
الفصل التاسع عشر
مساء محبي الوتر
استمتعوا بالفصل
*
كلما خفنا من شيء إلا و زحف نحونا
خفت الخيبة و الكسرة
و ها أنا خائبة الرجاء كسيرة القلب و الروح
لقد حاولت الحصول على موعد جلسة يعقوب من هاريسون لكنه تهرب ببراعة حتى لم يخبرني عن موعدها ولا حتى مكان المحكمة
اتصلت بيعقوب و هو أخبرني فأخذت اجازة ساعية من عملي و ذهبت لأحضر ، حتى أكون مع صديقيّ
يعقوب و مريم ، حتى أدعمهما لكن في نهاية الجلسة وجدتني أنا من تحتاج الدعم
ذهبت فقط حاضرة و في النهاية خرجت من القاعة خاسرة لقضية حياتي
عدت للمنزل و بدون أن أتحدث مع أي أحد أنا اختليت بنفسي في غرفتي
المشكلة و في هذه اللحظة دموعي لا تساعدني على البكاء
فقط أشعر أن قلبي سيتوقف و أن الأم هذا غير محتمل
إنها اللوعة للأسف ، إنه القهر و أنا لم أتوقع من هاريسون أن يجازي أحدا ينتمي اليه بهذه الطريقة
الخيانة هنا ليست خيانة لي
الخيانة هي خيانة لنفسه و قيمه ، خيانة صديقه الوحيد و الشخص الذي يناديه بأخي
اذا كان خان يعقوب فمن أكون أنا حتى لا يخونني ؟
نحن البشر نُمضي عمرا نبني أواصر الثقة بيننا ثم بين لحظة و أخرى تظهر فجوة كبيرة فتسقط الثقة بها
ضغطت كثيرا على نفسي حتى أبعد جميع الحواجز التي كنت أبنيها بيني و بين الناس
منعت كثيرا ، الكثير من البشر الوصول لي و لقلبي لكن عندما حاولت و سمحت لشخص وحد أن يفعل ذلك
هو بدد كل ما قمت به
ملأني خيبة و كسر أحلامي الصغيرة التي بدأت توا في بنائها
جعلني أفكر بالعودة إلى جحري السابق و اقفال الباب على نفسي ، لا أريد أن أؤذي أحدا ولا أن يؤذيني أي أحد
وضعت حقيبتي أرضا أمام السرير و كل ما فعلته أنني ابعدت حذائي و ببقية ثيابي أنا تمددت على السرير و جذبت علي الغطاء
نامي ايلا نامي لعله كابوس سيء فقط
لعلي عندما أستيقظ أجد هاريسون بقربي يخبرني أنني هذيت باسمه و شتمته كثيرا
*
الكذب
كلمة تحتل مكانا في حياة كل بشر على وجه هذه البسيطة
و أنا واحد من الكاذبين ، واحد من البشر و واحد من الخائنين
لكن أنا هو الخائن الوحيد الذي اعترف بخيانته أمام الجميع
أنا لم أختبئ خلف شاشة ، لم أذرف دموع التماسيح بين حروف المكسورين
أدرك فداحة خطئي ، أدرك مدى فظاعة ما قمت
لكن من يستطيع أن يثبت أنه قوي ثابت أمام كل المغريات ؟
أنا بشر ، تارة أكون قوي ذو مبادئ و تارة أكون مثل الجميع بينهم و بين أنفسهم ، حقير ترك المبادئ خلفه
و روز كانت تلك المرأة التي رغب بها الجميع و هي حاولت مع الجميع
حتى قبل أن تتزوج بيعقوب كانت تلمح أنها معجبة بي ، حاولت كثيرا أن أقنع يعقوب بتركها و عندما تبتعد عنه تلقائيا سوف تبتعد عني و لن تكون سبابا في خسارتنا لبعضنا
لكنه كان موهوما بها ، كان على قلبه غشاوة وقتها و هي مثل ساحرة وضعت على أعين الجميع عصابة لا تخولنا رؤية شيء من خلفها سواها و فتنتها
أعترف أنها امرأة فاتنة ، لكنها فتنة ، فتنة تزعزع الايمان و تودي بالأمان و الاستقرار الذي نجتهد كثيرا حتى نحققه
خرجنا رابحين ضدها ، خاسرين لبعضنا
يعقوب خسرني صحيح لكنه كسب حياته ، كسب مريم .... لقد أقفل باب ماضٍ كان يأتيه منه الكثير من الرياح
متأكد أن هناك الكثير من الأشياء الجيدة التي تحدث في حياته سوف تعوضه عما قمت به
لكن أنا
أنا خسرت يعقوب ، خسرت أخي و خسرت ايلا التي حاولت جاهدا الحفاظ عليها
تلك الفتاة التي لمست خوفها من الحياة و من العلاقات
الفتاة التي أرهقتني حتى حصلت منها على قبلة بريئة واحدة
الفتاة التي أيقنت أنها كلي التي سوف ترافقني طيلة مسيرة حياتي
أرأيتم حجم خسارتي ؟
توقفت أخيرا بسيارتي بعد أن تجولت في شوارع لندن الكئيبة بدون هدف أمام منزل ايلا
شددت على عجلة القيادة و رفعت بذات الوقت نظراتي نحو نافذة غرفتها التي لوحت لي بالوداع من خلالها كثيرا عندما كنت أقلها
لقد كانت بداية قصة هادئة و جميلة للغاية
كنت متفائلا إلى ذلك اليوم التي وقفت فيه روز أمامي و هددتني أن أتهاون حتى تكسب هي القضية ضد يعقوب و بالتالي لن تحصل على الطلاق
أتذكر أنني مرة سألتها
" لما تراجعتِ عن الطلاق الآن ؟ "
حينها ابتسمت ثم اقتربت قليلا و وضعت كفها على صدري ، أمسكت بطرف ياقة قميصي و سحبتني لها بهدوء لتهمس بجانب أذني
" لأن لعبتي أمسكت بها فتاة أخرى "
فابتعدت عنها منزعجا
" و هل يعقوب لعبة ؟ "
" لكثير من النساء يكون الرجل مثل لعبة ، نكره البقاء معه لكن ما إن نرى ابتسامته لغيرنا تصيبنا الغيرة .... و أنا توا أدركت مدى حبي ليعقوب "
" و هل امراة مثلك تعلم كيف تحب ، هل تدرك حتى ما الذي يعنيه ؟ "
" و أنت ...... هل تدرك معنى الصداقة و الوفاء ؟ "
حينها لم أجد ما أرد به عليها فابتسمتْ بثقة كبيرة
" اذا لا تحاول أن تظهر بمظهر الرجل الفاضل ... نحن شريكين في جريمة الخيانة يا هاريسون ، ليس من مصلحتك أن يكشف الأمر ولا من مصلحتي "
بعدها أنا أصررت أن أقوم بفحص الأبوة و رغم اعتراض روز ثبت عند رأيي ، الجنين لن يحدث له شيء فقد أخذتها و ذهبنا لطبيب مختص
و لم يوقظني من شرودي ذاك سوى طرق على نافذة سيارتي و عندما رفعت رأسي توسعت نظراتي عندما كانت ايلا
قلبي خفق بشدة و التوتر ملأني ، صحيح أنني قدمت هنا لكن لم أملك الشجاعة الكافية لمواجهتها
بقيت ساكنا في مكاني أحدق بها من خلف الزجاج ، ملامحها تبدو ذابلة رغم تظاهرها بالقوة
الحياة التي رأيتها بمقلتيها منذ أول لقاء بيننا بهتت للغاية و هذا كله بسببي
شعرت بالألم و عندما وقفت كثيرا هناك بدون أن أنزل هي تراجعت خطوتين نافية و ما إن حاولت الالتفات و المغادرة حتى تحركت بسرعة و فتحت الباب ، نزلت و أقفلته و ناديت اسمها بغصة ملأت صوتي
" ايلا "
توقفت مكانها و رأيتها تشد على كفيها رغم أن سترتها الخيطية الطويلة كانت تغطي كفوفها البيضاء
تقدمت نحوها خطوات هادئة سحبت منها الحياة حتى وقفت خلفها حينها رفعت كفي المرتجفة و وضعتها على كتفها
" أنا .... آسف يا ايلا "
حينها التفتت لي متخلصة بذات الوقت من كفي عليها ، مباشرة حدقت بعيني ، لقد أدانتني بدون أن تقول شيئا ، بل حتى ابتسمت و نفت
" هل أنت متأكد أنني أنا الشخص الصحيح الذي يجب أن تطلب منه الأسف و السماح ؟ "
" ليست لدي الشجاعة الكافية حتى أواجهه ؟ "
" لكن كانت لديك الشجاعة الكافية حتى تخونه "
" كان رغما عني "
" الخيانة لم تكن يوما رغما عنا ..... الخيانة اختيار "
" صدقيني لم أكن يومها بوعيي "
" للأسف يا هاريسون لو لم يكن بنفسك رغبة كبيرة لما استسلمت لها و أنت كما تقول بغير وعيك ...... كل ثمل لا يفعل و لا يقول إلا ما يرغب به و لا يستطيع أن يقومه به ولا أن يقوله و هو بوعيه لأنه يخاف لوم الناس "
" لكنني ضحيت بنفسي من أجل نصرته "
" و هل تعتقد أنه بفعلتك هذه أنقذته ؟ لقد خذلته .... طعنته و ربما لو سئل لقال أفضل أن أمضي مزيدا من الوقت في صراع معها على أن أكتشف أن أعز أصدقائي خانني "
و بانفعال اقتربت ممكسا بذراعيها
" لكنه لم يحبها يوما ........ افتتن بها مثلما فعلنا جميعا نحن من كنا حولها و لأنه يعقوب عوّاد اختارته "
وقتها امتلأت عينيها بالدموع ، عبست شفتيها و نفت
" هاريسون أتركني .... توقف فكلما حاولت التبرير كلما جعلتني أرى مدى بشاعتك "
" أنا لست بشعا فجميع البشر هكذا "
" و إن كان معظم البشر كما تقول إلا أن هناك حلات شاذة ..... هناك من يكسر هذه القاعدة "
دفعتني عنها متخلصة من كفي و دمعة من عينيها هربت
" كانت أياما جميلة التي عشتها برفقتك ..... شكرا لأنك جعلتني أدرك كيف يكون ألم الخيبة و ألم الحب هاريسون و الآن وداعا "
قالتها و بسرعة هي ركضت عائدة إلى منزلها ، لقد أقفلت الباب و اختبأت باكية خلف جدرانه أما أنا واقف باقي كنت هناك
قلبي .... أقسم أن قلبي يؤلمني
*
وقفت مكتوفة الأيدي أمام ما أصاب يعقوب
خرجنا من المحكمة كاسبين لقضية العمر لكن يعقوب كان خاسرا
لم يقل شيئا ، لم يحدق حتى بهاريسون و كل ما فعله أنه بقي ممكسا بكفي طوال الوقت ، كأنه على حافة منحدر و يخاف ترك كفي فيقع به
صدقني أنا لن أسمح لك بالوقوع
توليت القيادة بدلا عنه و هو فقط صعد للسيارة و خفف من ربطة عنقه ، أسند رأسه على زجاج النافذة و كلمة بائسة هي التي قالها
" خذيني لمنزلي يا مريم "
أخذته لمنزله ، دخلنا و هو تركني و سار نحو غرفته ، الغرفة التي تعود صناعة أحلامه و ألحانه فيها
جلس هناك في الظلام و لم يقل شيئا بعدها
لم يطلب رؤية أحد و حتى أنا كلما اقتربت و رأيته جالسا بسكون في مكانه تراجعت و جلست في غرفة المعيشة منتظرة اياه
الخيانة صعبة للغاية ، لم أتوقع أن هاريسون قد يتمكن من خيانة يعقوب
علاقتهما كانت بعيدة عن كل الشبهات و لكن هاريسون
لا أستطيع قول شيء ولا حتى شتمه .... لا أريد أن أكون من الناس الذين يدينون غيرهم بدون أن يستمعوا لهم ، رغم أن أسباب هاريسن لن تكون مقنعة لي لكن حتى المحكمة تعطي للمجرم حق الكلام و الدفاع عن نفسه و كل الدلالئل تشير أنه هو المجرم ...... تمنحه حق تبرير جريمته
مضت عدة ساعات أخرى على آخر مرة أنا ألقيت عليه نظرة ، تمددت على الأريكة عندما شعرت بالتعب فلم أشعر بنفسي إلا و أنا أفتح عينيّ على لمسة كف يعقوب لوجنتي
قابلتني نظرته و بسمته الحزينة لي فهمست باسمه
" يعقوب "
" خذي مني حزني و أسكنيه عينيكِ "
ابتسمت بأسف كبير ثم اعتدلت و هو فقط حدق بي و بنظراتي ، وضعت كفي على وجنته ثم قربتُني اليه ، أسندت جبيني على جبينه و بكفي الأخرى ضممت وجنته الثانية و همست
" إن تحدثنا في الأمر سوف تصير الجروح أعمق فألقي برأسك في حضني "
قربني منه أكثر و قبلني فتذوقت المرارة بين شفتيه ، تذوقت دموعه التي لم يبكيها ، إنه عربي ، و الخيانة صعبة جدا على العربي ...... إنها صعبة على الجميع و لكن من الشائع أن الرجل العربي أو الرجل الشرقي يقتل لأجل الخيانة ، هذا ما كان يقوله يعقوب
بنظري لا هاريسون و لا حتى تلك المرأة يستحقان الموت
فأحيانا الموت رحمة و الحياة عذاب لمن مثلهما
ابتعد عني ثم جعلني أعتدل في جلستي و تمدد هو على الأريكة واضعا رأسه بحضني ، أغمض عنيه و أنا خللت أناملي بين خصلاته الطويلة ، حتى أنني مررت كفي على لحيته
" يعقوب إنها كثيفة قليلا "
" ألا تعجبك ؟ "
" بلى و لكنها تزعجني قليلا كلما جمعتنا قبلة "
حينها فتح عينيه و أنا ابتسمت علّ بسمتي تسحب منه ألمه ، بادلني الابتسامة ثم أغمض عينيه ليجيب
" غدا سوف أجعلها أقل كثافة "
" هذا مرضي جدا ....... و الآن يعقوب "
" ماذا ؟ "
" ألا تعتقد أنه مرّ وقت طويل منذ حدثني عن فلسطين ؟ "
مرة أخرى رسم بسمة على شفتيه بدون أن يفتح عينيه ، ساد الصمت قليلا ثم تنهد و خرج صوته
" اليوم أشعر أنني مثل فلسطين تماما "
" اذا ابحث في ذاكرتك عن احدى قصصها "
" لا أريد أن أبحث في الذاكرة فقط ........ أود أن أقول أنني مشتاق لها كثيرا و أتمنى زيارتها ، أتمنى أن أسير في أزقتها واضعا كفيّ الخاويين بجيوبي ، أريد أن أكحل نظراتي بمناظرها البهية ، أريد أن أبكي بينما أجلس بحضنها و أعانق جذع شجرة زيتون طاهرة يا مريم "
دنوت قليلا و قبلت جبينه و هو واصل
" أشعر أنني غريب جدا عن هذه الأرض ..... أريد العودة لفلسطين و لو كان ذلك آخر ما أفعل "
قالها و فتح عينيه ، رمقني بأغرب نظرة و أنا تمسكت بكفه
" و وجودي في هذه الأرض .... ألا يخفف عنك هذا الشعور ؟ "
" بل هو ما يزديه "
استغربت معكرة حاجبي و هو اعتدل ، استقام ثم سار نحو الجدار الزجاجي فوقفت أنا
" لما وجودي يزيد من غربتك ؟ "
لن أخفي فقد بدى الأمر سلبيا بداية و لم أفهم ما الذي قصده
" لأنك أنت الأخرى لا تنتمي لهذا المكان ..... لأنك وحدك من تذكرني بفلسطين ، أنت يا مريم تأخذينني و تدورين بي بين شوارعها التي لم أزرها يوما ، مريم عندما سميتك بهذا الاسم لم يكن عبثا "
قالها و التفت لي و أنا اقتربت حتى وقفت أمامه ، ربما شيء كان يبدو لي عادي من قبل لكن الآن وددت اخباره به
" جدة أمي كانت فلسطينية "
قلتها و هو أومأ بابتسامة
" أعلم ...... فوالدتك السيدة كايلي أخبرتني بهذا و هي تدربني ، لقد عاملتني معاملة مميزة لهذا السبب "
حينها لجأت اليه و لحضنه ، ضممت خصره واضعة رأسي على صدره
" لعله السبب الذي يجعلني غير مرتبطة أنا أيضا بهذه الأرض "
" بالتأكيد يا مريم "
*
ما حدث لي ليس بالأمر الهين
هاريسون وحده من لم أعتقد يوما أنه قادر على خيانتي
للأسف هو خان نفسه قبل أن يخونني لذا فضلت عدم التحدث عن الأمر
مضت عدة أيام عدت فيها لأشغالي فظهور مريم و مستقبلها أهم من أي شيء لكن اليوم بعد أن وجدت أنه لدي بعض الوقت راسلت هاريسون و أخبرته أن يلاقيني في أحد المقاهي التي كنا نجلس بها
وصلت قبله فجلست و طلبت لنا فنجانين من القهوة ، بدون سكر لي و مع ملعقتين من السكر له
في النهاية نحن تصادقنا عهدا طويلا من الزمن و لا يمكنني التخلص من عادات سكنتني
وضعت القهوة أمامي و غادر النادل و عندما رفعت رأسي رأيته يقف عند الباب ، شعره مبعثر و ثيابه لم تكن رسمية ، لحيته التي لم يتركها يوما تطول كانت تبدو كثيفة نوعا ما و هذا جعلني أرسم ابتسامة جانبية
أبعدت عنه نظراتي فتقدم حتى وصل لكنه لم يجلس بل وضع كفيه على المقعد كأنه يسند نفسه به ، لم يقل شيئا و أنا وضعت فنجاني الذي ارتشفت منه القليل مشيرا له
" اِجلس هاريسون .... لقد طلبت لك قهوتك ؟ "
" يعقوب أنا "
" قلت اِجلس هاريسون "
سحب المقعد أخيرا و جلس لكنه فقط وضع كفيه على الطاولة و أنا حدقت به بدون أن يستطيع هو فعل ذلك
" أنت لم تأخذ أتعابك في القضية "
عندها رفع نظراته المتوسعة نحوي
" لقد خلصتني من أكبر هم في حياتي و أفدح خطأ ارتكبته يوما لذا أقدر لك ذلك هاريسون ، أنت محامي جيد جدا "
قلتها و أخرجت شيكا بمبلغ من المال ، مبلغ يقدر أتعابه ، وضعته على الطاولة ثم دفعته به اليه و بعدها اسقمت بينما هو كان يحدق به بدون أن يلمسه
" يعقوب ..... أنا "
" أنت انسان يا هاريسون ..... أنت بشر و أنا كذلك بشر "
وقتها رفع نظراته الدامعة نحوي و كم عزّ علي أن أرى أعز من كان صديقي يوما يبكي ، البكاء لا يناسب الرجال أبدا
" اهتم بنفسك ولا تكن بخيلا فبعد اليوم لن يكون موجود من سوف يدفع عنك ثمن وجباتك و ثيابك "
قلتها مبتسما و هو خرجت شهقات بكائه وقتها شعرت بالغصة تملأني أكثر فسيطرت على نفسي و بهمس خرج صوتي قبل أن أسرع في المغادرة
" وداعا "
*
عدت لأمارس حياتي بروتين كما تعودت ، لا أنظر للهاتف كثيرا ولا أتلهف لمغادرة المكتب
أسير وحدي في الشارع و أتناول وجباتي في المطاعم كلما رغبت بذلك لوحدي كذلك
عدت لحياتي المريحة و لكنها لا تبدو مريحة الآن كما كانت سابقا
تبدو أكثر كآبة و بؤسا
و اليوم بينما أنا أسير في الشارع رن هاتفي فتوقفت و أخرجته عندها لم تكن سوى مريم ، التي تهربت كثيرا من مقابلتها
لكن اليوم أجبت مستسلمة
" مرحبا مريم "
" أهلا ايلا .... كيف حالك ؟ "
" بخير .... ماذا عنك ؟ "
" بحالة جيدة و لكنني متوترة بما أن الحفل بات قريب و اطلاق الألبوم "
" التوتر جزء من الحياة "
قلتها و هي وافقتني ثم نبست اسمي
" ايلا .... أريد مقابلتك "
" في الواقع أنا "
" أنت لست مشغولة و أنا مصرة هذه المرة "
فأجبت باستسلام
" حسنا مريم اختاري المكان و سوف أوافيك هناك "
" في المقهى القريب من منزلي "
" حسنا أنا قادمة "
" اذا سوف أطلب مشروبين ساخنين ليتما تصلين "
أقفلت المكالمة معها ثم أوقفت سيارة أجرى و غادرت نحو المكان الذي اقترحته ، بعد وقت وصلت فدفعت الأجرى و نزلت ثم سرت نحو المقهى حتى وصلت ، فتحت الباب و عندما دخلت هي لوحت لي فابتسمت لها من بعيد و سرت حتى وصلت اليها
استقامت و ضمتني لها و أنا شعرت بمشاعر سيئة و متضاربة للغاية ، لقد ألحت علي رغبة في البكاء لكنني بجهد سيطرت على نفسي و ابتعدت عنها
" كيف حالك ايلا ؟ لقد اشتقت لرؤيتك "
" و أنا أيضا مريم "
" هيا لنجلس "
جلسنا فكان بقربي كوب من الحليب و الشكلا الساخنين و مريم حدقت بي
" ايلا .... "
" مستعدة لسماعك يا مريم "
قلتها و ضممت الكوب ثم رفعت نظراتي لها
" آسفة لكل ما حدث "
" ما حدث أثر بالجميع .... و ربما كنت أنا أقل المتضررين "
" لقد أتيت اليوم بناء على نصيحة يعقوب .... "
" ما الذي تقصدينه ؟ "
" يعقوب لا يرى أنه هناك ما يجعلك تنفصلين عن هاريسون "
حينها توترت و أجبتها بانفعال
" هل هو جاد .... ثم ما دخله بحياتي "
أمسكت كفي بسرعة و شدت عليهما
" ايلا .... افهمي أرجوك ، ما حدث كان قبل أن تكوني بحياة هاريسون ، يعقوب لا يريد أن يكون سببا بدمار حياتكما "
" هارسون هو من دمر ما كان بيننا "
" هاريسون إلى هذه اللحظة لا يزال شخص جيد ... يقول يعقوب أنه كان مجبرا على انهاء صدقاته و علاقته به و لكن أنت يا ايلا عليك أن تكوني مع هارسون في محنته "
" مريم افهمي أرجوك ، هو خان أعز اصدقائه و الآن سوف يحصل على طفل .... طفل من امرأة أخرى فأين مكاني أنا بحياته ؟ "
" ليس هو الأول ولا الأخير الذي سيحصل على طفل من امراة لا يمكن أن تجمع بينهما أي علاقة "
" أنت تقولين هذا لأنك لست بمكاني "
" بل كنت موضوعة به قبل أن تظهر الحقيقة و كنت قد قررت أنني سوف أجد لي مكانا في حياة يعقوب ما دام يريدني و أريده "
" و أنا ما عدت أريد هاريسون "
" أنت كاذبة .... أنظري فقط لعينيك و سوف تخبرك بكل شيء ، اذهبِ لهاريسون و أنظري لحاله و سوف تدركين أنكما لا زلتما تريدان بعضكما "
شعرت بالغضب من مريم و من نفسي و من كل شيء و أقسم لو أن هاريسون أمامي كنت ضربته حتى أحطم قلبه مثلما حطمنا جميعا
" فكري يا ايلا فلا شيء في الحياة كامل و السعادة نحن من نصنعها و ليست هي "
قالتها و استقامت مغادرى و أنا وجدتني راغبة في تصديق كلماتها ، مشتاقة لهاريسون و لحماقته ، كان وحده من فهمني ، عاملني كيفما أرغب بدون أن أخبره كيف أحب للأمور أن تكون
ضممت كفيّ معا ثم أغمضت عيني مصغية لبعض همسات قلبي ثم بسرعة فتحت عيني و حملت حقيبتي مغادرة ، لقد خرجت من المقهى و بدأت بالركض ، ركضت ولا أدري حتى لما لم أتوقف و أوقف سيارة أجرى ، وصلت للمبنى الذي يقيم فيه هاريسون .... ليس بعيدا كثيرا و لكن وقتها و كأنني ندمت ، نفيت بينما أحدق به ثم تراجعت و التفت مغادرة لكنني التطمت بشخص كان يحمل كيس طعام بني بكفه
" انتبه .... "
رفعت رأسي غاضبة و لكنني توقفت و شعرت بطعنة في قلبي عندما كان هاريسون هو من يقف أمامي ، خصلاته مبعثرة ، ثيابه تبدو مهملة و لحيته تكاثفت فبدى أكثر وسامة مما عرفته قبلا
توسعت عينيه عندما رآني فترك الكيس يقع من كفه هامسا باسمي
" ايلا "
عبست شفتيّ و غلبني البكاء مثل طفلة صغيرة لكنني كنت في تلك اللحظة مجرد طفلة فعلا عندما تركت حقيبتي رامية نفسي بحضنه
" تبا لك أيها الحقير "
شعرت بذراعيه يضمانني و يرفعني عن الأرض بينما أنفاسه عبثت بدقاتي عندما أخفى وجهه بكتفي
" أقسم أنني أحبكِ ايلا "
نهاية الفصل التاسع عشر من
" الوتر "
فصل يحمل صراع داخلي و هدوء نسبي للأحداث الخارجية
أتمنى انكم استمتعتم به و إلى أن نلتقي في القادم كونوا بخير
سلام
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro