الفَصلُ السَّابِع: هَل أَنت تَكرهُنِي؟
«أُستَاذ، مَاذَا يَحدُث للِجاذِبية إِذَا زَادَت كُتلةُ الجِسم؟»
طَرحَ أَحدُ الطُّلابِ -وَالّذِي يَتضحُ مِن زِيهِ أَنّه مُنتسبٌ إِلى مَهجَع فرِيسيَا- هَذا السُّؤالَ بُغيةَ مَعرفةِ الجَواب وَتثقِيفِ رَصيدهِ المَعرِفي، لِيجيبهُ آستَر الجَالسُ فَوق سَطحِ مَكتبِه بِتمَلمُل؛ فَقد اِعترَاهُ المَللُ سَريعًا مِن التَّدرِيس، الشَّرح، وَإِعادةِ الكَلامِ أَكثر مِن مَرة، وَالأَدهَى أَنّ لَا أَحد لَاحَظ هَذا عَدا إِيثَان المُستمتِع بِهَذا الوَضع.
«حَسبَ قَانُون الجَذب العَام، فَإنّ كُلّ جِسمٍ يَجذبُ أَيّ جِسمٍ يُقابِلهُ بِقوة، وَهذِه القُوةُ تَزيدُ كُلمَا زَادت كُتلةُ الجِسمَين، وَكُلمَا قَلت المَسافَة، تَزيدُ قُوةُ الشَّد. وَكمِثَالٍ عَلى مَا...»
بُترَ شَرحُ الأُستاذِ فِي المُنتَصف جَراءَ طَرقاتٍ عَلى البَاب كَان صَاحِبهَا طَالبًا فِي الصَّفِ السَّادِس، وَمِن مَهجَع غَاردِينيا، وَالّذي اِستطرَد بِأدبٍ بَليغ: «أَعتذرُ عَلى المُقاطَعة، وَلكِن هَل يُمكِنُ لِقائدنَا اِستعارةُ الطَّالِب إِيثَان نَايترَاي لِبعضِ الوَقت؟»
هَز أَكحلُ الشَّعرِ رَأسهُ بِأن نَعم، ثُمَ صَوبَ نَظراتِه نَاحِية اِبن أُخته المُوشكِ عَلى البُكَاءِ قَهرًا عَلى حَظهِ البَائِس وَالتَّعِيس، مَا جَعلهُ يشخُر بِسخرِية، فَهو عَلى عِلمٍ تَامٍ بِمجرَياتِ مَا حَدثَ فِي مَكتبِ المُدير. كَيف؟ لَا أَحد يَعلم.
لَم يُبالِ إِيثَانِ بِخالِه المُزعِج، وَراحَ يَتبعُ الطَّالبَ الأَكبرُ مِنه إِلى قَائدِ مَهجَعهِم. وَفِي مُحَاولةٍ مِنه لِإِبعادِ التَّوتُر عَنه؛ إِذ يُعانِي مِن بَعضِ المَشاكِل فِي التَّأقلُمِ مَع الآخرِين، بَاتَ يُفكِّرُ فِي أَشياءٍ عَشوَائِيةٍ غَيرُ مُترابِطة، وَإِحداهَا هِي عَن مَدى الشَّبه بَينهُ وَبين آستَر؛ إِذ يَهوَى كِلاهمَا اِستفزَازَ الآخَر عَلى أَبسطِ الأَشياءِ كَما حَدثَ قَبل قَليل. مُجردُ التَّفكِير بِهَذا يَجعلهُ عَابسَ المَحيا.
وَلأَنّه اِنشغَل فِي التَّفكِير لَم يَنتبِه أَنّ مَن كَان يَتبعهُ قَد تَوقفَ فَجأة، مَا جَعلهُ يَرتطمُ بِظهرِه مُتأَلما، فَغمغَم بِاِعتذارٍ فِيمَا يُمسدُ أَنفهُ المُتضَرِر.
«سُررتُ بِرُؤيتكَ نَايترَاي، رُغمَ أَنكَ عَلى مَعرفةٍ بِهويتِي، لَكنِي وَددتُ التَّعرِيفَ عَن نَفسي مُجددا.»
رَفعَ إِيثَان نَاظِريهِ نَاحِيةَ مُحدِثه، شَابٌ طَويلُ القَامة يرتَدِي ذَات زِيه، ذَا شَعرٍ بُنيٍ مُسرحٍ عَلى شَكل ذَيلِ حِصانٍ يَتدلَى بِطولٍ عَلى كَتفهِ الأَيمَن، وَعَينَين شَابهَا عَيناهُ المُخضَرة، وَعلى عُنقهِ تَدلَت سِلسلةُ نَظاراتِه السَّودَاء، تَقدَم أَمامهُ بِضع خُطواتٍ معقِبًا عَلى كَلامِه بِاِبتسامةٍ لَطيفةٍ تَعلُو ثَغَره: «سَالَار دَاريا؛ قَائدُ مَهجَعِ غَاردينيَا وَطالبٌ فِي الصَّفِ السَّابِع، أُرحِب بِكَ أَيا إِيثَان نَايترَاي؛ نَائِب قَائِد مَهجَع غَاردِينيَا الجَديد.»
«بِخُصوصِ هَذا، هَلا أَعدتَ النَّظَر فِي مَوضوعِ تَنصِيبِي نَائِبا؟ أَنا...»
قَبل أَن يُكمِل الأَصغَر الإِعرابَ عَن رَفضهُ تَولي المَنصِب، قَاطعهُ سَالَار قَائِلا: «لِلأسفِ لَا يُمكِن هَذا، أَعلمُ أَنّ هَذا ضِد إِرادَتك، فَبمَا أَنك قَابلتَ المُدير فَأنتَ عَلى عِلمٍ بِشخصيتِه الفَظيعةِ تِلك.»
فِي نِهايةِ حَديثِه هَمسَ بِصوتٍ غَير مَسمُوعٍ إِلا لِإِيثَان الّذِي قَهقهَ بِخفة؛ فَمن كَان يَتوقعُ أَنّ شَخصًا مُلتزمًا بِالقَوانِين، وَلِبقًا فِي الحَدِيث مَع أيٍّ كَان مِثلَ قَائِدهِم قَد يُهينُ المُدير؟ وَإن كَان مَا قَالهُ حَقيقةٌ يَتفِقُ فِيهَا مَعه. رَبتَ هَذا الأَول عَلى كَتِف الأَخيرِ مُردِفًا بِثِقة: «نَايترَاي، ثِق بِقُدراتِك، يُمكنكَ أَن تُرِي للجمِيع قُدرتكَ عَلى تَولِي هَذا المَنصِب.»
لَن يُنكِر اِستيَاءهُ وَشُعوره بِالإِحبَاط، لَكن مَا مِن شِيءٍ لِفعلِه سِوَى الرُّضوخِ لِلأَمرِ الوَاقِع، تَنهَد بِاِستسلامٍ فِيمَا يَستلمُ الرِّباطَ الأَزرقَ الّذِي لَفهُ حَولَ مِعصمِه كَدليلٍ عَلى هُويتِه كَنائِبٍ للقَائد، فِي حِين أَن هَذا الأخِيرُ يَضَعُ ذَاتَ الشَّيءَ مَع وُجودِ اِختلافٍ طَفيفٍ وَهُو رَمزُ زَهرةِ الغَاردِينَيا المَرسُوم عَليه.
بَعدَ ذَلكَ اِستَأذَن بِأدبٍ مُنصرفًا إِلى حَيثُ مَا تَقُودهُ قَدمَاه، وَالصَّفُ لَيس خَيارًا مُتاحًا حَتى؛ إِذ يُريدُ الإِختلاء بِنفسهِ وَبَعضًا مِن الرَّاحة، وَبينمَا هُو فِي تَفكِيرِه غَارقٌ لَم يَنتبِه إِلى الإِصِيص الّذي كَان سَيُحطمُ رَأسهُ لَولا حِماية آستَر لَه؛ إِذ سَحبهُ بِخفةٍ إِلى حُضنِه قَبل وُقوعِه عَليه.
رَمش الفَتى عِدةَ مَراتٍ حَتى يَستوعِب المَوقفَ الّذِي هُو فِيه، فتَارةً يُحدقُ فِي الإِصيصِ المَكسُور وَتارةً أُخرَى فِي خَالِه المُكفهِر، وَحِينمَا اِستَفاقَ مِن ذُهولِه نَبس: «مَا الّذِي تَفعلهُ هُنا؟»
وَعلَى سُؤَالِه الجَاف شَد الحَالكُ وَجنتَيه بِاِمتعاضٍ وَهُو يُؤنبه: «السُّؤَال الأَهم، لِمَ أَنتَ شَارذُ الذِّهن هَكذَا أَيهَا الأَحمق؟!»
صَفعَ إِيثَان يَديهِ مُجيبًا فِيمَا يُشيحُ وَجههُ لِلجهةِ الأُخرَى: «لَيسَ مِن شَأنِك.»
رُغمَ أَنّه مُمتنٌ لِإِنقاذِه حَياتِه، لَكِن كِبرِياءَهُ فِي هَذهِ اللَحظةِ وَالحِين لَا يَسمحُ لَه بِشُكره، نَهضَ مِن مَكانِه نَافِضًا الأَتربةَ الوَهميةَ عَن مَلابِسه وَقد هَم بِالفِعل فِي مُغادَرةِ المَكان، بَينمَا الآخَرُ قَد أَطالَ التَّحديقَ فِي يَديهِ بِنظرةٍ غَريبة، وَهذَا قَبل أَن يَجرُه بِسحَبه مِن يَاقةِ قَميصهِ غَصبًا عَنه إِلى غُرفتِه، وَالّتِي تَواجَدت فِي مَكانٍ بَعيدٍ عَن مَسكَن الأَساتِذة، وَهذَا لِتسهِيل حَركتِه أَثنَاءَ قِيامِه بِمهمَتهِ الّتِي جَاءَ مِن أَجلهَا.
أَغلقَ البَابَ خَلفهُ بِالمِفتاحِ كَي يَضمَن عَدمَ هُروبِ الشَّقِي الّذي مَا اِنفكَ يَصرخُ بِاِستياءٍ وَشتمِه بِكُل الشَّتائمِ الّتي يَحفظُها، فِي حِين أَنّ هَذا الأَول لَم يُعر صِياحَه المُصمَ لِلأذَانِ بَالًا وَراحَ يَسكُب كَأسًا مِن المَاءِ وَضعهُ أَمامَ هَذا الأَخيرِ مُستطِردا: «كَفاكَ صُراخا، لَن تَنَال شَيئًا مِنه عَدا تَضرُر حِبالكَ الصَّوتِية.»
«دَعنِي أَذهَب، مَن تَظُن نَفسكَ كَي تَحبِسنِي هُنا؟!»
أَمالَ آستَر جِذعهُ عَلى الكُرسِي الخَشبِي مُتكُئًا بِمِرفقهِ عَلى يَدهِ الخَشبِية، وَبِتبرُمٍ رَد عَليه: «لَن أَدعكَ تَذهب؛ لَا قُدرةَ لِي اليَومَ عَلى تَتبُع أَرنبٍ نَشيطٍ مِثلكَ يَثبُ فِي مَكان.»
«هَذا لَيس مِن شَأنِي! إِنّها مُهمتكُ مَا وَجبَ عَليكَ تَدبُر حَالك غَصبًا عَنك!»
كَم سَيكُون مِن الرَّائِع لَو يَقُومُ بِضربِه حَتى يَتخَدر جَسده؛ فَهل هَذا سَببٌ كَافٍ كَي يَقُومَ بِحَبسه؟ وَمِثلمَا قَال، هُو شَخصٌ لَا يُحبذُ البَقاءَ فِي مَكانٍ وَاحدٍ لِفترةٍ طَويلة، يَكفِيه مَا عَايشهُ فِي القَصرِ مِن عَذاب! كَما أَضافَ مُردِفًا حِينمَا اِنتبَه لِمَقصده: «إِضافةً عَلى ذَلك، مَا قَصدُكَ بِكلامكَ هَذا؟ لِمَ عَليكَ الإِلتصاقُ بِي كَالغِراء؟ لَا أُريدُ هَذا؛ إِنّه مُزعِج.»
«إِيثان، مُنذ وَطأَت أَقدامُكَ هَذهِ الأَكادِيمِية وَجب عَليك أَن تَعِي الخَطر المُتربِص بِكَ.»
«إِذًا مَاذا؟ هَل عَلي التَّحدِيقُ فِي قُبحِ سِحنتكَ طُول اليَوم؟»
«أَظنُ أَنّ عَلينَا أَولًا قَصُ لِسانكَ الوَقح.»
كَظمَ لَازورَدِي العَينَين غَيظهُ بِصعُوبةٍ بَالِغة؛ فَها قَد بَدأَ صَبرُه يَنفذ، إِلا أَنّه مُلزمٌ بِتحمُلهِ كَي يَصلَ إِلى مُبتغَاهِ حَيثُ أَردفَ مُعقِبا: «أَودُ سُؤالكَ عِدةَ أَسئلة وَعليكَ إجابتِي بِصدق، وَرجَاءً لَا تُحاوِل اللَف أَو الدَّورَان.»
شَرب الصَّبِي كَأسَ المَاء دُفعةً وَاحِدةً لِإخمَادِ لَهيبِ حَلقِه جَراءَ الصِّياحِ المُتَواصل، ثُمَ أَومَأ بِرأسهِ مُوافَقة؛ عَل اِنصياعهُ لَه قَد يَجعلهُ يَخرجُ مِن هَذا السِّجن بِأسرعِ مَا يُمكِن، فَيسترسلُ الآخَر قَائِلا: «أَ تكرهُ الإِتصالَ الجَسدِي؟ أَو بِعبارةٍ أُخرَى هَل تَكره أَن يَتمَ لَمسكَ مِن قِبل الأخَرِين؟»
َلِلحظةٍ كَادت مُقلتَاهُ أَن تَفرَا مِن مَحجرَيهِ ذُهولا؛ فَما فَائدةُ هَذا السُّؤال؟ وَمع ذَلكَ فَقدأَجابَ بِصدق: «لَيس حَقا، كَما أَنّ هَذا يَعتمِدُ عَلى الشَّخص.»
«هَل تَتذكرُ تِلكَ المَرة الّتي صَرخَت فِيهَا عَلى فِينيَاس مُنفعلًا جَراءَ لَمسهِ له؟ هَل هُو أَحد الأَشخاصِ الّذين تَمقتُ لَمسهم لَك؟»
«وَها قَد عُدنَا مُجددًا إِلى مَوضوعِ فِيني!» صَاحَ الأَمهقُ بِضجرٍ وَتبرم.
كَست طَبقةٌ مِن الجَليدِ الخَامِ عَينَا آستَر حِين هَتفَ بِحدة: «أَجب وَحسب.»
«قَطعًا لَا، وَلكِن أَحيانًا أَفعلُ ذَلكَ لَا إِردِيا وَهذَا فَقط مَعه.»
«أَلا تَجدُ ذَلكَ غَريبا؟»
«حَسنًا لَم أُفكِر فِي ذَلكَ كَثيرا.»
«مَتى بَدأَ اِنفعالكَ هَذا؟»
«أَظنُ قَبل أُسبُوعَين أَو ثَلاث مِن اِنتهَاءِ الإِجازَة.»
«هَل أَنتَ تَكرهُني؟»
لِشدةِ غَرابةِ السُّؤَال كَادَ إِيثَان يَسقُط مِن عَلى الكُرسِي لَولا تَوازُنهُ فِي اللَحظَاتِ الأخِيرة، وَعلى عَكسِ الأَسئلةِ السَّابِقة فَقد أَخد بَعضَ الوَقتِ يَتصارَعُ فِيهِ مَع عَقلِه وَفِكره، فَماذَا بِوسعِه يَقول؟ أَجل، أَكرهُكَ لِأنّ إِحسًاسًا بِالخَطرِ يَنذُر مِنك؟ أَو لَا أَرتاحُ لِقربِكَ، فَكأنَكَ سَفاحٌ يَترصدُ بِحياتِي؟ فَلولَا شُعورُه هَذا تِجاهَه لَربُمَا تَغيرت الأُمور وَباتَا مُتفاهِمَين، لَكن مُجرد تَخيُل هَذا يُصيبُه بِالقشعَريرة، فَمُحالٌ أَن يَحدُث هَذا!
نَما قَوسُ اِبتسامةٍ وَاثقةٍ زَينَت ثَغرهُ الكَرزِي حِين نَبس: «أَجل!»
هَمهمَ الخَالُ بِتفهمٍ دُونَ أيّ تَغيرٍ فِي المَلامِح مُستَطرِدا: «لِمَ ذَلك؟ لَا أَظنُ أَنّي فَعلتُ شَيئًا فَظيعًا تِجاهَك.»
«لِأنّ رُؤيةَ وَجهكَ تُصيبُنِي بِالغَثيان.»
اِستَقامُ الأَدعجُ مِن مَكانِه مُتجِهًا نَاحِيةَ اِبن أُختِه مُبعثرًا خُصلاتَ شَعرِه فِيمَا يَقُول: «يبدُو أَننَا نتَشاركُ ذَاتَ الرَّأي.»
ثُمَ حَملهُ بَين ذِراعِيه تَحتَ صَراخَاتِه المُطالِبةِ بِإِنزالِه، وَتلبيةً لِطلبِه أَلقاهُ عَلى السَّريرِ الوَتير وَالّذِي يَتسعُ لِشَخصين، بَعدَ ذَلكَ اِرتمَى هُو الأَخرُ فِي الجَانِب مِن السَّريرِ مُستعدًا لِلنَّوم.
«مَا الّذِي تَفعله؟!»
أَجابَ آستَر وَهُو يَتثَاءبُ بِتعب: «أَخلدُ للنَّوم، وَأنتَ أَيضًا اِفعل المِثل، أَو اِبقَ مُستيقِظًا تُحدقُ فِي السَّقف.»
اِنتظَر الأَصغَرُ بِصبرٍ خُلودَ الأَكبرِ لِلنَّوم كَي يَتسنَى لَه سَرقةُ المِفتَاح الّذِي مَهمَا حَاول وَفعل لَم يَجده، تَفقد مَلابِسه، الدُّولابَ وَكُل مَكانٍ يَخطُر عَلى البَال إِلا أَن كُلّ ذَلكَ بِلا جَدوى. مُتأكِدٌ أَنّه رَآه يُخَبِئهُ فِي جَيبِ سِروَالِه الأَيسر، فَأينَ اِختفَى بُحقِ الإِله؟!
يُتبَع...
<----«« »»---->
سُبحَان الله وَبحمدِه، سُبحانَ الله العَظيم.
اللهم صلِّ وسلِّم وَبارك عَلى نَبيِنا مُحمد.
1222 كلمة.
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro