Chào các bạn! Vì nhiều lý do từ nay Truyen2U chính thức đổi tên là Truyen247.Pro. Mong các bạn tiếp tục ủng hộ truy cập tên miền mới này nhé! Mãi yêu... ♥

الفَصلُ الثَّالث: غُموضٌ مُحاطٌ بِالغَرابة.

«أُمي هَل سَيموت؟»

«بَعد إِذنكِ سَيدتِي، دَعينِي أُغير المَاء.»

«سَأكونُ مُمتنةً لَك فِينياس، وَأنت أَيُها الشَّقي تَوقف عَن التَّلفظِ بِالهُراء!»

أَصواتُ الحَركةِ وَالكَلام أَزعجَت لَحظات السَّلامِ التِّي كَان يَهنأُ بِها، فَاِنكمشَت أَجفانهُ بِاِنزعاج، وَببطءٍ رَاحَ يَفتحهمَا مُجعدًا الجَبين، وَحالمَا تَجهزَ لِرفعِ صَوتهِ مُتذمرًا مِن الذِّي أَفسدَ نَومه فُوجئَ بِصوتهِ المَبحُوحِ الذِّي يَكادُ لَا يُسمَع، إِضافةً إِلى ألمٍ حَادٍ فِي الحَلق مَع جَفافٍ شَديد، وَكأنهُ لَم يَسقِ ضَمأهُ مُنذ قُرون. فَوقَ كُلّ هَذا كَان جَسدُه مُحطما؛ حَركةٌ مِنه تَجعلهُ يَشعُر وَكأنَ أَلافَ الإِبرِ تَخِزه.

تَلمَسَ جَبينهُ فَوجدهُ يَشتعلُ مِن الحَارة، فَتيقَن أَنّه أُصيبَ بِالحُمى، لَكن السُّؤال الذِّي يَطرحُ نَفسهُ هُنا، لِمَ مَرض وَجسدهُ لَيسَ بِالضَّعيف؟!

«أُوه، لَقد اِستيقَظ!» هَتفَ إِيثان بِتفاجُئٍ عَقبَ اِنتباهِه لِاِستيقاظِ آستَر، مَا اِسترَعى اِنتباهَ وَالدتِه التِّي رَاحَت تُوبِخه دُونَ أَن تَصمُت: «أَيهَا الأَنوك المُغفل غَيرُ المُبالِي الوَغْب! هَل هُناكَ شَخصٌ عَاقلٌ يَمشِي تَحتَ المَطرِ لِيبتَل وَيمرض؟! فَقط أَخبرنِي بِماذا كُنتَ تُفكِر!»

اِستغرابٌ وَحيرةٌ تَجلت عَلى أَماراتِه هِي كُل مَا تَمكَن أَدعجُ الشَّعرِ مِن الرَّد بِه؛ فَبالكَادِ اِستطَاعَ اِستيعَابَ كَلمةٍ وَاحدةٍ مِنها؛ إِذ أَن رَأسهُ يَكادُ يَنفجرُ مِن الصُّداعِ الذِّي يَجتاحُه وَهي عَازمةٌ عَلى زِيادةِ التَّعذيبِ بِصراخِهَا المُصمِ للأذَان، إِضافةً عَلى كُلّ هَذا مَا الذِّي تَعنيِه بِالمَشي تَحت المَطر؟

مَظهَرهُ الذِّي بَدى غَير قَادرٍ عَلى فَهم مَا تَقصدهُ جَعلهَا تَتيقنُ أنهُ لَا يدرِي شَيئًا مِما حَصل، وَبمَا أَن أُمورًا مُشابهةً لِهذَا الحَدث قَد جَرت فِي صِغرهمَا فَبسهُولةٍ اِستطاعَت اِستنتَاج المُشكل حَيثُ اِستطرَدت: «لَا تُخبرنِي أَنكَ مَازِلت تَمشِي أَثنَاء نَومك!»

«مَا الذِّي حَصل لِي؟» نَبسَ مَع حشرَجةٍ هَامِسةٍ مَسموعةٍ لَدى الثَّلاثةِ المُتواجِدينَ فِي الغُرفة، بَينمَا الصَّبي يُحاولُ بِكلِ مَا وُسعِه شَد لِسانِه عَن السُّخرية؛ فَهوَ لَا يَودُ أَن يُغيرَ رَأيهُ بِشأنِ خُروجِهمَا. وَبالنِّسبةِ لِفينياس فَقد كَان يَعصرُ المِنشفةَ لِيضعهَا عَلى جَبينِ هَذا الأَول.

«لَقد أَبلغتنِي إِحدَى الخَادمَاتِ بِأنكَ مُصابٌ بِالحُمى، فَهرعتُ لِغرفتكَ لِلاِطمِئنانِ عَليكَ وَتفقدِ حَالتك، وِحينمَا كُنت أُغيرُ المَاءَ فِي الحَمَام لَمحتُ مَلابسكَ المُبتلة.» رَدت مَاريَانا عَليه، فَهمهمَ مُتفهمًا وَإن كَان هَذا الأَمرُ يُؤرِقه، ثُمَ اِنتبهَ إِلى شَيءٍ فِي كَلامهَا لِيسأل بِاِستِفهام: «عَلى أَي حَال لِمَ أَنتِ مَن يَعتنِي بِي بَدل الخَدم؟»

وَمثلمَا تَوقع، فَقد أَجابَت عَليه بِنبرةٍ دَراميةٍ تَخللت حَديثها: «لَن يُطاوِعنِي قَلبي عَلى تَركِ أَخي الصَّغيرُ مَريضًا دُون أَن أعتنِي بِه بِنفسي!»

بِتعبيرٍ مَذهولٍ غَيرُ مُصدقٍ لِمَا سَمعت أُذنَاهُ اِستفسرَ زُمردِي العَينَين مُستطردا، وَرجَاؤُه أَن تُكذِب مَا سَمع: «أُمي مَاذَا تَقصدينَ بِقولِك أَخي الصَّغير؟»

«أُوه، أَلا تَعلم؟ إِنه أخي غَير الشَّقيق، وَكذلكَ خَالك. أَمل أَن تَتوافقا معا.»

عَلى عَكسِ وَجه الكُونتِيسة المُنبلجِ حُبورا، أَظلَم وَجه الصَّغير مُشيحًا بِنظراتِه فِيمَا أَجابَ بِتنهيدةٍ تَشي عَن خَيبتِه: «آه، أَنا أَرى.»

وَقد لَاحَظت وَالدتهُ هَذا التَّغيرَ فِي السُّلوك الذِّي لَم يُعجبهَا بَتاتا، وَليسَت تَدرِي سَببَ هَذا العَداء غَير المُبرر، فَأخوهَا لَم يَقمُ بِشيءٍ سَيءٍ بَعد اِتجاهه. وَما لَم تَدرهِ أَيضًا أَن اِبنهَا ذَاتهُ لَا يدرِي سَببَ عَدائِه تِجاهه! هُو لَم يُقابلهُ سَابقًا وَلكِن شُعورًا بِداخِله يُخبرهُ أَن يَتجَنبه وَلا يَتورطَ مَعهُ مَهما حَصل.

وَمع ذَلكَ فَغصبًا عَن أَنفهِ سَتُحَسنُ عَلاقتهُ بآستر، فَنَبسَت بِمرحٍ وَبسمةٍ لَعوبةٍ جَعلت جَسد المُخاطبَ يقشعِر: «لِمَ لَا تُجربُ مُنادَاتهُ خَالي؟»

«لِمَ عَلي ذَلك؟» صَاحَ بِاِستنكَارٍ وَاللونُ القِرمِزي اِكتسَى وَجههُ دَلالةً عَلى خَجلِه، مَا سَببَ طَنينًا حَادًا فِي رَأسِ المَريضِ العَاجزِ عَن الحَراكِ وَالكَلام، وَإلا لَكان قَد طَردهُم جَميعًا مِن غُرفته.

رُغمَ صياحِ اِبنهَا فَلم تَستَأ مِنه؛ فَخجلهُ أَشعرهَا بِالمُتعةِ لِدرجةٍ تَودُ فِيهَا إِغاضَتهُ طَوالَ الوَقت، وَبالفِعل فَعلت مَا دَار فِي خَاطرِها، إِذ قَرصَت وَجنتيهِ المُمتلِئتين تَحت تَأوُهه المُتألمِ وَالمُغتاط قَائلةً بِتهديد: «لَا تَدعنِي أُكرر كَلامِي مَرتين أَيهَا الصَّغير!»

«كَفى رَجاء! سَأنادِيه بِذلكَ مَتى مَا اِحتجتُ مُناداته.» صَاحَ إِيثَان بِرجَاء وَالعبراتُ عَلى طَرفِ العَينين تُنذرُ بِالهُطول، فَاِنتبَهت وَالدتهُ إِلى أَنها بَالغَت فِي اِستخدامِ قُوتهَا، لِتدلكَ وَجنتيه عَل الأَلم يَخف قَليلا وَفي ذَاتِ الوَقت تَعتذر بِاِبتسامةٍ خَرقاء.

فَجأةً شَعرَت مَاريَانا بِقشعريرةٍ تَسرِي فِي عَمودهَا الفقرِي، وَلم تَحتجَ الاِلتفاتِ لِتُدركَ أَن أَخاهَا يَرمقهَا بِنظراتٍ حَادةٍ يَودُ فِيهَا لَو يَقتلهَا هِي وَاِبنها جَراءَ الإِزعاجِ الذِّي تَسببا فِيه، وَبمَا أَنه لَم يَعُد هُناكَ سَببٌ لتبقَى مِن أَجلهِ هُنا فَشرَعت بِتوديعهِ جَارةً اِبنهَا معها، وَلِحين أن يُشفَى، اِئتمَنت فِينياس عَلى رِعايتهِ وَالاِهتمَام به؛ إِذ أَنه شَخصٌ هَادئٌ إِلى أَبعدِ الحُدودِ عَكسهَا هِي وَإيثان، وَمن هَذا المُنطلقِ فَلا ضَررَ لِلبقاءِ معا؛ فَيستحِيلُ عَلى ذَلكَ المَهوُوس بِكرهِ النَّاسِ أَن يَجدَ عَيبًا فيه، أَو هَذا مَا تَعتقِدهُ هِي.

سَادَ الهُدوءُ وَالسَّكينةُ المَكانَ بَعد مُغادرتهمَا، فَأضحَى لَازوردِي العَينين يَشعرُ بالرَّاحة، فَخالطهُ الوَسن الذِّي سُرعانَ مَا فَر إِثر اِستفسارِ الخَادم حَول إِذ مَا كَان يَودُ شَيئًا يَقتاتُ بِه، وَالأَدهَى أَنه بَعدَ كَلامِه أَحسَ بِمعدتِه تَعتصرُ نَفسها لِشدةِ الجُوع، فَردَ بِصوتهِ المُتحشرج، وَيالِ ذَلكَ الصَّوت الذِّي يَكادُ يَقتلهُ مِن الإِحراج!

«أَجل، أَي شَيءٍ يَفي بِالغَرض.»

اِنحَنى الأَسمرُ بِأدبٍ مُستعدًا لِتنفيذِ طلبِه، وَقبلَ أَن يَتخطَى عَتبةَ البَابَ عَطسَ مَرتينِ عَلى التَّوالِي، فَأَردفَ آستَر بِاِستنكَار وَبعضٍ مِن الاِستهزَاء: «هَل أَنت بِخير؟ هَل اِنتقَلت العَدوَى إِليكَ سَريعا؟»

«لَا تَقلَق، أَنا بِخير.» نَفَى فِينياس كَلامهُ بيدِه سَريعا، وَأنفهُ المُحمرُ عَكسَ ذَلكَ يَتحدث.

شَرد مِن الغُرفةِ حَثيثَ الخُطَى مُتكِئًا عَلى الحَائط، وَبعصبيةٍ رَاحَ يَرفعُ خُصلاتِ شَعرِه البُنيةِ التِّي مَا تنفكُ تَنسلُ بَين أَصابِعه، وِبحسرةٍ فَكرَ بَينه وَبينَ نَفسه: «تبا؛ أَكانَ عَلى الجَو أَن يُكونَ مُمطرًا لَيلةَ البَارحة؟»

ثُمَ أَضافَ بُكلوح: «لَكم أَكرهُ أَن أمرَض!»

اِستقامَ بَعدمَا خَف الدُّوار، وِبراحةٍ زَفر حِينمَا لَم يَجد أَحدًا فِي الجِوار؛ فَأكثرُ مَا يبغُضهُ أَن يبدُو ضَعيفًا أَمامَ أَحد.

<----«« »»---->

نَشيجُ النِّساء وَنحيبُ بَعضِهن غَمر المَكان، وَلَونُ السُّخامِ اِكتسَى مَلابِس الحُضور الذِّين يَتناوَبونَ بِالدَّورِ لِلدُّعاءِ للمَيتِ وَإهدائِه زَهرةَ الزَّنبقِ البَيضاء، وَبَعد ذَلكَ يُقدمُونَ تَعازيهم الحَارةَ للشابِ الوَاقفِ بِقربِ التَّابوت، ذَا شَعرٍ أَشقرَ مَربوط، وَعينَين مِن السَّماءِ الزَّرقاء سَرقت صبغَتهَا، تَزينَت بِسوادٍ أَسفلهَا مَازادَ مَظهره رِثاء، وَلم يَكن ذَلكَ الشَّخصُ سِوى الإِيرل مِيريث كَلافلِين.

وَهذِه المَرةَ كَان الدَّورُ مِن نَصيبِ الدُّوق إِرنِست فَالكِيري، وَيليهِ المَاركِيز دُوغلاس بَاركَر، فَبصفتهمَا صَديقَان لَه مَا كَانَا لِيفوتَا فُرصةَ تَعزيتِه، أَو بَتعبيرٍ أَدق المُباركةُ لَه بِتخلصهِ مَن كَان شَوكةً فِي عَينه، وَقد اِستَفتحَ هَذا الأَولُ الحَديث بِصوتٍ هَامس: «أَرى أَنكَ بارعٌ فِي التَّمثيل مِيريث.»

بِذاث نَبرتِه نَطقَ الأَشقر وَعيناهُ فِي الأَرجاءِ تَترصَدان: «أَشكركَ عَلى الإِطرَاء، وَلكِن دَعنا نُغيرُ المَكانَ أَولا.»

رَبتَ إِرنِست عَلى كَتفِ الأَصغر وَكأنهُ يُواسيه، ثُمَ اِستطرَد بَعد أَن رَفعَ صَوته: «أَتفهمُ شُعوركَ سيِد كَلافلين، لِم لَا نَحظى بِبعضِ الهَواءِ النَّقي عَلكَ تَرتاحُ قَليلا؟»

«أَشكُر تَفهمكَ سِيادةَ الدُّوق.» رَد بِاِبتسامةٍ بَاهِتة، ثُمَ غَادرَ ثَلاثتهُم الكَنِيسة قَاصدِينَ البَاحةَ الخَلفيةَ لَها، حَيثُ لَا تَطأُ أَقدامُ أَي إِنس؛ مَا سَيسمحُ لَهم بِأخدِ رَاحتهم المُطلقة وَبالأَخصِ مِيريث الذِّي مَا عَادَ قادرًا عَلى كَبتِ ضَحكاتِه المُستمتِعة!

تَرقبهُ وَحماسهُ الشَّديد لِسماعِ أَخبارٍ تُثلجُ الصَّدر مِن بَارونِ الليل قَد جَافَا النَّوم مِن عَينيه لَيلةَ أَمس، وَهذا مَا يُفسرُ السَّوادَ أَسفلهُما. وَمثلمَا تَوقعَ مِنه، فَهوَ لَم يُخيب ثِقتهُ مُطلقا!

«تَهانِي الحَارةُ لَك عَلى اِفتكَاكِكَ مِن إِزعاجِ الفِيكُونت أَلبِرت كَلافلِين.» بَاشرَ المَاركيزُ الكَلامُ بِاِبتسامةٍ رَاضية، فَيبادلهُ المَعنِي اِبتسامةً وَاسعة وَهو يُجيب: «مُمتنٌ لَكما؛ فَكلاكُمَا سَاهمَ فِي ذَلك.»

بِضحكةٍ عَاليةٍ لَوحَ دُوغلاس بِيديهِ مُعترِضًا اِمتنَانه حَيثُ اِستطرَد: «لَا دَاعِي لذَلك، فَالفِيكُونت لَم يَكُن شَخصًا يَستحقُ الحَياة عَلى أَي حَال.»

فِي حِين أَعقبَ عَليهِ الدُّوق الذِّي تَساءَل بِحيرة؛ فَهذا المَوضوعُ يَشغلُ فِكره، وَالجديرُ بِالذِّكر أَن كُل مَا يفعلهُ الزَّعيم يَكونُ مَوضعَ تَساؤلٍ له؛ فَالغُموضُ حَوله مُريب، وَلا أَحد عَن مَعلومةٍ عَنه اِستطَاعَ الحُصول.

«مَا لَا أَفهمهُ هُو لِمَ تَم تَغييرُ الضَّحية مِن المَاركِيز لُوسيَان أَندرسُون إِلى عَمكَ الفِيكُونت أَلبِرت كَلافلِين؟»

«أَنا أَتساءَل حَولَ ذلكَ حَقا.» نَبسَ الأَصغرُ وَنَظرهُ صَوبَ السَّماءِ مُنتصب، وَبسمةٌ فِي ثَناياهَا تُخفِي الكَثيرَ مِن الأَسرَار؛ فَلا أَحد هُنا غَيرهُ مُدركٌ لِمَا يُدرِكه وَما يُحيطُ بِه عِلما، بَل وَعن مَصيرهمَا يَجهلَان، فَيا لَهمَا مِن بَائِسان! وَلثقتهمَا بِمن يَجهلانِ هُويتَه أَحمقَان.

<----«« »»---->

«اِفتحَ فَمك!» قَال فِينياس مُحاولًا دَفع مِلعقةٍ مِن حَساءِ الخُضارِ دَاخِل فَمِ آستَر وَكَذا إِخفاءِ اٍنزعاجِه مِن تَصرفاتِه غَير النَّاضِجة، لَكنَ التَّجاعِيد البَينةَ عَلى جَبهتِه كَانت فَاضحةً لِمشاعِرهِ الحَالية.

«لَا تُعامِلنِي كَالطِّفل!» أَبعدَ وَجههُ مُتخبطًا وَكأنهُ لَم يَكُن مُوشكًا عَلى المَوتِ مِن الأَلمِ قَبل قَليل، فَشعرَ الخَادمُ بِرغبةٍ عَارمةٍ فِي ضَربهِ بِالصَّحنِ وَإدخَال المِلعقةِ فِي أَحد جُيوبِه الأَنفية، وَمع ذَلكَ دَفعَ أَفكارهُ بَعيدًا غَيرَ رَاغبٍ فِي إِزعاجِ ضَيفِهم.

أَخدَ نَفسًا عَميقًا رَغبةً فِي ضَبطِ أَعصابِه، ثُمَ تَحدَث بِصوتٍ هَادِئٍ جِدًا لَا يَمتُ بِأي صِلةٍ لِشخصٍ مُنزعجٍ مِن هَاتِه التَّصرفات، رُغمَ عَدمِ خُلو الكَلامِ مِن العِتاب: «كَفاكَ تَصرُفًا كَالأَطفَال، حِيئذٍ سَأتَوقف.»

بِالمُقابِل بَدى عَلى وَجهِ الأَكبر اِشمِئزازٌ جَراء حَديثه؛ رُبمَا هَذا رَجعٌ كَونهُ أَحسَ بِالإِهانةَ أَنّ شَخصًا أَصغرَ مِنه بِسنواتٍ يُطعمِه وَيُشعرُه أَنهُ مُثيرٌ لِلشَّفقة.

«لِمَ عَليكَ أَن تُطعِمَني بِنفسك؟»

رُغمَ صَوتِ الحَالكِ الحَاد، إِلا أَن الأسمَر مَا يَزالُ مُحافظًا عَلى هُدوءِ نَبرتِه حِين رَد عَليه، -وَإِن تَخللتهَا بَعضُ اللَكنةِ السَّاخرةِ-: «هَل أَنت قَادرٌ عَلى تَحرِيك أَصابعكَ حَتى؟»

هُو عَلى حَقٍ فِيمَا قَاله، لَكن آستَر لَيسَ مِن النَّوعِ الذِّي يَعترِف وَإِن كَان مُتفِقًا دَاخِليًا مَع كَلامِه، وَد التَّقلبَ بَعيدًا عَن وَجهِ فِينياس المُستفزِ -بِالنِّسبةِ لَه عَلى الأَقل- مُتحجِجًا بَأنهُ لَيس جَائِعا رَغبةً فِي طَردِه، وَمُزامنةً مَع إِتمامِه الكَلامَ خَانتهُ مَعدتهُ مُصدرةً قَرقرةً سُمِعت وَكأنهَا صَرخةُ نَجدةٍ فِي وَادٍ سَحيق.

«حَقا؟» أَجابَ كَهرمَانِي العَينين مُميلًا بِرأسهِ قَليلًا مَا جَعل قُرطهُ الأَيسرَ وَالوَحيدَ يُصدرُ خَشخشةً خَافتة، وَيكادُ الآخَر يُجزمُ أَنه رَأى شَبحَ ضِحكةٍ لَه، فَاِرتعَشت عَيناهُ مِن الإِحراج، مُنذ أَن اِندفعَ الدَّمُ إِلى خَديه لِيشعرَ بِالحَرارة، فَفي مَوقفٍ كَهذَا لَا يَتمنى أَي أَحدٍ الوُقوعَ فِيه شَعَر بِالذُّل يَعترِيه.

«هَل يُمكنكَ الخُروجُ وَتركِي أَنام؟»

صَحيحٌ أَن مَشهدَ أَدعجِ الشَّعرِ الخَجول كَان يَستحقُ حَقًا وَقته، إِلا أَن المَطرودَ اِستقامَ مُتنهدًا بِبثٍ مُزيفٍ يَستعد لِسحبِ وَرقتهِ الرَّابحة.

«إِذًا لَم يَبقَ لَدي سِوى هَذا الخَيار، سَأُنادِي السَّيدة مَاريانا.»

مَا إِن وَصلَ كَلامهُ إِلى عَقلِ آستَر وَتمت مُعالجَته كَادَ لِلحظةٍ أَن يَنسَى مَرضهُ وَيقفزَ عَليهِ لِإِيقافِه، فَصاحَ بَدلًا مِن ذَلك: «اِثبت مَكانك!»

اِستدارَ المُخاطَب نَحوهُ مِن جَديدٍ مُحاولًا أَن يَضحكَ عَلى الكُلوحِ المُزينِ لِملامحِ مُخاطِبه، فِي حِين أَن هَذا الأخِير أَخدَ شَهيقًا عَميقًا قَبلَ أَن يَستسلمَ لِلأمرِ الوَاقع؛ فَأَن يُطعمهُ هُو أَفضلُ وَأرحمُ بِكثيرٍ مِن أَن تَفعلَ تَلكَ الوَحش، ثُمَ دَلكَ مَا بَينَ عَينيهِ قَائلًا بِصعُوبة: «هَل يُمكنكَ إِطعامِي؟»

وَما لَا يَعلمهُ أَن كَلماتهُ كَانَت بِمثابةٍ نَسيمٍ عَليلٍ فِي جَوٍ حَارٍ مَر عَلى الأَصغرِ مَا أَكسبَه بَسمةً مَع اِنحناءةٍ صَغيرةٍ بِرأسه مُجيبا: «كَما تَأمُر سَيدِي.»

حينمَا اِنتهَى آستَر مِن تَناوُل طَعامِه اِستلقَى عَلى السَّرير طَالبًا الرَّاحة كَشخصٍ مُرهقٍ مِن الأَعمَال الشَّاقةِ لَم يَحظَ قَط بِقسطهِ الكَافِي مِن النَّوم.

فَجأةً مَد الخَادمُ جَريدةً إِليه مُثيرًا بِذلكَ حِيرتهُ وَاِستغرابه، وَكَما لَو أَن هَذا الأَول عَلى عِلمٍ مُسبقٍ بِالسُّؤال قَبل أَن يَطرحَه وَضحَ مُستطرِدا: «خِلتُ أَنكَ تَودُ الإِطلَاعَ عَلى أَخبارِ اليَوم.»

هَمهم لَازورَديُ العَينينِ مُتفهِما، ثُمَ أَخد الجَريدةَ مِن يَدهِ يَتصفحهَا حَتى وَقعت عَيناهُ عَلى مُرَاده، وَما كُتبَ كَان كَسرًا وَتحطيمًا لِتوقعاتِه، إِذْ مَا كُتبَ كَالتَّالي:

«اِهتزَت مَدينةُ لُندنُ لَيلةَ البَارحةَ عَلى فَاجعةِ مَقتل الفِيكُونت أَلبِرت كَلافلِين، فَقد وُجدَ مِن قبلِ أَحد خَدمِه مَطعونًا عَلى صَدرِه دَاخِل مَكتَبه، وَحَسبَ التَّحقيقاتِ التِّي أُجريت، فَقد أَكدَ الخُبراءُ أَن الفِيكُونت تُوفِي نَتيجةً لِطلقةٍ نَاريةٍ أَصابَت القَلب، فِي حِين أَن السِّكين الذِّي طُعنَ بِه مُجردُ تَمويهٍ لَا أكثر. وَعَلى يَد الضَّحية تَواجَدت وَرقةُ البَستونِي، وَهذا مَا يَقودُ إِلى الجَزم أَن المُجرم هُو بَارونَ الليل لِاِحتواء جَميعِ جَرائمهِ المُتسلسلةِ عَلى أَوراقِ اللَعب، التِّي لَم يَفهم أَحدٌ مَغزاهَا للحِين.

وَلحدِ السَّاعةِ مَازالَت السُّلطاتُ تَعملُ جَاهدةً عَلى إِمساكِ وَلو خَيطًا وَاحدًا يَقودهم إِلى هُويةِ هَذا البَارُون الذِّي أَثارَ الرُّعبَ فِي نُفوس السُّكان.»

«هَذا غَريبٌ جِدا؛ أَكان تَوقعِي خَاطئا؟» تَساءلَ بينهُ وَبين نَفسه بَريبة؛ فَالفِيكُونت ألبِرت كَلافلِين لَيسَ أَحد المُتورطِين فِي تَدمِير عَائلتِه، وَإِذا لَم يَكُن البَارونُ يَقتلُ عَلى هَذا الأَساس، فإِذًا عَلى أَي أَساس؟

أَربمَا يَقتلُ عًشوائيًا وَحسب؟ وَهذَا الاِستنتاج لَم يَكُن مَحضَ كَلامٍ فَقط، وَإنمَا بِسببِ طَريقةِ قَتلهِ العَشوائية، فَعلى حَسبِ مَا لَاحظهُ فِي جَرائمِه السَّابقة فَهوَ يَقتُل وَحسب دُون اِستخدَام طَريقةٍ مُعينة، كَما رَجحَ أَن أَوراقَ اللَعبِ المُتواجِدةِ دَائمًا فِي مَسرحِ الجَريمة مَا هِي إِلا دَليلٌ عَلى هُويته؛ فَهو لَا يُتعبُ نَفسه بِإخفاءِ هُويتِه إِذ أَنه يَستمتعُ أَحيانًا بِإغاضةِ السكوتلَاند يَارد وَالسُّخرِية مِنهم جَراءَ عَجزهِم عَن الإِمساكِ بِه وَهو عَلى مَقربةٍ مِنهم.

هَذا البَارُون حَقًا سَيتسببُ بجُنونِه قَريبا! لَكن فِي ذَاتِ الوَقتِ يَعترِيه حَماسٌ شَديدٌ كُلمَا زَادَت الأُمورُ تَعقيدا؛ فَلا مَعنى لِحياتِه دُون التَّحَديات.

يُتبَع...

<----«« »»---->

لَا إِله إِلّا أَنتَ سُبحانكَ إِنّي كُنت مِن الظَّالمِين.

1856 كلمة.

Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro