الفصلُ الخَامِس عَشر: مَسرحُ الدُّمى.
عَلى مِنضدةٍ مِن خَشبِ الأَبنُوس تَواجدَ ما لَذ وَطابَ مِن المُعجنَات وَالحَلوياتِ رِفقةَ شايِ البَابُونج بِالليمُون، يَحتسيه المَاركِيز فِردِيناند فِيما يقرَأ كِتابًا اِستهوَاهُ عن الإِمبراطُورِية العُثمانِية، فِي هذهِ الأثناءَ قدِمَ كَبيرُ الخَدم، فَتركَ مَا بينَ يديه، وَقد اِتخد الجِديةَ مَلمحًا له، مُستطرِدا: «لَقد مرت أيامٌ عَديدةٌ وَكايل يَقضي فِي الخَارج وَقتًا أكثرَ ممَا يقضِيه فِي القَصر، هَل اِكتشفتَ سببَ ذلك؟»
حمحَم كَبيرُ الخَدم المُسن قَبل أَن يُدلِي بِما لَديه مِن مَعلومات، وَقد بانَ القلقُ، وَالاِرتباكُ جَليًا عَلى مَلامِحه وَهو يُجيب سيدَه: «السّيد الشّاب اِنضمَ إلى مُنظمةِ الشّفق لَكن أسبَاب اِنضمامِه مَجهُولة.»
حَملقَ الرّجل بِخادمِه بِشيءٍ مِن الصّدمة، الّتي سُرعانَ مَا حَل مَحلهَا الغَضب الشّديد حِين شَدّ عَلى قَبضتهِ مُهسهِسا: «إدمُوند، ذَلكَ الوَغد!»
ثمّ أَضافَ بنبرةٍ جهورِيةٍ جافة: «سِيلفر جَهز العَربة؛ فَوجهتُنا ستكُون مَقر مُنظمةِ ذلكَ الخَبيث.»
اِنحى سِيلفر بِلباقةٍ إِلى المَاركِيز، مُغادرًا الغُرفةَ لتنفِيذِ مَا أُمِر بِه عَلى أَكملِ وَجه.
وَبعدَ مُضي نِصفِ ساعةٍ وَصل المَاركِيز إِلى وِجهته، مُتجاوِزًا حَرس الأَمن غَير عَابِئٍ بِنداءاتِهم وُمحاولاتِهم المُستمِيتة فِي إِيقافِه، وَإن تَطلب الأَمرُ فَسيُطرحِهم أَرضا، حتّى شدَت بِه الأَرحُل إِلى مَكتبِ إِدمُوند، وَهذا الأخِيرُ رمقَ زائِرهُ غيرَ المُتوقَع بِذهُول، وَفي ذاتِ الوَقت أعربَ عن تَكشيرةٍ مُغتاظةٍ جَراء مَا سببُه مِن فَوضى، وَقبلَ أن يُفرِق شَفتيه رَغبةً فِي بَدء شِجارٍ مَعه أُمسكَ مِن يَاقةِ قمِيصه مِن قِبل الحَالك المُهتاج.
«أَين اِبني؟ أُريدُه فِي الحَال!»
«اِبنُك؟ لحظة، لَا تَقُل لي...!» اِستنكَارٌ في بِدايةِ قولهِ هُو مَا أعربَه، تَلى ذَلك بِلحظةٍ اِستيعابهُ لِمقصدِه. وفِي خَضمِ هذا بُترّت مُحادَثتُها إِزاءَ دَخيلٍ اِعترتهُ الرّوعة حِين هتفَ بِلهاث: «سيِّدي، هُناكَ مُشكِلة! السّيد دِيفيد، وكَايل...»
بِمجردِ أن اِلتَقطت أذانُ غُرابي الشّعر اِسم اِبنه، صوب جُل تركِيزِه إلى الشّاب، حيثُ نطَق بِهدُوءٍ عكسَ ما فِي داخِله من هَيجان: «مَا الّذي حَدث لاِبني؟»
اِبتلعَ الشّاب مَا في جوفِه مِن كَلامٍ جَراء وَهيجِ عَيني المَاركِيز المُرعِب، ونبرتِه الجَافةِ الجُهورية، فباتَ يرتجفُ كردةِ فعلٍ لا إِرادِية. ربتَ إدمُوند على كَتف المَاركِيز، وَكأنّه يمتصُ عنه كلّ سوء، وَأحاسيس سِلبية، وبالفِعل خَف وَهيجُ قِرمِزيتَاه، وكذا الضّغطُ على تابِعه الّذي اِستطاعَ تمالكَ نفسهِ والتّصريحِ بما في جُعبتِه: «الفِرقة الّتي أُرسِلت تحتَ قيادةِ السّيد دِيفيد أُبيدت بالكَامل، ما تَبقى على قيدِ الحياة هُما كَايل، والسّيد دِيفِيد كَرهينتَين، بالنّسبة لي بالكَاد اِستطعتُ الفِرار مِن هُناك؛ فمِن حُسن حَظي كُنت مُتخفيًا بين الظّلال.»
«كَم عددُ المُتواجِدين؟»
«اليدُ اليُمنى لزعيمِ مُنظمةِ البرسِيم الأحمر؛ أَلار أَسمُودِيث، صبيٌ دائِم التّواجدِ معه، ومجموعُ عشر أشخاصٍ أخرين أيضا.»
«ماذا عن لِينُوس، وَبقيةِ الأَطفال؟»
«عَلى قيدِ الحياةِ في الوقتِ الحَالي.»
همهَم الزّعيمُ بتفهُم، ثمّ طلب حُضور كلّ القادةِ لعقدِ اِجتماعٍ من أجلِ التّفكِّير في خُطةٍ لإِنقاذِ الرّهائِن، ودُون أدنى شكٍ فالمَاركِيز كان حَاضرًا هُناك، وَلعلهُ لم يهتم بِحياةِ الأطفالِ ودِيفيد بقدرِ ما اِهتمَ بذاكَ الاِبن الأَهوج، لكنهُ ابتَلع اِنتقادَاتِه وأطبقَ على نَفسه لِجامَ الصّمت.
<----«« »»---->
«مَا بَالُ الوُجوهِ مُتكدرةَ المَحيا؟ إنّ قلبِي مَفطورٌ إِزاءَ ذلك!»
أشخَص كَايل، وَدِيفيد السّمعَ لنبرةٍ بارِدة، يكسُوها المَلل، مَا زَادَ كُلوحهُما جَنبًا إِلى اِستِيائِهما، فاِرتفعَت شفتَي أَلار فِي اِبتسامةٍ مُستمتعة، وَمرِحةٍ حِين أَردَف مُتجاهِلًا نَظراتِهما القَاتِلة، مُوجهًا الكلام هذهِ المرة للأصغَر: «سرَّنِي لِقاؤكَ مِن جَديد، وَلأنّ لَقاءنَا الأَول لَم يَسمح لَنا بِأن نَحظى بِتعارُفٍ لَبق، فَاِسمح لِي أن أُعرفَ عَن نَفسي، أَلار أَسمُوديث؛ مجردُ شَخصٍ يبتَغي جَعلَ حَياتكَ جحِيمًا...»
ودونَ أَن يَمتلكَ فُرصةً لِإتمامِ حَديثِه، قَاطعهُ اليافعُ بِكلّ وَقاحةٍ وَهُو يبتسمُ باِستهزَاء: «وَأحمقٌ، مُتعجرِفٌ، مُزعِجٌ، وَنذل. نَسيتَ ذِكرَ هَذا. وَأَجل، عَلى الرُّحب! فِي الخِدمةِ دَائِما.»
اِبتسَامةٌ تَنمُ عَن غَضبٍ مَكبوتٍ هِي مَا قَابلَ أَلار اللَقيطَ الصَّغيرَ أَمامَه، فَيرُد وَقد وَصلَ بهِ الغَيظُ أَشُده: «فِينياس، أَلا تَعتقدُ أنّ لِسانكَ طَال قَليلا، أَيها الغِرُ الصَّغير؟»
رَفعَ فِينياس حاجِباه بِسخُرية، ثُمَّ أَشاح بنَظرهِ عَنه وَلم يُجب، تَنهدَ الأَكبر قَبل أَن يُحرفَ نَظرهُ نَاحِية الأَدعجِ وَيُتمَ حَديثَه: «مَاذَا عَنك؟»
«كَايل فِيردِناند.» أَجابَ كايل بِجفاء، وَقد كَست البُرودةُ قِرمزيتَاه، مَا أَعطاهُمَا وَهيجًا مُخيفا، لَكنهُما لَم يُؤثرَا عَلى سَفاحٍ بِدمٍ بَاردٍ كَمُحَدِثه.
«أُوه، وَلمَ نَبيلٌ مِثلُكَ يُريدُ التَّورطَ فِي مَهمامٍ خَطرةٍ كَهذِه؟»
«الفُضولُ خَطيئَة، رُبمَا يُعتبرُ كَعقابٍ عَلى ذَلك؟» شَخرَ الأَدعجُ بِسخرِيةٍ وَهُو يُجيب، وَليسَ يدرِي حَقًا أَكانَت مُوجهةً لِسائلِه أَم ذَاتِه الغَبية، المُتهورةِ الّتي لَا تَنفكُ تُوقعهُ فِي مَصائِب هُو فِي غِنى عَنها.
وَلأنّ الوَقتَ قَد فاتَ بِالفعلِ عَلى الحَسرةِ وَالنَّدامة، نَفضَ عنهُ كُلّ هَاتهِ الأَفكار، وَصوبَ نَظرهُ عَلى ألار بَعد أَن مَسحَ مُحيطهُ بِعينَيه وَلم يَجد غَايتَه، فَقال بِبرود: «بِمَا أَنّك أَنهيتَ طَرحَ أسئِلتك، فَقد حَان دورِي لِقلبِ العَجلة. أَين هُو لِينُوس؟»
«لِينُوس؟ هَل كَان هُناكَ شخصٌ بِمثلِ هَذا الاِسم بَين الرَهائن؟»
أمَالَ فِضيُ الخُصلاتِ رَأسهُ بِحيرة، مُتخدًا وَضعيةَ التَّفكّير، بُغيةَ تَذكُر هَذا الشَّخص المنشُود، لَكن مِن دُون جَدوى، فَاِستعَان بِفينياس الّذي أَجابَ بِهدُوء.
«أَظنهُ يَقصدُ الصَّبي الّذي قَطعتهُ إِلى أَطراف، وَجعلتهُ غَداءً لِحيواناتِكَ الغَبية، عَلى حسبِ مَا أَتذكَر فَقد كَان لَونُ شَعرهِ أَزرقَ سَماويًا، صَحيح؟»
وَبالفعل، بَعد تَذكيرِ الصَّغير لَه، تَرآت لَه صُورةُ صبيٍ جَميل الوَجه، بِلسانٍ سليطٍ يَشكُ فِي كَونهِ أَطولَ مِن خَاصةِ أُختهِ البَلهاء. أَضاءَ وَجههُ بِاِبتسامةٍ عَذبةٍ وَهُو يَهتف: «أَجل، لَقد تَذكرت! للأسف فَقد كَان سليطَ اللِسان، فَنالَ جَزاءَه.»
عَلى وَقعِ كَلماتِ أَلار، وَفينيَاس أَظلمَ المكانُ مِن حَول دِيفيد، سَكنتِ الأَصوات، اِحمرَت عَيناه، وَأُطبِقَ لِجامُ الصَّمتِ عَلى لِسانِه؛ إِذ لَم يَكُن قَادرًا لَا عَلى الصُّراخِ وَضحضِ كَلماتِهما، وَلا حَتى إِفراغِ مَا فِي قَلبهِ مِن كَراهيةٍ شديدةٍ نَمت اِتجاههُما فِي الحِين. لَكنَ الجَالسَ بِمحاذَاتهِ كَان النَّقيضَ له، إِذ اِحمرَ وَجهه غَضبا، وبَرُزت العُروق حِين زَأرَ بِاِهتياج: «أَين لِينُوس؟ لَا تَستفزَا أَعصابي!»
«كَما أَخبركَ فِيني فَقد أَضحَى طَعامًا لِذئَابي، إِن كُنتَ لَا تُصدقُني فَسأسمحُ لكَ بِاِستجوابِ صغَاري الأَعزاء.»
إن كَانَت نِيةُ الفِضيِ اِستفزَازه، فَقد أَفلحَ فِي ذَلكَ بِشكلٍ مِثالِيٍ وَللغَاية؛ إِذ قَامَ كَايل بِنطحِ أَلار عَلى وَجههِ بِكلّ مَا أُوتِي مِن قُوة، مَا تَسببَ فِي نَزيفِ أَنفه، وَاِنفجارِ الأَسمرِ بِالضّحك حَتَى تَرقرقتِ الدُّموع مِن أَهدابِه.
«يَا إِلهي! أَنا أُحبُ هَذا الشَّخص! لَو حَدثَ ونَجا اليَوم مِن بَراثِين أَلار، فَسأُسعدُ حَتمًا بَالدَّردشةِ مَعهُ فِي وَقتٍ ما.» فَكّرَ فِينياس بِحماسٍ بَينمَا يُحدقُ فِي أَلار المُتصنمِ فِي مكانِه لِوقتٍ لَيسَ بِقليل، قَبلَ أَن يُهلسَ ضَحكًا هُو الآخَر. وَعلى عَكسِ مَن اِعتَادَ شُذوذَ هَذا الأخِير، فَالصَّدمةُ اِعتلَت وَجهَ الحَالك، وَالّتي سُرعانَ مَا اِضمحَلت وَحلَ مَحلهَا سُخريةٌ لَاذِعةٌ سَكَنت فِي نَبرةِ صَوته.
«الآنَ تَأكدتُ حَقًا اَنّك بِحاجةٍ لِزيارةِ طَبيبٍ لِمشاكِل الدِّماغ.»
اِرتجَ جسدُ فينياس بِشدةٍ بَينمَا ضَحكاتهُ المُستمتِعةُ تَزدادُ فِي العُلو، وَلم يَستطِع إِلّا المُوافقةَ عَلى كَلامِ كَايل بِصوتٍ عَال: «رَأيت! لَقَد أَخبرتُه بِهَذا مِرارًا وَتكرارًا لَكنهُ لَم يَستمِع إِلي!»
«فِيني، هَل أَنتَ بِصفِي أَم بِصفه.» نَبسَ أَلار بِقلةِ حِيلة وَهُو يُحدقُ فِي اليَافعِ بِخيبةِ أَمل.
لَم يفكّرِ الأَسمرُ كَثيرًا قَبل أَن يَردَ مِن دونِ تَردُد: «بِصفِ الحَقيقةِ طَبعا!»
«أبِي، أخي كَايل!» نَبرةٌ رَتيبةٌ رَنت فِي أُذني دِيفيد، وَكايل، أَدخلَت البَهجةَ إِلى قُلوبهما، وَسمحَت لَعبراتِ هَذا الأَول بِالفرارِ مِن مَآقيهِ فَاضحةً مَشاعرَ الغبطةِ وَالمسرةِ الّتي سَكنت دَواِخله، فَلم يَكُن ذَلكَ الشَّخص إِلّا اِبنهُ العَزيز الّذي وَبطريقةٍ مَا اِستطاعَ التَّملصَ مِن قيدِه، وَالهَرب.
صفَق أَلار بِيديه؛ مُبديًا إِعجابهُ بِالصَّبي الجَريء، وَالذّكي؛ الّذي تَمكَن بِسهُولةٍ مِن فكِ قَيده، وَمُباغتَة الحَارِس، حَتّى وُصولهِ إِلى هُنا وَتَوجيهِ السّكين نَاحِيته، بِنظراتٍ شُبعَت بِالحقدِ وَالسَّخط، فوَدّ كَثيرًا لَو يَضمهُ إِلى جَانِبه، لَكنهُ يُدركُ أنّ هَذا أَمرًا بَعيد المَنال.
«وُولف! سِيلفر!» صفَر هَذا الأخيرُ، مُنادِيًا لِذئبيهِ الأَغبسَين، وَاللذين أَحاطَا بِالأَصغرِ مِن كُلّ صوب، زَمجرَ الذِّئبانِ فِي نَفسِ اللَحظةِ كَاشفينِ عَن أَنيابِهما الحَادة، إِثر هَذا اِرتجَفت سَاقَا لِينُوس، وَشَحُب وَجهه، إِلّا أَنّ ذَلكَ لَم يكُن يَعني بِالضَّرورةِ أَن تُثبطَ جَسارتهُ، وَعَزيمتَه، إِذ أَمسكَ بِمقبضِ السِّكين بِإحكامٍ مُستعدًا للتَّلويحِ به مُباشرةً لَو اِنقضَ عليهِ هَذانِ المُفترسَين.
لَم يسع فِينياس إِلّا أَن يُعجبَ بِشجاعةِ هَذا الصَّبي فِي قَلبه؛ رُغمَ أَنّ دُموعهُ تُهددُ بِالّنزولِ فِي أيّ لحظة، فَموقفهُ المُتمثل في مُواجهةِ سيلفر، ووُولف لَم يَختف. لَو كَان صبيًا غَيره لَبللَ نَفسهُ مِن شدةِ الخَوف، بَل وَلا قامَ بشيءٍ غَبيٍ مِن شَأنهِ أَن يُسرعَ عمَليةَ مَوتِه.
مِن جهةٍ أُخرَى، كَادَ الجُنونُ أَن يُصيبَ دِيفيد، كَيف لَا وَابنهُ عَلى وَشكِ أَن يُصبحَ وجبةَ طَعامٍ دَسمةٍ للذّئاب؟!
في عُتمةِ اليأسِ الّتي غلفت قلبَ أبٍ محروقٍ على فلذةِ كبده، لعجزِه عن مد يد العَون، اِنبلج بصيصُ أملٍ أضاءَ سبيلَه، تمثلَ في دَويِ طلقةِ رصاصةٍ في الأَرجاء، اِنتشلَت الجمِيع مِن أفكَارِهم. في حينِ أنَّ الصّدمة أطلَت على الأدعجِ لتُؤنِسه؛ فمَا كانَ صاحبُ الطّلقةِ إلّا أباه.
«يبدُو أنّ لنا زُوارًا غَير مَدعُوين.» بِحاجبٍ مرفوع، ونبرةٍ مُتهكمة، كان ألار هُو أول مَن نَطق، يُحدقُ في الماركِيز، وَالعجُوز إِدموند الّذي أطلَق النّار على صغِيريه العَزِيزين، مَا سمحَ للصّبي بِالفِرار.
إثرَ هذا ضيقَ فِضيُ الخُصلات عينَيه بِبرُود، وقد بدَى الاِمتعاضُ جليًا على المَحيا، ثمّ اِستطرَد: «بِمجيئِكما أُفسدَ مِزاجِي الجيد، فكَيف تُريدُان تَعويضَ ذلك؟»
الهَواجِسُ المُسجَاةُ بالهَلع، كأنّ بِها شيئًا من المَجهُول، من الصَّعبِ إِدراكُها، ليس والثّوانِي قد تُقيمُ حِدادًا هُنا، فتقِف تبجِيلًا وتَوقِيرا.
عُيونُ الماركِيزِ الّتِي تَوشَحت قَلقًا أَوقفَت سَيل الكلِمَات الّتي أَبت التّحرُر مِن فاهِه، لم يَجِد ردًا لِألَار، والأخِير بدَأ يشعُر بنَفاذِ صبرِه. لِذا فَيبدُوا أنّ كَايل قد اِكتَسب الشَّجاعة أخِيرًا فَهسهَس بِحقد: «تَعلمُ أنّك ستندَمُ عَلى هذا!»
قَهقهَ أَلار بِتهكُم، الأَجواءُ تُصبِح أَكثر إِثارةً للاِهتِمام، لِكنَهُ بِالفعلِ لَا يملِكُ مِزاجًا لِيسَايِرها، يُلقِي نَظراتٍ فارِغةٍ عَلى لِينُوس، دِيفِيد، المَاركِيز، وَكايل؛ يَا لَهُما مِن عَائِلتَين مُحبِتَين، وَيَا لهُ مِن إِزعاج!
إنّه لَترفٌ كَونَهُ لَم يَنتهِ مِن كلّ هذا حَالا، نبس يدُس بَين طَياتِ كَلِمِه تَهدِيدًا لم يُحاوِل إِخفاءَه: «أَرى أنّ التّهدِيداتَ الفارِغةَ إِرثٌ لَمِن الصّعبِ التَّخلي عنه بالنِّسبةِ لكُم يا رِفَاق.»
بعدَ ذلكَ أعقَب بِاِبتسامةٍ جَافةٍ حِينمَا فرقَع أَصابِعه: «ثُمّ اِسمحُوا لِي أن أُقدمَ عرضًا رَائِعًا لَكم قَبل فَنائِكُم.»
دُون اِنتبَاهِ أَحد، اِحتُجِز لِينوس مِن قِبل الأَسمر الّذي كَبل فاههُ تَجنُبا للضّوضَاء، تَلى ذَلك إِحضارُ الرّهائِن المُقيدين، وَالفَزعين، حَيثُ مَلأت صَرخاتُهم، وَاِستجَداءَاتهم المكَان. وإن كَان البعضُ يشعُر بِالتّعاطُف لِحال هَؤُلاء الأَطفال، فَإنّ أَلار النّقِيض لِذلك؛ نَظراتُ التّوسُل وَصيحاتُ الرّجاء، وَالدّمُوعُ المُشبعةُ قَهرا، مَنحتهُ شعُورًا بِالرّضا وَالسّعادة، لَيس يهوَى التّعذيبَ حَقا؛ لكِن الأَلم النّاتجَ عن ذلِك مَا هُو إِلّا وَسيلةٌ لِغايةٍ لَا يُدركُها غَيرُه.
«جَميعُ الشّخصياتِ فِي مَوقِعها، مَا تَبقَى فقَط هُو اِختيَارُ بَطلٍ لِمسرَحِيتي.» رُغم قَولهِ هَذا، إِلّا أنّ نَظراتَه مُوجهةٌ بِالفِعلِ نَحوَ كَايل، الّذي أَدركَ ما هُو مُقبِلٌ على فِعلِه قَبل أَن ينبِس بِبنَاتِ أَفكَارِه، فَاِستَهجَن فِي صِياحِه: «هَل تَعتقِد أنّنَا دُمى تُحرِكُها كَما تَشاء؟! أَتَظُنُني سَألعبُ وِفقَ أَوراقِك؟»
«السُّؤالُ هُنا لَيس إِذا مَا كُنتَ ستلعبُ وِفقَ قَوانِينِي أم لَا، بَل هَل لَديكَ خيارٌ آخَر؟»
قَبل أن يُجيب الأدعج، تَدخَل إِدمُوند بِسُرعةٍ وَهُو يقُول: «لَا أدرِي مَا أنتَ فاعِل، لكِن هَل تَعتقِدُ أنّنا أَتينَا دُونَ اِستِعدَادات؟»
قَهقهَ ألَار بِحاجبٍ مَرفُوع حِينمَا رد: «هَذا مُخيبٌ للأَمالِ قَليلًا عَزيزِي إِدمِوند؛ ظَننتُكَ أذكَى بِقلِيلٍ مِن هَذا. كُلّ شيءٍ هُنا يسيرُ وِفقَ خُطَتي، لَا أحَد مِن أَتباعِك عَلى قيدِ الحياةِ في هَذهِ اللَحظة.»
«إِذًا مُنذُ البِدايةِ إِلى النّهاية، كَان هَذا جُزءًا مِن خُطتِك؟» تَساءلَ كَايل بِضحكةٍ سَاخِرة، فَقد باتَ كُلّ شيءٍ وَاضحًا الآن، مِن بِدايةِ هُجومِهم الّذي بَدى أَشبهَ بِوقُوعهِم فِي مِصيدةِ الصّيَاد، وتَركهِ هُو وَدِيفِيد أَحياءَ سالِمين، إلى تَضيِيعهِ الوقتَ بِثرثرةٍ لَا طَائِل مِنها، وَهُو مَا يُنَاقِضُ طَبعُه الحَذِر.
«أَنتَ بِالفعلِ قَد فُقتَ سقفَ تَوقُعاتِي مِن خِلالِ رُؤيتكَ لِي، لِذا لنَدخُل صُلب المَوضوعِ مُباشرة، مَن ستختارُ لِتُنقِذ؟ صدِقكَ العزِيز لِينُوس، أَم هَؤلاءِ الأطفالُ الأبرِياء؟ بالمُناسبة، خَطأٌ واحِدٌ وسيُلاقِي الجميعُ الفَناء بِما فِيهم أنتُم. اِختر جَيدا، فَأيًا كَان خَيارُكَ فسأسمحُ لكُم بالرّحِيل جَراءَ كرمِي.»
صمتَ لحظةً يفُكُ قيد قِرمزي العَينين، ثُمّ اِسترسل فِي كلامِه بنبرةٍ بارِدةٍ كَالصّقيع: «عَدا مَن آذَى صغِيراي طَبعا.»
يُتبَع...
<----«« »»---->
سُبحان الله وَبحَمدِه.
سُبحانَ اللهِ العَظيم.
1742 كلمة.
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro