الفصل الواحد و العشرون
مرحبا قرائي الغاليين
فصل جديد استمتعوا به
*
إن التراب لنا و نحن منه ، منه الحياة و إليه الموت
إنه في نهاية كل قصة يضم أحبائنا ، يضم مع أجسادهم أرواحنا و يدثرها في ظلامه
إننا و مع أطفالنا ندفن أحلامنا ، زهونا و كل التعب الذي يبدو في تلك اللحظات الأخيرة بدون جدوى
أظهرت أسوأ ما فيّ محاولا تفادي الخسارة من جديد في حياتي
لكن من يقف و يقول أن ذلك حقيقي ؟
أنا كنت سيء ، أصغيت للشيطان كثيرا ، آذيت كل من حولي حتى أتجنب الخسارة و الكسرة
و في النهاية كنت الخاسر الأكبر ، في نهاية كسرت بشدة فمن عساه يعيد لي ابني
من يعيد لي بسمتي و لمسة كفه التي هذبت كثيرا جروحي
هو كان كل حياتي ، إنه كان أملي نحو غد مشرق
بداخله كنت أنوي زرع أحلامي و نقائي الذين فقدتهما
من أجله اعتقدت أنه يمكنني أن أضحي بكل شيء و في المقابل سوف أراه رجلا جيد بقلب نقي و سعيد
بطلت ظنوني و اعتقاداتي ، سرق ابني مني مرتين
مرة سرقته والدته عندما قالت أن ليس لي فيه حق و مرة الحياة عندما أهدته للموت
بثياب الحداد التي لن أنزعها ما طالت حياتي وقفت في المقبرة ، أمام قبره الصغير بكيت بضعف و كلما ربتت الأيادي على كتفي زادت دموعي و علت شهقاتي
لقد خدعني صغيري و رحل في الوقت الذي اعتقدت أنه يتمسك بيد الحياة
رفعت كفي و مسحت دموعي بقوة و شدة متمنيا أن يدثروني بالتربة جانبه لكن كف كيونغ ربتت على ذراعي ثم اقترب يهمس
" يا صديقي تماسك ... "
نفيت بألم لأترك ركبتيّ تستندان على التراب جانبه ، لم أتمكن من ضمه لكنني ضممت تراب قبره
" هكذا تفعل بي يا داي ؟ ... هكذا تترك والدك وحيدا و ترحل عنه بدون وداع ؟ "
" تشان أرجوك "
قالها كيونغ برجاء بينما يحاول سحبي من هناك لكنني كنت أضعف من أترك ترابه و أبتعد
رحل الجميع و لم يبقى بجانبي سوى كويونغ الذي تراجع و وقف بعيدا قليلا و أنا فقط مرت الساعات عليّ بينما لا زلت أضم ترابه لصدري ، كنت أحاول اخماد النيران التي استعرت في قلبي
انطفأت روحي و هي زادت اشتعالا
كلما أغمضت عينيّ قابلتني عينيه الضاحكة ، كلما صممت آذاني عن سماع التعازي سمعت صوت قهقهاته الضاحكة ثم أناته المتألمة ، لقد تخبطت كثيرا داخل الذكريات و اياه و في النهاية اقترب مني كيونغ و سحبني رغما عني لأستقيم و أعانني على الوقوف
" لست أول ولا آخر من يفقد ابنه ... كنت دائما صلبا فلما كل هذا الهوان الآن ؟ "
حينها نفيت مجيبا بصوتي الباكي
" أنا أشعر أنه لا أحد فقد غيري ، أنه لا يمكنني الاستمرار بعد الآن فلا يوجد لي أي سبب لفعل ذلك "
تنهدت و واصلت
" النار التي بقلبي تحرقني و مهما صرخت ، مهما بكيت هي لا تنطفئ ، إنها تزيد اشتعالا "
مرة أخرى ربت على ذراعي و قال
" مهما قلت و مهما فعلت في النهاية ستتركه خلفك و تغادر ... جميعنا نفعل و سنفعل ذلك مع أحبائنا "
سحبني رغما عني نغادر و لكنني بين الخطوة و الثانية أتوقف و ألتفت له فأراه واقفا يلوح لي بدموع تملأ عينيه بكاء ، أنا آسف يا صغيري
صعدت سيارة كيونغ ليقفل هو الباب و عندما ذهب حتى يصعد مكانه أنا رفعت نظراتي أمامي فرأيتها قادمة بثوب أسود ، بملامح حزينة و باكية هي كانت تسير بخطوات سريعة حينها وضعت كفي على مقبض الباب و هتفت دقاتي ، زاد ألمي و تذكرت كذلك ابني الذي خسرته هي نفسها بدون أن تعلم ... إنها تحتاج عزائي كما أحتاج أنا عزاءها
فتحت الباب من جديد و نزلت لتتباطأ خطواتها ما إن اقتربت من السيارة ، ظل كيونغ يقف خارجها و يراقبنا بصمت
تركت الباب و اقتربت أنا الآخر بخطوات ميتة مثل روح ابني ، لم أتمكن من منع مشاعري المجروحة من التعبير لها عن ألمي الذي ألمّ بي عندما غابت هي عن أيامي ، أنا لم أعرف معنى السعادة سوى معها و مع داي و الاثنين سُرقا مني
اقتربت منها عندما سكنت خطواتها و رمقتني ببؤس ، بدون أي كلمة أنا سحبتها أضمها بقوة ، سحبتها أتمسك بها علها تمدني بقليل من الصبر الذي تتحلى به
تمسكت بها بشدة حتى أمنعها من المغادرة هي الأخرى و همست بصوت ميت
" ابني مات يا ميوك ... "
حينها شعرت بذراعيها يرتفعان ، لقد وضعت كفيها على ظهري و همست
" آسفة لخسارتك "
*
الألم و القهر عندما يستفحلا بأرواحنا يجعلان من الوهم حقيقة و الحقيقة وهم كبير
هناك وقت لكل روح حتى تنطفئ
هناك وقت على الصبر أن يعيننا على أنفاسنا
بعد رحيل تشانيول أنا عدت و جلست أمام النار التي أشعلها حتى أتدفأ
الدفء ما عاد مغري في حياتي ، حتى الحياة نفسها ما عادت تعيننا على عيشها
أنا عندما أخبرته أنني لا أكن له الحقد بقلبي و أنه لا يحتاج لمسامحتي غادر بدون أن يصدقني
لقد اعتبر عدم قبولي بمد يدي له من جديد هو الجواب الحقيقي لاعتذاره
نحن عندما نحب شخصا من أعماق الروح سوف يصعب رؤية أخطاءه و لو كوتنا ، سوف نسامحه حتى دون أن يطلب ذلك
مرت الليلة تلك بدون أن أتحرك من مكاني ، لقد راقبت النار حتى تلاشت ألسنتها شيئا فشيئا
نحن مثلها تماما ، سوف نحترق حتى لا يبقى في أرواحنا سوى الرماد
استقمت بعدها و صعدت الدرج الخشبي حتى وصلت لغرفتي ، أخذت ثيابي و عاودت السير نحو الحمام ، أملت أن تزول همومي فتصرف مع المياه
حاولت بدأ يوم جديد في حياتي الجديدة كليا ، اسمي عاد ليكون وحده بدون أي ألقاب
أنا الآن حرة مقيدة الروح بأغلال الحب
حصلت عليه أخيرا لكن لا يمكنني امتلاكه ، سوف أكتفي بأن أخلص لمن منحته قلبي من بعيد
حملت الثوب الذي أخذته من السيدة لي حتى أطرزه ، وضعته بكيس ورقي بعد أن طويته بشكل أنيق ثم غادرت المنزل
سرت بينما أعلق الكيس على معصمي و كفيّ بجيوب سترتي
تنهدت بعمق علني أطرد الهم الذي ملأ قلبي ثم حدقت بالبحر الذي أسير بمحاذات شاطئه
وصلت بعد وقت للبلدة فتوجهت نحو متجر السيدة لي و التي استقبلتني بابتسامة عندما رأتني ، تقدمت نحوها ملقية التحية
" مرحبا "
" أهلا ميوك ... مواعيدك دقيقة للغاية "
ابتسمت بدون أن أقول شيء مقتربة نحو الطاولة التي تقف بيني و بينها ، وضعت الكيس عليها ثم أخرجت الثوب و هي كعادتها أمسكت بأطرافه تلقي نظرة على التطريز ، تفقدته كله و في النهاية وضعته لتبعد نظراتها و تضعها عليه و بابتسامة نبست
" عملك متقن للغاية "
" هل هناك ثوب آخر ؟ "
" في الحقيقة هناك ثلاثة أثواب هذه المرة "
" ليست مشكلة لكن امنحيني الوقت الكافي "
" لك كل الوقت المهم أن يكون العمل متقن كما تعودت منكِ "
أومأت لها فأخذت الثوب ثم سلمتني الأثواب التي تحدثت عنها و في النهاية وضعت ظرفا أبيضا على الكيس
" و هذه أجرتك "
" شكرا لك سيدة لي "
قلتها لأحمل الظرف ثم الكيس و غادرت بعد أن ودعتها ، مررت على متجر البقالة و من النقود التي كانت بالظرف أنا اشتريت احتياجاتي و بعدها حملتها عائدة للبيت ، أخذت وقتا أكثر أثناء سيري إلى هناك محاولة ترتيب مشاعري
فهناك ذلك الجانب الضعيف مني يخبرني أن أركض نحو الرجل الذي أحببته و بادلني الحب أخيرا
و هناك جانب قوي يخبرني أنني توقعت هذه النهاية ولا يجب أن أخرب حياته أكثر مما فعلت ، أن أتركه لابنه فهو بحاجته أكثر مني
أنا ضاعت حياتي و انتهت فلا يجب أن أسبب مزيدا من الألم لغيري مع أنني كنت أنانية للغاية في وقت مضى
كنت سيئة و ضميري نام طويلا
وصلت للمنزل بعد سير طويل ، أقفلت الباب و ما إن جلست على الأريكة بتعب حتى رن الهاتف فاقتربت و حملت السماعة أجيب
" مرحبا سونا "
أنا لا يوجد لي شخص غيرها يتصل و يسأل عني فردت
" كيف عرفت أنه أنا ؟ "
" لأنك الوحيدة التي تهتم لأمري "
صمتت قليلا لتتساءل من جديد
" كيف حالك اليوم ؟ "
" بخير ... "
شعرت أن هناك حديث عالق في صدرها يدفعها للصمت بعد كل جملة تقولها فتساءلت أنا هذه المرة
" سونا هل هناك شيء ؟ ... أشعر أن هناك كلام عالق بصدرك "
" هناك خبر سيء "
حينها وضعت كفي على قلبي و بهمس تساءلت
" هل تشانيول بخير ؟ "
" لا أعتقد "
هب قلبي فوقفت و اياه في مكاني
" ما الذي حدث له ؟ "
" ابنه مات "
خرجت شهقة مني لأضع كفي على ثغري و عينيّ امتلأت بالدموع ثم تركتني لأجلس من جديد و كم شعرت بالتعب و القهر لأجله
" سونا ... "
" ترددت في اخبارك ... لكن أدري أنه بحاجة شخص يحبه حقا بجانبه الآن و هو لا يحب بعد ابنه أحدا بقدركِ "
بكيت كثيرا بعدما قطعت الاتصال معها ، تذكرت عيني الصغير و حركاته ، همساته و بسماته و حاولت الشعور بما يشعر به الآن ... كيف سيكون حال والدته هي الآخرى ؟
حملت نفسي و صعدت لغرفتي أغير ثيابي لأخرى خاصة بالحداد ، فوقها ارتديت معطفا أسود ثم اتصلت بالسيد مين ، صاحب سيارة الأجرى و أخبرته أن يأتي فأنا سوف أذهب للعاصمة مرة أخرى
طوال طريقي إلى هناك التزمت الصمت ، تألم قلبي فمسحت دموعي عن عينيّ
إنها أيام الشتاء الباردة و الحزينة ، أيام لا يمكننا سوى أن نبكي فيها و السماء سوف تعيننا
وصلنا للمستشفى في وقت متأخر و عندما سألت أخبروني أنهم غادروا نحو المقبرة من أجل الدفن ، استقليت السيارة من جديد و أخبرته عن المقبرة و بين الحين و الآخر كنت أدله على المكان بما أنه غريب عن العاصمة إلى أن وصلنا فنزلت في مكان بعيد قليلا
سرت أحدق حولي فكان المكان فارغا إلا من سيارة واحدة و عندما اقتربت أكثر رأيت الدكتور دو يفتح الباب الأمامي الذي بجانب مقعد السائق و يحاول الصعود لكنه عندما رآني توقف و هربت نظراته نحو الشخص الموجود في الداخل
عنفتني دقاتي عندما اقتربت أكثر و رأيته كيف يجلس هناك بانكسار ، بضعف و ألم فلم أفكر أكثر من مرة حتى أقترب و أطبطب على جرحه الكبير
رفع نظراته فتوقفت و هو نزل ، لقد لجأ لي و ضمني بقوة يتمسك بي كأنني آخر حبل يربطه و الحياة ، ربت على ظهره فنبس ببكاء يخبرني أن ابنه مات ... ذلك أصعب ما يمكن أن يمر به الانسان ، أن يدفن روحه و يدثرها بتراب مظلم و بارد ، أن يجبر على ترك ذلك الجزء الجميل منه هناك وحيدا و المغادرة
ابتعد عني ليمسك بكفي و سحبني معه نسير معا نحو المقبرة ، أدري أنه بحاجة لكي يبكي من جديد عليه ، مستعدة أنا لاستقبال دموعه بكفيّ
دخلنا للمقبرة فاستمر بسحبي حتى وقفنا أمام قبر صغير التربة فوقه كانت لا تزال مبللة ولا توجد فوقها أي زهرة ، أشار بكفه نحوه ليرفع نظراته نحوي
" إنه منزله الجديد ... داي سرق مني يا ميوك "
شددت على كفه التي لا زالت تمسك كفي لأربت عليها بكفي الثانية
" في الوقت الذي اعتقدت أنني انتصرت على مرضه و سوف أقدم له الحياة باغثني ليرحل بدون وداع "
" كن قويا أرجوك "
نبستها بضعف فنفى و عاد يضمني بعد أن ترك كفي ، يمكنني أن أعلم أنه متعلق بحضني ، أنه يرجو بعضا من الهدوء و السلام و أنا لا يمكنني سوى أن أقدمهما له ، ضممت بكفي رقبته من الخلف
" لا تتركيني أنتِ أيضا ... لم يتبقى لي أحد غيرك و حضنك هو الوحيد الذي يمكن أن يمدني ببعض السكينة "
لم أجب طلبه لكنني لم أترك كفه ، أشرت بنظراتي للدكتور دو الذي تبعنا و كان يقف قريبا فأومأ لي هو الآخر و غادر
غادرنا نحن أيضا بعد وقت ، بدل أن يمسك هو بكفي أمسكت أنا كفه ، منحته الأمان الذي يحتاجه في وقت كهذا وسهوت التفكير بزوجته و حالها
استقلينا سيارة الأجرى و أخبرت السيد مين أن ينطلق بنا عائدين للبلدة و المنزل
في المقاعد الخلفية كنا نجلس ، كانت أناملي تخلل أنامله و كفي التانية تربت عليها بينما يسند رأسه على كتفي مغمض العينين
من أصعب الأمور على الرجال أن ترى دموعهم و تسمع أناتهم
إنهم تعودوا على الألم في صمت لكن أحيانا يكون المصاب جليلا لن يعينه الصمت
حتى الدموع المذروفة لن تعينه
وصلنا بعد وقت ليتوقف السيد مين بالسيارة أين تعود أن يتوقف و أنا سحبت كفي الثانية لأضعها على وجنته و همست له
" لقد وصلنا "
فرد بدون أن يفتح عينيه أو حتى يرفع رأسه
" لا أريد أن تطرديني من سلامكِ لاحقا "
رفع رأسه ثم فتح عينيه الحمراء و رمقني بكسرة أثقلت روحي ، أنا أبدا لم أتعود على رؤيته بكل هذا الضعف
مرة أخرى قربت كفي من وجنته ، وضعتها هناك فنزلت دمعة من عينه لتستقبلها كفي و كفي الثانية ، كفي التي كانت تحتضن بأناملها أنامله شدت عليه بقوة
" هيا معي ... " قلتها بهدوء ثم سحبت كفي و نزلت أقفل الباب ، سرت حتى وقفت بجانب الباب الثاني ففتحه و نزل ، مرة أخرى كان علي أن أكون قوية ، قربت كفي أمسك كفه و سحبته معي
دخلنا للبيت لأقفل الباب ثم سرنا حتى وصلنا بقرب الأريكة فجعلته يجلس و كفيّ على كتفيه بينما أقف أمامه ، صورته تغيرت تماما ، ذلك الرجل الجبّار ، الرجل الواثق اختفى و لم يبقى أمامي سوى فتى ضعيف ، فتى عاد يفتح حضنه للألم و الجراح
ربت على كتفه فسحبني له عندما ضم خصري ساندا نفسه علي و أنا فقط وضعت كفي على رأسه ثم همست بتأنيب لنفسي
" دانبي الآن لوحدها و ستكون حالها سيئة "
و بدل أن يبعدني عنه هو فقط زاد تمسكه بي ليرد بصوت ميت حزين للغاية
" دانبي كانت أول من سرق ابني مني "
حينها ربت على رأسه و نفيت أجيبه
" هي الأخرى أم و تتألم كثيرا الآن "
" أنت لا تفهمين شيئا ميوك "
قالها ليبعد رأسه ، رفع نظراته نحوي ثم أمسك كفي و سحبني أجلس بجانبه ليضع رأسه بحضني هذه المرة ، رفع ساقيه عن الأرض لكنه لم يتمدد ، بل ضم نفسه ليضع كفيه بين قدميه كجنين يحاول أن يحتمي من غدر الحياة
أيقنت أنه يريد أن يتحدث ، يريد أن يقول ما يحبس بصدره فخللت أناملي بين خصلاته و سألته ، إنه يحتاج من يسأله حتى يتحدث عن همومه و ابنه
" ما الذي لا أفهمه أنا ؟ "
هدأ ليصمت بضع دقائق و يجيب أخيرا
" داي لم يكن من صلبي ... و هذه الحقيقة لم أعلمها إلا في آخر أيامه "
توسعت عيني متفاجئة مما قاله فرفع ساقيه أكثر نحو صدره و همس يواصل
" ذلك الابن الذي شددت أزري به ، الذي أبعدته عن الجميع لم يكن لي ، سرقته دانبي ثم الموت "
ربت على خصلاته و الحزن استفحل أكثر في صدري
" أوهمتني تلك المرأة أنني أعيش سطوتي ... انهرت عندما علمت بمرضه ثم صفعت بقوة و أنا أدرك حقيقة أنه ليس من صلبي عندما قررت أن أتبرع له ثم جاء الموت ، بت وحيدا يا ميوك ، أنت تدرين كم كان يعني لي ابني "
رسمت بسمة بائسة لتتسلل دمعتي بقهر و أجيبه
" أنا التي تعلم كم كان يعني لك ... أنا التي تعلم مدى فداحة خسارتك "
و كأي بشر حلت عليه مصيبة هو لا يمكن أن يلبث في مكان واحد ، بين الأماكن سوف يتنقل عله يعثر على الراحة و الأمان ، لقد ابتعد عن حضني ليعاود الجلوس بتعب ، كفيه لا تزال بين ساقيه و التفت لي بجانبية ، حدق بعينيّ ثم همس عندما امتلأت عينيه بالدموع
" أنا آسف ... آسف على ما فقدتي بسببي "
لم أكد فهم ما الذي يقصده حتى اقترب و ضمني له من جديد ، لقد احتمى بصدري و تمسك بي
" الله يعاقبني على ما فعلت بكِ "
*
الصديق هو الجدار الذي يستند عليه الرجل ، إنه الجدار الذي يبكي خلفه دموعه
كثيرا ما خذلت صديقي عندما ادعيت المثالية و أنبته على سوئه
أنا نادم للغاية الآن
تشانيول هو أقرب صديق لي ، إنه الذي يحمل همومي و أسراري و أنا كثيرا ما تنصلت من حمل همومه و أسراره معه ، دائما كنت أخبره أنه سيء و يجب أن يتغير
الآن أنا نادم ، عندما رأيت انهياره على ذلك الولد الذي صنع دنياه و هوّن عليه ماضيه
داي كنت أعلم أنه لن يعيش طويلا ، طبيبه أخبرني لكنني وقفت عاجزا أمام تشانيول
لم أستطع اخباره و جعلت الطبيب يعطيه أمل ، أحيانا يخبرنا الطب أن النهاية حانت لكن القدر يتغير
هكذا كنت آمل أن يحدث عندما باشروا بعلاجه و تشانيول قرر التبرع له عندما تطابقت أنسجته و داي
هذا التطابق بينهما لوحده معجزة تخبره أنه لن ينسب لرجل غيره
إن الأب ليس من ينجب ، إنه ذلك الذي يربي ، الذي يقدم قلبه و كل دنياه و أنا شاهد أن صديقي قدم لذلك الصغير أكثر من كل هذا
عدت للمستشفى و ذهبت نحو الغرفة التي وضعت فيها دانبي
هي لم تكن قادرة على صلب طولها و لم تتحمل موت ابنها ، رغم اخفاءها للحقيقة لكنني لا ألومها ، لن ألوم أحدا بعد الآن فالحب صعب و يدفعنا لفعل الكثير من الأمور التي لا نقبلها
تقدمت نحو باب غرفتها ثم وقفت قليلا و طرقته ، لم تجبني ففتحته و دخلت
لقد كانت تجلس على طرف السرير ، نفسه السرير الذي مات عليه داي ، تضع كفيها بحضنها و تنظر نحو السماء من خلال النافذة
فارغة هي روحها و هذا واضح بدون أن تقول شيء أو تصف مشاعرها ... إنها أم و النار المشتعلة بصدرها عكس ما تظهره من هدوء في هذه اللحظة
" دانبي ... "
التفتت ناحيتي عندما ناديت اسمها ، رفعت كفها و مسحت دموعها لتستقيم و تظهر الحقيبة التي كانت تضعها بجانبها
حملتها بتعب رغم صغرها وتقدمت ناحيتي لتقف مقابلة لي
" هل دثرتموه جيدا ؟ إنه يكره البرد "
قلبي تحطم لألف قطعة جراء كلماتها القليلة لأومئ فقط فقربت كفها مني لأفتح كفي أنا ، لقد وضعت خاتم زواجها بكفي و نبست بهدوء
" أعلم أنه لن يسامحني لكن أخبره أنني أخذت جزائي ... أخبره أنني أحرره مني "
تجاوزتني مغادرة و أنا فقط شددت على الخاتم بكفي و نفيت بعدم رضى على حالهم
النهاية كانت سيئة و قاسية للغاية
*
نحن عندما نرى جروح و انكسارات غيرنا سوف تهوّن علينا جراحنا و كسراتنا
و اذا كان هذا القلب المكسور يعني لنا الكثير سوف نشعر بآلامه معه
وضعت وسادة تحت رأسه عندما جعلته يتمدد على الأريكة ، غطاء خفيف و أوقدت النار داخل المدفئة
جهزت له بعض الطعام ثم وضعته بصينية و اقتربت لأضعه على الطاولة القريبة و دنوت أجلس القرفصاء أمامه
لقد شردت بملامحه الحزينة ، إنه يغمض عينيه لكن مستحيل أن يزوره النوم
إنه لن يتوقف عن التفكير بما حدث ، لن يتوقف عن البحث بين أدرج ذكرياته عن صور ابنه
وضعت كفي على وجنته ثم همست اسمه بهدوء
" تشانيول ... "
فتح عينيه فواصلت
" لقد حضرت لك شيئا لتأكله "
فنفى بدون أن يقول شيء ، في وضع كهذا سوف يكون الكلام مرهق ليس الا و هذا دفعني لرسم بسمة مهما حاولت و جاهدت هي رسمت بأسى
" من أجلي ... "
لم أعتقد أنه سوف يستسلم هكذا بسرعة ، بالفعل أبعد عنه الغطاء و اعتدل في مكانه ، قلبي آلمني بشدة عليه فهو لا يزال يتمسك بي بقوة و شدة ، لا زلت أعني له الكثير
حملت الصينية و جلست بقربه لأضعها بحضني ثم حملت الملعقة و حملت بها الحساء و عندما قربتها من فمه هو التفت و نبس بهدوء
" داي كان يحب تناول طعامه معي "
أسفت نظراتي لأخفض الملعقة ، وضعتها ثم أمسكت كفه و شددت عليها
" تحدث أكثر عنه "
فواصل
" لقد أخبرني مرة أنه معجب بصديقته ... "
ابتسم لتنهمر دموعه فرفع كفه و مسحها بعنف مواصلا
" وقتها مزحت معه لكن مزحتي الحمقاء كانت أنانية ... لقد أخبرته أنني لست مستعدا لتقاسم قلبه معها ما لم أراها فقال أنه لن يمسك كفها حتى أراها "
أجهش بالبكاء فوضعت الصينية من جديد على الطاولة و قربته مني ، ضممته ليضع رأسه على صدري و مررت كفي على ظهره
" لا تلم نفسك ... أنت كنت حبيبه الوحيد "
" كثيرا ما وعدته و أخلفت بتلك الوعود "
" نحن جميعا لا ندرك أننا نرتكب الأخطاء بحق أحب الناس على قلوبنا حتى يفوت الأوان "
" إنه من كنت أضن أنه سيغدو رجلا بقلب نقي لذا اقترفت جميع الخطايا بدون أن أفكر أو أسمح لصوت ضميري أن يعلو "
فقط واصلت تحريك كفي عليه و هو واصل قول الكثير و المزيد ، داي كان مرتبطا بوالده و متعلقا به لكن تشانيول كان الأكثر ارتباطا ، لقد كان الحلقة الأضعف في تلك العلاقة بينهما و هاهو يعاني بدونه
إنه يلوم نفسه على أصغر و أبسط الأمور
صحيح أنني لم أجرب يوما شعور الأمومة ، في يوم لم يكتب لي أن أكون أما لكنني أتفهمه
إنني أشعر بألمه و حرقته
*
عندما تدق ساعة العذاب و الألم الذي ينخر الصدور لن نجد بجانبنا سوى الناس الذين أحبونا بصدق
علاقاتي السابقة كانت كلها علاقات مصلحة
حتى من اعتقدت أنني أستغلها تبين أنها من استغلتني
وحدها ميوك أحبتني بدون مقابل ، أهدتني قلبها و لم تلمني
لم تقفل في وجهي أبواب قلبها رغم الجروح التي تترك أثاراها عليه
و أكثرهم ألم ذلك الجرح القريب الذي خلفته أنا بقلبها
منحنتني الحضن الذي احتجته و كم كان مشابها لحضن أمي ، تربيتتها كانت تشبه تربيتاتها
هي أبدا لم تقل أنني مخطئ و طوال الوقت الذي عرفتها فيه كانت تبرر لي أخطائي ... تماما مثل الأم التي لا يمكن أن ترى أخطاء ابنها
نامت هي بعد أن سحبتني معها لغرفتها و لم تحاول أن تبعدني عن حضنها لكنني عاجز عن النوم
مشاعري محطمة من جميع النواحي و يصعب أن أحضى بلحظة سلام و لو كنت بحضن السلام
إن الخطايا التي يرتكبها الآثمين أمثالي دائما ما انتهت بالفواجع ولا أحد منا اتعض ممن سبقوه
و أنا خطاياي انتهت بفاجعة الموت
انسحبت من الغرفة و نزلت لأخرج من المنزل بعد أن تركت بابه مفتوحا و جلست على احدى الدرجات الخشبية
الظلام يخيم على المكان فيذكرني بالظلام الذي يملأ صدري
الفراغ الذي أشعر به حولي سيكون نفسه الفراغ في ذلك المنزل عندما أعود له و أفتح بابه ، لن يستقبلني حضن ابني و لن أسمع صوته داخله
حياتي باتت بدون معنى و كل ما سعيت له أتمنى لو تحول لرماد و يتحول قلبي لرماد كما أشعر في هذه اللحظة
تألمت عندما فقدت ميوك جنينها مني لكن في النهاية هو لم تكن الحياة قد كتبت له لكن ألم فقداني لداي كان موجعا للغاية
ميوك التي واستني و قدمت لي كفها الدافئ لا تعلم بخصوص جنينها
هي من سعت أن تكون أما و تلقت عديدا من الخيبات لو علمت ما الذي سيحل بها ؟
نفيت أفكاري تلك و صممت أكثر على دفن ذلك السر بعيدا
أنا من بعد داي لم يبقى لي غيرها و أنا سوف أتمسك بها و أحميها بكل قوة أمتلكها حتى لو واصلت سوئي لأنني من البداية آثم فما الذي سيتغير الآن ؟
استقمت من مكاني ذلك و عندما التفت كانت تقف بالفعل على عتبات باب المنزل ، رمقتني بنظرات حزينة آسفة ثم تركت الباب و اقتربت لتضم ذراعيها خصري و هاهي تضع رأسها على صدري
تمسكت بها بقوة و همست بألم
" أنا أحبكِ ميوك ... أقسم أنكِ ما كنت يوما نزوة أو حتى رغبة أردت بلوغها ، كلها أوهام حاولت اقناع نفسي بها قبل أن ألقنكِ اياها ، صدقيني هذه المرة و أعدكِ أنني سوف أبعد هذا الليل الذي طال أمده عنا "
نهاية الفصل الواحد و العشرون من
" المعارض - ارتواء "
أتمنى انكم استمتعتم بالفصل اعزائي كونوا بخير حتى نلتقي مع فصل جديد ❤❤
سلام
Bạn đang đọc truyện trên: Truyen247.Pro