الفَصلُ الثَّانِي: شَكٌ مُغلفٌ بِالرِّيية.
كُومةٌ مِن الكُتب بُعثرَت هُنا وَهناك فِي غُرفةِ إِيثَان المُستلقِي عَلى سَريرِه الوَتير، وَقدمَاهُ عَلى الحَائطِ تَتدلَيان، مُنغمسٌ فِي عَالمٍ نَسجَتهُ الحُروف المَرقُوشةُ عَلى الوَرق، فَلطَالمَا كَان الخَيالُ مَلاذَهُ الحَبيب، فَفيهِ مُتعةٌ وَلذةٌ لَا تَتوَاجد فِي الوَاقِع، وَهذَا مَا شَاركَه فِيه آستَر الذِّي بِدورِه اِنعزَل فِي رُكنٍ بَعيدٍ عَنه فِي الغُرفةِ يَقرَأُ رِوايةً بُولِيسية.
وَلم تَدم لَحظاتُ السَّكينةِ هَاتِه طَويلًا إِذ تَمت مُقاطعتهَا جَراءَ طَرقاتِ البَابِ المُتتالِية، أَذنَ إِيثَان بِالدُّخول للطَّارق، وَالذِّي كَان خَادمةً اِكتسَح النَّمشُ وَجهها، وَظُفرَ شَعرهَا البُني بِعنَاية، فِي حِين اِلتمَعت عَينَاهَا بِلونٍ عَسلي.
اِنحَنت بِأدبٍ وَهي تُعيدُ عَلى مَسامِع سَيدهَا الصَّغير مَا أُمرَت أَن تَنقله لَه مِن قِبل الإِيرل، حَيثُ تَوجَب عَليهِ الذَّهابُ إِلى مَكتبِه، وَبالفِعل اِتجهَ مُباشرةً إِلى هُناك بَعد أَن تَخلصَ بِطريقةٍ مَا مِن الغِراءِ اللَاصق المَدعو آستر بَايسكرَاف.
وَهذا الآخِير اِغتنَم الفُرصةَ كَي يَتجوَل فِي القَصر وَيأخُد رَاحتهُ المُطلقةَ فِي اِكتشافِ بَعضِ المَعلومَات، وَأولُ وِجهةٍ قَصدهَا هِي غُرفةُ الكُونتِيسة مَاريَانا، وَالدةُ إِيثَان أَو كَما يُحبُ مُنادَاتَه بِالشَّقي الصَّغير.
وَلأَولٍ مَرةٍ مُنذ مَجيئهِ إِلى هَذا القَصر لَم يَقتحِم الغُرفةَ بِغَير اِستئذَانٍ كَما اِعتَاد بَل دَلفَها بَعد سَماعِ إِذنِ صَاحِبتهَا، وَلربمَا هَذا رَاجعٌ لِكون الغُرفة تَعودُ لاِمرَأة، أَو أَنهُ يُكنُ اِحترامًا شَديدًا لِلكُونتِيسة، وَمن يَدرِي فَربمَا كِلاهمَا مَعا.
«لَقد كُنتُ أَنتظِرُك.»
اِمرَأةٌ بَيضَاءُ البَشرة، شَقراءُ الشَّعرِ، وَالذِّي سُرحِ عَلى شَكلِ كَعكةٍ أُحكمَت الشَّد بِدبوسٍ ذَهبيٍ زُينَ بالجَواهِر البَنفسجِية، فِي حِين اِنسلَت بَعضُ الخُصلات مُضيفةً بِذلكَ جَمالًا لِلتَّسريحة، وَذاتُ مِحجرَين مِن الأَوبالِ الأُرجوَانِي، وَهذا كَلونِ فُستانِها المَنفُوش، وَالمشدُود بِالمِشد مُبرزًا خَصرهَا النَّحِيف. تَطرقُ بِحذائهَا الزُّجاجِي الشَّفافِ عَلى الأَرضيةِ البَيضاءِ البَراقَة، وَالتِّي مِن شدةِ نَظافتهَا أَبرزَت اِنعكَاسَهَا كَما لَو كَانَت لَوحةً لِفَنان.
بِثغرٍ بَاسمٍ بِلطف رَحبَت بِزائرهَا الذِّي طَالَ اِنتظَارُه، فَوضعَت مَا كَانَت تَقرَأهُ جَانبًا تَدعُوه لِلجُلوسِ مُحاذَاتهَا، وَهوَ بِدورهِ بَادلهَا الاِبتسامَ بِلباقةٍ مُجيبًا بَينمَا يُلبِي دَعوتهَا: «يُشرفنِي ذَلكَ سَيدتِي.»
«تَخلَى عَن رَسميتك.» نَبسَت بِمَا فِي بَالهَا مِن كَلمَاتٍ رُغمَ إِدرَاكِهَا أَنّ المُخَاطَب سُيلقِي كَلمَاتِها عَرضَ الحَائط، وَهذَا مَا حَصلَ فِعلا. لِذَا لَم تُصب بِخيبةِ أَمل؛ لِاِعتيادِهَا تَصرفاتِ أَخيهَا غَير الشَّقِيق.
ثُمَ صَبت فِنجانًا مِن الشَّاي لَه حِين قَالَت: «لَقد مَضى الكَثيرُ عَلى آخِر زِيارةٍ لَك.»
هَزَ آستَر رَأسهُ بِأن نَعم بَينمَا يَحتسِي القَليل مِن شَايه قَصدَ إِنهاءِ المَوضوعِ هُنا وَعدمِ التَّعمُق فِيه، فَاِحترمَت الأخرَى رَغبتهُ مُردِفة: «كَيفَ تُبلِي مَع إِيثَان؟ أَملُ أَن لا تَنشبَ حَربٌ عَالميةٌ فِي القصرِ بِسبكُمَا.»
سُؤَالٌ وَاحدٌ جَعلَ مَلامحهُ تَكفهِر فِي لَحظة؛ فَاِبنهَا هَذا تَسببَ بِصداعٍ لَه البَارحةَ إِثرَ مُحاوَلاتِه المُستمِيتةِ فِي طَردِه، وَليسَ يدرِي حَقًا مِن أَينَ جَلبَ ذلكَ النَّشاط الغَريب، إِذ لَم يَتعَب لَحظةً جَراءَ نَقيقِه المُزعِج. ثُم رَدَ بغَيظ: «هَل لِي أَن أَعلَم مِن أَين وَرثَ اِبنكَ عَصبيتهُ وَلسانَهُ السَّليطَ ذَاك؟»
«إِنّ لَم تَخنِي ذَاكِرتِي، فَتَصرفاتهُ نُسخةٌ طِبقَ الأَصلِ عَن تَصرفاتِ خَالِه وَهوَ صَغير.» رَمت كلمَاتَها مُشيحةً بِنظرهَا بَعيدا؛ تَجنبًا للنَّظراتِ الحَارقةِ التِّي صُوبَت نَحوهَا بَعد أَن كَادَ المَعنِي بِالكَلامِ يَختنقُ بِالشَّاي.
مَسحَ أَدعجُ الشَّعرِ فَمهُ بِالمِنديلِ الذِّي أَعطتهُ لَه مَاريانَا مُتنهِدا، فِيمَا هَذهِ الآخيرةُ تَبتسمُ بِمرحٍ مُسندةً رَأسهَا بِكفيهَا مُستطرِدَة: «إِذًا يَا سيدِي المُحقق، هَلا بَدأتَ بِأسئلتكَ الاِستجوَابِية؟»
قَلبَ عَينَيه مُتملمِلًا مُتجاهِلًا اِستهزَاءهَا، ثُمَ أَراحَ جِذعهُ عَلى ظَهرِ الكُرسِي قَائِلا: «بِدايةً دَعينَا نَستمِع إِلى القِصةِ كَامِلة.»
أَخدت شقراءُ الشَّعرِ نَفسًا طَويلًا قَبل أَن تَحكِي لَه مَا حَصل دُونَ اِنقطَاع.
«حَدَث ذلكَ قَبل أُسبوعٍ مِن الآن، أَي حِين عَودتهِ مِن الأَكاديمِية بِمناسبةِ إِجازةِ نِصفِ السَّنة، وَلأَنّه لَم يَودَ العَودةَ إِلى القَصر فَقد فَضلَ التَّجولَ حَتى وَقتٍ مُتأخرٍ مِن اللَيل، وَبطرِيقةٍ مَا فقَد أَضاعهُ السَّائِق وَسطَ حُشودٍ مِن النَّاس. وَحينَمَا وَجدهُ كَانَ جَاثيًا عَلى الأَرضِ مَصدومًا يُردد: بَارُون اللَيل...وَجهه، رَأيتُه. لَكِن الغريبَ فِي الأَمرِ أَن الدُّموعَ اِنبجَست مِن مَآقيهِ تَالِيا، حَتى أُغشيَ عَليه.»
«لَربمَا مَا أَدَى بِفقدانِه الذَّاكِرة لِيومٍ هِي الصَّدمةُ العَاطِفية.» غَمغمَ آستَر مُفكرًا عَقبَ الاِستماعِ إِلى كَلامِها، لَكنَ غَمغمتهُ وَصلَت إِلى أَذانِ أُختِه المُتسائِلة: «صَدمةٌ عَاطِفية؟»
«هَذا مُجردُ تَخمينٍ لَا غَير. هَل تَعتقدِينَ أَن اِبنكَ فَقد الذَّاكرةِ إِثرَ الفَزعِ الذِّي اِجتاحَه؟»
نَفت مَاريَانَا كَلامهُ بِهزِ الرَّأس، ثُمَ أَوضحَت سَببَ الضَّحضِ مُجيبَة: «لَا أَظنُ ذَلك؛ فَإِيثَان لَيس جَبانًا وَليسَ سيرتَاعُ لِأمرٍ مِثل هَذا.»
هَمهمَ الأَصغرُ مُتفهِما، لِيُعقبَ قَائِلا: «إِذًا لِنفترِض أَنَّها صَدمةٌ عَاطِفية، هَل هُناكَ أَشخاصٌ مُتعلقٌ بِهم وَبشدَة؟»
«خَادمُه الشَّخصي، فِينيَاس هَافرفِيلد، أَظنكَ اِلتقيته.»
تَزامُنًا مَع نُطقهَا اِسم فِينيَاس رَفعَ آستَر حَاجِبًا فِي اِستنكَار، وَقد بَدأَ الشَّكُ يَتغلغَلُ فِي أَعماقِه نَاحِيةَ هَذا الخَادمِ الشَّخصِي لِلشَّقي.
«أَجل فَعلت، هَل هُو الوَحيد؟»
«نَعم؛ فَإيثَان ذُو شخصيةٍ اِنطوَائيةٍ لَا يُحبُ المُخالطَةَ كَثيرا، وَلكِن حِينمَا يَكُون مَعه، فَهوَ يَستطيعُ أَن يَكون نَفسه. أَنا مُمتنةٌ لَه عَلى هَذا.» خََتمَت حَديثهَا بِبسمةٍ مُمتنةٍ نَمتَ عَلى شَفتيهَا الكَرزِيتَين؛ فَرؤيتُهمَا عَلى وِفاقٍ تُثلجُ صَدرهَا. ثُمَ أَضَافَت مُضيقةً عَينيهَا: «هَل تَشكُ بِه؟»
وَعلى رَدهَا المُتهكِم اِستنكَر أسخمُ الشَّخصِ فِعلهَا هَذا، فَراحَ يُجيبهَا بِاِبتسامةٍ عَلت تَقاسِيمَ وَجهه، وَإِن دَلت عَلى شَيءٍ فَهي السُّخرِية: «لِمَ الجَميعُ يَنزعجُ مِن هَذا الأَمر؟ هَل أَلقَى عَليكُم سِحرًا مِن نَوعٍ مَا أَم مَاذا؟»
مَطت الكُبرَى شَفتيهَا بِاِنزِعاجٍ مُفضلةً الصَّمتَ عَلى الرَّد عَليه، مَا يَعنِي اِنتهَاءَ المُحادثةِ هُنا بِالنِّسبةِ للآخَر الذِّي تَساءَل عَن مَكانِ وِجهتهِ التَّالية: «أَين بِاِستطاعتِي إِيجادُ السَّائِق؟»
«سَأطلبُ مِن كَبيرِ الخَدمِ مُرافقتَك.» عقبَ قولهَا هَذا سَحبت خَيطًا يَتدلَى مِن عَلى الحائِط، وَما هِي لَحظاتٌ مَعدودةٌ حَتى قَدِمَ كَبيرُ الخَدم الذِّي نَال الشَّيب مِن خُصلاتِ شَعرهِ الفَحيمةِ زَمانا، وَنَقشَ الزَّمنُ عَلى وَجههِ أَثارَه. اِمتلكَ مِحجرَين مِن الزَّبرجَد الفَتان، وَطولًا وَوقفةً مُستقيمةً كَما لَو أَن رِياحَ السِّنينَ العَاتِية لَم تُؤثر عَليهِ وَتجعلهُ يَنحنِي أَمامَ فَخامتِها.
وَمثلمَا مَا أَرادَت مِنه طَلبَت، فَاِستقامَ أَخوهَا مِن مَقعدِه مُتبعًا إِياه، وَقبلَ أَن يَتخطَى عَتبةَ البَاب صَاحَت: «زُرنِي مُجدَدا أَيهَا الأَخ العَاق!»
مِن دُونِ عَناءِ الاِلتفاتِ لَوحَ لَها بِيده كَإِشارةٍ لِلمُوافقة، وَمع ذَلكَ فَهِي تُدركُ أَنّه لَن يَفعل.
<----«« »»---->
فِي رِواقِ القَصرِ يَسير، وعَقلهُ بِالتَّفكِير أَسير، فَلتوهِ أَتمَ اِستجوَاب السَّائقِ الذِّي لَم يُفدهُ بِأَي معلومةٍ جَديدة؛ إِذ كَررَ عَلى مَسامِعه مَا قَالتهُ الكُونتِيسة مَاريَانا بِالحرفِ الوَاحدِ دُونَ نُقصَان. وَممَا لَديهِ مِن مَعلومَاتٍ اِستطَاعَ اِستنباطَ أَولَ مُشتبهٍ بِه وَهوَ الخَادمُ الشَّخصي المُسمَى فِينيَاس هَافرفِيلد، فَلو كَان تَخمينهُ صَحيحًا بِالنِّسبةِ لِاِفتراضِه أَن سَببَ فُقدان إِيثان الذَّاكرةَ هُو الصَّدمةُ العَاطِفية، فَبلا شَكٍ سيكُون هُو بَارون اللَيل، لَكن لِلأسفِ الشَّديد فَكلُ هَذا مُجردُ تَكهناتٍ لَا وُجُود لِأَدلةٍ تُثبتِها.
اِستَفاقَ مِن شُرودِه عَلى صِياحِ إِيثان المُستاءِ مِن لَمسِ فِينيَاس لَه، مَا جَعل الرِّيبةَ تَتجَلى عَلى أَمارَاته؛ أَليسَ مِن المُفترَضِ أَن يَكونَا عَلى تَوافُقٍ تَام؟ أَم أَنّه أَخطَأَ فَهمَ كَلمة اِنسجَام؟
حَالمَا اِنَدثرَ إِيثَان مِن مَرأَى الأَبصَار، اِنتبَه الخَادمُ لِوجُودِ الحَارسِ الشَّخصي فَحياهُ بِاِبتسامةٍ مُهذَبة، وَكما لَو أَنّه عَلم بِتفكِيرهِ الدَّاخِلي نَطَق: «السَّيدُ الصَّغيرُ يَكرهُ أَن يَتمَ لَمسُه؛ فَلذَا سَتراهُ عَصبيًا تِجاهَ هَذا أَحيَانا.»
شَرحهُ لِلمَوقفِ أَبعَد غَمامَ الرِّيبة عَنه، وَاِكتفَى بِإِيماءةٍ طَفيفةٍ مُتابِعًا سَيرهُ نَاحيةَ غُرفةِ الفَتى المُدلل الذِّي كَان مُنزعجًا جِدا، وَهذًا بيِّنٌ مِن مِن كُلوحِه وَخديهِ المُنتفخَين كَسنجَابٍ مَلأَ فَمهُ بِالبلُوط. جَراءَ هَذا اِنبلجَ وَجههُ مَع اِبتسامةٍ لَطيفةٍ لَم يُناسبَا البَتة لَهجتهُ السَّاخِرةَ فِي الكَلام.
«أَرى أَن وَالدَ شَخصٍ مَا قَد وَبخهُ لِمحاوَلتهِ المُستمِيتةِ طَردَ حَارسِه الشَّخصي الرَّائع!»
وَتمَامًا كَما جَرت العَادة، لَم يَقدر المَعنِي بِالكَلامِ عَلى إِسكَاتَ لِسانِه عَن الرَّد وَجعلِ سُخريتِه تَمُرُ مُرورَ الكِرام، إِذ قَالَ بَعد أَن جَلسَ القرفضَاء مُحتضنًا الوِسادة: «أجل، لَا أَحد يُنكرُ رَوعتهُ لِدرجةِ أنَّه ضَعيفٌ حَتى يُدافعَ عَنه وَالدِي وَيُبقيهِ بَدلَ إِثباتِ نَفسه.»
ثُمَ زَادَ مِن اِتساعِ اِبتسامَتهِ المُستهزِئةِ مُعقبًا عَلى كَلامِه: «أَشكُ أَنكَ زَوجتهُ الجَديدة.»
«لِلأسفِ فَلا أَتشرفُ بكَ كَاِبنٍ لِي.» مِن دُونِ تَفكِيرٍ ردَ عَليهِ آستَر سَريعًا مُتمًا سِلسلةَ القَذائفِ هَاتهِ التِّي مَا كَانَت لِتنتهِي لَولَا تَذكُر إِيثَان لِتوبيخِ وَالدِه لَه.
اِنسكَبت جُرعةٌ مِن الصَّمتِ عَلى الأَفواه؛ فَكلاهُما مُنشغلٌ بِعملٍ يُلهِيه عَن المَلل، وَمِثلُ هَذا الجَو الهَادِئ الذِّي لَم يَعتدهُ آستَر لِاِمتلاكِه جَارةً صَاخِبةً وُمزعجةً أَشعرتهُ بِالنُّعاس، وَحالمَا أَرادَ الخُضوعَ وَالاِستسلام للوَسن تَرامَى إِلى مَسمعهِ صَوتُ الصَّبي القَائِل بِخفُوت: «عُذرا!»
فَهَمهمَ لَه كَإشارةٍ لِلاِستئنَافِ فِي قَوله، وَالغريبُ فِي الأَمر أَن التَّوترَ كَان جَليًا فِي تَصرفاتِه وَنبرتِه حِينَ أَردف: «بِصفتكَ حَارسًا شَخصيًا لِي، فَمهمتكُ تَتضمنُ اِتباعِي طوالَ الوَقتِ أَينّما أَذهب وَحمَايتِي، صَحِيح؟»
«أَجل، وَإِذا؟» رَد وَحاجبهُ فِي اِستنكَارٍ يَتدلَى؛ فَما مُبتغَى هَذا الطِّفلُ مِن لَفهِ وَدوَرانِه؟
«هَل يُمكنكَ مُرافقتِي لِلتَّجولِ فِي المَدينة؟! أَبي حَتمًا لَن يَرفضَ لَو رَافقتني!»
مَظهرُه الخَجولُ وَالمُستعدُ تَمامًا لِلرَّفضِ بَدى لَطيفًا جِدًا فِي نَظرِ آستَر الذِّي لَم يُخيب تَوقعاتِه، حَيثُ أَجابَ بِاِبتسامةٍ هَادئة: «لَستُ أُمانِع، وَلكِن سَنخرجُ بَعد غَدٍ لَا اليَومَ أَو غَدا!»
«شُكرًا جَزيلًا لَك!» تَهللَت أَساريرُ أَمهق الشَّعر جَذلا، فَراحَ يَشكرهُ مِرارًا وَتكرارًا وَكأنهُ لَيس ذَات الشَّخصِ الذِّي كَان يَبغضهُ وَيودُ رَحيلهُ بِأسرعِ مَا يُمكِن قَبل لَحَظات.
<----«« »»---->
اِختَرقَت شَمسُ المَغيب السَّتائر البَيضَاء وَرسَت عَلى وَجهه، فَاِنفَصلَت أَجفانهُ بِبطء، ثُمَ اِستعدَل فِي جِلستهِ عَلى السَّرِير، وَمَا لَبثَ طَويلًا حَتى أَدركَ أَنه فِي غُرفتِه، أَلم يَكُن فِي غُرفةِ إِيثان يَقرَأ؟ فَكيفَ وَصلَ إِلى هُنا إِذا؟
أَعادَ الاِستلقَاءَ عَلى السَّريرِ مُجددًا طَاردًا كُل الأَفكار التِّي غَزت عَقله؛ فَقد اِنهالَ عَليهِ التَّعبُ جَراءَ اِستجوَابِه جَميعَ مَن فِي القصر، إِضافةً إِلى تَفقدُهِ جَميعَ المَمراتِ السِّرية تَحسبًا لِأي طَارئ، لِذا مِن الطَّبيعِي أَن يَنام.
وَنتيجةً لِجميعِ تَحرياتِه فَقد اِستطَاعَ تَضييقَ دَائرةِ المُشتبهِ بِهم إِلى فِينياس هَافرفِيلد وَالسَّائق، إِلا أَن المُعضلةَ الوَحيدةَ التِّي تُواجِهه هِي سَببُ مُهاجمة بَارونِ الليل لِإيثَان، فَعلى حَسبِ مَعرفتهِ بِه فَهوَ لَم يُؤذِ النِّساءَ وَالأَطفالَ قبلا.
وَإذَا اِفترضنَا أَنه لَم يَنوِ مُهاجَمته فَلمَ وُجدَ إِيثان فِي زُقاقٍ ضَيقٍ وَمظلم؟ مِن المُستبعدِ جِدًا لِشخصٍ يَهابُ الظَّلامَ أَن يُقدمَ عَلى فِعلٍ شُجاعٍ كَذاك وَيدخل مَكانًا مُظلما، وَهذا لَن يَحدثَ إِلا فِي حَالةِ مَا كَان هُناكَ أَمرٌ شَد اِنتبَاهه.
وَبعيدًا عَن أَمر مَسألةِ إِيثان، فَقد وُجهَ فِكرهُ تالِيًا إِلى أَفعالِ بَارونِ الليل؛ فَهوَ يَجدُ أَن حُدوثَ جَرائمهِ كُل يَومين وَفي الليل فَقط غَريبًا جِدا، بَل وَلمَ يقتلُ النُّبلاءَ عَلى وَجه الخُصوص؟ وَالمُثيرُ للرِّيبةِ أَكثر هُو أَن كُل مُن قُتل لِحدِ الآن كَان لَه يَدٌ فِي تَدمِيرِ عَائلته.
وَلو تَم اِفتراضُ أَنه يَستهدفُ أَولئكَ الأَوغاد، فَقد تَبقَى لَه أَربعةُ أَشخاصٍ بَعدَ قتلِه سِتةً مِنهم. وَمع أَنهُ مِن المُرجحِ أَن يَكونَ هَؤلاءِ أَحد أَهدافِه، لَكن يَستحيلُ عَليهِ تَحديدُ التَّالِي، وَالذِّي سَيجِيءُ الدَّورُ عَليهِ هذِه الليلة.
يُتبَع...
<----«« »»---->
سُبحانَ الله وَبحمده، سُبحَان الله العَظيم.
أَستغفرُ الله وَأتُوب إِليه.
1530 كلمة.
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro