الفصل | 7
هلاوز خفافيشي 😭😭😭
كم واحد مشتاق للرواية 😢 حاسة اني هجرتها لوقت طويل مع انو مو من مقام تاخيراتي السابقة 😂😂😂😂
هالمرة انتو عارفين انو السبب متملك كان لازم وقف مماطلة ونزل آخر فصل -تحكي الشورت ساد ستوري للمرة الثانية - 😭🌜
خلوني اكشفلكم سر خطير، خلصت كتابتها بشهر 6 بس انا شريرة 😂😂😂😂
ما علينا، الفصل ذا 🔥🔥🔥 ابدعو فالتفسير لنشوف اذا مثل ما توقعتو او لا 😈
بكرا بينزل ام في آيدل 😭😭😭 الكوينز والكينغز بشهر واحد ذيس ايز تو ماتش على قلبي😭😫🙏 ما صدقت اكسو راجعين بعد طول غيبة فجأة كيوب تفاجأنا بام في للاغنية الاسطورة lion 😳
نصيحة للناس يلي ما شافت اداءات ايدل بكويندوم لازم تشوفوهم 👑👑👑
Enjoy 💕
-
في محكمةِ الحالة الرّوحانيّة، تكاثَرت قضايا الطّلاق، جِنس آدم، مِن الألم
وإلى محكمةِ روحي المُشيّدةِ في إحدى مُحافظاتِ جسدي، رفعتُ قضيّتي، على لِسانِ القهر: أن أعفيني مِن رباطٍ شنَقَ فُؤادي، حتّى استدقّ نبضُه، وخَفت، أنتِ الأعلَم بشقائي وضنكي. لعلّها تُجازيني بنفقةِ مِن النّسيان، وبعد جلساتٍ عِديدة، مرّت فيها اللّيالي ببطء، تعقُبها نُهُرٌ دهماءٌ مِثلها، وتُعبّقها الغصص، استمعت إليّ وتعاطفت معي، حكمت عليّ بالتّعاسَة حتّى الأبَد
وقتئذٍ جررتُ أذيالَ بُؤسي، سويًّا وكيسَ خيشٍ بدينٍ امتطى ظهري، يكادُ يُثقب لفرطِ الحِمل، كان عليّ صيانتَه مِن الضرّ، رغم أنّه يضرّني، إذ ترقُد فيه نفسي المُدنفة، والمليئة بالشّقوق، وآثرتُ اللّجوء إلى سقفِ الماضي، على الوثوق بمُستقبلٍ لا سَقف له!
كُلّ يخالُ أنّه المُستهدفُ الوحيد بطلقاتِ الخيبة، أنّه وحدَه مَن تراهُ الحياةُ مُلائِمًا لتزَرعَ فيه الأوزار، فتُنبِت آهات طازجة، مِن شأنِها أن تُشبِع حبّها للأذيّة، ذلِك لأنّ الألبابَ أثراءٌ غير نفوذة، والأبصارُ أطيافٌ لا تعبُر الترائِب، ولا ترى الصّمت
الجميعَ يُسرّ في ذاتِه أنّه يُعاشِر الألم، مُحرجًا مِن قُبحه الّذي يُلازِمُه، يتعلّق بذراعه الأيمَن، ويمشى رفقتَه في المحافِل، حيثُ الأنظارُ غزيرةٌ لا ترحَم، فيعضّ على قِماش الصّبر مُحتملًا سماجته، ليسَ لأنّه الحلّ الوحيد، بل لأنّ عِزّة نفسه تنبُذ المذلّة المُندسّة في الشّفقة
وقد كُنت رجُلًا يحكُمه الكبرياء، هُو ابنُ ندوبه، ككاتِبٍ لُغتُه تحكمُه، رغم أنّه مَن خلقها، كمِثلنا نحنُ البشر إذ نعصي الربّ، وعليه نتمرّد. كبرياءُ هيّأ لي أنّي مُتفرّدٌ بالاحتِمال، وفريدٌ في التّمثيل، فعلى كاهِليّ جبلٌ يفوقُ وزني، وما أزال قائِمًا، لا أئِن!
خِلتُني الوحيد الّذي ألحَد بالبوحِ، واعتنِق مِلّة الكتمان، وسوّك نواجِده بالصّمت، لتُطبِق عليهِ كُلّما بلغَ احتِمالُه في الوهنِ أشدّه، لا يُعارِضه ولو كانَ له في ذلِك ألفُ نفع. خِلتُني الوحيد المُنهمِر في هُوّة سحيقةٍ، لا يصِله بالاتّزانِ سِوى غُصنٌ هشّ، يسيرٌ على النّسيم أن يُميله، كذلِك كانت أعصابي تهتزّ إن لاطفتها نسمة، وتنكسِر إن ضربتها موجة
حتّى وجدتُها هِي، لقيطةَ الحبور، متشرّدةً على قارِعة التّعاسة، أنثى فاحشةَ الألم، ولفرطِه فيها يكادُ يتبلور في مُقلتيها على شاكِلة لآلئ نفيسة، تُصرّ على اختِزانِها بدواخِلها، وتستبخل أن تُلقيها ليتمتّع الملأ بمرآها الباكي، بفِتنتها وهِي تعزِف النّجدة بغير حِسّ، مِثلي
كانت مُتفرّدةً باجتِذابِ يديّ لغير افتِعال الشّغب في مُدنِها الأنثويّة، وتغريب فُؤادها اليافِع في وطِن البالغين، بل لإماطَةِ دمعِها السّاري، الهدهدة على عبراتِها الثّائِرة، وإيشاح خدّيها اللّذين قدّهُما زمهرير الحِرمان دِفء كفيّ، اقتَدرت أن تُجنِّد شفتيّ لغير ترويعِ الشّفق الغافي على ثغرِها وبعثرتِه، بغاراتٍ مُباغتة، بل لمُداراةِ خسائِرها بأنغام المُواساة... كطِفلة
مُذ حللتُ على بُستانِها المُثمِر عابِر سبيل، واقتطفتُ مِنه القُبل لأنّ مرآها الفاخِر أسغبني، نوّمت وعيي واحتلّت فِكري؛ يومَ شفهتُ فمَها إرضاءً لأهوائي، كُنت مَن كُدِم!
كانت قامتي مطويّة على ظهرِ الأريكةِ العريضة، في غُرفة الجُلوس الرّحبة، قُبالةَ الواجِهة الزّجاجيّة العارية مِن السّتائِر، بملابِس يومي، عدا أنّ ثُلّةً مِن أزرارِ قميصي مُتجرّدةٌ مِن قيودِها، شأنَ عُنقي، كفّي الأيسَر يُؤوي هاتِفي الذكيّ، نظيرُه يُعانِق ساقَ كأسٍ مُترعٍ بالنّبيذ، وقدميّ مُترهّلتين على السّجادة الرّماديّة، ذاتِ الزُّغبِ النّاعِمة
السّيمفونيّة التّاسِعة لبيتهوفن تنبثِق مِن ثُغور مُشغّل المُوسيقى، وتُراوِد سمعي رغم انشِغالي بغيرها. كان الأخير يشغل حيّزًا مُجوّفًا في مُنتصف المكتبة، كمُتطفّلٍ بين كومةٍ مِن التُحف الأثريّة، وإطارات الصّور مِن أطوارٍ شتّى، إذ لم أكُن مِن هواة الأدب أبدًا
ما يجعلُها محبّبة لديّ، حقيقةُ أنّه قد بناها في موسِم الألَم، حينَما تفاقَم خصامُه والحياة، وصبّته عليه قوافِل متوالية، قيل عنها أنّها عربون صلحٍ بينه وبينها، لكنّها بنظري ضربةٌ وقعت على قفاها، أدمتها، إذ طوّعَ الرّوادِع فزخرت بالإبداع... تُرغّبني في الاحتِذاء به!
على الشّاشةِ المُوازيةِ لبصري تلهو لقطاتٌ مِن مشهدٍ حميميّ مُفصّل، بينَ فُتاتِ رجلٍ أكَل الدّهر على مُحيّاه وشرِب، وبينَ فتاةٍ عِند ثاني درجاتٍ العُمر، توحي ثيابُها بأنّها طالبةٌ في الثّانوية، وليسَت مَن بدأت تمتّ لي بصِلة، إذ أنّ شعرها طويل
نقلتُ هذا الفيديو مِن هاتِف ميني إليّ، قبل أن أعيدَ لها أغراضَها، حدسي نبّأني أنّه فتيلٌ قد يقودُ إلى بَكرةٍ فاسِدة... كان الفُضول يلوك طوابِقي حتّى صبوتُ الحضيض، في النّهاية غادرتُه وولجتُ قائِمة الاتّصال، مُصطفيًا الاستِعانة بجونغ إن
"ما الّذي ذكّركَ بي يا رجُل، أنتَ لا تتّصل في مِثل هذا الوقت عادةً "
اندلَع صوتُه من السمّاعة مُلقّما باللّهفة، لكنّي كُنت مُجبرًا على مُراوغة الاعتِراف بالسّبب، ريثَما أُحسِن صياغَته وصقله، حتّى لا يشخّصني بالاهتِمام المُفرط
" لا تخَل أنّي اشتقتُ لخائنٍ مِثلك فتعتدّ بنفسِك "
استويتُ على الأرضِ، وانتشلتُ مِعطفي الّذي كانَ مثنيًا على ذِراعِ الأريكة، ثُمّ أقبلت باتّجاه الباب، مُتيقّنًا مِن أنّ أمري المُلقى، لن يخيب
" لنتقابَل في ملهى سيهون بعدَ رُبعِ ساعة مِن الآن، أحتاجُك في مسألةٍ ضروريّة لا تحتمِل التّأجيل "
تزامُنًا وسكوني الاضطِراريّ كُثُب الباب المُؤصد، مصفّدًا مِقبضه بكفّي الحيّة، سألَ والصّدمةُ تنهشُ مِن استِقامةِ نبرِه
" الملهى؟ "
تلعثَم بارتِباكٍ محسوس، حيثُ اختلطت بضائِع ثغرِه بالرّجاء
" ألا يُمكنكَ انتِقاء مكانٍ أقلّ إثارة للشّبهات مِنه؟ "
استطعتُ تخمين منبعِ العاصِفة الّتي فرمت استِقرارَ طقسِه، ومحقت عبثيّته. انعطفتُ يسارًا، وما خلَع وجهي الجهامَة عنه، مُنذ أن التمست الخضوع في نبرته...
لم يُتِح لي مجالًا لطرحِ نفسٍ حتّى، فما انفكّت كلِماتُه تنزلِق على ألحان الخوفِ، مُنذ أن برحت قدماي عتبةَ شقّتي، وسافرتا بي في هذا البهوِ ذي الحيطان العسليّة، نحوَ المِصعد الّذي سوفَ يُنزِّلُني عن السّحابِ خمسين طابقًا، ويحطّني بالأرض
" تعلَم أنّي قد تزوّجتُ حديثًا، وسوجين امرأة غيورة، لا تُحبّذ ذهابي إلى مِثل تِلك الأماكِن، حتّى أنّنا خُضنا شجارًا وديّا بعد حفلة عزوبيتي، عِندما نسيتُ موضع الخاتمين، وظنّت أنّكُم استطعتُم التّلاعُب بقراري "
لا أنكِر أنّي قد غبِطته، لوهلةٍ بَترَت الفِطنة ساقيها لئلّا يتفاقَم طولُهما فتُظلّل قناعاتي.
الرّجُل المُنقادُ ليس نِدًّا لذاكِرةِ امرأة، ذاكِرةٌ العيشُ فيها باهِظ، أمّا القائِد فكما الأغلالِ، تُنجِبُ آثارًا تُذكّرها كُلّما مالت إلى النّسيان، أنّها قد ذاقَت لذّة الأسر، بحبّ رجُل...
تقنّع فمي بالاستِنكار، وما قصّرتُ في توبيخِه، بعدَما كبست زرّ استِدعاءِ المصعد
" لا تتذرّع بالمكان، فهِي الّتي لا ترتاحُ لتركِك بين أيدينا، خوفًا مِن أن نعجِن فيكَ أفكارًا قِياديّة، تُوعّيك بأنّك الرَّجُل، والأولى بإصدار الأوامِر، ألا تشعُر بالعار؟ "
أصدَر المِصعدُ رنّةَ الثّبوت، وبينما أنا ألِج الفراغَ الّذي أفرج عنه مِصراعاه، أضفت بتهكُّم
" لا يشرّفني مصاحبةُ رجلٍ تقودُه امرأة "
هرعت موجاتُه الصّوتيّة تلطِمُ مسامِعي بما يُرضيني
" حسنًا، سآتي "
بعدما أنهيتُ المُكالمة دفنتُ الهاتِف في جيبِ بنطلوني الأسوَد، والتحفتُ المِعطف الّذي كانَ طوال الوقتِ مُتشبّثًا بساعدي الأيمَن. مُذ أنّ اللّيل قد خطَف سائِر مَن بالمبنى، أو أنّ نهارَهم قد طلَع بحلولِ ظُلمته فما وسعتهم ديارُه، لم يُضطرّ المصعد للرّكونِ في محطّاتٍ مُتفرّقة عدّة مرّات، فقد كُنت الوحيد في رِحالِه، كاللّحظة الأولى الّتي وطأتُه فيها
الشّمسُ كالشّمعدانِ فوقَ طاوِلةٍ رومانسية، باذِخة فيما تكتنِفه مِن أطايِب، فما إن تتثاءب، ويرفّ لعينِها جفنٌ، حتّى تُوارب أجفانُ الغرائِز، وتدبّ مِن أوكارِها، توّاقة لاقتِراف الجرائِم السّريريّة والسّطو على الملذّات الكامِنة في حدود جسد... إنّه المُجتمع الرّاقي، بكرة يحرثون لإرضاءِ جيوبِهم، وعشيّة يترنّحون، عُلبة بيرة، وناي أنثويّ، للتّرفيه
عِند المدخَل الزُّجاجيّ الّذي يُفتحُ بصفةٍ آلية ما إن يستشعِر آدميّا يبتغي عبورَه دخولًا أو خروجًا، يثِب حارسٌ ذو زِيّ داكن الزّرقة، يتمايَل كما لو أنّ النُعاسَ يهبّ مِن حولِه، حينَما مررتُ بجوارِه وانحنى لي بفتور، استطعتُ أن ألحَظ ملامِحه الفتيّة ذابِلة
قبل أن أنضمّ إلى السيّارة خسفتُ النّظر إلى ساعةِ رُسغي، ثُمّ أسهبت في زيارةِ السّماء السّقيمة، السّاعةُ الواحِدة، وحيرة، والفضاءُ مفصولٌ عن الصّفاءِ بحاجزٍ مِن الغمام، كأنّ الأرضَ تُعاقِر السّجائِر الواحدة تلوى الأخرى، وما هِي إلّا تكتُّل لأكسيد همّها
إن لي عقلًا ثرثارًا ينتهِزُ الفراغَ بين الخلوة والخلوة، لينمنم ويغتاب، فكان يتساءَل عمّا أنا بفاعِله، ودواعيه، وبأيّ صفة، لكنّي أصمتُّه ومضيتُ في حالِ سبيلي، وصحبني أزيزُ المُحرّك حتّى الملهى، وبِحُكم أنّي الأقربُ إليه مِن جونغ إن وصلتُ أوّلًا
هذه البُؤرةُ الّتي يُنطَق فيها بالصِّدق زورًا، وتُباعُ فيها الأهواء مخدوعة، لا ينقطِع نبضُها على غِرارِ مُحيطِها الشِّبه ميِّت، يكادُ السّائِر بينَ عُروقها يشعُر بأنّ كُلّ ما فيه يَرِفّ، فيُخيّل لهُ كأنّ الحفلةَ مُقامةٌ بداخِله، كذلِك كُنت أشعُر. توغّلتُ دون التعرُّض للإعاقة مِن الجنسين، وخلدتُ إلى ذاتِ الطّاوِلة المُسطّرةِ باسمِنا، لا يملؤُها سِوانا
جاءَني النّادِل بكأسٍ مِن الويسكي، هُو طلبِي الرّوتينيّ، لقفتُ مِنه رشفةً ثُمّ عزفت عنه، ورغمَ أنّ المكان مُفعمٌ بما هُو قادرٌ على استقطابِ عينِ أيّ رجلٍ، إلّا أنّ عينيّ تشرّدتا في ساحتيّ يديّ المُتقاطعتين حوله، إلى أن أنفرني نقرٌ خفيفٌ على كتِفني
" إنّي أناديكَ مُنذ أمَد يا رجُل، تبدو وكأنّك صريعُ ملحمةٍ فكريّة ما "
انتشلتُ بصري مِن القاعِ وأقعدتُه على سطِحه البرونزيّ، فكانَ رأسُه متدثّرًا بقُبّعةٍ شتويّة رمليّةِ اللّون، مطويّةُ الحافّة، أمّا جِذعه فمُلتحٍ بمِعطفٍ بُنيّ يُلامِس ركبتيه.. تبوّأ لهُ مقعدًا قُبالتي، وحزّ المسافة بينَ حاجبيه بارتِيابٍ حينَما سأل
" ما الّذي أنتَ شاردٌ فيه إلى درجةِ الصَّمم؟ "
سطّحتُ ظهري على الكُرسيّ ذي الموسِد المُريح، وتبنّى ثغرِي السُّخرية، تارةً أبحِر ببصري في الأرجاء، وتارةً أرسو على مُحيّاه
" كُنت أفكِّر في رجلٍ أعرِفه، يقشعرّ بدنُه ذعرًا حالِ الإتيان على سيرةِ زوجتِه، رجُلٌ يلتمِس العُذر مِنها أوّلًا، قبل أن يتصرَّف في شؤونِه لئلّا تجلدَه بالجفاء، اعتقدتُ أنّها ربّما أمسكت بِه وهو يخطّط للمجيء إلى الملهى خِلسة، ودونَ أن تُبيحَ لهُ مجالًا لتنظيف صورتِه، قيّدته إلى السّرير، وعاقبته على طريقتي! "
اكفهرَّ وجهه لِقاءَ المهانة الّتي قبِضها سمعُه مِن شفتيّ ثمنًا لقلقِه عليّ، وتكتّلت الهِضابُ وسطَ جبينِه. علِمتُ أنّ لهُ رأيًا آخر، استقبلتُه وأنا أُلثِّم فمَ الكأسِ بتروٍّ
" كُفّ عن المُغالاة، لستُ خاتمًا بإصبعها، أو حيوانًا أليفًا هِي طوق هويّتِه، تُنزِّهُني حيثُما شاءت، وتُحرّكني كيفما شاءت، كما أنّ لديّ مبادئً لا أتخطّاها، لديّ حُدودٌ لا أسمَح لأحدٍ بتخطّيها، مهما بلغت مكانتُه في قلبي... كذلِك سوجين "
يدري أنّي لستُ جادًا كُلّ الجِديّة في ما قُلته. كثيرًا ما نقصِفه بانتِقادات لاذِعة، هُو بيننا طفرةٌ فِكريّة نحنُ المُعادون لِما يُدعو إليه، والمُناهضون للحُبّ والعواطِف، حمامةُ السّلامِ الوحيدة، ضِمن معشرِ الجوارِح الّذين يستمتعون بتمزيقَ المبادِئ
حلّ الصّمتُ بحلول النّادِل، حيثُ تلفّت كِلانا إليه، نُراقِب حركاتِه المدروسة، الصّينيّة التي تهاوت مِن بين أنامِله ما إن فارقَها ضيفُها، وحذرِه في نصب كأسِ التكيلا على الطّاوِلة، كي لا يسكُبه، هُو المُفضّل لدى جونغ إن.
بعدَ انسِحابه مِن نِطاق كلِمِنا، عانقت أنامِل صديقي الكأسَ كما لو أنّه خصرُ امرأة، واستطردَ بشاعريّة
" كُلّ ما في الأمرِ أنّي لا أحبِّذُ أن تزيغَ عينيّ نحوَ غيرِها، ولو عن غيرِ قصد، آنذاكَ ستُؤنّبني مشاعِري تِجاهها، وسيتعلّق خيالُ الذّنب بجفنيّ ويحرِمني النّوم، هي الأُخرى صفَّت حياتَها مِن جميعِ الذّكور، كما فعلت، نحنُ في الحُبّ سواسية رغم الجِنس "
روى مجاريه المُقفرة بجُرعة مِن المشروب لأوّلِ مرّة مُنذ أن أودِع في ملكه، ثُمّ روى بنبرةٍ غير مُستوية تتخلّلها حصاة الغُرور، وحُفرةُ استِهزاءٍ في الأخير...
" أتعلَم، أحاوِل قدر استِطاعتي، ألّا أختلِط ببناتِ جِنسها، بلا كادر رسميّ، فيستهدِفنَ وسَطي رغمَ الصّفد حول وُسطاي"
كان لا يزالُ يُوازِن الكأسَ على ارتِفاعٍ مُعتبرٍ مِن الطّاوِلة، ما جَعل مُحتواه يترنّحُ كُلّما حرّكَ يده، وحتّى بعد أن يكُفّ. مالَ بجسدِه إلى الأمَام، وقلّص مِن مدى صوتِه حتّى لا يصبُوَ غيري، رغمَ أنّ صخَب المُوسيقى، يحولُ بينَه وبينَ التسرّب خارج مجلِسنا
" هُناك نِساءٌ خطيرات، ذوات أيادٍ لاحِمة "
أشحتُ بوجهي عنه، حيثُ تسلّطت نظراتِي على الأجسادِ الرّاقِصة في السّاحة، ونفضتُ عن حُنجرتي ضِحكةً صادقة.
نظرتُه للجِنس اللّطيف عِدائيّة، لكِنّه رقيق معهنّ، لا يسعُه إحراجهنّ، عكسي، فنظرتِي لهنّ لا تحمِل أيّ مُسمّى، بل تلتفّ حولَ مغزًى يتيم، نظرةٌ ثاقبةً تخترِق ثيابهنّ بدماثة، لكنّي خشِن... خِشنٌ للغاية!
سُرعانَ ما أعطيتُه انتِباهي مُجدّدًا، مُصرًّا على مُضايقتِه
" أليسَ الحُبّ أن تظلَّ مُخلصًا حتّى وإن زججت نفسك تحتَ سقفٍ مُؤثّث بالفِتنة، مُكتظّ بدُعاةِ الخيانة؟ "
سوّى اعوِجاج عمودِه الفقريّ، وفرّجَ زاوية ذقنِه بكِبر
" أنا أثِق بنفسي... يستحيلُ أن أنجرِف إلى الخِيانة "
أطرقتُ برأسي عِدّة مرّات، أصِف له مدى تصديقي له، رأيتُ كم هُو مُخلِص في حفلة عزوبيّتِه، فلولا تشان لأصبحَ غارِقًا في فِراش الخِيانة!
لقفتُ الكأس ووصلتُه بشفتيّ مُفكّرًا في طريقةٍ لفتحِ الموضوع... ووجدَ هُو صمتي هذا ثغرةً ليُمرّر شكواهُ إليّ
" جِذرُ مشكلةِ الشكّ الّتي تنامت بيننا هُو سيهون، مُذ لمَّح لها بأنّي راقصت امرأة حسناء في حفلة عزوبيّتي، وهِي تنعتُني بالخائِن في كُلّ شِجارٍ ينشب بيننا، فينهرني الذّنب، وأبادِر إلى الصّلح، ولو ما كُنت الدّاعِيَ إليه "
تابعتُ قضيّتَه بعدمِ اهتِمام، وأنا أسكُب جُرعاتٍ مُتواليةٍ مِن الويسكي في حلقي. كان فِكري مُنشغلًا بالواجِب الّذي حبرتُه لي فجأة
بمُجرّدِ ما أخفضتُ الكأس عن فمي تمتمت
" سيهون شيءٌ ما حقّا "
لم أخسَر مِن الزّمن سِوى بضعة عُملات، حتّى طرحتُه على الطّاوِلة دون أن أفلِته، وارتأيتُ أنّه التّوقيتُ المِثاليّ للانعِطاف، والتّسلُّق نحوَ موضوعٍ وعرٍ على كِبريائي
"على أيّة حال، لم أطلُب رؤيتَك لأحشوَ رأسَك أو أحرّضك ضِدّها، كما تُحرّض الأُمّ ابنتِها ضدّ حماتِها"
كذلِك استغنى جونغ إن عن جُعبة المُسكّر بالطّاوِلة، وانتعَل الجديّة
" ما هنِئ لي بالٌ مُنذ أن تلقّيتُ اتّصالك، بقيتُ أفكِّر في السّبب الّذي دعاكَ إلى الاختِلاء بي دونًا عن البقيّة طوالَ الطّريق "
وفي مقالٍ موجزٍ، أجبتُ عن جميعِ الأسئِلة الّتي مِن الممكِن أن تُزِلَّني
" ثمةَ طالبة بمدرستِك تُدعى كيم مينّي، هِي مِن آلِ الميتَم الّذي بدأتُ بتمويلِه حديثًا، حيثُ أنّ اسمي وصورتي مُرتبطان به، وأيّ انتِهاكٍ في حرمِه قد يمسُّني ويؤثّر عليّ "
حينَما همّدتُ قِطار الكلِم لآخُذ قِسطًا مِن النّفس انبثق مِن ثغره عجولًا... كان جفناه مُتفتّحين على وسعهما
" أوه، أعرِفُها، هِي طالِبتي، محطّ جدلٍ عظيم، يكنّيها البعضُ بإلسا؛ ملكة الجليد، والبعضُ الآخر يلقّبها بالأرملة لأنّ الكآبة لا تُفارِق مُحيّاها "
تمنّيتُ لو أنّه يسدّ حاجتي مِن تلقاء نفسِه، لكِّنه هبّ يمدّني بتفاصيل صِبيانيّة ليس بمقدورِها خلع اللُّبس عنها، أي أنّ عليّ أن أطلُب بطريقةٍ مُباشرة!
نظّفت حُنجرتي مِن التردُّد الّذي علِق بها، دون أن أصدِر صوتًا مسموعًا، ثُمّ زحفتُ إلى الجوهرِ رويدًا رويدا...
" سمِعتُ إشاعات تقول أنّها مُثيرةٌ للمشاكل ومُنحلّة، لكِنّي عاجزٌ عن اتّخاذِ أيّ إجراء مُذ أنّها لم تتلبّس هيكَل اليقين. بِما أنّك أستاذٌ في مدرستِها فأنتَ الأعلم بشخصِها، لذلِك أخبرني عن حالِها، ومدَى تردّي أخلاقِها، حّتى أرى ما إن كان الوضع يستحقّ تدخُّلي "
طمستُ الشّكوك الّتي مِن المُمكن أن تنجلي على أسطُحي، بتوثيقِ دافِعي
" تدري أنّ صورتي على المِحكّ "
لو أنّ مَن يُناظِرني هُو سيهون فسوفَ ينبش وينبش في السّيرة حتّى يصيبَ أنابيب صبري، وينفجِر مِنها غضبي قُحافًا، هُو ذلِك النّوعُ مِن الأشخاصِ الّذي ما إن يقع بين يديه بالون، فلن تُعتِقه شفتاه حتّى تملأه بالضّغوطات إلى أن يثور. عكس جونغ إن الّذي خاطَ الجواب على مقاييس السّؤالِ، بلا التطفُّل على ما يكمُن بصلبه
" سُمعتُها في المدرسةِ سيّئة للغاية، هي لا تُخالِط أحدًا، ورغمَ هُدوئِها خِلال الصّفوف، إلّا أنّها مُشاغبة، تتعمّد مُعاكسةَ القوانين، تهرُب مِن الحِصص، وإذا ما تعرّضت للحجزِ تتهرّب دون الاكتِراث للعواقِب "
تريَّث لبُرهةٍ ثُمّ قال بشك:
" في بادِئ الأمرِ حاولنا ترويضَها، لكنّنا يئِسنا، بدا لنا وأنّ لها روابط وطيدة، وخلفيّة سميكة رغم رفاعة خلفيتِها، حدّ انعِدام أيّ أثرٍ لها "
سُرعان ما تلطّخت عيناهُ بالأسى
" كأساتِذتها يُمكننا تفهُّم أنّها صبيّة مَحرومة، لا راعيَ يرعى سُلوكَها ويُغذيه بالنّصح، لكنَّه ليسَ عُذرًا يخوِّلها التّدنيّ إلى ذلِك المُستوى، هُناك الكثيرُ مِن الإشاعات عنها، فحواها أنّها عشيقةُ المُدير، بعِبارةِ أخرى، تسلِيتَه "
" ما مدَى صحّة الإشاعة؟ "
" الكُلّ يصدّقُها، حتّى نحنُ مع أنّ واجبنا هُو إرشادُها لا اقتفاء التيّار، لكِنّ جميع الدّلائِل تُشير إلى أنّها مُتورّطةٌ، فمهما تعدّدت جُنحُها، تتنصل مِن العِقاب كالنّور مِن شقّ الباب "
طالعتُ الخواءَ وراءَه بإمعان، أحاوِل الرّبط بينَ هذا وذاك. وفي ظرفٍ قصير توصّلتُ إلى نتيجةٍ منطقيّة، على أعقابِها استقمت
" لتترُك الموضوع سِرًّا بيننَا "
أدري أنّها ما تزالُ أرضًا نائية، ما اكتشفها أحدٌ ولا نصبَ فيها راياتِ مُلكه، حتّى أنّها قد أخفقت في مُسابقة قُبلة. ما الّذي ترتكبه بحقّ نفسِها؟
-
استمالَ المغرِب النّهارَ بوعودٍ كاذِبة، أن سيكونُ لكَ بي جاهٌ عريق، فانطلت عليه الحيلة، وحينَما انكشفت الحقيقة كان الأوانُ قد فات، ورغم أنَّه قاوَم الغرق، والهزيمةَ، أنصفت الطّبيعَة ليلًا حالكًا على إشراقه، ورمَد فيه حتّى الخمود. ما تزالُ بقاياهُ دمعًا أحمرَ على ناصيةِ السّماء، توحي بأنّ النّهاية على الأبواب... وربّما تبوحُ أنّ النّهايةَ أبعدُ مِمّا نتصوّر!
كذلِك لم ينفكّ الجنودُ عن الرّكضِ في الملعب التُّرابيّ المُخصّص للتّدريب، وهُم يجرّون العجلات، الموصولة إلى أكتافِهم بحِبالٍ متينة... كانت أقدامُهم تطبع على أرضيّتِه آثارًا عميقة، سُرعان ما تطمِسُها آثارُ العجلات، المُتمثّلةِ في خطّين مُتوازيين
كانوا يتشاركونَ ذاتَ الأبدانِ المُتهالِكة، الكواهِل المُترهّلة، والنواصي المبلولة، عدَا أنّ ثُلّةً مِنهم مُتقدّمون على الآخرين، يدفعُهم التّعبُ إلى تعجيل الأجل، بينما البعضُ مُتخاذل، كأنَّه يتمنّى لو يقعَ عليه رِفقًا بحالِه، وهُو ما لن يحدُث في الثّكنة، والحياة!
أمّا أنا فكُنت على الهامِش أتابِعُهم بنظراتٍ صارِمةٍ، تُحتِّم عليهم ازدِرادَ التّعبِ الّذي تقيّأته مسامُ أجسادِهم، ساعِداي متكدّسانَ فوقَ صدري المُدرَّع ببزّتي العسكريّة، مديدةَ الأكمام، وكفّي اليُمنى لا تخلو مِن حِجابِها الحالِك، لعلَّه يتستَّر عنها أمامَ العيان
رأيتُهم مكبًّا أفرِغُ فيه حاوِيات غضبي مِن كُلّ شيء، جبالٌ راسيات، لا يرتدّ فيها صدى صُراخي عليّ ويصِف مَدى انكِساري. بِلا توانٍ حمّلتُ حُنجرتي ما يُعادِل استِطاعتها، فتصاعَد صوتي موبّخًا، كُلّ كلمةٍ أعلى قِمّة مِن سابِقتها
" هل تُريدون مُسامَرة القمرِ على ألحانِ لي تشان وي وأنتم جالسون إلى السّارية، طوال اللّيل، بدَل الخلود إلى أسرّتِكم الدّافئة، أيّها المُجنّدون؟ "
نطقوا في آنٍ واحِد بذُعر وما تسنّى لغالبيّتِهم الوقت للنّظر إليّ
" أبدًا، سيّدي "
تزاحَم حاجبيّ، بينهُما قُطبة، تأهُّبًا لصيحةٍ عُظمى، تُدِبُّ الرّعب في أجفانِهم
" استيقظوا وتمالَكوا أنفُسَكُم إذًا "
كُلّ من أغراهُ التّعبُ بالتّراخي شدَّ عصابة الصّمودِ إلى رأسِه وداسَه مُكرهًا... تزامُنًا واستِكانة رعود غِلّي، انسكَب في أذنيّ غيثُ تشانيول الزّاخِر بالحَنان
" رفقًا بهم يا بيكهيون، فالنّهار قد صبا آخره وهُم منهكون مِن النّشاطات المُكثّفة... هُم مُجرّد مُستجدّين "
كانَ قدَ استقرّ بمُحاذاتي، أنا الّذي طلبتُ أن يُوافيني إلى هُنا في هذا الميعاد مُسبقًا
التفتُّ إليه أختزِنُ رغبةً شديدة في لكمِه حتّى يفقِد حواسَه، ليسَ لأنّه تأخَّر، بل لأنّ قلبه ما يزالُ على قيدِ الحياة في مقبرة الحواس. ازددتُ شياطًا حينَما وضعتُ بصري في قلبِ الحدث، ورأيتُ ثغره يعتمِر الشّفقة، لم أُقاوِم تأنيبه بتَعالٍ، مُستندًا إلى رُتبتي
" أخبرتُك مرارًا وتكرارًا أنّ الرّأفة لا تُعلّم الطّاعة، ولا الصّبر. هذه ثكنة عسكريّة، لا نادِيًا رياضيّا. لتصنَع جُنديًّا عصيًّا على الكسر، فإنّ صقلَ بدنه هُو أحدُ المقادير لا الوصفة كامِلة، عليكَ تجريدُه مِن العواطِف أيضًا... فلتعلم أين تغرِس شفقتك "
عطفتُ وجهي بازدِراء، ووازيتُه بسربِ الجُنود المُتحامِلين، الّذين اعتركت أنفاسُهم البُخاريّة في الفلك حولَهم، وزحفت أقدامُهم بوهن، مُرغمة
" لو ما كُنتَ صديقي، لقدّمتُ بحقّك تقريرًا يقودُ إلى طردِك "
ما دريتُ أنّه قد بلغَ فيّ موصِلًا سحيقًا يُخوّلُه تشخيصي، كأنّه طبيبي الشخصيّ، إلّا لحظَة افتضحَ مكنوناتي أمامي، دون أدنى شكّ
" أنتَ اليوم تُصفّي أعباءَك الشّخصيّة في العمَل، مُستغلًّا حقيقة أنّك صاحِب السّلطة العُليا هُنا... "
استطعتُ أن ألمَح ذراعَه وهِي تنبسِط
" أنظُر إليهم، يكادون يفقدون آخر أنفاسِهم "
اقترَن صوتُه بالسُّخرية، وهُو يتثنّى خارِج فمِه، دارِيًا إلى أينَ يُزفّ
" أما كان مِن الأحسنِ أن تُنفّس عن غضبِك في قاعةِ التّصويب... أن تتخيّل الهدَف شخصًا تُريد إزهاق روحِه أكثر نفعًا مِن تعذيب الأبرياء "
شرعتُ في السّير على ضِفّة السّاحَة، ساهِيًا إلى الأفق الّذي يكادُ يفقِد بصرَه، فتسودّ بصيرتَه، كحالِ بصيرتي، واقتفاني تشانيول بصبر
" الأهدافُ البكماء عاجِزةٌ عن الإمساكِ بحِملي لوقتٍ طويل، فما إن تخترقها الطّلقة حتّى تقوم بإفلاتِه "
ظلّ يُجاري وتيرةَ سيري البطيئة، وهُو يسألُ بنبرةٍ وئيدة
" ما الّذي لقح حفيظتَك هذه المرّة، أم أنّه ذاتُ السّبب ككُلّ مرّة؟ "
ارتجعت ذاكِرتي إلى بُهرةِ النّهار، حينَما اتّصلت بي إن ها تُنبِئُني بأنّنا سنعقِد عشاءً أسريّا اللّيلة، أكثرُ ما استفزّني كلِمة أسريّ الّتي قذفتها بعبثيّة، كأنّا حقيقيّان لا مُجرّدُ نُسخة مُقلّدة مِن ماضٍ أدبَر، ولن يقتدِر أن ينبُش جدثه هُروبًا مِن مصيرِه المحتوم، الفناء
" إنّه مجلسُ نفاقٍ آخر سأضطرّ للمُشاركة به هذه الأمسية..."
ما إن غفَل عنّي الوعيُ لبُرهةٍ حتّى نزحتُ عن صمتي الأمين، وقعقعت سلاسِل الكبرياء الّتي تُقيِّدُ صدري، مسحوبةً بكلماتٍ مُختالة
" أحيانًا أفكِّر في الانسِحابِ مِن هذِه المسرحيّة قبل نهايتِها، لكِنّي أعودُ وأتذكَّر ما بذلتُه للوصول إلى ما أنا عليه الآن، وأنّ أمامي خطوات معدودة أنزِفها، فأتراجَع "
لم يسبِق وأن شكوتُ الحياة أمام أحد، كانت آهاتي ممنوعة مِن الصّرف، وكلِماتي خادِمةً للكتمان الّذي وأدَ كُلّ مَن ثارَ عليهِ بداخِلي، قبل أن يولَد. رغم ثقوبِ عودي لم أُجِد النّفخَ فيه، وعزفَ الحُزن أمامَ الملأ، مُقابِل قِطع مُواساة، لن تبتاع لي صُبابة نِسيان!
اضطرّتني لمستُه الثّقيلةُ الّتي حطّها فوقَ كتِفي إلى التريُّث، كُنت أسبِقه بمجالٍ ضئيل
" عليكَ أن تأخُذ قِسطًا مِن الاستِجمام خارِج هذه المعمعة كُلّها، لتشُدّ حِبال عزمِك "
" أُضحّي بالرّاحةِ وأنا مُقتدر لأرتاح يوم يدُقّ العُمر أوصالي حتّى تتهشَّم "
ضربتُه على عضُدِه بخفّة
" عليّ الذّهاب، تولّى الباقي "
انتشلتُ مقامي مِن السّاحَة إلى مكتبي، حيثُ استبدلتُ زيّي العسكريّ ببذلتي الرّسميّة، ولم أتقلَّد ربطة العُنق. بعدما هذّبتُ مظهري ليليق بالمائِدة الشّمطاء، المُتبرّجة بالزّيف، الّتي سألتَحِق بها، انصرفتُ إلى سيّارتي المُودعةِ في المرأب
وكلَّما صلّيت أن يطرأ للجميع مشاكلٌ تحثّهم على الخُروجِ مِن بيوتِهم وافتِعالِ أزماتٍ مروريّة مِن شأنِها التّأجيل في وصولي، ينقرِضون، ويُصفِّر الفراغُ في الطّرقات، وفيها تلهو الرّياحُ، نادِرًا ما تُشرِّحها سيّارةٌ مارّة، كأنّ الكون يمكر، ويُعجّل لي فيه!
ما كانَ لا بأسَ عِندي من تأديتِه بتفانٍ كأنّ حياتِي واقِفة على شفرِه، ولو على مضض، صارَ كالغُصّة في حُنجرتي، وكالحمل على كاهِليّ، حِمل وابِل، يجعلُ في الاستِمرار بأسًا شديدًا... كُلّ شيءٍ يعسُر على اللَّقم، حينما يتفرّغُ مِن ربكتَه الشهيّة
لم أستغرِق سِوى خمس دقائِق وخيبَة، وها أنا ذا على وشكِ أن ألِج المُجمّعَ العسكريّ، لكِنّ شخصًا ما نبَت في طريقي وأعاقني، مصلوب اليدين، منارتيّ سيّارتي الوضّاءتين كشفَتا لي هويّتَه، وما كانت إلّا مينّي، ليس أيّ شخصٍ بل مينّي!
تشادّ حاجِبيّ بارتيابٍ بينَما أتفحّصُ هيئَتها المُترفَة، كانت عيناها ناعستان كمومِس، وشفتاها فاتنتان كالغَسق، رأسُها مُنحازٌ إلى الجانِب الأيمَن لعُنقها الّذي تدثّر نِصفه بياقة السّترة المدرسيّة، وخصلاتُها المُموّجة تُراقصُ الهواءَ البارِد بصبوة، ولخفّتها تصاحبت وإيّاه
أذِنت لجسدي بمُبارحة حيِّزِ السيّارة، ثُمّ صفقتُ الباب بقوةّ. بمُجرّدِ ما صبوتُ موقِفها وطّأت ذراعيها، وحطّتهما بجوارِ فخذيها، ولم تنقطِع عن الإلقاء بشراراتها عليّ، ما حبّذتُ الحِدّة الّتي سلخت بها عيناها صورتي، كذا اعتِمارِها للشّجاعة في حضرتي بدل الرّهبة
" ما الّذي أتى بِك إلى هُناك في مِثل هذا الوقت؟ هل جُننتِ؟ "
بدا لي وأنّها ما استساغت العتب الّذي طعّمتُه لها، إذ زمّت شفتيها لبُرهة، خِلالَها أسهبت في تشريحِ وجهي، قبل أن تُنجِب الكلِم بتوعّك
" أتيتُ لتعليمِك وظيفَة الأنف "
سطّرت خطواتِها إليّ، ومحت الفراغ بينا، ثُمّ باغتتني بقبضها لأنفي، بينَ سبّابتيها، وسدّت مجاريهِ التنفّسية، لم تُتِح لي الفُرصةَ لأوفي صدمتي حقَّها، حيثُ ترنَّح صوتُها
" الأنفُ مكانُه مُنتصفُ الوجه، ومهمّته هي التكفّل بحاسّة الشمّ لا غير"
تعالت نوتاتُها نسبيًّا
" لماذا تحشُره في شؤوني إذًا؟ "
كانَ مظهرهُا يوحي بأنّ وعيها مُنوّمٌ مُنذ مجيئِها الفجائيّ إلى بيتي، لكِنّي خُطفتُ بتقويمِها، فأهملتُ التّفاصيل... وربَّما لا أزالُ مخطوفًا، فما أنفكُّ أفكّر أنّ مُحيّاها الّذي حرثَه صقيعُ الفصلِ، خصبٌ لنثرِ القُبل... الأحمرُ مغرٍ عليه
فككتُ اللّجام الّذي وطّدته حولَ لِساني عن غير قصد بعُسر، وسألت
" هل أنتِ ثمِلة؟ "
نقرت صدري بسبّابتِها
" أنتَ مَن أقدَم على نشرِ التّسجيل أليس كذلِك؟ "
اكتفيتُ بمُناظرةِ الأسى الّذي جثَم في مُقلتيها، كأنَّها في موعدٍ ونهايتها، مُعتكفًا بينَ جُدران الصّمت. اصطبرت عليّ لمُدّة وجيزَة، عقفت فيها أهدابُها علامات استِفهام، كُلّما لثّمت خدّيها المُتورّمين، لقسوةِ الطّقس، ثُمّ رخت ذراعيها، فتهاوتا في مرفأيها بخيبة، سويّا ورأسها
" لم يقع هاتِفي أسيرًا لغيرِك، أنتَ الوحيد الّذي حظِيَ بنظرةٍ على مُحتواه مُتذّرِعًا بحذفِ صورِك، والوحيد الّذي قد تُسوِّل له نفسُه مدَّ يدِه على شؤوني بلا خوف، أنتَ الفاعِل، أنتَ من نشَر التّسجيل بين الطّلبة، رغم أنّي لا أدري كيف! "
سُرعان ما استولى عليها الغضب، فصارت تصرُخ، وتتمنّى لو أنّ بإمكانِها الصُّراخ مِلء حُنجرتِها، لكِنّ قِمّتها خفيضة، وربّما بترها الخُمول الّذي يستوطِن جسدَها الضّئيل، كذا أبرحت سبّابتُها صدري وخزًا، بخور، لم توجِعني على الإطلاق
" لكِن لماذا؟ لم أولِك شؤوني فبأيّ حقٍّ تُقرِّرُ مصيري فُرادى؟ لِماذا تواصِل تسيير حياتي وِفق ما يحلو لكَ كأنّي شخصٌ يعنيك؟ ألا تزالُ غيرَ راضٍ بالانتِقامِ الّذي صببته عليّ بسببِ حُفنةِ صورٍ لم تهزّك حتّى؟ لا تُخبِرني أنّه لأجل مصلَحتي، لأنّك لا تهتَمّ بسواك "
ارتعَش ذقُنها، يُواري سُفلاهُ بكوة، جحدت مُقلتاها بالإشهارِ عنها، وشابت العثرات الشِّعابَ الّذي تهادت عليه كلِماتُها، فكثيرًا ما فحِمت، واضطرّت لأن تحشُدَ نفسًا حتّى تتسنّى لها المُتابعَة، ومِن حين لآخر تلحم شفتيها إحداها غائرةٌ بالأخرى
" أنتَ تجهلُ لماذا لم أفنِّد الشّكوك الحائِمة حولي طوالَ هذا الوقت رغم أنّي امتلكت الدّليل على براءتي، تجهَل لِماذا تجشّمتُ الجروحَ الّتي منحتني إيّاها نظراتُهم ولم أوئد دوافِعها، وأنهي هذِه الحربَ الّتي تجاهلتُ أنّي طرفها "
تكوّمت العبراتُ في مُقلتيها وبكبرياءٍ كانت تفضّ بينَها، لكنّها بلغت فيها قوّة استحالَ عليها ردعُها، فبغت، وزحفت على خدّيها، ثُمّ تقاطَرت مِن ذقنِها بلا هوادَة. وانتابت حُنجرتها الّتي حاولت الصّياح وفشِلت نزلةٌ عاتية رجّت رُكّابها
" لرقعِ ثقب، كان عليّ افتِعال هُوّة، ستبتلِعُني وحدي لأنّ لا حائِط ورائِي حتّى أتّكِئ عليه، لم أجنِ الاحتِرام، لكِنّي جنيتُ السّلام، أُناسٌ مثلُنا يُداسون باسم المُتعة، لملءِ فراغ أمثالِكم، لولا ذلِك التّسجيل لكُنت طُرِدت مُنذ أمد، ولأتفهِ سبب، بنشرِك له أنتَ حطّمتني، لأنّي الوحيدةُ المُلمّة بعلاقة المُدير وانحرافِه، وأنا المُشتبه به الوحيد "
سُرعان ما سبكت آهاتُها لها هياكل مسموعة، لطمت أذنيّ، فشجّت فُؤادي، وفطرته. شعرتُ بالشّفقة حيالَها، لأنّها مدينةٌ مهجورةٌ مِن الحبور، تعبت أوتادُها مِن لقفِ أسقُفها، بحيطانِها صدوع لا تنجلِي سِوى في عينيها الصّريحتين، رغم أنّ غمامهُما نادرًا ما ينقشِع، كالآن
في الألمِ هِي جذعٌ مبتورٌ لتِعداد حلقاتِه أعجزُ عن تقدير عُمرِه، ولو نسبيًّا، صوتُها أجدبُ مِن الحياة، كأنّ ما بداخِلها أرضٌ قِفار، لا تنبُت فيها إلّا الأشواك!
ساقَت العاطِفة الّتي خلقَها النّظرُ إليها فيّ كفِي إلى خدِّها الرّطب، حيثُ حططتُه، وكسرتُ خيطَ الدمعِ المُنسدِل مِن نبعِها بإبهامي، هذِه المرّة الثّانية الّتي أشهدُ فيها انفِجارًا لها، نكسةً مِن نكساتِها، وللمرّة الثّانية أستصعب التّعامِي عنها، أستصعِب رُؤاها ببصري، أراها ببصيرتي العمياء، كأنّي مجبولٌ على جبرِها إن شقّ الألَم أواصِرها كُثبي
" وراءكِ جِنرال "
ربا حاجباها وابتدعا الأخاديد في جبينِها، كأنّها ما خمّنت قطّ أنّي سأنهي ما بدأته، وربّما اعتقدته انتِقامًا آخر!
حلّقَت يدي إلى خدِّها الآخر تمسحُ عنه سيولَه برفق
" لستُ طِفلًا لأقرع الجرسَ وأفرّ، وما استثرتُ القضيّة إلّا لأربَحها... لا تقلقي "
ما تفتأ تشجُّ ثباتِي بنظراتِها المُختلّة، الّتي اختلجت فيها العبراتُ اللّامِعة، يهزُّها الهمّ وتهزُّني الفِتنة، تتلعثَم كطِفلة، وتُوازِن وعيي في قدحيها كأُنثى!
" حقّا؟ "
حينَما أومأتُ، ضمّت أنامِلها بجوفِ كفّيها إلّا خنصرها الّذي مدّته نحوي
" عِدني "
حدّقتُ بِها وعينيّ مُتدثّرتين مِن هجيرِ عينيها بجفنيهما، أتساءَل كم شخصيّةً تقطُنها، وكَم امرأة تنزِل بحجراتِها؟ فكُلّما حسِبتُ أنّي ألفتُها، وطرقتُها استقبلتني أخرى
ما شِئت أن أعانِدها وهِي في هذِه الدّرجةِ مِن الثّمالة، لذلِك أبحتُ لخنصري أن يعانِق خنصرَها، ولإبهامي أن يُلثِّم إبهامَها
" أعِدُك "
حلّ السّلامُ على مُحيّاها الّذي أدماهُ الحُزن، وهلّت ابتِسامةٌ مُشرقة في ثغرِها اللّيليّ، الّذي يُضمِر الهولَ تحتَ رِدائِه... لاشكّ وأنّ النّسيانَ قد حجَب عنها أتراحَها لمُهلة، كِلانا يجهَل متى سيختتِمها إيابُ الوعي إلى دارِه.
لم يسعني تركُها هُنا والمضيّ، ليسَ لأنّي أكترِث لأمرها شخصيًّا، بل لأنّها تُهدّدُ سُمعتي، وربّما لأنّ الشّطرَ الّذي وأدتُه مِنّي ما يزالُ على قيدِ الشّفقة!
بدَت ظريفةً وهِي تطبعُ بصماتِها على إبهامِي دونَ تريُّث، مُغتبطةً بما نالته مِنّي، حدَّ انتِشالي لضِحكةٍ مُتقهقِرة مِن تحتِ أنقاضي الجسيمة
" أيّ لعنةٍ أنتِ "
ولأنّ انتِباهي اقتصر على مسرحِها الّذي أدّت فيه عيناها دورَ البطولة، وامتهنتا الجذب، ما لاحظت طولَ تنّورِها المقضوم، حتّى افترقت نظراتي عنها وجرت على قوامِها تأتيني بما يُحلّي نفسي، لم أكُ مُضطرًّا إلى تهذيبِها، لكِنّ يدايَ تآلفتا حولَ مقدّمتِها ونفّستا طيّاتِها، عرجتُ عليها فإذا بها عابسةٌ، غير راضيةٍ بالطّول الّذي آلت إليه.
وضّبت كتفيها بين كفيّ واقتدتُها إلى البابِ الأماميّ الّذي أفسحتُ مجالَه لها
" لتصعدي السيّارة "
فردَت كفَّها فاحتكّت أطرافُه بصدغِها، وما تمكَّن جفناها مِن استِرجاع وسعهما الّذي احتلّته الثّمالة، لا يزالُ الخُمول طافحًا في وجهها، كلمسةٍ أخيرة لأنثى
" حاضِر، سيّدي الجِنرال "
ما إن فرغت مِن تقليدِ التحيّة العسكريّة بنغمِها اللّطيف، حتّى قفزت على المقعدِ، ثمُّ رفعت قدميها عن الأرض الإسمنتية وأنزلتُهما بأرضيّة السيّارة فخورةً بأنّها نجحت في الجُلوس بلا عثرات. راقبتُها بانبِهار، وهِي تخلعُ عنها سحل المُراهقة العابِثة، وترتدي سحل الطِّفلة؛ كالكون هِي لا يسعُ أحدٌ توقُّعه أو تعلُّمه مِن النّظر... وهذا الجانِب مِنها خطِر.
قيّدتُها بحِزامٍ الأمان لئلّا تتأذّى، قبل أن أتّجِه إلى الضفّة المُقابلة وأنتهِز مكاني، مُستبيحًا التخلّي عن موعِدي؛ ربّما قدِمت إليّ في الوقت المُناسب، واختلقت لذاتي العُذر الّذي كانت بحاجةٍ إليه حتّى تتنصَّل مِن العشاء، وتُعفى مِن الديّة كُلّما قتَل الزّيفُ فيها الحقيقة
لم أستنزِف قِسطًا عظيمًا مِن مؤنِ عقلي في التّفكير أينَ أصبُّ بِها، فإذا أخذتُها إلى الميتَم في هذِه الحالة المُزرية سينتفِخُ غُرور مُديره، وينعت القرار الّذي بارزتُه لأفرِضه بأنصالِ سُلطتي بالسيّئ، ظنًّا أنّه على حقّ، رغم جهلِه بكُلّ شيء
قد تبدو للكُلّ سفينةً مُنحلّة الأشرِعة، حيثُما همست لها الأهواء بالذّهابِ ذهبت، لكِنّها مُجرّدُ زورقٍ ضئيل، تائِه في عرضِ المُحيط، ليس أمامه خيارٌ سِوى اقتِفاء الهواء
هِي الّتي غشّت نفسَها وألحقت بِها هزائِم نكراء، وخسائِر فاحِشة بُغية تلافي هزائِم مُحتملة، لم تتعدّ عتبةَ الهواجِس، فعجّلت في خُطاها، وأدركت الميلاد قبل أن يُدرِكها
أدري أنّها تختبِئ مِن الآتي خلفَ خيبةٍ بدينة أجهلُ ماهيتَها، خيبةٌ تسوّلُ لها التّنازُل عن جسدِها وتمنعُها مِن إنزالِ أحدهم بحُجراتِ فُؤادِها
أدري أنّ خوفَها المُفرط مِن الثّقة هُو ما يحمِلها على الترفُّع عن الجميع، والتّقوقُع في عرشِ الحذَر، فما استأذنت مِنها الحياةُ حينَما نبذتها، ولفظتها إلى الهامِش حيثُ الوحوش والوَحشة، ولعلّ نبذَ البشرِ أهول، لكِنّها تتحامَل
وبينَما أنا أفكِّر في الّذي أحرقَ شِغافَها وشوّهه، ما إذا كان فقدانها لوالِديها وحدَه أم أنّ هُنالك مُتواطِئا، بلَغني صوتُها الخافِت منقوعًا في علامة استِفهام
" بيكهيون أجاشّي... "
حافظتُ على سكوني وحملتُ الطّريق كُتلةِ تركيزي كاملةً، عدا أنّي نقلتُ عدستيّ إلى ضِفاف جفنيّ بتململ آذنًا لها بالكلام
" ماذا الآن؟ "
سُرعان ما صفَع الفضول خدّي ولطمني بمرآها، فإذا بها تخنِق مُقلتيها حدّ انتِشار التّجاعيد حولهُما، بينما تُوازي سبّابتها وإبهامها، بحيثُ يفصِلهما فراغٌ بقدِّ مُضغة
" سُؤال بسيط "
ربّما يمثُل بين إصبعيها مُضغة، ولكِنّها أكبرُ بين فكّيها اللّذين تردّدا في الانبِعاج، علِمتُ أنّ ما سينبثِق عنها لن يسُرّني، حينما استرقت النّظرَ إليّ بربكة المرّة الأولى
" لماذا تخون زوجتك؟ "
لم تجترِئ على المُثول في حضرةِ عينيّ المتّقدتين بعدَ ذلِك أبدًا، وواصلت الثّرثرة دون احتِساب العواقِب، مُحلّيةً انتِهاكاتِها بالتملُّق الّذي لطالما تبرّأت مِنه
" لقد عرفتُ مِن المقال الّذي نُشِر عنكَ أنّك مُتزوِّج. لم يسبِق وأن رأيتُ امرأتَك، لكِنّي أستبعِد أنّ السّبَب في انتهاجِك نساءً غيرها هو شكلِها، فرجلٌ مرغوبٌ مِثلك لن ينتقِيَ مَن هِي أقلُّ مِنه حُسنًا وبهاءً بالدّرجةِ الأولى "
ضاقَ خِناقُ أنامِلي الآدميّة حولَ المِقود، كأنَّها تُفضفض لهُ عن حِنقي، في حين كانت ذراعي الأخرى ممدّدَةً على قاعِ النّافذة... بِتّ أمقُت سيرة تِلك المرأة، أهرُب مِنها إلى كُلّ مكانٍ لكِنّها تُطارِدني، وآخر شخصٍ خلتُ أنّه سيذكُرها أمامي ذكَرها!
ما انتبهت على هالتي المُشتعلة، أنّى قد تنتبِه وهِي في قِمّة السكَر؟ حتّى أنّها وجدت طريقَها إلى وجهي، وعزفت ألحَانها بدلع
" قرأتُ أيضًا أنّها ابنة رجل ذا رُتبة عالية في الجيش، أكان زواجُك لمصلحة؟... أنا أشعُر بالفضول، أخبرني "
ربطتُ نفسي بمكاني أحاوِل تمالُك الغضب الّذي اعتمَل في أوداجي؛ ما كان نبشُها بين أيّامي بُؤرتَه، بل لفظة الخِيانة... لا يجمعُني بها سِوى عقدٌ رسميّ، فالعقدُ الرّوحيّ قد بليَ، وبعدما كُنّا واحدًا، شُطرنا، وعُدنا اثنين كما سبَق وأن كُنّا
" ثبِّتي أنفكِ بوجهك وأبقيه بعيدًا عن شؤوني "
أفضت ظهرها إلى المقعدِ فأصدَر اصطِدامُه به أزيزًا طفيفًا، راحَت تتأفّف تارةً وأخرى تُتمتِم بسُخرية مُتعمّدةً أن أسمعَها
" أنا الحمقاءُ إذ سألتُك عمّا يُسوِّل لكَ الخيانة، عسى أن ألتمِس لكَ عُذرًا... ما الّذي توقّعتُه مِنك؟ "
وجّهتُ حدقتيّ إليها قصدَ إخافتِها، لكِنّها كانت شاخِصةً لما ترامى أمامها، والاستياء مُتكتّلٌ في شفتيها المُتورّمتين لفرطِ ما لثّمهُما لفحُ اللّيل على شاكِلة عبوسٍ... سُرعان ما نفضت بصرَها على النّافِذة، وجاهرت بلهجةٍ مُشمئّزّة
" الرّجال حيوانات منويّة ناطِقة "
كانت طائِشةً حينَما اصطفت النّظر إليّ عقِب إهانتِها
" والرّفق بالحيوان واجِب علينا نحنُ النّسوة "
بينَ ضروسي لقفتُ أعصابي الّتي كادت أنامِلي تُفلِتها
" حيواناتي المنويّة مُفترسة، بشكلٍ لا يُمكِنُك تصوّره، ما تكتفِي بالنّطق، بل بالتّمزيق، لذلِك التزمي حُدودَك قبل أن أُحِلَّ أجلكِ في مكانِك "
ضِقتُ ذرعًا مِن مُسايرتِها، فكُلّما صمتُّ تمادت أكثر؛ وما طفّفتُ في خشونتي معها إلّا لأنّ الحياة بخشونتِها لم تتوانى في خدشِها، لكِنّ التعامُل بلُطفٍ مع البعض يُطعِّمهم مُعتقداتٍ باطِلة تنفُخ غرورهم، كدوامِه مهما بلغوا في البغيِ مِن درجات... هكذا هِي
ردَمت نبعَ الكلِم بقواطِعها لبضعة لحظات، كفلت لي مجالًا مِن الهدوء. وما كِدتُ أغفَل عنها، حتّى ذاع صوتُها وهذِه المرّة على شاكِلة دندنة صاخبة
" أنا فتاة سيّئة، أنا، أنا، أنا فتاة سيّئة، أين هُنّ فتياتي السيّئات؟ "
أعادت ذاتَ المقطعِ مِرارًا وتكرارًا، وهي تهزّ رأسها يمينًا وشمالًا، فتبعثر شعرها في جميعِ الاتّجاهات، بمُساعدةِ الهواء المُنبعث مِن النّافذتين.
بعد وهلة وضعت قبضتها أمامَ فمي، وهتفت بحماسة، كأنّها غيرُ المكظومة الّتي صادفتُها وهي تحمِل الأرضَ فوق كاهِليها
" غنّي معي "
صفّيتُ ذِهني مِن وجودِها عسى أن تكِنّ، فكانت وما تزال تطِنُّ
" ألا تعرِف هذه الأغنية؟ لا تُخبرني أنّك لا تعرِف سي أل "
صفعت رأسها بخفّة وهِي تستوي بمقعدِها
" كِدتُ أنسى أنّك مِن الجيل الذي يسبق الجيل الّذي يسبق الجيل الذي يسبق الجيل الّذي يسبِق جيلي... العجوز هيون "
قهقهت متلهيةً بما تظنّ أنّها نُكتة... لقد أنشبت برأسي صُداعًا قويًّا لاكَ كُلّ ذرّة احتِمالٍ اختزنَها صدري، وكُلّ قيدٍ لففتُه حولي كي لا أسقُط عليها كالهلاك
بعد معركةِ ضروسٍ طاحنة ارتأيتُ أن أمنَحها آخر إنذار
" لمصلحتِك اصمتي "
نكست برأسها فاعتقدت أنّها تُعلِن الطّاعَة، لكنّها عقفت أنامِلها حولَ حافّة النّافِذة، أخرَجت مِنها رأسها، وصرخت
" where are my bad girls "
كُنت على شفا حُفرةٍ مِن الانفِجار، إذ عجّت أوداجِي بالحِنق. انتزعتُ يدِي الآليّة مِن المِقود لأنّها الأقربُ إلى موقِعها، وقبضت على قفَا سُترتها أُعيدها إلى الدّاخِل بعصبيّة
" لقد نهشتِ مِن صبري حتّى انقصمَ عوده، أنا مُقتدرٌ على كُلّ شيءٍ الآن، لذلِك الزَمي السّكون والسّكوت، وإلّا آذيتُك "
وثبَت أهدابُها بحركةٍ بطيئة، تستهدِف عاطِفتي، غير أنّ خُشونتي ما بُريت، إذ طرقتُها بنظراتي حتّى دُكَّت نظراتُها بالأرضيّة، وتلامّ شمُل كفّيها على حِجرها.
لحُسن الحظّ أنّها هدأت بلا أيّة اعتِراضات، وما أرغمتني على التّدخّل لتهدِئتها بطريقتي، تفاديتُ النّظر إليها لمُدّة، وحينَما اختلسته رأيت رأسها تترنّح، إلى أن توسّدت إِطار النّافِذة... أنسى كُلّما أفرطتُ في اجتِراع مُحيّاها أنّها مُجرّد طِفلة!
في المرأبِ الّذي يسفل مسكني ركنت السيّارة. توجّب عليّ أن أوقِظها مِن غفوتِها، وأتجشَّم مُشاغبتها مُجدّدًا، فذراعٌ واحِدة مُقتدرةٌ كُلّ الاقتِدار لن تُسعِفني على حملِها إلى الشقّة. فتحتُ البابَ المُؤصد مِن جهتِها، وبعثتُ يدي إليها بُغيةَ إفاقتها، لكِنّ مرآها فاقَها، فتاهت بين شُعُب وجهها، ثُمّ تريَّثت تُزيل حفنةَ خصلاتٍ كانت تردِم عينَها جانبًا
وصارَ الاكتِفاء أصعَب منال!
لا يزالُ أثرُ زلّتي خالِدًا في شفتِها، كالتُّحفةِ الفنيّة في متحف. اختلّ اتّزانُ وعيي لوهلة، فتلمّستُه برِفق، وما استكنت حتّى أفرجت عن عينيها السّوداوين فجأة، وقاطعتني.
" هل وصلنا؟ "
لاطفتُ رأسها كإجابة موجبة، ثمّ أمسكت بكتفيها وساعدتُها على الهبوط بتوازن... وزّعت نظراتُها المُرتابة في الأرجاء الّتي لم تبدُ لها مألوفةً واستفهمت
" هذا المكانُ لا يُشبه الميتَم في شيء، أينَ نحنُ؟ "
قبل أن تستلِم ردًّا شافيًا مِنّي، تفنّنت في بثّ التكهّنات بدراميّة، وهِي تتمايَل عاجزةً عن إدراك الثّبات مهما استماتت له
" هل وُلِدتُ مِن جديد كقريبة لك؟ لا يُمكننا أن نكون أقارب، فقد سبق وأن تبادلنا القُبل! "
الخيار الأمثل هو تجاهلها، ريثَما يستردّ عقلُها عافيته... حينئذٍ سيكون بيننا كلامٌ آخر، وحساباتٌ مُؤجّلة!
" سأستضيفُك بشقّتي ريثمَا تستفيقين، اتبعيني "
أدبرتُ بدونِها، متيقّنًا أنّها لا تمتلِك خيارًا آخر سِوى الامتِثال لأمري، فالمكانُ عنها غريب. تقاعستُ حينَما افتقدتُ ظلّها بجواري، واستدرتُ إلى الخلف أبحث عنها ببصري، ما كانت تبعُد عنّي إلّا بياردات، تسيرُ ورأسُها بالأرض، استطعتُ سماعها وهِي تُتمتِم
" أيّ مكانٍ سيكون أفضَل مِن الميتَم، ومُديرِه الكريه "
سكنَتْ بتلقائية ما إن تناهت إليّ، ورمقتني مِن فوقِ أهدابِها بحيرة، في حين حدّقتُ بها باضطِرابٍ، مُقاومًا حلًّا راودني، حلٌّ تُسطِّرهُ مشكلة
ما لبِثت أن استملتها إليّ وأحطتُ خصرها بيدي، خشية أن تسبِقني إليها الأرض. كِدتُ أنزِف جميعَ أنفاسي عِندما عقدت ذراعيها حول جنبيّ، وأراحَت رأسها على صدري، بينما نتمشّى كعاشقين يلوذان مِن برد كانون إلى بعضهما البعضِ!
لم أخَل قطّ أنّنا سنجتَمِع سويًّا في جوفِ حضن، ثُمّ تحتَ سقفُ منزِلي؛ كانَ مُرتّبًا كما يليقُ بي، كما أنّها لا تمتلِك الوعي الكافيَ للانتِقاد، هِي حتّى لم تتناءى عنّي، كما لو أنّها تشتهي الاندفان بداخِلي، وإذا ما تزحزحت عنها قليلًا اقتربت أكثَر
أخذتُها إلى غُرفةِ الضّيوفِ، وأجلستُها على السّرير بأمان، كِلانا نجا مِمّا كانت تُضمِره أو ذلِك ما اعتقدتُه قبل أن تهزّ ذِراعي الآلية، حينَما أطرفتُ إلى القاعِ أدركت أنّها كانت تقبِض على يدي مُنذ مدّة لا أستطيعُ إحصاءَ مَداها
" يا لسُخرية الحياة، فكم أبيتَ اقتيادي إلى سريرِك وها نحنُ ذا على سريرٍ واحِد! "
بذلتُ كامِل حذري لخلعِ السّترة المدرسيّة عنها، حتّى تحظى بنومٍ مُريح
" سريري وعِر، ليسَت أيّ امرأة مُؤهّلة لخوضِ غِماره، والنّجاة مِنه قطعةً واحدة "
ألقيتُها بعشوائيّة على عكس كلماتي المدروسة
" جنوني لن يليق بك "
هبطت يدُها على كتِفي، ثُمّ دفعت السُّترة عنّي بجُرأة
" وما أدراك فقد أليقُ أنا به "
كانت تقعُد كحوريةٍ على خليجٍ طافٍ في اليمّ، وساقاها مشدودتان سويّا، بطابعِ جنّةٍ تمثّل لي مُحيّاها الّذي غرّدت في أفلاكِه الفِتنة، تحثُّ خشوعِي على التشتُّت فيها، هِي امرأةٌ تلهّفت كُلّ حواسي لمُلاقاتِها، بعد موعدٍ وحيدٍ ألّف بيننا تحتَ سُرادِق الشّغف!
اختلست مِنّي أنفاسي رويدًا رويدا، ومزّقت مُقاومتي إربًا إربا، كالنّومِ هِي تُثقِل أهدابي كُلّما أطّرتُ مرآها، وكالنّار تُذبِلُ كُلّ ما فِيّ مِن وعي، تجعلني ساهِدًا بها، وأنا غافٍ فيها.
وبينما أنا في عِزّ افتِتاني بجُلّ ما حطّ عليها مِن تقاسيم، استبحتُ لمس خَدِّها، فثغرِها الّذي ما تزالُ تقعُد إليه وصمةٌ مِنّي، تُؤرِّخ اشتِباكَنا السّالِف، اشتباكٌ لن يُنسى
كانت عيناها آنذاكَ لُغمًا دُسته سهوًا فانفجَرنا سويًّا، ولطَّخت أشلائي فاها الّذي لا يزالُ بارِدًا، صارَعتُ الغرقَ في قُبلة، وربّما صارَعتُ للغرق، ورِدتُ لو أفترِش القاعَ مُتدثِّرًا بنسيجيها، إذ بدا فقدانُ أنفاسي لها شِعابًا آخر إلى النّعيم، فما نجا وعيي مِنها أبدًا
كانت هِي المخمورة، وأنا اليقِظ لكِنّي مَن ترنّحَ في رواقيها المدبّبين بخطى مسعورة، مُستعرة، لا أصبُو إلى مكان، بل أجوب كُلّ مكان، ومِن رياضِها الرّغدةِ أسرِقُ ما طابَ لرغباتي كرجُل، أكادُ لا أصدِّق أنّ الطّفلة الّتي اصطادت غصبي بألاعيبِها، تصطادني الآن بأنوثتِها، كأنّها وأدت الأولى كما وأد ظلامُ الحُجرة كُلّ فتّة نور قادمة مِن الخارِج، وبعثت أخرى. في ليلةٍ واحدة أفقدتني صوابي بطريقتين، بالثّانيةِ لم تستنزف سوى نظراتٍ خنّاسة
تداولتُ شفتيها كمِصراعيّ كتابٍ تتوارى بينَ أسطُرِه نشوةُ البِدايات، وربكة الانطِباعات الأولى، بمصداقيّتها وأكذوباتِها، بلهفةٍ اندسّت بينَ أضلُعي مُنذ المرّة الأولى الّتي هويتُ فيها بلا استِكانةٍ حتّى قعرِها، وعجيبٌ اختِلافُ زيارتيّ رغم تماثُل دربيهما!
مارسنا الصّمت بصخبِ اللّثمات الّتي تراشقنا بها، دون أن نأبَه للنّوافِذ الّتي كسرنا، أيّ الأبوابُ ستُفتَح علينا، وما قد يخطُر لنا مِن ورائِها، وتمرّسنا في رتقِ الشّقوق الّتي أحدثناها في نفسينا حينَما انتعلنا أحدنا الآخر، رغم أنّنا نفوق سِعة بعضِنا البعض
في ميلةِ خصرِها حيثُ اشتعلت حربُ الفِتنة، كانت يداي لاجئتين، تُصارِعان للبقاء، وربّما لإبقائِها على مقربةٍ مِنّي، وإحراقِها كما تُحرقني، وقد شهِدتُ انبِعاثَ امرأة طاغية الأنوثة، الكونُ مطويٌّ في دهاليزِها، ورغم أنّ الوهن يعترِشها كأنامِلها الّتي لم توجِعني حينَما عضت خُصلاتي، إلّا أنّها فرمت الكثير ممّا بداخِلي، كأنّي ما أتجوّفُ مِنّي إلّا لأسَعها!
سُرعان ما وضعتُ حدًّا لالتِحامِنا، آذنًا للهواءِ المُختلِط بعبقِها ورائِحة الخمر بالتسلّل بيننا، ثُمّ احتويتُ جُرميها فأجرما بحقّي، وظلّت رغبتي بها تتنفّسُ، كُلّما تنفّستُها.
صورتها تحرّفت، وما افتكرتُ أصولها، هويّتُها تلطّخت بهويّاتٍ أُخَر، كمُحتالٍ يمهَر اللّعب على العيون. كُلّ ما استلزم مِنها للعُبور إليّ، نظرةٌ ذات رونقٍ، عاريةٌ مِن القيود، ترتدي الخضوع
نظراتي خيطَت بنظراتِها الرّقيقة، فخاطت بي رغبةً داميةً في انتِعالِها اللّيلة، وأنا غافِل. نفضتُ الفروع الّتي أغبرت عُنقها وكنوزه، وتهادت شفتاي عليها، تُخزّنان مِن ملاستِها في جُعبتي، ما من شأنه أن يروي رمَقي الجافّ. هذت آن ضربتها موجاتي بشهقةٍ ورعشة، ثُمّ ركبتها مسلوبة الإرادَة، متشبّثةً برُكبتي، تستنجد مِنّي بي، ووسوست آهاتُها لي أن لا تكُفّ
وفي لحظةٍ أذابت فيها وغرةُ إغرائِها أوتادي الجليديّة، هويتُ عليها كالمائِع، جائِعًا، واحتللتُ رقبتَها العذراء، بلا شورى مِن ذاتِي الّتي أيّدتني. توارَثَتها شفتاي، القُبلة تُواري الأخرى أسفلها، وما فكّرتُ بعاقِبة الوشم الّذي نصبتُه هُناك، كبصمةً تنُمّ عن مُرور رجل، أمّا يدِي الّتي تمتلِك الحِسّ فتمرّغت بأحدِ رواقيها، واستطعمت دِفء ملمسِها بنشوة
اندسّت بكتِفي، واندفعت أنفاسُها مِن فمِها بحرارة، تُداعِب ما تراءى لها مِن جِلدي وما سنَح، وتبثّ روح الغيرةِ في بقيّة جسدي... بدت تائِهةً عن مجراها ومُهتزّة
ما تطوّعَ أيّ مِنّا ليُوكّئ الآخر، ويفضّ بين جسدينا المُنصهرين سويّا، كُنت أتهاوى وهِي كالجاذبيّة هوايتُها أن تُعيل الأهواءَ على سحبي!
ولوما افترقتُ عنها مُرغمًا، لبلغنا في الوِصال مبلغًا سحيقًا!
حططت جبيني على جبينِها، هِي الّتي ناظرتني بانتِظارٍ لا ميعادَ يُنصِفه، ولا أجل، وبزفرةٍ ثقيلةٍ أرجفت مُقلتيها حينَما لفحت وجهها، قيّدتُ شوقًا مُذنبًا
" نامي "
ارتحلتُ مِن بلادِها المحفوفةِ بالغواية، بعدما أوشكت أن أنال جنسيتّها، وأمارِس المُواطَنة فيها كأنّي مِنها. لقفتُ السُّترة الّتي افترشت السّرير ورائِي مِن قفاها، وانسحبتُ مِن مسرحِ جريمةٍ كادت تقع، جريمةٌ مُشتركة، كانت لتزجّ بكلينا في زنزانة النَّدم، بمُجرّد ما تقبِض علينا شمس الغد
هِي المرّة الثّانية الّتي أضعُف فيها أمامَ ضعفها، المرّة الثّانية الّتي تُفرّقُني فيها عن وعيي فِتنتُها، والمرّة الثّانية الّتي أزُفّها إليّ بثوبٍ باذِخِ الأنوثة، ما إن تجرَّدت أمامي مِن براءتِها، ولو أصرّ القدرُ على حفرِ الصّدف لنا بين المُنعرج والآخر، سيأتي يومٌ يستحيل علينا الخُروج؛ لأنّي على عتبةِ جفنيها أتعرّى مِن مبادِئي، مِن كبريائي، وسكوني، يكفِي لتُعدم إرادتي أن توجَد، ويكفِي لتُلجِمني أن تصمت، وتحكِي ملامِحُها المُترعة بالألَم، داعيةً إلى الإِثم
واجهتُ صعوبةً في مُراودةَ الغفوةِ عن نفسِها، فيداي مُلطّختان بآثار امرأة أخرى، كعِقابٍ على ذنبي لازَمني الأرق، وجلدتني الأفكار... لم تمتثِل لي إلّا في وقتٍ مُتأخّرٍ مِن فجر هذا اليوم، ولولا صيحةُ المنبّه لما تصدَّع فيّ جفن لفرطِ ما كنت مُتعبًا!
فصلتُ ذراعِي عن محلّها وألقيتُها بعشوائيّة على السّرير، قبل أن أتّجِه إلى الحمام. فتحتُ الصّنبور أعلاي، فلكمت قطراتُ الماءِ الدّافِئة قِمّة رأسي، وليتَها تُنشِب على تلابيب عقلي وتطرحُه أرضًا، ليتَ الماء الّذي أسفكه كُلّ صبيحةٍ يُنظِّف ذاكِرتي مِن كُلّ ليلةٍ أقضيها في شِراك امرأة، وليتَه يُزيل عنّي خيالات ليلةٍ أرغبُ في قضائِها مع طِفلة!
كان ثوبُ استِحمامي البرونزيّ ذو الأكمام الطّويلة، مُتعلّقًا بخطّاف الحائِط، على مقربةٍ مِن الحُجرةِ الزّجاجيّة الّتي طرّزت قطراتُ النّدى جوانِبها حتّى صارت ضبابيّة. التحفته وثبتُّ أواسِطه بحزامِه، ثُمّ وضعتُ على رأسي منشفةً من لونه، وغادرتُ محمولًا على خُفّين سوداوين.
ما لم أحسِب له حسابًا أنّي سأراها في غُرفتي، بل وتحمِل ذراعِي الآلية بينَ كفّيها، وبصرُها مُنصبّ على تفاصيلها بكُلّ تركيز
صوتُ خطواتي الخافِتة دلَّها عليّ، فانجذبت إليّ ساخِرةً
" لم أكُ أدري أنّكَ مِن هُواة الألعاب، لقد اهتزّت صورةُ الجِنرال المهيبة بنظري... "
بمُجرّد ما زلّت عيناها، بالفراغِ المُتربِّع مكانَ ذِراعي، صمتت... وصمَت الكون مِن حولي
-
كأنو البوس صاير تخصصي!
😂😂😂
توقعتوها او ما توقعتوها؟
شو رأيكم بالفصل!
أكثر جزء عجبكم وما عجبكم!
بخصوص الاغنيه للناس يلي ما تعرفها
cl - the baddest female
بيكهيون!
مينّي!
كاي!
هل سيكون نِدًا لكلمته مع ميني!
كيف ستكون ردة فعله، وفعلها! 😂😂😂😂😂 مدري ليه عم اضحك الحين
المهم شو توقعاتكم للفصل القادم!
See u next 💙
دُمتم في رعاية الله وحفظه 🍀
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro