٩
غرايدي نظر إلى فين بشكل غريب للحظة ليرفع الغطاء عن التابوت، كل ما شاهداه في الداخل كان فقط كم كبير من الكتب المُغبّرة التي نمت بين صفحاتها شِباك العناكب.
اقتربت فين إليه ولمست تلك الكتب المصفوفة لتهمس "أنا لا أفهم..."
"ولا أنا... على الأقل لم نجد جثة أو شيء كهذا... يجب أن نخرج من هنا!" أغلق غرايدي التابوت مجدداً وخرجا من تلك الغرفة، ذلك الشيء الذي حدث منذ دقائق سوف يبقى سر بينهما.
ودعت فين صديقها وارتدت ملابسها لترجع إلى غرفة داركوس المظلمة، وجدته يحدق بالنافذة ذات الستائر المغلقة، دخلت وبحذر قالت "أنا عدت... ما الذي تنظر إليه بالضبط؟"
"لا شيء" تحدث وجلس على سريره ليربّت على الملاءة بجانبه "إجلسي معي"
تقدمت إليه واتخذت مكانها بقربه ليتنهد بقوة ويستطرد "هل قد تبكين إذا مِتّ؟"
"قد أبكي؟ إذا مِتَّ أنت، لن أشعر بمعنى أي شيء آخر وسوف أصبح تلك المرأة المجنونة التي تنام في المقابر، أرجوك يا داركي... عِش لأطول وقت ممكن"
"لقد كانت السكين أمامي طوال الوقت... الشيء الوحيد الذي كان يمنعني عن قتل نفسي هو أنتِ... شعرت بتلك الصفعة على وجهي مجدداً رغم أنكِ لم تكوني معي"
ابتسمت فين وحركت شفاهها "أعدك أني لن أتركك تواجه هذا الشعور وحدك مجدداً، ستكون صفعتي جاهزة في كل المواقف"
كان من الممكن سماع ضحكته الصغيرة، استدار قليلاً بجزعه نحوها وقال "فين، هل تسمحين لي باللعب بشعرك؟"
لم تتوقع أن يطلب شيء غريب في هذا الوضع، رفعت حاجبيها "شعري أنا؟ ا_ لست أدري ماذا تعني؟"
"أريد فقط اللعب بشعرك، هل يمكنني ذلك؟" قال بينما يربت على فخذيه كطلب أن تضع رأسها في حضنه.
"ولكن... لماذا، لماذا قد تريد اللعب بشعري"
رفع كتفيه لفوق "لست أدري... لا بأس إن لم ترغبي بذلك، أنا أيضاً أحياناً أكره أن يلمسني أحد"
تنهدت فين "حسناً، ولكن إحذر، شعري حساس ويتساقط بسهولة"
تمددت في حضنه ليضع يده الباردة على شعرها ويداعب خصلاتها بأصابعه، فين كانت تشعر بغرابة كبيرة ولكنها لم ترغب بعدم تحقيق طلبه بما أنه شيء صغير وأنه الوحيد الذي طلبه بعدما أراد قتل نفسه.
بالنسبة لداركوس كان يرغب بقتل نفسه مجدداً، ماذا لو رحلت في النهاية بلا عودة... تلك الفكرة جعلته يشتاق لها رغم قربها منه.
"فين..." همس لها بصوت مرتجف لكنها لم تستجب، يبدو أنها نامت أخيراً، رفع رأسها برفق عنه ووضعه على المَرتبة، نهض يتمشى في الظلام مثل الشبح باِتجاه غرفتها.
كان هاتف فين في الشحن، حمله ووضع كلمة المرور، هو يعرفها عن ظهر قلب لأن هذا الهاتف هو من اشتراه لها، لقد تلاعب به مسبقاً وقام بوضع برنامج تجسس فيه للإحتياط.
كان ينظر في الصور حيث غرايدي، من المفترض أن يكون هو في هذه الصور، مع المزيد من العبث وصل إلى صور قديمة جداً تم التقاطها منذ سنتين.
كانت في الصورة فين معطية ظهرها للكميرا وتجلس أمام طاولة وهي منشغلة برسم شخص ما على ورقة كبيرة، قرّب الصورة إلى تلك الرسمة وكان وجه شاب لا يعرفه...
تأفف داركوس ليتمتم "هيا فين أين تخفين صور دان"
لم يجد حتى صورة واحدة له، حتى أنه رأى صور والديها وعرفهم بسبب لون الشعر نفسه. ولكن دان شخصياً كان مفقود، انتقل من معرض الصور إلى الإنستاغرام، كان يقرأ الدردشة بينها وبين غرايدي حتى يعثر على سبب يجعله يكره هذا الفتى أكثر.
الكثير من الكلام يدور بينهما ولكن لم يتم ذِكر دان أبداً، تأفف بقوة ليفزعه ارتجاج الهاتف بين يديه معلناً عن اتصال وارد، كان رقم خاص.
ابتلع ريقه وقَبِل المكالمة، لم يتحدث بل كان ينتظر الطرف الآخر.
"أخبرتكِ يا فينيكس... لن تستطيعي الهرب مني" قال ذلك الشخص وأنهى المكالمة على الفور ليعقد داركوس حاجبيه ويتمتم "ما لعنتك؟"
بينما كان يحذف سجلّ المكالمات فزع مجدداً على صوت بانشي "ما الذي تفعله هنا!"
طقطق بلسانه ليضع الهاتف مكانه ويقول باِنزعاج "بانشي! لقد أوقعت قلبي!"
"حقاً؟ هل تتجسس عليها مجدداً؟"
"هذا لا يخصك، لماذا عدت أصلاً؟ كنت منذ قليل تتوعد ألا ترجع مجدداً"
"عُدت لأن الولاء لسيدي موجود في فطرتي، لهذا السبب تشاجرت معك، أنا أعرف مصلحتك وأخشى عليك"
"لا بأس سأكون بخير" قال داركوس ببرود ونهض عن سرير فين وهو يتخطى بانشي ليعبر إلى غرفته.
"لن أتدخل بعد الآن... لأني واثق أن الطبيعة ستأخذ مجراها في النهاية" قال بانشي قبل أن يرحل.
داركوس كان يفضّل نسيان كل شيء والعيش في هذه اللحظة حيث فين تنام في سريره وهو يراقبها في وسط الظلام، يستمع لأنفاسها وخفقات قلبها بوضوح بحواسه القوية.
"إبقَ بعيداً" داركوس اعتقد أنه خيال، لكن فين تتحدث في نومها فعلاً، كانت تعتصر ملاءة السرير في كفها وتكزّ على أسنانها.
تذكّر لحظتها تجارب الأطباء النفسيين عليه أثناء التنويم المغناطيسي، كان هذا منذ سنة، لم يتوصلوا معه لشيء مفيد لأنه ليس بشر مثلهم.
اقترب إلى فين بحذر، خطرت له فكرة التلاعب بأحلامها كما فعلوا هُم فهمس بعدما جلس قرب رأسها "لماذا؟ هل أنا أؤذيكِ؟"
"أنت تسبب لي الكدمات" قالت من بين أسنانها.
"ولكن مَن أنا؟"
"أنت دان..."
"هل أنا من أقربائك؟"
"لا"
ابتلع ريقه وهمس "مَن أنا إذاً؟ هل أنا زوجك؟"
"لا! أنت وحش، أنا أكرهك"
"فين، أين أنا الآن؟ وأنتِ ماذا تفعلين في هذه اللحظة"
"أنت تقف في مدخل الغرفة ولديك حِزام في يدك، أنا أقف قرب باب الحمام وأحمل قطعة الزجاج التي كسرتها من المِرآة"
"لماذا؟ لماذا أنا أحمل حزام ولماذا تحملين قطعة زجاج"
"أنت تريد ضربي بالحزام، أنا أريد قطع معصمي بالزجاج" شعر داركوس كأن أحدهم سحب روحه فجأة وأرجعها، خفقاته اضطربت بقوة، بدون تفكير مسبق حمل يد فين ورفع أكمامها الطويلة، لمس تلك الندوب في معصمها بأصابعه وأنفاسه محبوسة، كانت لديها علامات محاولة انتحار...
فينيكس التي تخلصه من الإكتئاب حاولت الإنتحار ذات مرة…
"إذا اقتربت مني، سأقتل نفسي!" همست وهي تشد على جفونها بقوة.
فتحت فين عينيها باِرتعاب وشهقت كأنها كانت تغرق، سرعانما أدركت عينيها وجود داركوس وأنه يحدق بمعصمها نهضت باِنفعال وأنزلت أكمامها لتصرخ فيه "ماذا تظن نفسك فاعلاً!"
داركوس وقف على قدميه ولم ينبس بحرف، فين كانت تخبّئ كفوفها تحت أكمام كنزتها "ماذا كنت تحاول أن تفعل!" كانت تحدثه بنبرة عصبية لم تستعملها معه من قبل.
هو فقط صامت يحدق بها خلال الظلام، كانت فيه خيبة أمل كبيرة، هي لم تخبره يوماً عن هذا ورد فعلها يشير إلى أنها لن تخبره أبداً. اقتربت ودفعته بكامل قوتها رغم أنه لم يتحرك وصرخت "أخبرني الآن ماذا رأيت!"
لم يجبها، كانت تلهث والغضب يكاد يحرق رئتيها، فجأة رفع يديه إلى كتفيها واعتصرهما، لم تفهم ما سبب هذه الحركة ولكنها بدأت تشكّ بصحة عقلها عندما أضاءت عينيه باللون الأحمر.
رمى بها على السرير وجلس فوقها، كان يضغط بكل وزنه عليها ولم تستطع الحراك، بدأت بالصراخ ومحاولة ضربه وهو ينحني إليها لكنها حبست أنفاسها عندما شعرت به يقضم عنقها.
كانت الدموع تتجمع في عينيها من الألم وهي تسمع صوت تلذذه بالدماء التي تسيل من جلدها بين أنيابه، أطبقت جفونها وبدأ وعيها ينسحب منها وعندها فقط عاد داركوس لرشده.
نهض عنها بسرعة وشعر كأن صاعقة صعقت جسده عندما رأى عنقها تنزف وطعم دمائها الثمينة في فمه، كان يتنفس بصعوبة وعينيه متسعة تتساقط منها الدموع الحمراء.
اقترب نحوها ووضع كلتا يديه على عنقها "لا لا! أنا آسف! لم أقصدك ذلك لم أقصد إيذائك!" كان يصرخ بكلامه الأخير بنشيج ما جعل بانشي يتشجع على التدخّل، لم يستطع تركه يعاني.
فتح بانشي باب الغرفة واندفع للداخل ليصرخ به داركوس ببكاء "أرجوك ساعدها! لم أقصد ذلك لا أعرف ماذا حصل لي!"
اقترب بانشي إليه ليسحبه حتى يقف على قدميه ويصفعه بقوة، كانت أذني داركوس تصفّران، هو لم يتلقى الضرب في حياته، لطالما كان بانشي محترس بشأنه.
بانشي أمسكه من كتفيه وبدأ يهزه ويصرخ به "هل فقدت عقلك! أنت من سلالة بليد! ماذا أصابك، إنها مجرد فتاة!"
دفعه داركوس عنه بقوة وكانت أول مرة يرى فيها عينيه تتوهجان في الظلام، قُرمزيتان تُثبتان أن حقيقته ظهرت، لقد اكتمل تحوّل داركوس ومنذ هذه اللحظة هو مصاص دماء كامل.
تلك النظرة الدامية لديه حرّكت جوهر التّابِع المُخلص الذي في داخِل بانشي ما جعله يجثو أرضاً أمامه وبلا وعي يتحدث "عليك أن تعطيها قطرات من دمائك يا سيدي، سوف تشفي جِراحها"
رفع داركوس يده باِتجاه فمه وعض معصمه بقوة ليندفع نحو فينيكس ويحاول إرغامها على فتح فمها ويدع دماءه الملكية تسقط في حنجرتها...
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro