجيهها الاهتِمام لرجلٍ غيره!
حجزتُ مكانًا لي قُبالَة بيكهيون مُباشرة، وخِشية أن أصطدِم به اجتَنبت المُرورَ بمُحيطِه، وبقيتُ مُنكبَّةً على الطَّاولة.
" سيِّدَة كانغ، هل يُمكِنك أن تغفري الخِيانَة؟ "
سُؤالُه المُباغِت جعَلني أغصُّ بالصُّبابَة الَّتي سكبتُها في حلقِي، ما استَطعتُ التوقُّفَ عن السُّعال، رغمَ أنَّ جينوو جرَّعني القليلَ مِن الماءِ، تحجَّرت الدُّموعُ في عينيّ لهولِ النَّوبةِ الَّتي شهِدها جسَدي. ما خِلتُ أنَّ نسماتِ السَّعادَة الَّتي راقصَت أوردتي حينَما ناداني إنذارٌ عن عاصِفة عاتية.
" ما مُناسبةُ هذا السُّؤال؟ "
" لقد خطَر ببالِي فجأة، سمِعتُ أنَّ المرأة قد تغفِر أيَّ ذنب عدا الخِيانَة. "
وبينما أجول في عينيهِ بحثًا عن علامةٍ قد تُرشِدني إلى ما تخفَّى تحتَ ترائِبه، عبثًا، ضمَّت كفُّ جينوو يدِي للمرَّة الأولى أمامَ أحدِهم، دون أن تحمِل غايةً مُلتويَة، حيثُ قال:
" هِي لا تعرِف الإجابَة، ولن تعرِفها، لأنِّي لن أسمَح لها بأن تختبِر شعورًا رهيبًا مِثل ألمِ الخِيانَة أبدًا. "
مرَّر بيكهيون إبهامَه على شفتِه السُّفلى كأنَّه يمسَحُ عنها سُخريةً ما.
" كَم أنتَ مُخلِص! "
تلعثمت.
" لماذا تتحدَّثان عن الخِيانَة مُنذ الفَجر؟ الموضوع كئيب قد يمسُّ الشُّؤم بقيَّة اليومِ إن افتَتحتُماه بأحاديثَ كهذِه. "
أنا امرأةٌ بسيطَة، مِن صفحةٍ واحِدة، عُنوان وفقرات، كُلُّ مَن هبَّ ودبَّ قادِر على فهمِها، لكنِّي أمتلِك عقلًا بارِعًا في اختِلاق السِّيناريوهات، لا يسعُني اعتِبارُ سُؤالِه مُجرَّد سُؤالٍ عابِر، هُو الَّذي لطالَما اعتَنق الصَّمت في حضرتِنا لن ينطِق إلَّا لسببٍ وجيه، وكَم أخشى أنَّه لاحَظ نجومَ الانجِذاب في عينيّ، كُلَّما خيَّم عليهما كليلٍ أنيق!
تركتُ جليَ الأطباقِ وتنظيفَ المَطبخ على مينيونغ الَّتي كانت تُساعِد زوجَها في سقيِ الورودِ بالحديقَة. عقفتُ أصابِعي حول مِقبضِ حقيبَتي، ثُمَّ اقتَفيتُ الرَّجُلين إلى السيَّارة، وعِندما وصلت، رأيت جينوو واقفًا أمام بيكهيون، يُكلِّمه بجِديَّة، في حين أضمَر الكولونيل بينَ أبياتِه هِجاءً ثقيلًا، واشمِئزازًا تفشَّى بثغرِه، قبل أن يركب.
تشبَّثتُ بمِحفَظتي طوالَ الطَّريق إلى الثَّكنة، بينما الأفكارُ والتساؤلات تجلد رأسي. قضيتُ دوامِي كُلَّه مُستنِدةَ على عصا تركيزٍ هشَّة، برتها الهواجِس وانقسَمت بينَ تصديقِ فرضيَّاتِي وبينَ نفيِها... لا يُعقَل أنَّه قد اكتَشف سِرِّي!
ككُلِّ يومٍ عُدنا متأخِّرين إلى القصر، نتضوَّر جوعًا، ومُذ أنِّي الخادِمة الوحيدةُ المُتوفِّرة في مِثل هذا الوقت، تكفَّلتُ بتهيِئةِ طاوِلة العَشاء للكولونيل في غُرفةِ المعيشَة بهُدوءٍ تام، لئلَّا أتسبَّب في استيقاظِ أيِّ أحد مِن أفرادِ العائِلة، أوشَكتُ في كثيرٍ مِن الأحيانِ على فقدانِ التوازُنِ، وسكبِ الطَّعام عليه، إذ ما انفكَّت نظراتُه الحائِرة تعصِف بي. ما إن تواريتُ عنه بالجِدار في مُقدِّمة الرِّواق، حتَّى حرَّرتُ أُكسيدَ احتِراقي لفرطِ الارتِباك، هُو يتصرَّف بغَرابَة معي ومعَ جينوو كذلك، لقد زجرَه لأنَّه لم ينتبِه لإحدى الحُفر، فتعثَّرت العجلات بها واهتزَّت بنا السيَّارة قليلًا، رغمَ أنَّه لا يتذمَّر عادة.
بعدَما انتَهيتُ مِن الأكل، خرجتُ إلى الحديقَة لاستِنشاق الهواء النقيّ وهضم ما لقِمته، ريثَما يقومُ جينوو عن المائِدَة ويتسنَّى لي ترتيبُها. تمشَّيتُ بشرود، بينَما عدَستايَ تشُقَّانِ السَّماء السَّوداء لعلَّهُما تُصادِفان لآلئها، فجأةً وثَب أحدُهم على كتِفي، فأطلقت سراحَ شهقة فزِعة، قبلَ أن ألتفِت نحوَ مُستقرِّه؛ لم يكن قاطعُ الطَّريق ذاك سِوى سومين الواقِعة تحتَ أسرِ فستان نومٍ زهريّ اللَّون، تعلوه سترة مُماثلةٌ له، أضفيا على مظهرها الأُنثويّ مسحةً من النُّعومَة.
" لقد أفزَعتِني، ما خطبُك؟ "
" آسفة. "
اجتزَّت المسافَة الَّتي صنعتُها بينَنا، ورست على بُعدِ مضيقٍ مِنِّي بطلعةٍ وديعَة.
" سايا، تعلَمين أنَّك الشَّخص الوحيدُ الَّذي استَضفته لسنواتٍ مديدةٍ مِن عُمري، لا يُمكنُك تصوُّر مكانتك لديّ، أُريد أن أطُلبَ مِنك خِدمة عاجِلة. "
المُقدِّمة الطَّويلَة الَّتي سبقت طلَبها، نبَّأتني بأنَّه لن يطيبَ لي، وربَّما هو أعسَر مِن أن أقتدِر على تلبِيتِه مِن أجلِها، لكِنِّي وفي جميعِ الأحوالِ أعلنت إصغائي إليها.
" ما الَّذي تُريدينني أن أفعَله؟ "
تأبَّطَت ذِراعِي ثُمَّ صفَّت خطواتها بعيدًا عن المطبخ، مُرورًا بجينوو الَّذي رمَقنا باستغراب، دون أن ينبس ببنتِ شفة، ورافقتُها قسرًا مُذ أنِّي مربوطةٌ بِها، وما بدَت على استِعدادٍ لإعتاقِي.
" لقد اتَّصلت ابنةُ خالَتي عِند الظَّهيرة ودعَتني إلى الحانَة اليوم، فتيات العائِلة يُقِمن جمعةً نِسائيَّة للشُّربِ والتسلية، حتَّى وإن كُنت على وفاقٍ معَ زوجِي فهُو لن يأذَن لي بمُبارحَة المنزِل في مثل هذا الوقتِ المُتأخَّر، وإلى أين؟ إلى الحانَة؟ "
طرَفت إليّ وعبست بلُطف.
" فلتُغطِّي على غِيابي حتَّى الفجر، أنا أرجوكِ. "
تساءَلت بينِي وبينَ نفسي عمَّا قد يسعُني القِيامُ به حتَّى أُمهِّدَ لها الطَّريقَ كما تنشد، وبتردُّدٍ نفختُ الرُّوحَ في فضولي.
" كيف؟ "
" تظاهري أنَّكِ أنا، أمامَ زوجي ريثَما أعود. "
تريَّثت عن السَّير، حيث ثوت أقدامُنا رُقعةً عشوائيَّة مِن الحديقَة، مُحاطةً بالورودِ الغافِية على ألحانِ صرصارِ اللّيل، وحدَّقت بها عاجزةً عن استيعابِ قصدِها. لم أحتَج لإنفاقِ كلمةٍ حتَّى تدرِك أنَّ الصُّورَة ما تزالُ مُشوَّشة بعقلي، إذ بادَرت بالتَّفسير.
" نحنُ مُتخاصِمان مُنذ أن أبرحَني ضربًا، كُلٌّ مِنَّا ينامُ في جِهة، لن يُبادِر بالحديثِ معي ما لن أفعَل فكبرياؤُه شاهِقٌ ليسَ مِن السَّهل عليهِ النُّزولُ عنه، كُلُّ ما عليكِ فِعله هُو ارتِداء ملابِس نومِي، والاستِلقاء على السَّرير."
صرَخت مِلءَ حُنجُرتي.
" هل أنتِ جادَّة حقًّا؟ تُريدينَ مِنِّي انتِحالَ هويَّتِك أمامَ زوجِك والنّوم في غرفتِك... "
كمَّمت فمِي بكفَّيها، وهمَست.
" أخفِضي صوتَك، قد يسمعُنا أحدُهم. "
عندما استطَعت تدارُك صدمتي أزحتُ يدَها عنِّي، ثُمَّ لملمتُ كلِماتي الَّتي تشتَّت في قاعِ الرَّفض وغزلتُ اعتراضًا متينًا.
" لا يُمكِنني القِيامُ بما تدعينَني إليه مِن جُنون، بل يستَحيل أن أُقدِم على خِداعِه، هل بيكهيون أعمى كي لا يعرِفَني وأنا في غُرفتِه؟ "
لوهله سطَت الشَّياطين على دواخِلي وأغرتني بحرارةِ اللِّقاء إن سطَّرتُ له موعِدًا، فتردَّدت، لكنِّي سُرعان ما هززتُ رأسي، أُخليه منها، وثبتُّ على قراري.
" لا، لن أفعَل ذلِك. "
كِدت أنسحِب لولا أنَّ حديثها استَوقفني.
" بيكهيون مريض، لقد تعرَّض لحادِث مُنذ ستِّ أشهُر، وما عادَ يستَطيعُ تمييزَ الوُجوه، لن يشكَّ في أنَّ المَرأة الَّتي تُقاسِمه الغُرفَة ليسَت أنا. "
ازدَحمَت الدَّهشة وسَط جفنيّ، حتَّى هدَّدا بالتمزُّق، وحُبِست كلِماتِي خلفَ قُضبانِ الصَّمتِ الغليظَة، ما تلفَّظت بِه نزعَ بيني وبيني، فارتَفعت ألسِنةُ الفِتنة فيَّ وأحرَقتني، ما باليتُ بِما لحِقَ كلمةَ مريض، أحقًّا به عِلَّةٌ تُعذِّبه؟
رفضتُ أن أُصدِّقَها، أعرفُها جيِّدًا، هِي قادِرةٌ على اختِلاقِ أيِّ كذبة حتَّى تُدرِك مُرادَها، لذلِك نفضتُ مُحيَّايَ مِن الأسى.
" لم أسمَع عن هذا المرضِ مِن قبل، أهُو موجودٌ حتَّى؟ "
احتَوت ذراعي بينَ كفَّيها بانفعال.
" أُقسِم لكِ أنِّي أقول الحقيقَة، لقد وبَّخني بشدَّة لأنِّي أعطيتُكِ مِن ثيابِي، يخشى أن يظُنَّك أنا. "
لحظَتها تذكَّرتُ أنَّه أخطأها بي لمرَّتين، لقد كانت أعذارُه واهِيةً ولكِن لغبائِي صدَّقتُها.
" إذًا فالأمرُ هكذا. "
" أتوسَّلُ إليكِ سايا، أنا حقًّا أُريدُ الذَّهابَ معهنّ. "
باستِسلامٍ زفرت.
" حسنًا. "
قفزت عليَّ كطِفل صغير، لطالَما أتقَنت استِدراجَ النَّاس لتحقيقِ رغباتِها، هِي ذلِك النَّوعُ المُتحرِّر مِن النِّساء، يستَحيلُ أن ترضَخ للرَّفض، لاسيما وإن فاهَ بِه رجُل، مهما بلَغت مِن الحُبّ، ومهما بلَغت خُطورةُ التمرُّد، نظرُها قصيرٌ مُسلَّطٌ على اليوم فقط، لا يمتدُّ إلى الغدّ أبدًا.
بعدَما تناءَت عنِّي، سرَدت عليَّ خطّتها الجهنَّميَّة بحماسة.
" لقد خبَّأتُ كيسًا يحتَوي على ملابِس السَّهرة بينَ الزُّهور، سأخلعُ فُستانَ النَّومِ هذا في الحمَّامِ وأمنحُكِ إيَّاه، يُمكِنك إخبارُ زوجِك أنَّك ستسهرينَ معِي اللَّيلة في غُرفةِ الجُلوس حتَّى لا ينتظِرك، لا أظنُّ أنَّه قد يُمانِع. "
أومأت لها بانصياعٍ، ثُمَّ أُبت إلى المَطبخ والعديدُ من الأفكارِ ثائرةٌ برأسي. وجدتُ جينوو على وشك الخروج، إذ فرغَ من تناول عشائِه، كان التَّوقيتَ المُناسِب لإطلاعِه عن المسارِ الأعوج الَّذي رسمتُه لليلَتي هذه.
" لقد قابلت سومين في الحديقَة، وطلَبت أن نسهَر سويًّا. "
" لا بأس، يُمكنُ لمُخطَّطاتِي الانتِظار يومًا آخر. "
نقشتُ على ثغري ابتِسامةً مُتكلِّفَة حينَما أنجَب بخدِّي قُبلة مُرَّة، وتفرَّجتُ عليه وهو يغيب عن ناظريّ رويدًا رويدا. أفرجت عن تنهيدةٍ سقيمَة قبل أن أنكبَّ على المِنضدَة، وأنتشِل الأطباق الَّتي استخدمناها، ثُمَّ قصدت غُرفةَ المعيشَة ونظَّفتُها هي الأخرى... بمُجرَّد ما فرغت من أشغالي، وافيتُ سومين إلى الحمام في الطَّابق الأرضيّ، وقبضتُ منها ثيابَ نومها الرَّفيعة الَّتي استوطَنت جسدِي. لم أكُ يومًا امرأةً مُتهوّرة، لم يسبق وأن برحت حُدودَ الأمانِ من قبل، لا أدري لِماذا وافقتُ على وثبةٍ خطرة مِثل هذِه، لعلَّه جشَعي لوقتِه الَّذي لم تورِثني الحياةُ منه شيئًا، ولو حِصَّة ضئيلَة تسدّ رمقي!
ارتَكنت قُبالتَها بينَما أُحاول سترَ ساقيّ.
" أمتأكِّدةٌ أنَّه لن يكتشِف أمري؟ ماذا لو شعَر بالخَلل؟ "
تمسَّكت بحافتيّ كتفيّ، ورقَعت شكوكِي بيقينِها.
" اطمئنِّي، ما كُنت لأجازِفَ لو كان بي أدنى شكٍّ في أنَّه سيعرِفك. "
ألقيتُ نظرةً مُتردِّدة على طريقي المَحفوفِ بالأهوال، ثُمَّ صعدت الدَّرج على رؤوسِ أصابِعي وُصولًا إلى الطَّابِق الثَّاني. التَقطتُ نفسًا عميقًا يُعيلُ رئتيَّ على احتِمالِ نفقةِ الآتي، وولجت الغُرفَة بارتِباك؛ الظَّلامُ مُستولٍِ على الأرجاء، عدا بصيص نورٍ يتدفَّقُ مِن أحدِ الأبواب المفتوحَة، صحبة نغمات موسيقيَّةٍ عذبة. بعدَ نِزاعاتٍ داخِليَّة مُحتدَمة سُقت نفسي نحوَ السَّرير، وحينَما مررتُ بالباب علِقَت هيئةُ الكولونيل ببصري، كفُّه يتوسَّدُ صدغَه، والآخر يحتجِز كأسًا زُجاجيّا قصيرًا على المكتب، بمُحاذاتِه قِنديلٍ مُتوهِّج.
دفَعني حُبِّي للنِّظام نحوَه، وربَّما رغبَتي في تأمُّله عن كثب جلعتني أستغلُّ نومَه لتحقيقِها، فرَّقت ذِراعَ الفونوغراف عن الأسطوانَة السَّوداء، فسادَ الصَّمتُ في المَكانِ، ولم يُتلفه سوى صوتَ خطواتِي بينَما أتنقَّلُ هُنا وهُناك؛ أخذتُ الكأسَ مِن يدِه ووضعتُه جانِبًا، ثُمّ رتَّبتُ الأوراقَ المُبعثرةِ بعشوائيَّة... سُرعانَ ما توقَّفت بجانِب كُرسيِّه الجلديّ مُتسائِلة، لماذا أتصرَّفُ كخادِمةٍ الآن؟
" ما هذا الاهتِمام الَّذي تشعشع فيكِ فجأة؟ "
دُفنت تحتَ صوتِه الَّذي انهارَ عليَّ فجأة، ووقفتُ أمامَه مِثل تمثالٍ لا روحَ فيه، ظننتُ أنَّها نهايَتي، لكن قبلَ أن أصُبَّ عليه سيلًا من التوسُّلاتِ حدجني بنظرةْ بارِدة جمَّدت دمائي.
" ليسَ مِن شِيمِك ترتيبُ الفوضى حتَّى وإن عمَّت الغُرفَة، ألستِ مَن قُلتِ أنَّها وظيفةُ الخَدم؟ "
حدَّثني بصفتي شخصًا آخر أقربَ مِنِّي إليه؛ كأنَّه يراها من خِلالي، هو لم يتعرَّف عليَّ فِعلًا!
اعترتني مشاعِر مُختلطة، الرَّاحة لأنِّي نجوتُ مِن هلاكٍ محتوم، السَّعادة لأنِّي أنظُر إليه لا إلى طيفِه الخياليّ، والحُزن لأنِّي لستُ مألوفَة لقلبِه... ما وجدتُ حيلةً غير الفِرار، لكِنَّه أمسك مِعصمِي بقوَّة، وصرخ بنبرةٍ مُترنِّحة؛ هُو ثمِل.
" كَم مرَّةً أمرتُكِ ألَّا تهرُبي ما دُمتُ أتحدَّث وأن تُصغي إليّ حتَّى أضعَ النُّقطَة على السَّطر؟ هل تُريدينَ أن أَهدِم معالِمَكِ ثانيةً؟ "
برَم شفتيه بعصبيَّة، فيما جلَدتني مُقلتاه بسياطِها المفتولة، ويدُه بالألَم. عضَّني الذُّعر، إذ أرى لهُ جانِبًا قبيحًا للمرَّة الأولى، ما علِمت عن وجودِه فيه... على حينِ غرّة أوقَعني في حجرِه!
" لا تروقُني لُعبةُ المُطارَدة، لذلِك اعتزليها، إن رغِبتِ في الحِفاظِ علينا. "
لفرطِ الصَّدمةِ ما استَطعتُ تمييزَ كلِماتِه كأنَّها صامِتة، أو أنا الَّتي أُصبت بالصَّمم. تيبَّس جسدِي سويًّا وقبضَتيّ العالِقتين في الفراغ. راقبتُه بدهشةٍ حينَما مالَ نحوَ المكتب، والتَقط قنينةَ المشروبِ ثُمَّ ملأ كأسَه مِنها، وقدَّمه لي.
" والآن اشرَبي. "
كانَ عليَّ التَّراجُع قبل أن أتورَّط في ما لن تُحمَد عُقباه، غيرَ أنَّ لِسانِي غدَر بي، وأبى إرسالَ بنيهِ خارِجًا.
" قُلت اشرَبي. "
نبرتُه الخشِنة ردَمت جميعَ منافذ الاعتِراض في وجهي، ما امتلكتُ الشَّجاعَة على صدِّ أمرِه حتَّى لا أثيرَ شكوكَه حِيالي، بحوزَتي كذبةٌ وسُمعة عليَّ حمايتُهما بما أوتيت.
قُدرةُ احتِمالي لا تتعدَّى الثَّلاثَ كؤوس، وقد أرغَمني على ارتِشافٍ أربعٍ لسببٍ أجهلُه. خشيتُ أن أنطِق فيكتشِفَ أنِّي لستُ سومين، لذلِك سايرتُه دونَ أيِّ تذمُّر، حتَّى تبرَّأ جسدِي مِن عقلي، وقتَها فقدتُ السَّيطرة على تصرُّفاتي.
" أصدِقني القول، هل أنا مُمِلَّة إلى الحدِّ الَّذي قد يجعلُ زوجِي يفقِد اهتِمامَه بي كامرأة، ولا يقصِدُني إلَّا ليُشبِع رغباتِه كرجل؟ حتَّى وإن كُنت أفتقر إلى بعضِ المِيزات، حتَّى وإن ما عُدت أرقى إلى معاييرَه، هل يحقُّ لهُ أن يُعاملني كجسَد فقط، مُتجاهِلًا أنًّ بي روحًا محرومَة بحاجةٍ إلى الثَّناء، والحُبّ؟ "
نكستُ رأسي بخيبة، ولممت شمل أنامِلي فوقَ فخذيّ.
" أتظنُّ أنَّ أنوثَتي قد تساقَطت وسِحري تلاشى؟ "
ربَّما أنستني المسؤوليَّة، وقِلَّة اهتِمامه بنفسي، كيفَ أكونُ أُنثى؟
" دعِيني أتحقَّق مِن ذلِك. "
زارته عدستايَ تستفهمان عن قصده، فأغرقَ وجهَه في رقبَتي واستَنشق أريجي بتعطُّش، يجهلُ أنَّه بفعلته تلك لعن المنطِق، بل وأخُذني إلى فردوسٍ مُحرَّم على متنِ أنفاسِه الكثيفَة، وعبقِه الرُّجولي الجبَّار...
بعفويَّة اتَّكأت يدايَ على كتفيه في حين همَس.
" ما تزالينَ أُنثى فاخِرة، تفوحُ الغِوايه منها. "
قلبي رفرفَ بينَ سُحب الإطراء، وعيتُ للتوِّ على المرفأ الَّذي يرسو فيه جسَدي، أنا أجلِسُ في حِجره، على قُربٍ ما حلُمت بِه قطّ، بلَّلت شفَتي لعلِّي أُخمِد مشعل الرَّغبة المَغروسِ بينَهما، وأمتُّ الأفكار الَّتي اجتاحَتني بلا حقّ.
وشَّح البردُ عُنقي حينَما غادَرها دونَ أيِّ وعود، كأنَّه كمَّلني للدقائِق معدودَة ثُمَّ ترَكني للنّقص مُجدَّدًا... فجأةً تغيَّرت لهجتُه وغدَت أكثر صرامة.
" متَى ستُدركينَ أنَّكِ ما عُدتِ مُراهِقة، بل امرأةٌ مُتزوِّجَة عليها مسؤوليَّات؟ كَم عليَّ أن أصبِر عليكِ لتنضجي، وتكفِّي عن ألاعيبِك؟ أتظنِّين أنَّ صبري قد يسعُك إلى الأبد؟"
رمقتُه بحَياءٍ، إذ لقفت أنامِله ذقني، لم أُرِد أن يرى الوَهن الَّذي انتشَر في عينيّ، نسيتُ أنَّه لا يراني، حتَّى وأنا فيه!
" لستُ ذاتَ الرَّجُل الَّذي تعرَّفتِ عليه، لقد علِمت مُنذ البِدايَة أنِّي صعبُ المراس، وما أُعانِي مِنه جعلَ مراسي أصعَب، أوليس عليكِ استيعابِي كما أستَوعِب طيشَك؟ ما كُنت لأستَخدم العُنف لو أنَّكِ انصعتِ لي بالَّتي هِي أحسَن. "
رضيتُ بالوصال الَّذي سنَّه بحقِّ جبينينا، رغمَ أنَّ أنفاسّه الرَّتيبَة أفقدتني صوابي، حتَّى أنِّي عجزت عن النَّظر إليه.
" لا أريدُ أن أندَم لأنَّك كُنت خياري. "
اهتَديتُ إلى أنَّه يُشبِهني، فكِلانا يحصد تبعات خياراتِه الَّتي بدَت له في لحظةٍ من اللَّحظات المُفعمة بالحُبِّ صوابًا، وربَّما لم تكُن خطأً أيضًا، بل عبِث بنا الزَّمن وغيَّرنا حتَّى صارت لا تُناسِبنا.
" ما كُنتَ لتشعُر بخيبةِ أملٍ لو أنَّها أصابَتك بسبب لُغمٍ حياتيّ، لكنَّك تشعُر بألمٍ مُضاعفٍ لأنَّك الَّذي حالَفت الحياةَ على تحطيمِك، لأنَّك بنيتَ توقُّعاتِك في أرضٍ خُيِّلَ لكَ أنَّها الأمثلُ، فكشَفت لكَ الأيَّامُ رداءَتها. "
بعد فُراقٍ مرير، رنوتُ إليه بنظراتٍ ولهة، عيناهُ بلونِ الشَّامبانيا، مُسكِرة!
" ليتَك كُنتَ خياري. "
جُبِرت انكِساراتُه، غيرَ أنَّه ما قامَ إلَّا ليتعثَّر ثانِيةً، فها هُو ذا يتأمَّلُني بخُمول. طمَعي بِما لن يُختَم باسمِي أبدًا قادَ كفيَّ إلى خدَّيه، لمستهما بجُرأة واستَمتعتُ بالنَّعيمِ المُؤقَّت الكامِن بين رُبوعه، ما دامَ في مُتناولي، لحظةٌ كهذِه لن تخرُجَ مِن أحلامِي إلى الواقعِ مُجدَّدًا.
" أودُّ زِيارَتك، حتَّى ولو سافَرتُ إليكَ مشحونَة في كِذبة، كهاربٍ مِن العَدالَة. "
حينَما وعيتُ على حماقةِ ما تفوَّهتُ بِه، نهضتُ عن حِجره، ورغمَ أنَّه نهانِي عن الهَرب، تبنَّيتُه، إذ باتَ البقاءُ معه مُضرًّا بقَراري، يُذهِب عقلي. كُنت ضعيفةً للغايةِ بسببِ السُّمومِ الَّتي تجري في عُروقي، وشوقي الثَّقيل له.
قبلَ أن أنزِفَ في بُعدِه خُطوة أُخرى، اختَزنت ذراعاهُ خصريّ، وتمايَلت شفَتاهُ على عُنقي، تُسقطَانِ القُبلَ مِن سِلالِهما، كأنَّ الرَّغبَة ثقبتها، وربَّما تعمَّدَ تركَ آثارٍ لن تقودُني لسِواه، حتَّى وإن ظلَّ بصري عنه، فإنَّ خفقاتي ستذهبُ إليه. أفصَحت لي أنفاسُه المُضطرِبة، ولمساتُه الَّتي لم تعرِف كيفَ تستَكينُ مُنذ أن حطَّت على جسدِي، أنَّه يبتغيني، ما يُؤلِمني أنِّي لستُ المعنيَّة بنِداءِ ألسِنة رغبتِه النَّاقِمَة، رغمَ أنَّ بينَ خنادِقي ما يُطفِئُها!
" أخبرتُكِ أكثَر مِن مرَّة، أنتِ سِلاحٌ فتَّاك، أرديني قتيلًا بقُبلة، كُلَّما ثُرت. "
نويتُ أن أفصِلَه عنِّي قبل أن نلِج محفلَ الإثم الباذِخ مِن أوسعِ أبوابِه، لكِنَّ ثغرَه نشَر الثُّغورَ في إرادَتي حتَّى ابتَلعتها بالكامِل، إذ زرَع وساوِسَه في أُذنِي، لامِسًا جسدِي بجُرأة.
" فلنُشعِل حربًا خاسِرة، ولنتَقاسَم الغنائِم على السَّرير. "
تنهَّدتُ بصخب بينَما أُشيِّع آخِر جثامينِ الوعي في وغَى الشَّوق، وعانقتُ ذراعيه أكبَحُ آهاتِي بدَل أن أدفَعه عنِّي، وأنقِذ نفسي مِن مِصيدَة الخطيئَة، لقد حرَقتني الشَّراراتُ المُنبعِثة مِن بنانِه، وأشعَلت فيَّ حُروبًا ضارية... رأيتُ السُّترةَ تُغادِر جِسمي وتفترِشُ الأرضَ، كبادِرةٍ مِن بوادِر الإثمِ الَّذي يتربَّصُ بنا، وأنا عاجِزةٌ عن الحراك.
لفَّني نَحوه على مهلٍ، وصفَّ خصلاتِي خلفَ أُذني بلُطف. انزَلقَت أنامِله على وجهِي، تُوزِّعُ بينَ ملامِحي عاطِفةً شقيَّة، شيِّقَة، كالصبيِّ الَّذي يُوزِّع الصُّحف كُلَّ صباح. على حافَّة جفنيه تتلاشى الأبجديَّات، فأصيرُ أُميَّة لا تَفقَه في المَبادِئ شيئًا، وها أنا ذا أقِفُ في حضرتِه صامتةً مُتلهِّفةً لخطوتِه القادِمة، رغمَ أنِّي فكَّرتُ للحظةِ وعيٍ بشِعة في التمسُّك بشرفي والابتِعاد، لكِن لا، هُو يتعذَّب، سومين لا تستحِقُّه... بأنانيَّة أقنعتُ نفسِي.
تلمَّس إبهامُه شفتِي السُّفلى برفق، مُحرِّضًا جفنايَ على إعدامِ النُّور طواعِية. عيناهُ أقسَمتا أنِّي أعظَم ما ينشُده، ولولا أن يقتطِف ما طابَ له مِن بساتيني، ويتذوَّق حُسني بقبلاتِه لسوف يسخَط عليَّ طوال عُمره. دونَ رُخصةٍ أو حتَّى إنذار، احتلَّ ثغري بروِيَّة، وفي قُبلةٍ ضاريَة خطَّ رواية، بعُقدِها الحامِية، بتقلُّباتِها العاطِفيَّة وتعثُّراتِها. تحرَّر عقلي مِن قيدِ خياري الخاطِئ، مُذ أحكمت ذراعاه تقييدي، وشعرت أنَّ الكونُ يقتصِر عليَّ أنا وهُو فقط؛ كُلُّ ما يصنعُه بِي يذيبُني، كيفَ يصلبني بجسدِه كآثِم، وكيفَ يبعثرَني مِثل الغُبار في الهُيام!
لم يكُن إيمانِي قويًّا بالقدرِ الكافي لأتغلَّب على نزغِه، الَّذي جمَّل الخطيئة في عينيّ، حتَّى بصيرَتي الَّتي لطالَما أرشدتني إلى الطَّريق الصَّحيح أخذتني إليه، ولم تكُن قدمايَ قويَّتان لتحمِلاني بعدَ أن ثنتهُما الرَّغبة، وجعَلتني أجثو على ترائِبه، سافرت يداي إلى وجهِه بُغيَة الفضِّ بينَنا فانتَهى بِهما المَطاف خادمتيين تحتَ إمرتِه.
استَسلمت لغزوِه الشفويّ الغاشِم، رغمَ أنَّه سلبَني سِيادَتي على نفسِي، وأدمَجني بِه، كأنِّي إحدى مُقاطعاتِه، لا أنتَمي إلَّا إلى حُدودِه. غلغلت أصابِعي بينَ خصلات شعره، واجتذبتُه إليَّ بتعطُّش، أُفتِّش عن الاكتِفاء، أردتُ المزيدَ مِنه، وأعلَم أنَّه يريدُني بذات القدر، فأنامِله مُحتجَّةٌ حولَ ثوبي، تُطالِب بأكثرِ مِن قُبلة. تسلَّلت شفتَاهُ خارِجَ فمي، مُستهدفتين عُنقي، أزحتُ رأسي حتَّى يتسنَّى لهُ الفتكُ بي، وبينَما قواطِعه تنخرُ أديمِي، انفَلتت مِنِّي أناةٌ أثارَت جُنونَه بي كرجُل، فاندَفعنا معصوبين بالحُبِّ وربَّما الشَّهوة خارِج مكتبه، كمَّا جرَّدني مِن ستاري في عُقرِ الغُرفَة، جرَّدته مِن ملابِسه، وتلذَّذتُ باصطِدامِنا الشهيّ هذا على سريرِه، مُستشعرةً تفاصيلَ جسدِه بكامِل حواسِي، دون خجَل كأنَّه ملكي؛ عضلاتُه، ذِراعاه الشَّديدَتان، وترقوتُه.
سافرتُ إليه في قاطِرة الخِداع، كمهاجِرة غير شرعيَّة، وما سمحتُ لأفكاري السَّوداويّة ومخاوِفي بانتِزاعِ هذِه اللَّحظاتِ المُذنِبة مِنِّي. طارَحني جسدِي بشغف على فراشٍ ينتَمي لامرأةٍ غيري، بأنانيَّة مُطلقةٍ استَبحتُ استِعارتَه ولو لليلَة، لأُشبِع هوسي الغير منطقيّ به، البِئر الغاني الَّذي ترتشِف مِنه امرأةٌ أخرى، أردتُ الارتِواءَ مِنه، قد يرانِي أرضًا حِلٌّ بِه المَساسُ بِها والإفسادُ فيها، لكِنِّي ما أزالُ أراهُ سماءً بعيدةً عن يديّ، رغمَ أنِّي أُرفرف بحالميَّة فيها، وأنثُر أشعاري في لثماتٍ حارَّة، ولمساتٍ طائِشة، أُشارِكُه حذافيرَ الذَّنبِ الَّذي تحرَّف للحظاتٍ أعماني نورُها وصارَ لِقاءً مُقدَّسا، في جنَّة الوِصال.
هُو رجلٌ يكتُب اعتِذاراتِه بقُبلات لا تُنسى، لا بالحُروف، رجُلٌ يُلبِسُ كلِماتِه الصَّامِتة دِفئًا ثخينًا، ليسَ بحاجةٍ لأن يقترِن بخلاخيل الصَّوت حتَى يُسمَع، لأنِّي أراه، وحواسي ترتشفه بينَما ينسابُ عليَّ بنعومةِ النَّدى إبَّان الصُّبح.
لقد حُبِستُ في مزهريَّة خانِقة، لكِن لم يسبِق وأن تعامَل معي أحدٌ بحِرصٍ كأنِّي مِزهريَّة تنكسِر بسهولة، طقوسُه السَّاحِرة جعلَت روحِي تُغادِر جسَدي إلى أعنانِ السَّماء؛ تعاويذُ حُنجرتِه كُلَّما تنهَّد يشكو لي مشقَّة تضاريسِي عليهِ كرجُل، ثِقله المُلقى علي بخِفَّة، ونظراتُه الَّتي تُلفِّق لي جريمَة فِتان كُلَّما تناءينا بحثًا عن الهواء، معَ أنَّه لا يُبصِر حُسني، كيفَ لرجُلٍ بارِد القالب أن يمتلِك جانِبًا دافِئًا؟
اتَّكأ جبينُه على جبيني الَّذي بلَّلته دموع قلبي السَّعيد بلقاءٍ آثم، قبلَ أن يُلوِّثَني كما لوَّثنِي حُبُّه، قبل أن يملأني بِه، قبلَ أن يكتُبَ روايَة حُبٍّ على جسَد ليسَ ملكًا له!
" محظوظةٌ أنتِ بي، لأنِّي لن أرى ما صنَعه العُمر بمُحيَّاكِ، مهما فرمَ مِنك ستظلِّينَ كامِلة. "
ادَّخرتُ ما تيسَّر لي مِن ذكريات هذا الاشتِباك الشَّاعري، وسيَّرت لمساتِي العَرجاء لثِقل ما تحمِله مِن عاطِفة، على صدرِه.
" حتَّى وإن كُنتَ لا ترانِي، أتمنَى أن ترى مشاعِري القبيحَة، بقلبِك جميلة."
-
مِن هُنا بدأت قِصَّة حُبّ مَلحمِيَّة
بينَ امرأةٍ ذابلة، ورجلٍ مُتساقط.
بل قضِيَّة حُبّ!
-
مرحبا خفافيشي 😎
كيفكم! شو اخباركم! وحشتوني ما!
😉😂👑
الفصل ناري صح! 😂بالفصل الماضي خبرتكم انو في شي مجنون رح يصير 😌 اكيد ما حدا توقع جنان من هذا النوع 😂💔
آخر مشهد كان بداية تشكل رواية جسد بعقلي، هو يلي خلاني اكتبها وخلاها تشوف النور تقريبا، حسيتو مميز وجديد 😂🔥
اتمنى توصلكم المشاعر والهرمونات 🏊
عشنا وشفنا بيكهيون ينخدع
😂😂 😎🔥
الدراما يلي استوحيت منها الروايتين مش الجمال الداخلي، ولا الدراما تبع سوهو 😂😂 اسمها حياة سكرتيرتي الخاصة مظلومة بس فكرتها بتدعس على لتنين يلي قبلها 🌚💙
سو....
شو رايكم بالفصل!
اكثر جزء عجبكم وما عجبكم!
بيكهيون!
سايا!
سومين!
جينوو!
وش يصير لما يصحو!
بيكهيون يكتشف او لا!
شو مشان سومين بتلحق تشوفهم!
جينوو وهو داخل مثل الخنزير للمطبخ يسأل عالافطار بعد عملتو ذكرني بالرجل الجزائري 🌚🌚🌚🌚🌚🌚🌚🔪💦
غزل بيكهيون الراقي وكل كلامو ذوبني يا ناس، اذا انا صرت خروفة كيف بتكون مشاعر البنت وهي معو 😭😭😭
على فكرة الفصل طالع طويل بسبب سرد المشهد الشميل تحمست كالعادة، ورح ترجع الفصول للطول الاعتيادي 🌚🏃
ابهروني بتوقعاتكم للفصل الجاي 😈🔥
دمتم في رعاية الله وحفظه 🍀
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro