أمسيتُ غارقًا!
تصاعدتْ دقات قلبها في حماسٍ شديدٍ وهي تشاهد بطل مسلسلها المفضل يُقَّبِلُ البطلة أخيرًا عند حافة جبلٍ يطلُّ على بحيرةٍ براقةٍ.
أحسَّتْ بفراشاتِ الغبطة ترفرف في جوفها، وبجسدها يقشعر ويرتعد في حين ابتسمتْ ابتسامةً بلهاءَ وقد أشرقتْ أحلامها بأفكارٍ رومانسيّةٍ رقيقةٍ ترغب في أنْ تعيش مثيلاتها.
التقطتْ هاتفها الملقى بجوارها بأصابع متلهفةٍ لتفتح صفحته على الفيسبوك وتتأمل صوره البهيةِ، تغرق في ملامحه السَّمراء العذبة وتذيبها ابتسامته اللؤلؤيّةُ وعضلاتُ صدره المشدودة، كأنَّه تمثالٌ يونانيٌّ قديمٌ قد بُثتْ فيه حياةٌ جديدةٌ.
لا تتأمل مِنْ وجودها إلا أنْ تمنحها الحياة فرصةَ العيش مِنْ أجله عمرًا كاملًا، سوف تكرِّسُ حياتها في سبيله وحدهِ، تؤمن أنَّها لَمْ تخلق إلا لتحبَّهُ.
تفتح محادثتهما معًا، تحدقُ بسعادةٍ وحبٍّ في رسائله الغراميّةِ الأخيرةِ، وتشرع في كتابةِ رسالةٍ تختزل فيها قلبها دقةً دقةً.
فجأةً يبدو لها أنَّ دقاتِ قلبها تتسربُ مِنْ جوفها لتغمرَ الوجود حولها، حين بدأتِ الأرض تحتها تهتزُّ اهتزازاتٍ مفزعةٍ، سقط الهاتف مِنْ يدِّها وتزعزعتْ سكينتها لتغدو فزعًا وهي ترى أثاث الغرفة ينتفضُ وترى جدران البيت تتهشم حولها وفوقها دون رحمةٍ، في حين تعلو في الأرجاء سمفونيَّةُ صراخٍ وعويلٍ مرعبةٍ.
ارتطمتْ بالأرض بقوَّةٍ وهوتْ على جسدها الهزيل أجسامٌ صلبةٌ وصخورٌ هشَّمتْ عِظَمَها، انتابتها حالةٌ مِن الهلع ومرَّ شريط حياتها خاطفًا وهي تتفطن إلى كونها على حافة النِّهاية: لقد انتهى الاختبار، انتهتْ فرصة الصلاح، قبل أنْ أستعد إلى ملاقاة الله!
العصر الحديث دسمٌ بالملهيات، قد أبدع الإنسان خلاله في عمليةِ التطبيع مع المحرماتِ والخطايا.
تَفَكَّرْ جيّدًا أيُّها القارئ في عاداتكَ اليوميّةِ واهتماماتكِ المفضلة، كم سلوكًا حذَّرنا منه الدين بات اعتياديًّا نتقبله بتهليلٍ ورضًا دون تَفَكُرٍ أو إدراكٍ؟
لقد بتنا مثلًا كصديقتنا التي تناولنا حكايتها، نشاهد الأفلام العاطفيّةِ، ونقرأ الرواياتِ، وننسج الأحلام على منوالها، شبانٌ وفتياتٌ أجانب يلتقون في خلاءٍ، ودون حدود وضمن مشاهد مجملةٍ ومبهرجةٍ بعنوان الحبِّ الصَّادقِ المقدسِ قد تجرف أصحابها لاحقًا إلى منعطفاتٍ مؤذيةٍ، كُلُّه تحت عنوان أطهر المشاعر حسب الأساطير وأنبلها في الأنفس.
بل يتمادى الإنسان في تعظيم فكرة الحبِّ إلى جعله المسوغ الّذي لا يعترف بالمبررات، كلُّ ما في الحبِّ مباحٌ، لا سلطانَ لنا على قلوبنا، لا منطقَ للقلبِ، ما يجعلُ الإنسان يخطو هانئًا مطمئنًا على طريق هلاكه، مسخرًا قلبه لانزلاقات العواطف، ملغيًا صوت العقل.
تغيب وسط هذه الصورةِ المزينةِ قيمٌ كثيرةٌ كحفظ النَّفس وحمايتها مِن الاستغلال جسديًّا كان أو عاطفيًّا، وتجنب الاختلاط دون مبررٍ لما يمكن أنْ يقع منه مِن اعتداءات، والنَّهي عن المواعدةِ سرًّا، والأمر بدخول المنازل مِنْ أبوابها وضرورة تجنب العلاقات غير الشَّرعيَّةِ التي قد تكون مستنزفةً للنَّفس والجسد.
بعضنا تجرفه هدايا عيد الحبِّ وحكاياتُ الليلِ اللطيفةِ، وتصاعد الأدرينالين في الدم والأشعار والخيالات، فينسى أوامر الدينِ التي إنْ كانتْ تهدف لشيءٍ فهو الحماية، وينجرف مع سيل الشُّعور والحكايات الغراميّةِ متناسيًا التفكير في ذاته وسلامتها.
جزءٌ منَّا تطيح به الأغاني ذاتِ المعاني الفاسقةِ، تجده ينام على ضوضاء سماعاته وينطلق في يومه بألحانٍ صاخبةٍ تبثُّ رسائل ضارةً يكررها بدايةً لهوًا، طربًا للحن الممتع، ثمَّ مرارًا وتكرارًا تذوب في خُلْقِه وأفكاره فتغدو بعض الطبائع الفاسدة جزءًا مِنْ قناعاته، ينجرف وسط هذا التيار بدل استبداله بالذِّكر الطَّيب المطمئن الّذي ينقي النَّفس ويطهرها مِنْ شرِّ الفِّكر والشِّعور، ويبرمج الإنسان على التَّقوى والصَّلاح.
تجد هذا الفرد أحرص المتابعين لجديد الموسيقيين وأخبار المشاهيرِ وحكاياتهم، يعتبر بعضهم قدوته في الحياة ومَثَلَهُ الأعلى ويحلم بالسَّيرِ على خطاهم.
يغيب عن بصيرته في تلك الأثناء ما يمكن أنْ تُثَبِتَه أفكارها في عقله مِنْ سمومٍ، يغفل عن قراءةِ القرآن أو تعلم المزيد عن ما يحبُّه الله، يقتدي ببشرٍ مثله يعجزون عن السَّيطرة على حياتهم الخاصة بدل اتخاذ الأسوة الحسنةِ مِن الَّذين اصطفاهم الله مِنْ رسله وأنبيائه وفضَّلهم على العالمين، وجعل في حياتهم وقصصهم عبرًا ثمينةً تُعَلِمُنا كيف نعيش حياتنا بأسلوبٍ صحيٍّ صحيحٍ.
أو عن الَّذين طاب ذكرهم في العالم لما قدَّموه مِنْ علمٍ ومعرفةٍ وقيمةٍ.
تتسابق ثلةٌ أخرى في إرسال إرسالياتٍ قصيرةٍ للدخول في قرعةٍ عشوائيَّةٍ لربح مبالغَ ماليّةٍ ضخمةٍ يغير شكل حياتهم الحالي.
يحلم الفرد منهم بالثروة وما يمكن أنْ يصنعه بها في حالة الفوز، تتهافت أعدادٌ غفيرةٌ في سباقٍ حول الأكثر حظًّا، ينسى الجمع كُلُّه أنَّه مالٌ حرامٌ، لا بركةَ فيه، وأنَّ الله حذَّرنا كثيرًا مِن القمار أو الرِّبا.
يعمي حبُّ المال والتَّرف البصائر، وتُزَّيِنُ الشَّركات القائمة على هذه الفعاليات الشَّهواتِ، لا أحد يفكر في الحيلة التي تحاكُ ضده، أو أنَّ هذا المبلغ الطائل المعروض للربح ما هو إلا قطرةٌ مِنْ أموال مضاعفةٍ ستجنيها الشَّركات مِنْ مشاركاته هو وأمثاله.
يميل كُلُّ فردٍ إلى شهوته في الثَّراء المباغت، وغير المتعوب عليه، وتتلاشى مِنْ نفسه قيمة العمل وبذل الجهد وما تقدمه مِنْ نفعٍ وقيمةٍ للبشريّةِ جمعاء، ومِنْ تطويرٍ وتقَدُّمٍ لحياة الإنسان وضمانات استمراريّتهِ.
فكِّر عزيزنا القارئ في كلِّ السُّلوكات التي تعتمدها أنتَ وأصدقاؤكَ، تلك التي بِتَ تظنُّها عاديةً، تحسبها تَفَتُحًا وتقدُّمًا ومحاكاةً للعصر، فكِّر فيها بعمقٍ لتدركَ أنَّ وسائل التواصل والتلفزاتِ وشركاتِ الإعلاناتِ والإنتاج تسعى كُلُّها كي تدسَّ لكَ السُّمَّ في العسلِ، يجنون الثروة عبر إغوائكَ بكلِّ ما تميل له النَّفس مُنَوِمِينَ فيكَ صوت العقل والحكمة.
كم عادةٍ قبيحةٍ صرنا نحبُّها ونعتبرها شيئًا حميدًا ما هي إلا صورةٌ زاهيَّةٌ الألوان لحقيقةٍ قبيحةِ الشكل والمآل؟
تمرُّ الحياة قصيرةً جدًا، لا أحد يستطيع توقُّع غدهِ، يعتقد الإنسان أنَّ أمامه وقتًا غير نهائيٍ، سوف يخطئ اليوم وسوف يصلحُ في الغد.
ينسى أنَّ الحياة مباغتةً قد تسحبنا في أيِّ لحظةٍ دون استئذانٍ، أليس الصحيح أنْ نكون دومًا على استعدادٍ لهذه الخاتمة غير المتوقعة؟
تزلزلتِ الأرض تحت بطلتنا وتشققتِ الجدران لتسقط فوقها، كان آخر ما تفعله خلال ثواني حياتها الأخيرة اللهو بالحديث مع رجلٍ أجنبيٍّ تحت مسمى الحبِّ الصادقِ.
كُلُّ إنسانٍ عرضةٌ لخاتمةٍ مشابهةٍ، فهل استعددتَ؟ هل لديك زادٌ مِن القرآن والأدعيةِ تقرأها حين تداهمكَ الحياة بالموتِ؟ كم استعددتَ للقائكِ مع الله؟ كم تساوي لحظةُ المتعة اللذيذة فيما حرَّمه الدين أمام خسارةِ رضا الخالق عنكَ دون وعيكَ أو تفطنكَ؟
ما دمنا أحياء، فالفرصة أمامنا اليوم كي نفكر بعمقٍ ونسير نحو بناء حياةٍ أكثر رشدًا وصلاحًا.
إنَّ في قواعد الدين نظامٌ وضعه الله للإنسان كي يحيا سليمًا معافًى ومحميًّا مِنْ شرور نفسه، قريبًا مِن التَّسامح والكرم واحترام الذَّات، بعيدًا عن كُلِّ ما يسبب الشَّقاء والهم والأحزان.
ختامًا صديقنا الرائع، قد أعددنا لكَ جُمْلَةً مِن التَّحديات يمكنكَ المشاركة في أيِّ تحدٍّ سوف تحبُّه:
١-اكتب قصَّةً قصيرةً كقصّةِ الفتاة التي عرضناها، تتناول فيها عادةً سيئةً اكتسبتها بسبب تأثيراتِ أسلوب الحياة العصريِّ، والتَّفتح على الحضارات الأخرى، ثمَّ قُمْ بطرح الحلول واستخلاص العبرة في ختام الحكاية، قم بنشّر القصّةِ على حائط الربيع أو شاركنا رابطها هناك.
٢-اكتب رسالةً إلى العالم العربيِّ المعاصر تنبههُ حيال عادةٍ أو مجموعةٍ مِن الأفكار قد تغلغلتْ في مجتمعاته لتسبب تفككَ الجماعات المسلمة، ومحو الهوية العربيِّةِ الإسلاميِّةِ، قُمْ بنشّر الرِّسالة على حائط حسابنا.
3- ماذا لو قضيتَ يومًا كاملًا تكافح عاداتكَ التي لا يحبذُها الدُّين، يومًا واحدًا تسعى أنْ تتجنب فيه كلَّ المغالطات التي وَرَّدتْها لنا الحياة العصريَّةَ؟ شاركنا تفاصيل يومكَ مِنْ صعوباتٍ وتحدياتٍ ومشاعرَ قد اختبرتها خلال التجربةِ، ما هي السُّلوكات التي تجنبتها إنْ أمكن ذكرها وكيف قاومتها؟ اكتب تجربتكَ على حائطنا لنعيش رفقتكَ لذة محاربة النَّفس الأمارة بالسُّوءِ.
هكذا نكون بلغنا نهاية فصلنا لهذا اليوم
نرجو أنَّه قد كان فصلًا خفيفا ظريفًا قد حصلتم منه فائدةٍ وعبرةٍ.
انتظرونا مع موضوعاتٍ كثيرةٍ قادمةٍ، ومفاجآتٍ ستحبُّونها جدًا! نلقاكم على خيرٍ.
كانتْ معكم زيوس، دمتم بخيرٍ وعافيةٍ❤️.
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro