Chào các bạn! Vì nhiều lý do từ nay Truyen2U chính thức đổi tên là Truyen247.Pro. Mong các bạn tiếp tục ủng hộ truy cập tên miền mới này nhé! Mãi yêu... ♥

الفَصلُ الأَول: بَارونُ اللَيل.

فِي غُرفةٍ وَاسعةِ المِساحة لَا مَنفَذ لِنورٍ فِيهَا إِلّا مَن سَنا الظَّهيرةِ الَّذِي يَخترقُ السَّتائرَ البَيضَاء، تَبايَنت أَلوانُهَا بَين اللَونِ البُنِي الَّذِي اِكتسَح الرُّفوف وَالمكَتب، واللَونِ الرَّمادِي الَّذِي زَينَ الجُدران، الَّتِي بِدورهَا زُينَت بِنقوشٍ هَندسيةٍ سَوداء، وَافتُرشَت الأَرضيةُ بِساطًا خَشبِي اللَون. وَعلى أَحد الأَرائِك المنجَدة جَلسَ الإِيرل رِيفَن نَايترَاي، وَأَمامهُ مِنضدةٌ فَوقهَا تَكومَت أَعقابٌ مِن السَّجَائر عَلى صَحنٍ زُجاجِيٍ شَفاف مَع العَديدِ مِن المِلفَاتِ الّتِي تَراكَمَت بعَشوَائِية، لَمسةٌ وَاحدةٌ وَستنَهَارُ مُخلفةً فَوضى مِن الَورق.

بَدأَ بِتقلِيب المُستندِ الَّذِي بَين يَديهِ مُتفحِصًا إِياه، ثُمَّ حَملَ الرِّيشةَ وَغمَسها فِي المِدواة عِدةَ مَراتٍ اِستعدَدًا لِلتَّوقِيع، لَكن اِتضحَ أَنّهَا خَاليةٌ مِن المِداد. فَدَلكَ مَا بَين عَينَيهِ بِتعبٍ جَليٍ عَلى المَلامِح، وَاِرتَأى أَن يَأخُدَ قِسطًا مِن الرَّاحةِ ثُمَّ يَطلبَ مِن أَحدِ الخَدمِ مَلأها.

فِي هَذهِ الأَثنَاء، تَناهَى إِلى مَسمعهِ صَوتُ طَرقاتِ البَاب، وَقبلَ أَن يَأذنَ لِلطّارِق بِالدُّخول، كَان قَد وَلجَ الغُرفةَ بِالفِعل غَير عَابئٍ بِالأَداب، أَو كَونَ مَن اِقتحَم مَكتبهُ هُو إِيرل ذَا مَكانةٍ خَاصة لَدَى المَلكةِ فِيكتُوريا.

أَدارَ رِيفَن رَأسهُ نَاحِية الزَّائِر، جَسدٌ مَمشوق، طُولٌ فَارع، بَشرةٌ حَليبةٌ بَيضاء، وَشعرٌ كَسُخامِ اللَيل بَدى، كَما اِلتَمعَ مِحجرَاه بِزرقةٍ لَازَوردِية، يَرتدِي سِروالًا أَسود اللَون، وَصدريةً رَماديةً يَعتليهَا مِعطفٌ رَسمِيٌ بِذاتِ لَون السِّروال.

وَبدلَ اِنزعاجِه مِن قِلةِ أَدبِه، رَسمَ عَلى ثَغرهِ بَسمةً بَاهِتة، يُرحِّبُ بِهَا بِصديقِه العَزيز الَّذِي أَلقَى بِنفسِه عَلى الأَريكةِ المُقاصِدةِ لَه، وَاضعًا يَدًا عَلى خَلفيتهَا وَالأُخرَى بِقبعتِه الدَّعجاء تَعبث. وَعينَاهُ حَول المَكان تَستكشِفان، حَتّى اِستقَرتَا عَلى الإِيرل الَّذِي يبدُو مُتعَبا، وَهذا بَيِّنٌ مِن السَّوادِ الّذِي اِكتَسحَ أَسفَل العَينَين، وَالمَظهرِ المُزرِي.

ضَيقَ الزَّائرُ عَينَيه بِحدةٍ وَهُو يَقول بِرِيبة: «هَذا غَريبٌ بَعضَ الشَّيء؛ لَيسَت مِن عَادتِكَ تَأجِيلُ عَملكَ حَتّى تُصبحَ بِهذِه الحَالةِ المُزرِية. هَل لِي أَن أَستنتجَ أَنّ سَببَ هذَا هُو مَا طَلبتنِي لِأجلِه؟»

وَقبلَ أَن يَسمَع رَدًا مِن رِيفَن، شَخرَ بِسخريةٍ مُضيفا: «وَهل تَأكُل حَتّى؟»

ثُمّ رَمقَ مِطفَأةَ السَّجائرِ المُمتلِئةِ بِاِشمئزازٍ مُعقبًا عَلى كَلامِه: «كَما أَنّ السَّجائرَ لَيسَت طَعاما، أَتتُوق لِهلاكِ نَفسك؟»

كُلّ مَا قِيل لَه تَجاهَلهُ تَجاهُلا؛ فَلا طَاقةَ لِلجِدالِ مَعه، كَما أَنّ اِستغرابهُ مِن قُدومِه البَاكرِ بِالفعلِ يَكفي؛ فَلطالمَا اِعتَادَ رَفيقهُ غَير المَسؤول أَن يؤَجلَ مَهامَه إِلى اليَومِ التَّالِي، لِذا اِعتَقد أَنّه سَيجِيء بَعد اِستلامِه الرِّسالةَ بِيوم لَا فِي لَحظتهَا. ثُمَّ نَطق: «اِعذرنِي عَلى هَذهِ الفَوضى، لَم أَتَوقَع لَحظةً قُدومَك فَور اِستلَامكَ رِسالتِي. تُريدُ القَهوةَ أَم الشَّاي؟»

اِستعَدل المُخاطبُ فِي جِلستِه مُميلًا جِذعهُ لِلأمَام وَهُو يَرد: «شَاي البَابُونج؛ اِشرَبه وَاسترخِي؛ فَلن أَستبعِدَ اِحتمَاليَة مَوتكَ نَتيجةَ الإِرهَاق. وَشكرًا لَستُ بِحاجةٍ لِأي شَيء.»

تَنهيدةٌ طَويلةٌ فَرت مِن شَفتَي الإِيرل تَشِي عَن تَعبِه النَّفسي وَالجَسدِي؛ فَلأيامٍ لَا يدرِي عَددهَا هُو لَم يَنم، كَما أَنّ القَلقَ وَالاِكتئاب سَكنَا دَواخِله؛ مَا أَتلفَ أَعصابه، ثُمَّ نَطقَ بِنبرةٍ خَافتَة تَمكَن الآخَر مِن سَماعهَا دُون عَناء: «لَستُ قَادرًا عَلى الاِسترخَاء، لِهَذا اِستَدعيتك؛ فَهناكَ مُشكلةٌ تُؤرِقنِي وَلِمساعدَتكَ أَنا مُحتَاج.»

أَمالَ أَسخمُ الشَّعرِ رَأسهُ مُركزًا فِيمَا يُريدُ قَولهُ تَاليا، إِذ قَال بِرجَاءٍ وَضعفٍ اِستكَنا فِي نَبرتِه: «أَرغبُ فِي أَن أُعينكَ حَارسًا شَخصيًا لِاِبنِي إِيثَان، فهَل لَك أَن تُوافِق عَلى طَلبِي، وَأَن لا تُخيب رَجائِي يَا آستَر؟»

عِدةُ ثَوانٍ هِي المُدةُ الّتِي اِستغرَقهَا آستَر فِي تَحليلِ وَاِستِيعابِ كَلامِ رِيفَن، لِيضحكَ بِصخبٍ وَهُو يُجيب: «يَا لَها مِن نُكتةٍ مُضحكةٍ سِيادَة الإِيرل المُبجل!»

ثُمَّ كَست عَينَيه طَبقةٌ مِن الجَليدِ الخَام حِين اِسترسلَ فِي كَلامِه: «هَل تَقُول أَنِّي قَطعتُ مَسافةً طَويلةً لِلمَجيئِ إِلى لُندُن مِن أَجلِ شَيءٍ تَافهٍ كَهذا؟»

هَذا الأَمرُ حَقًا مُثيرٌ لِلحَنقِ بِالنِّسبةِ لَه؛ كَونهُ يَرى أَنّ حِمايةَ اِبنِه المُدلل مُجرد مَضيعةٍ لِلوَقت. وَفَوق هَذا هل اِنعَدمَ الحُراسُ الشَّخصيون مِن العَالم كَي يَطلبَ مُساعدته هُو بِالذَّات؟ وَلمَ لَا يَستعِين بِسكُوتلاند يَارد عَلى أَيّ حَال؟! بَينمَا الإِيرل يُدَلكُ صَدغيهِ بتَعبٍ عَلّ صُداعَه يَخف، فَصديقهُ الجَالسُ قُبالتهُ وَالَّذِي مِن المُفترَض أَن يُخففَ عَليهُ وَلو يِالقَليل، يَزيدهُ تَعبًا فَوقَ إِرهَاقه، وَكما لَو أَنّه قَرأَ أَفكَارهُ رَد عَليه: «إِنهُ شَيءٌ حَتّى السّكوتلاند يَارد غَيرُ قَادرةٍ عَلى إِنجَازِه.»

أَمالَ آستَر جِذعهُ إِلى الوَراء، وَسَاقهُ اليُمنَى فَوق اليُسرَى؛ فَها قَد بَدأَ يُثيرُ الأَمر اِهتمَامهُ قَليلا، فِي حِين أَنّ الآخَر بَعثَر خُصلاتِ شَعرهِ المَهقَاء قَبل أَن يُضيف: «بَارونُ اللَيل...»

سَكتَ بُرهة، مَا جَعلَ عُقدةَ تَساؤُلٍ تَظهرُ بَين حَواجِب مَن شَدهُ الفُضول أَكثر لِيرغَب بِأن يُحيط بِالمَوضوع كُلّ عِلم. ثُمَّ اِسترسلَ فِي كَلامه عَقبَ رُؤيتهِ لَمعةَ الفُضول فِي عَينَي هَذا الآخِير: «هُو مَن يَترصدُ بِحياةِ اِبنِي.»

«وَالسَّبب؟»

«لَقد صَادَف وَأن رَأى وَجههُ الحَقيقِي...»

وَلم يَكد يُكملُ كَلامَه حَتى تَمت مُقاطعتهُ مِن قبلِ أَدعجِ الشَّعرِ القَائِل بِتمَلمل: «وَلمَ لَا يُخبر السكُوتلاند يَارد بِمواصَفاتِه كَي تُلقِي القَبضَ عَليه؟»

«دَعنِي أُنهِي حَديثِي أَولا!» اِحَتدتَ زُمرديتَا الإِيرل بِاِمتعَاض؛ فَها قَد بَدأَ صَدرهُ يَضيق، وَصَبرهُ يَنفذ، مَا جَعل آستَر يُبلسُ كَالِحا مُكفهِرا، تنهَد رِيفَن وَيدهُ عَلى جَبينِه المُتجَعد تُمسك، اِنتظَر بِضع هُنيهَاتٍ حَتى اِعتَادَ الأَلم لِيردِف: «جَراءَ الصَّدمَة فَقد إِيثَان الذَّاكِرة حَول مُجريَاتِ أَحداثِ تلكَ اللَيلة.»

حَال اِنتهَائهِ مِن الكَلام نَمت زُهزقةٌ مُستهزئةٌ ثَغرَ الأَصغرِ الّذِي غَمغمَ بِخفوت: «عَلى مَا يبدُو أَنّ اِبنكَ مُدللٌ حَقا.»

لَكن أَذانَ الإِيرل اِلتَقطَت سُخريته، فَاِكفهر وَجههُ فِي الحِين وَاللحظَة، لِيحمحمَ الآخَر رَغبةً فِي تَغيير مَسارِ الحَديث؛ فَصديقهُ لَو غَضب لَن يَكُون بِأمَانٍ حَتما، وَهذا بِالتَّأكيد عَن تَجاربَ سَابقةٍ عَاش فِيهَا الأَمرين.

«بمَا أَنّه فَقد الذَّاكِرة، كَيفَ عَلمتُم أَنّه رَأى وجهه؟»

«لَقد أَخبرنَا بذلكَ بِفمهِ قَبلَ فُقدانِه الوَعي.»

هَمهمَ بَعضًا مِن الوَقتِ مُتخدًا وَضعيةَ التَّفكِير، مَهمَا فَكر وَفَكر، فَطلبهُ لَن يَعودَ عَليهِ بِالسُّوء؛ عَلى العَكسِ مِن ذَلك؛ فَرغبتهُ الجَامِحة فِي القَبضِ عَلى بَارونِ اللَيل عَلى مَقربةِ شعرةٍ مِنه وَستتحَقق بِإذنِ الرَّب، لِذا قَررَ المُوافقةَ مُستطرِدا: «أَنا مُوافِقٌ عَلى العَمل.»

تَهللَت أَساريرُ رِيفَن جَذلًا حَال سَماعهِ المُوافقةَ عَلى طَلبه، فَتنَاسَى سَريعًا أَلمَه وَراحَ يَشكُره بِاِستمَالة: «مُمتنٌ جِدًا لَك...»

بُتبرَ الحَديثُ مِن طَرفِ آستر الّذِي لَحن كَلامَه التَّالِي بِمرَح: «حَتّى وَإِن كُنتُ صَديقَك، فَأنَا أُريدُ أُجرتي؛ لَن أَعمَل بِالمَجان. وَلا أَظنهُ بِالأَمر العَسيرِ عَليكَ، صَحِيح؟»

وَكمَا قَال هَذا الأَمر لَيسَ بِالصَّعب، يُمكنِهُ أَن يَدفَع لَه بِقدرِ مَا يَشاء، لَكنَ المُهم هُو سَلامةُ فِلذةِ كَبدهِ الّذِي لَن يُعوَض مَهمَا حَصل.

«سَأَدفعُ لَك مَا تَشاء؛ فَقط أُريد اِبنِي بِأمَان.» نَبسَ بِارتِياحٍ عَلا تَقاسيمَ وَجهه؛ فَآخِيرًا مَا عَادَ سَبيًا لِلهواجِس السَّيئةِ الّتِي تُطاردُه، وَكلّهُ ثقةٌ أَنّ صَاحبهُ العَزيز لَن يُخيبَ ظَنه وَثقتهُ بِه.

<----«« »»---->

حَالمَا أَوصَى كَبيرَ الخَدمِ بِإعدادِ كُوب شَايٍ مِن البَابونج وَالخُزامَى لِريفَن وَعدم تَركِه يَعمل حَتّى يَأخدَ مِن الرَّاحة قِسطهُ الكَافي، رَاحَ يَتجولُ بَين أَروقةِ القَصرِ الشَّاسعة، وَالَّتِي لَم تَختلِف كَثيرًا عَما يَتذكرهُ مِن آخرِ مَرةٍ زَارَ فِيهَا هَذا القَصر.

وَبدلًا مِن أَن يَرتَاحَ كَما طُلبَ مِنه، هَا هُو ذَا يَقفُ أَمامَ بَاب بُنيٍ ضَخم، نُقِشتَ عَليه نُقوشٌ نَباتية تَروقُ لَلعيان، وَمن دُون أَن يَطرقَ البَاب أَو يَستَأذن، دَلفَ الغُرفةَ الَّتِي لَم تَقل فَخامةً عَن الخَارج، أَرضيةٌ رُخامِيةٌ مِن شَدةِ لَمعانِها يُمكِنُ رُؤيةُ اِنعكَاس الشَّخص، وَجُدرانٌ اِكتَست طلةً بَهيةً زَرقَاء مَع نُقوشٍ فِضيةٍ غَرّاء.

وَفي الشُّرفةِ الوَاسعةِ مَفتوحةِ الجَناحَين وَجدَ ضَالتَه، صَبيٌ تَجاوزَ العَقدَ مِن عُمره، نُسخةٌ طِبقَ الأَصل عَن الإِيرل؛ شَعرٌ أَمهق أَملس بِخصلةٍ جَانِبيةٍ طَويلة، عيونٌ مِن الزَّبرجد الأَغرّ، وَبشرةٌ بَيضاء كَاليَشم، وَقد اِمتلكَ كَذلكَ بَهاءً لَا يَكمُن إِلّا فِي الفَتيات، وَلو لَا عِلمهُ التَّام بِكونهِ فَتى لَأخطَأهُ بِالفَتاة، يُحدقُ بِه بِتقطيبةٍ بَين حَاجِبيه، وَعلى مَا يبدُو أَنّه قَد قَاطَع وَقت قِراءتهِ المُسالِم، لَكن مَن يَهتم؟

«مَن أَنت؟»

سُؤَالٌ جَعلهُ يَلتفتُ إِلى سَائِله، وَقد كَان شَابًا فِي العشرِينيَات مِن العُمر، وَبالنَّظرِ إِلى مَلابِسه اِستَطاعَ التَّكهنَ بِكونه خَادما. اِمتازَ بِشعرٍ بُني مُسرحٍ إِلى الخَلف، وَعينَان عَلى ضِياءِ الجُرمِ السَّماوِي تَلمَعان كَحجرِ الكَهرمَان الزَّاهِر، كَما اِمتلكَ بشرةً سَمراء وَشامةً قُربَ عَينِه اليُمنَى.

وَكإِجابةٍ عَلى التَّساؤُل هَز كَتفيهِ قَائلا بِنبرةٍ اِعتيَادِية: «أَنا الآخَر أَتساءَل حَول هُويتِي.»

وَكمَا هُو مُتوقعٌ فَنظراتُ الحِيرةِ وَالاِستغرَاب كَست مَلامحَ الآخَرَين، وَهذا قَبل أَن يُهسهِسَ بِالآتِي، وَنبرةُ الغَيظ مُتجليةٌ فِيها: «مِن مُستشارٍ فِي التَّحقِيق إِلى حَارسٍ شَخصي لِاِبنٍ مُدلَل.»

لَونٌ قِرمزيٌ غَامق كَسى وَجه إِيثَان، وَعيناهُ بِالغَضب تُشعان، ثُمَّ صَاحَ بِاِستهجَان: «مَن تَقصدُ بِالاِبن المُدلل؟»

«الّذِي يَجولُ فِي بَالك.» أَجابَ المُحَدثُ بِتململٍ حِينَ اِستكَان عَلى الكُرسِي ذِي الأَذرُع المُقابِل لِكُرسي إِيثَان الّذِي صَكَ عَلى أَسنَانِه بِغيظ هَاتِفا: «أَنت...»

وَبنبرةٍ مُستمتعةٍ بِملامحِ الأَصغرِ المُغتَاظةَ لَحنَ آَسترَ كَلامَهُ قَائِلا: «اِحترِس مِن أَلفَاظك، وَتذَكر أَدابَ النُّبلاء.»

زَفير، شهَيق، عَمليةٌ تَم تِكرارهَا مِرًارً مِن طَرفِ يَققِ الشَّعر؛ رَغبةً مِنه فِي تَهدئةِ نَفسهِ المُهتاجَة، وَعقبمَا أَفلحَ فِي ذَلكَ نَبسَ وَيدهُ عَلى كَتابهِ المَوضوع عَلى حجرِه تَطرُق: «لَقد قُلتَ أَنّكَ مُستشارٌ فِي التَّحقيق، أَليس كَذلك؟»

هَمهمَ كَرد، وَحاجِباهُ بِاِستنكَارٍ يَتدلَيان؛ فَما مُرادُ هَذا الصَّغير مِن هَذا التَّساؤُل؟ وَسَريعًا عَلى إِجابةٍ تُشفِي فُضوله تَلقَى.

«أَلا يَعنِي أَنّكَ شَخصٌ فَاشِل؟ لَست مُحققًا حَقيقيًا حَتى. لِمَ لَا تَعُود إِلى بَيتك وَتعتمِدُ عَلى أُمكَ لِإِعالتكَ وَتترُكني وَشأنِي؟»

رَأى إِيثَان شَفتَي الأَكبر تَعلوَانِ فِي اِبتسامةٍ سَاخِرة، وِببلادةٍ أَجاب: «خَسئتَ أَيهَا الفَتى؛ وَالدتِي مُتوفَاة. كَما أَنّي لَستُ فَاشلا؛ فَمن تَصبُو للِاِنضمَام إِليهم، حَال عَجزهِم عَن حَل أَحد قَضاياهم، لِمساعدتِي هُم مُتلهِفون.»

لَحظاتٌ عَجز فِيهَا الصَّبي عَن الكَلامِ نَدمًا لِمَا تَفوَه بِه، لَكنَ مَظهرهُ غَيرُ المُبالِي بِوفاةِ وَالدِتِه، جَعل نَدمَه يَندثرُ وَكأَنّه لَم يَتوَاجَد، وَقد عَقد العَزمَ أَن لَا يُبالِي فِي المرةِ القَادمةِ بِمَشاعِره، وَهذَا إِن تَواجَدت؛ فِلطردِه هُو رَاغبٌ وَبشدَة.

وَلأَنّه اِستَطَاع اِكتشَافَ حُلمِه بِسهُولة، عَلت عَلى أَمارَاتِه الحِيرةُ وَالدَّهشةُ فِي آن.

«كَيفَ عَلمت؟»

بِسبَابتِه اليُمنَى أَشارَ آستَر إِلى الكُتبِ المُلقاةِ بِمحَاذَاة إِيثَان، وَالَّتي اِشتَركَت كُلّهَا فِي مَوضوعٍ وَاحِد، أَلا وَهُو شُرطةُ العَاصِمة؛ السّكُوتلاند يَارد. ثُمَّ أَعقَب عَلى كَلامِه وَرأسهُ مُسندٌ عَلى يَدِه الأُخرَى: «كَان مُجردَ تَكهنٍ لَكنكَ أَثبتهُ لِي الآن.»

ثُمَّ أَضَافَ قَائلا: «إِذَا وَددتَ طَردِي، فَاِذهَب وَتوَسل باكِيًا إِلى أَبيك، سَأكُون سَعيدًا بِهذا.»

اِفتَر ثَغرهُ وَهُو يَرى الفَتى وَاجما، وَحَالمَا تَأكَد أَنّ جِدالهمَا الطُّفولِي اِنقَضى، صَوب تَركِيزهُ تِجاهَ الخَادمِ مُستهلًا فِي الاِستجَواب.

«مَا اِسمك؟»

«فِينيَاس هَافرفِيلد. يُمكِنكَ مُنَادَاتِي بِفينيَاس.»

«كَم مَضى عَلى عَملكَ هُنا؟»

«ثَلاثُ سَنوات.»

وَمَع كُلّ سُؤَالٍ يَسألهُ أَدعجُ الشَّعر يُلاقِيه فِينيَاس بِردٍ مُهذبٍ وَاِبتسامةٍ لَطيفة، وَبشكلٍ مُخيفٍ جِدًا فِي نَظره.

عَجلًا تَدخَل إِيثَان فِي مُحادَثهمَا مُوجهًا الكَلامَ نَاحيةَ المُستجوِب: «مَا حَاجَتكَ لِمثلِ هَذِه الأَجوبة؟»

بِصبرٍ شَديدٍ تَجاوبَ آستَر مَع تَساؤُل الصَّبي فِي حِين أَنّه يَعبثُ بِقبَعته؛ فالعَبث بِمَا يَتواجَد فِي مُتناولِ يَده عَادةٌ رُسخَت مُنذ الصِّغر: «وَجَب عَلي التَّحقِيق مَع الأَشخَاص الّذِين يَحُومونَ حَولك.»

بَرطمَ إِيثَان مُتضايقا؛ فَكلامُه البَتة لَم يَستحسِنه، ثُمَّ نَبَس بِهدُوء؛ فَأحبالُه الصَّوتية حتمًا سَتنقطعُ لَو وَاصلَ الصِّياح: «أَتقصدُ أَنّكَ تَشكُ بِفينِي؟»

«الجَميعُ مُشتبهٌ بِه، لِذا لَا تُقلِل حَذركَ مِن الأَشخَاصِ حَولك، وَكفاكَ ثِقةً عَمياء بِالآخرين. وَطبعًا لَا أَقصدُ تَغييرَ مُعامَلتكَ مَعهم، كُلّ مَا أَبتغِيه هُو أَن تَدعنِي أُنجِز عَملِي دُون إِزعَاج.»

«مِن مُنَطلقكَ هَذا، أَلستَ وَاحدًا مِن المُشتبَه بِهم؟» اِستفسر الأَصغرُ وَعقدةُ اِستفهامٍ اِنبثَقت بَين حاجِبيه، ليهَتف الأَكبرُ بِإِعجاب: «يبدُو أَنّكَ سَريعُ التَّعلم! أَجل، لَستُ مَوضعًا لِلثِّقة أَيهَا الصَّغير وَلن أَكون.»

لَيس سَيكذبُ لَو قَال أَنّ هَذا الشَّخصَ الّذِي عُينَ كَحارسٍ شَخصيٍ له هُو أَغربُ إِنسانٍ قَابلهُ فِي حَياتِه، كَما لَن يَكذبَ لَو قَال أَنّ سَخطهُ تِجاههُ بَلغ عنانَ السَّماء. بَينمَا فِينيَاس يُشاركِه فِي رَأيهِ الأَول، وَكَذا يرَى أَنّه مُثيرٌ لِلاِهتمَام، مَا جَعلهُ يَود التَّعرفَ عَليه أَكثر.

<----«« »»---->

وُرودٌ ثُلاجِيةٌ اِصطفَت عَلى أَربعِ جَوانب مِن الحَديقة، أُحيطَت بِالأَعشابِ المُقلمة بِعناية، وَفي وَسطِ الدَّائرةِ الَّتِي شَكلتهَا تَواجَدت طَاولةٌ مُستديرةُ الشَّكل وُضعَ عَليهَا مَا لَذ وَطاب مِن مُكسرات، عَجائن، كَعكَات، وَشايٍ حُلو الرَّائحة.

ثَلاثةُ أَشخاصٍ حَولهَا اِجتمَعوا، أَولهم شَابٌ لَم يَتجَاوزَ عَقدهُ الثَّالث بَعد، أَدهمُ الخُصلاتِ وَالعَينَين، حِنطيُ البشرة، ذُو بُنيةٍ وَجسدٍ قَويين، كَما اِمتازَ بِندبةٍ طُوليةٍ عَلى العَين اليُسرَى؛ نَتجَت عَن إِصابتِه فِي الحَرب الإِنجليزِية الأَفغانِية الثَّانِية الَّتِي شَاركَ فِيها. ثَانِيهم كَهلٌ قَصيرُ القَامة، بَدينُ الجِسم، أَسمرُ البَشرة، عَسليُ العَينَين، وَبُني الشَّعرِ الّذِي يَكادُ يَتحولُ إِلى الأَبيض؛ فَالشِّيب بَدأَ بِزرعِ جُذورِه بِالفِعل. وَآخرُهم، الّذِي هُو أَصغرهم بِالفِعل؛ حَيثُ اِنقضَى هَذا العَام مِن عُمرهِ سِتةً وَعشرين سَنة، اِمتلكَ بَشرةً بَيضاء حَليبية صَافِية، شَعرًا مُنسدلًا بِطولٍ عَلى الظَّهر، يَبدُو كَخيوطِ المِغزَل الذَّهبي، وَمحجرَينِ اِلتمَعا بُزرقةٍ أَوبالِية. طَويلُ القَامة، وعَريضُ المِنكبين، كَما لَه هَالةٌ تَنضخُ بِالحكمةَ وَالفِطنة، مَا جَعل الأخرينِ يَحترمَانِه رُغمَ دُنوِ مَرتبتِه كَإيرل مُقارنةً بِهويتهمَا كَدوق وَماركِيز.

أَثنَاءَ نِقاشاتِهم الّتِي تَتمحَورُ حَول السِّياسةِ وَأوضاعِ البِلاد، قَدمَ خَادمٌ مُحملٌ بِظرفٍ أَحمر اللَون، لَا كِتابةَ عَليهِ تَدل لِهويةِ المُرسل أَو لِمَن هُو مُرسل، لَكِن زَهرةَ الزَّنبق البَيضاء المُرفقة مَعهُ دَليلٌ كَافٍ لِيدركَ الحُضور هُويةَ المُرسل.

بِالاِستعانةِ بالمديَة فَتحَ الأَصغرُ الظَّرف لِيقَرأَ الرِّسالةَ بِصمت، فِي حِين أَنّ الآخَرانِ يَنتظرانِه بِصبرٍ أَن يُتمَ القِراءة، فَيعرفَا بَعدئذٍ فَحواها، الّذِي جَعل هَذا الأَول يُجعدُ حَاجبيهِ بِاستغَراب، مَا جَعل الدُّوق إِرنِست فَالكِيري ذَا الشَّعرِ وَالعَينَين الّذانِ تَغلفَا بِالسَّواد يَتساءل: «مَا الأَمر مِيريث؟ أَحدثَ شَيءٌ مَا لِلزَّعِيم؟»

هَز مِيريث كلَافلين رَأسهُ نَافيًا كَلامَه، ثُمَّ رَد بِبسمةٍ هَادئةٍ وَقتَ حرقِه الرِّسالة: «كَلا، كُلّ مَا فِي الأَمر أَنّه تَم تَعيينُ حَارسٍ شَخصيٍ لِابنِ الإِيرل نَايتراي، وَيقُول أَن نتركَ أَمره لَه، لِذا مُنعَ عَلينَا مَسهُ بِأي سُوء.»

هَمهمَ الدُّوق مُتفهما، بَينمَا المَاركِيز دُوغلاس بَاركَر نَبسَ بَعد تَنهيدةٍ طَويلة: «الزَّعيمُ حَقًا شَخصٌ غَريبٌ وَغامِض!»

ثُمَّ أَضافَ مُتمتمًا بِخفوتٍ وَهو يَرتشفُ مِن شَايه: «أَتساءَل حَول هُويتِه.»

وَمجددًا أَعقبَ عَلى كَلامِه عَقبمَا طَرأت عَلى بَالهِ فِكرةٌ مُثيرَة: «مَاذَا لَو كَان فَتاة؟»

لَكنَ فِكرتهُ الَّتِي رَأهَا مُثيرةً لِلاهتمَام، لَم تَنل اِستحسَان إِرنست الّذِي صَاحَ بِاِستهجَان: «لَا تَمزح؛ مُحالٌ أَن أَعمَل تَحتَ إِمرةِ اِمرأة!»

«أَيهَا الدُّوق!» هَتفَ مِيريث وَسَبابته اليُمنَى تَطرقُ عَلى الطَّاوِلة بِهدُوءٍ مُخيفٍ كَما عَينَيهِ الحَادتَين، فَاِبتلعَ الدُّوق لِسانَه رَوعة، وَيردفَ الأَول مَا تَبقَى مِن كَلامِه: «سَواء أَكانَ اِمرأة، رجُلا، عَجوزا، أَو طِفلًا صَغيرا، ذَلكَ لَا يَهمنِي؛ فَقد اِكتسَب اِحترامِي وَاحترامَكمَا بِذكَائِه وَحنكتِه لَا بِجنسهِ الّذِي نَجهلهُ إِلى حَد الآن.»

يُتبع...

<----«« »»---->

الحمد لله، الله أكبر، لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

2037 كلمة.

Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro