الفصل عشرون
مرحبا قرائي الغاليين
استمتعوا
*
نخاف من الأحلام و هي بعيدة
نخاف منها حتى وهي قريبة
لا يمكن أن نتجاهل دقات قلوبنا التي تتغذى على أعصابنا
نرسم بسمة الانتصار لكن هناك لحظات الضعف دائما يجب أن تسبق لحظات القوة
*
تلك اللحظة التي انتهيت فيها من تسجيل أوّل ألبوم ، أول عمل حقيقي لي شعرت أن الدنيا تخون نفسها بجعلي راضية و سعيدة لهذه الدرجة
منذ تلك اللحظة و أنا أعيش في ترقب
دائما ما أجلس و أرتب كل الأحداث الأخيرة في حياتي
يعقوب بات لي و أنا له منذ البداية
تم تسجيل الألبوم و كل المتخصصين في المجال و العارفين به ممن أخذ رأيهم يعقوب به أكدوا نجاحي و نجاحه
التحضير للحفل يسير نحو نهايته و قبل قليل فقط انتهيت من آخر بروفة
كل هذا يجعلني غير مطمئنة خصوصا أن كل شيء سار بسلاسة
هكذا نحن تعودنا على الأشياء السيئة ، تأتي من حيث لا ندري مخربة فرحة ما نقوم به
تنهدت أضم وجهي و في تلك اللحظة شعرت بيعقوب يجلس بجانبي ثم وضع كفه على ظهري
ربت علي بهدوء و نبس اسمي ، اسمي الذي اختاره لي هو
" مريم "
فأجبته و أنا لا أزال على حالي
" أنا خائفة يعقوب "
" احساس طبيعي "
لكنني أبعدت كفيّ و رفعت نظراتي أحدق أمامي ، نفيت ثم التفت ناحيته بجانبية
" ليس خوف عادي يعقوب .... إنه خوف مرتبط بتشاؤم "
" لا تثقين بالحياة ؟ "
فأومأت حينها ابتسم و ضم كفيه معا محدقا أمامه هو الآخر
" و لا أنا أثق بها ..... لكنني مستعد لكي أتحداها "
" ليت الأمر كان بالتحدي فقط و لكن ..... أنا لا أعلم حتى كيف أشرح لك الامر "
" بدون أن تشرحي يا مريم ... أنا أفهم شعورك و لكن عليك أن تعلمي أن الفشل معيار للنجاح "
عكرت حاجبي و هو التفت ناحيتي أخيرا
" لا تستغربي لأن الانسان منا اذا لم يذق طعم الفشل لن يستمتع بلذة النجاح "
" لكنني فشلت كثيرا "
" أنواع الفشل تختلف يا مريم و عليك أن تمزي ما كنت فيه و ما أنت مقبلة عليه ....... ما تسمينه فشل لم يكن فيه حتى محاولة للنجاح لذا لا يسمى فشلا "
" اذا تتوقع فشلي ؟ "
" أنت ناجحة ، ناجحة للغاية يا مريم بشهادتي و بشهادة جميع من أغرموا بعزفك و أناملك يا لحني المفقود "
قالها ليمسك بكفي و يقبلها برقة و أنا رسمت بسمة
" لكن في زمننا هذا كل شيء بات مرتبط بالجمهور الذي بات صوته مسموع أكثر من السابق "
حينها تنهدت بخوف من جديد مغمضة عيني
" و هذا أكثر ما أخاف منه "
" حتى باغانيني لم يحضى بالاعجاب في بداياته "
وقتها فتحت عيني و هو ابتسم أكثر
" لا تخافي الجميع سوف يغرمون بك ..... اذا كنت أنا وقعت لك منذ أول لحظة رأيتك بها و انتشلتيني مني "
" سوف أقبل بجميع النتائج و لكن اذا لم ننجح سوف أعوضك عن خسارتك "
" لم أطلب منك ذلك "
" روز و رغم خيانتها تمكنت من أخذ ما لا يقل عن ربع ثروتك و هذه خسارة كبيرة لك "
" لو لم تخني كانت سوف تأخذ النصف .... إنها غبية "
قالها مازحا و أنا ابتسمت ثم اقتربت ، وضعت رأسي بحضنه متمددة على الأريكة فخلل أنامله بين خصلاتي و كم شعرت بالراحة و المتعة ، الأمان كان يضمني بحضنه فكيف لا أستمتع ؟
*
إن قلت أنني لست متوترا سوف أكون كاذبا
إن قلت أنني لست خائفا و متفائلا فقط بالنجاح سوف أكون أكثر كذبا
و لو قلت أنه حتى لو فشلنا سوف نعيد الكرة بدون أي مشاعر سلبية كذلك سوف أكون كاذبا لأنني أخاف أكثر من مريم
وضعت الغطاء عليها بعد أن وضعت الوسادة تحت رأسها ، ربت عليها بهدوء ثم دنوت و قبلت جانب جبينها
" نامي يا وطني الصغير "
تركتها تأخذ كفايتها من الراحة و النوم لتكون على استعداد غدا و أنا وجدتني مثل كل مرة تكون لدي حفلة
الأرق رفيقي ، و كلما كان الأرق يرافق لياليّ كنت ألجأ لهاريسون
لكن هاريسون ما عاد موجودا في حياتي
أخذت سترتي و وشاحي ثم غادرت منزل مريم ، وضعت كفي بجيوب سترتي التي أقفلت أزرارها و سرت في شوارع لندن الباردة ، الربيع يقترب من نهايته لكن الأجواء هذه السنة لا تزال باردة بالفعل
كأنها تأخذ من قلوب من هم حولنا
سرت بدون أن تكون لي وجهة محددة و في النهاية عندما تعبت قدماي اتخذت مقعدا من المقاعد المنتشرة في الشارع القريب من المنتزه
أسندتني عليه رافعا رأسي نحو السماء ، كانت صافية فأغمضت عينيّ ، سكنت لبعض الوقت حينها سمعت أصوات التصفيق القوية و الضوء أزعج عيني بقوة
تلك لم تكن سوى ذكريات نجاحي الأول و أتمنى نعود و نعيشها غدا مرة جديدا
أتمنى أن يتقبل جمهوري يدي التي ستعزف لهم بدلا عني ألحاني من الآن و صاعدا فقد حان الوقت حتى أحقق النجاح في مجال واحد و أكون الأقوى بدون منازع
و بينما أنا على حالي شعرت بشخص يجلس في المكان الفارغ على المقعد بجانبي
فتحت عيني و لم أحتج أن ألتفت حتى أعلم من يكون الجالس
" علمت أنني سوف أجدك تتجول "
لم أجبه لأنني تجاوزت غضبي منه مرة فحسب و هو الآن يستثير كرهي و غضبي نحوه
" يعقوب أنا آسف "
حينها لا أدري كيف تحركت ساحبا اياه ليستقيم و لكمته صارخا بقوة
" تبا لك "
وقع أرضا لكنه لم يستقم ، لم يحاول الدفاع عن نفسه و فرد ذراعيه على الأرض محدقا في السماء و أنا أشرت له بسبابتي
" حاولت أن أتجاوز هذا الأمر لأن روز لم تعد تعنيني لكن كونك تجرأت و أقمت علاقة مع امرأة كانت زوجتي هو ما يجعلني راغبا في قتلك أيها الوغد "
ركلت ساقه بقوة و مضيت في طريقي غير آبه به لكنني وجدته يركض بعد برهات خلفي ، تجاوزني بينما يعرج بخفة ثم وقف بطريقي ، أعترضها فاتحا ذراعيه
" اضربني أكثر يعقوب فأنا أستحق ..... أعترف أنني حقير ، خائن و وغد لكن لا يمكنني أن أفرط بصداقتنا "
" لكنك فرطت بها منذ ضعفت و استجبت لشياطينك "
" لا تنسى أننا درسنا اللعنة عند ذات الشيطان ..... نحن قمنا بالكثير من الأمور الفضيعة "
" لكن و لو لمرة طعنا بعضنا .... "
حينها ضمني الوغد ، لقد تمسك بي كأنه غراء و صرخ
" أنا آسف يعقوب ..... آسف جدا و أعلم أنني أستحق الموت "
حينها أبعدته و ضربته بدون توقف و بدون أن أعلم أين أضربه و هو فقط ضم رأسه و كان يضحك بصوت قوي
" مت .... مت اذا أيها الوغد "
و مرة أخرى عاد يضمني و أنا هدأت و لم أتمكن من امساك نفسي بدون أن أبادله و ضربت بقوة على ظهره
" يعقوب أنا ممتن أنك حاولت أن تعيد ايلا لي "
" أنت لا تستحقها "
" سوف أحسن من نفسي حتى أستحقها "
" لقد سامحتك و لكن لن أدفع عنك مند الآن يا هاريسون لا تزرني ولن أزورك إلا أنك ستبقى أنت محامي و مستشاري القانوني "
*
علقت فستاني الذي اشتريته حتى أحضر أول حفلة لمريم ، صديقتي الجديدة و الوحيدة بباب الخزانة
ابتسمت بسعادة ضامتا كفي معا ثم تراجعت و جلست على طرف سريري
أملت رأسي حينها هاتفي بجانبي اهتز فالتفت له و لم يكن سوى هاريسون
فككت كفي و أخذت الهاتف لأرد متصنعة البرود
" نعم ألم نقفل قبل ساعة "
لكنه صرخ ببهجة و فرحة
" لقد حصلت على دعوة للحفل من يعقوب شخصيا "
" أنت كاذب فهو لم يعد صديقك "
" لكنني لا أزال ممثله القانوني ... و بمرور الوقت سوف أستعيد كامل ثقته بي "
" أنت تحلم بالتأكيد "
" كفاك تحطيما لمعنوياتي ..... غدا سوف أمر عليك و نذهب سويا للحفلة "
" لا أريد الذهاب معك "
قلتها بدلال لكنه رد باصرار
" أنا ألح في ذلك "
" قل أرجوكِ ايلا "
" لن أرجوك سوف تذهبين معي و لن تذهبِ مع غيري "
" لا يوجد أساسا غيرك "
" اذا هيا أريد قبلة ما قبل النوم "
" هاريسون هل يوجد جدار بقربك ؟ "
" أجل .... أنا أسندني عليه "
" اذا التفت و خذ منه قبلة ما قبل النوم "
قلتها و لم أعطه فرصتا مقفلة بسرعة ، عقابا له على ما فعله حرمته من القبل إلى أن نتزوج لهذا هو مصر على الزواج و أنا مصممة على الخطوبة فقط الآن
*
قلبي
كل شيء متعلق بقلبي
كل أمور البشر متعلقة بتلك الآلة التي نأبى الاستجابة لها لكن في النهاية هي من تتحكم بنا و لو حاولنا التظاهر أننا بشر عقلانيين
كنت أجلس أمام المرآة ، المرآة الموجودة في الغرفة التي خصت لي لكي أتجهز في المسرح
تم الانتهاء من تجهيزي بعد ما استغرقوا وقتا لا بأس به
اخترت ثوبا أسود و بقدر بساطته بدى راقيا للغاية
أقفلت المصففة الباب بعد أن خرجت و أنا التفت محدقة بحقيبة الكمان التي جلبها يعقوب رغما عني إلى هنا
إنه آخر كمان صنعه أبي ، الهدية التي أهداني اياها و قال يعقوب أنه وسيلته حتى يصالح أمي و أنني وحدي القادرة على تقريبهما من جديد
ألم يتهمني أنني من أبعدتهما ؟
تنهدت ثم وجدتني أستقيم و أسير نحوه ثم وقفت بقربه ، قربت كفي المرتجفة نحوه لكنني عجزت عن فتح الحقيبة
" أنا لم أسامحه ولا أريد أن أسامحه "
" لا تسامحيه .... هو لا يطلب سماحك "
التفت بسرعة فلم يكن سوى يعقوب ، يحمل بيده لوح شكلا و يأكل منه ، عكرت حجبي و هو اقترب بعد أن أقفل الباب و وقف أخيرا أمامي مقربا مني لوح الشكلا
" خذي إنها تخفف التوتر "
" لا أستطيع أكل شيء و إلا تقأيت على المسرح "
" خذي يا مريم فأنا ذا خبرة "
عندها أخذتها منه و وجدتني آكل ، بداية بدى صعبا أن آكل الآن و لكنني أكلتها فعلا و هو فتح الحقيبة و أخرج الكمان
عندما انتهيت من الشكلا هو ابتسم و قدم لي الكمان
" كمانك قطعت أوتاره ولا يوجد إلا هذا حتى تعزفي "
توسعت عيني لكنه بسرعة دنى و قبل أن أصرخ به قبلني ، أخرسني و أقنعني بطرقه لكن غضبي بداخلي نحو أبي لا يزال كما هو ، أريد أن يهدأ
ابتعد عني ثم سلمني الكمان و رتب ستره عليه ثم رفع خصلاته و ابتسم بطريقة يعقوب اللعوبة و الواثقة
" كيف أبدو لكِ "
" وسيم للغاية ...... و لكن هل تعتقد أن الجمهور سيتقبل خداعنا له ؟ "
حينها وضع كفيه على ذراعي و ابتسم بحنان
" ما نفعله ليس خداعا فقط طريقة مبتكرة لنقدمك و نثبت لهم أنه يس يعقوب عوّاد فقط من يستحق أن يُستمع لعزفه "
" لكنني خائفة من رد الفعل "
" كيفما كان نحن سوف نمضي في طريقنا "
قبل جبيني ثم ابتعد
" سوف أسبقك للمسرح و مثلما اتفقنا "
" حسنا يعقوب "
" هيا لا تخافي فاليوم سوف تكونين مريم ، مريم عوّاد للنهاية "
تركني مغادرا و أنا رفعت الكمان الذي بيدي و حدقت به ، تنهدت ثم التفت للحقيبة ، أخذت الوتر ثم غادرت الغرفة و طوال سيري بالرواق المؤدي للمسرح كانت دقاتي تسابقني
متوترة ، خائفة ، غاضبة ، سعيدة و حزينة بذات الوقت
هكذا نحن البشر نجمع كل التناقض في ذات المكان و ذات الزمان
وقفت خلف المسرح أين خصص لي يعقوب المكان ، تجهزت عندما وضعت الكمان على كتفي و أسندت فكي عليه و يعقوب كان يحمل كمانه مستعدا لابعاد الستائر
قال أنه سوف يمهد لي الطريق نحو الأضواء ، سوف ينسحب في لحظة و يعود ليقف في مكاني الآن و أنا .... أنا سوف أكون مكانه و كل الأضواء مسلطة علي وحدي
أنا من هربت كثيرا من الأضواء حتى أضواء الشوارع
تم الاستعداد و رفع الستار عن يعقوب حينها بدأ الهتاف القوي و التصفيق الذي بدى و كأنه لن ينتهي و بقدر قوة التصفيق قلبي دق مجاريا الوضع ، أغمضت عيني بعد نفس طويلا و ما إن سمعت الاشارة حتى بدأت العزف
*
آخر مرة
عندما تقبل على فعل شيء تحبه لآخر مرة سوف يكون ذلك شعورا جارحا و مؤلما
عندما تقف تحت الأضواء التي تعودت عليها مستعدا للانسحاب سوف يكون ذلك أقسى ما يحدث في الحياة
لكنني الآن لست مجروحا ولا متألما
لا أشعر بالقسوة ولا حتى بالتعاسة
أنا مبتهج لكن هناك خوف ، خوف يسيطر علي
خائف أن تجرح مريم و تيأس فتتغلب عليها كاثرين الموجودة داخلها
إن العطاء ألذ بكثير من الأخذ
لقد تعودت أن أمنح ما بجيبي لكن ما في قلبي لم يطالبني به أحد
إلى أن جاءت تلك الفتاة من تلك الليلة التائهة
لم تنظر أبدا إلى ما يوجد بجيبي بل وضعت كفها على قلبي و هو أكثر ما لمسني
تظاهرت أنني أحرك الوتر على أوتار الكمان و الجميع ، جميع الحضور بدو سعداء و مستمتعين بالعزف
انتهيت من المقطوعة الأولى و باشرنا بالثانية و الأجواء كانت لا تزال مبهجة حينها التفت للمخرج و أعطيته الاشارة فتحول الستار الأسود خلفي لشاشة كبيرة ، شاشة ظهرت عليها مريم و أنا توقفت عن العزف
رفعت الكمان في كف و الوتر بكف و مريم سارت بينما تعزف حتى وقفت بجانبي على المسرح ، أما أنا كنت مشغولا بمراقبة وجوه الحاضرين ، الجميع اختفى حماسه
لقد جاءوا هنا و هم مقتنعين أنهم سيحضرون حفلة ليعقوب عوّاد و الآن وجدوا أنها مريم عوّاد
انتهت المعزوفة الثانية فتوقفت مريم عن العزف و نظرت لي بدون أن تستطيع التحديق نحو الجمهور
ابتسمت لها و قربت كفي من كفها التي تمسك بها الوتر و أمسكتها لأجلعها تنظر نحو الجمهور
التفت أنا الآخر و تحدث أخيرا
" أعلم أنكم تعتقدون أنني خدعتكم حتى تشتروا التذاكر لكن صدقوني أنه كان الحل الوحيد حتى أقدم لكم يدي العازفة "
رفعت كفها و بدأت أصوات الجمهور الرافضة تعلوا و هذا جعلني أترك كف مريم و أرفع كفي الأيسر
" اليوم سوف أخبركم عن سبب ابتعادي طول الفترة الماضية عن العزف "
علت الأصوات أكثر لكنني زدت من رفع نبرة صوتي
" أنا الآن بت غير قادر على العزف من جديد ...... الجميع يعلم أنني تعرضت لحادث ، كان بسيط لكن نتائجه كانت غير متوقعة "
التفت لمريم و ابتسمت
" مريم انتشلتني من حزني و عندما سمعت عزفها لأول مرة أدركت أنها وحدها من يمكنها أن تعزف ألحاني ، ما سمعتموه اليوم لم يكن عزفي أنا بل عزفها هي و أنا لن أقدم لأي أحد ألحاني سوى لها وحدها "
خفتت الأصوات و بدأ البعض يغادرون و أنا مرة أخرى تقدمت و تحدثت بصوت جهور
" من يريد أن يستمتع بأحدث ألبوم من ألحاني فليبقى و من يعتقد أنه خدع سوف يستعيد ثمن التذكرة التي دفعها عند خروجه قبل نهاية الحفل ..... استمتعوا مع مريم عوّاد "
هذا ما قلته و انحنيت لآخر مرة لجمهوري ثم التفت لمريم ، ابتسمت لها محدقا بعينيها الجميلة و الخائفة ثم مررت بجانبها هامسا
" أغمضي عينيك و اعزفي ، فقط اعزفي ولا تفكري بشيء آخر "
قلتها منسحبا و هي استعدت لتبدأ بعزف أولى المقطوعات المسجلة باسمها و لها
وقفت أنا في الكواليس ، تماما كما خططت في البداية ، سوف أسلط عليها الأضواء و أنسحب
سوف أهندس كواليسها و هذا أكثر من كافي لي حتى أكون سعيدا
بدأت هي تعزف و بدأ البعض يغادرون أيضا لكن في النهاية لم يكونوا أكثر من مئة شخص و هذا عدد لا أعده مؤثرا بالنسبة للعدد الهائل الذي كان في القاعة
كاثرين سكوت اختفت للابدأ و مريم عوّاد نجحت و كانت هذه انطلاقتها
*
أحيانا سوف ترغب أن تصفق بقوة حتى لا ترى دموع من تعدهم جزء مهما في حياتك
و اليوم أنا كنت كذلك
لقد صفقت بقوة حتى شعرت بالألم في كفيّ
كرهت جدا نظرة الحزن في عينيّ مريم و هي تعزف بعد أن انسحب البعض من الحفل
لكنني بذات الوقت أحببت نظرة الاهتمام و الخوف بعيني يعقوب و هو يراقبها من الخلف ، لقد أخرجها من كآبة حياتها و غير كل حياته من أجلها
وضعها في مكانه و سلط عليها أضواءه و هذا ما يجعله رجلا شهما ولن يتكرر بعينيّ
عزفت مريم آخر لحن و بنهايته أخفضت ذراعيها بهدوء محدقة بالجميع ، رأيت دموعها فبكيت أنا الأخرى لأنها لحظات جد مؤثرة ، انحنت لجمهورها الذي اختار مساندتها و ضلت منحنية فساد الصمت في المسرح لوقت فوقفت في مكاني و بدأت أصفق بقوة ، التفت لهاريسون و أشرت له بحدة بعينيّ أن يقف و يصفق ، أن يصنع بعض البهجة فلبى ما دعوته اليه و باشر بالتصفيق هو الآخر مع بعض التصفير حينها المسرح بدى و كأنه سوف ينفجر من قوة التصفيق
الجميع وقف و صقف لها ، الجميع هتف لها
لقد قرروا أنها نجحت و منحوها تأشيرة العبور نحو الشهرة
رفعت هي رأسها و رأيتها تبكي بقوة حينها خرج يعقوب ، أمسك بكفها و عاد ينحني هو و يجعلها تنحني معه ثم ضمها له بقوة و أقفلت ستائر المسرح
لقد كان مسرح سعادة عن جدارة
ضضمت كفي مبتسمة حينها شعرت بهاريسون يضمني و يقترب مني هامسا
" هل أنت سعيدة ؟ "
فالتفت و أومأت
" أكثر مما تتوقع "
" اذا هل سنحتفل معهما بهذا النجاح ؟ "
" أنا سأحتفل و لكن أنت غير مدعو "
حملت حقيبتي بعد أن تخلصت من ذراعه تاركة اياه خلفي مغتاض ثم غادرت نحو الكواليس أين أظهرت لهم بطاقتي الخاصة التي يمكنني من خلالها أن أزور الكواليس و هاريسون عندما هم بلحاقي تم ايقافه ، عرض عليهم بطاقته لكنه طرد خارجا
لست حزينة عليه فهو يستحق و لو كنت مكان يعقوب ما سامحته أبدا
*
أحيانا هناك أوقات يصعب علينا فعل أي شيء سوى البكاء
و أنا الآن أبكي بشدة ولا أدري لما أبكي
هل أنا سعيدة أم حزينة ؟
جلس يعقوب على الطاولة أمامي ثم أمسك بكفي و أبعدهما عن وجهي و حدق في ببسمة
" لما كل هذه الدموع الآن يا مريم "
" لا أدري يعقوب "
" لقد نجحت "
" أدري لكن لا يزال هناك جمهور يختبئ خلف الشاشات فيكون أقسى بكثير من هذا الجمهور الذي صفق اليوم بحرارة "
" يجب أن نتجاهل الأصوات المزعجة وسط التصفيق ..... هيا دعينا نرى كيف يبلي الألبوم "
قالها ثم أخرج هاتفه و جلس بقربي ضاما كتفي
اطلع على المتاجر الالكترونية التي تعاقد معها ، كان هناك بيع فعلا و لكن بالنسبة للنجاح الذي تعود أن يحققه يعقوب يعد هذا فشلا إلا أنه ابتسم و نبس
" ألبومي الأول لم يحقق كل هذه المبيعات "
" لا تواسيني يعقوب "
" لن أواسيك في أمر كهذا مريم "
لكن في تلك اللحظة فتح الباب بقوة و من خلفه كانت ايلا ، رفعنا نظراتنا نحوها و لم أرى الملامح التي توقعتها
لم تكن مبتسمة ولا سعيدة كانت تحمل هاتفها و التوتر باد على وجهها
" ايلا هل هناك شيء ؟ "
قالها يعقوب بشك و هي تقدمت أكثر
" آسفة على مقاطعتكما بهذه الطريقة و لكن يجب أن تريا هذا "
قالتها و سلمته الهاتف و عندما نظرت لما كانت تقصده شعرت بالقهر ، كنت أعلم هذا ، بل كنت واثقة أن هذا الأمر لن يمر مرور الكرام بدون أن يكون له نتائج سلبية
ضممت وجهي بكفي و يعقوب نبس بغل
" أعلم من المتسبب بهذا "
نهاية الفصل عشرون من
" الوتر "
أتمنى أنه اعجبكم و استمتعتم به
و إلى أن نلتقي بفصل جديد كونوا بخير
سلام
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro