Chào các bạn! Vì nhiều lý do từ nay Truyen2U chính thức đổi tên là Truyen247.Pro. Mong các bạn tiếp tục ủng hộ truy cập tên miền mới này nhé! Mãi yêu... ♥

الفَصلُ الثَّامِن: لِقاءٌ بَعد غِياب.

فِي رِواقِ الأَكادِيمِيةِ المُطلِ عَلى حَديقةٍ خَضراءَ غَناء، تَتوسطُهَا نَافُورةٌ اِزدَانَت بِتمثالٍ لِامرَأةٍ تَعزفُ عَلى الهَارب، تَرتَدِي الخِيتون المَثنِي فَوق الخَصر، المُنسدلَ إِلى كَاحِليها، وَفوقهُ الهِيمَاتُون المَعروفُ بِأنّه قِطعةُ قُماشٍ تَمُر أَسفَل الذِّراعِ الأَيسر، وَتُغطِي الكَتفَ الأَيمن، وَمن فَمهَا يَتدفقُ المَاء، تَجاذَب عَامِلا النَّظافةِ أَطرافَ الحَديثِ مِن مَشاغِل الحَياةِ إِلى سِباقَاتِ الخَيل يَتراهَانَانِ عَلى مَن سيفُوز، حَتى أَدى بِهمَا الحَديثُ إِلى بَارُون الليل؛ الاِسمُ الّذي لَم يُسمَع بِه فِي مَدينة لُندن لِمدةِ أُسبُوعين، حَيثُ عَاشَ السُّكان فِيهَا السَّكِينةَ مَمزوجةً بِالقَلق مِن هَذا الإِختفَاءِ المُفاجِئ غير المَسبوق.

«هَل تَعتقدُ أَنّ الأَوضاعَ الهَادِئةَ مَا هِي إِلا تَحميةٌ لِزوبعةٍ قَاتِلة؟»

«رُبمَا مَا قُلتَهُ عَينُ الصَّواب، أَو رُبمَا قَد أَنهَى البَارُون ضَحايَاه مُتمًا بِذلكَ سِلسةَ جَرائِمهِ المُتتَالِية.»

«كُلهَا اِحتمَالاتٌ وَارِدة، وَلكِن الشَّيء الإِيجَابِي هُو أنَنا مِن العَامة؛ إِذ لَن نَقلقَ حَول سَلامةِ حَياتِنا.»

خَتمَ هَذا الأَخِير كَلامَه بِقهقهةٍ خَفيفةٍ فَيشاركُه الأخَر الضَّحكَ مُتفقًا مَعه: «أَتفق، فَلأَول مَرةٍ أَحمدُ الرَّب عَلى كَونِي عَامِيًا بَسيطا.»

صَادفَ وَأن مَر إِيثان وَجميل بِجانِبهمَا فَاِلتَقطَت أَذانهُمَا كُلّ شَيء، مَا جَعل مَلامِح الأَصغرِ تَكفهِر؛ كَيفَ لَا وَحياتُه بِسببِه بَاتت سِجنًا لَا يُطاق؟ فِي حِين أَن الأَسمَر قَد جَذبهُ المَوضُوع فَودّ لَو يُحيطُ بِه كُلّ عِلم، لَكِن إِيثَان لَم يُطلِعهُ عَلى أَيّ شَيء، لَيسَ كُرهًا فِيه وَإنمَا بُغضًا لِلمَوضوع.

«لَا تَبتَئِس يَا فَتى، فَهذَا المَوضُوع حَساسٌ لَدى صَاحِبكَ الكَالِح.»

مُراهِقٌ مِن مَهجَع بُوفارديا تَدخَل فِي حَديثهمَا مُطَمئنًا الصَّبي العَابِس، وَهذَا مَا كَان سَببًا لِرمقِ الأَمهقِ لهُ بِشكٍ وَعداء؛ فَمن الغَريبِ أَن يَعلمَ بِحِساسيتِه تجاهَ المَوضُوع مَا لَم يُحط بِأخبارِ اِستهدَافِه مِن قِبل البَارون، وَهذَا مَا لَا يَعلمَه إِلا القِلةُ القَليلة.

«لَا تُحدِق بي هَكذا، مِن الطَّبيعِي أَن أَعلَم مَا دَامَ عَمِي مُفتشًا فِي السّكُوتلاند يَارد.» نَطقَ الأَشقَر ذَا مِحجرَي الجَادِيت الأَخضَر بِتوترٍ وَهُو يَحُك مُؤخِرةِ رَأسِه، ثُمَ وَعلى طَلبٍ مِن الأَسمرِ عَرفَ نَفسه: «إِيرِين كَازَافيِيه؛ نَائِب قَائدِ مَهجَع بُوفَارديا؛ وَطالبٌ فِي الصَّف السَّادِس، كَا أنّي مِن أَشدِ المُعجَبين بِالبَارُون!»

«مَن هُو البَارُون؟ هَل هُو شَخصٌ سَيءٌ يُحاِولُ إِيذَاء إِيثَان؟»

رَمقَ إِيثَان إِيرِين بِنظَرات تَهديدٍ يُوصِيه فِيهَا أَلا يَبُوحَ لَه بِأيّ شَيءٍ يَخصُه، وَأن يُنسيه هذا المَوضُوع مَهمَا كَان الثَّمن، وَلا يَخفَى عَلى أَحدٍ اِرتجَاف هَذا الأخِير كَردةِ فِعلٍ تِلقَائيةٍ عَلى هَالةِ الأَصغرِ المُتوعِد لَه بِالوَيل لَو زَل لِسانَه بِبنتِ شفةٍ خَاطِئة. تَمالكَ الأَشقرُ نَفسهُ ثُمَ هَتفَ بِحمَاسٍ وَالبرِيقُ يُشعُ مِن عَينَيه: «إِنّه شَخصٌ يُسمِي نَفسهُ بَارُون الليل، إِذْ أَنّ جَميعَ جَرائِمه تَقعُ فِي اللَيل. الجَديرُ بِالذِّكر أَنّ البَارُون لَا يَقتُل إِلا النُّبلاءَ الفَاسدِين وَيقُوم في نِهايةِ جَريمَتهِ بِفضحِ جَميعِ أَعمَال ضَحِيتِه للشُّرطة، وَالأَمرُ المُذهِل أَنّه سَاحرٌ بَارع!»

أَمال جَميلُ رَأسهُ بِاِستغَرابٍ وَهُو يَضمُ كَتفيهِ إِلى صَدرِه مُتسَائِلا: «سَاحِر؟»

اِسترَسلَ إِيرِين فِي حَديثهِ بِذاتِ النَّبرة؛ فَهُو لَم يَكذِب حِين قَال أنّه مِن أَشدِ المُعجَبين بِه: «أَجل، يُقالُ أَنّ البَارُون لَا يُغادِرُ مَكانَ جَريمَته إِلا بَعد التَّأكُد مِن فَضحِ ضَحِيته، مَا يَعنِي أَنّ المَكانَ مُحاصرٌ بِالشُّرطةِ مِن كُلّ صَوب، فَلا مَكانَ لِلفرَار، وَمع ذَلكَ فَنحنُ نتَحدثُ هُنَا عَن اِبن الليل وَساحِر لُندن المُميز! بِاِبتسامةٍ وَاثقةٍ تَعلُو مَحياه يَلفُ نَفسهُ بِرِداءَه الأَسخم فَيندَثرُ أَثرَه وَكأنّه لَم يَكُن مَوجُودًا مَع تَطايُر الغِربانِ الدَّعجاء بَعدَئِذ.»

أَضاءَت عَينَا الأَسمرِ العَربي إِعجابًا وَولعًا بِمَا سَمعَت أُذُنَاه؛ تَخَيلُ ذَلكَ فَقط يَجعلُ هُرمونَ الأَدرينَالين خَاصتهُ يُفرزُ بِكميةٍ هَائلة.

«إنّه رَائِع!»

«بَل مُخادِعٌ أَحمَق.» غَمغمَ الأَصغرُ بِحنَق، مَا جَعلَ العَربي يَتذكَر أنّ رَفيقهُ يَبغُضه، فَأعَادَ الكَرةَ فِي السُّؤَال وَيتصبَب إِيرين عَرقًا مُفكِرًا فِي كَيفيةٍ لِلاِنسحَاب مِن هَذا المَكان.

«مَا الّذِي تَفعلُونه هُنا؟ إِلى صُفوفِكم حَالا!» صَوتٌ رَتيبٌ مَع تَصفيقةٍ بِاليدِ لجَذبِ الاِنتبَاهِ جَعلَت الجَميع وَمن ضِمنهم إِيثَان يَلتفِتونَ نَاحِيةَ مَصدرِ الصَّوت، وَمثلمَا تَوقعَ هَذا الأَخيرُ فَلم يَكُن مُنقذِهُ إِلا خَالهُ الأَنْوك، والّذي سَحب جَميل مَعه نَظرًا إِلى أَنّ حِصتهُ التَّاليةَ مَع صَفِه.

<----«« »»---->

صَوتُ الطَّقطقةِ النَّاجِم عَن فَتحِ النَّافِذةِ بِقوةٍ جَعلَت الأَمهقَ يَستَيقِظ مِن نَومِه الخَفيف، فَنَهضَ مِن السَّريرِ مُثقلَ الخُطَى لِغلقِها، لَكِن الأَمرَ الّذي جَذبَ اِهتمَامَهُ هُوَ اِنعدامُ الرِّياحِ القَوية هَذه اللَيلة؛ فَكيف فُتحتَ النَّافذةُ إِذا؟ لَم يُفكِر فِي الأَمر كَثيرا؛ إِذ خَالطهُ الوَسنُ مِن جَديدٍ وَأثقِل جَفناه.

تَثَاءبَ بِتعبٍ مُديرًا كَعبهُ عَائدًا إِلى فِراشِه، لَكنَ يدَان حَاوطَتاهُ حَالتَا دُونَ ذَلك، أَنفاسٌ بَاردةٌ ضَربت شَحمةَ أُذنِه مَا جَعلَ دَقاتَ قَلبهِ تتَسارَع، وَقدمَاهُ تَكادَان تَخونَانِه، وَما زَادَ الطِّينَ بِلةً هُو مَا تَبعَ ذلكَ مِن كَلمات.

«هَل اِشتَقت إِلي؟ لَقد مَضى وَقتٌ طَويلٌ مُنذ آخِر لِقاءٍ لنا.»

نَبسَ بِنبرةٍ جَاهَد جَعلهَا مُتماسِكةً عَل خَوفهُ لَا يُكشَف: «البَارُون...؟»

«أَجل.» بِنبرةٍ كَفحيحِ الأَفعَى رَد، فَتيبسَ الصَّبي مكَانهُ مُحاولًا الهُدوءَ وَالتَّفكِير فِي خُطةٍ تُنجيهِ مِن بَراثِينه، فَسَأل: «مَا الّذي تُريده مِني؟»

رُسمَ عَلى ثَغرِ الزَّائِر الغَريب شَبحُ اِبتسامةٍ فِيمَا يُهدِئُ زُمردِي المِحجرَين قَائِلا بِهُدوء: «مَا مِن دَاعٍ لِلهلعِ وَالرِّيبة؛ لن أَمسكَ بِسوء. قَدمتُ اليَوم فَقط لِزيارةِ مَن نَعتنِي بِالمُخادِع.»

«هَل أَنت تُراقِبنِي؟ وَلمَ عَلي تَصدِيقُك؟»

يَدٌ مَا زَالت تُحاوِطُ رَقبةَ إِيثَان وَالأُخرَى تُمسكُ قَلبهُ كَمن غَلبهُ التَّأثُر، وَبنبرةٍ درَامِيةٍ نَطق: «هَذا أَلمنِي جِدا، لَست قَاسيًا لِدرجةٍ أَصلُ فِيهَا لِقتلِ الأَطفَال.»

«إِذًا مَاذَا عَن الحَادِثة الّتِي جَرت فِي سكُوتلَاندا؟»

«ذَلكَ لَا عَلاقةَ لَه بِي، لَكِني علَى صلةٍ بِمُرتكِبها.»

«إِذًا مَن هُو؟!»

عَلى رَدِه المُنفعِل وَالمُترقبِ للإِجابةِ عَلى أَحر مِن الجَمر ضَحكَ المُتشِحُ بِالسَّواد بِصخبٍ مُجِيبا: «لَن أُخبِرك، صَدقنِي حَتى وَلو أَخبرتُكَ سَتبقَى تُكذبِني.»

«مَا الّذِي تَهذِي بِه؟» بِاِستهجانٍ نَطقَ إِيثَان، فِيمَا الأَكبرُ رَبتَ عَلى رَأسِه بِاِبتسامةٍ مُتكَلفةٍ وُهو يُعقبُ عَلى الكَلام: «رَأيت؟ لَم أُخبركَ حَتى بِاِسمِ الجَانِي وَها أَنت ذَا تُكذِبُنِي!»

ثُمَ أَضاف بِمكر: «هَل تَودُّ رُؤيةَ وَجهِي؟»

عُقلَ لِسانُ الأَصغرِ صَدمةً لِمَا سَمِعه؛ فَهل ضَرب رَأسهُ فِي مَكانٍ مَا قَبل المَجِيء إِلى هُنا؟ هُو لَن يَستفيدَ حَتمًا مِن هَذا الشَّيء، الأَمرُ الوَحيد الّذي سَيحدث هُو تَسريعُ عَمليةِ مَوته، فَهل هَذا نَوعٌ مِن الاِختبار أَم مَاذا؟ حِينمَا لَاحَظَ البَارُون سُكونَه وَكمَا لَو أَنّه عَلى عِلمٍ بِصراعهِ الدَّاخِلي مَع نَفسِه أَردف: «صَراحةً لَا أُمانِعُ إِظهَارَ وَجهِي لَك، لَكن هَل أَنتَ عَلى اِستعدَادٍ لِذلك؟»

وَمرةً أُخرَى لَم يَدر مَا المَقصُود بِكلمَاتِه، لَكنَ الحَالكَ كَان كَريمًا بِمَا فِيهِ الكِفايةِ لِيتجَاوبَ مَع حِيرتِه وَتساؤُلاتِه، وَلو عَنى ذَلكَ كَشفَ هُويتِه، وَهذا مَا كَان غَريبًا بِشكلٍ مُخيف.

«فِي رَأيكَ لِم فَقدتَ ذَاكِرتكَ مُباشرةً بَعد كَشفكَ لِهُويتِي الحَقيقِية؟»

«لَا بُد أَنّها أَحدُ أَلاعِيبكَ الخَسِيسة!»

جَراءَ اِنزعاجِ بَارونِ اللَيل مِن نَظرةِ الفَتى المُتعَصبةِ لَه قَامَ بِشدِ وَجنتيهِ كَعقابٍ لَه، وَلم يَتركهُمَا حَتى تورَما وَاِحمرَا، لِيقُول بَعدئذ: «مُطلَقا، لَقد فَقدتهَا جَراءَ صَدمةٍ عَاطِفية، أَتُدركُ مَعنَى ذَلك؟»

«ذَلكَ مُستَحيل، أَنتَ تَكذِب...» خَانت الحُروفَ يَقِق الشَّعر، فُبعثرَ مَا فِي حَلقهِ مِن قَولٍ وَدّ التَّصرِيح بِه، إِنّه لَأمرٌ غَيرُ قَابلٍ لِلتَّصديق بَل وَغيرُ مُمكِنٍ حَتى!

«صَحيحٌ أَنّ لَدى أَبي جَانِبًا مُخيفًا يَهوَى تَحطيمَ عِظامَ مِن يُزعِجه، بَل وَتعذِيبهُم نَفسيا، لَكنَ تَلطيخَ يَداهُ بِالدِّماءِ ضِد مَبادِئهِ وَهذا شَيءٌ كُلّي ثِقةٌ بِه! لَرُبمَا تَبدُو أُمِي مُخيفةً وَفي بَعضِ الأَحيانِ مُتحجرة القَلب لَكنهَا أَبدًا لَيست مِن النَّوعِ الّذِي سَيُريقُ الدِّماء، وَفِيني هُو أَلطفُ شَخصٍ قَابلتهُ فِي حَياتِي، عَدا أَنّ تَصرفاتهُ تَتغيرُ مَع مَن يُضايقُني فَقط!»

مِن دُون أَن يَرفَ لَه جَفنٌ ألقَى الفَتى كَلماتهُ دُفعةً وَاحِدة، مَا جَعل ثَغرَ البارُون يَفترُ ضَحكا، قَبلَ أَن تَتبدلَ مَلامِحُ وَجههِ وَكذا نَبرتِه إِلى الجِدِية مُستَطرِدا: «أَنتَ حَقًا تَثقُ ثِقةً عَمياءَ فِي ذَلكَ الخَادم، أَملُ أَن لَا تندَمَ عَلى ذَلكَ لَاحِقا. إِذًا مَاذا عَن خَالِك؟»

«سيكُون مِن الرَّائِع لَو كَان قَاتِلًا لِيُزجَ بِه فِي السِّجنِ وَأرتَاحَ مِنه، لَكن لَا أَظنُ أنّ هَذا مُمكِن، فَبَعد بَقائِي مَعهُ لِمدةٍ اِكتشفتُ أَنّه شَخصٌ يَتمتعُ بِحس عَدالةٍ مُرتَفع، غَير أَنّ لَه جَانِبًا مُشابهًا لِأَبي فِي حُبهِ لِتعذيبِ خَصمِه نَفسيا.»

«إِذن فَقد أَبعدتَ كُلّ مَعارِفكَ عَن دَائرةِ الاِشتباه، لِذَا مَا سيحدُث تَاليًا أَنتَ المَسؤُول عَنه. اِستدِر بِبُطء.» اِبتسمَ الحَالكُ بِتكلفٍ فِيمَا يَتنهدُ بِقلةٍ حِيلةٍ مَتبوعًا ذَلكَ بِحديثِه هَذا، بَينمَا اِجتاح إِيثَان العَديدَ مِن المَشاعِر المُختلِطة، وَلعَل أَبرزَها الخَوفَ مِمَا سَيلاقِيه عَقبَ هَذا. اِبتعَد خُطواتٍ لِلورَاء لِيلمَح ذَلكَ الجَسدَ الرَّشيقَ فَارعَ الطُّول، وَالمُتشِح سَوادًا مِن أَعلى رَأسِه إِلى أَخمضِ قَدمَيه، فَقد اِرتدَى بِدلةً رَسميةً وَسروالًا أَسودَ اللَون، وَهذا كَلونِ قُبعتهِ الّتِي أَخفَت مَلامِحه، كَما يَضعُ نَظارةً ذَا عَدسةٍ وَاحدةٍ زُينَت بِسلسلةٍ فِضيةٍ تَتدَلى مِن عَلى وَجههِ بُحرية، وَالمُلفتُ لِلنَّظرِ أَكثر هُو عَصاهُ المَصنُوعة مِن أَجودِ أَخشابِ الأَبنُوس، وَالمُزخرَفةِ بِزخَاريفَ فِضيةٍ غَرّاء.

مَا هِي إِلا لَحظاتٌ حَتى يَرفعَ البَارُون القُبعةَ كَاشِفًا عَن سرٍ أَرقَ الجَميعَ دُونَ اِستثنَاء، وَلكِن طَرقاتَ البَابِ المُتتاليةِ وَالعَنيفةِ حَالت دُون ذَلك، لِيغمغمَ هَذا الأَول بِسخط: «تسك، لَيس وَقتهم.»

فَر الحَالكُ سَريعًا إِلى النَّافذةِ حَيثُ سَينجلِي مِن الأَنظارِ هُناك، وَقبل أَن يَذهب أَوصى الفَتى قَائلًا مَع سَبابةٍ عَلى الثَّغر: «أَظنكَ تَعلمُ مَا عَليكَ فِعله.»

خَتم كَلامَهُ بِالقفزِ مِن هُناكَ مَا سببَ الهَلعَ فِي قَلبِ الصَّغيرِ الّذي كَان سيُحذرِه مِن تَواجُده فِي الطَّابِق الخَامِس، لَكن سُرعَان مَا تَمالكَ نَفسهُ حِين تَذكَر قُدومَه إِلى هُنا عَن طَريقِ النَّافِذة، لِذَا لَا بُد أَن يَملكَ فِي جُعبتِه حَلًا لِلنُّزول، كَما أَنّ لَديهِ مَا هُو أَهمُ لِلتَّعامُل مَعه.

كَست طَبقةٌ مِن الجَليد زُمرديتَاهُ وَهُو يُحدقُ بِأعوَانِ الشُّرطةِ الّذين اِقتحَموا غُرفتهُ دُونَ اِستئذَان، رُغمَ صِغرِ سِنهِ إِلا أَنّ هَالتهُ كَانَت كَفيلةً بِدبِ الخِشيةِ وَالحَذرِ مِنه. تَقدمَ أَمامَهُ رَجلٌ طَاعنٌ فِي السِّن بِخُطواتٍ وَاثِقةٍ وَبِغطرَسةٍ مُتحَذلِقةٍ نَطق: «لِمَ أَنت مُستَيقظٌ أَيهَا الصَّغيرُ فِي هَذا الوَقت؟ وَلم النَّافذةُ مَفتُوحة؟»

بِاِستنكَارٍ قَطبَ إِيثَان أَحد حَاجِبيه وَهُو يَردُ بِبرودٍ شَديدٍ بَعدمَا رَمقَ أَعوانهُ الّذينَ يَعثُونَ الفَوضَى فِي المَكانِ بِاِبتسامةٍ مُتكَلِفة: «وَمن سِيادتُكَ كَي تَستجوِبنِي بِهذهِ النَّبرةِ المُتغطرِسة؟»

«نَحنُ هُنا فِي مُهمةٍ لِلقبضِ عَلى بَارونِ اللَيل، وَنشكُ أَنّه تَسللَ إِلى أَحد غُرف الطُّلاب، لِذا كُن مُتعاونًا مَعنا أَو سَيتمُ الاِشتباهُ بِكَ كَأحدِ مُعاونِيه.»

اِنطَلقَت هأهأةٌ صَاخِبةٌ أَمامَ الجَمع، لِوهلةٍ ظُنَّ أَنّه تَدراكَ وَقاحتهُ حِين غَطَى وَجههُ بِيده، زَامَن ذَلكَ تَضاؤُل الصَّوت الصَّادرِ مِنه حَتى الاِنعدَام دُونَ فُرصةٍ لِلتَّعليقِ حَتى؛ إِذ اُخرِسوا بِالبَريقِ الزُّمُردِي الّذي لَاذَ مِن بَين أَصابِعه.

«أَنتَ جَريءٌ جِدًا، أَلا تَعتقدُ هَذا؟ كَم فِي رَأيكَ مِن جَريمةٍ اِرتكَبت فِي هَذه اللَحظة؟»

لَن يُنكِر المُخَاطبُ شُعورهُ بِالخَوفِ لِلحظةٍ مِن بَريقِ عَينَيه الغَاضِب، لَكِن ذَلكَ لَا يُعد مُشكلةً كَبيرةً بِالنِّسبة لَه؛ فَخصمهُ مُجردُ طِفلٍ شَقيٍ ذَا لِسانٍ طَويلٍ سَيخافُ بِمجَردِ الصُّراخِ عَليه -أَو عَلى الأَقل مَا يَعتقدُه هُو-، وَهذا مَا فَعلهُ بِالضَّبط مُستطرِدا: «مَا الّذي تَتفوهُ بِه أَيهَا اللَقِيط؟»

نَمت زُهزقةٌ سَاخرةٌ عَلى شَفتَي الأَمهقِ المُجِيب بِغَطرَسة: «اِقتِحَامُ غُرفةِ نَبيلٍ بِلا اِستئذَان، وَعث الفَوضَى فِيهَا بِحجةِ التَّفتيش دُون تَرخِيصٍ حَتى، بَل وَإهانةُ نَبيلٍ وَاِستصغَاره. أَلا تَظنُ أنّه يَجبُ قَطع لِسانكِ وَيديك؟ وَليكُن فِي عِلمكَ يَا سَيادةَ الشُّرطِي أنّ مَن تَستصغِرهُ هُو الوَريثُ الشَّرعِي وَالوحِيد لِلإِيرل نَايترَاي، وَكذا الكَلبُ الوَفي القَادمُ لِلمَلكة.»

بَعد فَواتِ الأَوان، وَحينمَا لَم يَعد يُفيدُ النَّدم وَما شَابهه، أَدركَ الأَكبرُ خَطأهُ وَأنّ خَصمهُ لَيس بِالهَيّن أَو الضَّعيف، لِذَا أَحنَى رَأسهُ مُشكلًا زَاويةً حَادةً وَهُو يَنبسُ بِرجفةٍ وَتَوتُر: «أَنا أَعتذِر.»

«وَبماذَا سَيُفيدُنِي اِعتذَارُكَ وَقد أَفسدتَ مِزاجِي بِالفِعل؟»

«أَنا حَقًا آسِف، سَأفعلُ أَيّ شَيءٍ حَتى تَغفرَ لِي.»

«اِركَع!» بِنبرةٍ جُهوريةٍ نَطقَ إِيثان، فَرفعَ الأَخرُ رَأسهُ بِصدمةٍ يُطالبُ بِإعادةِ مَا قَاله؛ علهُ سَمعَ خَطأ، وَبِالفعل قَد أَعادَ عَلى مَسمعهِ مَا قَالهُ بِغيظٍ مَكظُوم: «هَل أَنت أَصم؟ قُلتُ اِركَع وَتَوسل لِي مُتذَللًا كَي أَعفُو عَنك، حِينئذٍ فَقط سَأفَكِر فِي مَوضُوع الصَّفحِ عَنك.»

ثُمَ لَف بَصرهُ تِجاهَ البَقيةَ مُعقبًا عَلى كَلامِه بِذاتِ نَبرةِ الصَّوتِ الأَمِرة: «وَأنتُم رَتبُوا غُرفتِي كَما كَانت بِأسرعِ وَقتٍ مُمكِن!»

مَن هَذا المَجنُون الّذي سيرفُض أَمره؟ أَكيدٌ لَم يَكُن هُناكَ أَحدٌ بِهذهِ الجَسارةِ وَالجُرأة، فَراحُوا يُنفذونَ مَا أُمروا بِه بِالحَرفِ الوَاحِد، وَكذا الرَّجُل الطَّاعِن فِي العُمر الّذي تَخلَى عَن كَرامتِه وَكبرِيائِه الشَّامِخ بِالرُّكُوعِ مُتذَللا لِلصَّبي الجَالسِ عَلى كُرسيهِ ذِي الأَذرُع بِتمَلمُل، وَالجَديرُ للذِّكر أَنّه لم يَعفُو عَنهُ حَتى بُحَ صَوته.

عَقبَ مُغادرَتِهم تَرامَى عَلى مَسمعهِ ضَحكاتٌ صَاخِبة، وإِن دَلت عَلى شَيءٍ فَهي اِستمتاعُ صَاحِبهَا بِالمَسرحِية الحَاصلةِ قَبل قَليل، لَفَ إِيثَان عُنقهُ نَحوَ البَارونِ المُتمرِغ أَرضا، وَقد بَدى غَير قَادرٍ حَقا عَلى كَبت ضَحكاتِه، مَط شَفتيهِ مُنتظرًا مِن سيادتِه إِكمالُ الضَّحك وَإن رَأى أَنّ رَدةَ فِعلهِ مُبالغٌ فِيها.

مَسحَ الأَكبرُ بِسبابتِه طَرفَ عَينِه وَهُو يَهتفُ بِإِعجابٍ بَعد أَن تَمالكَ نَفسه: «يَا إِلهِي أَنت حَقًا نُسخةٌ طِبقَ الأَصلِ عَن رِيفَن!»

«هَل تَعرفُ وَالدِي؟»

«أَكيد! لِهَذا لَا أَودُ إِيذَاءَ اِبنَ صَديقِي العَزيز حَتى وَلو كُشفَ وَجهِي أَمامَه.»

كُلمَا خَاضَ مُحادثَةَ مَع الوَاقفِ أَمامهُ أَو تَعمقَ فِي مَوضوعٍ يَخصهُ يَشعُر بِالرِّيبةِ أَكثرَ وَأكثر، بَل وَبالتَّفكِير مَليا، فَمظهرهُ يبدُو مَألوفًا بِشكلٍ فَظيع، وَخاصةً عَيناهُ اللتَان تَتَألقَانِ بِحدةٍ كَحجرِ اللَازورَد الّذي يَتدلَى مِن قُرطِه المَوضوعِ عَلى الأُذن اليُمنَى، لَكِن وَلسببٍ مَا فَهُو لَا يَستطِيعُ الجَزم بِمن شَبهه، لِذا نَبسَ تِلقَائيا: «هَل أَعرِفُك؟»

اِكتفَى بِالاِبتسامةِ كَإِجابةٍ لَه؛ يَودُ حَقًا لَو يُجيبُ عَن تَساؤُلاتِه لَكن الوَقت يُداهِمُه، فلو تَأخَر أَكثرَ مِن هَذا فَربمَا لَن يَجدَ مَفرًا مِن قَبضةِ الشُّرطة الّتي حَرفيًا أَحاطت المَكانَ وَحاصرتهُ مِن كُلّ جِهةٍ وصَوب.

«سَتعرفُ هَذا قَريبا، لَكن هُنالِكَ مَا هُو أَهم، الوَقتُ ضَيقٌ بِالنِّسبةِ لي لِذا أَصغِ إِلى مَا أَقُول جَيدًا وَأعدهُ بِالحَرفِ الوَاحِد عَلى خَالكَ صَبيحةَ يَومِ غَد.»

«وَلم لَيس الآن؟» تَدلَى حَاجِبا زُمردِي العَينين بِاِستغرَاب وَهُو يَتساءَل، فَرد عَليهِ الأَدعجُ بِبساطَة: «سَتخرقُ أَحدَ قَوانِين مَهجعِكم وَهُو حَظرُ التَّجوالِ بَعد السَّاعةِ العَاشرة، كَما أَنّ خَالكَ يَغطُ حَاليًا فِي سُباتٍ عَميقٍ لَن يَستيقظَ مِنهُ إِلى بَعد سَاعات.»

صَحيحٌ أَنّ البَارُون وَعدهُ بِعدمِ إِيذَائه لَكن هَذا لَا يَنطبقُ عَلى آستر، مَا اِستَرعَى شُعُورهُ بِالخَوفِ وَالرَّوعةِ لِيصيحَ بِاِستهجَان: «مَا الّذي فَعلتهُ لَه؟»

فِي حِين أَن المُخاطَب كَان النَّقيضَ لَه تَماما، إِذ رَد بِمرحٍ وَعفوِية: «لَا شَيء يُذكر، هُو بِخير.»

وَلِأن كُلّ ثَانيةٍ تَمضِي تَنقضِي وَلا تُعوض، لَم يَسمح لَه بِإِبداءِ أَيّ تَعليقٍ أخَر، إِذ مَا دَخل فِي صُلبِ المَوضوعِ مُباشرةً بَعدمَا أَعطاهُ وَرقةَ لَعبٍ تَحملُ الكلفس: «أَعطهِ هَذه، وَأَلقِ عَلى مَسامِعه مَا يَلي: فِي ليلةٍ ظَلماء، وَحيدةٌ مِن دُون رَفيقٍ وَضاء، سَيكتسحُ الدَّم الأَرجَاء، فَهنيئًا لَكُم بَالكَرنفالِ الدَّموِي.»

وَقفَ عَلى عَتبةِ النَّافِذةِ مُخرجًا مِن رِدَائِه وَردةً حَمراءَ قَربهَا إِلى فَمهِ حِين قَال: «والآن بَعدمَا أَنهيتُ مُهمَتي، سَأضطرُ لِتوديعكَ مُتمنيًا لِقاءً أخَر فِي القَريب العَاجِل، وإِلى ذَلكَ الحِين كُن بِخير، مَع تَحياتِي.»

خِتامًا لِكلماتِه التَّودِيعية نَفث عَلى الَوردةِ لِتتَطايرَ البَتلاتُ القَانِيةُ فِي أَرجاءِ الغُرفة، وَكذَا اِندثَر أثرهُ مِن مَرأَى أَبصارِ إِيثَان، هَرعَ هَذا الأَخيرُ بِسرعةٍ إِلى النَّافذةِ فَلم يَجد لَه أَثرا، وَفي قَرارةِ نَفسهِ قَرر أَن يبرِحَه ضَربًا حَال لُقيَاه؛ فَمن بِاِعتقادِه سينَظفُ الفَوضَى الّتي خَلفهَا وَراءَه؟!

يُتبَع...

<----«« »»---->

اللهُم صلِّ وَسلّم وَبارك عَلى نَبينَا مُحمَد.
لَا إِله إِلا الله وَحده لَا شَريكَ لَه، لَه المُلك، وَلهُ الحَمد، وَهُو عَلى كُلّ شَيءٍ قَدير.

2151 كلمة.

Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro