Chào các bạn! Vì nhiều lý do từ nay Truyen2U chính thức đổi tên là Truyen247.Pro. Mong các bạn tiếp tục ủng hộ truy cập tên miền mới này nhé! Mãi yêu... ♥

الفصل | 2

هايز خفاشاتي الجميلات 😍😍😍

عيد سعيد تقبل الله منا ومنكم 😍😍😍

شو طبختو اليوم 😂😂😂😂😂

اعتقد انو هذا عيدي الثالث بالواتباد ياخي الوقت يمر بسرعة 😭😭😭 كمان مرت فترة طويلة على آخر مرة اهديتكم بارت بمناسبة هيك 😂😂

خلص اربطوني بشجرة نشاطاتي صارت كتيرة بالآونة الاخيرة 😂😂

ما توقعت الحق حدثلكم بفصل اليوم لاني دائما بتحشر مع التعديل قدرت خلصو بظرف قياسي - لا تحسدوني-

يلا انطلقوا 😎

Enjoy 💕

-

كُنت أحتضِر، وعلى وجهي نَثر شحيح مِن الضُرّ

جائِرة هِي الحياة إذ تكسِر أجنِحتنا بانتِشاء، ثُمّ تُراقبُ خطانا تجنَح وتترنّح بينما نسعى إلى التكيّفِ وما كتبته لنا مِن بأس، نتقهقر حينًا، وننهار حينًا، نُدمِع حينًا، ونتقطّع حينًا، كُنّا مِن آل السّماء، فكيفَ فُقِع عُلانا، وقُمِع غِنانا، وانقلبنا خائبين، منفيّين إلى الغبراء!

يومَ اقتصَّت المنيّةُ والديّ مِن مرجِ الدّنيا النّضِر، تسابقت أوتارُه إلى التيبُّس، وتداعَت أصباغُه بفُتور سويَّا وسيقانَ الحاضِر، فجُدران رحمي ضمرت وانكمشت، وأنا ما أزال في جوهرِها، أغذّي وجداني مِن عاطِفتِها الدّافِئة، ليصِحّ وجودي.

لقد تكفَّن جوّي الّذي أجادَ مُلاطَفة الألوان بالورقِ الّذي لطالَما احتوى خواطِره الرّائِقة، واستعمرته روابٍ سود مِن الأوزار، كريهةُ المرسم، غمّت عن بصري الأنوار، فمزّق قلبي المغص، أمرَّت لِساني الغُصص، وأبهت روحي النّقص

إنّي كيان تبنّاه الجوى، وغارَ بين خِصامِ النّجوى والشّكوى، فما نجَد رأسُه مِن سُفلى القهرِ إلى رأسِ الهوى

وإذا ما تجاسرتُ، وتسلّقت الأسوار المرصوصة بيني وبينَ الفضاء، مُقتاتة على ما اختزنه مِزودي مِن آمال خِسئت إلى الحضيض، لم ألبث وأن استسلمت عن اقتِطاف نجمة الغاية مِن شجرِتِها المُحرّمَة عليّ دون الجميع، رغم نقائي مُقارنة بهم

كُنت أتمضمض بعلقَمِ الذكّرى، وأبصق دِماء روحي رويدًا رويدًا، حتّى خويتُ منّي

ولكن كُلّما قبّل الشّحوب محيّاي، وتطاولت أذرعه ابتِغاء اقتِناص خصوري، طرحته على مُلاءة الرّفض واعتليته فغدوتُ أكثَر مِنه شموخًا، وكُلّما مزّقت الوحدة مُقلتيّ وأبكتهُما، رتقتُ تمزّقها بالجفاء، وانصرفتُ عن الشّكوى، كما ينصرِم الزّمَن بغير رادِع

خشيتُ أن أمدّ يديّ وأتمادى في اغتِراف الدّفء مِن حُضن أحدهم، فأنحَلّ فيه وأميع كالمسحوقِ في الماعون، بغير قدرةٍ على الرّجوعِ إلى ما عجنته لي مِن صلابة. خشيت لو أنّي اتّخذتُ مِن فُؤادِ أحدِهم مضجعًا، صار لي في يومٍ من الأيّام مرتعًا

أمّا الملاءات الّتي فرشتُها على مُحيّاي، سويًّا وسجيّتي، فرادِعات تحول بيني وبين الجميع، حيثُ تسمو مُقلتيّ عدستان زجاجيّتان الكُلّ يعجزُ عن تخطّيهما، والجريانِ في مضماريهِما نحوَ فُؤادي؛ فإن ما غزاهُ أحد، أمِنتا إلى الأبَد، أمِنتا هُبوب النّزوات، ولهيب البكوات

ما يحفّ جفنيّ، ما ينبري مِن شفتيّ ويدبّ على نبري، ما يُؤطّر عينيّ وما يُسطّر كلِمي، كُلّها أسلِحة جنّدتُها لتنفير النّاس وحمايتي مِنهم، حتّى أتلافى رغبةَ البعض بالغوصِ في أعماقي الدّهماء. رغم ذلِك لا أزال أشدّ إليّ البعض مِن ذوي الّذوقِ المعاق!

استمعتُ إلى المُحاضرةِ الّتي ألقتها المُعلّمة على مسامِعي بضجر، تحدّثت حتّى جفّ حلقُها مِن الكلِم، حينئذٍ أعتقتني فغادرت بصمت، دون أن أستردّ ما سلبته مِنّي؛ المِقلمة الّتي هجّرتُ مُواطنيها وأحللت مساحيق التّجميل بدلًا عنهم

هويتُ بخطاي الرّتيبة على الأرضيّة ذاتِ البلاطِ الأبيض، و الأفكار تتهافت بين تلافيف دِماغي، مُعقّدة أكثَر مِنّي، الرّجُل ذو العينين الموبوءتين كسماءٍ شتويّة، زرقاء، قريرة، تُرقرِق تحتها الأبدان. كانَ ذاته، طليعة الشّؤم في حياتي

ما زايدتُ في الحديثِ معه إلّا ليصفعني بهويّتَه في نهايةِ المطاف، اسمَه أو أيّ معلومة أخرى تُسهّل عليّ العثور عليه لاحِقًا، لكنّي عبثًا كُنت أحاوِل؛ لا يبانُ كالطّود فحسب، بل تبيّنَ أنّ ثغرَه لا يتزعزع، وإن تشظّت أعصابُه سُخطًا

لا عجَب أنّ ذاكِرته لم تألفني، فقد كُنت طِفلةً صغيرةً آنذاكَ، حتّى أنا بالكادِ ميّزته، فأصّيصه عينُه، لكنّ ورودَه شاحِبة، كأنّها مهملة مُنذ الأزَل، رأيتُه فكما لو أنَّ التّحريفَ قد مسّ بشخصِه، حدّ أن مراه ونقَش غيرهُ عليه، والخشونَة كبرت فيه، والقسوةُ استكبرت

ولِم العجب، أوليس هذا مآلُ الجنود إذ تطوّق خواتِم السّلطة أصابِعهم!

يُقال أنّ الكرِش إمارةُ الغِنى والتّرف، وبما أنّ لا كرِش له، فمظهرُه الكلاسيكيّ الّذي يُعادِل وزنُه ملايين الدّولارات كافٍ لأجزِم أنّ حياتَه رسولٌ مِن الجنَّة له، دونَ ذِكر شعره، من يخال نفسه؟ مُحارِب مِن مملكة الجوسون مثلًا؟

في مُروري كُنت لافتِةً كالشّذى، ما إن أشيعَ حتّى تضيعَ أبصارُ الجميع، ليسَ لأنّي الأعظَم فِتنة على الإطلاق، بل لأنّ سُمعةً زكيّة تفوحُ مِنّي.

الطُّلاب هُنا يدينونني بإغواء مُدير المدرسة، بل وحتّى إعارته ليالِيّ، يُبرّرونَ الجُرمَ الّذي ينسبونه إليّ بِحِفظي لمكاني رغم فظاظتي وسلاطة لِساني. أناسٌ حمقى، لا يجيدون سِوى الثّرثرة، وبِناء الأكاذيب انطِلاقًا مِن طوبةِ حقيقة، لملء فراغاتِهم

عُدت إلى الصفّ مِن حيثُ أتيتُ سابِقًا، لقد انتهت الفسحة، والالتِحاق علينا واجِب، كانَ الطّلاب مُوزّعين على بعضِ الطّاوِلات في شكل تكتّلات تضُمّ حُفنةً مِنهم باسم الصّداقة، والمكان يعجّ بلجبهم وضوضائِهم. أحيانًا أحسد مجالسَهم

مِن البابِ إلى طاوِلتي الواقِعة في ذاتِ خطّه مركونةً بجوارِ النّافذة، سرت باستِقامة، أخرجت مِن طوقِ تنّورتي أحمر شِفاه ومرآة، ثُمّ عقفتُ جسدي جلوسًا، وجرّعتُ شفتيّ نسبةً مِن الاحمِرار، أُرمِّم الحَوَل الّذي ألَمّ بهِما بتركيز

" لا يستقيم يومي إلّا باعوِجاجِك"

توقّفت عن تحريك أحمَر الشّفاه لا إراديًّا، ما إن سمعتُ صوته

هذا الدّخيل، غِرٌّ في شفرةِ المُراهقة، أبيضُ الخِلقة، أدهم الخُلق، ذو أنفٍ انحِداريّ، شِفاه مُدبّبة، وشعر أشقر، فارِه المنكبين، فارِع الطّول، مُترف القلب والجيبِ، مُرفّه عن تسوُّل العاطِفة والاهتِمام، له الكثير مِمّا يجعَله يوزّعُها برعونة... بانغ تشان

ما تكبّدتُ في سبيلِ الإشرافِ عليه بِنت عين، بل واصلتُ طوافي بملامِحي المخطوطةِ على المرآة كطرقٍ لا تُشبه خارطَتي البتّة.

أمّا هُو فما اكترث بتجاهُلي له

" أتعلمين... ينغز التوجُّس دواخِلي إن لم أشهدكِ تُحدثين الهرَج والمرج في المدرسة، يكادُ الأمر يصير روتينا حميدًا، شُهرتك تفوّقت على شُهرة حسناء الثّانويّة "

أضاف وهُو يُبعثر ذراعيه بدراميّة

" المُشاغِبة الّتي لا تُطرَد مهما بغَت "

ما كان الانسِحابُ بكرامةٍ مُدرجًا في مُعجِمِ تصرّفاتِه، هُو لحوح، سيُطلق ويُطلق حتّى أنطِق

" ما المسألة هذِه المرّة؟ "

مِن أقاصي التبرُّم جاءَه عِباد ثغري، بينما أنامِلي نافذةٌ في شعري، تُسَلِّك بعضا مِن اشتِباكاتِه

" شُؤوني لا تمتّ لكَ بصلة، فلتكبح فُضولَك عنّي إن كُنت تخشى عليكَ مِن أن تتحوَّل إلى لحمٍ مُدخّنٍ بسُخطي "

خلَدت يدُه إلى حِجر طاوِلتي الشّاغِرة إلّا مِن ظِلالَ الأوراق، أوراق الشّجرة الّتي تُوازي نافِذتي. عبر ضواحِي لحظي الأيمَن الواقِع على حُدودِه، لمحتُ توازُن ثغرِه الدّامِي يختلّ لعُقلةٍ مِن الزّمَن، قبل أن يُذيعَ سُخريتَه جِهارًا

" شراستُك هذِه ستُمزّقُكِ يومًا ما "

مثّلتُ الصّمَم، رغمَ إيقانِ كلينا بأنّي لقِفت كُلّ ما قالَه، فأذنيّ سانِحتين، ليسَ ككلّ مرّة أُشحّمُهما فيها بزخمٍ مِن الموسيقى. كببتُ المرآة بالطّاوِلة، بجوارِ غِطاء أحمر الشِّفاه المُخمليّ، والّذي سفّرتُه إلى موطِنه، ثُمّ نصبتُهما بقُربِها

اقتفى كُلّ خطوةٍ أدّتها يداي باهتِمام، وبينما أنا أستعِد للخشوع في منظرِ الفلك الأزرق، هرعَ يقتطِع تذكرةً له فيّ، كأنّه يجهل أنّ طائِرتي تطوفُ الفراغَ، محظورةً مِن شحنِ ركّاب

" إنّها مساحيق التّجميل، مرّة أخرى. "

غامَر بالمَساس بذقنِي حيثُ أفرشَه أنامِله وأعلاه، ثُمّ تكفّلَ إبهامُه بإقلالِي إليه، هُو مِن القِلة اللّذين يُنزّهونني في أعينِهم مِن حينٍ لآخر

" لستِ بحاجةٍ لتطويق عينيك بالأسود حتّى تُشتّتي الجميع مِن حولك، إنّهما سوداوين بالفِطرة، ونظراتُك أنصالِ الخناجِر تُؤدّي فروضها على أكملِ وجه "

ما كانتا سوداوين بالفِطرة، ففي إحدى الأحقابِ المُكرمةِ بالحبّ، تألّقت جواريهِما الكنس، تميسُ بخُيلاء، لكنّ قيدَ المأساةِ خنقها حتّى الموت، وضاع بريقُها إلى الأبد بينما يختبِئ مِن الحياة

ربّما أصابَه صمتي بحُمّى الغُرور إذ هذى وُهو يتوشّح ابتِسامةً ماكِرة، وحاجِبه الأيسر ناهِد.

" ألا تكلّين مِن استجلاب المشاكِل لنفسِك... يا صعبة المنال الخاصّة بي؟ "

ظلّ يُخضخِضني بغير استِكانة، وصدرِي تعمُّه الغازات، بقُدرةٍ إلــهيّة ظلّت معصومةً مِن الانفِجار بي، إن فتحتُ ثغري فسينبثِق مِنّي الحميد، والدونيّ

انتزعتُ وجهِي مِن ظِلال سيطرتِه، وشاحنتُه بنظراتٍ طاغيةٍ في الغضب، غير عابِئة بما قد ألحقه بمشاعِره، هُو الّذي اصطفى العبَث معي

" وألا تكِلّ أنتَ مِن السّير حافيًا مِن الكبرياء وركلِ الترّهات هُنا وهُناك عن أنّا نتواعَد؟ يكفي أنّي لُقمة سائِغة بموائِد الكُلّ، النّكهات الّتي تُضفيها لا تزيدهم إلّا شراهة "

نفضَ آثار الانحِناء عن ظهرهِ الّذي غدا أفقيًّا لا تشوبُه طيّة، وما برزَ على أفقِه أيّ ارتِجاج نتيجةً للهجتي الفظّة والمُذلّة لهُ، بالعكس، كان وجهُه مُنجَّدًا بالثِّقة

" لقد غدوتِ الإبرة الوحيدة القادرة على رقع كِبريائِي، استِسلامي عنكِ سيُكلّفني هزيمة تاريخيّة، وسوف يحطّني بمحطّ الأبله. "

تكدّست في قالبي زفرة، نفثها فمِي خارجه يُوفّر لي المساحةً المُثلى حتّى أتنفّس، وأطعِم فجوات الحِنق الّتي أسقمت دواخِلي، وأخذت تختلِس سلامة عقلي.

في تِلك الأثناء مال نحوي مُعتديا على مِساحتي الشخصّية الّتي أحتكِرُها لي، إحدى يديه مُنبطِحة على الطاوِلة، والأخرى تُعانِق رأس كُرسيّي، أي أنّي غدوتُ مُنزويةً فيه

" إن كُنت تشتهين التخلُّص مِنّي بهذه الشِدّة فلتُقرضيني بعضا مِن وقتِك، يُمكنُنا صُنع مشهد وحيد يُلجِم الأفواه، مِن بعدها نفترِق بغير خِلاف "

ردّى صوته بدرجات حريصًا على إبقاء الموضوع بيننا

" لماذا؟ أتشعرين بالإهانة؟ لقد خصّصتِ للمُدير حصّة مِنك، فلِم تستصعبين التبرُّع لي بالقليل؟ ألستُ متفوّقًا عليه في كافّة الجوانِب؟ "

لطالما نبذتُ ما تُنجِبه أفواهُ قلبي مِن نغص وألم، لكنّه هذِه المرّة نفذ إليّ في غفلةٍ مِنّي، حينئذٍ كُنت مُنهمكةً في إماطةِ غضبي بسدّ كفيّ، وكُلّما حمّلتُهما أكثر مِن استطاعتِهما ارتعشتا..

هانَت نظراتِي لوهلة، لكنّها قامت ورضّت موطِن نظراتِه الّتي ما شهِدتُ لها هزّةَ رأفة

" هل انحطّت قيمتي ورخصت إلى هذا القدر ليُراوِدني كُلّ صعلوكٍ أتعثّر بِه عن وقتي؟ "

غضضتُ طرفي خِزيًا، وضعضعتُ ثغري قهرًا، استلزَم منّي لاستِرجاع زَمام برودي، وإنعاش عداوتي للحياة -ليسَ حتّى كسب مودّةِ قاطنيها-سفك العديد مِن الآهات بداخلي.

أتراءى لهُم عتيّة كهرمٍ مُعجِز، لكنّي عاجِزة، يكفي لهدمي انتِزاع الطّوبة الّتي إليها تستنِد أعباء أخواتِها، كُلّي رِياء، ولا أحد قد يرتوي بحقيقتي

نظرتُ إليه بثباتٍ مُجدّدًا وقُلت:

" أنا أفضِّل الرّجل الأكبَر سِنّا، أيُّها المُراهِق "

اختلجَ عُباب وجهه لجُرعةٍ مِن الوقت، ما لبِث أن تدارَك نكستَه وغمَز

" العُمر ليسَ مِقياسًا للخِبرة... ستُبهِرُك مهاراتي "

سبَح فِكري في مدارٍ مِن التخمينات المعطوبة، كُلّما فخّخت دربه بذريعة تلافاها.

لملمتُ شفتيّ، وأذنت لشدقيّ بالانقِباض، فكرت إلى عُمقٍ قصيّ عن كيف يسعُني كسر عود غروره حتّى اهتديتُ إلى السّبيل، ونحتُّه بلِساني أجوف

" وأجدِ بالرِّجل الوقور الّذي لا يتوسَّل وِدّ امرأة، بل يُسوِّل لها أن تمنحه إيّاه رغم الموانِع "

كانت ضربتي قاضية هذه المرّة، فما نهض الاستياء عن مُحيّاه بعدها، ولا الكلِم. كتَم خيبَته، واتّجه بصمت إلى طاوِلته بالصفّ المُجاوِر لي

رغم أنّ قسط الأحاديث الّتي أحظى بِها معه يغمُرها الشّجار غالبًا إلّا أنّه الشّخصُ الوحيد الّذي يُحاوِل استِدراجي إليه هُنا، ففي حياتِي قِلّة تُحابي الانعِدام. أنا الّتي أحقتُ قلبي بالعوائِق، ليس جميلًا بحَقّي أن أتمنّى لو يخلِق الزَّمن لي فارِسًا باسِلا يقوى عليّ

ولعلَّ جُرم العُهر الّذي ربطني بالمُدير هُو ما يقيني مِن التنمُّر. لستُ الغبرة الّتي قد تُطيّرها نفخة بالتّأكيد، لكنّي أُعفيتُ مِن بذلِ مجهودٍ إضافيّ. مُشاجراتي في هذه المدرسة سواء مع الطلبة أو الأساتذة لا تُحصى، كُلّ منقول يُقال له: الفتاةُ بالأخير، لا تُلقي لها اعتِبارًا

علاماتِي ليست بذلِك السّوء، كأنّها شُعله تهمِس لي أن أطعميني أحطابَ اهتِمامِك فأتلظّى لكِ، لكِنّي حبّذتُ المكوثَ في ظُلمات الفراغ، وادّخار أتعابي لمُجابهة هذِه الأيّامِ المُتحجّرة، والجابية. لا يوجَد من يهتِف لي، ولا مَن يحتفي بنصري، فلِم أعبأ؟

فُؤادي مُقعدٌ، إذ هوى وحُلمه بخليج الواقِع المدبّبِ بالصّخور، هُناك حيثُ ترقُد أشلاؤُه، وهُناك ضريحٌ رغباتي الّتي ما أهديتُها كلّما زُرتُها ولو وردةً بيضاء قد تعني الأمل.

لقد تفشّى اليأس مِن صلبي، فما كان لي هدفٌ أهروِل إليه كالبقيّة، أو هِوايةٌ تشغلُ بالي عن أُمنية والديّ، لم تسمَح لهُما الحياة أن يحضُرا نُضوجي ويفرضا عليّ إرادتيهما

-

عِند المساء المُتجرّد مِن بهائِه، وحيثُ لا تزال السُّحُب تطمِر سُرُجَ النّهارِ، تستحوِذ على ما تغزِله، وتضيء بِه بياضها الّذي نَصَع، عزفَ الجرس نغمتَه الرّوتينيّة المُحبّبة لدى الجميع، وما كادَ يصمتُ حتّى صفِرت القاعةُ وتلاشى الصّوت.

كوني لم أُشَرّح الحقيبةً سلفًا، ولم أُشرِّد مِنها أيّ غرض، اكتفيتُ بإيلاجِ ذراعيّ لوتريها، ثُمّ أجليتُ الصفّ مِنّي، ونضدتُ خطاي على خدّ الأرضيّة بتكاسُل.

أحيانًا يستقطِبني لحنُ الضّحك السوقيّ، أو يُفسِد اتّزان جسدي كتِف أحدهم، فيتشتّت بصري قليلًا، ويرصُد شِلّة أو ثنائِيًا، وأدوا الهُموم، وأدوّا نُسك اللّحظة، يسوؤُني منظرُهم الحسَن، لكنّي أكتفي بالضغطُ على حواشي الحقيبة بينَ كفيّ مُروّحةً عن حسدي، أخبِر نفسي أنّي آمِنةٌ بمُفردي، لا أزرع الأمل ولا أحصد الألم. هذا هُو يومي، صامتٌ، لا ينطِق إلّا كُفرًا

سرتُ بثباتٍ نحوَ محطّة الحافِلات الواقِعة في نِهاية الشّارِع، بعد المُنعطفِ تمامًا، رغم أنّ القنوطَ نحَر أعناقَ سكوني في فضاء الغيرة الأسمر؛ فكُلّما تعثّرت عيناي بالتّكتلات الأُسريّة الّتي تُقام خارِج أسوار المدرسة يوميّا، خُدِشت ذاكِرتي ونزفت آهات صامِتة، أتساءَل لِم يتحتَّم عليّ أن أكون يتيمة، لِم أنا من بينِ القلّة الّتي رُدِمت تحتَ تُرابِ الحرمان الخانِق!

ولأنّ الاستِمرارَ لُزمٌ عليّ، دُست البكوات المُتنامية على صفيحيّ الجافّين، وعبرتُ إلى ضفّة الجفاء، أنامِلي حولَ الأحزِمة تشتدّ، نظراتِي تحتدّ، وضروسي تتعاضد

دامَ قعودي في دُبر الحافِلة، مركونةً إلى اليمين كمِذياع مُهترئ لعشرِ دقائِق مُتوالية. نزلتُ في المحطّة الثّالثة، ودبّت قدماي المحصّنتين بحِذاء رياضيّ على الرّصيف المُعبّد لفترة، توقّفتُ أمام مبنًى جليل نِسبيًّا، مُشيّدٌ بالآجر الأحمر، له باب حديديّ ضيّق، تُحاذيه بوّابة واسِعة مُخصّصةٌ للسيّارات، هُنا ضريحي الأنيق ظاهِرًا، والخانِق باطنا... الميتَم

عبرتُ المدخل بتخاذُل أتمنّى ألّا أصِل، ومُذ أن لمحتُ مُجسَّمًا لرجُلٍ بدين معِدتُه الممتلئة تسبِقه يتوسّطُ الباحَة، أدركتُ أنّ مِزاجي الأخرق على وشكِ أن يُخترق. علاقتي بالمُدير سيّئة للغاية، لاسيما وأنّي شارفتُ على بلوغِ السنّ القانونيّ، أيّ أنّ عِبئي سيُشال عن كاهِليه، هُو لا يُطيق صبرًا حتّى يصرِفني، كأنّه يصرِف عليّ مِن جيبِه!

خطّطتُ لتجاوُزِه دون كلامٍ أو سلام، راجيةً ألّا يُزيل تركيزه عن السيّارةِ السّوداء الّتي أطلق مُحرّكُها شارةَ الرّحيل للتوّ. كُنت شخصًا يستذِلّ حطّ عينيه، لذلِك ألصقتُهما بواجِهة المبنى، خِلت أنّي سأُكلّل بالإعفاء مِن حديثِه الجارِح لكن، لا

" كيم ميني، هل أنتِ تتهرّبين مِنّي الآن؟ "

كلِماتُه المُطعّمة بالخُبثِ اصطادتني مِن بُحيرتي، ولأنّ وجهَه شديد المُلوحةِ عصيٌّ على البلع تمنّيتُ لو تُسيل السّماء عليّ ذريعَة تُقلِّص مِن أمدِ لِقائِنا البغيض هذا، وتُجنّبني الخوضَ في نِقاشٍ معَه، بقيتُ أتمنّى حتَّى ساويتُ قِبلتينا ببرود

سكبَ المَسكنة في عينيه مُترهّلتيّ الجفنين، مُنكمِشتيّ الحافّتين، تبوحان بكِبر سِنّه

" لقد تشبّعت علاقتُنا بالوِفاق، حتّى أنَّك كُنت المُفضّلةَ لديّ دائِمًا، فلِم أنتِ تتجنّبينني الآن؟ "

هذا الرّجُل كغُبار الطّلع، ما عاد يُلقّحُ في قلبي أيّة مشاعِر طاهِرة بعد الآن، إنّما يُصيبُني بالسّعال. بئِسًا لأيّامٍ كُنت أعدّه فيها الحامِي الّذي بعثَه الربّ ليصرِف عنّي كُلّ مُعتدٍ، كان العدوّ، أدخلتُه عُقر داري!

تطايَر الحِقد في عينيّ كأشلاءِ الرّماد غير مؤُذٍ، وليتَه كان يُؤذي

" ليسَ لأنّي خائِفةٌ مِنك بالطّبع، بل لأنّك لا تنفكّ تُعيد على مسامِعي ذاتَ الكلام كأسطوانةٍ مُعطّلة، كُلّما مُنحت الفُرصة أهدرتها بالهُراء "

هُو رجلٌ فوّتَه الموتَ يومَ قبضَ وجدانه، وما ظلّ سِوى النّبض يُسنِد جسده البالي. لم أستغرب أنّه خاطبني بصوتٍ لعوب

" الظّروف قادِرة على تطويعِ آراء النّاس، لستُ أعيد كلامي إلّا لأتحقّقَ مِمّا آل إليه فِكرك، لكنّي أرى أنَّك مُصرّة على اقتِراف الطّريق الأصعَب في هذه الحياة، بالرّغم مِن أنّ مفاتيح التّرف على بُعد تنازُلٍ طفيفٍ مِنك "

نهرتُه وقذفتُه بقليل الحياء فيما سبَق، لكنَّه ردَ عليّ بضِحكةٍ رخوة كالدّهونِ المُتساقِطة مِن بطنِه. ثمةَ فِئة مِن النّاس، خصُّها بقيمة، جريمةٌ بِحقّ الوقت، لذلِك أحاول تفاديه

قلبي تضبّب، نظري تصبّبَ حِقدًا، ولِساني هاجمه بأثخَن لكنةٍ يمتلِكُها

" فلتُلملم مفاتيحَك ولتغرُب عنّي، إن أردتُها ابتعتُ ذاتَها وربّما أحسَن مِنها مِن عند غيرِك، فالُذّبابُ يستميتُ لأجلِ السّكريّات، دون أن يعبأ لنسبة صلاحيّتِها "

حلَّقت يدُه في الفضاء، كان جليَّا أنّها ستهبِط على وجهِي، لكنّي انتزعتُه مِن مداها قبل أن تُدرِكني. لم يرُق له النّفور الّذي جاهرت به، كأنّه أطفأ توقّعاتِه المتوقِّدة، يظنّني فريسةً سهلة لأنّي يتيمة، ومقطوعةٌ مِن اهتِمام الّذين يُشارِكونَني ذات الدّماء، أعظم غاياتِي هي المأوى

وضّب يدَه الخائِبة في جيبِ سِروالِه العريض، وقال:

" لا تأتيني باكيةً يوم تضطرّين لحزمِ حقائِبك والرّحيل قسرًا مِن هُنا، فثمنُك لن يكون غاليًا كما هُو الآن "

كُنت دائِمًا وحدي في وجه الغاصبين، أُرغمت أن أكونَ امرأة نفسي وأنا في مُقتبل صِباي، لذلِك ربّيتُ نبرةً مُتماسِكة لا تتمزّقُ مِن تحتِ جُندِها، وعدستين لا تبرقان ولا تنبعجان، كالحُسام قاطعتان، تطعنان، ولا تُقطعان، لأحد، أو مِن قِبَلِ أحد

أحيانًا ينال مِنّي السّأم، ويُركّعني السّقَم، فأتضرّعُ أن أُثابَ على صبري العريق هذا بصدرٍ أتّكِئ عليه، صدرٌ يُسلّحُني وأنا في أمَسّ العجز، ويغزِل الأغطية حولي حينما تُرعشني الدّنيا. الكثير الّذي أحمِله على ظهرِي على وشكِ أن يقصِمه، وسوفَ يدُكّني بالقاع آجِلًا

حاولتُ كمد الاحتِراق في صدري، وكَدّ الغصّة المُتراكِمة في أواسِط حُنجرتي وبينَ أضرسي، قبل أن أسلخَ ثغري فينزفَ الضّيم بأنفة

" أنتَ تستعجِل الغد، وهُو ما يفتأ في كنف المُستقبل، ومُفترقاتُ اليومِ قد تُخبّئ الكثير مِن التغييرات، لا تكُن واثِقًا أنّي لن أعثُر على مُستضاف مِن بعدِ مبناكَ الفقير هذا، العيشُ هُنا لا يستحِقّ مِنّي حتّى التّفكير في عرضِك "

سأل مُتهكّمًا

" حقّا؟ "

وما كان صمتُه اللّحظيّ إلّا فاتِحةٌ لموجةٍ هِي أعظَم مِنه بكثير

" غادِري الآن "

ليتَني ميسورةُ الحال لأُخلِيَ حاوية القُمامة هذه، بعد أن أسكُب عليه دلوَ سُبابٍ مغليّ، لكنّي مُعدمةٌ، وكافّة سُبل الرّزق أمامي مقطوعة.

أشهرتُ ورقتي الرّابِحة في وجهي، وماطلتُ قدرًا لن ينزاحَ أبدًا

" ما حانَ الموعِد بعد سيّدِ آهن، سأُغادِر متى ما يحينُ أجلُ مُغادرتي دونَ حاجةٍ مِنك لقول كلمة "

عطفتُ بدني أبتغي الرّحيل، راجيةً ألّا ينصِب لي في طريقي عثرة، تُريق مِنّي ما تحبِسُه أعصابي بعُسر. يومي مكسور الخواطِر، تسيلُ مِنه السّاعات هدرًا، وأحيانًا غدرًا، دون حاجةٍ إلى الارتِطام به، هُو يُهشّمُني، ويسحقُني بلا رحمة.

وأنا أتناءى عن مضجعه، حميت عينيّ، وطفَح احمِرارُهما لاذِعًا لادِغًا، لا تزال العبرات مُتحجِّرةً في حوضيها صلبةً كالحجر، كانت أصابِعي متوطّدة حول حِزاميّ حقيبتي كأنّهُما آذانٌ تُصغي لعويلِ همّي، العاصِفة الّتي يخالُ الجميعُ أنّها مُدَمِّرة تلتهِم ذاتَها!

في مآقيّ ترقُد جثَث لجيوشٍ مِن الدّمع قمعها كِبريائِي عِند حدود جفنيّ، أحيانًا أؤبِّنها راغِبةً في بعثها، لكنّ يقيني في أنّ البُكاء لن يجعل الحياة ترقّ على حالي يمنعني، لقد بكيتُ مِدرارًا عِندما كانت سمائيّ مِعطائتين، تُفضفِضان عن فُؤادي طوفانه، سُدًى

انجرفت قدميّ خلفَ المسار المَخطّط له بذاكِرتي، تُنتِج زُمرًا مِن الخُطى، أمّا بصري فشاخِصٌ لما تمركز قُبالتي، وأمّا عقلي فغافٍ في مكانٍ أجهله، مكانٌ لا ملامِح له، كالفَراغ، لكنَّه مشبعٌ بالصّدوع، صدوع يتسرَّب مِنها الظّلامُ، دون أن يُحدِث فيه فارِقًا.

قلّت نِسبةُ الإضاءَة ما إن سماني سقفُ المبنى، حيثُ مشيتُ في الرّواق الّذي اتّضحت لي معالِمه بوضوح، جُدرانُه مشطورةٌ بغير عدل، الشّطر العلويّ عاجيّ، والسّفليّ مارونيّ مُزوّق بموجاتٍ زيتيّة، نوافِذُه طويلة تلتحِف ستائِر سُكريّة مُبرقعة بالأسمر كالنّمش

بعد معركةٍ والدّرج وصلتُ إلى غُرفتي الكامِنة في مُقدّمة الممرّ أخيرًا، غُرفةٌ كُنت أتشاركُها مع صبيّتين إحداهُما تمَّ تبنّيها، والأخرى وجدتُها ممدّدةً على بطنِها، كفّاها يحتجِزان كِتابًا، وعيناها تُعاشِران ما خُطّ على أسطُره مِن حروفٍ بدت لها فاتِنة... رينا تُحبّ القراءة

مِن سهوها المُمتلِئ بالانتِباه أخرجها صرير البابِ الخشبيّ العتيق، ككُلّ الأثاث هُنا، لم يخضَع للترميم سابِقًا

" لقد عُدتِ باكِرًا اليوم، هل أنتِ بخير؟ "

حيّز الغُرفة صغير لا يتّسِع لثلاث أشخاص، بعد رحيل مينجو صارَ بإمكانِنا التنفّس والتحرُّك بارتِياحٍ أكثر، هُناك سريرين مُتجاورين، يحمِلان فراشين رثّين، مدثّرين بمُلاءات زهريّة تكادُ تشيب، بينهُما نافذة، وأمامَهُما وحدتيّ ثيابٍ بلاستيكيّتين متكوّنتين مِن دُرجين

ألقيتُ حقيبتي الخفيفة على ظهر سريري، تليها سُترتي، ثَمّ اجتذبتُ مِن الدُّرجِ العُلويّ لوحدتي سِروالًا قصيرًا أسود، وقميصًا صوفيًّا سحابِيّ اللّون، حجمُه وهُو مطويّ يوشك أن يستولي على مِساحتِه، ليسَ لي الكثير مِن الثّياب، الشُّكر لزيّ الثانويّة المُوحد وإلّا لافتُضِح نقصي

كِدت أنسى أنّ ثمةَ طرفًا ثانيًا بالحُجرة، خاطَبني مُنذ وهلة، وتجاهلتُه كأنّي غير معنيّة، حتّى شنّت على مسامِعي غارةً أخرى، لطيفةَ الوقع

" لأنّكِ دومًا تُشرقين بعد غُروبِ شمس اليوم، استغربت قدومَك الآن وما تفتأ ظِلالُ النّهار قائِمة بشموخ "

تمضمض جفنيّ بخَنق لحين، قبل أن أشرع في فكّ أزرار البلوزة البيضاء الّتي تُعاضِد لحمي، وتُفصِّل قوامَه

" ما مِن شيءٍ لفت وقتي ليستميتَ مِن أجلِه، ضجِرتُ مِن ذاتِ الرّوتين "

ربّعت على السّرير بحماسة؛ كثيرًا ما تصيّدت حسناتِ ثغري حّتى تعبُر إلى قلبي، وتسطوَ عليه

" أغبِطُ استقلاليّتَك رغم القواعِد الّتي تقصّ مِنها، ليتني قادِرةٌ على الخُروج مِثلك والاستِمتاع بوقتي دونَ أن يجلدني الخوفُ إلى هُنا إيابًا "

أشحتُ القِماشَ عن جسدي بعدما شرّعتُه على مِصراعيه، ثُمّ أفلتُه بإهمال، أعدِ بالإياب إلى مثواه في وقتٍ لاحِق. لم يكن يبرُز لها مِنّي سوى حمّالة صدري، مُنذ أنّ هذِه الغُرفَة الوحيدة التّي تستقبِلُنا، فإنّا مُرغماتُ على تبديل ثيابِنا أمام بعضنا البعض

" لستُ أخرج ابتِغاء المُتعة، بل لأُضيِّع فِكري عن الضِّعة الّتي هُو فيها "

حال انتِهائي مِن ارتِداء ملابِسي، لطمتُ السّرير بجسدي فاشتكت حدائِده ثِقلي بأن أصدرت أزيزًا، يومًا ما سيُثقب ويطرحُني أرضًا

ما هِي إلّا لحظاتٌ حتّى سمِعتُها تقول بحسرة:

" الجميعُ هُنا يُعاني، قد أكونَ أقلّنا ألمًا لأنّي لم أختبِر حنان الوالدين لكن لا ضير مِن التأقلُم، والتّعامُل مع العُمر الّذي أودِع فيكِ على أنّه فُرصة، لا عِقاب "

أراه عِقابًا على ما لم أقترِفه بالفعل.

أسدلتُ جفنيّ بتعب، ولاقيتُ خدّي بالوِسادة وعينيها بظهري

" لا أزالُ أعانِي مِن عُسرٍ في هضمِ ما تُجرّعني إيّاه الحياة، فلا أكادُ أستلذّ بِه حتّى أتقيّأه مع دماء قهري "

كُنّا دائِمًا نحتسي جُرعاتٍ دافِئة مِن الحديث، أنا الّتي تقطعُها دائِما لئلّا تستفحِل، فأثمَل بالعاطِفة، وأقترِف الفواحِش مِمّا يتوق قلبي، علاقتُنا طيّبَة، لكنّها مُقشّرةً مِن الالتِزام، والاهتِمام

-

كانت الأيّامُ تُهاجِر زفرةِ الغُروب وترجِع مع شهقةِ الشّروق بذاتِ تِعدادها، دون أن تكثِر ساعاتُها أو تقِلّ، مغشوشة المضمون ككُلّ ما يأتي بالمجّان، قاسية المطلع، عصيّة على البلع. ما يزالُ البردُ يُلقِّم الجوّ، يُقلِّم الأجساد الفقيرة، ويبري القُلوبَ الشّاردَة

لكنّ هذِه الصّبيحة حملت بين طيّاتِها الكثير مِن الاختِلافات؛ فليس مُنبّهي البيولوجيّ هُو من أيقَظني، بل صوت جلبة مسخَه البُعد شوشرةً خافِتة، كانت كفيلة بإقامة جفنيّ عن مرقديهما.

وعيتُ مُتسائِلة... ما الّذي يحدُث؟

عادةً ما أقضي بعضَ الوقتِ في التّحديق بسمائي الحجريّة، لكنّ الفُضول قذفَني إلى النّافِذة بسُرعة مهولة، هُناك حيثُ رأيتُ مشهدًا مرَّ وقتٌ طويلٌ مُنذ أن وُلِد مثيلٌ لهُ بمُقلتيّ. داخِل حدودِ البوّابة كانت تستقرّ سيّارتان سوداوين، إحداها رشيقة، والأخرى عسكريّة بدينَة، وخارِجها يوجدٌ تكتّلٌ لزُمرٍ مِن السيّارات، وأناسٍ مِن الجنسين يحمِلون كاميرات تصويرٍ ضخمة

هرولتُ نحوَ الرّواقِ، وما أجارَني مِن تكبُّد سفرةٍ مديدة هُو احتِشاد شريكات سكني، مِن صغيرتِهم إلى كبيرتِهم في قِمّة الدّرج، كُنّ عشر فتياتٍ يتدافعن سعيًا خلفَ زاوية نظرٍ شامِلة، حاولتُ استِراق النّظر، لكنّ فُرصتي أمامَهنّ كانت شِبه معدومة، لذلِك حبّذت الاستِسلام والاستِفهام

" لقد رأيتُ عددًا مِن الصّحفيين بالخارِج، أثمةَ مُتبرّع؟ "

رينا الّتي تُقاسِمني الغُرفة أوّل مَن التفتت إليّ أوّلًا، وانفلتت بهِمّة

" إنّه نائِب الوزير مرّة أخرى، لكنّه لم يأتي شخصيًا، أعتقِد أنّه أرسَل مُتحدّثين باسمه لأنّه مُتوعِّك، اثنان مِنهم جنود بناءً على أزيائهم، ثالِثهم يبدو ذا رتبة عالية "

الفتاةُ الأنيقة الّتي كانت تتصدَّرهُنّ مُتمسّكةً بمُقدّمة سياجِ السّلم قفزت بانفعال قفزاتٍ قصيرة المدى

" لا أطيق صبرًا حتّى يتِمّ استِدعاؤُنا للنّزول سويّا والّذكور مِن المهجع المُجاور لأجلِ مُقابلتِهم شخصيًّا، والتِقاط الصّور معهم "

رمقتني رينا بنظراتٍ مُحذّرة

" لقد أمرتنا مُدبّرة المنزِل أن نتصرّف بتهذيب "

مَن أخبرها أنّي سأنضمّ إليهنّ؟

نفثتُ تنهيدةً هازِئة مِن أعماقي، ثُمّ تمتمتُ بحقد وعقلي عالقٌ في سلسلةٍ مِن التأويلات

" مُنافِقون "

وبينَما أنا أهُمّ بالرّجوع إلى غُرفتي أتانا صوتُ المُدبّرة الغليظ مِن الطّابِق الأرضيّ، يحمِلُ بينَ طيّاتِه نداءً مُختصرًا

" يا فتيات "

فجأة انفضّ الجميعُ مِن حولي، وصِرتُ أنا في الواجِهة، مكشوفةً أمام مَن قرّرت التهرُّب مِنهم، أيّا كانت هويّاتهم أو نواياهُم. معمعة أقدامِهنّ المُتراكضة نُزولًا نجحت في تشتيت الأبصار عنِّي، كان عليّ الاختِفاء حينها، لكن رُؤيتَه أدهشتني

الكثيرُ مِن الأسئِلة استعمرت خُلدي بينما أحدّق بِه عاجِزةً عن الحراك، أوّلُها ما إن كان يعلم أنّي أقطُن هُنا قبل قدومِه، ما إن كان قد تعمّد الظّهور أمامي لإغاظتي

كُنت غبيّة لأنّي أسهبتُ في السّكون، فما كادت قدميّ تؤمّنان لي مهربًا حتّى قبَضت عيناه عليّ مُتلبّسة. كُثبانُ الغرابة الّتي تراكمت بينَ حاجبيه أجابت بالنّفي على أسئِلتي السّالِفة، لم يكُ يدرِ.

وربّما حِدّة نظراته هِي الّتي بترت حِبال سكوني لأنطلِق كالطّلقة صوبَ الغُرفة، دون التّفكير بأيّ شيء. ما كان الهرب يومًا مِن شِيمي، لكنّ هالتَه المُظلمة حرّضتني عليه

حتّى وإن قدِم غيرُه، لم أكُن سأنضَمّ إلى مجلسِهم المحفوفِ بالنفاق، والحنان الزّائِف. أرفُض قطعًا أن يُنتفَع بضُرّي، وأن يُستغلّ يُتمي في التّرويج لمَن مدَّ يدُه لي بربتةٍ طمّاعة، وكُلّ همّه أن يجنِي مِنّي مصلحة، وأن يصنَع مِن أنقاضِ قلبي له جِسرًا يصلُه بأهدافه

أنّى تُطاوِعهم ضمائِرهم أن ينظروا لأشخاص سِقامٍ أمثالِنا كوسيلة؟

مهما سكبتُ في صدري مِن حقدٍ عسى أن يُخمِد رغبتي في النّزول والتفرُّج على المهزلة الّتي تحدُث بالأسفل ظلّت سليمة، في الأخير برحتُ رحِمي وهبطتُ على عجل، لم يتعسّر عليّ إيجادُهم، فالجميعُ مُتجمهرٌ في الباحَة على مرأى مِن الصّحافة

كان الجنديّان المُرافقين لسيِّدِ الأسود يطوّقانِ جانبيه، كحُراسٍ له، جليّ للأبصارُ أنّه الأسمى رُتبةً بينَهم، والأكثر انحِطاطًا على الأغلب. لمحتُه يُكبّل قُصاصةً مِن الورقِ بإصبعيه، ويمدُّها نحوَ مُدير الميتَم، حالما أمسكَ بطرفِها الآخر، تهافتت أضواء الفلاشات مِن أفواه الكاميرات

أمّا البُله، والبلهاوات مِن رفاقي المُقطّرين مِن عزّة النّفس فلطموا أيديهم بعضها ببعضٍ مُصفّقين، يعتقِدون أنّ هذِه الأموال ستُسخَّر لتسوية حالِنا، وسدّ ثغور الحرمان الّتي تشهقُ بسماتِنا، لكن لا... ذلِك الرّجُل الطمّاعُ سيختلِسها كُلّها

نفضتُ سمومَ رئتيّ مُختلطةً بدُخانِ نقمي مِن أنفي وشفتيّ المُفترقتين، عسى أن يُفرَج عنّي وتعود أحشائِي إلى وظائِفها الأزليّة. ما لبِثتُ كثيرًا حتّى أبحرتُ في الأرض والبرد يقرص ساقيّ مِن كُلّ صِقع. حينما كان الطّريق تحتَ قدميّ إسمنتيّا صلبًا لم يُفتَضح أمر مُروري، وحينما نابَت عنه التُّربة الرّطبة أبى إلّا أن يُخلِّد آثاري مُؤقّتًا

عِند حرفِ المبنى، انعطفتُ فانجلت الحديقَة الخلفيّة ذات الحشائِش المجزوزة بعدل لبصري، أكثرُ ما يُميّزُها هُو الإطار الحديديّ الّذي تتعلّق بعارِضته الخشِنة أربعة حِبالٌ متينة، مُشكّلتين أرجوحتين لطالَما تقاتلنا لأجلِها، بجوارِه شجرةُ جوزٍ عجوز لم تُزهِر بعد

جلستُ على الأرجوحَة اليُمنى ذاتُ الموسدِ الخشبيّ المُصطبِغ بالورديّ، وتضافرت أنامِلي حولَ حبليها فلدغ ملمسُهما الخشِن كفيّ، تزامُنًا وانزِلاقَ ظهري إلى الوراء بأمرٍ مِنّي حيثُ أشرفتُ على السّماء المُتضرّجة بالبياض، غرستُ إحدى قدميّ بالأرضِ وهززتُني بأناةٍ دونَ أن أرفعها

تفاقَم انحِدار رأسي إذ نوّمَ الاستِرخاء شعوري بما حولي. حينما فرّقت أواصِر جفنيّ لأستبشِر بجمالِ معرض السُّحب الجائِل أعلاي، وجدتُني أجول في سماوين أخريين، كالمُحيط داكِنتيّ الزُرقةِ، مالِحتيّ المذاق، لكنّهُما شاغرتين كقلبِ الصّحراء

لفرطِ الصّدمة اندفعتُ إلى الأمام، وكُلّ همّي أن أُخلّفَ بيننا أكبر قدرٍ مُمكن مِن الأسطر، حتّى أنّي أوشكتُ على تقبيل الأرضِ بجموحٍ، لولا أنّي توازنت

" يا إلـهي، ما الّذي أتى بك إلى هُنا، هل أنتَ تُلاحِقني؟ "

لاحَت وفود عينيه بينَ مُدن وجهي المُنقسمة إلى متوجّس، ومستنكِر، وجفناه يسرِقان مِن وِسعهما أشبارًا، ثُمّ أفلتَ رأسه يمينًا بمكر

" بيننا بعضُ المسائِل العالِقة، ألا تعتقدين ذلِك؟ "

على أبوابِ الخاتِمة عوَّج حاجِبه، يجلِد ذاكِرتي الّتي عزَم الصّمتُ أن يلثِّم حاسّتَها، ويلجمِها عمّا دارَ بيننا يومئذٍ. يبدو لي رجُلًا مُلقّمًا بالأهوال، والنّكال، لكنّي خُضت في خِداعه جزافًا، وما تعجّبت لأنّ نظراته ثقبت خصور ثباتي، فتقلقلت

" ليس بيننا أيّ شيء "

استلّ يدَه اليُسرى، وجعلها تُمسِك بأقربِ حبل إليه، كانت مُتورّمةً بعض الشّيء بسببِ عضّات النّسيم، لقد تعرّضت لهُ لأمدٍ طويل قبل أن يُعيدَها إلى ملاذِها. على وجهه تشتّت المعاني مبهمة مِثله، وعلى حافّةِ فمِه المائِعة طفت بسمة نصرٍ لاذِعة

" كان يُفترض أن تلتحِقي بغيرِك مِن الأطفال، لكنَّك هربتِ حالما لمحتِ لي ظِلًّا وما ظهرتِ في مجال نظري مِن بعدِ ذلِك قطّ، أوليس هذا غريبًا؟ "

كسدٍّ انفجَر بعدما صمَد لأمد، كُنت، فحينَما أطلقَ الغيظ سراح كلِماتي، ما عبِئت بالمسارات المرسومة لها، وفاضَت على ضِفافِها مُتماديةً في الانتِقاد

" ثمة هُوّة عظيمة بينا الهُروب والتّحاشي، عدَم ظهوري بينَهم لا يعني أنّ ما منعني هُو خوفي مِنك، كُلّ ما في الأمرِ أنّي سيّئةُ في التملُّق، والتّعامي رغمَ أنّي بصيرةُ كُلّ البصر، ولي مشاكِل أكبرُ مِن حجمي على أن يُضاعِفها لِساني إذا ما نطِق بالحقّ المنبوذ "

قضى حاجِباه مُهلة الانتِباه الّتي أقرضني إيّاها دون أن يُقاطعني مُتعاضدين، تفكّكا حالما جاءَ دورُه في الردّ، أمِلت أنّه قد وجَم، لكِنّه حطّمني ببراءةٍ زائِفة:

" أنتِ تظلميني، جِئت لفِعل الخير، لا غير "

ما بذرتُه فيه لم يُؤتي أُكله أو يُثمِر على مُحيّاه، كأنّه أقام بين الشّعور والكلِم عوازل. أشحتُ بوجهي عنه حيثُ ربا شطرُ بسمةٍ على فمي، ونفّستُ عن زفرة، خيوطُها مِن العتب

" الخيرُ يتِمّ في سِتر، أمّا مع كُلّ هذه الأضواء فليس سِوى دعاية "

أنغض برأسِه كِبرًا، وأنغصَ صبري بمُناوراتِه العابِثة، لاشكّ وأنّ عُمري اليافِع قد جعله يخال أنّ لي عقلًا بليدًا، حتّى يتحايَل عليّ بمِثل ابتِسامته النّكراء، ونظراتِه المُلتوية

" عندما ترى النّاس رجُلًا فاتِنا مثلي يتبرّع علانيّة، ستتهافَت على فِعل المِثل لنيلِ ذاتِ نظرةِ الاستِحسان مِن المُجتمع، إنّها دعاية خالصة النيّة "

أراهِن أنّ غيري مِن النّساء ينحدِرن فيه بجنون حالمَا يفغِر فمه، ويُحرّر كلامًا معسولا، نبيلًا

حوّرته الغُصّة المُستقرّة بحلقِي ما فارَ بداخِلي مِن صيحاتِ سُخط إلى ضحكات حقود، سُرعان ما تراصّ فكيّ كأنّ بين ضروسهما مُضغة مِن الغلّ، وتضامّت أصابِع يدي دون إبهامي، الّذي رفعتُه كعلامة إعجاب ليست في محلِّها، هازِئة

" لا بل دُعابة جيّدة، لديك روح فُكاهةٍ لا تُنافس... أجاشّي "

صلِعت منابِت تعبيري مِن كُلّ شيء آوته فيما سبَق، وانقلبت يدي فغدا أعلاها سافلها، وعلامةُ الإعجاب، علامة اشمِئزاز، جعلتُ الأمر يبدو كما لو أنّه غير مقصود. بعد أن ساويتُ ذراعي بفخذي، تولّى لِساني قضيّتَه الخاسِرة بخشونة

" لا أحد يأتي إلى هُنا لأنّه يعطِف علينا، جميعُكم أمثال بعض، لا يعنيكُم سِوى شِراء الإشهار لأنفُسكم، ولا تُغنيكُم سِوى المدائِح رغم أنّكُم أبشعُ مِن أن تُجمِّلكم "

درى أنّي سميكةٌ لن ألين أمام بهاءِ سطحِه، وأنّي قد لمحتُ جوهره المُلوّث في عينيه الصّامتتين، لذلِك عرّى وجهه مِن ثوب الزّيف المُزخرَف ببسماتٍ فاضِحة، وتجهَّم كما يليق بِه

" لن تدرّ عليك التصرُّفات البطوليّة التّصفيق، بل صيحات استِهجان تُدين غباءَك مِن نفسك الّتي أيّدتِك في يومٍ من الأيّام، لستِ في وضعٍ يسمَح لكِ بالتذمّر، أو النّبش خلف النيّات، اقبضي ما تتلقّينَه بصمت، ما دام يُقدّم لكِ"

الآن وقد بانت مضامين أوراقه الخفيّة الّتي ماطَل في كشفِها أمامي، ما عادَ التغطّي تحتَ عباءات المعاني ضرورة، لذلِك لقّنتُه جوابًا صريحًا

" لا يُشرّفني أن أكونَ غنيمة يستغلُّها أطراف المُؤامرة، بالنّهاية لن أستفيدَ شيئًا حتّى مِن المال الّذي اشتريتُم بِه بسماتِنا مُقابِل وِسام فُرسان الخير، أنتُم حتّى لا تعودون للتحقّق مِن أنّه يخدِم الغاية وإن كانت جانبيّة، فلِم أقحِم نفسي وأتعِبها بالتّمثيل لِقاء لا شيء؟ "

أدركتُ أنّ حُنجرة الألمِ المتورّمة قد أنّت لفرطِ زئيري المكتوم، وانحرفتُ لوهلةٍ أعاتِبه مُنذ أنّه مجالٌ لم يُفتَح أمامي مِن قبل، هذه المرّة الأولى الّتي أختلي فيها بشخصٍ يدّعي أنّه فاعِل خير يسُرّه ترقية عيشنا عسى أن تُداوي شيئًا مِن أوبِئتنا المُتماثِلة

كأيّ امرئ أتمنّى لو تُنتزع شظايا الماضي مِن فُؤادي ويُمنح الفُرصة ليُجبَر، دونَ حاجةٍ إلى الإجبار، لو تُفرشَ العيوب الّتي طفحت في حياتي ورودًا ذاتَ عبير، وتعبير، ذاتَ بهجة، وفُرجَة، تُنسيني أنّ ما تحتها خراب، لو أطلُب لمرّةٍ ويُلّبى

لكنّي نزحتُ إلى طريقي الرئيسيّ، أطمِر نغصي تحت لهجتي العُدوانيّة

" لقد أتيتَ ابتِغاء صورةِ المتبرّع الحنون، وحصلتَ عليها، غادِر "

ذرى الخُبثُ رحيقَه على عينيه، ومالَ ثغرُه حتّى غطَس في أفقِ خدِّه. إن نمّت ملامِحه على شيء فإنّه مُنكرٌ ما يوشِك أن يُلحِقه بي عقابًا على مقلبي التّافِه

" ذلِك قبل أن أراكِ، ومُنذ أنّنا تقابلنا ثانيةً لنفكّ العُقدة الّتي تجمعُنا الآن "

خفقَ ثغري، وأخفَق في توليد الكلِم، كان يتوفّى قبل أن يتسنّى لهُ التنفُّس. حينما أخذ يقترب مِنّي بنوايا مستورة، نكثت قدميّ بعقد السّكون واندحرت إلى الخلِف، تنفُث دُبرًا ذاتَ ما ينفُثه قُدمًا

" أتعلمين أنّ فعلتَك اضطرّتنِي للتّضحية ببعضِ عزيزاتي؟ "

لم يسبِق وأن تخلّيتُ عن خُطوة بسبب أحد، لكن رِماحَه المشحوذة جعلت أوصال شجاعتي تجِب، وأواصِر ثِقتي تتقطع شيئَا فشيئًا. ربّما كان العبثُ معه أغبى فكرة أخطرني بها عقلي الّذي أقسم لي أنّ لِقاءَنا ذاك هُو الأخير

لجلجةُ عدستيّ كشفت عن جريمةَ التحامُل الّتي ارتكبتها شفتيّ

" أنت من استفزّني أوّلا "

لا يزالُ الغُموض مُتشبّثًا بأهدابِه، والشّكوكُ مندسّةٌ بصوتِه

" بدوتِ وكأنّكِ تسعين لخلِق شقّ يُمرّر أسرابَ المشاكِل بيننا آنذاك "

كذّبَ لِساني الحقيقة الّتي نطقَ بِها للتوّ، وأنا أتراجَع ببطء

" لقد بنيتَ افتِراضاتك على أضغاث وهم "

فجأة ما عُدت قادِرة على حفرِ الفراغَ نحوَ برّ الأمان، إذ اعترض جِذع الشّجرة الضّخمة ظهري، تفتّح جفناي على وسعِهما، وأصابني قليلٌ مِن الخوف. انتبذتُ إلى اليمين فأغلقَ المنفذ بذراعه، وسأل بصوتٍ جافّ

" أسبَق وأن التقينا؟ "

وانتبذتُ إلى الشّمال على عجلةٍ مِن أمري عسى أن أسبِقه، لكنّه سبقني إلى سدّ المنفذ، وسأل مُجدّدًا بصوتٍ أكثر عِتمة، وتشقُّقًا

" بصيغة أخرى، هل تعرفينَي؟ "

رمقتُه بنظراتٍ مُضطربة لأنّه أمامي مُباشرةً مُطّلعٌ على كُلّ طرفة وخفقة أصدرِها، لم يكُن يفصِلُني عن جسده سِوى أنمُلة، قُربُه المُميتُ مِنّي جعَل تفاصيل وجهه أكثرَ بروزًا لي، وجهه الّذي جمَع بينَ الرّوعة والرّوع

بعد أن همهم يحُثّني على الردّ نبست بنغمٍ مهزوز

" لا "

قامت يدُه الّتي تلبسُ القفّاز عن مقعدِها على الجِذع وسارت على رأسي، كانت ملامِحه راكِدة، لا تنمّ عن أيّ كارِثة قادمة، لكنّي واثِقة أنّ حاله هذا لن يدوم

" لقد تسبّبتِ لي بخسائِر معنويّة جليلة، فلتطلُبي الصّفح "

قاومتُ جميعَ مخاوِفي ووازنتُ عدستيّ على عدستيه بثِقة:

" يستحيل أن أفعل "

كان يُناظِرني كما لو أنّه يُعيرني مُهلةً مِن الوقت حتّى أغيّر رأيي، لكنّه لن يتغيّر مهما فعل، ولسنا في مكانٍ مهجور لأسمَح بالهواجِس بأن تُذلّني

سُرعان ما حطّت يدُه المُحاطةِ بالقفّاز وسطَ انحِدار خصري، وحالت بيني وبينَ ما يقعُ خلفي، لفرطِ ما كانت ليّنةً معه، شتّتتني عن حليفتِها الّتي انتهزت حُفنةً مِن خصلات شعري الخلفيّة وهجّرتها إلى الأسفل قسرًا، حينَها فهت بآهة جرّاء الألم الفجائيّ

رغم أنّ رأسي مالَ مع ميلِها إلّا أنّي لم أكفّ عن التّحديق بِه بحقد، حيثُ تناحرت نظراتُنا، وكُلّ مِنّا يرفُض الانسِحاب أولّا، والرّضاء بالهزيمة

" قد تكون الأقوى، لكنّي الأعند "

كم تمنّيتُ أن أسحَق تِلك الابتسامة الاحتِفاليّة الّتي توّجت فمَه

" لكنّك على وشكِ البُكاء "

ما أحسستُ بثِقل العبرات بين جفنيّ إلّا عندما نبّهني إلى وجودِها، فاستملتُها إلى جانبي بكبرياء

" لم تطلُب ألّا أبكي "

كلَح وجهه، وسحب شعري بشكلٍ أقوى حتّى خلتُ أنّه سيقتلِعه مِن منابِته، في حين حبستُ أنفاسي، أستكثِر عليه الصّراخ واستِعراضَ ألَمي لأنّه ما ينشُد أم يبدُر منّي. بعدَ هنيهة سئِم واستسلم، وأعتق أسراه المُنتمين إليّ بعُنف

استدارَ عازِمًا على الرّحيل حيثُ أنفق خطواتٍ معدودة ثُمّ انقطَع، وظلّ يقِف بشموخ دون أن يُريني طلعَته

" الحِقد الّذي تدفنينه بصلبك قُنبلة موقوتة عندما تنفجِر فيك ستكونين أنتِ المتأذّية الوحيدة، لن تُحدثي فينا ولو شقّا أو صدعًا صغيرًا، ما دُمتِ كحُبيبةِ الغُبار في ملكوتِنا الرّحب... لا أحدَ يكترِث لأحد حقّ الاكتِراث"

-----

شو رأيكم بالفصل!

أكثر مقطع عجبكم وما عجبكم!

كيفكمع الشخصيات حتّى الآن!

ميني!

بيكهيون أجاشي!😂

المدير آهن!

قدرتو تستنتجو مشكلة ميني معو!💔

بانغ تشان!

لمن لا يعرفه فهو من فرقة ستراي كيدز بعد الاغنية الاخيرة تسلل لقلبي وفجأة لقيتني بكتب اسمو بالفصل 😂😂😂 هو مو شرير بالرواية لا تكرهوه باليز

طبعا توقعتو يرجعلها بعد عملتها بالفصل الاول بس كان مجرد سبب حتى تثير فضولو من جديد 😂😂😂😂 ميني ستُجرجر الجنرال 😂

شو توقعاتكم للفصل القادم!

رح حاول يكون التنزيل أسبوعي 🌚 it's not a lie 😂😂😂

دمتُم في رعاية الله وحفظه 🍀

Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro